انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 104/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 104/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 07 - 1935


1 - حياة محمد: للدكتور محمد حسين هيكل

2 - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

للأستاذ جمال الدين القاسمي

للأستاذ محمد بك كرد علي

عضو مجمع اللغة العربية الملكي

عضو مجمع اللغة العربية الملكي

- 1 -

مؤلف (حياة محمد) أشهر من أن يعرف، برع في تصوير الرجال وآخر ما كتبه سيرة أعظم رجل قام في الأرض، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وقد وضع الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مقدمة الكتاب وأبدع؛ وكاد الإجماع يتم على استحسان ما كتب المؤلف الذي قال إنه توخى الأسلوب العلمي الجديد، وما خلا كلامه من خطابيات تكررت معانيها، فخرج السفر عن الرسم الذي وضعه له صانعه أحياناً. ووقع له غير مرة أن مثل لبعض الظواهر في التاريخ المحمدي بحوادث عصرية لا دخل لها في الموضوع، فقد مثل في قصة زينب بنت جحش بمدام ركامبيه (ص291) ولا معنى لهذا الاستطراد

وأحسن المؤلف في تعليل بعض حوادث السيرة مما كان يتخذ منه من لا يقول بالإسلام سلاحاً يحاربه به على غير هدى، على حين اختلف أحبار الأمة في توجيهه، ومن ذلك مسألة تعدد زوجات الرسول. ووقع له (ص166) في الكلام على بيعة العقبة أن وجه صيغة بيعة النساء إلى الرجال، والآية الكريمة صريحة في أن الخطاب للنساء، ولذلك سميت بيعة النساء (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم)، وعن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال إنما هو شرط شرطه الله تعالى للنساء، ومعنى لا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج فإن الأم إذا وضعت الولد سقط بين يديها ورجليها

وقد تابع بعض المؤرخين في دعوى أن الرسول اجتمع ببحيرا الراهب في بُصرى (ص76) وأنه عليه السلام اتصل في رحلته الثانية إلى الشام (بنصرانية الشام وتحدث إلى رهبانها وأحبارها وتحدث إليه الراهب نسطور وسمع منه)، وهذه الرواية في اجتماع الرسول ببحيرا ونسطور لا تستند إلى أصل تاريخي صحيح، ولذلك أوردها ابن كثير في البداية والنهاية بصيغة الشك فقال: (زعموا) ولم يرد ذكر لبحيرا في كتب السريان؛ ومعنى بحيرا بالآرامية (المختار)، والذي يعنينا أن بحيرا اختلف الناس فيه: ومن قائل على ما في الروض الأنف أنه كان حبراً من يهود تيماء، ومن قائل على ما ورد في المسعودي أنه كان من عبد القيس واسمه سرجيس؛ وفي سيرة ابن هشام أن بحيرا كان إليه علم أهل النصرانية؛ ويقول ابن الجوزي في عيون التاريخ والسير إن أبا طالب لما ارتحل بالرسول تاجراً قَبِل الشام نزل تيماء فرآه حبر من اليهود، ويقال إنه بحيرا الراهب، فقال: من هذا الغلام معك؟ قال: هو ابن أخي، قال: أشفيق عليه أنت؟ قال: نعم، قال: فو الله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود. ويقول ابن كثير إن الذي يظهر من سياق قصة الراهب أنه كان راهباً نصرانياً. ويقول الزهري إنه كان حبراً من أحبار اليهود. واختلفوا في عمر الرسول يومئذ، منهم من قال إنه كان في الرحلة الأولى ابن سبع سنين، ومنهم من ادعى أنه كان لبن اثنتي عشرة سنة لما وافى بصرى في رواية، أو تيماء في أخرى. ويقول ابن سعد في الطبقات إن بحيرا قال لأبي طالب: احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهود حسد وإني أخشاهم عليه. وتناقض هذه الروايات في دين الراهب بحيرا أكان نصرانياً أم يهودياً، وتناقض الرواية في محل هذا الاجتماع: هل كان في تيماء أو في بصرى من أرض الشام يوقع الشك في أمرها، وكذلك الحال في الرحلة الثانية واجتماع الرسول بنسطور. والجواب لمن يريدون أن يتخذوا من هذه الرواية سنداً ليقولوا إن الرهبان كانوا يعرفون أنه سيظهر من العرب رسول تختم به الرسل ويدعو الناس إلى التوحيد؛ الجواب إن ذلك لا يتعلق به أمر كبير في إثبات نبوة الرسول؛ والجواب على أعداء دين الرسول من أنه أخذ عن هذه الرهابين أن ابن سبع سنين أو اثنتي عشرة وهو عابر سبيل مع أهله لا يعرف الأخذ عن أحد، والرحلة الثانية إلى الشام لم تتجاوز مدتها الشهرين في أصح الروايات جيئةً وذهاباً، ونسطور هذا مجهول الهوية والمكان

وأهم ما فات المؤلف كونه لم يذكر أن المسلمين قوي أمرهم أول الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب، وأنهم أخذوا يدعون إلى دينهم جهرة وكانوا يدعون إليه على تقية، ويصلون في دار الأرقم خائفين يترقبون أعدائهم من قريش، فأصبحوا يطوفون في الكعبة ظاهرين

- 2 -

يقول صاحب كشف الظنون إن التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها، وهي: إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره، دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه. قال: وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه ألا يخلو كتابه من خمس فوائد: استنباط شيء كان معضلاً، أو جمعه إن كان مفرقاً، أو شرحه إن كان غامضاً، أو حسن نظم وتأليف، أو إسقاط حشو وتطويل أهـ

وكتاب قواعد التحديث بأسلوبه في التأليف ينطبق عليه شرط الجمع فقط، جمعه مؤلفه من مظان كثيرة لعلماء ثقات في علوم الحديث ونسقه وجوّد النقل، ولا يكاد يثبت له فكراً ولا يرجح قولاً. فقد نقل في أول كتابه نحو مائة صفحة (الكتاب في أربعمائة صفحة) من أقوال القدماء، ثم أثبت له رأياً واحداً سُبق إليه (ص101) رجح فيه رأي الجلال الدوّاني على رأي الشهاب الخفاجي في عدم التسامح بالأحاديث الضعيفة ولو كانت في شيء من الترغيب والفضائل

قدم الناشر للكتاب أربع مقدمات، ثلاثة لثلاثة من الأساتذة المعاصرين ورابعة للمؤلف، استغرقت كلها أكثر من عشرين صفحة، وما خرج الكلام في بعضها عن الدعابة والتمجيد. قلنا إن المؤلف اقتصر على نقل كلام غيره من أول الكتاب إلى آخره، ينقل عمن يروقه كلامهم من المحدثين وغيرهم، كما أخذ عن بعض المتصوفة ومَجّدَهم، وربما استشهد ببعض أقوال المعاصرين ونقل عن مجلات غاضاً عن ذكر أسمائها ترفعاً على ما يظهر

وكأن هذا السفر كان مجموعة من مفكرات يريد واضعها أن يضع كتاباً في هذا الفن ويقتبس أقوال المؤلفين الذين درجوا ثم بدا لبعضهم نشر هذه المفكرات في صورة مؤلف.

وكانت طريقة التأليف في عهود الاتقاء العلمي أن يأتي كلام المؤلف أكثر من شواهده، ولما ضعفت ملكة التأليف بعد عهد السيوطي أصبحت التأليفات عبارة عن نسخ أقوال من سلف، وقل أن تجد فيها جديداً للمؤلف، وربما كان الشيخ القاسمي رحمه الله، وهو من العلماء المنورين المكثرين من التأليف على هذه الطريقة في الجمع والنقل آخر من جرى على تلك الطريقة فاكتفى في أكثر تأليفه ببسط آراء غيره

أما طريقة التأليف اليوم فلإيجاز من دون إخلال بالمعاني، وإدماج آراء المتقدمين خلال تقرير المسائل، وإذا وقع للمؤلف بعض آراء متشابهة أشار إليها جملة واحدة، حتى لا يضيع على القارئ وقته وتملأ صفحات بلا داع. وعلى هذه الطريقة جرى المعاصرون من المصريين وغيرهم ممن كتبوا في موضوعات إسلامية أو عربية، تمثلوا ما وضعوه من المباحث أولاً ثم كتبوه في صحف لتنشر، مقتصرين على لباب ما قرأوا في موضوعهم، عازين ما لابد من عزوه لأصحابه تدعماً لأقوالهم من كتب القدماء أو المحدثين بأسلوب سهل سائغ خالٍ من الخطابيات والسجع، فجاءت مصنفاتهم كالسبيكة الذهبية، لا خلل في تضاعيفها ولا شقوق؛ وهم إذا اقتبسوا اقتصروا على محل الشاهد، وأعرضوا عن باقي ما قال المقتبس منه، لأن الكتاب ليس بكثرة أوراقه، بل بما حوى بين دفتيه؛ وكم من كتب للسلف وفت ورقاتها المعدودة بأكثر مما تفي المجلدات. وقد رأينا الكتب المنقحة عاشت أكثر من الكتب المطولة المنتشرة ولكل عصر ذوقه وطريقته

محمد كرد علي