مجلة الرسالة/العدد 127/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 127/الكتب
كتاب التشريح المرضي والجنائي
تأليف الدكتور محمد زكي شافعي
بقلم الدكتور محمد الرافعي
لا أسهل في العلوم من اختصارها، ولا أيسر من إخراج الكتاب الضخم محصلاً في جزء لطيف. وقد كانت هذه طريقة علمائنا المتقدمين؛ فليس من كتاب ذي خطر إلا وقد اختصروه مرة أو مراراً، يريدون إما تقريبه من الأذهان وإما حصر فوائده، وإما جعله كالمذكرات. وقد يعجز بعض العلماء عن التأليف ويريد مع ذلك أن يكون مؤلفاً فيجد مادته من الكتب المطولة يؤلف منها ما يسميه المختصر أو الموجز أو نحو ذلك. وهذا كله سهل، بل بعضه أسهل من العبث إلا في الطب، وخصوصاً حين يكون الاختصار في فرع من فروعه التي اختص بها علماؤها كهذا الكتاب الذي نحن بصدده.
إن وضع كتاب مختصر في فرع من الفروع الطبية وخصوصاً باللغة العربية هو عمل من أشق الأعمال، وأدقها إذا أريد أن يكون الكتاب مع اختصاره وافياً في موضوعه، محققاً لفائدة الأصل المطوَّل، جامعاً لفوائد جديدة تعطي الكتاب حكم التأليف مع تسميته المختصر. وما دام الطب شرحاً للجسم المعجز في تركيبه وأعماله ودقائقه المحيرة للعقول؛ فالتأليف فيه لا ينتهي، واختصار المؤلفات فيه لا يكاد يوفق إليه إلا النوابغ المحيطون أوسع إحاطة، والمتمرنون تمريناً طويلاً، والمتتبعون لكل جديد.
ومن هؤلاء مؤلف كتاب (التشريح المرضي والجنائي) الدكتور محمد زكي شافعي، مدير المكتب الفني بمصلحة الصحة العمومية بمصر. وقد قال في مقدمة كتابه هذا: (لقد اشتغلت حوالي العشرين عاماً بالطب الشرعي، ولا أزال أعمل الآن مراجعة بعض الأعمال الخاصة به، وكثيراً ما استرعى نظري أن الحاجة ماسة أشد مساس إلى كتيب خاص بالتشريح المرضي والجنائي، يرجع إليه الطبيب الكشاف إذا أعوزه الأمر للإطلاع العاجل، فإنه كثيراً ما يجد نفسه في مأزق حرج، إذ يطلب إليه - وهو بعيد عن مراجعه - الفصل في مسائل فنية دقيقة الخطورة، يتوقف على الإجابة عليها مصير متهم قد يكون بريئاً.
ولقد كنت أشعر بهذه الحاجة في أثناء ممارستي التشريح، ولا سيما في الجهات التي أكون فيها بعيداً عن مراجعي، وكل الأطباء يدركون دقة هذا الموقف.
ولقد عرضت على زميلي (الدكتور لبيب شحاته) أن نعمل على سد هذا النقص، فوضعنا معاً هذا الكتاب، وتوخينا فيه أن يكون عملياً أكثر منه نظرياً، وجعلناه واضح العبارة، سهل المأخذ، حتى ينتفع به كل مشتغل بالطب الشرعي، وانتقينا أحدث المعلومات، وأرجحها قبولاً لدى جمهرة الأطباء الشرعيين ولذلك اضطرتنا الحال إلى الإطلاع على مراجع عديدة علاوة على المذكرات الشخصية).
ومع أن الكتاب كما يصفه حضرة مؤلفه فقد وقع في 490 صفحة، وبلغت المراجع التي اعتمد عليها واضعاه عشرين مرجعاً، يضاف إليها اختبار المؤلف وتحقيقه مدة عشرين سنة، وذلك فضلاً عن رجوعه في بعض مسائل كتابه إلى كثير من الأساتذة المختصين، بحيث جاء الكتاب عظيم الفائدة للمشتغل بالطب الشرعي، وللطبيب المشرح، ولمن يتصلون بالحوادث الجنائية من القضاة ورجال النيابة والمحامين فهؤلاء جميعاً يهتدون فيه إلى أدق المسائل الفنية بأيسر طريقة وأسرع وقت، ويصيب كل منهم غرضه الفني أو القضائي. وقلما يحتاج مع هذا الكتاب إلى الأصول المطولة إلا في التدريس، على أنه في التدريس ذو قيمة ثمينة إذا جعل للطالب كالتذكرة التي يدون فيها خلاصة علمه. هذا وإن ضم التشريح المرضي إلى التشريح الجنائي في كتاب واحد عمل فني بديع لم يُسبق إليه.
وأنا وقد درست هذا العلم على الفحول من رجاله في فرنسا، لا يسعني إلا أن أهنئ الدكتور محمد زكي شافعي، ومساعده الفاضل الدكتور لبيب شحاته بكتابهما وبما وفقا فيه، فهو توفيق يستحق التهنئة العلمية.
الدكتور محمد الرافعي
خريج جامعة ليدن بفرنسا
لباب الآداب لابن منقذ
تحقيق وتعليق الأستاذ أحمد محمد شاكر
للأستاذ محمد بك كرد علي بنو منقذ أصحاب قلعة شيزر من عمل حماة في الشام كانوا معروفين على عهد الحروب الصليبية بالفروسية والسياسة والأدب والأمارة، وقد خلد أسامة بن منقذ (488 - 584 هـ) أحد رجال هذا البيت بأدبه ذكر آله في التاريخ. ولما طبع له العلامة درنبرغ كتاب (الاعتبار) في سنة 1884م بمدينة ليدن في هولاندة اشتهر أسامة بين الأدباء في الشرق والغرب، لما حوى كتابه من أخبار البطولة والشجاعة، ولأنه صُنّف على غير مثال. وقد طبع له درنبرغ أيضاً كتاب العصا وغيره في باريز، وعُني بجمع أخباره بالفرنسية وخدمه وأولع به.
والآن طبع الأديب لويس سركيس في القاهرة كتاب (لباب الآداب) لأسامة أيضاً، وتولى تحقيقه والتعليق عليه الأستاذ أحمد محمد شاكر، وحلاّه بفهارس الأعلام وأيام العرب والأماكن والقوافي، وشكله تقريباً بالشكل الكامل، فقرّب فوائده من يد المستفيد، وأضاف إلى ما طبع من كتب الأدب القديم سفراً آخر قال في وصفه إنه من أجود كتب الأدب، وإن فيه أقوالاً من نثر ونظم لم يجدها في كتاب غيره من الكتب المطبوعة.
قسم المؤلف كتابه إلى عدة أبواب فيها عظة وتعليم وأهداه لابنه الأمير مرْهِف، وجعل أبوابه في الوصايا والسياسة والكرم والشجاعة والآداب وكتمان السر والأمانة والتواضع وحسن الجوار والصمت وحفظ اللسان والقناعة والحياء والصبر والرياء والإصلاح بين الناس والتحذير من الظلم والإحسان وفعل الخير والصبر على الأذى ومداراة الناس وحفظ التجارب وغلبة العبادة والبلاغة. وهناك فصول من كلام رسول الله والصحابة وغيرهم، ومن كلام سليمان الحكيم وبرسين الحكيم وأفلاطون، ونوادر فيثاغورس وسيخانس، ومحاسن شعر الحكماء، وأبواب في المديح والتشبيه ومشي النساء والخفر والشيب والاعتذار والعتاب والمراثي والغزل والحكمة. يبدأ المؤلف كل فصل بآيات كريمة ويشفعها بما ورد من الأثر ثم الشعر ثم أقوال الحكماء في هذا المعنى.
وذكر المعلق على الكتاب أنه وقعت في طبعته هذه بعض أغلاط، مع كل ما عانى في تصحيحه، جاء بعضها سهواً منه، وبعضها من خطأ النظر، وبعضها من الأغلاط المطبعية التي لا يتنزه عنها كتاب. ونحن نقيم من كلامه هذا عذراً لكل من أحيا كتاباً للقدامى؛ وليس من الإنصاف أن يُحمل على كل من ارتكب خطأ من هذا القبيل بعد بذل الجهد، فقد تسرع الناظر في هذا الكتاب وقال (ص 26) إن كتاب العصا هو كتاب القضاء لا العصا، وليس في جريدة مؤلفات أسامة كتاب في القضاء وإنما هو كتاب العصا المطبوع. وذكر (ص 22) (الأمير معين الدين أنَر وزير شهاب الدين محمود) وليس في التاريخ الإسلامي من اسمه أنر، وإنما هو اتسنر وهي كلمة تركية معناها لا لحم له، أو الرجل الضَرْب الخفيف اللحم غير الجسيم. واتسنر هذا هو مملوك جد مجير الدين أرتق بن محمود ابن بوري بن طغتكين، وكان عاقلاً ديناً محسناً لعسكره (راجع كتابنا (خطط الشام) م2 ص 21). ومن ذلك في صفحة 192 (تباة البلد) قال ولعلها جمع تاب بوزن غاز وغزاة من قولهم تبا إذا غزا وغنم وسبى. ونحن أميل أن تكون (تُنّاة البلد) أي سكانه من تنأ تنوءاً أقام، ويقولون (الطراء والتناء) أي النزلاء والمقيمون وهي الأولى بالمقام.
وتسرع أيضاً (ص 28) ونقل ظن بعض أهل العلم أن كتاب (الأدب والمروءة) الذي نشرناه في مجلة المقتبس، ثم ضممناه إلى الطبعة الثانية من (رسائل البلغاء) في سنة 1331هـ 1913 هو لصالح بن عبد القدوس لا لصالح بن جناح كما ذكر ناشره أستاذنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله؛ قال (ولعله - أي صالح ابن عبد القدوس - أخفى نفسه بهذا الاسم في بعض الأوقات خوف الطلب). والحقيقة أن كتاب الأدب والمروءة هو لصالح بن جناح ترجم له ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق، فقال إنه صالح بن جناح اللّخمي الشاعر أحد الحكماء؛ حكى عنه أبو عثمان الجاحظ أنه ممن أدرك الأتباع بلا شك، وكلامه مستفاد في الحكمة. وقد أخذ عنه الجاحظ في نيسابور وقال عنه دمشقي؛ ونشر ابن عساكر طائفة من شعره الجميل. وبذلك انتفى ظن بعض أهل العلم أن كتاب الأدب والمروءة هو لصالح بن عبد القدوس بل هو لرجل عربي دمشقي ينسب إلى لخم من أتباع التابعين ومن أساتيذ عالم الأمة الجاحظ.
ومثل هاته الهنات المعدودة لا تقدح في كتاب طويل وقع في خمسمائة صفحة، الله أعلم كم قاسى ناشره من المتاعب حتى استخرجه من خطوط قديمة سقيمة. وليس لنا بعد هذا إلا الشكر نقدمه للأستاذ شاكر على عنايته وتجويده.
محمد كرد علي