مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/تكريم النوابغ
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/تكريم النوابغ
يقول اللورد تنيسون ذلك الشاعر الانجليزي الغَزِل مخاطباً ملتن سيد شعراء البريطان، أي ملتن، يا واضع اللحن المؤتلف ومنشد النغم المنسجم، ومغنياً في الدهر والأبد، يا مزهرَ سِحر أنعم الله به علينا، أن اسمك سيتردد صداه في العصور المقبلة
وكذلك مكن الله لملتن وكذلك كان شأن الرجل العظيم.
وأنت ترى الناس يقدسون العظيم طوعاً أو كرهاً ويعلمون أن لا غناء لهم عن عظيم، وكل شعب فرح بعظمائه يقدر فيهم جلالة الأخطار، ويمشي إليهم بالإعظام والإكبار، وما العظمة إلا نوع من السحر يجمع بين روح العظيم وأرواح بني وطنه، بل هي نار مشوبة في الزمان القر تؤمها النفوس المقرورة والأرواح الصاردة لتصطلي من حرها ولتجد على النار هدي، ولكل رجل منا عظيم يسكنه فؤاده وينزله ربع قلبه، ولا بدع إذا رأيت الشعب الانجليزي الفخور يجد في شكسبير الآية الكبرى ويأبى أن يساوم فيه بالهند، أجمل درة في التاج البريطاني كما قالت مليكتهم، بل يراه أرجح من الهند كفة. وأغلى ثمناً وأعلى شأناً.
وقد تذيع في الخافقين عظمة العظيم فيصبح ملكاً شائعاً ليس لأمته فيه غير حق (التسجيل) فإنك ترى فيكتور هوجو في كل مكان وتسمع بشكسبير في كل بلد وتلتقي بجايتي في كل أرض. وقد تتبادل أمتان عظيما بعظيم فترى الأمة الفرنسية تقدس جولد سمث وتنوه بذكره وتتغنى وتؤثره على كثير من شعرائهم ونوابغ كتابهم بينا تجد الأمة الانجليزية تكبر موليير وتعلي شأن مؤلفاته.
وأهل الغرب أعرف منا أهل الشرق بحق العظماء، وقدر النوابغ والعلماء فالعظمة عندهن في كل فن، فالموسيقار النابغة فيهم عظيم، والراقص المبدع منهم عظيم، والمغني الغرد لديهم عظيم، وكل نوابغهم عظماء، وكلهم من ذلك يبغي العظمة ويسعى لها.
وتراهم يغارون على آثار نوابغهم فيقيمون بعد موتهم دورهم التي كانوا بها يسكنون، ومكاتبهم التي كانوا إليها يجلسون. ويحفظون الرياش والمتاع ليري الأجنبي كيف يقدسون الأبطال وكيف يعبدون البطولة، وقد قدرت براعة ديماس ذلك الروائي الذائع الصيت بالجم الكثير من الدنانير.
ونحن اليوم قد بدأنا نهتدي بهدي الغربيين ونأخذ بطريقتهم ونعرف لنوابغنا وأعيان علمائنا حقهم المطلوب. إذا احتفلنا في السابع والعشرين من الشهر الماضي (يونيه) في د الجامعة المصرية بصاحب السعادة نابغتنا العظيم أحمد فتحي زغلول باشا لوضعه سفره الحديث شرح القانون المدني ذلك المرجع الجليل والأثر الباقي ما بقي القانون. وكان المحتفلون به أفاضل المصريين وكرام أدبائهم وعلمائهم وسرواتهم. وكانت اللجنة المنوطة بالتكريم مؤلفة من صاحب السعادة محمد باشا شكري وفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت وأصحابه العزة الأستاذ الكبير النابغة أحمد بك لطفي السيد والأستاذ محمود بك أبو النصر والأستاذ عبد العزيز بك فهمي والدكتور يعقوب صروف. فلما اكتمل الجمع وآذنت ساعة التكريم قام الخطباء الكرام يتلون على المدعوين روائع خطبهم ويشهدون للنابغة بنبوغه ويعترفون بجليل أسفاره وجميل مآثره على أن الوقت لم يتسع لتلاوة الخطب النفائس جميعاً، فأشرق على المدعوين سعادة المحتفل به يشكرهم وهو بالشكر أحق، ويثني عليهم وهو بالثناء أجدر، ثم انتثر عقد الجمع وكلهم عالم بمكان المحتفل به من النبوغ والفضل وقد نشر نافى موضع آخر من البيان ما وسعنا أن ننشره وأننا نتقدم إلى سعادة النابغة بالثناء الجزل والشكر الأوفر وندعو الله أن يهيئ من وقته فرصاً يخرج فيها آثاراً خالدة أخرى لمصر والمصريين. . . .