مجلة البيان للبرقوقي/العدد 43/التصوير المضحك
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 43/التصوير المضحك
والنقد العجيب
توماس كارلايل من كتاب انجلترا المعدودين، وأعلام فلاسفتهم المخلدين، كاتب غريب الأسلوب يهز الفؤاد هزاً وينقل روح القارئ من عالم الأرض إلى عالم السماء، وهو فيلسوف ولوع بالعظمة، مفتون بالمثل الأعلى يحزنه أن يسف إلى الأرض ولا يرضيه أن يعيش إلا عيش الملائكة ولعل كتابه الأبطال والبطولة أول كتاب في نوعه، وأحر مؤلف أسلوباً وفلسفة وخواطر.
على أن كارلايل كان لا يزال غريب الأطوار، متقلب الخلق، لا يرضيه أحد من الناس، ولا يعترف بوجود أحد، ولم يفلت كاتب ولا شاعر من شعراء زمنه وكتاب جيله، ولم ينج الكتاب الذين سبقوه، من سخريته ونقده والتهاتف به، وقد جمع الناس بعده الآراء التي أدلى بها عن كثيرين من الكتاب والشعراء، وطائفة من الصور المضحكة التي اخترعها عنهم، فلم يجرأ أحد أن يرمي الرجل بالجنة ويقرفه بالتحامل ويتهمه بالسخف، بل احترم الناس منه آراءه وإن كان بعضها باطلاً، والآخر مغالى فيه.
ونحن نقتطف للقراء جملة من هذه الصور تفكهة لهم وترويجاً:
قال عن الشاعر بيرون وهو ومكانه في طليعة شعراء الأرض - بيرون ولد رقيع اتخذ الحزن عياقة والهموم زياً من الأزياء المستحدثة.
وعن توماس مور - وهو من كبراء الشعراء - تفاهة شهوانية ذات اسم عظيم وقال عن استوارت ميل، صاحب كتاب الحرية - أقرب شبه رأيته للرجل الحقيقي.
وعن الشاعر ورد سورز - نوع غريب من الإنسان، ولكنه في جوهره ومظهره إنسان صغير، وقال عنه بعد سنين عدة، وقد بلغ الشاعر عهد الشيخوخة، رجل عجوز غلباوي بريالة، وقال عنه كذلك. . . عود صديء قديم يلزمه وتران أو عدة أوتار حتى يستطيع الإنسان أن يسمع نغمه!
سدني سمث - رجل من الشحم والعضل لا غير، ويظهر أن ليس فيه روح قط.
الشاعر كولريدج - نفس يائسة لا أمل لها، ولا شغل لها إلا الوعظ.
وعلى ذكر ذلك - سأل كولريدج الكاتب شارلز لام هل سمعتني يوماً أعظ، فأجاب لام، أسمع منك طول حياتي شيئاً آخر!.
وقال عن الشاعر ما كولي مؤرخ انجلترا العظيم، يحتاج إلى أصول الإيمان.
ثم كتب عنه بعد ذلك، مخلوق مسكين، لا حيلة له إلى فهرسة الأدب والتاريخ ولا خيال فيه ولا روح، كافر ملعون له نظارات، ولا عينان وراءها ووصفه في موضع آخر فقال هو شلال نياغرا في الكلمات والنظريات والآراء العادية السقيمة، وكل ما كان فيه قد تحول الآن إلى لسان، وقال عن كتب التاريخ التي وضعها ما كولي ليس فيها معنى قط، بل هي ليست إلا مجموعة من الرياح الكلامية الفارغة.
وقال عن الكاتب شارلز سامر، لا إيذاء منه مطلقاً، هو أشبه بقطعة النقود الممسوحة التي زالت عنها جميع آثار سكتها!.
ولم تقتصر دعاباته هذه على الكتاب والشعراء بل تناول جمعاً من القواد والعظماء أيضاً ونحن ننقل شيئاً منها.
قال عن مازيني - رجل من قواد إيطاليا العظماء - أنه رجل صغير جميل مفعم بالإحساسات والنغمات والفضائل!
وعن لويس نابوليون - رجل غشاش نصاب رأى الناس مستعدين لقبول الغش فغشهم، وقال عن نابليون بونابرت: إن ذهنه أشبه شيء بمنجم منطفئ، هو ممثل تراجيدي مضحك، أو ممثل مضحك مبك، وذكر أيضاً عنه هو نابليون هو قاطع الطريق في التاريخ الإنساني!
وعلى ذكر ذلك نبسط للقراء حادثة غريبة، وهي أن نابليون عندما كان في إيطاليا، لتتويجه ملكاً عليها، أقيم ثمة مرقص عظيم في ميلان - بعد حفلة التتويج بزمن قصير، فلمح نابليون سيدة وضعت في مشدها باقة من الزهر فخطفها من صدرها وقال: إن الطليان كلهم لصوص! فأجابت السيدة بكل أدب - كلا يا مولاي ليسوا جميعاً، ما بونابرت! ومعنى العبارة الأخيرة، أنت فقط يا لصي!
وكتب يوماً نابليون إلى الماجور شل وكان رئيس حزب في إيطاليا كتاباً بهذا العنوان: إلى شل زعيم اللصوص! فرد عليه بكتاب جعل عنوانه: إلى بونابرت زعيم جميع اللصوص!.
وقال عن ثكري - وهو من أكبر كتاب انجلترا المعدودين - رجل متوحش عياط، جائع.
فلو أن رجلاً قام اليوم فبسط آراء له على هذا النحو في الكتاب والشعراء والمفكرين في مصر لقامت ولا شك قيامة الناس عليه، ولرموه بالهوس والتخريف، واضطغنوها عليه إلى الأبد لأننا لا نجلد على النقد وتجزع نفوسنا من الدعابة.