انتقل إلى المحتوى

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/حفلة تكريم البيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/حفلة تكريم البيان

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1918



في أواخر شهر مارس الماضي - بعد ظهور العدد الرابع من بيان هذا العام ارتأى جماعة من أهل الفضل الغيورين على العلم والأدب أن يقيموا حفلة تكريمية لهذه المجلة لمناسبة مرور سبعة أعوام عليها، والحرى لذكرى ظهورها في مثل هذه الأيام من سنة 1911 وأخيراً اعتزموا أن يكون برنامج هذه الحفلة كما ترى (1) أن تقوم جوقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي الممثل المصري المشهور بتمثيل رواية جديدة توضع أو تترجم خصيصاً لهذا الغرض وتكون ذات مغزى مفيد (2) أن يطرب حضرات المحتفلين أحد مشهوري المغنين (3) أن يخطب في الحفل حضرات أصحاب العزة والفضل ابراهيم بك الهلباوي ومحمد أمين واصف بك وخليل أفندي مطران وحفني بك ناصف والدكتور محمد حسين هيكل والدكتور منصور فهمي والأستاذ سليم أفندي سركيس وحسن بك الشريف والدكتور عبده البرقوقي (4) أن يطبع عدد ممتاز من مجلة البيان يكون فيه أثر لكل كاتب عصري معروف ويوزع ليلة الحفلة على المحتفلين، ثم شرعوا في إنجاز الفكرة وإبرازها من خدرها فاتفقوا مع جوقة الأستاذ رشدي ووكلوا إلى حضرة الأديب عباس أفندي حافظ ترجمة رواية فرنسية بديعة للغاية آثرها الأستاذ رشدي واستحسنها ورآها موافقة فأخذ الأستاذ عباس في ترجمتها ثم مصرها وأصارها بلباقته المعروفة رواية مصرية آية في الإبداع، بيد أن طوارئ خاصة ألمت بالأستاذ رشدي بعد ذلك حالت دون تمثيل هذه الرواية ولاسيما أنها جاءت بعد البرح البارح الذي عرا جوقته من جراء تمثيل روايات عدة جديدة في هذا العام فكان ذلك سبباً في إرجاء الحفلة وتغيير برنامجها إذ كانت النية أن تكون الحفلة في أواخر شهر إبريل. . . وإذ أن المراسح التي اعتاد الأستاذ رشدي التمثيل فيها كانت في ذلك الوقت مشغولة اضطر القائمون بأمر الحفلة أن يولوا وجوههم شطر جوقة أخرى ومرسح آخر فكان أن اتفقوا مع الأستاذ جورج أبيض على أن يمثل رواية عطيل لأن الوقت لا يتسع لتمثيل رواية جديدة وأن يكون الاحتفال في كازينو الكورسال عصر يوم الجمعة الموافق 17 مايو.

في أثناء الاشتغال بأمر الحفلة كتبنا إلى كثير من الكتاب أن يكتب كل منهم في أي موضوع يختاره هو وتجيش به نفسه فوعدوا جميعهم، غير أن أكثرهم طال علينا طوله حتى سبب ذلك تأخر العدد وعدم ظهوره ليلة الاحتفال. . .

أما الخطباء فقد تأهبوا جميعهم للخطابة - ولكن لأن الصيف اشتدت وقدته، واحمرت حمارته، فأرغم أكثرهم على مزايلة القاهرة والهرب من هجيرتها ثم ألم بساحة بعضهم ما لم يمكنه معه أن يحضر الحفلة بتة - هذا إلى أن رواية عطيل استوعبت لطولها الوقت المقرر للحفلة على الرغم من أنهم حذفوا منها نحواً من الفصلين - كل ذلك لم يترك مجالاً لحضرات الخطباء أن يخطبوا حتى الذين حضروا الحفلة منهم لأن خطبهم كان أولى بها أن تلقى في حفلة قاصرة على الخطب لا يشركها في الوقت شيء آخر لأنها خطب مستوفاة لا كلمات مقتضبة مخطوفة، أما صاحب هذه المجلة فقد قام آخر الحفلة على الرغم من ضيق الوقت وألقى شيئاً من كلمته التي يراها حضرات القراء بعداً، وقد ألقى بعده حضرة الأديب الشاعر مجدي أفندي ناصف نجل حضرة صاحب العزة حفني بك ناصف بيتين نالا من الاستحسان ما يستأهلان، من هنا يدرك قراؤنا الأفاضل سر تأخر عدد إبريل إلى اليوم، أما من جهة حضرات المدعوين لمشاهدة الحفلة فقد كانوا من خيرتنا علماً وفضلاً وجاهاً إذ كان في طليعتهم حضرة صاحب المعالي عدلي يكن باشا وحضرة صاحب المعالي سعد زغلول باشا وحضرة صاحب السعادة محمود فخري باشا وحضرة صاحب السعادة أحمد زكي باشا وحضرة صاحب السعادة الحسيب النسيب سيد العراق السيد طالب النقيب وحضرة الأديب الكبير الشيخ فؤاد الخطيب أفندي وحضرة صاحب العزة العالم الفاضل الجليل نور الدين بك مصطفى وحضرة صاحب العزة الأصولي المفضال حلمي بك عيسى وحضرة صاحب العزة القاضي الفاضل السيد بك فوده والقاضي المبجل علي بك جلال وحضرة صاحب الفضيلة الشيخ مصطفى عبد الرازق وكثير من أعيان المحامين والأطباء والأدباء والعلماء والوجهاء وأساتذة المدارس وطلبتها، مما دل على عناية القوم بكل ما هو بسبيل من العلم والأدب، والمطلع على هذين العددين يرى آثاراً طيبة لبعض علمائنا وأدبائنا مما وضعوه خصيصاً لهذين العددين لمناسبة هذه الحفلة وكلهم على أن سيوافوا البيان دائماً بما سيرضي قراءنا الرضا كله إن شاء الله.

أما كلمة صاحب هذه المجلة فها هي تي:

سادتي:

إني لأرى أن لكل منكم على ديناً من الفضل يجب أداؤه، وحقاً من الشكر يلزمني وفاؤه، فقد والله سقيتم بنداكم من هذا الضعيف أرضاً، وجعلتم عليه بهذا التكريم نافلة من الشكر وفرضاً، وحقق الله بكم أمل الآملين، وجعل رضاكم من ثواب العاملين، غير أني وإن بالغت في الثناء فما يحسن اللسان، أن يكافئ بعض ما قدمتم من الإحسان، ولو كنت صاحب ألف بيان. . .

علم الله يا سادتي أن هذا الضعيف الواقف أمامكم قد صارع الدهر في سبيل خدمته الأدبية فلم أزل أثير في وجهه غبار العزيمة، حتى ثار من خلفه غبار الهزيمة وكم أشرعت في نحره القلم وكم براه، ولكن الله أجارني وأجاره، وكم أوتر هذا الدهر قوسه ونبل، ورماني من أحداثه بعدد الحصى ورميته من نفسي بجبل.

يكاد صاحب المجلة العربية في بلادنا أيها السادة فيما يكابد من الناس وما يلقى من الأرزاء والإزراء في سبيل الإصلاح وما يجب عليه من الثبات لقاء ذلك - أن يكون كصاحب الكتاب المنزل في أول دعوته وفاتحة نبوته وهيهات يفلح إلا إذا صبر على المكاره كما صبر أولو العزم من الرسل فلو أني حدثتكم بما لقيت في سبيل هذه المجلة وما ألقى الله عليّ من عنت الدهر لرأيتم من أمري كأنما أهدم نفسي أمامكم قطعة قطعة حتى لا يبقى مني إلا هذا القلب وحده وليس فيه غير اليقين بعون الله والثقة بأهل الفضل.

ولو كنت أرمي بعملي هذا إلى الريح لكان أمساكي عن الإنفاق وترك المجلة من السنة الأولى ربحاً كبيراً، فما كانت تلك السنة إلا صدمة زلزلت فيها أركان ثروتي زلزالاً جعلها لا تتماسك فيما بعد! أقبل عليّ الناس بالطلب يتساقط كالمطر وأقبلت عليهم بالثقة فكنت أرسل أعداد البيان في مهاب الرياح الأربع وكان يخيل إليّ أنه يطير في الآفاق على أجنحة الملائكة ولما تم الحول رأيت أن الرياح لا ترجع بشيء وأن الملائكة لا يحصلون قيمة الاشتراك وأن الفساد في أكثر الناس يرجع سببه إلى النية الصالحة في بعض الناس.

يريد الأكثرون عندنا أن يقرأوا وأن يتأدبوا أن يجدوا في خدمتهم عقولاً كبيرة ونفوساً الهية من الشعراء والكتاب والفلاسفة ولكن على شرط أن يكون ذلك كله أو أكثره بلا ثمن بل سلف لله تعالى فإن انخدع بهم صاحب المجلة وذهب يؤاتهم على هذه الرغبة لم تكن الأسنة أو بعضها فإذا هو قد شقي بمجلته وأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية لا على عروشها، ولكن على غروشها، وما زال الفقراء عندنا يريدون أن يقرأوا ولا يستطيعون أن يدفعوا والأغنياء يستطيعون أن يدافعوا ولا يريدون أن يقرأوا، فمجلة البيان لبثت في حياتها تقاتل الموت ولولا ذلك لماتت.

لم أقصد أيها السادة إلى الربح من عملي ولا فكرت فيه ولا عملت له فإني أرى أن النفس المادية لا تستطيع أن تتصل حق الاتصال بمجموعة الروحانية التي تتألف منه جمهرة القراء وبالتالي فهي لا تستطيع أن تنبسط على هذه المجموعة شعاعاً ولا أن تخطر عليها نسيماً ولا أن تترقرق فيها ندى فإن غذاء الأرواح كغذاء الأزهار - بالنّير النّير والرقيق الرقيق، ولهذا كان كل أهل الإصلاح من الأنبياء فمن دونهم لا يبالون بالمال ولا بالغنى لمكان الاتصال منهم بتلك المجموعة ومكان الإفاضة عليها، ولهذا أيضاً قنعت قناعة الزهاد، ووقفت نفسي على ما قدّر لها من الجهاد وأبيت أن يكون اتصالي بالقراء من هذا النوع السوقي الذي يشبه اتصال البائع بالمشتري، وأنا أعلم يقيناً أن هذا غرض تتزلزل النفس من دونه ولا يثبت عليه إلا من كان حجراً تحت ضرس الدهر لا يقضمه ولا يهضمه.

فعلت كل ذلك لأنه مبدأ نشأت عليه في صحبتي للأستاذ الإمام حكيم الشرق وأكبر المصلحين فيه المرحوم الشيخ محمد عبده، فقد صحبته وأخذت عنه تسع سنوات كاملة بعد أن قطعت عمراً قبلها في الأزهر وكنت من الذين يدرسون وأخلاق الأستاذ ونفسيته العالية ويستمدون من روحه العظيمة ويقدّرون مستقبلهم على ما يرون من حاضره، ولو أنه رحمه الله تفرغ لإنشاء مجلة لكان له منها أعظم الربح أو أعظم الخسار لأنه لا يبالي بكليهما ولا يسعى لأحدهما وإنما يكون الأمر صورة لذمم القراء. . .

ولما استأثرت رحمة الله بالأستاذ جعلت همي أن أستثمر أدبه فيّ فانصرفت نفسي إلى منزع من الإصلاح أتأتى إليه بعمل ينفع الناس ولم أر إلا الأدب واللغة والرقائق النفسية ففرغت للامتلاء من آثار الأولين والآخرين وما زلت أرصد في مراقب الأيام حتى خرجت من صحف الغيب في أوائل سنة 1911 صحيفة البيان.

ولا أراني في حاجة أن أبسط لكم خطة المجلة ولا ما وقفتها عليه فقد مرّ على ذلك سبع سنوات وهي ربما أغنت في شرح ذلك عن سبعة السن ولكني أشهدتكم على قليل مما لقيت في سبيلها وما أنا بآسف ولا نادم ولا متبرم لأني جد واثق أنه لا يوجد اليوم في مصر المحبوبة رجل مفكر ولا أديب بليغ ولا عالم محقق ولا متأدب يتهيأ لمستقبله العالي إلا وهم يقرؤون البيان ويحرصون عليه ويكرمون صاحبه بمودتهم وانعطافهم عدا طائفة كبيرة من أمثالهم في أقطار المشرق، فالبيان والحمدلله بعناية هؤلاء قائم على بنيان متين من عقول سامية يقوم عليها كذلك بناء الأمم.

نعم إننا لا نزال نشكو مطل كثير من قومنا في حقوق الأدب وبخاصة طوائف من الأغنياء بلغ بهم الانصراف عن معنى الأمة ومقوماتها التي من أهمها نشر اللغة والأدب وما يعين على تهذيب الطباع إلى أنها عفا الله عنهم ولم يعودوا يرون أن في الإسلام زكاة إلا ما يدفعونه بقوة المحصل وكثرة الإلحاح اشتراكاً في مجلة أو صحيفة.

نشكو من هؤلاء وهؤلاء ومن طائفة ثالثة هم من أهل العلم والفكر ولكنهم يكرهون ما كان عربياً، ولا يقرأون ما هو عربي ويأنفون أن يشتركوا في مجلة عربية كأن هذه اللغة ليس في أفواه آبائهم وأهليهم وجميع قومهم ولم ذلك؟ لأنهم تعلموا في أوروبا، أفترى كل من تعلم في أوروبا لا بد أن يصير أوروبياً في لغته ومنزعه ومذهبه واحتقاره للشرق.

وهب ذلك صحيحاً وحقاً وضرورياً لهذه الأوروبية، أفلا تعلمهم أوروبا أن لكل أمة حقوقاً على أبنائها ولكل شعب لغة وعادات ومذهباً خاصاً في التاريخ وأن كل فرد من الأمة يجب عليه أن يحتفظ بمجد تاريخها ويبالغ في إظهاره والتعلق به ويزيد فيه بما يقتبس لأمته من محاسن غيره من الأمم.

وبالاختصار ألا تعلم أوروبا أن من كان مصرياً وجب عليه أن يبقى مصرياً مصرياً مصرياً ولو انتقل إلى القمر؟

أيها السادة - إني أعد من سعادة مصرنا المحبوبة أن نشأنا الجديد المبارك الذين يتخرجون من المدارس العليا سنة فسنة أخذوا يدركون أن من أجل الأعمال في خدمة الأمة مساعدة المصلحين ممن تفرغوا لخدمتها، وكنا قديماً نحسب أن شمس بلادنا الحارة تقضي بأن يكون لنا من شباب وشيوخ كثير من الأعمال الباردة ولكن هذه الآية قد الزمان إلى الأمام وأخرجت التربية الحديثة جيلاً مباركاً ميموناً يرى أن هذه الشمس الحارة تقضي عليه بأن يكون حارّ النفس والفكر والرغبة في التقدم والإصلاح والأعمال الجدية، فعلى هذا النشء الصالح الذي أدعو له من صميم قلبي أعلق مستقبل البيان. . .

ولهذه المناسبة كتب حضرة الشاب المهذب ناجي أفندي البرقوقي الذي اختار الله له أن يشركني في هذا العمل غيرة منه على البيان واحتفاظاً به وخشية أن يصيبه لا سمح الله ما يلتاث معه أمره - كلمة هي عنوان الوفاء والنبل والإخلاص - قال حفظه الله:

الكتاب والشعراء هم عندي أنبياء هذه العصور، وما الكتب والمطبوعات النافعة إلا معابد متنقلة - معابد يجتلي فيها القارئون أسرار هذا الوجود وسر عظمة مبدعه، وليس بخاف أن المجلات والجرائد اليوم قوة لا يستهان بها، قوة لها أكبر الأثر في الجماعات والشعوب - فلا صولة الملوك، ولا سطوة الجيوش، ولا فعل القوانين ببالغة شيئاً لقاء هذه القوة التي يصل لنا أن نسميها قوة القوى، وبقدر نصيب الأمة من الحضارة والتمدين يكون تأثير صحافتها ومكانة كتابها وأدبائها.

ونحن إذا ألقينا نظرة على أدبائنا والمفكرين فينا وجدنا حالهم مما يؤسف له، وجدنا أمتنا المحبوبة مهملة شأنهم معرضة عنهم غافلة عن قيمتهم وتقديرهم وتقدير ما يعانون، ويمين الله لأهون عندي أن أمسك الفأس أحفر بها الأرض تحت حرارة الشمس شهراً كاملاً من أن أتناول القلم أخط به مقالاً في ساعة أو ساعتين أجهد فيهما ذهني وأعتصر أعصابي واحترق دمي ثم لا أحظى بعد ذلك كله بطائل، فليت شعري ماذا يلاقي أولئك الذين وقفوا حياتهم على الكتابة والوضع والتأليف ووصلوا الليل بالنهار، وضحوا كل مرتخص وغال في سبيل خدمة الأمة، وما هو جزاؤهم منها وماذا بعد ذلك؟ إن أمثال هؤلاء العاملين إما أن يكونوا من طينة غير طينة الناس العاديين.

ناجي أفندي البرقوقي هو شقيق الدكتور عبده البرقوقي وابن المرحوم الشيخ عبد الله البرقوقي ابن عم صاحب هذه المجلة - شاب فاضل مهذب حصل على الشهادة الابتدائية وتلقى جميع دروس القسم الثانوي - ثم حبب إليه أن ينقطع لثروة أبيه يديرها وينميها ولم يهمل مع ذلك واجبات الذهن فلا يكاد يمر عليه يوم دون أن يقرأ ويطالع ويدارس، فنعم الشاب هو.

فهم سائرون في طريقهم بقوة غير عادية فلا يثني عزائمهم ثان، وهذا ما لا يدركه تصوري، وإما هم - إذا نحن استرسلنا في غفلتنا عنهم وتركنا حبالهم على غواربهم - صائرون إلى اليأس والانثناء والخمود ضرورة أنهم بشر مثلنا وإذ ذاك نردد قول أبي العلاء المعرّي: نلوم على تبلّدها قلوباً ... نعاني من معيشتها جهاداً

إذا ما النار لم تطعم وقوداً ... فأوشك أن تمر بها رماداً

ظهر تحت سماء مصر منذ سبعة أعوام على حين حاجة منا إلى ذلك - مجلة البيان مجلة قيّمة امتازت بصفاء لغتها وطلاوة موضوعاتها وعنيت كل العناية بنشر آثار سلفنا الصالح وترجمة أطيب ما أنتجته عقول الغربيين وبالجملة سدت فراغاً كنا كلنا نشكو منه ونألم له - ولعل كثيراً من قراء البيان يعرفون مقدار الضحايا التي ضحّاها حضرة الأستاذ في سبيل هذا البيان، وأنه أوذي بسبب إيذاء لو أن بعضه أصاب شركة غنية مؤلفة من عدة أفراد من ذوي الثراء الطائل لكانت قد نفضت يداها من هذا العمل بمجرد شعورها به ولكن الأستاذ قد أشرب قلبه حب هذا العمل وامتزج منه باللحم والدم إذ قد فطره الله على حب العلم والأدب وعلى ذلك نشأ وفي هذا السبيل قضى زهرة شبابه بين دراسة وقراءة وترجمة وتأليف.

مضى الأستاذ في سبيله وما بالى بالمصاعب التي اعترضته ولا بالخسائر المادية التي أصابته، ولقد كانت هذه العزيمة الثابتة القوية كافية في أنت تصبح مجلة البيان في مقدمة المجلات العربية نظاماً وأكثرها انتشاراً لولا ما نشأ عن هذه الحرب من غلاء الورق إلى الدرجة القصوى التي قضت على كثير من المجلات والجرائد.

وهذا ما حملني على أن أبادر بوضع يدي في يد الأستاذ وأن أحتمل عنه شيئاً من أحماله كما هو الواجب على كل من آتاه الله بسطة في الرزق أن ينصر العاملين على خدمة المصلحة العامة ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وهنا أتقدم إلى جميع الناطقين بالضاد ولا سيما المصريين منهم وعلى الأخص قراء البيان أن يؤازرونا بأن يقدروا هذا العمل حق قدره وأن يعذروا الأستاذ عما أرغم عليه في الماضي إرغاماً من اضطراب المجلة في ظهورها وأن يكونوا على يقين من أنا لا نألوا جهداً ولا ندخر في سبيل الإبقاء على البيان سدد الله خطانا إلى الخير أجمعين.