مجلة الرسالة/العدد 107/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 107/البريد الأدبي
حول كتاب فتح العرب لمصر
عزيزي الأستاذ الفاضل صاحب (الرسالة)
قرأت اليوم في (الرسالة) الغراء صحيفة النقد التي تسميها (الرسالة) صحيفة (الكتب)، وقرأت فيها للأستاذ الجهبذ العلامة محمد بك كرد على كلمتين، إحداهما عن كتاب (فتح العرب لمصر)؛ والثانية عن كتاب (فنون الطهي الحديث).
ولقد عناني أن أقرأ ما كتبه الأستاذ الفاضل عن كتاب فتح العرب لمصر بنوع خاص، لأن ذلك الكتاب حبيب إلى نفسي لصيق بها. ورأيت الأستاذ الفاضل يذكر عن الكتاب بعض حسناته فشكرت له ذلك، فالكتاب جدير من الناطقين بالعربية بكل تقدير وإعجاب، إذ هو مثل عال من أمثلة البحث الدقيق العادل، فوق ما يمتاز به من قوة الأسلوب وجماله في لغته.
ثم عرج الأستاذ على الترجمة والمترجم، فتفضل بأن وصف المترجم بأنه أعتني عناية شديدة (بتجويد ترجمته على صعوبتها لما حوت من النقول العربية وغيرها من اللغات ليرد الوثائق إلى أصلها). ثم ذكر ما سماه تحريفاً في الأسماء، وذكر من ذلك أمثلة على إني وإن شكرت له قوله إن المترجم قد عنى بالترجمة عناية (شديدة) أرجو أن أراجعه في زعمه أن ترجمة تكون محرفة إذا قلنا هي (أذاسا)، فإن إطلاقي ذلك الاسم على المدينة كان مقصدواً، فالمدينة معروفة بالرها وبأذاسا، والاسم الثاني أقرب إلى التسمية العامة في اللغات المختلفة، فكان هذا سبباً في تفضيل (أذاسا) على الرها؛ وأما برجاموس أو فرغاموس فلا أدري وجه التحريف فيها، فإن الباء والفاء والجيم والغين كانت دائماً موضع اختلاف في وضع العرب للاسماء، ولا سيما المحدثين منهم، وقد آثرت أن أكتب الاسم بالعربية قريباً كل القرب من الاسم القديم الذي كان ولا يزال معروفاً يطلق على المدينة التي كانت في آسيا الصغرى. وأما (أفسس) و (أفيسوس) فلم أفطن إلى وجه التفرقة بينهما، ولا إلى وجه التحريف في الاسم الذي أوردته في الترجمة، فليس بين الكلمتين من فارق إلا إثبات حركات الكلمة على النحو الذي يسهل النطق بها.
على أن الأستاذ الفاضل لم يكتف بعد ذلك بتوجيه النظر إلى هذا التحريف الذي زعمه، ذكر كلمة عامة عن (هنات قليلة) لا يخلو منها كتاب منقول إلى لغتنا من لغة أعجمية؛ وكنت أود أن يجعل حضرته من ذلك الوجه بحثاً قيماً يوجه فيه الترجمة وجهةً صالحة، غير أنه أكتفي بالتعميم والإشارة والإيجاز في موضع كان الأوجب فيه الإفاضة والإطناب، ذلك بأن عمل المترجم إن هو إلا النقل، وما يكون نقله جديراً بالتقدير إلا إذا سلم من العيوب التي تؤخذ على أساليب اللغات الأعجمية. ولعل اشتغال الأستاذ الفاضل بالكتابة عن الكتاب الآخر (فن الطهي الحديث) في نفس اليوم قد جعله لا يجد الوقت لذكر شيء من تلك الهنات، فرجاؤنا أن يتفضل بإعادة الكرة وبيان ما أجمل؛ ورجاؤنا كذلك أن يبين وجه النقد حتى نكون على بصيرة من رأيه، نفعنا الله بعلمه وفضله وعلى أمثاله من أعلام العلماء.
محمد مزيد أبو حديد
وفاة دريفوس
من أنباء فرنسا الأخيرة أن الكولونل ألفرد دريفوس قد توفى في الخامسة والسبعين من عمره، ولم يشتهر في تاريخ فرنسا المعار اسم بقدر اسم دريفوس، ولم يقترن باسم آخر مثل ما أقترن به من الحوادث والحركات العظام؛ كان اسم دريفوس منذ أربعين عاماً ملء الأسماع في فرنسا والعالم بأسره، وكانت القضية الشهيرة التي ارتبطت باسمه، واتهم فيها ظلماً بالخيانة، أعظم قضية عرفها التاريخ من حيث أتساع مداها، وتشعب نواحيها، وتعقد إجراءاتها، وما أثارته مدى عشرة أعوام في فرنسا من الأحقاد والشهوات التي كادت تزلزل أسس الحياة العامة فيها وتثير ضرام الحرب الأهلية. وقد كان دريفوس يهودياً، وهو سر المسألة كلها؛ فقد كانت الخصومة السامية أو حركة العداء ضد اليهود يومئذ على أشدها في معظم البلاد الأوربية، وكانت الكنيسة والعسكرية في فرنسا تضطرمان بهذا العداء، وكانت قضية دريفوس نفثة من نفثات هذه الحركة التي أريد بها القضاء على اليهودية في السياسة والجيش فاتهم دريفوس الضابط اليهودي (سنة 1896) بالخيانة العليا، وبأنه يقدم إلى بعض البلاد الأجنبية (ألمانيا) معلومات عن الدفاع الفرنسي، وضبطت ورقة سميت فيما بعد (بالبردرو) نسبت إلى دريفوس، وحوكم الضابط البريء وقضي عليه ظلماً بالنفي إلى جزيرة الشيطان؛ ولكن العدالة لم تعدم أنصاراً؛ فقد أثار خصوم العسكرية وخصوم الكنيسة على هذا القضاء الظالم دعاية شديدة؛ وبذلت جهود قضائية وسياسية فادحة لتبيان براءة الضابط اليهودي، وتبين فيما بعد أن (البردرو) وقد زُور عليه؛ وما زالت المعركة بين (الدريفوسيين) وبين الوطنيين خصومهم تضطرم وتنتقل من دور إلى دور حتى تقرر إعادة النظر في القضية مرةً بعد مرة؛ ونزل إلى المعركة كتاب عظام مثل فرانسوا كوبيه في جانب الوطنيين، وأميل زولا في جانب (الدريفوسيين)؛ وأرسل أميل زولا صيحته الشهيرة: (إني أتهم!)؛ أي يتهم القضاء والعسكرية بالتآمر والتزوير، واستمرت المعركة نحو عشرة أعوام أعيد النظر خلالها في القضية عدة مرات، وانتهت أخيراً محكمة النقض بأن قضت ببراءة الضابط اليهودي (سنة 1906) وردت إليه مراتبه وحقوقه، وأسدل الستار على تلك المأساة الشهيرة التي هزت حياة فرنسا العامة أعواماً طوالاً.
هذا وسنفرد في فرصة قادمة فصلاً خاصاً لهذه القضية الشهيرة، التي تعتبر من أعظم قضايا التاريخ.
السخاوي
سيدي الأستاذ. . . قرأت بالرسالة بالعدد 104 كلمة الأستاذ البحاثة مقريزي هذا العصر محمد عبد الله عنان في ترجمة السخاوي ما لفظه: (ونجد أخيراً في تراث السخاوي أثرين من نوع خاص ولهما أهمية خاصة، وقد انتهى كلاهما إلينا: أولهما كتاب تحفة الأحبابا وبغية الطلاب. في الخطط والمزارات والبقاع المباركات) إلخ. . .
والواقع إن هذا الكتاب كما ذكر العلامة النبهاني في كتابه (جامع كرامات الأولياء) ليس للحافظ السخاوي إذ قال عاطفاً على ما إستمد من الكتب ما لفظه: (وتحفة الأحباب في الكلام على الأولياء المدفونين بمصر للسخاوي من أهل القرن التاسع وهو غير الحافظ السخاوي) أه وذلكلأنه ذكر في فاتحته أن اسمه محمد بن أحمد الحنفي، وقد ذكره ابن مخلوف في طبقات المالكية وأنه فرغ من تأليفه سنة ست وخمسين وتسعمائة، وأنه كان حياً سنة ستين وتسعمائة، فنسبة كتاب تحفة الأحباب للحافظ السخاوي المتوفي بالمدينة المنورة سنة تسعمائة واثنتين خطأ دخل على كثير من أهل العلم يجب إلا يضيع ولا يفوت على الباحثة عنان. . . فلذلك لزم التصحيح، وإني أحيل الأستاذ عنان على كتاب مصرع الإمام الحسين ليزداد علماً والسلام.
(جرجا)
محمود عسّاف أبو الشباب
منتدى النشر بالنجف
تألف في النجف هذا المنتدى من صفوة العلماء والأدباء للسعي إلى تعميم الثقافة الإسلامية والعلمية، وإحياء لغة الضاد، ونشر المعارف الدينية والأخلاقية في ربوع البلاد بكل ما لديه من شتى الوسائل المشروعة.
وهاهو ذا اليوم في أول أدواره يضع الخطط التي تساعده على إنجاز مهمته العالية وتحقيق رغبته المنشودة ومن بينها دعوة العلماء والمؤلفين إلى مشاركته ومساعدته بأقلامهم وثروتهم العلمية.
ويذيع مجلس إدارته أنه مستعد من الآن لتلقي كل سؤال أو استفتاء ديني أو علمي يرد عليه فيحيله إلى اللجنة المختصة للنظر فيه ولاستجواب العلماء ممن تشرف المنتدى بانتسابهم إليه ومن غيرهم من العلماء الأعلام.
المؤتمر الدولي السادس لتاريخ الأديان
قرر مجلس الوزراء اشتراك الحكومة المصرية في المؤتمر
الدولي السادس لتاريخ الأديان الذي سيعقد بمدينة بروكسل بين
16 و21 من شهر سبتمبر سنة 1935، وندب الأستاذين
مصطفى عبد الرزاق وأمين الخولي لتمثيل الحكومة في هذا
المؤتمر؛ وربما مثلا الأزهر بعد ذلك في المهرجان الذي
ستقيمه جامعة بودابست في أخريات شهر سبتمبر بمناسبة
إحتفالها بالعيد المئوي الثالث على إنشائها.
أحب شاعرة إلى الإنكليز
احتفل أخيراً في إنكلترا بالذكرى المئوية لوفاة مسز (هيمانس) الشاعرة المؤترة التي تعرف في الأدب الإنكليزي (بحبيبة إنكلترا) وكانت وفاتها في مايو سنة 1835. وهي شاعرة العواطف، وشاعرة الأمومة الرقيقة، ومسرات الأسرة والورع والرضى؛ وما زال شعرها الرقيق في كتابيها (كازابيانكا) و (قبور العائلة) مثالاً للنظم الأنيق المبدع الذي يملأ القلب سحراً وتأثراً. وكانت مسز هيمانس أستاذة للخيال الواضح والصور الرقيقة والانفعالات العميقة؛ وكانت تتبوأ في عصرها مقاماً عظيماً في الشعر، ولو أن أسلوبها اليوم قد عفا؛ وكانت ثقافتها الواسعة، ومواهبها الفنية موضع الإعجاب، وكانت تشتهر بالأخص بخلالها الرفيعة وجلدها ورقتها وتوضعها، حتى كانت تحمل عباقرة العصر مثل وردسورث وشيللي وبروننج وبيزون على إحترامها وإكبارها. وكانت ظروف حياتها المؤثرة تزيد في هذا التقدير، فقد كانت مسز هيمانس تنظم لتعيش، ولم يكن يهمها اختبار الجيد من الشعر، وإنما كان يهمها اختيار أكثر النظم قبولاً وانتشاراً.
وقد قطعت مسز هيمانس حياة قصيرة مؤثرة. فقد تزوجت الكبتن هيمانس في الثامنة عشرة، ولم تمض ستة أعوام حتى رزقت منه أربعة أولاد، ثم لم يلبث أن غادرها وحيدة. وهنا يبدو نبل هذه الشخصية، فقد احتملت كل أعباء الحياة صابرة جلدة، لا يضلها جمالها الباهر عن الطريق السوي؛ وسرعان ما ذبل هذا الجمال في حياة ملئها الشجن وهموم الأسرة؛ وفي سن الحادية والأربعين غادرت مسز هيمانس هذه الحياة بعد أن طبعت أمومة العصر بطابعها، وتركت لجنسها تراثاً ما زال يحمل على التقدير والإكبار.
استدراك
كتب إليّ جماعة يسألونني عن مؤلفات الشيخ بدر الدين الحسني رحمة الله عليه فحققت عنها فإذا هي قد أحترق مسوداتها حين احترقت مكتبة الشيخ. ولست أعرف للشيخ مؤلفاً باقياً. أما الفقرة التي سقتها بين يدي مقالتي عن الشيخ في (الرسالة) الخامسة بعد المائة فهي من ترجمة الشيخ المنشورة في جريدة ألف باء الدمشقية صبيحة وفاته مكتوبة بقلم أستاذ كبير من كبار تلاميذ الشيخ رحمه الله.
وقد كتبت هذا التنبيه كيلا يسجل في (الرسالة) ما يوهم غير الحقيقة. و (الرسالة) سجل خالد. ومن حق (الرسالة) على كتابها إلا يكتبوا فيها إلا حقيقة، ومن حق قرائها عليها إلا يجدوا فيها إلا حقيقة.
علي الطنطاوي