انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 1021/خاطرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1021/خاطرة

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 01 - 1953



نداء (الرسالة)

للأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر

يا رسالة الشرق!

أشرقت في أفق المعرفة منذ عشرين عاما؛ فبهرت الأبصار ولم يأخذك البهر، وحددت المثل العليا، فسمت الخلائق ثم تسامت عن ممالأة الخلق!.

انطوى تحت لوائك الأعلام، فحملوا المشاعل ليشعلوا النفوس الخالية، ويحفزوا الهمم الكامية، ويرسموا الخطط القويمة، ويصوروا صور الإنسانية الفاضلة!.

والتزمت خطة الإباء المتزن، والشمم المعتز، والتحفظ المتئد، والتطلع السامق، والترفع العف!.

يا رسالة الفكر!.

أرخت حياة الأدب في صفحاتك، وسجلت نتاج الأفكار تسجيل التخليد، ووصلت ما بين الشرق المتحفظ والغرب المنطلق، فتلاقت في ميدانك ألوان ثقافات العصر في الفكر الجديدة، والأسلوب المبتكر، والأداء السليم، والنقد المستقيم، واللمعة الوضاءة!.

يا رسالة الوجدان!.

أرسلت حداء القلوب في تناغيم العاطفة، وعاطفت بين المشاعر الإنسانية، فتفتح الوجدان عن كمه، ليلقط قطرات الصبابة بعد أن انبعثت متعصرة من شئون الشجون!.

كان شعرك صورة حية لشعورك في صفاء الديباجة، ونقاء الألفاظ، ومتانة الرصف، وصدق الوصف، وجمال المأخذ!.

يا رسالة الروح!.

وجهت النفوس إلى الخالق في إيحاء الخشوع، وتواضع الدماثة، وخلوص النية، ولطف السجية، وجلال الإشارة، وبلاغة العبارة، حتى حلقت الأرواح معك، وجاوبت أصداء هتفاتك، فعرفت بعد أن اغترفت، وهامت بعد أن ألهمت!.

يا رسالة الضمير!.

عاتبت الغفلة، وحاسبت الغفوة حتى تيقظ الوسن، وتلفت اللاهي؛ ثم صورت ما يجب أن تكون عليه النفس الفاضلة فتنصت إلى الصوت الخفي حين يناديها، لتزن الأمور وفق ندائه وتترك المباغي الذاهبة لتحيا في ظلال النزاهة!.

يا رسالة الإنسانية!

لا أريد أن أمرق إليك بالملق، أو استنديك بالحمد؛ فأنت في غنية عن ملقى وحمدي، ولكني أريد أن تعايشي الناس في نطاق حياتهم، لأنك صورة جليلة للإنسانية السامية!.

صوري النقائص، وهاتي الصورة (العارية) لتكشفي عن سوءة الرذيلة!.

يا رسالة المثالية!

أنت حصيفة مجربة، تزنين الأمور في ميزان الخبرة، لكنك تبعدين عن المبذلة، وتتحاشين التدلي، وتؤثرين السلامة، والحياة غافلة في ملهاة الشهوة؛ فصوري التلهي بالتشهي، وقاربي بين التدلي والتسلي!.

إنك مجدة في جديد؛ فهلا سخرت من الهزل في سخريتك؟! الزمن للأضاحيك، وأنت ذات بسمة حكيمة؛ فاجعلي من البسمة حكمة، وروضي تلك الطباع النافرة على التأدب بأدبك!.

يا رسالة الخاصة!

أنت في عهدك الجديد السعيد تنزعين إلى منزع التحرر؛ وتنطلقين مع الحياة في تحفيظ اعتزازك، وتصون مكانك، وتوقر مهابتك؛ فالقلوب هتافة معك، والأرواح متصلة بل!.

يا رسالة الرسالات!

إليك نفوسنا نزاعة إلى رحابك، وخواطرنا متسامية في تساميك؛ فأشرقي أشرقي؛ لتبعثي النور مع البعث الجديد!.

أحمد عبد اللطيف بدر