مجلة الرسالة/العدد 1013/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 1013/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ أنور الجندي
الموسم الثقافي
ومرة أخرى يفتتح (طه حسين) الموسم الثقافي لنادي الخريجين المصري بمحاضرة عن (الثقافة الوطنية، والثقافة العالمية).
ولنا قبل أن نلخص المحاضرة عتاب على نادي الخريجين الذي يرأسه الدكتور العميد، لأنه لم يوفر للعدد الضخم الذي حضر ليسمع (طه حسين) الأماكن. . وإذا كان النادي لا يتسع، فقد كان في الإمكان أن يختار أي قاعة من القاعات الواسعة: نقابة الصحفيين، أو يورت، أو الشبان المسلمين. .
لقد ذهبنا قبل موعد المحاضرة بنصف ساعة فلم نجد مكاناً واضطررنا أن نقف في تلك الطرقة العتيقة محشورين على وجه غاية في القسوة، فترة تزيد على ساعة ونصف الساعة. .
وبعد. فهل أستطيع أن ارسم خطوطاً عامة لهذه المحاضرة الممتعة؟ أرجو. .
تحدث الدكتور عن الثقافة، وقال أنها ليست شيئا يمكن تحديده، وأنها وسيلة من وسائل التقارب بين الناس والأجناس، وأنها الأداة الوحيدة لمنع الحرب ونشر السلم. .
رسم العميد صورة للمثقف في العصر القديم، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وكيف كان الشاعر يسعى من باديته إلى الحاضرة، يحمل قصيدة يمتدح بها الخليفة أو الأمير، فإذا وصل إلى الحاضرة أعجبته ورضي عنها فاستقر بها طويلاً. . وأفاد من اتصاله بالناس في خلال رحلته الطويلة وفي خلال مقامه في الحاضرة، فإذا عاد بعد ذلك إلى البادية، عاد ومعه ثقافة واسعة جديدة. .
وقال الدكتور طه حسين إنه ليس هناك ثقافة وطنية وثقافة عالمية، وإن التفريق بينهما خطأ واضح، إذ أن الثقافة عالمية قطعا، وإنه لا سبيل لأمة الآن أن تعيش منفصلة عن غيرها، ولا أن يعيش شعب على الثقافة العربية وحدها، لعاشوا بعيداً جداً عن الحياة الحاضرة.
وليست مصر وحدها هي التي تستطيع أن تتخلف عن الثقافة العالمية، بل إن الأدب الفرنسي والأدباء الفرنسيين، لا يستطيعون أن يقولوا إنهم عاشوا دون أن يقرئ الإنجليزي أو الألماني أو الروسي أو اليوناني. . وكذلك الشأن في الآداب الأخرى.
وعاد الدكتور بعد ذلك فقال: غير أن الأدب في كل وطن يصور البيئة وروحها، ذلك أن الثقافة بالرغم من عالميها فأنها تتأقلم وتتبلور في صور النفس التي تكتبها. .
ورسم الدكتور صورة المثقف، فقال إنه ليس ذلك الذي يحفظ النصوص ويلقيها في كل مناسبة أو غير مناسبة، إنما هو القادر على أن يهضم كل ما يقرأ من فنون الأدب والثقافة، ويحولها في كيانه إلى قوة وتصنع فنونا جديدة.
وقال إن المثقف في عصرنا الحديث لا يستطيع أن يعد نفسه مثقفاً، إلا إذا ألم إلماماً وافياً بكل الآثار التي تنتجها القرائح في عصره. . وأن يواصل دائماً هذه القراءة، ويدأب على الدرس الدائم!
وفي نهاية المحاضرة تحدث (طه حسين) عن التعليم، وهاجم الرأي القائل بالتحفظ في إذاعته وتيسيره للناس جميعاً، وحمل على نظرية التعليم للتوظف، هذه النظرية التي قامت في العهد البائد ويجب أن يقضي عليها العهد الجديد، واستقبل المستمعون حملته هذه بالإعجاب والتصفيق. .
ومع الأسف فإن الصحف اليومية لم تذكر شيئاً عن هذه العاصفة الضخمة التي أثارها عميد الأدب!
الأدب النسوي والشعر المنثور
في رسالة مطولة وردت إلينا من الكاتبة الثائرة (ليلى مسلم) تقول: (إن حملتك على الأدب النسوي يا سيدي قاسية، إنك تنكر أن هناك أدب نسوي، وقد رددت هذا أكثر من مرة وقلت إنه ليس هناك شاعرات). .
ووقفت من الشعر المنثور الذي كتبته (هند سلامة) موقف المعارضة. . لست أدري إن كن ذلك منصباً على اللون الأدبي نفسه أم على المعاني التي تضمنه الشعر. . إنني أرسل إليك طي هذا بعض القصائد والقصص وأنا متحدية وواثقة من أنك ستغير رأيك في الأدب النسوي والشعر المنثور.
إن هناك كاتبات يا سيدي يكتبن لأنفسهن، ويعشن في برجهن العاجي ليقرأن. . ويتبن. . إنهن - وأنا منهن - يعرفن أن الصحف لا تعرف غير الوجوه، ولا تعرف غير اللواتي يتصلن بهذا الكاتب أو ذاك.
أما أولئك اللائى ينتجن في صمت، فهن لا يردن أن يعرفهن أحد. . غير أنه عز علي أن تقول إنه ليس هناك أدب نسوي، ولذلك أرسلت لك هذه الصورة من كتاباتي).
والحق أنني أعجبت بهذه الرسالة لأن كاتبتها مركزة الأسلوب، ولأن القطع التي أرسلتها إلى توحي بالثقة بأننا سنطالع فجر الأدب النسوي الجديد. . سنطالعه على يد أمثال ليلى مسلم. . وغيرها من الشابات المجددات، اللواتي لم تتألق أسماؤهن بعد. .
وأسارع فأعرض قطعة من شعر (ليلى مسلم) المنثور:
بيني وبينك. . خفي مجهول
سمه عبادة، أو سمه حنينا
سمه ما شئت مما تعرفه وحدك، ويخفى على من دونك
إنه موجود، باق لا يزول
يسرى فجأة في بدني فيرتجف له. .
ثم يدب على أرضي. . فأقف في ثبات
. . أقف أمامك، وقفة موسى عند الطور الأيمن
ويجري بينك وبين عتاب. . حار
وتنتصر أنت، وأتواري أنا خجلاً. .
ويحزنك أمري. .
فتبعث إلى. .
تبعث إلى من ذلك الينبوع الذي لا يجف، ينبوعك!
وترطب جفاف روحي بآياتك الحسان
ولكني من فرط خجلي لا أستجيب. .
فتنتظرني قليلاً. . ولا تهجرني. .
وتفتش عني في كل مكان. .
فلا تترفع عن ارتياده، مهما كان، لتهمس في أذني: عودي يا ضالة!
عنك المؤمنون الأبرار. . راكعين، ساجدين ولكنك لا تلبث أن تجيب دعوة الداعي. . إذ دعاك. . فأنا أدعوك. .
وحق على أن أنشر هذا الشعر المنثور. . فهو غاية في السمو والنقاء. .
إنهن يرسم صورة لنفس (صوفية) تحلق وتصعد في السماء. فارق بعيد بين هذا اللون (الروحي)، وبين ذلك اللون (النفسي) الذي عارضناه، وإن كنا نحتفظ برأينا في الشعر المنثور بصفة عامة.
(هند سلامة) تصور الحياة وتغوص في معالمها. . وتجري في تيارها. (وليلى مسلم) تسمو وتتحرر، وتتجه إلى الله، وترسم النفس الإنسانية وهي تتعالى وتندفع إلى الخلود.
وبعد فكلمة أهمس من وراء النقد، ونجدنا على استعداد لأن. نغير رأينا في الأدب النسوي، إذا برزت فنون من الأدب جديدة يمكن أن تملأ هذا الفراغ.
إننا يا سيدتي ننحني للأدب الرفيع. . ونحيي الروح الجديد. . و (الرسالة) يا سيدتي لا تعرف الوجوه، ولكنها تعرف الفن الخالص. . فقدمي إليها إنتاجك، وسترين أنها تحفل به ما دام متسقاً مع مستواها وروحها.
أنور الجندي