مجلة الرسالة/العدد 129/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 129/البريد الأدبي
كتاب عن التاريخ الحبشي
وهذا أيضاً كتاب جديد عن الحبشة. والحبشة ومسائلها ومصايرها تثير اليوم أعظم الاهتمام والعطف. وقد صدرت عن الحبشة في الآونة الأخيرة كتب ومؤلفات عديدة أشرنا إلى بعضها في هذا المكان من (الرسالة). واليوم نشير إلى مؤلف قيم جديد هو تاريخ الحبشة بقلم الأستاذ جونس والسيدة مونرو وهو عرض قيم جداً لتاريخ الحبشة منذ أقدم العصور إلى الآونة الحاضرة؛ ويمهد المؤلفان بوصف شائق للحبشة وشعوبها وأصولها؛ ويتلو ذلك الحديث عن عصر الأساطير في التاريخ الحبشي، وهو حديث يدعمه التدليل التاريخي؛ (كان ملوك الحبشة حتى القرن الرابع من الميلاد وثنيين، يرجعون أصلهم إلى (مهرم) وهو إله الحرب. أما أسطورة ملكة سبأ فقد نشأت بعد القرن السادس؛ ومن المرجح أنها نشأت في العصور المظلمة التي تلت قيام الإسلام في جزيرة العرب. وحرمت الحبشة من الاتصال بالعالم النصراني)
وقد اعتنقت الحبشة النصرانية في القرن الرابع؛ وكان ملوك الحبشة يومئذ يعيشون في بذخ همجي، وما زالت مسلات اكسوم تدل على ذلك العصر. وفي (عصر الحبشة المظلم) وهو الذي يعرضه القسم الثاني من الكتاب، احتل العرب والمسلمون شواطئ البحر الأحمر وسحقوا حركة القرصان الأحباش، وقطعوا الحبشة عن العالم الخارجي، وفي ذلك العصر ازدهرت أسرة (زاجوي) واستمرت في الملك حتى سنة 1270م، ثم عادت الأسرة السليمانية التي تزعم أنها سليلة ملكة سبأ وسليمان. وبدأ تاريخ الحبشة الحديث؛ وكان للحبشة ديوان تحقيق (محكمة تفتيش) تطارد الملاحدة ورئيسها زرعة ابن يعقوب
ويتناول القسم الثالث من الكتاب أسطورة (القس جون) وسفارة البرتغال، ووصف السفير البرتغالي الفاريز للحبشة يومئذ (سنة 1520) وهو أدق وأقيم وصف لحالة الحبشة في أوج مجدها وحضارتها قبل أن تنحدر إلى عصر من الضعف والفوضى. وكان ملك الحبشة يعيش يومئذ في معسكر متنقل وليس له عاصمة ثابتة؛ وقد انتهت هذه السفارة الشهيرة بتنازل الإمبراطور عن مصوع للبرتغال نظير توريد السلاح وإرسال الأطباء؛ ولكن النتائج المرغوبة لم تتحقق لأن الترك عبروا البحر الأحمر يومئذ، وغزوا الحبشة؛ ولكنه غزو لم يطل أمده؛ ووقعت الحبشة في عصر من الفوضى
ويتناول القسم الرابع عصر (العزلة والفوضى) ثم يتناول القسم الخامس تاريخ الحبشة الحديث، ونزاع الأسر على العرش وظهور طلائع الاستعمار الأوربي، وحملة السير نابيير وانتحار الإمبراطور تيودور؛ ويتناول القسم السادس والأخير مسألة النزاع الإيطالي الحبشي في سنة 1935، وتطوراتها المختلفة حتى أغسطس الماضي
وقد كتب الكتاب بأسلوب سلس قوي يحفز القارئ؛ والكتاب قيم مدعم بالوثائق التاريخية، ويعتبر من أنفس ما كتب عن الحبشة في الآونة الأخيرة.
كتب بالمزاد!
أذيع أخيراً في القاهرة نبأ بيع مكتبة فخمة لأحد الكبراء، تحتوي على طائفة كبيرة من المجموعات والكتب القيمة، والمطبوعات النادرة، وكان البيع بالمزاد طبعاً، فهرع إلى مكانه حشد من العلماء وهواة الكتب والآثار النادرة، وبيعت في اليوم الأول طائفة حسنة من الكتب والمجموعات، ولكن لوحظ أنها بيعت بالأخص لجماعة من الهواة الذين يأسرهم جمال الطبع والرونق قبل أن تغريهم البواعث العلمية؛ ورأى الحاضرون من العلماء والخبراء الذين يعرفون قيمة الكتب ويحسنون تقدير أثمانها أنهم لا يستطيعون الشراء في هذا الجو المشبع بتنافس الهواة، فلم يشتروا سوى القليل. ذلك أن قليلاً جداً من الكتب المعروضة بيع بثمن المثل أو أقل قليلاً، ولكن معظمها رسا بأثمان فاحشة كانت تصل أحياناً إلى أضعاف القيمة الحقيقية؛ وكانت ثمة عوامل وأصوات مريبة تتدخل في المزايدة في ظروف ووقفات خاصة، فترفع الأثمان بنسب مدهشة حتى يتقدم أحد الفرائس من الهواة فيلقى عليه العبء المنشود
وبعد أيام قلائل كان بيع القسم الثاني من هذه المكتبة الشهيرة؛ فكان أول ما لوحظ أن معظم الذين حضروا في الدفعة الأولى لم يحضروا هذه المرة. ألم تتضح لهم الحقيقة بعد أن غادروا قاعة المزاد، وتساءلوا عن القيم الحقيقية للكتب التي اشتروها في هذا الجو المكهرب؟ وكان قد عُرف خلال ذلك أن المكتبة المعروضة ليست لكبير ولا وزير وإنما هي ملك لأحد تجار الكتب المعروفين الذين أزعجتهم الأزمة، فعمد إلى تصريف كتبه بهذه الوسيلة، وفي هذه الجلسة أيضاً ازدادت العوامل المريبة والمصطنعة ظهوراً، وتصاعدت أثمان الكتب المعروضة إلى نسب فاحشة حتى أن كثيراً منها كان يباع بأضعاف ثمنه جديداً، وزاد يقين العارفين بأنهم يجلسون في شرك منصوب؛ ولكن حدث كما حدث في الجلسة الأولى أن توالى سقوط الهواة في هذا الشرك
ولقد كان درساً لمن حدثته نفسه بالظفر بنصيبه من هذا الكنز بالوسائل والأثمان المشروعة؛ وكانت خيبة أمل، ولكن الحقيقة ظهرت ناصعة، وهي أن شراء الكتب بالمزايدة وسيلة لا تصلح للعلماء، وأن المزايدة (ولاسيما في مصر) ليست دائماً وسيلة شريفة للتعامل. فحذار أن تشتروا الكتب بالمزايدات!
وفاة مؤلف موسيقي شهير
من أنباء النمسا أن المؤلف الموسيقي الشهير ماكس فون أوبرليتنر قد توفي في الثامنة والستين من عمره، فاختفى بوفاته أحد أساطين المدرسة الموسيقية القديمة، التي ازدهرت في أواخر أيام الإمبراطورية، وما زالت آثارها تخلب ألباب الشعب النمسوي. وقد تفرغ ماكس فون أوبرليتنر منذ شبابه للتأليف للأوبرا، وأحرز في هذا الميدان نجاحاً باهراً؛ وبزغ مجده في سنة 1912 حيث لحنت قطعته الشهير (افروديتي) وعزفت في الأوبرا الإمبراطورية بفينا، وغنتها يومئذ فنانة موهوبة كانت في مستهل حياتها الفنية وهي ماريا يرتزا التي تتبوأ اليوم مقاماً فنياً سامياً في نيويورك وتعتبر أشهر مغنية في أمريكا. وفي سنة 1916 عزفت قطعته (المسيح الحديدي) في (الأوبرا الشعبية)، فأحرزت نجاحاً باهراً، ثم عزفت بعد ذلك في عدة مسارح شهيرة نمسوية وألمانية، وانتهت إلى دار الأوبرا؛ ووضع فون أوبرليتنر بعد ذلك عدة مقطوعات وأوبرات كانت دائماً موضع التقدير والإعجاب
مدينة دولية للفنانين والكتاب
تألفت منذ حين في باريس جمعية اسمها (جمعية المدينة الدولية للفنون والتفكير) برئاسة مسيو جبراييل بواسي الكاتب الشهير ورئيس تحرير مجلة (كوميديا) الكبرى؛ وقد صرح رئيس هذه الجمعية أخيراً بأن الغرض من تأسيس هذه الجمعية هو السعي في إنشاء (مدينة دولية) بالقرب من محطة مونبارناس، يخصص سكناها للعلماء والفنانين من جميع البلدان، وإن الجمعية تعلق أكبر الأهمية على الآثار المادية والمعنوية التي تترتب على تنفيذ مثل هذا المشروع الجليل. ومن المعروف أن الحي الذي تختاره الجمعية لإنشاء المدينة الجديدة، وهو حي مونبارناس، هو حي الفنون والآداب منذ بعيد، وله تقاليد فنية وأدبية مؤثلة، وقد بزغ فيه نجم مئات من الكتاب والفنانين، الذين تغص بهم دائماً ربوعه ومقاهيه
المعهد الإمبراطوري ومهامه
يذكر القراء تلك الأحاديث الشائقة التي ألقاها وزير الخارجية البريطانية وبعض أكابر الساسة أمام عصبة الأمم عن توزيع المواد الخام ووجوب توزيعها بين الدول الكبرى بنسب أكثر عدالة، وذلك لمناسبة النزاع القائم على توزيع المستعمرات واستئثار إنكلترا بأعظم نصيب منها. وقد وقفت في بعض الصحف على معلومات هامة عن المعهد الإمبراطوري الذي يعتبر في إنكلترا قلب الاستعمار النابض، والذي يسهر على مصاير المواد الأولية في جميع أنحاء العالم؛ فهذا المعهد قد أسس للعمل على تنمية الاستغلال الصناعي والاستفادة من المواد الأولية المختلفة، وجمع الإحصاءات البيانات الاستعمارية اللازمة؛ وقد زود المعمل بمعامل للأبحاث الكيميائية والفنية لبحث المواد الأولية وتعيين قيمتها ومدى الانتفاع بها ووضع التقارير الفنية عنها. ويصدر المعهد نشرات فنية محققة عن مختلف المواد الأولية وعلاقاتها بالصناعة، ومدى تقدم الاستغلال الاستعماري في ميادين الزراعة والمعارف وغيرها، ويعنى عناية خاصة بدرس المواد الأولية في الهند البريطانية والمستعمرات والأملاك المستقلة