انتقل إلى المحتوى

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/كشكول البيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/كشكول البيان

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1913



تفاريق - علمية، وأدبية، وتاريخية، وفكاهية_ونظرات_في سير مشهوري العلماء، والمخترعين - وشذرات_في أخبار العالم وأحداثه الحاضرة.

أرمينياس فامبري

لقد فقد عالم السياسة رجلاً عظيماً، وصحفياً مجرياً قديراً. كان معدوداً بين أساطين الصحافة. ونعني به أرمينياس فامبري الذي توفي منذ أيام قلائل وقد ناز الثانية والثمانين. ولا والله كان صمويل سميلز، المشهور بين الناس بكتابته عن حياة الأبطال وسر عظمتهم، يعيش اليوم بيننا، وينعم بالحياة مثلنا. لما ونى في التنويه بذكر رجل بدأ الحياة مجاهداً مناضلاً. وما فتئ يقطع كل عقبة، ويجوز كل كأداة، ويحمل في سباق الحياة على نفسه. حتى استطاع بقوة الدأب وروح المثابرة، أن يذلل دونه المصاعب والمشاق، إلى أن عد أخيراً في طليعة أبناء عصره.

كان لفامبري ولع غريزي بتعلم اللغات، فلم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى كان عليماً بكل لغات الغرب. ولكنه لم يقف عند ذلك. بل مابرح يقبل على تعلم اللغات الشرقية، حتى حذق عدة منها، ولا ننسى سياحاته الكثيرة في آسية الوسطى. وكان في كل أدوار حياته مدققاً بصيراً، وسياسياً ماهراً. وكثيراً ما هز أعصاب الأندية السياسية بنقده وحملاته. وقد زار فامبري انجلترة عدة زيارات، لقي في كلها دلائل الترحاب، وأمارات الود والإعجاب. وكان مقامه في أخريات أيامه مدينة بست عاصمة المجر، ومن هذا المعتزل كان يكاتب رجال السياسة ويقف على ماجرياتها وكان لدفاعه عن سياسة انجلترة ضد مطامع الروسيا أثر كبير في البلاد الانجليزية. وأن أنعام الملك إدوارد السابق في عام 1902 على فامبري بلقب قائد دليل واضح على عظم أعمل الرجل في سني حياته الحافلة بالحوادث.

الفوضى في الصين

لقد انتهت الثورة التي كانت في الصين بعد ما احتلت الجنود الشمالية مدينة نانكنج في أول سبتمبر الماضي، ولو لم يحدث بين القواد خلاف في أمر الزحف ووسائله لدخلت الجنود المدينة قبل ذلك بأسابيع عدة على أن الجنود إذ فتحت المدينة بدأت تقتل وتنهب، وراحت تفتك وتسلب، والضباط يشجعونهم ولا يبدون اعتراضاً ولا منعاً. ولم تكن الحرب ضد الثوار على شيء من النظام حتى ترفع في عين أوروبا من شأن حكومة الصين. وقد حدث في خلال فتح نانكينج حادث كاد يكون سيء العاقبة على الصين، وهو أن الجنود قتلت ثلاثة من اليابانيين، وداست العلم الياباني بالأقدام، ووقع غير ذلك من الأحداث الشبيهة بهذه، مما ألجأ حكومة اليابان إلى طلب غرامة تكون بمثابة اعتذار عما فرط من الجنود الصينية، وتقديم ديات إلى عشائر القتلى، وعقاب الجناة، فكفلت الحكومة الصينية الغرامة والديات ولكن القائد شينغ هسان الصيني في نانكينج رفض أن يقدم اعتذاره الشخصي على تفريط جنوده وكان اعتذاره مطلوباً، فلم يكن من اليابان إلا أن أرسلت بعض سفائنها الحربية إلى جوار نانكينج، وكان يخشى من حدوث شغب بين الفريقين لو لم يذعن لقائد إلى تقديم اعتذاره، وعاد السكون كما كان. أما حكومة اليابان ففي موقف صعب. فإن الشعب الياباني يظهر في كل يوم رضاه عن ثوار الجنوب، وقد حاول أخيراً أن يلجيء حكومته إلى اتخاذ خطة عدائية ضد حكومة الصين، ولم يستحسن منها طلباتها، وهو يحرضها على طلب جزء من الأراضي الصينية، ولعل حكومة الميكادو وشعبه ألب على الصين. ولكن الحكومة تعلم أنه لم يحن بعد الوقت الذي تلحف فيه وتتشدد، لأن ذلك يدعو إلى تداخل حكومات أوروبا في الأمر، وقد أدت حمية أنف الشعب الياباني إلى هديد حكومته وقتل كبير من كبارها، عرفوا عنه أنه يحابي الحكومة الصينية.

الحكومة في شخص

كتب كاتب انجليزي في إحدى الصحف التي تصدر في انجلترة يصف أخلاق إمبراطور الألمان. كيف أن الإمبراطور يفطن إلى كل شيء يجري حوله وإن تظاهر بأنه لا يرى منها شيئاً. ودليل ذلك أنه ذات مرة بينا هو عائد من أحد وجوهه، كان جماعة من العمال وقوفاً في طريقه فتعمدوا أن يدعوه يمر بهم في سكوت. ليثبتوا له سخطهم على الحكومة، ولكن الإمبراطور كأنما تبين سوء نيتهم، إذ خرج من بين جنود موكبه وقصدهم محيياً، ولبث على هذه الحال ينظر إليهم ويحدق فيهم البصر حتى اضطرهم إلى مقابلة تحيته بمثلها فحسروا عن رؤوسهم محيين، فلما عاد إلى مكانه من محفله هتفوا له.

قال الكاتب والإمبراطور جدُّ متقلبٍ، ولكن للتقلب حدوداً، والإمبراطور أطمع ما يكون في التألق في جو السياسة على حين أنه أخيب نصيباً منها وهو لا يني يؤكد للناس أنه يريد أن يعرف في الأجيال المقبلة بأنه غليوم السلمي ويؤكد لجيرانه أنه يود أن يعيش وإياهم في ظل السلم، ومع ذلك يوعدهم ويحذرهم ويقول لهم أنه لا يتأخر عن لقائهم في الميدان إذا أرادوا حرباً، وأنه ليخطب خطبه الدينية، والسيف إلى جنبه، وحمائله في نطاقهن وفي هيئته ما يدل على أنه يتجهز لتجريده.

الجراثيم

كتب السير ويليم رامزي ذلكم العالم الكيماوي المشهور موضوعاً في تحويل الجراثيم إلى العمل لصالح الإنسانية، وقد استشهد بأعمال الأستاذ روبرت براون أمير علماء النبات ومساعي الأستاذ لوب، وكذلك بمجهودات باستور وكثيرين ممن يجتهدون في تحقيق هذا الموضوع. وقال أن غرض العلماء من تحديد الجراثيم النافعة والجراثيم الضارة هو تقليل الوفيات، ولكن ليس ذلك كل ما في الأمر، فإن كانت حمى الملاريا من جراثيم في البعوض وكذلك الحمى الصفراء قد ثبت بالفحص أنها تنشأ من البعوض، ومرض النوم قد دلت الأبحاث على أن سببه جراثيم قتاله تنفذ إلى جسم المريض من عضات ذباب (التستسي) الفاشي في أفريقية، والوباء قد عرف اليوم أنه يحدث من عضة برغوث يعدى الجرذان، بلى أن كان كل ذلك قد اهتدى إليه اليوم، فلم يقف العلماء بعدُ عن السعي في اكتشاف الوسائل لقتل هذه الجراثيم وجعل سكان الأصقاع الكثيرة الجراثيم من ويلاتها آمنين.

الآلهة في أفريقية

في مقاطعة بحر الغزال قبيلة تسمىقريش أجا تدين بآله لها: أسد يعيش دائماً في البحر، شديد البأس، حتى يستحيل على أهل هذه القبيلة أن ينقذوا من يقع في قبضته دون أن يقدموا له ذبحاً أو ضحية، وقد اعتاد أهل القبيلة خوفاً من غضبه أن يقربو له قربانين في كل عام، الأول في بدء الفيضان، والثاني عند هبوطه، وقد روي أن شرطياً من رجال الحكومة هناك وقع في قبضة الأسد الله وكان يسبح في عرض البحر ولم يتركه حتى قربوا له القربان المطلوب.

الكلب البائع

مما يروى في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية بائع صحف له كلبان يخدمانه الخدمة الكبرى إذ ينوبان عنه إذا غاب في بيع الصحف فيجلس أحدهما على مقعد في الدكان وبين فكيه غليون تبغ ويحمل نسخة من الجرائد اليومية ويلزم صاحبه مقعداً آخر ويحمل بين أسنانه قبعة صغيرة يحفظ فيها النقود، فإذا ابتاع أحد السابلة نسخة من إحدى الصحف استوى الثاني واقفاً يطلب النقود، ويبدو على الكلبين استعداد كبير للبيع ومهارة فائقة. وأما سيدهما فيركن لهما كل الركون.

مجمع الشيوخ

انعقد في الولايات المتحدة منذ أيام مجمع كبير للشيوخ الذين بلغو أرذل العمر، وقد بلغ مجموع أعمار الحاضرين عشرة آلاف عام، ولم يكن بينهم إلا شخص واحد لم يجز بعد السبعين وفيهم امرأة عجوز لها من العمر مائة وثلاثة أعوام، وكان هذا المجمع معداً لقضاء النزهة والرياضة، وهو يقام مرة في كل سنة في تلك البلاد إذ تؤلف جماعات تنفذ إلى كل مقاطعة لتدعو شيوخها وعجائزها وهم يعطون كل شخص شارة من الحرير فمن كان في سن السبعين أعطي شارة حمراء ومن كان في سن الثمانين أعطي زرقاء وتعطى شارة بضاء لمن تجاوزت أعمارهم التسعين.

وتكفل هذه الشارات لحامليها السفر والأكل وجميع اللوازم دون مقابل، وخادماً إذا استدعت الحال، حتى إذا اكتمل جمعهم وانتدوا شيوخاً وعجائز في ناديهم، قضوا اليوم في عيد يجمع الغناء والألعاب والقصف بأنواعه، وتعطى مئات الجوائز لأكبر الرجال سناً، وأكثر النساء عيالاً، وأصغر الرجال الجند الذين شهدوا الحرب بين الولايات المتحدة وانجلترة، وأصغر النسوة اللاتي قطعن الصحاري وجبن الموامي، وأشد الرجال صلعاً أو قرعاً وغير ذلك، ويشترك الحضور في الألعاب الرياضية، وتعمل مقارنات في الرقص للنساء اللاتي بلغن السبعين أو الثمانين.

برنارد شو ورواياته

كتب كاتب في صحيفة ألمانية عن برنارد شو الفيلسوف والروائي الانجليزي الأوحد، فقال: إن في صدر المستر شو روحين تترددان، فهو في رواياته الشاعر الذي ينظر إلى الحقائق بالنظر العادي، أما في مقدماته ومقالاته فهو المحرك السياسي الذي اضطربت مخيلته من حركات الأحزاب. وأنك لتجد في حال المستر شو صورة مضحكة فبينا تراه يحارب المذاهب الكمالية الخيالية وهو الشاعر، إذ به يؤيد: وهو السياسي: مذهباً منها ونعني به الاشتراكية نعم وقد يقولون أن السياسة والدين - وما الاشتراكية إلا جامعتهما_قد يزيغان في البحث أكبر العقول، ماذا يهمنا من برنارد شو سياسياً إذا كنا ننعم بثمرات قريحته شاعراً؟

وكتبت صحيفة فرنسية عن برنارد شو موليير القرن العشرين تقول دقق البصر في أية رواية من رواياته الجديدة يتبين لك أنها لا غضب الجمهور ولكن تسخط الناقدين، وطريقة المستر شو في رواياته أن يبسط للناس آراءه ويعرض عليهم مذاهبه، ويدعوهم إلى التفكير فيها، ثم يترك لهم الحرية في تحللها، فهو في ذلك ينحو منحى موليير، وقد أنشأ روايات هي آيات في الكوميديا.

الشرق والغرب

جاء في مجلة الشرق والغرب بقلم كاتب اجليزي كبير نبذة في تقدم المدنية هذه خاتمتها: إن مساعي السير ويليم جون ومونيير ويليم وماكس مولر قد أحدثت ثورة ساكنة في عالم الحياة الغربية وتطوراً كبيراً في أفكارها وإن (تغريب) الشرق ليظهر بأجلى مظاهره في نظام اليابان الحربي وهيئة حكومتها وكذلك (تهنيد) الغرب ليبدو لنا إذا نحن استطعنا أن ندقق التحليل والبحث في أفكار الغرب وأدب الغربيين لا سيما في دولة جوت وعالم شوبنهور والشرق لا يزال بعد سراً مجولاً وإن كانت شمسه لا تبرح تطل على العالم الغربي وتنفذ بضيائها من نوافذه. والحقيقة التي لا لجاج فيها هي أن المدنية الغربية قد أنهكت نفسها، وأن العالم قد أصبح اليوم على أبواب ثورة كبرى - كما قال فيلسوف هندي عظيم_ثورة ستسترد فيها أفكار الشرق القديمة ونماذج الكمال الماضية مكانتها الأولى. وستظهر على عظمة أوربا المادية والاقتصادية، وستسمو على سلطة الغرب الروحانية والفلسفية.

الشرطة والمظلات

في مصر وغيرها من البلاد لا يزيد لباس رجال البوليس الرسمي في الشتاء والأيام المطيرة عن (البدل السوداء) وفي أيام الصيف وحروره عن الأثواب البيض. على أن القائمين بنظام البوليس في هذا البلد قد اخترعوا لوقاية الشرطة من حرارة الشمس تلك القبعة التي تلبس فوق (الطربوش) ولكنها لا تغني كثيراً ولا تفيد أما مدينة (كلكتا) عاصمة الهند القديمة فإن الشرطي يعطى من إدارة البوليس مظلة كبيرة يتقي بها حرارة الشمس ولفحاتها، فضلاً عن بدلة بيضاء لا تمتص الحرارة. وليس في الأمر عجب. على أن عامة المصريين لو شهدوا رجال البوليس في الطريق وهم يحملون المظلات لاجتمعوا ضاحكين معجبين مهللين.

مأساة في البحر_حريق فولترنو

النار تلتهم، والعاصفة تعصف، في الليل الأحلك، وفي وسط بحر الظلمات - الأوقيانوس الأطلانطي_على مسافتين متساويتين من ثغري الهافر ونيويورك، والتلغراف اللاسلكي يقود إلى مواقف الخطر عشر سفن من سفائن البريد، تحاول - ولكن عبثاً_كل حيلة للإنقاذ. . . ذلكم تاريخ حريق فولترنو سفينة من سفن البريد. تحمل 3000 طن، ملك شركة انجليزية تسمة (يورا نبام)، تركت ثغر روتردام في هولانده في اليوم الثاني من شهر اكتوبر وتريد ثغر هليفا كس من أعمال كندا تحمل اثنين وعشرين مسافراً وثمانية وثلاثين وخمسمائة مهاجر، وثلاثة وتسعين من موظفيها وبحارتها.

فلما كان يوم الخميس التاسع من شهر اكتوبر شبت النار في مقدمتها وكان السبب كما يعتقدون طيش طائش رمي غير متعمد بقايا (سيجارته) فلم تلبث أن اشتعلت النيران في البضائع المختلفة وسلع المهاجرين ودنان الكحول. وفي الساعة الثامنة صبحاً طيرت السفينة بواسطة التلغراف اللاسلكي نبأ فاجعتها فلبي نداءها واستجاب لها عشر سفن مختلفات الأعلام أسرعن إلى مكان الخطر. هذا وفولترنو ترقص في الماء وفي النار، والمهاجرون فيهم خلق كثير من النساء والأطفال مكدسون في المؤخرة قد ذهبت نفوسهم هلعاً ورعباً، ولى القراء تقرير الربان كوسان قبطان سفينة (تورين) الذي لم تكد تصل إليه دعوى الإنقاذ من فولترنو في الساعة الثامنة والنصف حتى دفع إلى مكانها وغير سبيله في البحر سرباً. وفي هذا التقرير يصف القبطان رعب الغرقى وألم السفن التي ذهبت تطلب إسعاف السفينة وشجاعة الضباط وبأس البحارة. قال:

في الساعة الثالثة وربع أبرقت فولترنو تسأل الإسراع في نجدتها. أن النار كادت تبلغ سطح السفينة. تريد الأحتيال بكل الوسائل، وقد وصلت إليها سفينتا (سيدلتز) وكيرزست:

إن السفن الحاضرة لا تستطيع إرسال الزوارق لأن البحر خضم مضطرب فقد حاولت (سيدلتز) ولكنها اضطرت أن تترك حيلتها، وأنزلت السفينة (كرامانيا) زورقاً إلى البحر ولم ترسل فيه نوتياً ولا بحاراً بل حاولت أن تربطه بحبل حتى تبلغه إلى فولترنو، ولكنها رأت هذه الحيلة صعبة شاقة فاجتنبتها وقد عملت سيدلتز وكيرزست مجهودات كثيرة وحيلاً مختلفة فلم يجد ذلك كله نفعاً.

وفي الساعة الثامنة مساءً أرسلت فولترنو هذه الإشارة أنقذونا بأية تضحية فإن النار تضطرم وتنتشر وعلمنا من السفن الأخرى المستنجدة أن سطح فولترنو قد التهمته النار وأن تلغرافها اللاسلكي قد فسد فلا يصلح بعدها.

وفي منتصف الساعة التاسعة ليلاً كانت كرامانيا تشك في أن فولترنو ستعيش بقية اليوم.

وفي الساعة التاسعة رأيناها شعلة من النار وفي منتصف الساعة الحادية عشر قطعنا كل أمل في أصراخها وبلغ منا اليأس من إنقاذها، ولم يعد أحد منا يستطيع أن يخاطبها وقذف جماعة من الرجال بأنفسهم في لجج الأقيانوس فلم ينج إلا واحد انتشلته كرمانيا وهوى في اللج المتقاذف زورقان من زوارق فولترنو أنزلا إلى البحر يحملان خلقاً من ركابها، فانقلبا بمن فيهما واحتواهما الماء.

وفي الساعة الحادية عشر إلا ربعاً قبل وصول السفينة الفرنسية (ترانس اتلانتيك) بخمسة عشر دقيقة ابتعد قارب من قوارب الصيد عن سفينة (تورين) يحمل قبطانها الثاني مسيو روسلوت بعد شجار بين الضباط والبحارة وخلاف في إحراز هذا الشرف وذهب الملازم (ايزينيك) في زورق آخر، وانطلق الزورقان مختفيين في ظلمة ذلك الليل البهيم.

ومضت ثلاث ساعات، فلما كانت الساعة الواحدة ونصف بعد منتصف الليل رأينا مصباحاً يلوح هناك وإذا بمسيو ايزينيك قد عاد يحمل في الزورق خمسة من المسافرين وقد استطاع أن يخاطب السفينة فولترنو وقد حدثنا بما رأى، قال: أن المنظر رهيب مخيف لأن مقدمة السفينة ووسطها ليسا إلا شعلة من اللهب، والسفينة تهتز وتضطرب، وقد نقل المسافرون الأمتعة إلى الطرف الأقصى من المؤخرة وقد علا الضجيج واشتد الصريخ وقد اصطدم زورق الصيد الذي أرسله للنجدة من غير إرادته بجنب السفينة لإنحرافها واضطرابها، وفي الحال ترامى على الزورق بعض المسافرين ووثب إليها آخرون، واستشهد اثنان كانا يحاولان النجاة وتواريا تحت السفينة!! وأراد مسيو إيزينيك أن يعود إلى فولترنو مرة أخرى ولكن القبطان آثر أن يلزم الزورق ضابطاً آخر وهو المسيو كوتيه.

ولم تمض عشر دقائق حتى رجع المسيو روسلوت بثلاثة من المسافرين وقفل راجعاً إلى نجدة غيرهم واقترب من زورق وقف على جنبه خلق كثيرون وإذا بهم قد ترامو مثل حب الغمام على زورقه، ولم يسع المسيو روسلوت إلا ن يبتعد منقذاً سبعة عشر نقل إلى الزورق الآخر سبعة منهم وفي الساعة الرابعة سحراً كان مجموع من أنقذتهم (تورين) اثنين وعشرين هذا وقد اضطرب البحر وتقاذف لجه ونحن مرتقبون طلوع النهار لنواصل الإسعاف والإنجاد.

فلما أشرق النهار - وكانت الساعة السادسة_اقتربت السفن جميعاً من فولترنو وقد قل الفزع، وسهل بعض السهولة إنقاذ المنكوبين، وفي منتصف الساعة الثالثة حيت السفن حطام فولترنو ومحترق آثارها وملتهب معالمها وأخذت كل سفينة طريقها يحملن ثلاثة عشر وخمسمائة مسافر.

وشهداء هذه المأساة يبلغون المائة والأربعين، ولو لم يقم بين المسافرين ذلك الفزع الأكبر والرعب الأشد اللذان استوليا على النفوس لاستطاعت السفن أن تنقذ الجميع.

وهؤلاء المهاجرين جمع مختلف من كل الأجناس والشعوب فيهم الروس والبلغار والنمساويون والبولانديون والجاليشيون (من أهل جاليشيا) وكانوا يحملون معهم كل ثروتهم ومتاعهم. وقد اعتاضوا عن العرض المتحول المتغير بنعمة الحياة، وكلهم يخاطب زميله بالبيت المشهور:

ورأس مالك وهي الروح قد سلمت ... لا تأسفن لشيء بعدها ذهبا

غش البرتقال

حكمت محكمة السين في باريس منذ أيام على بائعة حكماً صارماً إذ قبض عليها وهي تلون قشر البرتقال الفج بلون صناعي لا يختلف عن اللون الطبيعي المشاهد في البرتقال الناضج.

ولعمري أنها مهارة غريبة من البائعة تستوجب حكماً خفيفاً لا صارماً وماذا كان قضاة باريس يفعلون إذا رأوا باعتنا يغشون في أبسط السلع غشاً فاضحاً؟ واعجباً، لقد فاقونا حتى في الغش!