انتقل إلى المحتوى

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 53/أحداث الشهر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 53/أحداث الشهر

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1920



سار يباري النجم في جده ... وعاد كالسيف إلى غمده

ذاك سيد الشعراء وشاعر العربية الأوحد - أحمد شوقي بك - فقد رفهت الأقدار عن الناطقين بالضاد عامة والمصريين خاصة بأن أدال الله لنا من غربته جميل اوبته - وما كاد ينطلق بلبلنا الغرد من معتقله حتى شدانا بهذه الأبيات.

أنادي الرسم لو ملك الجوابا ... واجزيه بدمعي لو أثابا

وقلّ لحقه العبرات تجري ... وإن كانت سواد القلب ذابا

سبقن مقبلات الترب عني ... وأدين التحية والخطابا

نثرت الدمع في الدمن البوالي ... كنظمي في كواعبها الشبابا

وقفت بها كما شاءت وشاؤوا ... وقوفاً علم الصب الذهابا

لها حق وللأحباب حق ... رشفت وصالهم فيها حبابا

ومن شكر المناجم محسنات ... إذا التبر انجلى شكر الترابا

وبين جوانحي واف ألوف ... إذا لمح الديار ومضى وثابا

رأى ميل الزمان بها فكانت ... على الأيام صحبته عتابا

  • * *

وداعاً أرض أندلس وهذا ... ثنائي إن رضيت به ثوابا

وما أثنيت إلا بعد علم ... وكم من جاهل أثنى فعابا

تخذتك موئلاً فحللت أندي ... ذراً من وائل وأعز غابا

مغرّب آدم من دار عدن ... قضاها في حماك لي اغترابا

شكرت الفلك يوم حويت رحلي ... فيا لمفارق شكر الغرابا

فأنت أرحتني من كل أنف ... كانف الميت في النزع انتصابا

ومنظر كل خوان يراني ... بوجه كالبغي رمى النقابا

وليس يعامر بنيان قوم ... إذا أخلاقهم كانت خرابا

  • * *

أحق كنت للزهراء ساحاً ... وكنت لساكن (الزاهي) رحابا

ولم تك (صور) أبهى منك ورداً ... ولم تك بابل أشهى شراب وإن المجد في الدنيا رحيق ... إذا طال الزمان عليه طابا

أولئك أمة ضربوا المعالي ... بمشرقها ومغربها قبابا

جرى كدراً لهم صفو الليالي ... وغاية كل صفو أن يشابا

مشيبة القرون أديل منها ... ألم تر قرنها في الجو شابا

معلقة تنظر صولجاناً ... يخر عن السماء بها لعابا

تعد بها على الأمم الليالي ... وما تدري السنين ولا الحسابا

  • * *

أيا وطني لقيتك بعد بأس ... كأني قد لقيت بك الشباب

وكل مسافر سيؤوب يوماً ... إذا رزق السلامة والإيابا

ولو أني دعيت لكنت ديني ... عليه أقابل الحتم المجابا

أدير إليك قبل البيت وجهي ... إذا فهت الشهادة والمتابا

وقد سبقت ركائبي القوافي ... مقلدة أزمتها طرابا

تجوب الدهر نحوك والفيافي ... وتقتحم الليالي لا العبابا

وتهديك الثناء الحر تاجاً=على تاجيك مؤتلقاً عجابا

  • * *

هدانا ضوء ثغرك من ثلاث ... كما تهدي (المنورة) الركابا

وقد غشى المنار البحر نوراً ... كنار (الطور) جللت الشعابا

وقيل الثغر فاتأدت فأرست ... فكانت من ثراك الطهر قابا

فصفحاً للزمان لصبح يوم ... به أضحى الزمان إلي تابا

وحيا الله فتيانا سماحاً ... كسو عطفي من فخر ثيابا

ملائكة إذا حفوك يوماً ... أحبك كل من تلقى وهابا

وإن حملتك أيديهم بحوراً ... على أكفهم السحابا

تلقوني بكل أغر زاه ... كأن على أسرته شهابا

ترى الإيمان مؤتلقاً عليه ... ونور العلم والكرم اللبابا

وتلمح من وضاءة صفحتيه ... محيا مصر رائعة كعابا وما أدبي لما أسدوه أهل ... ولكن أحب الشيء حابي

شباب النيل إن لكم لصوتاً ... ملبي حين يرفع مستجابا

فهزوا (العرش) بالدعوات حتى ... يخفف عن (كنانته) العذابا

أمن حرب البسوس إلى غلاء ... يكاد يعيدها سبعاً صعابا

وهل في القوم يوسف يتقيها ... ويحسن حسبة ويرى صوابا

عبادك رب قد جاعوا بمصر ... أنيلا سقت فيهم أم سرابا

حنانك واهد للحسنى تجارا ... بها ملكوا المرافق والرقابا

ورقق للفقير بها قلوباً ... محجرة وأكباداً صلابا

أمن أكل اليتيم له عقاب ... ومن أكل الفقير فلا عقابا

أصيب من التجار بكل ضار ... أشد من الزمان عليه نابا

يكاد إذا غذاه أو كساه ... ينازعه الحشاشة والإهابا

وتسمع رحمة من ناد ... ولست تحس للبر انتدابا

أكل في كتاب الله إلا ... زكاة المال ليست فيه بابا

إذا ما الطاعمون شكوا وضجوا ... فدعهم واسمع الغربى السغابا

فما يبكون من ثكل ولكن ... كما تصف المعددة المصابا

ولم أر مثل سوق الخير كسبا ... ولا كتجارة السوء اكتسابا

ولا كأولئك البؤساء شاء ... إذا جوعتها انتشرت ذئابا

ولولا البر لم يبعث رسول ... ولم يحمل على قوم كتابا

شهداؤنا الاثنا عشر

علمونا الصبر نطفئ ما استعر ... إنما الأجر لمفجوع صبر

صدمة في الغرب أمسى وقعها ... في ربوع الشرق مشؤوم الأثر

زلزلت في أرض مصر أنفساً ... لم يزلزلها قرار المؤتمر

ما اصطدم النجم بالنجم على ... ساكن الأرض بأدهى وأمر

قطف الموت بواكير النهى ... فجنى أجمل طاقات الزهر

وعدا الموت على أقمارنا ... فتهاووا قمراً بعد قمر في سبيل النيل والعلم وفى ... ذمة الله قضى الاثنا عشر

أي بدور الشرق مذا نابكم ... في مسار الغرب من صرف الغير

نبأ قطع أوصال المنى ... وأصم السمع منا والبصر

كم بمصر زفرة من حزها ... كنس الأعفر والطير وكر

كم أب أسوان دام قلبه ... مستطير اللب مفقور الظهر

ساهم الوجه لما حل به ... سادر النظرة من وقع الخبر

كم بها والدة وآلهة ... عضها الثكل بنار فعقر

ذات نوح تحت أذيال الدجى ... علم الاشجان سكان الشجر

تسأل الأطيار عن مؤنسها ... كلما صفق طير واصطخر

تسأل الأنجم عن واحدها ... كلما غور نجم أو ظهر

تهب العمر لمن ينبئها ... أنه أفلت من كف القدر

ويح مصر كل يوم حادث ... وبلاء مالها منه مفر

هان ما تلقاه إلا خطبها ... في تراث من بنيها مدخر

  • * *

أمة الطليان خففت الأسى ... بصنيع من أياديك الغرر

جمعت كفاك عقد زاهيا ... من بنينا فوق واديك انتثر

ومشى في موكب الدفن لهم ... من بنيكم كل مسماح أغر

وسعى كل امرئ مفضل ... بادي الأحزان مخفوض النظر

وبكت أفلاذكم أفلاذنا ... بدموع روضت تلك الحفر

وصنعتم صنع الله لكم ... فوق ما يصنعه الخل الابر

فقد بكينا لكم من رحمة ... يوم (مسينا) فأرخصنا الدرر

فحفظتم وشكرتم صنعنا ... وبنو الرومان أولى من شكر

أي شباب النيل لا تقعد بكم ... عن حظير المجد أخطار السفر

إن من يعشق أسباب العلى ... يطرح الأحجام عنه والحذر

فاطلبوا العلم ولو جشمكم ... فوق ما تحمل أطواق البشر نحن في عهد جهاد قائم ... بين موت وحياة لم تقر

حافظ إبراهيم