مجلة الرسالة/العدد 134/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 134/البريد الأدبي
وفاة روديارد كبلنج عميد الشعر الإنكليزي
منذ أسابيع قلائل كان عميد الشعر الإنكليزي المعاصر روديارد كبلنج يحتفل ببلوغه السبعين من عمره؛ ولكن الشاعر الأشهر لم يلبث أن مرض بعد ذلك بقليل، ثم توفي في الثامن عشر من يناير الجاري
وقد ولد روديارد كبلنج في الهند بمدينة بومباي سنة 1865 وكان أبوه جون كبلنج فناناً أديباً؛ وكان وقت مولده يشغل منصباً في مدرسة الفنون الجميلة ببومباي؛ وتلقى كبلنج تربيته في إنكلترا في كلية ديفون؛ ثم عاد إلى الهند في سن السابعة عشرة؛ واشترك في تحرير صحيفة إنكليزية تصدر في لاهور. وفي سنة 86 أخرج كبلنج أول آثاره الشعرية في مجموعة سماها (الأغاني الإقليمية)؛ وأعقبها بمجموعة قصصية عنوانها (قصص من التلال) وتوالت آثاره القصصية بعد ذلك فأخرج منها، (الأبيض والأسود) و (الشبح ركشو) و (وي ولي وتكي) وغيرها؛ فذاعت هذه القصص في الهند والصين واليابان، وطارت شهرة كبلنج إلى ما وراء البحر، واستقبل كبار النقدة فيه قوة أدبية جديدة، وتجول كبلنج في بضعة الأعوام التالية في الهند والصين واليابان وأمريكا، ثم عرج على إنكلترا حيث سبقه صيته، واستقبل بما يليق بأدبه وشعره من التجلة والتكريم؛ وتجول بعد ذلك حيناً في أفريقية، ونشر عن سياحاته العديدة كتاباً سماه (من بحر إلى بحر) وفي سنة 1890 أخرج كبلنج مجموعة قصصية عنوانها (نضال الحياة) وأتبعها بأخرى اسمها (النور الذي خبا) بيد أن عبقرية كبلنج الأدبية تصل الذروة في كتابيه الشهيرين: (كتاب الغابة) وكتاب (الغابة الجديدة)، وهما كتابان قصصيان عن حياة الحيوان في الغابة على مثل كتاب (كليلة ودمنة) في أدبنا العربي، وعلى مثل بعض قصص الحيوانات والطيور التي وردت في ألف ليلة وليلة؛ وفيها يعرض كبلنج بعض خواص الحيوان الطبيعية والنفسية عرضاً رائعاً ساحراً؛ وكان ظهور هذين الكتابين الأول في سنة 1895 والثاني في سنة 1896، أعني حينما بلغ كبلنج الثلاثين من عمره. ويعتبر النقدة كتابي (الغابة) أروع ما في أدب كبلنج وإنتاجه.
واستمر كبلنج في إنتاجه الأدبي يخرج المجموعات القصصية والشعرية تباعاً، ويرتفع باستمرار في سماء المجد والشهرة. ومن مجموعاته الشعرية الشهيرة غير ما تقدم (الأمم الخمس) (سنة 1903) و (أناشيد من الكتب) (سنة 1913) و (الديوان الشامل)، وفيه يجمع طائفة كبيرة من شعره المتفرق. وكتب كبلنج أيضاً (تاريخ إنكلترا) بالاشتراك مع صديقه فلتشر؛ وفقد كبلنج ولده في الحرب الكبرى، فرأى أن يخلد ذكرى الفرقة التي حارب معها في كتاب عنوانه (الحرس الأرلندي في الحرب الكبرى) (سنة 1923)؛ وكتب كبلنج غير ذلك كتباً أخرى من القصص والشعر يضيق المقام عن ذكرها
ويلقب كبلنج في الأدب الإنكليزي بأنه (شاعر الإمبراطورية)؛ وهذه في الواقع أبرز خواص الشاعر الأكبر؛ وربما كان في هذه الخاصة ما يباعد بين أدبه وبين العقلية الشرقية؛ فقد كرس كبلنج كثيراً من نظمه ونثره للإشادة بعظمة الإمبراطورية البريطانية وما أحرزت من سيادة واسعة على كثير من الشعوب، وما أصابت من النعماء والغنى، وما يجب عليها أن تتذرع به لاستمرار هذه السيادة الشاملة على الشعوب المحكومة؛ وفي هذه المواطن يبدو كبلنج استعمارياً مغرقاً في القومية. بيد أن كبلنج، فيما عدا ذلك، يتمتع بخواص أدبية وشعرية باهرة؛ وأسلوبه قوي ساحر يفيض بياناً وبلاغة؛ وقد انقسم النقدة في شأنه إلى فريقين، فريق يرتفع بأدبه إلى الذروة، ويرى فيه المثل الأعلى للشعر المعاصر، ومن هؤلاء روبرت لند الذي قال عن كبلنج (إن عبقريته تشرق على جيله في البلاغة والفكاهة) وفريق وهو الأقلية ينتقص من مكانة كبلنج، ويرميه بأنه سطحي في شعره وفي نثره، وأنه يكتب بأسلوب براق يرضي الجماهير فقط. وزعيم هذا الفريق جورج مور. بيد أنه مهما قيل عن كبلنج وعن مواهبه وخلاله، فلا ريب أنه يتبوأ أرفع مقام في الأدب الفيكتوري
وقد نال كبلنج طائفة كبير من الجوائز والأوسمة الأدبية الرفيعة، فنال جائزة نوبل للآداب في سنة 1907، ونال الوسام الذهبي لجمعية الآداب الملكية، ومنح عدة إجازات فخرية من الجامعات الكبرى، ولبث مدى أعوام مديراً لجامعة سنت أندروز
قضايا التاريخ العظمى
أصدر الأستاذ هنري روبير المحامي الفرنسي الكبير جزءاً جديداً من كتابه الشهير (قضايا التاريخ العظمى) ' وهو الجزء العاشر من ذلك الأثر الحافل الممتع؛ ويعرف عشاق الأدب الفرنسي كتاب الأستاذ هنري روبير حق المعرفة ويقرءون أجزاءه المتوالية بشغف ولذة، وهو كتاب يفيض في الواقع طرافة وقوة وسحراً، وفيه يتناول المحامي الأشهر طائفة كبيرة من أشهر القضايا التاريخية والجنائية المروعة، ومعظم هذه القضايا والحوادث معروف للقارئ المثقف، ولكن الجديد فيها حقاً هو الأسلوب الرائع الذي يعرضها به الأستاذ هنري روبير على قارئه؛ فهو محام بارع تخرج على يد الأعلام من أقرانه السابقين مثل لاشو وديمانج ولابوري أعلام البيان والدفاع في القرن الماضي، ثم هو كاتب من الطراز الأول يتشرف بالانتماء إلى الأكاديمية الفرنسية والانخراط في سلك الخالدين؛ وهو بهاتين الصفتين يقدم إلى القارئ تحفة قضائية وأدبية رائعة، عرضت في أسلوب قضائي وتاريخي واضح، ونظمت فيه الأدلة والفروض القضائية إلى جانب التعليلات التاريخية والاجتماعية البارعة. وربما كان عيباً في هذا الأثر الحافل أن يخصصه هنري روبير كله تقريباً لاستعراض قضايا التاريخ الفرنسية (وإن كان يقص فيه قليلاً جداً من القضايا الأخرى) ولكن ربما كان ذلك أيضاً من عوامل قوته ودقة معلوماته ووثائقه
ويتناول الجزء الجديد الذي أصدره هنري روبير عدة فصول أولها فصل خصص لحوادث السموم والنسوة المسممات في القرن السابع عشر، وهي حوادث تناولها من قبل المؤرخ البارع فونك برنتانو في كتاب قوي ساحر؛ وفصل خصص لفضيحة بناما الشهيرة التي انتهت بإفلاس الألوف وضياع مئات الملايين، ومحاكمة نفر من كبار الممولين والساسة يومئذ والحكم على بعضهم بالسجن؛ ثم فصل خصص لحياة كاترين دي مديتشي ملكة فرنسا ووالدة هنري الثالث وفرانسوا الثاني وشارل العاشر ملوك فرنسا، وهي امرأة رائعة وافرة الدهاء والخبث؛ ولكن الأستاذ هنري روبير يحاول أن يخفف عنها حكم التاريخ القاسي، ويتلمس لها أعذار السياسة والملك
والأستاذ هنري روبير يخرج فصوله الساحرة دون نظام معين، ففي كل جزء من كتابه أربعة فصول أو خمسة لا تجمعها رابطة العصر أو النوع؛ ولهذا لا يعتبر الجزء الجديد خاتمة الكتاب، وليس يعرف من جهة أخرى أنى يقف الكتاب وأيان ينتهي
شكسبير والسينما
سنرى قريباً أول رواية لشكسبير على ستار السينما؛ وهي فكرة جريئة للفنان المشهور مكس رينهارت، فهو يعمل الآن لإخراج شريط مصور من رواية شكسبير المسماة: (حلم ليلة صيف)؛ وقد سبق أن عمل رينهارت لإخراج روايات شكسبير الكبرى على المسرح، ونجح في ذلك نجاحاً عظيماً؛ فهو الآن يعالج إخراجها على ستار السينما؛ وكذلك عمل رينهارت لإخراج روايات أعظم كتاب المسرح مثل موليير، وابسن، وبرناردشو، وشترندبرج وغيرهم؛ وكان مكس رينهارت أول فنان وأول مخرج مسرحي في ألمانيا حتى جاء الهتلريون في الحكم فلم يشفقوا على علم ولا فن، وأطلقوا العنان لتعصبهم الجنسي الشنيع، وشردوا أقطاب الفن لأنهم يهود؛ وكان رينهارت في مقدمة أولئك الذين رفضوا البقاء في ظل هذا النظام البربري؛ وهو يتجول الآن في عواصم القارة فيلقى فيها أعظم حفاوة وتقدير
ومكس رينهارت نمسوي الأصل؛ وقد ولد في سالزبورج سنة 1873، فهو الآن في نحو الثانية والستين من عمره؛ وقد شاءت بلدية مدينة سالزبورج أخيراً أن تكرمه وأن تخلد ذكراه فأطلقت اسمه على شارع من أهم شوارعها، وسالزبورج هي مدينة الفن والموسيقى