انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 128/وا أماه!!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 128/وا أُمَّاهُ!!

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 12 - 1935



للأستاذ الحاج محمد الهراوي

تكَشفْتُ للأَحداثِ بعدكِ يا أُمَّي ... فيا طولَ ما أقَي من الحزنِ والهمَّ

ليَ الله يا أُمَّاهُ ما أَنا بالّذي ... تعَوَّد أَنْ يَقْوَى على الحادثِ الجَهْم

تلمَّسْتُ حَزْمِي في المصاَب فعزَّني ... لقد غاب عنَّي في الثرى مَصْدر الحزم

فقَدْتُ الّتي كانتْ إذا شطَّ بي النَّوَى ... تُساَئِلُ عنَّي في الدُّجى سَارِيَ النَّجم

وإن تَرْمِنِي الأقدارُ منها بحادِثٍ ... تَلَقَّفُه عنَّي على الرُّوح والجِسْم

وإن تَرِبَتْ كفِّى تجودُ برُحها ... مخافةَ ما لَمْ أحتمِله من العُدْم

وإن مسني سُقْمٌ ثوَتْ عند مَرْقدي ... لِزاماً فلم تَبْرَحْهُ إلاّ معَ السُّقْم

عَلى أَنَّها والسُّقْمُ يَرْى عِظَامَها ... تُحاوِلُ أن تُخْفيهِ عَنَّيَ بالكتْم

ولو أنها استطاعت لأَخْفتْ حِمامَهاَ ... وقد حُمَّ، إشفاقاً عليَّ من الضّيْم

فيا رَحْمَتاَ للفاَقِدِي أُمَّهاتِهِمْ ... من الناسِ مِثلي أو من الطيْر والبُهْم

فإِن الحنَانَ الحقَّ في الأمَّ وحدهاَ ... وغيرُ حناَنِ الأُمَّ ضَرْبٌ من الوهْم

هِيَ الأُمُّ شِرٌّ لستَ تَعرِفُ كُنهَه ... وإن خِلْتهاَ في صورةِ الدَّمَّ واللَّحم

يقولون فانظُرْ رسمهاَ بعد موتِها ... فقُلتُ لهم في الرَّمْسِ أُمِّيَ لا الرَّسم

فإِن فاتَني ذاك الحنَانُ التَمَستهُ ... على حسْرَةٍ من ذلك القَبر باللَّثْيم

دَفَنْتُ به من لا يني إن دَعَوْتُه ... إلى معشَرٍ صُمّ إذا ما دُعُوا بكْم

فإن قلتُ يا أُمَّاهُ أَغْنَاني اُسْمُهاَ ... عن الأَبِ والأبناء والخالِ والعَمِّ

عصامِّية كانت على حينَ أنَّهَا ... لها نسبٌ فوق النّقيصةِ والذَّمِّ

وأُمِّيَّة كانت ولكنَّ رَأْيهاَ ... لدي مُعْضِلاَتِ الأمرِ فوقَ ذوي العِلْم

فقَدْتُ أبي طْفلاً فلم أَدْرِ ما اُلأَسَى ... وأُفقِدْتُهاَ كهلاً فَهدَّ الأسى عَزْمي

سَلونِي أُحَدِّثْكُمْ عن اُلْيتمِ بَعْدها ... فإنَّ الْيتيمَ الكَهْلَ أَعْرَفُ باليُتْم

فيا ليتَ أَيامَ الحياةِ وقَفْنَ بي ... لدى مَوضعِي منها من اللثْمِ والضّيمِ

ويا لْيت لمَ يَقطَعْ بنا الدهرُ شَوطَهُ ... فإِن خُطَاهُ للِقطيعةِ والصَّرْ

سَرَي لِيَ يا أُمَّاهُ طَيفُك في الكَرَى ... فغَابَ خَيَال الأُمِّ عن زَوْرةِ ال وأنَّى لِيَ السَّلْوى وقد حالَ دُونَها ... مِثاَلكِ في عيني وطَيفكِ في حُلمِ

سأَخْضَعُ يا أُمِّي لقلبي ومَدْمَعِي ... على رَغمِ ما أسْديتِ من نُصْحِكِ اُلجَميل

وأبكيكِ بالقلبِ الذي تَعْرِفينَهُ ... وللدَّمْع شأنٌ غير ذلك في الحُكم