مجلة البيان للبرقوقي/العدد 21/من هو روتر؟
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 21/من هو روتر؟
يرى القراء هذه اللفظة عند نهاية كل تلغرافات العالم أو جلها، فيتساءلون تري من هو روتر هذا، وكيف نشأ، وهل هو حي أم قد مات؟.
ونحن محدثون القراء عن روتر وما كان منه:
يوليوس روتر هو اسم مؤسس هذه الشركة الكبرى التي تنقل أنباء العالم بين جميع أأصقاعه وأقطاره ونواحيه، ولد هذا الرجل منذ ثمانية وتسعين عاماً أي عام 1816 ولولا قوة ثابتة ونشاطه واجتهاده وعزيمته، لما عرفه العالم ولا احتفل به الناس احتفالهم اليوم ولا ترددت أنباؤه في كل مملكة أو بلد ولما كانت لنكتب عنه هذه السطور.
نشأ كما ينشأ كل رجال العمل أو سوداهم فقيراً فكان أول عهده بالصناعة أن أخذ يطوف بين البلاد سعياً على الأقدام أو على ظهور المطي ينقل الأخبار من بلد إلى بلد إذ لم تكن السكك الحديدية ولا الأسلاك البرقية قد جاءت إلى العالم بعد.
وكذلك مضى في هذه الحرفة الشاقة المنهكة حتى إذا بلغ الثالثة والثلاثين أقام في مدينة أكس لا شابل من أعمال ألمانيا ينقل الأخبار بالتلغراف بين كثير من بلاد أوروبا وجعل يحذق هذه الصناعة ويدأب على معرفة أسرارها ومطالبها وحاجياتها وكانت لندن كعبته المقصودة ثم أخذ يجتهد حتى أنشأ بها سنة 1851 مكتباً صغيراً قصر عمله فيه على نقل تقارير الأسواق والأخبار التجارية البحتة ثم لم تلبث فروع عمله أن ازدادت حتى أصبح لذلك المكتب مكاتبون في أغلب عواصم الغرب.
ثم عمد إلى الصحف، ولكن الصحف في أول الأمر لم تثق به ولم تركن إليه ولم ترض بعمله وإن كانت قد اعترفت له بأنه قد جاء بطريقة جديدة، على أن هذه الخيبة لم تضعف من عزيمة لرجل ولم تقتل جذور الأمل القوية في أعماق فؤاده بل ظل يجاهد ويعمل ويدأب حتى جاءه النجاح أخيراً.
ذلك أن نابليون الثالث ألقى خطابه سياسية هامة في رأس سنة من السنين فالتقطها روتر بحذافيرها - وذلك بقوة الثبات التي لم تكن لتضعف من الصدمات وإن كبرت - وللحال بعث بها إلى الصحف فلم يكن هناك في الغرب صحيفة صغيرة أو كبيرة إلا نشرتها، وقرأها روتر في جريدة التيمس فما كان أشد فرحه بهذا النجاح وما كان أبهجه.
ثم لم يقتصر هذا الرجل الدؤوب على ميدان الصحافة بل ما لبث أن دخل في ميادي أخرى جعلت الناس باسمه يتحدثون ويهرفون، ذلك أنه في سنة 1856 اقترح أن ينشئ أسلاً كما تحت البحر بين إنجلترا وهانوفر وعقد اتفاقاً بين حكومة تلك المقاطعة وفي تلك السنة بعينها عقد اتفاقاً آخر بينه وبين فرنسا على مد أسلاك تلغرافية تحت المحيط بين الشواطئ الفرنسية وبين الولايات المتحدة.
ثم طلب في سنة 1872 إلى شاه العجم أن يعطيه الحق المطلق في إنشاء السكك الحديدية في بلاد الفرس وتشغيل المناجم والغابات وكثير من المصادر الطبيعية في تلك المملكة فرفض هذا الطلب ولكن عوض له عنه بحق إنشاء مصرف فارس.
ووقع لروتر اللقب والشرف الضخم في سنة 1871 إذ أنعم عليه بلقب البارون روتر وقد كانت وفاته سنة 1899 في مدينة نيس من أعمال جنوب فرنسا تاركاً وراءه شركة عظيمة لها أكبر الأثر في تاريخ العالم الحديث.