انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 1004/تجلد يا قارون باشا!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1004/تجلد يا قارون باشا!

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1952


لك الله يا مسكين! لم تعد باشا بعد يوليو، ولن تعود قارون بعد أكتوبر!

ذهب اللقب وضاع (الطين)، فلا رأس يشمخ ولا لغد ينتفخ! وخلا

الدوار والإسطبل، فلا ثور يخور ولا فرس يصهل! وخوي القصر

والديوان، فلا حاجب يسعى ولا حاسب يحسب! وخفت الصوت الراعد

فلا (شخط ولا نطر)، وخرس اللسان البذيء فلا نهر ولا قهر!

لم يبق لك من ثارئك الفاحش الضخم، إلا جسد بض، وبطن شحيم، ووجه جهم، وذهن مغلق، وحس نظلم، وجهل مطبق، وسمعة قبيحة! وكانت هذه المزايا التي مازك الله بها مستورة بالطين فما كان يراها أحد. فلما كشفوا عنك غطاء الذهب، واستردوا منط جلال اللقب، بدوت في شرفة القصر عارياً من زينة الجسد والروح، كما بدا فاروق في شاطئ كابري عارياً من زينة الملك والإنسان!

أنا والله شامت بك يا قارون! لطالما قرعت سمعك وسمع الأمير بزواجر النصح الخالص، ولكنكما لم تكونا يومئذ تصدقان أن للناس رباً يمهل ولا يهمل، وأن للعدل نوراً يخبو ولا ينطفئ، وأن للشعب وعياً يضعف ولا يموت! وها هو ذا غضب الله يحل، ونور العدالة يشرق، ووعي الأمة يستيقظ؛ فهل أغنى عنكم النضار الذي كنزتموه، والعقار الذي حزتموه؟ لقد أخذتكم صيحة الجيش بالحق، فآمنتم لأول مرة أن الناس عبيد الله، وأن الوطن ملك الجميع، وأن الملك أحد الناس

أنا والله شامت بك وبأمثالك يا قارون! كان كل منكم حاشية كحاشية فاروق، وزبانية كزبانية جهنم! حاشية تحبب إليكم الفسق، وتهون عليكم الإثم، وتوفر لديكم المتاع. وزبانية يعقدون لكم دم الفلاح ذهباً، ويحولون إليكم عرق الأجير فضة. ثم لا يشيرون عليكم أن تعملوا لعبيدكم ما يعمل الفلاح لمواشيه: يغذي البقرة لتحلب، ويقوى الثور ليحرث!

لقد أصبحتم بكفرانكم لنعم الله ناساً من أقل الناس، تذوق ألسنتكم الحلو والمر، وتحس نفوسكم العز والذل، وترجون الدستور كما نرجو، وتخشون القانون كما نخشى. وستنسون من طول ما يلح الغلاء وتفدح الأعباء، أنكم كنتم من الطبقة التي أقامت نفسها بقوة الم وسطوة الحكم بين الله وبين عباده، تملك الأمر والنهي، وتعطي الحياة والموت، وتضع يدها في يد إبليس، لتنقض ما أبرم الله، وتفسد ما أصلح الدين

كنت يا قارون تكره العلم لأنك تحب الجهل، وتوالى الظلم لأنك تعادي العدل؛ فماذا تصنع اليوم وقد أصبحت محتاجاً إلى العلم لتعمل، ومفتقراً إلى العدل لتعيش؟

إن في مذكراتي وذكرياتي افانين من مخازيك يا قارون، لو نشرتها على أعين الناس لأنكروا أنك منهم، وأشفقوا أن تعيش فيهم؛ ولكني أتأدب بقول الرسول الكريم: أكرموا عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر!

احمد حسن الزيات