مجلة الرسالة/العدد 120/بعد الأخاء والعداء
مجلة الرسالة/العدد 120/بعد الأخاء والعداء
للأستاذ عبد الرحمن شكري
حنوت على الود الذي كان بيننا ... وإن صَدَّ عنه ما جنينا على الود
حنوت ولو أني حنوت وما حنا ... ولو أنه يبغي هلاكي من الحقد
ولا أكذِبَنَّ الناس قلبي كقلبه ... له آنة ميلٌ عن النصف والقصد
كلانا جنى شراً فعاد إخاؤنا ... محالاً حكى ذكرى الشباب على بُعْدِ
فيا طيب ذكراه وما بُعْد عهده ... وأين قديم الود من حاضر الصد
مضى حيث يمضي عابر بعد عابر ... من الأهل والأصحاب والذخر والولْدِ
مضى حيث يمضي كل رأي ومذهب ... له أجل كالناس ظعن بلا عَوْدِ
إذا أنا أُنْسِيتُ الإساءة من أخ ... ذكرتُ له مني إساءة ذي عمد
وأيقنت لا ينسي عدائي وما جنى ... عدائي عليه من عناء ومن جهد
أيلتئم الصخران في اليَمِّ بعدما ... تردد موج اليَمِّ بالصدع والهد
ويتفق الخِلاَّنِ من بعد ما بدت ... به بغضة من مين قول ومن نقد
وكنا على ما كان من قرب أنفس ... كنهرين في وادي الغضارة والورد
قد اقتربا مجرى وماءً وعسجدا ... من الشمس لألاءً كلألأة الود
حياة شبابٍ عسجدٍ أيَّ عسجد ... وعهد إخاء لا يغيض ولا يُكْدِي
إلى أن دعا داعي الحياة وإفنها ... فمال بنا قصد السبيل عن القصد
وغَيَّرَ منا القلبَ والنفسَ والمُنى ... وزاد طماحُ النفس بعداً على بعد
هو البغض مثل الحب لحظ فمنطق ... فنار لها بين الأضالع كالوقد
وإن كنت تدري الحب كيف طروقه ... ولم تدره أيقنت ما جاء بالحقد
فيا ليت أني قد غفرت جفاءه ... ونَبْوْتَهُ حتى يصد عن الصد
ويذكر لي صبري على الضيم والأذى ... فيأسى على ما كان منه من الكيد
وَتكْسِبني منه الندامة أُلفة ... وإن كان لي من قبل كالحجر الصلد
أعيش بصفو منه يوماً فإنْ جنى ... على إثْرِهِ غدراً ذخرت له ودي
وأُذْكِرُ نفسي منه عند انصرافها ... شمائل تستدعي المَغِيظَ إلى الحم أبَعْدَ بلائي العيش أبغي مُبَّرأَ ... وكيف ونفسي لي كما الضد للضد
يروقك حسن الفجر والنجم في الدجا ... ومرأى رياض من عرار ومن ورد
وَأحسن منها البشر وجه صاحب ... حليفك منه ما استسر ولم يُبْدِ
فيا ليت لي دنيا أبيع حطامها ... بود أخٍ لو يشتري الود بالنقد
إذا الحب لم يخلص من البغض والأذى ... فكيف خلاص الود من عنت الحقد
وخِلاَّننا مثل الجوارح أيهم ... فقدنا فبعض النفس في ذلك الفقد
أحقٌ طِلاَبُ الود من نقص طالب ... إذاً قَمِنٌ نشدانك الود بالحمد
لتكمل بالخل الذي أنت ناشد ... كما كَمُلَ النصفان تجمع في العد
ويا طيب قلب غره الود حقبة ... كما عظُمَ المخدوع بالفضل والمجد
وإنك لا تدري أقلب مراوغ ... أسرُّ أم القلب المُغَرَّرُ بالود
وإنَّ وداد المرء من بعض غنْمِهِ ... ولو أنَّ مخلوف الوفا غاض لم يُجْدِ
تعيش بمخلوف الرجاء وكذبه ... فَطَامِنْ فإن الود يا قلب لم يُرْدِ
رحيق الحياة الود لو دام صفوه ... - وكالخمر - أصفاه المُعَتَّقُ ذو العهد
وأحسنه ما كان من عصرة الصِّبى ... ولم يَحْلُ بعد الشيب مُستَحْدَثُ الود
فمن لي بعود الدهر للود والصِّبَى ... أليفين ما كانا كما الند للند
يخال الصِّبَى ودا وود الصِّبَى صِبىً ... كيانهما الممزوج كالجوهر الفرد
وإن فقير الناس من خان خِلُّهُ ... وإن نال حظاً من طريفٍ ومن تلد
أأبغي إخاءً لم تَشُبْهُ عداوةٌ ... وأنقم عفو الغدر أو غدرة العَمْدِ
كأنَي لم أدرِ الأنام وخُلقه ... ولم أدْرِ أن الضد يولع بالضد
أَبَعْدَ فراغي من جنازة ودنا ... أروم خلود الود من عادم الخلد
متى أرتضى الخلان صحوا وغيمة ... فأمنحهم غيثي وأمنعهم رعدي
أُغالط نفسي فيهمُ وأغرها ... وإن لاح منهم غدر أعْدَائي اللد
وأكتم من آلام نفسيَ عزةً ... إذا لم يُتَحْ لي ما أُزيل به وجدي
فيا ساقِيَ النسيان عاطِ صحابتي ... وهات لِيَ النسيان رفداً على رفد
وهيهات ما أمر إذا جد جده ... ليُنْسَى ولو واروه في مُشْبِهِ اللحد إذا انفلت السهم الطليق فما له ... ولو أنه سهم النميريِّ من رد
ويعجز هذا الدهر عن نقض فعله ... ألاَ وهو الدهر المصَرِّفُ ذُو الأَيْدِ
عبد الرحمن شكري