مجلة البيان للبرقوقي/العدد 51/باب الزراعة
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 51/باب الزراعة
زراعة القطن
حقائق ودقائق عنها
منذ سنوات كنت أبحث في غيطان القطن عن تأثير الحشرات فلفت نظري غيطان متلاصان أعرف نم قبل تماثلهما في الأحوال الزراعية ولكني وجدت أن أحدهما أزكى من الآخر زكاء بيناً.
كان ذانك الغيطان متماثلين في نوع التربة والزراعة السابقة للقطن وكان زارعاهما متساويين في العناية بهما وكانا مزروعين من صنف واحد من أصناف القطن ولكن نبات أحدهما عفى من نبات الآخر وأكثر منه وأبكر فروعاً وأزهاراً بحثت فلم أجد في وسائل تهيز الأرض وخدمة الزرع فيهما ما يعلل به هذا التفاوت الكبير بين زرعيهما واستزدت من المشاهدات في غيرهما مع المقابلة يبن بعض الغيطان وبعضها الآخر فوجدت أيضاً أنه بنما تكون الزراعة الكبيرة أنمى من غيط يجاوره ويماثله تكون الزراعة الوخرية ذات البقعة يرجع إليها في التعليل عادة بين جمهور الزراع ليست وحدها هي الفعالة في تخصيب الزرع وأنه لا بد أن يكون هناك عوامل أخرى ولذلك أخذت أستكشف باستمرار وأراقب بعين ساهرة كل ما يمكن تبينه من وسائل فلاحة القطن وكيفياتها المختلفة وملابساتها المتنوعة حتى وقفت بعد طول الملاحظة والاختبار والبحث والاستبصار إلى حقائق ودقائق جديرة بلفت نظر الزراع إليها أذكر منها الآن ما يلي:
(1) أن لصفة البذرة في ذاتها (بصرف النظر عن نوعها) تأثيراً قوياً قلما يلتفت الكافة إلى دراسة نتائجه وتقديرها حق قدرها بالدقة والعناية اللازميتن وأن عامة الزراع مهملون في اختيار البذور فلا يكادون يفرقون بين الطيب والدون أو الطيب والأطيب حاسبين أنه ما دامت البذرة تنبت فنماء نباتها وزكاؤه بعد تابع لخصبة التربة فحسب وهذا خطأ فإنه كلما كانت البذرة أزكى أصلاً وأرسخ صفات أي أصيلة ونقية (بالمعنى النباتي) كان نبتها أقوى وأمنع - أي ذا مناعة والمناعة هي القدرة على مقاومة الأدواء.
ومما يحسن التنبيه إليه لمناسبة ذكر البذرة تصحيحاً لبعض المزاعم الشائعة في القرن الزراعي خطأ ما يأتي: (ا) زعم التقاوى تكون أحسن لجهة ما إذا جلبت لها من جهة أخرى فإن هذا على ما يلوح لي بل أكاد أتأكده من الأوهام فهؤلاء زراع الخضروات المصرية كانوا ولا يزالون ينتخبون تقاويها نم ذات زراعتهم ويتداولون زراعتها وانتخابها دواليك منذ سنين عديدة ولا تزال مع ذلك حافظة لجودتها وخصائصها مع المزيد فيهما حيث يكون الانتخاب أدق والعناية بالفلاحة أتم ولعل سبب هذا الوهم أن البذرة المجلوبة تكون عادة مجلوبة من مزارع مشهورة بحسن عناية زراعها. فتكون لذلك جيدة وإذاً بالفضل لحسن التخير والانتقاء لا للجهة فإذا أحسن إنسان انتقاء بذرته نم غلة أرضه كان ذلك وافياً بالغرض.
(ب) إن البذرة المتخيرة إذا زرعت في غيط غير معتنى به وانحط نسلها فيه لذلك نسلها هذا تعود بذرته وتسترجع جودتها. الأولى إذا زرعت في غيط معتنى به كما يجب ولذلك قد تكون صفة البذرة الظاهرة أحياناً ليست دليلاً تام الدلالة عليها بدون الرجوع إلى استكناه أصلها.
(2) إن لدرجة جفاف الأرض تأثيراً فإذا كانت الأرض حلوة ولم تجف تماماً للدرجة التي يحسن معها الحرث فإن نبتها ينشأ ضعيفاً وإذا كانت الأرض بها شيء نم الملوحة وحرثت وهي جافة جفافاً تاماً فإن نبتها ينشأ ضعيفاً أيضاً وفي الأرض الحلوة كلما كانت مدة التشميس أطول كان إخصابها للزرع أزكى وبالعكس الأرض الغير حلوة فإنها إذا شمست كثيراً تفوخر.
(3) إن لأوقات الري سيما مدة التزهير تأثيراً شديداً سريعاً فأحسن ما يكون الرى حينئذ في الأوقات اللينة صباحاً ومساءً وليلاً أما الري في أوقات الحرارة سيما إذا كان الزرع عطشاناً عطشاً بينا فإنه يكون مفاجأة مضرة به للغاية.
وبعد فإني أذكر فيما يلي بعض الحقائق التي لا يد نم التدقيق في مراعاتها لتحسين غلة القطن نوعاً ومقداراً.
(أولاً) تدمس الأرض (تروى) قبل الحرث إذا كانت بائرة أو بعد التخطيط (قبل وضع البذرة) فإنه يلطف خصوبة الأرض الفائقة الخصوبة حتى لا يهيج قطنها ويغسل ملوحة الأرض فلا تعيق نمو نباتها ويزيل خشونة الأرض إذا كانت فلا تعاكس خروج نبتها (وإذا كانت الأرض نقية من الملوحة ومتوسطة الخصب ومحروثة جيداً فإنه لا يلزم دمسها إلا إذا كانت ستزرع قطناً رجيعاً) وإذا وجد أن الدمس سينشأ عنه تأخير زرع الأرض عن إبانه أي عن وقته المناسب فيمكن الاكتفاء بجعل رية الزرع إشباعاً.
(ثانياً) أن تكون سعة التخطيط متوسطة توسطاً يميل إلى تسعة مثلاً إذا قدرنا لأرض جعل التخطيط كل 9 أو 10 خطوط في القصبتين فيرجع ال9 أو 11 و12 فيرجع ال11 وأن تكون المسافة يبن الزرع أي بين النقرة والنقرة أو الجورة والجورة متوسطة أيضاً ولكن بميل إلى التضييق فإذا قدرنا لأرض أن تكون المسافة 35 أو 30 سنتيماً رجحنا المسافة الأقل والسبب في ذلك أنه مع جعل التخطيط أقرب إلى السعة - إلى حد محدود طبعاً - تصير المساطب أعلى فتجد فيها جذور النبات عمقاً أكثر (مما تجده في المساطب ذات التخطيط الضيق) مخدوماً خدمة حسنة فينشط نموها وبالتالي نمو الشجيرات وتفريعها وتزهيرها.
ثالثاً: تنقع البذرة في المساء مسافة الليلة التي ستكون الزراعة في صباحها وأحسن أن يكون الماء بقدر ما يغمر البذرة فقط بدون أن يطف عليها.
رابعاً: أن تؤخر رية المحاياة ما أمكن للزرع احتمال ذلك بحيث لا يروى إلا إذا ظهرت عليه أمارات الظمأ الشديد.
خامساً: أن يبكر بخف القطن ما أمكن التكبير.
سادساً: أن يروى القطن رياً إشباعاً متقارباً ما أمكن ذلك في الوقت ما بين نزول النقطة ومجيء الفيضان أو من أواسط يونيو إلى أوائل أغسطس.
سابعا: أن يبادر بجني القطن كلما وجد به ثلث محصول أي يجني ثلاث مرات
الألفى
آلات زراعية جديدة
بقية محاضرة الأستاذ عبد الله أفندي عبد المجيد
التي نشر قسم منها في العدد 7 و8 سنة سابعة
البذارة
تبذر بسرعة هائلة. وباقتصاد هائل. هـ آلة تضع فيها القمح أو البرسيم ويجرها حصان أو بغل فتسير وتدفن في الأرض البذور على أبعاد متساوية وعلى خطوط هندسية متباعدة تباعداً متساوياً فلا تبذير ولا إسراف مهندس حكيم يخط لك حديقة غناء.
لقد نشرت نقابة سنتماي الزراعية سنة 1916 في الجرائد المصرية نتيجة أبحاثي وطريقتي في بذر القمح. وبرهنت أنه لا يجب أن يوضع في الفدان أكثر من ثلاث كيلات حتى يجد النبات هواء يتخلله ومسكناً صحياً فتكبر السنبلة وتكون أقل عرضة للأمراض الفطرية الخ وأخيراً يعطي محصولاً أكبر. وقد جربت وزارة الزراعة هذه الطريقة ورأت أنها خير طريقة من الوجهة الزراعية والاقتصادية.
البذارة أيها السادة آلة رخيصة يجب أن تكون عند كل مزارع وكل نقابة أنها توفر في سنة واحدة ضعف ثمنها وتوفر الوقت والعمل والعمال.
وللسباخ بذارة مخصوصة تنثر على الأرض بميزان عادل.
- * *
العزاقة
آلة سهلة يحركها حصان فتسير بين خطوط القطن أو الذرة وتعمل في الساعة الواحدة مالا يعمله العامل في يوم. فانظروا الاقتصاد الهائل.
الوابورات البخارية التي تدار بالغاز كلكم يعرفها أو كلكم تملكون منها في دوائركم قد عرفتم نفعها الجم فلا أود أن أكلمكم عنها.
آلة ضم القمح
عربة يركبها الفلاح يجرها حصان وكلما سارت تساقط القمح بكل لطف وحزمته وتركته مجهزاً للدراس.
آلة الدراس
آلة تدرس القمح والشعير وخلافة فيتساقط الحب خيالياً من كل الوساخات وهي تكفي المالك تعب المواشي وهلاكها في الحر وتقتصد في الوقت. ومنها الرخيصة التي تسير بالمواشي ومنها ما يدار بالآلات.
الغرابيل الميكانيكية
من ذا الذي يسير حقل من القمح ولا يرى اختلاف العينات؟ تزرع قمحاً بلدياً فتراه خليطاً من الهندي والبلدي. تزرع برسيماً فتراه مزيجاً من نباتات متعددة ولم ذلك أيها السادة؟ لأننا لا نعتني بتنقية البذور.
إن هناك قانوناً طبيعياً يتصرف في الإنسان والحيوان والنبات. ذلك القانون هو أن الضعيف لا يوجد إلا ضعيفاً. الشيخ الهرم ل يوجد نسلاً قوياً كالشاب. كذلك الحبة الضعيفة لا توجد نباتاً قوياً.
لذلك وجب علي أيها السادة أن أنبهكم بكل قواي أن من الواجب ليكون عندك محاصيل جيدة أن تنتخب البذور القوية.
وما هي الطريقة؟
الغرابيل الميكانيكية. تضع القمح بكل ما فيه من وساخة؟ فيحرك رجل بسيط؟؟؟؟ فيتساقط خمسة أنواع من القمح أو البرسيم. كل عينة لوحدها. درجة أولى وثانية. وثالثة. والزلط والتراب لوحده. والزميل والحبوب الدخيلة لوحدها وبذلك يخرج عندك النوع الجيد لبذار أرضك ولبيعه بذوراً للغير بثمن عالٍ جداً. ويكون قمحك خالياً من كل أنواع الحبوب الدخيلة كالزميل وخلافه.
إننا في حاجة شديدة أيها السادة لهذه الغرابيل. وإني أود أن أجاهد بكل قواي لأقنعكم أنه من الواجب أن يكون عندكم نم الغد غرابيل منها. اقتنوها وجربوها تروا أني أخلص لكم النصح.
طالما كنت أتمنى أن أجد الفرصة السانحة فأقول بملء صوتي:
إلى الغرابيل الميكانيكية. إلى الآلات الزراعية الحديثة. لا تبخلوا على أرضكم لتجود عليكم. اخدموها تخدمكم. حافظوا على خصوبتها تحافظ على ثروتكم.
إن هذه الآلات أيها السادة لا تكلف كثيراً ولا تطلب مالاً جماً وهي ثروة باقية. أن نم هذه الآلات ما يمكن للمزارع الذي يملك عشرة فدنة أن يقتنيه. منها لبسيط الرخيص. ومنها صغير الحجم. ومنها كبير. منها ما يقدر عليه كل جيب وفي الختام أيها السادة نشكركم على تشريفكم وتشجيعكم. ولنا الأمل الأعظم أن تكونوا أكبر معضدين لنا.
وإنا ننتهز الفرصة لنبوح لكم جهاراً أننا لا نبغي من عملنا هذا حطام الحياة إنما هو واجب نؤديه فلتؤدوه معنا ولتساعدونا عليه والسلام.