مجلة الرسالة/العدد 134/في مقبرة جنوى حيث تتجاور الحياة والموت
مجلة الرسالة/العدد 134/في مقبرة جنوى حيث تتجاور الحياة والموت
للأستاذ فتحي رضوان
الساعة العاشرة في الصباح. . . . . .
وجنوى تشملها شمس إيطاليا الهادئة، ونحن على أبواب مقبرة جنوى
يا عجبي! لم أسمع من قبل أن أجمل ما في مدينة مقبرتها، وأن السياح والراغبين في التفرج عن النفس، والجارين وراء لذائذ العقل والفكر، يهبطون جنوى، فلا يطلبون حدائقها، ولا يقصدون متاحفها، ولا يسألون عن حماماتها أو أسواقها، بل يستحثون الخطى وغايتهم (المقبرة)!!
فأي مقبرة هذه التي يهواها الناس؟ أليست مكاناً اضطجع فيه الناس بعد هذه الرحلة الطويلة التي يقطعونها في الدنيا، بحثاً عن المال، أو هياماً بالجمال، أو عدواً وراء جاه المنصب. . .؟ أما تضم الرفات بعد أن ذاب عنها اللحم الوردي؟ أما تجمع العظام بعد أن تشتتت وانتثرت وانحلت روابطها؟ أما تفوح منها رائحة الذكريات الحزينة: ذكريات الحبيب الذي ترك وراءه قلباً دامياً وعيناً دامعة، وذكريات الولد الذي خلف الأم الولهة، وذكريات الزوج الذي من ورائه أرملة ثكلى. . .؟
أتكون مقبرة جنوى شيئاً يمحو من صدور اليتامى والأيامى والبؤساء والحزانى أحزانهم ويهدئ آلامهم؟ إن تكن كذلك فهي أعجوبة أحْرِ بالناس أن يقصدوها لا ليفرجوا عن أنفسهم برؤيتها، بل ليحملوا إليها كل من فارقهم وكان عندهم عزيزاً، ليشعروا ببرد العزاء وحلاوة السلوان
دلفنا نحو المقبرة؛ ولست أعرف إحساسي وقت أن دنونا من بابها، فقد وقفت بنا السيارة أمام باب ضخم مفتوح على المصاريع، وإلى جانبه حارس؛ فلما اقتربت من الباب نظرت إلى الحارس، وقد حسبت أن طول اقترابه من قبور الموتى جعل له مظهراً خاصاً به، فإذا هو رجل عادي، يرى كل يوم النعوش الرخيصة تتبعها أسر فقيرة، والنعوش الغالية الثمينة، ووراءها الأغنياء الذين يتأنقون في الموت كما يتأنقون في الحياة، والموت يهزأ بهم، وإن كانت الحياة تدللهم!
لقد تعود حارس المقبرة أن يرى أحزان الناس وصور شقائهم، فبردت أعصابه، وتفه مآسي الناس عنده، إذ رأى المتباكين الذين لا يحسون بألم، والمفجوعين الذين لا يجدون دمعة يلطفون بها نار صدورهم. . .
ولكن يا ترى ماذا يفعل الحارس إذا أصابه القدر في ابنه أو زوجته أو أمه أو حبيبته؟ أتبقى أعصابه في برودتها، ونفسه في شدتها، ودموعه في تحجرها؟ أم أنه سيفهم آلام الناس من جديد على ضوء النيران المشبوبة في صدره، الملتهبة في قلبه؟
تركنا حارس المقبرة، ورأينا في طريقنا عشرات من الحراس يلبسون على أكتافهم مآزر زرقاً من الصوف، تقيهم برد الشتاء، وتكسبهم وجاهة القواد والوجهاء، وهم يتبخترون في مشية عسكرية وخيلاء، وقد جملوا شواربهم ورفعوها، وحلقوا لحاهم وعطروها، فما عاد هيناً أن تعرف إذا كان هؤلاء حكاماً جاءوا يتنزهون، أم هم أشباح موتى ثقلت عليهم رقدة الموت، فخرجوا يتمشون ويتنفسون. . . إي وربي إنهم أشباح! فالواحد منهم على جلال مظهره، وجمال ملبسه، لا يعدو أن يكون تمثالاً؛ فالأيام تذوب وتدور، وهم في مماشي المقبرة واقفون، يرفعون رؤوسهم إلى السماء، ويخفضونها إلى الأرض، ويضعون خناصرهم وبناصرهم في خواصرهم، لا يشغلهم شاغل! حسبهم من الحياة أنهم وقفوا على أبواب الموت، تاركين وراءهم ضجات الناس وصيحاتهم. . . بل حسبهم من الحياة أنهم يحملون أقل أعبائها، ويرون أصدق حقائقها، فإذا جاءهم بعد ذلك الموت، وجدهم كالموتى، لا أوزار ولا أطماع، ولا ماض يحاسبون عليه؛ ثم وجدهم في المقبرة، يعرفون لحودها ويحفظون حدودها، ويدركون مكانهم اللائق بهم فيها
لقد قسوت على حراس المقبرة! وأحسب أن مظهرهم قد غرني وخدعني. . فكم تخفي الوجوه الهادئة نفوساً ثائرة! وكم يحترق الذين يحسبهم الناس كسالى ونائمين! ومن يدري؟ فلعل أحد هؤلاء الحراس شاب مغامر طاف بالأرض وجازف بالمال القليل الذي كان بين يديه، وبالحياة الغالية التي بين جنبيه، ثم قذف به القدر حارساً لمقبرة، وهو أبعد الناس عن الموت وفكرته، مشغولاً بالحياة ولذتها. . ولكنه يسير كما يسير بقية الحراس، مطرقاً متأملاً، شمخاً، متألهاً، وهو مستغرق في أفكار نفسه وبوده لو يواتيه القدر فينطلق من جديد. . .
لقد طالت وقفتي بحراس المقبرة. . .
هذه هي المقبرة، وقد لاحت من بعيد شواهد القبور، فأفلتت مني ضحكة أعرفها من نفسي كلما جاشت فيها خواطر، واحتدمت ضحكة يحسبها الذين معي أنها استخفاف بالذي أرى أو انصراف عما أرى، وهي ضحكة النفس التي أسأمتها صور الحياة المتشابهة، وقد أفرحها أن ترى الحياة والموت متجاورين، فلا الموت جعل مظهر الحياة عابساً، ولا الحياة جعلت مظهر الموت تافهاً. . . ضحكة الذي رأى الحياة وقد حنت على الموتى، فجملت لهم مساكنهم وزينت لهم حدائقهم، بل ضحكة الذي سره أن يرى مظاهر الحب الإنساني وقد تجسدت تماثيل وشواهد. . بل وقد تضوعت زهوراً وعطوراً. . .
هذه هي مقبرة جنوى. فأي فرحة شملت نفسي! وما بالي أرى الدنيا من حولي ضاحكة؟ هل أستخف أمام الموت بالموت الذي جمع في هذا المكان مئات الألوف من الموتى: صبياناً لم يتجاوزوا العقد الأول من أعمارهم، وفتيات صبايا أرى صورهن على قبورهن فأرى وجوهاً تترقرق بماء الحياة وتفيض بفتنة الأنوثة. . . ورجالاً قصف القدر عمرهم وعلى أكتافهم عبء عمل ناضج؟. . .
الشمس في السماء شمس رحيمة لا تحرق البدن، ولا تلفح الوجه؛ تحف بها السحب، والمكان هادئ لا جلبة حتى ولا بكاء. . وأنا مستغرق في تأملاتي، وأخواني قد سبقوني وأصواتهم تصل إليّ من بعيد! لقد هدأت نفسي، وذابت في أعماقها الضحكة التي كنت أسمعها بإذني صوتاً، ويراها صحبي بشراً. . . ما بال الدموع قد ملأت عيني؟ ما بالي لا أرى شيئاً، ولا أسمع شيئاً. .؟
لقد أفقت على وقع أقدام من بعيد: أقدام تطرق الأرض طرقاً حاداً، ولكنه رفيق. . . عالياً، ولكنه موزون. . فما تحركت ولا تركت مكاني، بل بقيت مسترسلاً في هذه الخواطر التي لم أكن أعرف لونها ولا سرها، لأنها كانت تبدو لتختفي، وتتعارض وتتقابل، وتجتمع وتفترق، وتهدأ وتشتد. . خواطر أشبه بهواجس النائم الذي شغلت ذهنه قبل نومه ألف فكرة، فتحركت جميعاً حينما أغفى
لعلي لمت نفسي وأنا مطرق على قسوتها على الذين أحبوني وأخلصوا الحب، فشغلتني عنهم شواغل الحياة، فتألموا صامتين، وودعوني عند السفر باكين، بل صابرين. . . أو لعلي لمت نفسي إذ رسمت لنفسي طريقاً محفوفاً بالصعاب، فوهنت حيناً، وأغفيت حيناً، وجدفت وتشككت أحياناً. . ولعلي لمت نفسي لأني أحببت ألوان الجمال جميعاً، فما تغذيت بلون منها، ولا شبعت بها جميعاً. . .
لعلي لم ألم نفسي. . .
اقتربت الأقدام مني، فإذا بشبح أسود يمر سريعاً دون أن أراه. . ولكني أفيق فأتبين في الشبح فتاة تلبس الرداء الأسود الحزين وفي يدهاطاقة ورد، وعلى وجهها مسحة ألم، وهي في مشيتها لا تلقي بالاً لما حولها
هذه الفتاة ليست إلا قصة حزن من قصص الحزن التي سجلها الحفار تمثالاً، والتي سجلها الزمن أجساداً تسير في الدنيا بلا أرواح، مشغولة بالذين راحوا، ولا عودة لهم بعد الرواح. .
تبعتها، ولم أر بعد وجهها، وقد أحسست أن نصف حزنها قد خف ولطف، فقد قاسمتها الهم الذي تنوء من تحته، والألم الذي تشكو من وخزه، والحرمان الذي تبكي لطوله وعنفه. لقد بدت لي هذه الفتاة في ثوبها الأسود، ووشاحها المسدل، وإطراقتها الطويلة، الإنسانية التي تنبعث آلامها من آمالها، فقد تكون هذه الفتاة قد أقبلت لتضع على قبر حبيبها طاقة زهر، أو تنثر فوقه دموع عينيها، وقد كانت بالأمس تمني نفسها أن تكون له ويكون لها. . .
انطلقت الفتاة وكأنها تعدو؛ واخترقت الدهاليز، واجتازت الأبهاء؛ وبعدت عن صحبي، ولعلي بعدت عن نفسي، وخيل إليّ أن الفتاة لا تقصد قبراً، وأن القبور تساوت أمامها فكلها من الحجر الغالي، وكلها منقوش ومصور، وكلها أصم أبكم، بارد جامد لا يلين تحت يد، ولا يلتهب لوقع قبلات المحزونين المكروبين.
أتقودني هذه الفتاة إلى مجهول، أم أن دنيا الأحزان هكذا متسعة، والطريق إليها يطول ويطول. . .؟ ولكن الفتاة لم تلبث أن انحرفت إلى دهليز ضيق، ثم خطت خطوتين، وركعت أمام قبر من الرخام الأسود، ورسمت الصليب، وأغمضت عينيها. . . كان النور ضعيفاً، باهتاً، وكان المكان ساكناً ساكتاً، فابتعدت عنها خطوتين ووقفت أتأملها، ولكن الشمس لم تلبث أن خطت في السماء خطوتين، ثم سقط نورها من نافذة من الزجاج زرقاء، فرأيت هذه الفتاة تمثالاً افتنت فيه يد صانع الطبيعة، فاجتمع فيه ألف معنى، فلو سألتني أهذه الفتاة طفلة تتشبث بصدر أمها، ولم تتجاوز بعد الأعوام الأولى من عمرها، لقلت (نعم!). ثم لو عدت وسألتني: أهذه الفتاة صبية لاهية تائهة في الدنيا ساهية، لقلت (نعم!). ثم لو رجعت إلى السؤال فقلت: أهذه الفتاة شابة اكتملت أنوثتها، ونضجت فتنتها، لقلت (نعم!) ثم لو ألححت في السؤال فقلت: أهذه الفتاة امرأة أثارت الدنيا شهواتها، ولم تضعف الأيام نزواتها، لقلت (نعم!). ثم لو كان بعد ذلك في مكنتك أن تسأل فقلت: أهذه عجوز شيبت السنون رأسها، وهدت البأساء نفسها، لقلت (نعم!). لقد أطلت النظر إلى وجهها، فرأيت الرجاء والتوسل، والبكاء والتهدم، والاطمئنان والاستسلام، والثورة الجائحة، والشك في رحمة الرحمن. . .
لمست القبر وقبلته، واقتربت منه وعانقته، وأسلمت رأسها وقد انسدل وشاحها على ظهرها، وبدا لي أنها شرقى تطلب ماء لغصة في حلقها، ولكنها رنت إلى السماء بوجهها، فرأيت أنها تطلب من الله ماء العيون. . فلقد تحجرت عيناها فلا بكاء ولا دموع. . .!
انتصبت الفتاة واقفة، ثم رفعت من فوق القبر قنديلاً صغيراً كادت تخبو شمعته إذ أوشك زيته على النفاد، وملأت القنديل بزيت من زجاجة كانت معها فاشتعل القنديل وتوهج، ثم ذهبت إلى الناحية الأخرى من القبر وملأت القنديل الموجود هناك، ثم رفعت طاقة الزهر التي كانت معها فوضعتها على القبر وتمتمت ثم رسمت الصليب وانطلقت وقد زاد وجهها شحوباً، ووقفت حيث كنت متأملاً في نور هذا القنديل، مشفقاً على هذه الإنسانية التي لا تدري كيف تعبر عن حزنها ولا عن ألمها. . . ماذا يفعل هذا النور الخافت في هذا الدهليز الضيق؟ وما الذي يفيده الفقيد الراحل من الزهر المنثور على القبر ومن القنديل ومن تجديد الفتيل. . . إنه ذهب ولن يعود. . . ولكن الحياة لا تعترف بأنها فقدت من الموتى كل شئ، فهي تحدثهم بلغة الأنوار والأزهار، وهي تناجيهم بالتماثيل والتهاويل، وهي تسمعهم الأغاني والتراتيل. . . . أهي تفعل ذلك كله من أجل الموتى؟ أو من أجل نفسها؟ أهي تتشبث بالذين ذهبوا أم تتعلق بالدنيا التي تتجدد وتتطور وتزداد كل يوم جمالاً وافتناناً؟. . . وما أقوى الحياة في بدايتها وما أقواها في نهايتها!
لكن هذه الخواطر الغامضة لا تنتهي، لأن كل شيء في المقبرة يفجر في النفس ينابيع التأمل والاستذكار، فلابد لزائر المقبرة من شيء أو شخص ينتزعه من هواجس نفسه وخواطرها. وقد كان الذي انتزعني دليلاً من إدلاء المقبرة، تقدم إليّ وعلى عينيه مناظر لامعة، وسألني كم من الوقت أريد أن أقضي في المقبرة. قلت لأصرفه عني: (دقائق قليلة)؛ فقال حسناً. اتبعني. فتبعته وأنا أسائل نفسي ماذا يستطيع أن يقول هذا الدليل وقد تكلمت التماثيل والأحجار، ونطقت القبور والأنوار، وسالت الفجيعة من كل ركن من أركان المقبرة؟ ولكنه قادني إلى تمثال أنيق لراهب وانطلق يذكر صانع التمثال وشهرته، وتاريخه وبدائعه، فأحسست أن الجو الشعري الذي اشتملني قد تبدد أرجه وعطره، وشعرت أنني خرجت إلى دنيا التوافه. . . دنيا الأرقام والإحصاء، الدنيا التي لا ترى فيها إلا مكافحاً في سبيل الرزق، أو مدجلاً من أجل الشهرة، أو مغلوباً على أمره، يبغي البقاء ويخشى أن يدهمه الفناء. . .
قل أيها الدليل كل الذي في جعبتك فإنك لا تهوى الفن ولا تعشقه، وليست هذه التماثيل في حسابك إلا بقدر ما تدخل الجثة المسجاة في سرير في حساب (النادبة) التي تؤجج نيران الأسى في قلوب ذوي الفقيد وهي لا تحس ألماً، بل تنتظر لعويلها ثمناً. مرّ بي على تمثال الجندي الشاب الذي صرع في ميدان القتال فأقامت له أمه نصباً خلدت به ابنها، فأبرز المثال صورته، وقد أصابته الرصاصة في صدره، فوضع يده حيث اخترقته القذيفة ووقفت أمه من ورائه تحنو عليه. . .
مر بي أيها الدليل على تمثال الفتاة التي زفت إلى خطيبها، فماتت في شهر عسلها؛ وعلى تمثال الغواص الذي هبط إلى أعماق البحر ولم يخرج. . .
مر بي أيها الدليل في الدهاليز. . . وأشر بإصبعك إلى القطع البارعة التي أحرقت أعصاب أصحاب الفن قبل أن تبرز إلى الوجود. . . لخص أيها الدليل أجمل معاني الدنيا في عباراتك الباهتة وقل هنا (قبور الأغنياء)، وهنا قبور القرن الماضي، وهنا قبور المتوسطين من الناس. . . كأني جئت هنا لأضع الموتى في مراتبهم الاجتماعية، ولأسأل عن وظائفهم ومقادير ثرواتهم وما حصلوا من مجد، وما لاقوا من عنت. . . قف أيها الدليل أمام أجمل فتنة فنية؛ ثم لا تدعني أتأملها لأنك تحسب أنك قلت لي عنها كل شيء إذ تقول إنها تكلفت أموالاً كثيرة. . .
ولتدخل بي أيها الدليل إلى دهليز طويل، لأرى في جداريه أدراجاً فأحسب أنها أدراج مكتبة وقفها بعض ذوي الثراء على الراغبين في العلم الباحثين عن المعرفة حتى في المقبرة، ثم قل لي إن في كل درج جثماناً. . . وأن الأدراج امتلأت بالموتى ولم يبق إلا اثنان ينتظران ميتين. . .
إنها لمكتبة حافلة! ولكن من يستطيع فك مغاليقها وفض أختامها؟ واخرج بي أيها الدليل إلى مقبرة الفقراء والمساكين الذين لا يقيمون لموتاهم نصباً ولا تماثيل. ولا تقل لي عدد الموتى ولا أعمارهم. . . فإني هنا في حديقة جميلة غناء، بودي أن أقف فيها والشمس الهادئة تغمرني، والجبل الأشم يطالعني، والموتى الساكنون يغسلون بسذاجة قبورهم نفسي. . .
ولكن قل لي أيها الدليل ما بال هذا القبر يبدو عاطلاً من كل حلية.؟ (نعم يا سيدي لأنه قبر رجل غريب!)
أيتها الإنسانية المسكينة! تشبثي بالفروق، وتأنقي في الموت، وتأنقي في الحياة، وأقيمي لموتى الأغنياء قباباً، واحفري لموتى الفقراء لحوداً، ثم انظري آخر الأمر ماذا بقي لديك في يديك؟ الموتى جميعاً أصبحوا (معروضات) في متحف، يرتزق بالتحدث عنهم دليل جاهل، ويتسلى بالنظر إلى صورهم زائر عابر، ولا تبقى وراءهم إلا عبرة في عين، وحسرة في قلب، وعبرة لمن أراد أن يعتبر!
(جنوى)
فتحي رضوان المحامي