مجلة البيان للبرقوقي/العدد 37/تأثير الطعام والغذاء
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 37/تأثير الطعام والغذاء
في إطالة الحياة وتقريب الموت
أبحاث طبيب دانماركي كبير
إن لهذا الموضوع اليوم أهمية خاصة، وحاجة ماسة، إذ ارتفعت أثمان المواد الغذائية، وعزت منها أشياء، وندرت أشياء، وناهيك بغلاء اللحم، حتى أصبحت هذه الأيام عند الفقراء كما سماها أحد الأدباء أياماً لا لحمية وقد كان الدكتور هندهيد - وهو من الأطباء الكبار - منذ نشأت الحرب يدأب على عمل تجارب عدة في معمله للوصول إلى معرفة المقدار اللازم من البروتين لتغذية الجسم وانتظام حركته وعمله، ولا يغيب عن القراء أن كلمة البروتين هي الاصطلاح العام للأغذية النيتروجينية، أو التي تحتوي كثيراً من النيتروجين، ومن بينها اللحم السمين والبيض واللبن وكثير من الخضروات.
وهذا الموضوع يهم كل قارئ شخصياً لأنه يتعلق بحياته، فإن الأمراض الناشئة من فساد مقادير البروتين تؤلف جزءاً عظيماً من إحصائيات الوفيات.
وقد ذهب الدكتور هندهيد إلى أن نحواً من 25 جراماً من البروتين في اليوم مقدار كاف لتغذية البدن، مع أن الإنسان المتوسط الحال يتناول ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا المقدار، ويعتقد أن تناول مقادير زائدة عن الحاجة من الأطعمة البروتينية يعمل على تسميم البدن والإضرار به.
وحيث أن الأطعمة البروتينية، كاللحم والبيض - باهظة الثمن فلا يستطيع المتوسطو الحال أن يحصلوا عليها في كل حين ولذلك فلا يصدق أحد إذا قلنا له أنه بشرائه المقدار الكثير منه إنما يبتاع المرض، ويشتري الأذى، ويعمل على تقصير أمد حياته، وليست التجارب التي قام بها العلامة هندهيد نظرية فقط بل كانت عملية تنفيذية، وهي طريقة تحديد مقادير الغذاء لأشخاص يشتغلون بأعمال تتطلب الحركة والنشاط ومعرفة مقادير الفضلات والمواد البرازية التي تتخلف عن الأطعمة حتى لقد خرج من بعض هذه التجارب بأن شخصين استطاعا أن يعيشا عاماً كاملاً على البطاطس وزيت الزيتون وقد كان غذاؤهما اليومي منظماً يتراوح بين 20 و 25 غراماً من المادة الزلالية، مع أن العلماء ذهبوا في تجاربهم الأولى منذ زمن إلى أن المقدار اللازم من المادة الزلالية في اليوم هو 81 جراماً.
وليس في البطاطس مقدار كبير من البروتين ولهذا تكفي ثلاثة أرطال منه في اليوم ويقوم بالحاجة الباقية من الحرارة المطلوبة للبدن نحو من ست أوقيات من الزبدة.
وهذان الشخصان اللذان استغنيا بالمادة الزلالية الموجودة في الخضروات عن كافة البروتين الموجود في الحيوانات كاللحم، اكتسبا الصحة التامة والقوة المتينة، حتى أن أحدهما بعد الانتهاء من هذه التجربة العملية اشترك في سباق لمسافة 264 ميلاً جازها في 99 ساعة وهو الميعاد المضروب للسباق.
والدكتور هندهيد يرى أن المادة الزلالية الموجودة في الخضر تقوم مقام المادة الموجودة منها في الحيوانات ويلفت النظر إلى أن أمراض الكبد والكلى والأمعاء هي في سكان المدن والحواضر أربعة أضعافها عند الفلاحين وأهل القرى الذين يعيشون وأكثر غذائهم الخبز والبطاطس والدهن، والآن لنبحث في الأطعمة التي يمكن الحصول منها على المقدار اللازم من البروتين للجسم في اليوم وهو بين 20 و25 جراماً، وهذا يسهل على الكيماوي أن يوافينا به فإن نحواً من ثلاثة وعشرين جراماً منه توجد في ثلاث بيضات أو في قطعة من اللحم الأحمر يبلغ حجمها نحواً من ثلاث بوصات مكعبة أو في رطل ونصف من اللبن، والقطعة الصغيرة من الخبز التي تبلغ أوقيتين تحتوي أربعة جرامات من البروتين.
على أن الجهاز الهضمي لا يستطيع أن يستخرج جميع المادة البروتينية من أي مقدار من الطعام ويجعله صالحاً للجسم ولهذا لا نستطيع أن نضع نهاية صغرى نظرية للغذاء ونكفل به الصحة وليس من المحتمل أن يفيد الرجل المتوسط الحجم أن يتناول أقل من ضعف المقدار النظري الذي يذهب إليه الدكتور هندهيد وهو العشرون جراماً من المادة الزلالية ليكفل للأنسجة المقدار اللازم لها.
وللوصول إلى طريقة عملية يستطيع الإنسان أن يظفر بالمقدار الواجب له من البروتين من بيضة واحدة وقدح من اللبن وخمس أوقيات من اللحم توزن قبل نضجها فإن هذا المقدار يكفل ولا ريب مقدار البروتين الذي يتطلبه البدن حقيقة، بل قد يزيد على حاجته.
ومن المحقق أن مثل هذا المقدار وحده لا يستطيع أن يمد البدن بوحدات الحرارة الكافية لتسيير هذه الأداة الإنسانية بنظام ولهذا لا بد من التماسها في الأغذية الخالية من البروتين، ولا بد أن يحسب حساب لمقادير من النشا والسكر والدهن وهذه تستمد من الحبوب وبعض الخضر.
وهنا يحسن أن نلفت النظر إلى معنى لفظة وحدة الحرارة وهي المصطلح عليها عند الكيماويين بكلمة كالوري وهي نوعان الوحدة الصغرى والوحدة الكبرى، أما الصغرى فهي مقدار الحرارة اللازمة لرفع سنتيمتر مكعب واحد (نحواً من خمسة عشر نقطة من الماء) درجة سنتجراد واحدة وأما الكبرى فهي الحرارة اللازمة لرفع كيلو جرام درجة واحدة في مقياس السنتجراد، وفي الكلام عن آلة بخارية، تستعمل الوحدة الكبرى، وبالحرى يصح ذلك عند مقياس حرارة الإنسان، كما أنه يسهل عليك أن تعرف وزنك بالأرطال بدلاً من أن تزن حجمك بالدراهم أو الحبات.
ولكل نوع من الطعام حرارة خاصة به عندما يحتويه البدن ويحترق في جوفه ومن الأطعمة ما يشعل في الجسم ناراً أكثر وأحر من غيرها، فإذا أنت تناولت أوقية من الزبد فإنها تشعل في بدنك حرارة أكثر مما لو أنت تناولت مثل زنتها من السكر.
واللحوم المتنوعة لا تفترق في شيء كثير عن اللحم البقري من وجهة الحرارة فإن الدجاج والطيور والسمك أقل كثيراً في الحرارة من اللحوم الأخرى، والبيضة الواحدة تحتوي 85 وحدة حرارية، والرطل من اللبن الذي لم تؤخذ قشدته يحوي نحواً من 300 وحدة حرارة، والرطل من الخبز لا يقل في حرارته عن مثله من اللحم إذ تتراوح بين 1100 و 1200 وحدة حرارة أي مقدار الحرارة الكافية لنصف يوم للإنسان المتوسط.
ومن بين الخضروات الكثيرة الحرارة، بعد الفول في الصف الأول فإن الرطل الواحد منه يحتوي على 2500 كالوري والفاصوليا الناشفة كذلك.
أما الخضروات اللينة التي تحتوي مقداراً من الماء فلا تحتوي كثيراً من الحرارة فإن الفاصوليا الخضراء مثلاً ليس في الرطل منها أكثر من 430 وحدة حرارة، واللوبيا الخضراء 180 والقرنبيط 140 والجزر 200 والبصل الأخضر 215 والسبانخ 100 والبطاطس 370 ومن بين الفاكهة الخضراء ينهض الموز في الطليعة إذ في الرطل منه 400 كالوري وفي التفاح 260 وفي التين 330 وفي العنب 390 والبرتقال 210.
ومن هذا تبين لك أن الفاكهة اللينة لا تحتوي مقادير مرتفعة من وحدات الحرارة، على أن الفاكهة الجافة خير منها فإن رطلاً من البلح يحتوي 1415 وحدة حرارة وكذلك البندق وهو الطعام الوحيد الذي يحوي جميع المواد الصالحة للجسم.
ولكن الأهمية الكبرى هي التحفظ من الإكثار من الأطعمة التي تحتوي المقادير الكبيرة من البروتين، والآن دعنا نضع لك نظاماً للغذاء اليومي تحاشينا فيه الإكثار من اللحوم وما يخرج من الحيوانات، وإن كان المقدار الذي تحتويه هذه القائمة من المآكل من البروتين كافية لحاجة الجسم.
فخذ في إفطارك أوقيتين من الخبز المقدد وثلاث أوقيات من اللبن وخمس أوقية سكر (في القهوة) وثلاثة أرباع الأوقية من الزبدة.
أما للغذاء فحسبك رطل ونصف من اللبن وأوقيتان من الخبز وأوقية ونصف من الزبدة و4 أوقيات من السلطة من الخس ومعها أوقية ونصف من زيت الزيتون وأوقيتان من الكعك و 4 أوقيات من الفاكهة اللينة.
وللعشاء هذا القدر: حساء الخضر، حساء 5 أوقيات من البطاطس مع مثلها من الجزر والسبانخ، أوقيتان من السكر وأوقية من الزبدة وربع أوقية من اللوز و 4 أوقيات من مربى التفاح وأوقية من الجبن.
ولعل هذا قد يظن أنه لا يحوي كثيراً من مادة البروتين، ولكن التقدير دل على أن هذه الأطعمة تحتوي 45 جراماً منها وهو المقدار المقرر لرجل وزنه 158 رطلاً والحرارة التي تحدثها في الجسم تربو على 2598 وحدة حرارة مع أن المطلوب للرجل الذي هذه زنته 2560 وحدة فقط، على أن هذا النظام يراد به الرجل الذي يعمل أعمالاً هادئة لا تتطلب الحركة والعمل البدني، فلا ريب أن المشتغل بلك يتطلب وقوداً أكثر من هذا وغذاء يقوم بحاجة بدنه.