انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 102/المنسوجات الإسلامية المصرية ومعرض جوبلان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 102/المنسوجات الإسلامية المصرية ومعرض جوبلان

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 06 - 1935


بباريس

للدكتور زكي محمد حسن

الأمين العلمي لدار الآثار العربية

افتتح صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الفرنسية في 17 من مايو معرضاً للمنسوجات الإسلامية المصرية أقامته متاحف جوبلان للقطع الأثرية التي بعثت بها إلى باريس دار الآثار العربية من مجموعتها النفسية، وزاد المعرض نجاحاً أن صاحب الجلالة مولانا الملك كان قد تفضل فأذن لجناب المسيو (فييت) أن يأخذ لهذا المعرض سبع عشرة قطعة من المجموعة الملكية الفاخرة، فأتيح للجمهور الباريسي أن يعجب ببدائع منتجات الفن الإسلامي، وان يرى من آيات صناعة النسج الإسلامية قطعاً منقطعة النظير ويعرف القراء أن صناعة النسيج كانت زاهرة على ضفاف النيل منذ العصور الأولى، وأنها سارت في سبيل التقدم بخطى واسعة، حتى جاء العصر القبطي فتأثرت بتيارين من المؤثرات البيزنطينية والساسانية

ثم فتح العرب مصر، واعتمدوا في أول الأمر على الصناع والفنانين الوطنيين، وأدى ذلك إلى خلق فن إسلامي جميل كان له ازدهار، وكانت له حياة طويلة على عكس التعاون بين الرومان ورعاياهم، ذلك التعاون الذي سار بالفن الهللنستي في طريق السقوط والاضمحلال

وظهر في صناعة النسج الإسلامية في مصر تطور منتظم بدا بالاستغناء شيئاً فشيئاً عن الرسوم الحيوانية والآدمية التي كان الكلف بها عظيماً في العصر القبطي، وأخذت الكتابة والزخرفة النباتية والهندسية تلعبان دوراً هاماً في تزيين الأقمشة الإسلامية على أن فن النسج لم يطبع في مصر بطابع إسلامي ظاهر ألا ابتداء من العصر الفاطمي، وفي المتاحف الكبيرة والمجموعات الأثرية كثير من القطع التي ترجع زخرفتها إلى عصر الانتقال من الطراز القطبي إلى الطراز الفاطمي، والتي قد يصعب في بعض الأحيان تمييزها من القطع القبطية. أما القطع التي عليها زخارف طولونية بحتة فإن وجودها نادر، وعلى عكس ذلك القطع التي ترجع إلى عصور الفاطميين والأيوبيين والمماليك وصناعة النسج في مصر الإسلامية كانت على نوعين: صناعة ملكية في مصانع حكومية تسمى طرازاً، وصناعة أهلية عليها رقابة حكومية شديدة

أما المصانع الحكومية أو الطراز فإن وجودها منذ العصر العباسي يثبته ما وصل ألينا من مصنوعاتها. والمعروف أنه كان هناك نوعان من هذه المصانع الحكومية: الأول طراز الخاصة، وكان لا ينتج ألا للخليفة ورجال بلاطه وخاصته، والثاني طراز العامة، وكان بالرغم من تبعيته لبيت مال الدولة ينتج للتجارة العامة، فضلاً عن إنتاجه لبلاط الخليفة أو الأمير أن دعت الحال.

ولفظ طراز مشتق من الفارسية (ترازيدن) بمعنى التطريز وعمل المدبج؛ واصبح بعد ذلك يدل على الملابس الملكية وما يشبه (ملابس التشريفة)، ولاسيما إذا كان يحليها شيء من التطريز أو أشرطة من الكتابة. وما لبث مدلول هذا اللفظ إن اتسع حتى انتهى في العربية والفارسية إلى الدلالة على المصنع والمكان الذي تنسج فيه مثل هذه الأقمشة

واحتكار الحكومات لصناعة النسج قديم لسنا نعرف أوليته، ولسنا نستطيع أن نحدد تماماً أين بدأ نظام الطراز على النحو الذي نعرفه في الفنون الإسلامية. فالعلماء مختلفون في اصله، فريق يذهب إلى أنه نشا في بيزنطية، وفريق يظنه أيراني الأصل، كما يحسبه آخرون بابلياً آشوريا

على أن مصر عرفت في عهد الفراعنة شيئاً من احتكار صناعة النسج، فقد كانت المصانع ملحقة بالمعابد، وكانت منتجاتها مشهورة في الشرق الأدنى كله، وكانت تدر على المعابد أرباحا وافرة كان الفراعنة يستولون على جزء منها ويحتفظ كهنة المعابد بما يبقى

على أن نظام الطراز ما لبث أن انتشر في كافة الأقطار الإسلامية، كسورية والعراق وإيران واسيا الصغرى، وأسبانيا وجزيرة صقلية

وكان طراز الخاصة يعمل في نسج الأقمشة اللازمة للخليفة ولكبار رجال الدولة، وحاجة الخلفاء والأمراء إلى الكثير من تلك الأقمشة ناشئة من العادة القديمة التي اتخذوها في الخلع على رجال حاشيتهم وعلى غيرهم من أفراد الرعية مكافأة لهم وإظهارا لرضاهم عنهم

وفضلاً عن ذلك كان الخلفاء والأمراء يتبارون في إرسال الكسوة السنوية إلى الكعبة الشريفة من المنسوجات النفيسة التي كانت تصنع عادة في طراز الخاصة بمصر لذلك لم يكن غريباً أن يعنى الخلفاء والأمراء بكتابة أسمائهم على هذه الأقمشة الثمينة بلحمة من الذهب أو الفضة أو الخطوط المتعددة الألوان تخليداً لذكراهم ووثيقة لمن خلعت عليه إظهارا لرضاء الأمير، أو على تولي إحدى الوظائف الكبرى في الدولة

وكانت الكتابة على الأقمشة تشمل اسم الخليفة وألقابه وبعض عبارات الأدعية، وكثيراً ما كان يذكر فيها اسم المدينة التي فيها الطراز، واسم الوزير، وصاحب الخراج، وناظر الطراز، ومثل ذلك ما كتب على قطعة نسجت للخليفة الأمين محفوظة الآن بدار الآثار العربية ونصه (باسم الله بركة من الله لعبد الله الآمين محمد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، مما أمر بصنعته في الطراز العامة بمصر على يدي الفضل بن الربيع مولى أمير المؤمنين)

أما الصناعة الأهلية فكانت تحمل ضرائب فادحة وتعاني رقابة الحكومة في مراحلها المختلفة، فكان لزاماً أن تختم الأقمشة بالخاتم الرسمي، ولم يكن يتولى البيع أو التجارة ألا تجار تعينهم الحكومة، وعليهم تقييد ما يبيعونه في سجلات رسمية، كما كان لف الأقمشة وحزمها وربطها وشحنها يقوم به عمال حكوميون يتناول كل منهم ضريبة معينة

وقد لوحظ أن المراكز الرئيسية لصناعة النسج في مصر كانت في اكثر الأحيان الجهات التي يكثر فيها الأقباط؛ وكان القطن والكتان ينسجان في البلاد المصرية المختلفة ولاسيما في الدلتا يتنيس والإسكندرية وشطا ودمياط ودابيق والفرما، كما اشتهرت أيضا بنسجها مدينة البهنسا

أما الأقمشة الحريرية فكانت تنسج في الإسكندرية وفي دابيق؛ وكانت هناك أيضا مصانع للنسج في مدينتي اخميم وأسيوط اللتين كانتا مركزين هامين لصناعة النسج في العصر القبطي، وكانتا تصدران إلى بيزنطة والى بابوات روما كثيراً من الأقمشة النفيسة التي كان يوهب جزء كبير منها إلى الكنائس والأديرة وأما الحرير الصافي فالظاهر أن المصانع المصرية لم تشتغل بنسجه قبل عصر المماليك

وقد كان متحف فكتوريا والبرت بلندن، والقسم الإسلامي من متاحف برلين، يفتخران بامتلاكهما اكبر مجموعتين من الأقمشة الإسلامية النفيسة، حتى كشفت دار الآثار العربية في السنين الأخيرة عددا كبيرا جدا من القطع في المقبرة القديمة بين عين الصيرة والبساتين، إذ كانت الجثث في المقبرة المذكورة ملفوفة في أقمشة على بعضها أسماء خلفاء عباسيين أو فاطميين، وأصبحت دار الآثار العربية بعد هذه الاكتشافات أغنى متاحف العالم في الأقمشة الإسلامية، كما كانت أغناها في الخشب وفي مشكوات المساجد المموهة بالمينا

واكبر الظن أن اكثر ما وجد في الحفريات المصرية من منسوجات قد صنع في مصر نفسها؛ ولسنا نجهل أن الاتصال كان كبيراً بين سورية ومصر في العصور القديمة، وان هذا الاتصال لم يضعف في العصر الإسلامي ألا في فترات قصيرة، وان مقادير كبيرة من الزجاج المموه بالمينا ومن الأواني النحاسية المكفتة بالفضة نقلت إلى مصر، وأنه من المحتمل أن يكون ذلك قد قدر لبعض المنسوجات، لان مصر نفسها كانت من اكبر المراكز لصناعة المنسوجات في الشرق الأدنى

وكانت كذلك صقلية خاضعة للخلفاء الفاطميين في شمال أفريقية، ثم ضم الفاطميون إلى ملكهم مصر وسورية، وكانت صناعة النسج زاهرة في جزيرة صقلية حين حكمها العرب، حتى لقد يصعب كثيراً التمييز بين الأقمشة المنسوجة في مصانعها والأقمشة المنسوجة في مصر وسورية. وان صح ما ذكره المقريزي من أن ابنة المعز لدين الله تركت ثلاثين آلف قطعة من نسج صقلية فإن ذلك يدل على كثرة ما كانت تنتجه المصانع الصقلية، ويثبت أن مصر كانت تستورد منها بعض الأقمشة النفيسة، ولكنا نستبعد أن تكون الواردات من الأقمشة الأجنبية إلى مصر قد بلغت شيئاً كثيراً ومهما يكن من شيء فإن تطور صناعة النسج المصرية كان بطيئاً في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، وظلت الزخارف والتقاليد الفنية القبطية غالبة في العصر الإسلامي، فترة قطعاً كثيرة من الصوف أو الكتان ذات زخارف متعددة الألوان أكثرها طيور أو حيوانات أو أشكال آدمية صغيرة في جامات بيضيه الشكل أو متعددة الأضلاع وفيها أشكال هندسية أولية وخطوط متقاطعة ودوائر متماسة، وقد يكون على بعضها صور طيور متقابلة، أو يولي كل منها الأخر ظهره، وكل هذه القطع عليها مسحة قبطية ظاهرة، أكثرها منسوج بطريق (التابستري) - التي لا مجال هنا لشرح تفاصيلها الفنية وتظهر الكتابة على المنسوجات في القرن التاسع، بل هي تظهر في القرن الثامن، وان لم يكن لدينا من دليل يؤيد ذلك ألا القطعة المحفوظة بمتحف فكتوريا والبرت والتي عليها اسم (مرون أمير المو. .) وفي اعتقادنا أن المقصود هنا مروان بن محمد أخر خلفاء بني أمية وقد أحصى الأستاذ فييت ما نعرفه في المتاحف والمجموعات الأثرية من قطع المنسوجات التي عليها أسماء الخلفاء العباسيين، فوجد أن هناك واحدة باسم مروان، وواحدة باسم هارون الرشيد، وواحدة باسم الآمين، واثنتين باسم المأمون، وواحدة باسم الواثق، واثنتين باسم المتوكل، واثنتين باسم المستعين، وواحدة باسم المعتز، وواحدة باسم المهتدي، وتسع عشرة قطعة باسم المعتمد، وإحدى وعشرين للمعتضد، وخمس عشرة للمكتفي، وتسعاً وثمانين ومائة للمقتدر، وإحدى عشرة للقاهر، وأربعا وخمسين للراضي، وسبعاً وعشرين للمتقي، أربع قطع للمستكفي، وخمساً وأربعين ومائة للمطيع

وفي العصر الطولوني كانت التقاليد الزخرفية القديمة والقبطية لا تزال تسود صناعة النسج. على أن هناك بعض أقمشة عليها زخارف طولونية ظاهرة على النحو الذي نعرفه في زخارف الجامع الطولوني، والأخشاب التي ترجع إلى هذا العهد، وأوضح ما تكون هذه الزخارف على المنسوجات في قطعة بمتحف برلين نشرها الدكتور رسومها بما يسمونه الطراز الأول من زخارف سامرا، وبالزخارف الجصية في المنزل الذي كشف في حفريات دار الآثار العربية منذ ثلاث سنين. وليست هذه القطعة في حالة جيدة من الحفظ، فإن زخرفتها قد سقطت في بعض أجزائها، ولكن من حسن الحظ أن متحف ليزج يمتلك قطعة أخرى من القماش نفسه، زخرفتها احسن حفظاً، واكثر ظهوراً

وفي دار الآثار العربية قطع عليها رسوم شديدة الشبه بالزخارف الطولونية مما يجعلنا نرجع أنها ترجع إلى هذا العهد. واجمل هذه القطع معروض الآن في متحف جوبلان

وتشمل مجموعة دار الآثار العربية عدداً من قطع النسج بأسماء الأمراء الطولونيين. والمعروف أن الجزية التي كانت ترسلها مصر إلى الخليفة العباسي، ثم الهدايا التي أرسلها ابن طولون إلى الخليفة المعتمد، والتي أرسلها خمارويه من بعده إلى المعتضد، كان فيها شيء كثير من المنسوجات النفيسة؛ ومن هذه القطع واحدة باسم الخليفة المعتمد تاريخها سنة 278هـ (891 م) وتشبه قطعة أخرى باسم المعتمد أيضا وجدتها البعثة الألمانية في سامرا وهي محفوظة الآن بالقسم الإسلامي من متاحف برلين. وهناك قطعة أخرى باسم الخليفة المكتفي بالله، والأمير الطولوني هارون بن خمار يه سنة 291هـ (904 م) وهي السنة السابقة لسقوط الدولة الطولونية

وظل الخلفاء العباسيين في عهد الإخشيديين يستمدون من مصر اكثر ما يلزمهم من المنسوجات النفيسة المحلاة بكتابات كوفية فيها العبارات والأدعية المعروفة، بيد أن أسماء الوزراء لم تعد تظهر في تلك الكتابات

أما في عصر الدولة الفاطمية فقد عظم اهتمام الخلفاء بصناعة النسج، ويروي المقريزي أن دار يعقوب بن كلس وزير الخليفة العزيز بالله نزار حولت بعده إلى مصنع للنسج، وصارت تعرف باسم دار الديباج، وان وظيفة صاحب الطراز كان لا يتولاها ألا أعيان المستخدمين من أرباب العمائم والسيوف، وكانت تحت أمرته معاونون كثيرون ودار للضيافة تسمى (منظرة الغزالة) لا ينزل ألا فيها إذا ترك مقامه بدمياط أو يتنيس وقدم إلى القاهرة، (فتجري عليه الضيافة كالغرباء الواردين على الدولة فيتمثل بين يدي الخليفة بعد حمل الأسفاط المشدودة على تلك الكساوي العظيمة ويعرض جميع ما معه وهو ينبه على شيء فشيء. . . وله في بعض الأوقات التي لا يتسع له الانفصال نائب يصل عنه بذلك غير غريب منه، ولا يمكن أن يكون إلا ولداً أو أخا فإن الرتبة عظيمة. . .) (خطط المقريزي جزء أول ص 469 - 70)

وقصارى القول أن نظام الطراز بلغ من الجودة والدقة في العصر الفاطمي مبلغاً زاد كثيراً في كمية منتجاته وفي نفاسة نوعها. وقد كانت هناك أصناف من الأقمشة الغالية المشغولة بالحرير لا تنسج إلا للخليفة نفسه، ولكن أفراد الرعية كانوا يحصلون على قطع أخرى نفيسة جداً، فكانت الجلابيب والأقمصة والعمائم والأحزمة تصنع من أقمشة غالية تزينها أشرطة مشغولة بالحرير، اخذ حجمها في الزيادة حتى صارت في القرن الثاني عشر تغطي اكثر الأرضية الكتانية في الأقمشة

وكثيراً ما أمر الخلفاء بصناعة منسوجات فاخرة لإهدائها إلى الأمراء والملوك الذين كانوا يخطبون ودهم أو تربطهم بهم علاقات الصداقة وحسن الجوار

وقد بدأت بشائر العصر الفاطمي تظهر في صناعة المنسوجات الإسلامية في القرن العاشر، فاخذ الميل يزداد إلى الرقة في الزخارف والإبداع في تنسيقها، وسارت الألوان تزداد تدريجياً في الهدوء والتناسق، واصبح في الكتابة كثير من الرشاقة كما كبر حجم الحروف وصارت سيقانها تتصل ببعضها وينتهي كثير منها في أعلاه بزخارف صغيرة على شكل وريقات شجر تقليدية

وقد زار ناصري خسرو الرحالة الفارسي مصر حوالي سنة 1040 ميلادية واعجب بما ينسج في تنيس من قصب ملون تصنع منه ثياب النساء، وكذلك العمائم والقلنسوات وقال: إن مثل هذا القصب الجميل لا يصنع في أي مكان أخر، وأنه سمع أن أمير إقليم فارس من بلاد إيران أرسل عشرين ألف دينار إلى تنيس ليشتري بها النسج الملكي، ولكن وكلاءه أقاموا في مصر سنين عديدة دون أن يحصلوا على بغيتهم - وروى ناصري خسرو أن مصانع تنيس كانت تنتج نوعاً من القماش يسمى البوقلمون يتغير لونه باختلاف ساعات النهار ويصدره المصريون إلى بلاد المشرق والمغرب

وفي المتاحف والمجموعات الأثرية كثير من الأقمشة بأسماء الخلفاء الفاطميين وخاصة العزيز والظاهر والمستنصر. ولعل أبدعها من مجموعة صاحب الجلالة مولانا الملك باسم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله: الأولى من شاش اسود وعليها كتابة كوفية بحروف كبيرة في سطرين متوازيين مقلوب أحدهما. ونص العلوي منهما (بسم الله الرحمن الرحيم نصر من الله لعبد. . .) والسفلي (الحاكم بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعا. . .) وتحت الكتابة شريط من حرير اصفر فيه رسم ازرق مكرر لطائرين متقابلين (شكل1) والثانية من شاش اسود أيضا وعليها كتابة نصها في كل من السطرين (الله الرحمن الرحيم نصر من الله لعبد الله ووليه المنصور أبى علي الأمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين) وفوق الكتابة شريط من حرير اصفر فيه أيضا رسم ازرق مكرر لطائرين أنظر (شكل2) ومما يلفت النظر في هاتين الطرفتين الملكيتين ما في كتابتهما من الأخطاء بالرغم من إبداع صناعتهما

ومن اكثر المنسوجات الفاطمية ذيوعاً ثلاثة أنواع أقدمها قوامة أشرطة من الطيور أو الحيوانات وسط جامات بيضة الشكل قد يتداخل بعضها في بعض

والنوع الثاني عظم الشغف به في القرن الحادي عشر، وألوانه باهتة ويسود أرضيته لون ذهبي، وتزينه أشرطة وجامات متداخلة قد يكثر عددها، وفيها أيضا رسوم حيوانات أو طيور تقليدية أو أشكال آدمية، أنظر (شكلي3، 4) والنوع الثالث يمثل القرن الثاني عشر، ويسوده اللون الأزرق الغامض، وتبدأ فيه الحروف الكوفية في الاستدارة لتصبح حروفاً نسخية، كما تظهر في الزخارف الفروع النباتية والأرابسك والحروف النسخية التي لا تكون كلمات ذات معنى

ومن العبارات التي يكثر ورودها على الأقمشة الفاطمية: (الملك لله)، و (بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي ولي الله)، و (نصر من الله)، و (العز من الله)

وأما في العصر الأيوبي فإن الزخارف الحيوانية يقل استعمالها وتكثر الكتابة النسخية المشغولة بالإبرة، وكذلك الأشكال الهندسية من مثلثات ومعينات ودوائر. وفي المنسوجات المعروضة بمتحف جوبلان من مجموعة جلالة الملك ومجموعة دار الآثار العربية قطع قد ترجع إلى العصر الأيوبي وان كان الجزم بصحة ذلك ليس من الحكمة، لان بين المنسوجات الأيوبية والمنسوجات التي صنعت في أخر العصر الفاطمي شبهاً كبيراً يجعل من الصعب التمييز بينها

وفي عصر المماليك في القرنين الثالث عشر والرابع عشر قضى على نظام الطراز وضعفت بالقضاء عليه صناعة نسج الكتان، واصبح الأمر يدور حول نسج الحرير وتطريزه؛ وتأثرت الصناعة بمنتجات الشرق الأقصى التي ادخلها عصر المغول في العالم الإسلامي. ولسنا نجهل شهرة الديباج الصيني الذي أشاد ماركوبولو بوصفه في رحلته المعروفة، ووجد بعضه في مصر، كما وجدت أنواع أخرى من الديباج فيها تأثير الصناعة الصينية لدرجة يستحيل معها الجزم بأنها من نسج عمال مصريين، ولاسيما إن تذكرنا ما نعرفه من المصادر التاريخية عن البعثات التي تبودلت بين الصين ومصر لتحمل ما خف حمله وغلا ثمنه من المنسوجات الحريرية النفيسة. ونلاحظ أن الرسوم في النسج المطرز المملوكي تميل إلى استدارة نظراً لأسباب فنية يطول شرحها، وأهمها نوع الغرزة التي يسمونها والتي أخذها الغرب بعد ذلك عن البلاد الإسلامية

وكثيراً من الأقمشة المملوكية المعروفة عليها أسماء بعض السلاطين المماليك وبعض عبارات الأدعية نحو (عز لمولانا السلطان الناصر)، أو (السلطان الملك المظفر العالم العامل العادل)، (عز لمولانا السلطان الناصر، ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون) أو (الشرف للأشراف) وهناك شبه جلي بين زخارف هذه الأقمشة المملوكية وبين الكثير من الزخارف التي نراها على قطع الخزف والنحاس التي ترجع إلى العهد نفسه؛ كما أننا نرى في بعض الأقمشة المملوكية رسوماً تتكون من أشرطة قد تتعرج فتنظم بينها جامات بيضيه الشكل فيها صور طيور في مواقف مختلفة (شكلي6، 7)

بقي أن نشير إلى نوع من الأقمشة رسومه (مطبوعة) وليس منسوجة أو مشغولة في القماش نفسه، وترجع تقاليد هذه الصناعة إلى العصر القبطي، ولكن الظاهر أنها أهملت في العصر الإسلامي حتى أواخر حكم الفاطميين حين عاد القوم إلى استعمالها في الأقمشة الكتانية، وكانت الزخارف المطبوعة ذات لون واحد حتى جاء العهد العثماني فظهرت زخارف مطبوعة ذات لونين. ومهما يكن من شيء فإن صناعة هذه الأقمشة تشهد بدقة فائقة، وقد نقلها الغرب عن الشرق وانتشرت في أوربا ولا سيما في ألمانيا في حوض نهر الرين حيث يظهر تأثير الزخارف الشرقية في المنسوجات (المطبوعة). وفي دار الآثار العربية بعض أقمشة إسلامية مطبوعة، وفي اعتقادنا أنها من احسن الأمثلة المعروفة (شكل 8)

وهكذا يرى القارئ أن ما نفضل جلالة الملك بإعارته وما بعثت به دار الآثار العربية إلى جوبلان لتمثيل تطور صناعة النسج في مصر الإسلامية وسيلة جليلة لنشر الدعوة لمصر، وتعريف الأجانب بفنونها الجميلة

زكي محمد حسن