مجلة الرسالة/العدد 1019/من هنا وهناك
مجلة الرسالة/العدد 1019/من هنا وهناك
الاتجاهات الحديثة في الأدب الإنكليزي
أستعرض (ف. س. بريتشت) الناقد الأدبي لمجلة (نيوستيتمان اند نيشن) الإنجليزية الاتجاهات الحديثة في الأدب الإنجليزي فأبى أن يعترف بأن هناك اتجاها أو اتجاهات معينة تشوب الإنتاج الأدبي في الجزر البريطانية. والواقع أن المستر بريتشت حذر من دراسة الأدب على أساس (الاتجاهات). وقال إن الروائع الأدبية في معظم العصور الأدبية لم تكن جزءا من اتجاه أدبي معين وإنما كانت وليدة الإبداع الفني الخالي من أي اعتبار آخر
وذكر المستر بريتشت على سبيل المثال ثلاث قصص من أروج القصص في بريطانيا اليوم تعالج موضوعات مختلفة لا يمكن أن ترتبط باتجاه معين في حاضر الأدب الإنجليزي. ومن هذه القصص من تأليف القصصية المعروفة (حوبس كيري)، وهي قصة تعالج الحياة الخاصة والعامة لأحد رجال السياسة البريطانية في عصر الملك إدوارد. ومنها قصة من تأليف (بازيل دافيدسون) بعنوان ومحورها الجاسوسية في منطقة النفوذ السوفيتي.
إلا أن المستر بريتشت يقول بأن في السوق الأدبية رواجاً للقصص التاريخية - وهذا لا يعني أن هناك أنجاها معينا بين الأدباء الإنكليز لمعالجة التاريخ في قالب قصصي. ويشهد المستر بريتشت لقصتين من هذا النوع بالتفوق الأدبي والإبداع الفني. هما من تأليف (هوب مونتر) للكاتب المعروف (هـ. ف. م بريسكوت) وهي صورة فنية ممتعة للحياة البريطانية في عصر الملك هنري الثاني.
والاتجاه الوحيد الذي يعترف به المستر بريتشت يتصل باللغة - وعلى الأخص لغة الترجمة - فقد شاع في الأوساط الأدبية الإنكليزية في الآونة الأخيرة اتجاه واضح لإعادة ترجمة الروائع الأدبية الكلاسيكية في لغة مبسطة يصفها المستر بريتشت بأنها أقرب إلى الابتذال اللغوي منها إلى البساطة وسهولة التعبير. ويضرب مثلاً على ذلك بالترجمة الجديدة (لفاوست) التي أفقدت هذا السفر النفيس كثيراً من جلاله الأدبي وروعته الفنية. وكذلك الترجمة الجديدة لأنياده فرجيل التي لم تضمن للنص الأصيل جلالته الفنية.
وهذا الميل إلى تبسيط الروائع الكلاسيكية بلغة المكالمة الحديثة لم تقتصر على المترجمات من روائع الأدب الأجنبي وإنما شملت الأدب الكلاسيكي الإنجليزينفسه. فهناك نشاط أدبي لإعادة كتابة (قصص كنتربري)، وهناك رغبة لدى بعض الكتاب ودور النشر للاعتداء حتى على حرمة الأدب الشكسبيري. وإذا علمنا أن المستر بريتيت يكتب لمجلة يسارية عرفت بآرائها المتطرفة في السياسة والأدب أدركنا مبلغ استيائه من هذا الاتجاه لتبسيط لغة الروائع الكلاسيكية على حساب قيمتها الفنية.
حاضر الأدب الهندي
نشرت جريدة النيويورك تايمس في ملحقها الأدبي استعراضاً سريعاً لاتجاهات الأدب في الهند بقلم أحد الهنود. جاء في هذا البحث أن من غير الصواب تصنيف الأدب لهندي على أنه (وحدة أدبية) تنطوي على ما تنطوي عليه الوحدات الأدبية في الثقافات الحية من اتجاهات وتيارات. وذلك لأن الإنتاج الأدبي في الهند يصدر في عدد كبير من اللغات المحلية المتفرعة من السنسكريتية.
ويؤكد واضع البحث أن حاضر الأدب في الهند لا يشير إلى ازدهار؛ فالازدهار صفة لازمت عصور الأدب الهندي التي سبقت عصرنا الحاضر، فلم يقو كتاب الجيل الجديد في الهند على منافسة نتاج رابندرنات طاغور ومسرحياته، وقصص (سارات شاترجي) وغيرهما من أئمة الأدب في الجيل المنصرم.
ويعلل الكاتب هذا القصور بأن الجيل الذي يمثله طاغور كان يرزح تحت أعباء عاطفية شديدة - أعباء الصراع لتحقيق الحرية السياسية - مما فرض عليه انفعالات قوية للتعبير عن صورة الحياة ومشاكل النفس والمجتمع فيما عبر عنه ذلك الجيل من شعر وقصص ومسرحيات.
ومع هذا التبرير لا يجد هذا الكاتب عذراً للجيل الجديد في تقصيره عن الإبداع الفني. خصوصاً وأن لديه مورداً غزيراً من تراث جيل طاغور والأجيال التي سبقت ومن ذخائر الثقافة والأدب الإنجليزي الذي يحتل الآن مكان الصدارة كمورد للغذاء الفكري في الهند.
ويشير الكاتب إلى أبرز كتاب الجيل المعاصر، الذين يحملون تراث الأجيال السابقة ويبشرون بها هو الأديب الهندي الكبير (سنوميترا براساد بأنت)، وهو يكتب بالهندية ويتعمد تصوير ألوان من حياة الطبقة الكادحة.
وهناك القصصي البنغالي (جوبال هالدار) الذي لقيت قصصه الطويلة وأقاصيصه القصيرة رواجا كبيرا. ويقول واضع البحث إن الإبداع الفني لدى هذا القصصي البنغالي محدود، وإنتاجه يدور في إطار فني جماله وروعته لا تتعدى صوراً قليلة العدد، يميل الكاتب إلى تكريرها في معظم إنتاجه الفني.
وبمثل هذا العرض يصف واضع البحث إنتاج القصصي الهندي المعروف (ياشبال) الذي (يجد لقمة الخبز في كل مشكلة وحالة من حالات النفس ومجتمعها).
ويقول الكاتب إن هيمنة التفكير السياسي على الأدباء والمثقفين في الهند جعلهم مغرمين بالأدب السياسي أكثر من أي لون من ألوان الإنتاج الفكري. ولذلك فإن حاضر الأدب الهندي يطفح بالدعوات المقتبسة من أنظمة الفكر المعاصرة التي تتطاحن الآن في المعترك الدولي.
وفي مجال الشعر يسيطر (مايثلي ساران جوبتا) على زعامة القريض. فهو لا يكتب إلا شعراً. والغريب أنه قادر على الارتزاق من كتابة الشعر الفني المحض ويعيش في إحدى قرى الهند. ويتصف شعر (جوبتا) بالمحافظة وتمجيد العقيدة الهندوكية في ألوانها الدينية والسياسية.
ولشعره رنة موسيقية وعمق، وفيه صورة صادقة لاحساسات المجتمع الهندي التقليدي الذي لم تفسده كثرة الاتصال والتشبه بالثقافة الإنجليزية وغيرها من الثقافات التي تجد في الهند مجالا للرسوخ. ولهذا الشاعر رأي في قرض الشعر. فهو يعتقد أن الشاعر يخاطب الروح وأن الفيلسوف يخاطب العقل. وبما أنه شاعر وليس بفيلسوف فإنه يتفادى أن يصوغ قصائده في قالب فلسفي كما يميل إلى ذلك عدد كبير من الذين يتعاطون نظم القريض في الهند.
ويمتاز الناشئون من كتاب القصة في الهند بأنهم يقتدون في مستهل حياتهم الفنية بالاتجاهات التي يمر بها كتاب القصة في إنكلترا على وجه الخصوص، وفي أوربا وأمريكا على وجه العموم. فهم يبدءون بمعالجة مشاكل (القلب) والعشق والغرام وألوان الحب من وصال وهجران، وأكثرهم يستمر في هذا النوع من الأدب العاطفي، ولكن البعض الآخر يميل في سنوات النضوج العقلي إلى الاستفسار عن صلة المرء بالمجتمع الأكبر وأهمية الدور الذي تلعبه الشؤون الروحية في هذه الصلة.
ويروج في الهند أدب المقال والنقد، ويقبل عليه القراء بشغف.
وللأدب الهندي وجه جديد هو ما كثر في الآونة الأخيرة إنتاجه من أدب إنجليزي من أدباء هنود، وان هذا الإنتاج سوق في الهند وفي خارج الهند.
الشعوبية الثقافية وموقف الاتحاد السوفيتي منها
هل تسمح الوحدة السياسية التي تجمع بين مختلف الولايات الأوربية والآسيوية التي تؤلف الاتحاد السوفيتي بنمو الثقافات المحلية لهذه الولايات؟ أم إن الوحدة السياسية تحمل في ثناياها الانصهار الشامل لهذه الثقافات المحلية في بوتقة الثقافة السوفيتية الماركسية وما تنطوي عليه من أسس مرسومة للأدب والفن وشتى ألوان النشاط الفكري؟
هذا سؤال عالجه بعض الكتاب الذين يتتبعون تطور الأدب الروسي في ظل الحكم السوفيتي. واتخذوا حاضر الأدب والفن في أوكرانيا (أكبر ولايات الاتحاد السوفيتي الأوربية مساحة وأهمية) نموذجاً لأبحاثهم.
وقد أستعرض أحد الكتاب الأوكرانيين المقيمين في المنفى حاضر الأدب والفن في أوكرانيا في مقالة ظهرت مؤخرا في إحدى المجلات الأدبية الأمريكية فقال: انزعجت الحكومة الروسية للاتجاهات (القومية) الانفعالية التي أخذت تبدو في إنتاج أوكرانيا الأدبي والفني إثر الرواج الهائل الذي صادفته قصيدة قومية عنيفة نظمها أعظم شعراء أوكرانيا المعاصرين بعنوان (أحب أوكراني) وبلغ من أهمية هذه القصيدة أن كانت موضوع افتتاحية في جريدة (برافد) أعظم صحف موسكو اليومية نفوذا وانتشاراً. والقصيدة وإن كانت مقصورة على تمجيد التراث الأوكراني والتغني بمآثره أثارت انتقاد موسكو لأنها لم تصغ في قالب الأدب السوفيتي ولم تتطرق إلى مدح النهضة الثقافية التي تقول موسكو بأن الماركسية السوفيتية قد نشرتها في سائر أنحاء الاتحاد السوفيتي بما فيه أوكرانيا.
وقد ذكرت جريدة برافدا في افتتاحيتها عن الشعوبية في الأدب والفن الأوكراني إن الملامة في هذه الشعوبية تقع على عاتق الإدارة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني. وقالت (برافدا) إن الاتجاهات البرجوازية التي بدت في بعض أوساط الفن والأدب في أوكرانيا وأخذت تمدح الثقافة الأوكرانية الوطنية متجاهلة الأسس الجوهرية للفكر السوفيتي - هذه الاتجاهات ليست إلا الجهل بأهداف النهضة السوفيتية ومراميها في تنمية الثقافات الروسية الإقليمية في الولايات الأوربية والآسيوية التي تصهر الاتحاد السوفيتي في بوتقة الفكر الماركسي الشامل. وأشارت برافدا إلى أن تسامح موسكو إزاء نمو الثقافات المحلية هذه الولايات السوفيتية لا يعني التغاضي عن صهر هذه الثقافات في بوتقة الفكر السوفيتي الشامل.
وانتقدت برافدا كذلك فقان الكفاية العلمية والأدبية بين زعماء الحزب الشيوعي الأوكراني وما يتبعه من معاهد علمية ومؤسسات أدبية وفنية، وأشارت برافدا على سبيل المثال إلى عضوية (أكاديمية العلوم الأوكرانية) وقالت بأن 70 في المائة من أعضائها مفتقرون إلى الثقافة العالية التي توفر لهم المقدرة الفكرية لاستيعاب المبادئ الماركسية في أبواب العلم والأدب والفن.
ومن جراء هذه الحملة التي شنها جريدة برافدا (لسان حال الكرملين في موسكو) أن أدخلت تعديلات على عضوية اللجان الثقافية التي يوجهها الحزب الشيوعي في أوكرانيا، ويسيطر بواسطتها على الحياة الأدبية والفنية في ذلك الجزء الهام من الاتحاد السوفيتي. وقد منعت السلطات في أوكرانيا بإيحاء من موسكو تمثيل أوبر (بودهان خاما لنتسكي) لما تضمنته من تمجيد للقومية الأوكرانية. وكانت هذه الأوبرا قد لقيت رواجاً منقطع النظير عندما عرضت لفترة قصيرة في العاصمة الأوكرانية.
وقد حاول الأستاذ لينوند ماكينوف نائب ستالين في أوكرانيا أن يبرر هذه الرقابة السوفيتية على الإنتاج الأدبي والفني في أوكرانيا فأصدر بياناً مسهباً أستعرض فيه المنافع الثقافية التي حققتها الإدارة المركزية للحكومة السوفيتية في أوكرانيا. فقال إن أوكرانيا قبل قيام العهد السوفيتي كانت مفتقرة إلى أبسط وسائل التعليم والإنتاج الأدبي والفني. أما اليوم فإن أوكرانيا تعيش في خيرات ثقافية لا مثيل لها. ففي البلد أكثر من 158 جامعة ومعهد للدراسات العالية. وفيها 75 مسرحاً ودار للأوبرا. ولها 26 فرقة موسيقية و28 ألف منتدى أدبي وثقافي. ويصدر في أوكرانيا 1200 جريدة يومية و64 مجلة أسبوعية وشهرية.
هذا لون من الصراع الفكري في روسيا السوفيتية لعل في التعرف عليه نوعا من المتعة والفائدة.