انتقل إلى المحتوى

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 49/حول نهضة السيدة المصرية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 49/حول نهضة السيدة المصرية

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 6 - 1919



فأنت ترى أن هذه الرفعة الموهومة كانت شؤماً على أربابها فأضعفت فيهم ملكة التمييز حتى احتقروا أثمن حلية فابتعدوا عنها لأن العلم في الواقع سلاح في الحياة يذلل للمرء سبيلاً لا عوج فيه وهو جالب للفضيلة والعفاف ومقو لهما إذا هما وجدا في الفطرة الإنسانية.

فالريفية العادية التي لا تخرج من مثل تلك البيئات الشاذة إذا فاتها حظ العلم المدرسي فلا يفوتها العلم بأساليب العيش التي تأتي من طريق المران والتجربة وقد بينت في مقالي السابق أنها حصلت فعلاً على قسط وافر من النجاح الذي لو قرن يوماً ما بالعلم النقي الصحيح لرفعها إلى مستوى أعلى من زميلاتها الأوروبيات المتحضرات.

أما تلك الفئة الشاذة التي أشرت إليها - وأفكارها والحمد لله سائرة في سبيل نمو الطبيعي - فواجب تفهميها حقيقة الحياة وفرضية العلم، وارى أن أقوم سبيل لذلك أن تكون للجمعيات النسائية مجلات تبحث في أحوال المرأة ورقيها ومنزلتها في الحياة الاجتماعية توزع على النساء والرجال على السواء، وإني لا أشك أن تلك النشرات تأتي بالفائدة المقصودة.

أما في المدن الكبرى حيث توفرت اليوم سبل التعليم فقد كثر عدد المتعلمات ولكنا نتساءل هل هذا التعليم كاف؟ وهل هو موافق لروح العصر الذي نحن فيه وهل يكفل لنا حسن المستقبل والإصابة في تربية أبنائنا فقد أثبتت التجربة أن نظام التعليم في بلادنا فاسد فساداً تاماً وأن مواده قشرية محضة وهو بالاختصار نظام مضطرب رزح تحت عبئه أكثر الناشئين إلا قوماً سدوا ذلك النقص باطلاعهم الخارجي ونظراتهم المصيبة في معنى الحياة.

فمنذ سنين قلت الشكوى من ذلك النظام ومواده بالرغم من اتساع مجال التجربة أمامنا فمن باب أولى أن لا ينفع السيدات وهن ألين طبيعة وأضعف فطرة وأقل احتمالاً.

وإني أرى أن هذا التعليم لا يصقل نفس الفتاة بالقدر اللازم ولا يصبغها الصبغة اللائقة بالحياة الحالية وأرى أنه في مدارس البنات لا تعطى عناية كافية بالجزء العملي وهو تدبير المنزل وقوانين الصحة وأحكام تربية البنين، وإني بلا شك أصفق فوحاً لكل نهضة ولكني لا أغفل لحظة عن المجاهرة بالنقص ما دام واقعاً حقيقة.

وإني أرى الشكوى عامة في تبذير السيدات وإسرافهن في التبرج والمغالاة في الز العرضية على قلة فائدتها.

وأما اللواتي يتخرجن من المدارس الأوروبية فهن أحسن حالاً ممن سواهن وأوفر عقلاً وتهذيباً لأن هناك عناية كبرى بأمر التعليم وكنت أفرح بالإكثار ممن يخرجن من هناك لولا خطر داهم يتهدد الحياة القومية ألا وهو التنصل من المصرية والنفور مما هو مصري والاندفاع في تحسين كل ما هو أوروبي على غير علم بالحقيقة بينما نحن أشد الحاجة إلى قوم يفهمون (المصرية) ويقدرونها.

ولا شك أن الجمعيات النسائية تؤدي خدمة كبرى في هذه السبيل وترفرف فوق ذلك روح التضامن وروح التضحية.

عند هذا الحد أريد الوقوف الآن بسيداتنا فلا أطلب لهن غلواً في السفور.

سيقولون كيف حبذت سفور الريفيات وأنكرته على سواهن ولكن هي الحكمة تدعو المرء إلى التمييز بين البيئات المختلفة وما يلائمها فالريف تغلب في جوه السذاجة وها نحن اليوم نراها تتدنس شيئاً فشيئاً أما في المدن فإن مستوى الآداب منحط جداً ولا يطهره إلا تغيير جوهري في التعليم والنظم المدرسية، فاحتفاظنا بعفاف سيداتنا وكرامتهن لا نطلب لهم اليوم المزيد من السفور كما إني لا أبغي لهن حجاباً يثقلهن بل أقول يكفينا التوسط اليوم والالتفات لتربية أبنائنا وتدبير منازلنا ولتكن غايتنا اليوم نساء ورجالاً إصلاح ما فسد في بيوتنا وما جره الإسراف والالتفات إلى العرض دون الجوهر فإذا فرغن من ذلك فالحياة العامة تنتظرهن وهن إذا قمن بهذا الإصلاح يقمن برهاناً على صلاحيتهن في الحياة العامة.

والخلاصة أني أقول: أصلحوا التعليم أحسنوا تربية أبنائكم وتدبير منازلكم وأكثروا من النصيحة العملية في سبيل إنهاض الأمة من عثارها وبذلك تخلقون جواً جديداً في هذا البلد يتصرف في التأثير على عقول أبنائها نساء ورجالاً كما شاء حتى إذا جاءنا السفور أو غيره مما هو ثمرة من ثماره قلنا هذا طبيعي النضج فاحصدوا ثمار ما بذرتم.

(لها بقية)

محمد محمود جلال