مبسوط السرخسي - الجزء السابع والعشرون
المبسوط السرخسي ج 27
[ 1 ] (الجزء السابع والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب الناخس) (قال رحمه الله) وإذا سار الرجل على دابة في الطريق فنخسها رجل أو ضربها فنفحت برجلها رجلا فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لان نخسه جناية فما تولد منه كان مضمونا عليه وانما تكون النفحة بالرجل جبارا إذا كان يسير في الطريق قال بلغنا ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وان نفحت الناخس كان دمه هدرا لان ذلك تولد من نخسه فصار كانه هو الذى جنى على نفسه ولو ألقت الراكب من تلك النخسة فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لانه تولد ذلك من نخسه وجنايته وكذلك لو وثبت من نخسه على رجل فقتلته أو وطئت رجلا فقتلته لان ذلك تولد من جنايته والواقفة في ذلك والتى تسير سواء لان ذلك من تولد من نخسه فكان الضمان على عاقلته قال ولو نخسها باذن الراكب كان ذلك منزلة فعل الراكب لو نخسها ولاضمان عليه في نفحتها وهى تسير لان النفحة في حال السير هدر لقوله عليه الصلاة والسلام الرجل جبار ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها هذا باذن الراكب كانت الدية عليهما جميعا إذا كان في فورها الذى نخسها فيه لانه لما نخس باذن الراكب صار بمنزلة السائق والراكب سائقا وراكبا كان الضمان عليهما نصفين وهذا إذا كان في ذلك الفور الذى نخسها فيه فاما إذا انقطع ذلك الفور كما إذا سارت ساعة وتركها من السوق فالضمان على الراكب خاصة لان فعل الناخس قد انقطع وبقى فعل الراكب قال وإذا نخس الرجل الدابة ولها سائق بغير اذن السائق فنفحت رجلا فقتلته فالضمان على الناخس وكذلك لو كان لها قائد لان ذلك تولد من نخسه وان نخس باذن السائق أو باذن القائد فنفحت رجلا فقتلته فلا ضمان عليه ولا عليهما لان الناخس صار سائقا والنفحة بالرجل جبار في هذه الحالة قال وإذا قاد الرجل الدابة فنخسها رجل آخر فانفلتت من القائد ثم
[ 3 ] أصابت في فورها ذلك فضمان ذلك على الناخس لان حكم قوده قد انقطع وصار الناخس جانيا فضمان ذلك عليه قال وان كان الناخس عبدا فجناية الدابة في رقبة العبد يدفع بها أو يفدي لانه بمنزلة جنايته بيده وان كان الناخس صبيا فهو كالرجل في ان ضمان الدية يجب على عاقلته وان مرت الدابة بشئ نصب في ذلك الطريق فنخسها ذلك الشئ فنفحت انسانا فقتلته فهو على الذى نصب ذلك لانه متعد في نصب ذلك الشي في الطريق فكان نخس ذلك الشئ للدابه بمنزلة نخس الذى نصبه وان كان الرجل يسير في الطريق فأمر عبدا لغيره فنخس دابته فنفحت فلا ضمان على أحد منهما لان فعل المأمور كفعل الامر عبدا كان المأمور أو حرا فان وطئت في فورها ذلك انسانا فقتلته فعلى عاقلة الراكب نصف الدية وفي عنق العبد نصف الدية يدفعها مولاه أو يفديه بمنزلة السائق مع الراكب الا أن المولى يرجع على الامر بالاقل من قيمة العبد ومن نصف الدية لانه صار للعبد غاصبا باستعماله اياه في نخس الدابة فإذا لحقه ضمان بذلك السبب كان للمولى أن يرجع به على المستعمل له وكذلك لو أمره بالسوق أو بقود الدابة ولو كان الراكب عبدا فأمر عبدا آخر فساق دابته فأوطأت انسانا فقتلته فالدية في اعناقهما نصفين يدفعان بها أو يفديان بمنزلة السائق مع الراكب ولا شئ على الراكب لمولى العبد المأمور إذا كان الراكب محجورا عليه حتى يعتق لان سبب وجوب هذا الضمان استعماله اياه بالقول والمحجور لا يؤاخذ بضمان القول حتى يعتق وإذا عتق كان عليه قيمة المأمور وان كان تاجرا أو مكاتبا فهو دين في عنقه لانه لا يؤاخذ بضمان القول فكذلك السائق في الحال وإذا أقاد الرجل قطارا في طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره فالقائد ضامن له وان كان معه سائق فالضمان عليهما لان القائد مقرب ما أصاب بالصدمة أو غير ذلك وكذلك السائق مقرب من ذلك ومشتركان في الضمان لاستوائهما في السبب وهذا لان السوق والقود في الطريق مباح مقيد بشرط السلامة بمنزله الركوب فكما ان الراكب يجعل ضامنا بما تلف بسبب يمكن التحرز عنه فكذلك السائق والقائد والمعنى في الكل ان الدابة في يده فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه في صرف الدابة بسوقه أو بقوده وان كان معها سائق للابل وسط القطار فالضمان في جميع ذلك عليهم أثلاثا لان الذى هو في وسط القطار سائق لما بين يديه فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه من الابل قائدا لما خلفه والسائق والقائد في حكم الضمان سواء وكذلك ان كان يكون أحيانا وسطها وأحيانا يتقدم
[ 4 ] واحيانا يتأخر لانه في جميع هذه الاحوال سائق للقطار أو قائد ولو كان الرجل راكبا وسط القطار على بعير ولا يسوق منها شيأ لم يضمن شيأ مما تصيب الابل التي بين يديه لانه ليس بسائق لما بين يديه فان ثقل السوق في الزجر على الابل والضرب ولم يوجد منه شئ من ذلك وهو معهم في الضمان فيما أصاب البعير الذى هو عليه وما خلفه أماما في البعير الذى هو عليه فلانه راكب والراكب شريك السائق والقائد في الضمان وأما ما خلفه فلانه قائد لما خلفه لان ما خلفه زمامه مربوط ببعيره ومشي البعير الذى هو عليه يضاف إلى الراكب فيجعل هو بهذا المعنى كالقائد لما خلفه وقال بعض المتأخرين هذا إذا كان زمام ما خلفه يقوده بيده وأما إذا كان هو نائما على بعيره أو قاعدا لا يفعل شيأ لا يكون به قائدا لما خلفه فلا ضمان عليه في ذلك وهو في حق ما خلفه بمنزلة المتاع الموضوع على بعيره وإذا أتى الرجل ببعير فربطه إلى القطار والقائد لا يعلم وليس معها سائق فاصاب ذلك البعير انسان ضمن القائد لانه قائد لذلك البعير والقود سبب لوجوب الضمان ومع تحقق سبب الضمان لا يسقط الضمان لجهله ثم يرجع القائد على الذى ربط البعير بذلك الضمان لانه هو الذى ألزمه ذلك الضمان حين ربط البعير بقطاره وهو متعد فيما صنع فيكون له أن يرجع عليه بما يلحقه من الضمان ولو كان البعير واقعا حين ربطه بالقطار ثم قاد فأصاب ذلك البعير شيأ فالضمان على القائد ولا يرجع علي الذي ربط البعير بذلك الضمان لانه هو الذى ربط البعير بقطاره كان هو السبب لما يلحقه من الضمان فيثبت له حق الرجوع به عليه وفي الوجهين جميعا ان علم صاحب القطار وقاد القطار على حاله لم يكن له أن يرجع على الرابط بشئ من الضمان لانه بعد ما علم صاحب القطار فقد صار ضامنا بفعله فيجعل كانه ربط بامره ولو سقط شئ مما يحمل الابل على انسان فقتله أو سقط بالطريق فعثر فمات كان الضمان في ذلك على الذى يقود الابل وان كان معه سائق فالضمان عليهما لان هذا مما يمكن التحرز عنه بان يشد الحمل على البعير على وجه لا يسقط وانما يسقط لتقصير كان من القائد والسائق في الشد فكأنه أسقط ذلك بيده فيكون ضامنا لما تلف بسقوطه عليه ولمن يعثر به بعد ما سقط في الطريق لانه شئ أحدثه في طريق المسلمين وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فعثر بحجر وضعه رجل أو بدكان قد بناه رجل أو بماء قد صبه رجل فوقعت على انسان فمات فالضمان على الذى أحدث ذلك في الطريق لانه ممنوع من احداث شئ من ذلك في طريق المسلمين فان الطريق معد لمرور الناس فيه فيما يضر بالمارة
[ 5 ] أو يحول بينهم وبين المرور فيه يكون هو ممنوعا من احداث ذلك وبهذا الطريق يصير المحدث كالدافع للدابة على ما سقطت عليه فيكون الضمان عليه دون الراكب قالوا هذه إذا لم يعلم الراكب بما أحدث في الطريق فان علم بذلك وسير الدابة على ذلك الموضع قصدا فالضمان عليه لانه طرأ على فعل الذى أحدث فعل آخر ممن هو مختار فيفسخ به حكم فعل الاول ويكون الضمان على الثاني بمنزلة من وضع حجرا على الطريق فزحزحه رجل آخر إلى جانب آخر من الطريق ثم عثر به انسان كان الضمان على الثاني دون الاول ولو سار على دابته في ملكه فأوطأت انسانا بيد أو رجل فقتلته فعليه الديه والكفارة جميعا لان الراكب مباشر للقتل فيما أوطأت دابته والمباشرة في ملكه وفي غير ملكه سواء في ايجاب الضمان عليه كالرمي فان رمى في ملكه فأصاب انسانا كان عليه ضمانه وان كان سائقا أو قائدا فلا ضمان عليه في ذلك لانه تسبب بتقريب الدابة من محل الجناية والمتسبب انما يكون ضامنا إذا كان منعديا بسببه وهو في ملك نفسه لا يكون متعديا في سوق الدابة ولا قودها فهو نظير القاعد في ملكه إذا تعثر به انسان والدليل على الفرق ان السائق والقائد في الطريق لا تلزمه الكفارة لانعدام مباشره القتل منه والراكب تلزمه الكفارة ولو أوفقها في ملكه فاصابت انسانا من أهله أو أجنبيا دخل باذنه أو بغير اذنه فلا ضمان عليه لانه غير متعد في ايقافها في مكله وكذلك الكلب العقور في دار مخلى عنه أو مربوطا لان صاحب الكلب غير متعدى في امساكه في ملكه ولو ربط دابته في الطريق فجالت في رباطها من غير أن يحلها أحد فما أصابت فهو على الذى ربطها لانه متعد في ربطها في الطريق وفي أي موضع وقفت بعد أن تكون مربوطة فذلك يكون مضافا إلى من ربطها لان الرابط يعلم حين ربطها انه تحول في رباطها بهذا القدر فلا يكون تغييرها عن حالها مبطلا الضمان عنه بعد أن يكون الضمان بالرباط كما هي الا أن يحل الرباط وتذهب فحينئذ تكون في معنى المنفلتة وكذلك كل بهيمة من سبع أو غيره إذا أوقفه رجل على الطريق فهو متعد في هذا التسبب حكما ضامن لما يتلف به ما لم يتغير عن حاله وكذلك لو طرح بعض الهوام على رجل فلدغه ذلك فهو ضامن له لانه متعد في هذا التسبب ولايقال قد طرأ على تسببه مباشرة وهو اللدغ من العقرب أو الحية لان ذلك غير صالح لبناء الحكم عليه فلا يقطع به حكم التسبب الموجود ممن ألقاه عليه
[ 6 ] بمنزلة مشى الماشي وفعله في نفسه في مسألة حفر البئر فانه لا يكون ناسخا للسبب الموجود من الحافر في حكم الضمان والله أعلم (باب ما يحدث الرجل في الطريق) (قال رحمه الله) وإذا وضع الرجل في الطريق حجرا أو بنى فيه بناء أو أخرج من حائطه جذعا أو صخرة شاخصة في الطريق أو أشرع كنيفا أو حياضا أو ميزابا أو وضع في الطريق حذعا فهو ضامن لما أصاب من ذلك لانه مسبب لهلاك ما تلف بما أحدثه وهو متعد في هذا التسبب فانه أحدث في الطريق ما يتضرر به المارة أو يحول بينهم وبين المرور في الطريق الذى هو حقهم ووجوب الضمان لصيانة دم المتلف عن الهدر فإذا أمكن ايجابه على المسبب لكون متعديا في تسبيبه نوجبه عليه وان لم يكن قاتلا في الحقيقة حتى لا تلزمه الكفارة عندنا ولا يحرم الميراث وقال الشافعي لما جعل التسبب كالمباشرة في حكم الضمان فكذلك في حكم الكفارة وحرمان الميراث ولكنا نقول الكفارة وحرمان الميراث جزاء قتل محظور ولا يوجد ذلك في التسبب لانه لا يتمكن أن يجعل قاتلا باحداث ذلك ولا مقتولا عند احداثه ولا يمكن أن يجعل قاتلا عند الاصابة فلعل المحدث ميت عند الاصابة وكيف يكون الميت قاتلا والدليل عليه أن القتل لا يكون الا بفعل القاتل والقتل نوعان عمد وخطأ ففي كل ما يتصور العمد في جنسه بتصور الخطأ أيضا والقتل العمد بهذا الطريق لا يتحقق فكذلك الخطأ وحرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى استعجال الميراث وذلك في العمد لا يشكل وفي الخطأ يحتمل أن يكون الخطأ أظهر من نفسه وهو قاصد إلى ذلك وهذا لا يتحقق في هذه المواضع وعلى هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله الكفارة وحرمان الميراث لا يثبت في حق الصبى والمجنون بالقتل لانه جزاء قتل محظور وفعل الصبي لا يوصف بذلك فالخطأ شرعا يبنى على الخطاب وعند الشافعي يثبت الكفارة وحرمان الميراث في حقهما كما تثبت الدية وعلى هذا قلنا إذا قضي القاضي على مورثه بالقصاص لم يحرم الميراث وان رجعوا لا تلزمهم الكفارة لان ذلك جزاء فعل محظور والقاضى بقضائه لا يصير قاتلا وكذلك شهود القصاص لا يحرمون الميراث وان رجعوا لا تلزمهم الكفارة لان ذلك جزاء قتل محضور وهم بالشهادة ما صاروا قاتلين مباشرة فان عثر بما احدثه في الطريق رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه في الطريق لانه بمنزلة الدافع لمن يعثر بما أحدثه فكأنه دفعه بيده على غيره فلا ضمان على الذي عثر به لانه مدفوع
[ 7 ] في هذه الحاله والمدفوع كالالة وإذا نحى رجل شيأ من ذلك عن موضعه فعطب به آخر فالضمان على الذى نحاه وقد خرج الاول من الضمان لان حكم فعله قد انفسخ بفراغ الموضع الذى شغله بما أحدث فيه وانما شغل بفعل الثاني في موضع آخر فهو كالمحدث لذلك في ذلك الموضع والقاء التراب في الطريق واتخاذ الطين فيه بمنزلة القاء الحجر والخشبة ولو أن رجلا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه انسان لم يضمن لانه لم يحدث في الطريق شيأ انما كنس الطريق لكيلا يتضرر به المارة ولا يؤذيهم التراب فلا يكون هذا متعديا في هذا السبب ولو رش الطريق أو توضأ في الطريق فعطب بذلك الموضع انسان فهو ضامن لان ما أحدث في الطريق من صب الماء يلحق الضرر بالمارة ويحول بينهم وبين المرور مخافة أن تزل أقدامهم ومنها كله في طريق هو للعامة فان كان في سكة غير نافذة والذى فعل ذلك من أهل السكة لم يضمن لان ذلك الموضع مشترك بينهم شركة خاصة وقد بينا أن أحد الشركاء إذا أحدث من ذلك في الملك المشترك لم يكن ضامنا وإذا أشرع الرجل جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله فالضمان على البائع لانه كان جانيا بوضع الجناح فان سواء الطريق كرقية الطريق فمن احدث فيه شيأ يكون جانيا وبالبيع لم ينسخ حكم فعله لانه لم ينزع الموضع الذى شغله بما أحدثه فبقى ضامنا على حاله (الا ترى) انه ولو وضع الجناح في غير ملكه كان ضامنا لما تلف به فلما كان عدم الملك لايمنع انعقاد سبب الضمان فكذلك لايمنع بقاءه ولا شئ على المشترى لانه ما أحدث في الطريق شيأ وكذلك الميزاب فان سقط الميزاب يصرفان فان أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان فيه علي أحد لانه انما وضع ذلك الطرف من الميزاب في ملكه واحداث شئ في ملكه لا يكون تعديا وان أصابه ما كان خارجا منه من الحائط فالضمان على الذى وضعه لانه متعد في ذلك الطرف فانه شغل به هواء الطريق فان لم يعلم أيهما اصابه ففى القياس لا شئ عليه لانه ان كان أصابه الطرف الداخل لم يضمن شيأ وان أصابه الطرف الخارج فهو ضامن والضمان بالشك لا يجب لان فراغ ذمته ثابت يقينا وفى الاشغال شك وفي الاستحسان هو ضامن للنصف لانه في حال هو ضامن للكل وفي حال لا شئ عليه فيتوزع الضمان على الاحوال ليتحقق به معنى النظر من الجانبين وإذا استأجر رب الدار الفعلة لاخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل انسانا فان سقط من عملهم قبل أن يفرغوا منه فالضمان عليهم دون رب الدار لانه انما سقط لتقصيرهم في الامساك فكأنهم ألقوا ذلك
[ 8 ] فيكونون قاتلين مباشرة فيلزمهم الدية والكفارة ويحرمون الميراث وان سقط ذلك بعد فراغهم من العمل فالضمان فيه على رب الدار استحسانا وفي القياس هذا كالاول لانهم باشروا احداث ذلك في الطريق وصاحب الدار ممنوع من احداثه وانما يعتبر فيما أمره في ماله أن يفعله بنفسه ولكنه استحسن لحديث شريح فانه قضى بالضمان على مثله على رب الدار والمعنى فيه انهم يعملون له ولهذا يستوجبون الاجر عليه وقد صار عملهم مسلما إليه بالفراغ منه فكأنه عمل ذلك بنفسه بخلاف ما قبل الفراغ فان عملهم لم يصر مسلما إليه بعد وهذا لانه انما يحدث ذلك في فنائه ويباح له فيما بينه وبين ربه احداث مثل ذلك في فنائه إذا كان لا يتضرر به غيره ولكن لكون الفناء غير مملوك لم يتقيد بشرط السلامة فبهذا اعتبر أمره في ذلك وجعل هو كالقاتل لنفسه ولو وضع ساجة في الطريق أو خشبة باعها من رجل وبرئ إليه منها فتركها المشترى حتى عطب بها انسان فالضمان على الذى وضعها لانه كان متعديا في وضعها فما بقيت في ذلك المكان بقي حكم فعله وكما أن انعدام ملكه في الخشبة لايمنع وجوب الضمان عليه بوضعها في الطريق فكذلك زوال ملكه بالبيع وإن كان جميع ما ذكرنا في ملك قوم أشرعوه في ملكهم فلا ضمان في شئ من ذلك وان كان أشرعه بعضهم دون بعض فعليه الضمان يرفع عنه بحصة ما ملكه من ذلك لان أحد الشركاء لا يملك البناء في الملك المشترك بغير رضا شركائه فهو جان باعتبار ارضائهم غير جان باعتبار نصيبه فيتوزع الضمان على ذلك بمنزلة أحد الشركاء في الجارية إذا وطئها يلزمه العقر ويرفع عنه من ذلك حصته وذلك بخلاف ما لو توضأ فيه أو صب فيه ماء أو وضع متاعا لان ذلك يتمكن من فعله كل واحد من الشركاء شرعا فيستحسن أن لا يجعله ضامنا به بخلاف البناء وإذا وضع في الطريق جمرا فاحرق شيأ فهو ضامن له لانه متعد في احداث النار في الطريق فان حركته الريح فذهب به إلى موضع آخر ثم أحرق شيأ فلا ضمان عليه لان حكم فعله قد انتسخ بالتحول من ذلك الموضع إلى موضع آخر قال وهذا إذا لم يكن اليوم يوم ريح فان كان ريحا فهو ضامن لانه كان عالما حين ألقاه ان الريح يذهب به من موضع إلى موضع فلا ينسخ حكم فعله بذلك بمنزلة الدابه التى جالت برباطها والله أعلم (باب الحائط المائل) (قال رحمه الله) وإذا مال حائط الرجل أو وهى فوقع على الطريق الاعظم فقتل انسانا فلا
[ 9 ] ضمان على صاحبه لانه لم يوجد منه صنع هو تعد فانه وضع البناء في ملكه فلا يكون متعديا في الوضع ولا صنع له في مثل الحائط ولكن هذا إذا كان بناء الحائط مستويا فان كان بناه في الاصل مائلا إلى الطريق فهو ضامن لمن يسقط عليه لانه متعد في شغل هواء الطريق ببنائه وهواء الطريق كاصل الطريق حق المارة فمن أحدث فيه شيا كان متعديا ضامنا فأما إذا بناه مستويا فانما شغل ببنائه هواء ملكه وذلك لا يكون تعديا منه فلو أشهد عليه في هذا الحائط المائل فلم يهدمه حتى سقط وأصاب انسانا ففي القياس لا ضمان عليه أيضا وهو قول الشافعي لانه لم يوجد منه صنع هو تعد والاشهاد فعل غيره فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه لكن استحسن علماؤنا رحمهم الله ايجاب الضمان روى ذلك عن على رضى الله عنه وعن شريح والنخعي والشعبي وغيرهم من أئمة التابعين وهذا لان هواء الطريق قد اشتغل بحائطه وحين قد أشهد عليه فقد طولب بالتفريغ والرد فإذا امتنع من ذلك بعد ما تمكن منه كان ضامنا بمنزلة ما لو هبت الريح بثوب القته في جحر فطالبه صاحبه بالرد عليه فلم يفعل حتى هلك بخلاف ما قبل الاشهاد ولانه لم يطالب بالتفريغ فهو نظير الثوب إذا هلك في جحره قبل أن يطالبه صاحبه بالرد ثم لا معتبر بالاشهاد وانما المعتبر التقدم إليه في هدم الحائط فالمطالبة تتحقق وينعدم به معنى العذر في حقه وهو الجهل بميل الحائط الا أنه ذكر الاشهاد احتياطا حيت إذا جحد صاحب الحائط التقدم إليه في ذلك أمكن اثباته عليه بالبينة بمنزلة الشفيع فالمعتبر في حقه طلب الشفعة ولكن يؤمر بالاشهاد على ذلك احتياطا لهذا المعنى وهذا التقدم إليه يصح من كل واحد من الناس مسلما أو ذميا رجلا كان أو امرأة لان الناس في المرور في الطريق شركاء والتقدم إليه صحيح عند السلطان وعند غير السلطان لانه مطالبة بالتفريغ وغير مطالبة في الطريق ولكل أحد حق في الطريق فينفرد بالمطالبة بتفريغه وصورته أن يقول له ان حائطك هذا مائل فاهدمه وذكر عن الشعبي انه كان يمشى ومعه رجل فقال الرجل ان هذا الحائط لمائل وهو لعامر ولا يعلموا الرجل انه عامر فقال عامر ما أنت بالذى يفارقنى حتى أنقضه فبعث إلى الفعلة فنقضه فعرفنا أن الاشهاد بهذا اللفظ يتم وبعد الاشهاد ان تلف بالحائط مال فالضمان في ماله وان تلف به نفس فضمان ديته على عاقلته لان هذا دون الخطأ ولا كفارة عليه فيه لانعدام مباشره القتل منه ويستوى أن شهد عليه رجلان أو رجل وامرأتان في التقدم إليه لان الثابت بهذا التقدم ما لا يندرئ بالشبهات وهو المال
[ 10 ] وإذا باع الحائط بعد ما أشهد عليه برئ من ضمانه لانه انما كان جانيا بترك الهدم مع تمكنه منه وبالبيع زال تمكنه من هدم الحائط فيخرج من أن يكون جانيا فيه بخلاف الجناح فهناك كان جانيا باصل الوضع * يوضحه أن ابتداء الاشهاد عليه لا يصح إذا لم يكن هو مالكا للحائط فكذلك لا يبقى حكم الاشهاد بعد زوال ملكه بخلاف الجناح ولا ضمان على المشترى في الحائط لانه لم يتقدم إليه في هدمه فحاله كحاله قبل أن يتقدم إليه فيه فان شهد المشترى في الحائط فانه لايتقدم إليه في هدمه فحاله كحال البائع قبل ان يتقدم إليه فيه فان أشهد على المشترى بعد شرائه فهو ضامن لتركه تفريغ الطريق بعد ما طولب به مع تمكنه من ذلك ولو كان الحائط رهنا فتقدم إلى المرتهن فيه لم يضمنه المرتهن ولا الراهن لان المرتهن غير متمكن من هدمه فلا يصح التقدم فيه إليه ولم يتقدم إلى الراهن فيه وان تقدم فيه إلى الراهن كان ضامنا لانه متمكن من أن يقضى الدين ويسترد الحائط فهدمه فيصح التقدم فيه وان تقدم إلى ساكن الدار في بعض الحائط المائل فليس ذلك بشئ سواء كان ساكنا باجر أو بغير أجر لانه غير متمكن من النقض وان تقدم إلى رب الدار فعليه الضمان لانه متمكن من هدمه فإذا تقدم إلى أب الصبي أو الوصي في ذلك فلم ينقضه حتى سقط فاصاب شيأ فضمانه على الصبي لان الاب والوصى يقومان مقامه ويملكان هدم الحائط فيصح التقدم اليهما فيه ويكون ذلك كالتقدم إلى الصبي بعد بلوغه ثم هما في ترك الهدم يعملان للصبى وينظران له فلهذا كان الضمان عليه دونهما وإذا تقدم في الحائط إلى بعض الورثة فالقياس ان لا ضمان على أحد منهم لان أحد الشركاء لا يتمكن من نقض الحائط كما لا يتمكن من بنائه ولم يوجد التقدم إلى الباقين فلا يصح هذا الاشهاد ولا يكون هو متعديا في تركه التفريغ بعد هذا ولكنا نستحسن فنضمن هذا الذى أشهد عليه بحصة نصيبه مما أصاب الحائط لانه كان متمكنا من أن يطلب شركاءه ليجتمعوا على هدمه وهذا لان الاشهاد على جماعته يتعذر عادة فلو لم يصح الاشهاد على بعضهم في نصيبه أدى إلى الضرر والضرر مدفوع الرجل والمرأة والمسلم والذمى والحر والمكاتب في هذا الاشهاد سواء لانهم في التطرق في هذا الطريق سواء وإذا تقدم إلى العبد التاجر في الحائط فأصاب انسانا وعليه دين أولا دين عليه فهو على عاقلة مولاه لان العبد متمكن من هدم الحائط فيصح التقدم إليه ثم الحائط ملك المولى ان لم يكن عليه دين وان كان عليه دين فالمولى أحق باستخلاصه لنفسه فيجعل في حكم الجنايه كان المولى هو المالك على مابينا فيما
[ 11 ] إذا وجد القتيل في دار العبد فلهذا كان ضمان الدية على عاقلة المولى وان أصاب مالا فضمانه في عنق العبد يباع فيه وينبغى في القياس أن يكون على المولى كضمان النفس ولكنا استحسنا الفرق بينهما فقلنا العبد بالتزام ضمان المال كالحر فانه منفك الحجر عنه في اكتساب سبب ذلك وفي التزام ضمان الجناية على النفس هو كالمحجور عليه لان فك الحجر بالاذن لم يتناول ذلك فكان الضمان على عاقلة المولى وإذا وضع الرجل على حائطه شيئا فوقع ذلك الشئ فاصاب انسانا فلا ضمان عليه فيه لانه وضعه على ملكه فهو لا يكون متعديا فيما يحدثه في ملكه ويستوى ان كان الحائط مائلا أو غير مائل لانه في الموضعين لا يكون ممنوعا من وضع متاعه على ملكه وإذا تقدم إلى رجل في حائط من داره في يده فلم يهدمه حتى سقط على رجل فقتله فأنكرت العاقلة أن تكون الدار له أو قالوا لا ندري هي له أو لغيره فلا شئ عليهم حتى تقوم البينة على أن الدار له لان ثبوت الملك له باعتبار اليد من حيث الظاهر وذلك لا يصلح حجة لاستحقاق الدية على العاقلة فهو نظير المشترى للدار إذا أنكر أن يكون ما في يد الشفيع ملكه كان على الشفيع اثبات ملكه بالبينة ليتمكن من الاخذ بالشفعة والحاصل انه يحتاج إلى اثبات ثلاثة أشياء بالبينة أحدها أن تكون الدار له والثاني أن يتقدم إليه في هدم الحائط والثالث أن المقتول انما مات بسقوط الحائط عليه فإذا ثبتت هذه الاشياء بالبينة فحينئذ يقضي بالدية على العاقلة فان أقر بوجوب الدية على العاقلة والمقر على الغير إذا صار مكذبا في اقراره لم يضمن شيأ ولكنا نستحسن أن نضمنه الدية لاقراره على نفسه بالتعدي وهو ترك الحائط بعد ما تمكن منه وانما هذا بمنزلة جناح أخرجه في دار يده إلى الطريق فوقع على انسان فقتله فقالت العاقلة ليست الدار له وانما أخرج الجناح بامر رب الدار وأقر ذو اليد ان الدار له فانه يكون ضامنا الدية في ماله فهذا مثله وإذا كان الرجل على حائط له مائل أو غير مائل سقط به الحائط فاصاب من غير عمله انسانا فقتله فهو ضامن في الحائط المائل إذا كان قد تقدم إليه فيه ولاضمان عليه فيما سواه لانه مدفوع بالحائط حين سقط الحائط وسقوطه على انسان بمنزلة سقوط الحائط عليه في حكم الضمان ولو كان هو سقط من الحائط من غير ان سقط الحائط فقتل انسانا كان هو ضامنا لانه غير مدفوع هنا بالحائط فان الحائط على حاله لم يسقط ولكنه بمنزلة النائم انقلب على انسان فقتله يكون ضامنا له ولو
[ 12 ] مات الساقط بطرق الاسفل فان كان يمشى في الطريق فلا ضمان عليه لانه غير متعد في مشيه في الطريق ولا يمكنه أن يتحرز عن سقوط غيره عليه وان كان واقفا في الطريق أو قاعدا أو نائما فهو ضامن لدية الساقط عليه لانه متعد بالوقوف والقعود والنوم فيكون ضامنا لما يتلف به وان كان الاسفل في ملكه فلا ضمان عليه لانه غير متعد في الوقوف في ملكه وعلى الاعلى ضمان الاسفل في هذه الحالات لان الاعلى مباشر بقتل من سقط عليه وفي المباشرة الملك وغير الملك سواء كذلك ان تعقل فسقط أو نام فانقلب فهو ضامن لما أصاب الاسفل لانه تلف بثقله فكأنه قتله بيده وعليه الكفارة في ذلك وكذلك لو تردى من جبل إلى رجل فقتله فعليه ضمانه وملكه وغير ملكه في ذلك سواء وكذلك لو سقط في بئر احتفرها في ملكه وفيها انسان فقتل ذلك الانسان كان ضامنا للانسان بمنزلة ما لو قتله بيده وان كان البئر في الطريق كان الضمان على رب البئر فيما أصاب الساقط والمسقوط عليه لان الحافر للبئر إذا كان متعديا فهو بمنزلة الدافع لمن سقط في البئر والساقط بمنزلة المدفوع وإذا شهد على رجل في حائط مائل شاهدان فاصاب الحائط أحد الشاهدين أو أباه أو عبدا له أو مكاتبا له ولا شاهد على رب الحائط غيرهما لم تجز شهادة هذا الذى يجر إلى نفسه أو إلى أحد ممن تجوز شهادته له نفعا لان الموجب للضمان على صاحب الحائط التقدم إليه في الهدم وهو منكر لذلك فشهادة الشهود عليه بهذا السبب كشهادتهم عليه بوجوب الضمان بسبب آخر ولو شهد عبدان أو صبيان أو كافران ثم عتق العبد وأسلم الكافر وأدرك الصبيان ثم وقع الحائط فاصاب انسانا فهو ضامن لذلك وكذلك ان كان السقوط قبل أن يعتقا أو يسلما أويدركا ثم كان ذلك قبل اداء الشهادة لما بينا أن المعتبر هو التقدم إليه والاشهاد عند ذلك محض تحمل فيكون صحيحا من هؤلاء وهم أهل للشهادة عند الاداء فوجب قبول شهادتهم وإذا شهد على اللقيط في حائطه ثم سقط فقتل رجلا فديته على بيت المال لانه متمكن من هدم حائطه فإذا لم يفعل حتى سقط كان بمنزلة جنايته بيده فتكون على بيت المال إذا لم يوال أحدا وكذلك الكافر يسلم ولم يوال أحدا فهو كاللقيط يعقل عنهما جنايتهما بيت المال وميراثهما لبيت المال وإذا مال الحائط على دار قوم فاشهدا عليه فهو ضامن لما أصاب عليه الحائط منهم أو من غيرهم لانه بميل الحائط شغل هواء ملكهم فتكون المطالبة بالتفريغ إليهم فإذا تقدموا إليه أو أحدهم صح التقدم ويكون هو في تركة التفريغ بعد ذلك جانيا وكذلك
[ 13 ] العلو إذا وهى فتقدم أهل السفل فيه إلى أهل العلو وكذلك الحائط يكون أعلاه لرجل وأسفله لاخر والفرق بينهما إذا مال الحائط إلى ملك انسان وبين ما إذا مال إلى الطريق في موضعين أحدهما التقدم إليه ها هنا لا يصح الا من المالك لانه أشغل بالحائط هواء ملكه بخلاف الاول والثانى ان صاحب الملك بعد ما تقدم إليه لو أخره أياما أو أبرأه من ذلك صح لان يتصرف في ملك نفسه بالاسقاط والتأخير وفي الطريق لو أخره الذى تقدم إليه فيه أو أبرأه هو أو غيره لم يصح ذلك لان الواحد ينوب عن العامة في المطالبة بحقهم لا في اسقاط حقهم وقد صحت المطالبة منه فلا معتبر باسقاطه بعد ذلك ولا بتأخيره وإذا مال الحائط المشترك بين اثنين إلى الطريق فتقدموا فيه إلى أحدهما ثم سقط فأصاب انسانا فانما يضمن الذى تقدم إليه نصف من ذلك إذا كان الحائط هو الذى أصابه كله وكذلك العلو والسفل إذا وهيا أو مالا إلى الطريق فتقدم إلى أحدهما فيه وهذا على القياس والاستحسان الذى ذكرنا في الورثة إذا مال حائط الرجل بعضه على الطريق وبعضه على دار قوم فتقدم إليه فسقط المائل إلى الدار على أهل الدار فهو ضامن له لانه حائط واحد فإذا أشهد على بعضه فقد أشهد على جميعه وإذا كان المتقدم إليه من أهل الدار فتقدمه إليه صحيح في جميع الحائط فيما مال إلى الدار باعتبار أنه المالك وفيما مال إلى الطريق باعتبار انه واحد من الناس فإذا كان الذى تقدم إليه من غير أهل الدار فتقدمه صحيح فيما مال منه إلى الطريق فإذا صح في بعضه صح في كله وإذا وهى بعض الحائط وما بقي منه صحيح غير واه فتقدم إليه فيه فسقط ما وهى وما لم يه فقتل انسانا فهو ضامن له لانه حائط واحد فإذا وهى بعضه وهى كله الا أن يكون حائطا طويلا بحيث لو وهى بعضه لم يه ما بقى منه وتفرق ذلك فحينئذ يضمن ما اصاب الواهي منه ولا يضمن ما اصاب الذى لم يهى منه لانه إذا كان بهذه الصفة فهو بمنزلنة حائطين والتقدم إليه انما يصح في الحائط المائل أو الواهي دون الحائط الصحيح فإذا أصاب الذي لم يه منه شيأ لم يكن به عليه ضمان لانه لم تتوجه عليه المطالبة بالهدم فيه قال وإذا كان سفل الحائط لرجل وعلوه لاخر وقد وهى فتقدم فيه اليهما ثم سقط العلو فقتل انسانا فالضمان على صاحب العلو لان العلو غير مدفوع بالسفل ولكنه ساقط بنفسه وقد صح التقدم فيه إلى صاحبه فيجعل صاحبه كالمتلف لما سقط عليه العلو قال وإذا استأجر الرجل اجراء
[ 14 ] يهدمون له حائطا فقتل الهدم من فعلهم رجلا منهم أو من غيرهم فالضمان عليهم والكفارة دون رب الدار لانهم مباشرون اتلاف من سقط عليه شئ من أيديهم في حالة العمل وإذا تقدم إلى المشترى للدار في حائط منها مائل وهو في خيار الشراء ثلاثة أيام ثم رد بالخيار بطل الاشهاد لانه أزال الملك بفسخ البيع فكأنه أزاله بالبيع ولو استوجب البيع لم يبطل الاشهاد لان التقدم إليه حين تقدم صحيح اما لان مالك أو لانه متمكن من هدم الحائط وقد تقرر ذلك باسقاط الخيار ولو كان أشهد على البائع في تلك الحالة لم يضمن لان البائع غير متمكن من هدم الحائط بعد ما أوجبنا البيع فيه مطلقا ولو كان الخيار للبائع فتقدم إليه فيه فان نقض البيع فالاشهاد صحيح لانه كان مالكا متمكنا من نقض الحائط وقد تقرر ذلك حين فسخ البيع وان أوجبه بطل الاشهاد لانه زال الحائط عن ملكه ولو تقدم إلى المشترى في تلك الحالة لم يصح التقدم لانه ما كان متمكنا من هدم الحائط يومئذ حتى ان البائع وان أوجب له البيع لم يكن على واحد منهما فيه ضمان ولو تقدم إلى رجل في حائط مائل له عليه جناح شارع قد أشرعه الذى باع الدار فسقط الحائط والجناح فان كان الحائط هو الذى طرح الجناح كان صاحب الحائط ضامنا لما أصاب ذلك لان الجناح مدفوع ها هنا والحائط بمنزلة الدافع له وقد صح التقدم في الحائط إلى صاحبه ولو كان الجناح هو الساقط وحده كان الضمان على البائع الذى أشرعه لان البائع كان متعديا في وضع الجناح وشغل هواء الطريق به والجناح الان هو الساقط مقصودا فكان ضمان ما تلف به على الذى وضع الجناح والله أعلم بالصواب (باب البئر وما يحدث منها) (قال رحمه الله) وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق المسلمين في غير فنائه فوقع فيها حرا وعبد فمات فضمان ذلك على عاقلة الحافر لحديث شريح فان عمرو بن الحارث حفرا بئرا عند درب أسامة فوقعت فيها بغلة فضمنه شريح قيمتها وكان قضاوه بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد منهم ذلك ولان الحافر بمنزله الدافع للواقع في مهواه فانه بفعله ازال المسكة عن الارض والادمي لا يستمسك الا بمسكة فازالة ما به كان مستمسكا ايجاد شرط الوقوع والحكم يضاف إلى الشرط مجازا عند تعذر اضافته إلى السبب والسبب ها هنا ثقل الماشي في
[ 15 ] نفسه ولا يمكن اضافة الحكم إليه إذ لاصنع لاحد من العباد فيه فيصير مضافا إلى الشرط ولان الحافر سبب لوقوعه وهو متعد في هذا السبب لانه أحدث في الطريق ما يتضرر به المارة ويخرج به ذلك الموضع من أن يكون ممرا لهم ثم الضمان على عاقلته لانه دون المخطئ وفعل المخطئ اتصل بالمتلف وفعل الحافر اتصل بالارض فما يجب على العاقلة من فعل المخطئ يجب على العاقلة ها هنا بطريق الاولى ولا كفارة عليه عندنا لما بينا انه ليس بقاتل مباشرة وقد يكون الحافر مبينا على وقوع الواقع في البئر فلا تلزمه الكفارة في ذلك وفي ظاهر الرواية أوجب الضمان على الحافر مطلقا وقال في النوادر هذا إذا مات من وقوعه في البئر فان سلم من ذلك فمات جوعا أو غما فلا شئ على الحافر في قول أبي حنيفه وقال أبو يوسف ان مات جوعا فكذلك وان مات غما فالحافر ضامن له وقال محمد هو ضامن في الوجوه كلها فأبو حنيفة يقول انما يصير هلاكه مضافا إلى الحافر إذا هلك بسبب الوقوع فيجعل الحافر كالدافع له فاما إذا طرأ عليه سبب آخر لهلاكه كالجوع الذى هاج من طبعه أو الغم الذى أثر في قلبه فانما يكون هلاكه مضافا إلى هذا السبب ولا صنع للحافر فيه وأبو يوسف لما سبب للغم سوى الوقوع في البئر فاما الجوع فله سبب آخر وهو بعد الطعام عنه واحترق معدته حتى لم يبق فيها شئ من مواد الطعام ومحمد يقول كل ذلك انما حدث بسبب الوقوع في البئر لولاه لكان الطعام قريبا منه والحافر متعد في ذلك السبب والحكم تارة يضاف إلى السبب بغير واسطة وتارة بواسطة فكذلك يضاف إلى الشرط تارة بواسطة وتارة بغير واسطة فان كان استأجر عليها اجراء فحفروها له فذلك على المستأجر ولا شئ على الاجر ان لم يعلموا أنها في غير فنائه لان عمرو بن الحرث كان من جملة الرؤساء ومعلوم أنه ما باشر الحفر بنفسه وانما استأجر الاجراء لذلك ثم ضمنه شريح وهذا لان الاجراء يعملون له ولهذا يستوجبون عليه الاجر وقد صاروا مغرورين من جهته حين لم يعلم ان ذلك الموضع ليس من فنائه وانما حفروا اعتمادا على أمره وعلى أن ذلك من فنائه فلدفع ضرر الغرور انتقل فعلهم إلى الامر فيصير كانه حفر بنفسه وان كانوا يعلمون أنها من غير فنائه فالضمان عليهم لانهم جناة في الحفر وأمره اياهم بالحفر غير معتبر شرعا لانه غير مالك للحفر بنفسه في هذا الموضع وانما يعتبر أمره لاثبات صفة الحل به ولدفع الغرور عن الحافر به وقد انعدما جميعا في هذا الموضع فسقط اعتبار أمره فكان الضمان على الذين باشروا الحفر وان كان في فنائه فهو على الامر دون الاجراء علموا أو لم
[ 16 ] يعلموا لان أمره في فنائه معتبر فان عند أبي يوسف ومحمد له ان يحفر في فنائه إذا كان لا يضر بالمارة وليس لاحد أن يمنعه من ذلك وعند أبي حنيفة يحل له ذلك فيما بينه وبين ربه ما لم يمنعه مانع وهذا لان الفناء اسم لموضع اختص صاحب الملك بالانتفاع به من حيث كسر الحطب وايقاف الدواب والقاء الكناسة فيه فكان أمره معتبرا في الحل وانتقل فعل الآمر إليه بهذا الامر فيصير كانه فعل ذلك بنفسه وان سقطت فيه دابة فعطبت فضمانه في ماله لان العاقلة لاتعقل المال وانما تعقل العاقلة النفوس من الاحرار والمماليك بدليل حالة الخطأ وإذا وقع فيها انسان متعمدا للسقوط فيها فلا ضمان على الحافر لانه أوقع نفسه فيها ولو أوقعه غيره لم يكن على الحافر شئ وهذا لان وضعه القدم على ذلك الموضع مع علمه تعد منه ومباشرة فعل القاء النفس في المهلكة وانما يضاف الحكم إلى الشرط إذا تعذر اضافته إلى السبب فأما مع امكان الاضافة إلى السبب فلا يضاف إلى الشرط قال وإذا استأجر الرجل أربعة رهط يحفرون له بئرا فوقعت عليهم من حفرهم فقتلت واحدا منهم فعلى كل واحد من الثلاثة الباقين ربع ديته وسقط الربع وكذلك لو كانوا أعوانا له لانه انما سقط عليهم ما سقط بفعلهم فكانوا مباشرين لسبب الاتلاف والقتيل أحد المباشرين فتوزع الدية عليهم ويسقط منه حصة القتيل بجنايته على نفسه ويبقى حصة الثلاثة بجنايتهم عليه والاصل ماروى ان عشرة نفر مدوا الحلة فسقطت على أحدهم فقتلته فقضى على رضى الله عنه على كل واحد من التسعة بعشر الدية وأسقط العشر حصة المقتول وعن الشعبي أن عليا رضى الله عنه قضى في القارصة والواقصة والقامصة بالدية أثلاثا وتفسير ذلك ان ثلاث جوار كن يلعبن فركبت احداهن صاحبتها فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت المركوبة ووقعت الراكبة فاندقت عنقها فقضى علي رضى الله عنه بثلث الدية على القارصة وبالثلث علي الغامصة واسقط الثلث حصة الواقصة وان كان الذى يحفر بئرا في فنائه فضمان ما يقع فيها على الحافر ولو كان في غير فنائه فالضمان في رقبة العبد يدفع به أو يفدى ولم يفضل هاهنا بين أن يكون العبد عالما بذلك أو غير عالم بخلاف الحر والفرق هناك لمعنى الغرور ولا غرور بين العبد وسيده فان قرار الضمان في الفصلين على السيد فلهذا جعل فعل عبده بامره كفعله بنفسه وإذا حفر بئرا في الطريق ثم جاء آخر فحفر منها طائفة في أسفلها ثم وقع فيها انسان فمات فانه ينبغى في القياس أن يضمن الاول كانه الدافع وبه يأخذ محمد لان الاول بما حفر من وجه الارض يصير كالدافع لمن سقط في
[ 17 ] القعر الذى حفره صاحبه ولم يبين جواب الاستحسان فيه والاستحسان الضمان عليهما لان هلاكه كان بسبب فعلهما فان الواقع في البئر انما يهلك عند عمق البئر واتمام ذلك بفعل الثاني وقد انضم فعله إلى فعل الاول في تمام شرط الاتلاف فيكون الضمان عليهما ولكنه أخذ بالقياس لان وجه القياس أقوى فان التعدي في التسبيب من حين ازالة المسكة عن وجه الارض واخراج ذلك الموضع من أن يكون ممرا وانما حصل ذلك بفعل الاول ولو وسع أحد رأسها فوقع فيها انسان فمات كان الضمان عليهما نصفين وتأويل هذا أن الثاني وسع ورأسها قليلا على وجه يعلم ان الساقط انما وضع قدمه في موضع بعضه من حفر الاول بعضه من فعل الثاني فاما إذا وسع رأسها كثيرا على وجه يعلم انه انما وضع قدمه في الموضع الذى حفره الثاني فالضمان على الثاني لان الثاني كالدافع للواقع بما حفر في البئر الذى حفرها الاول والضمان على الدافع وان علم أن الواقع انما وضع قدمه فيما حفر الاول خاصة فالضمان على الاول لانه هو الذى أوجد شرط وقوعه حين أزال المسكة عن الموضع الذى وضع فيه قدمه ولو حفر بئرا في الطريق ثم سدها بطين أو تراب أو جص فجاء آخر فاحتفرها فوقع فيها انسان فمات كان الضمان على الثاني لان الاول نسخ فعله لانه طمها بما تطم الآبار فعاد ذلك الموضع أرضا كما كان وانما الثاني هو الحافر للبئر في هذا الموضع ولو سد الاول رأسها واستوثق منها فجاء الاخر فنقض ذلك كان الضمان على الاول لان فعل الاول ما انتسخ فانها بئر وان سد رأسها الا أنه استتر بما فعل والثانى انما أظهر فعل الاول فيبقي الضمان على الاول وهذا لان ما فعله الثاني من فتح رأس البئر غير موجب لهلاكه لولا البئر في ذلك الموضع بخلاف الاول فما فعله الثاني هناك موجب هلاك الواقع في البئر وان لم يوجد الفعل من الاول أصلا وكذلك إذا جعل فيها طعاما أو متاعا أو ما أشبه ذلك مما لا تسد به الابار فجاء انسان واحتمل ذلك ثم وقع فيها انسان فالضمان على الاول لان حكم فعله لم ينسخ بما صنع فان ذلك الموضع بئر وان جعل فيها الطعام وفعل الاول كان حفر البئر وما بقى اسم البئر في ذلك الموضع بقى حكم فعله فكان الضمان عليه ولو تعقل بحجر فسقط في البئر كان الضمان على واضع الحجر لانه متعد في احداث الحجر في الطريق فيصير به كالدافع لمن وقع في البئر بمنزلة ما لو دفعه بيده فان لم يكن وضع الحجر أحد فان كان شى آخر من شفير البئر أو جاء به سيل فالضمان على حافر البئر لان التعقل بالحجر هاهنا غير صالح لاضافة الحكم إليه حين لم
[ 18 ] يكن بصنع أحد من العباد فبقي الحكم مضافا إلى البئر ولو وضع رجل في هذه البئر حجرا أو حديدا فوقع فيها انسان فقتله الحجر أو الحديد كان الضمان على الحافر لانه بمنزلة الدافع للواقع على الحجر أو الحديد وانما يضاف الاتلاف إلى الدافع وإذا حفر انسان بئرا في الطريق فوقع فيها رجل فقطعت يده ثم خرج منها فشجه رجلان فمرض من ذلك ثم مات فالدية عليهم أثلاثا لان ما حصل من الجراحة بالوقوع في البئر مضاف إلى الحافر فكأنه فعل ذلك بيده والمعتبر عدد الجناة لاعدد الجنايات (ألا ترى) أنه لو قطع يديه رجلان وشجه رجل آخر فمات من ذلك كانت الدية عليهم أثلاثا وكذلك لو أن اللذين قطعا يديه شجه أحدهما شجة أخرى لان المعتبر عدد الجناة فقد يتلف المرء من جراحة واحدة ويسلم من عشر جراحات ولو كان أحدهم جرحه جرحين أو ثلاثة وجرحه الاخر جراحة صغيرة كانت الدية على عدد الرجال ولا يكون على عظم الجراحة ولا على صغرها ولا على عدد جراحها لان كل جراحة علة تامة للاتلاف وبكثرة العلل في حق الواحد لا يزداد معنى باضافة الحكم إليها وإذا وقع الرجل في بئر في الطريق فتعلق باخر وتعلق الاخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا ولم يقع بعضهم على بعض فدية الاول على ذلك حفر البئر ودية الثاني على الاول المتعلق به ودية الثالث على الثاني والحاصل ان المسألة على وجهين * أحدهما ان يعلم انهم كيف ماتوا بان خرجوا من البئر أحياء واخبروا بذلك فنقول في هذا الوجه موت الاول على سبعة أوجه أحدهما أن يكون مات بوقوعه في البئر فديته على عاقلة الحافر لانه كالدافع له في مهواة والثانى أن يموت من وقوع الثاني عليه فدمه هدر لانه هو الذى جر الثاني على نفسه فيكون متلفا نفسه والثالث أن يموت من وقوع الثالث عليه فتكون ديته على الثاني لانه هو الذى جر الثالث والرابع أن يموت من وقوعه في البئر ووقوع الثاني عليه فيجب نصف ديته عليه ويهدر نصفها لانه جنى على نفسه وجنى عليه الحافر والخامس أن يموت بوقوعه في البئر ووقوع الثالث عليه فتكون ديته على الحافر وعلى الثاني نصيفن لان الثاني جان عليه بجر الثالث والحافر جان بالحفر والسادس أن يموت من وقوع الثاني والثالث عليه فيهدر نصف دمه ويجب نصف ديته على الثاني لانه جنى على نفسه وجنى عليه الثاني والسابع أن يموت من وقوعه في البئر ومن وقوع الثاني والثالث عليه فيجب ثلث ديته على الحافر وثلثها على الثاني بجر الثالث عليه ويهدر ثلثها لانه بجنايته على نفسه بجره الثاني عليه وأما الثاني فلموته وجوه ثلاثة أحدها أن يكون مات بسبب الوقوع فتكون ديته على
[ 19 ] عاقلة الاولى لانه هو الذى جره إلى مهواة فيكون بمنزلة الدافع له والثانى أن يموت من وقوع الثالث عليه فيكون دمه هدرا لانه هو الذى جر الثالث على نفسه والثالث أن يموت من الوقوع في البئر ووقوع الثالث عليه فيجب نصف ديته على الاول ويهدر نصف ديته بجنايته على نفسه وأما الثالث فلموته سبب واحد وهو أن يموت بوقوعه في البئر فتكون ديته على عاقلة الثاني لانه هو الذى جره في مهواة * وأما الوجه الثاني وهو انه إذا ماتوا في البئر ولا يعلم كيف ماتوا فان لم يقع بعضهم على بعض فدية الاول على الذى احتفر البئر لانه لاسبب لموته سوى الوقوع في البئر والاول هو الذى أوقعه حين جره إلى مهواة وان وجد بعضهم على بعض موتى ولا يعلم كيف كان حالهم فالقياس وهو قول محمد ان صاحب البئر يضمن الاول ويضمن الاول الثاني ويضمن الثاني الثالث على عواقلهم لان وقوع الاول في البئر سبب لهلاكه وهو أسبق الاسباب وقد ظهر الحكم عقيبه فيكون مضافا إليه ولا يعتبر احتمال موته من وقوع الثاني أو الثالث عليه لان هذا الاحتمال ترجح بالسبق والسابق وقوعه في البئر وكذلك في حق الثاني أسبق الاسباب الوقوع في البئر وهو مضاف إلى الاول وفي حق الثالث لا سبب لموته سوى الوقوع في البئر وهو مضاف إلى الاول فضمانه على الثاني وقال وفيها قول آخر ولم يبين من قائل هذا القول وقيل هو قول أبي يوسف وقيل هو قول أبي حنيفة أيضا ان دية الاول أثلاث فثلثها على الحافر وثلثها على الثاني وثلثها هدر لانه ظهر بموته أسباب ثلاثة وقوعه في البئر ووقع الثاني والثالث عليه وليست الاضافة إلى البعض باولى من البعض فالترجيح في هذا لا يقع بالسبق كما في الجراحات فيكون ثلث ديته على الحافر وثلثه على الثاني لانه جر الثالث إليه وثلثه هدر لانه هو الذى جر الثاني عليه ودية الثاني نصفين نصفه هدر ونصفه على الاولى لانه ظهر لموته سببان فيضاف اليهما ودية الثالث على الثاني كلها لانه لا سبب لموته سوى جر الثاني اياه إلى نفسه قال فإذا لم يعرف من أي ذلك ماتوا يبطل نصف ذلك ويؤخذ بالنصف قيل ليس مراده حقيقة المناصفة بل مراده التبعيض والانقسام في حق الاول أثلاثا فان كان مراده المناصفة فانما أراد به في حق الثاني خاصة لانه لاشك ان جميع دية الثالث واجب على الثاني في الاحوال كلها قال في الزوائد وبهذا القول نأخذ وإذا دفع رجل رجلا في بئر في ملكه أو في الطريق فالضمان على الدافع لانه مباشر لاتلافه ومباشرة
[ 20 ] القتل لا تختلف في الملك وغير الملك كالدم وإذا سقط الرجل في بئر في الطريق فقال الحافر ألقى نفسه فيها عمدا وقال ورثة الرجل كذب فالقول قول الحافر وهذا قول أبى يوسف الاخر وهو قول محمد وكان يقول أولا القول قول الورثة لان الظاهر يشهد لهم فالانسان لا يلقى نفسه في البئر عمدا في العادة فعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر ثم رجع فقال الضمان بالشك لا يجب والظاهر انما يكون حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق وحاجة الورثة هاهنا إلى الاستحقاق وهو استحقاق الدية على عاقلة الحافر فلا يكفيهم الظاهر لذلك بل يحتاجون إلى اقامة البينة على انه وقع فيها بغير عمد وهذا الظاهر يقابله ظاهر آخر وهو ان الظاهر ان البصير يرى البئر امامه في ممشاه فيتقابل الظاهران ويبقى الاحتمال في سبب وجوب الضمان فلا نوجبه بالشك وإذا أمر المولى عبده أن يحفر بئرا في الطريق ليس عنده داره فحفرها كان ما وقع فيها رقبة العبد يدفعه به المولى أو يفديه وقد بينا الفرق بين هذا وبين الحر من حيث ان الغرور لا يتمكن بين المولى وبين عبده ولو استأجر عبدا محجورا عليه وحرا ومكاتبا يحفرون له بئرا فحفروها فوقعت عليهم من حفرهم فماتوا فلا ضمان على المستأجر في الحر والمكاتب وهو ضامن لقيمة العبد المحجور عليه يؤديها إلى مولاه لانه صار غاصبا للعبد بالاستعمال والعبد المحجور يضمن بالغصب بخلاف الحر والمكاتب فهو ضامن فإذا ماتوا في حالة ما كان مستعملا لهم كان عليه ضمان قيمة العبد ثم هذه القيمة بدل عن العبد والعبد الجاني إذا أخلف بدلا يتعلق حق أولياء الجناية بذلك البدل فنقول في بيان حكم الجناية ان موتهم حصل من فعلهم فكل واحد منهم يكون جانيا على نفسه وعلى صاحبه فينقسم فعل كل واحد منهم أثلاثا فالعبد المحجور أتلف ثلث الحر فيرجع وليه بثلث دية الحر في قيمة العبد وأتلف ثلث المكاتب فيرجع ولي المكاتب بثلث قيمة المكاتب في تلك القيمة فيقسمون القيمة التى أخذها مولاه على ذلك الا أن تكون القيمة أكثر فيكون الفضل للمولى لان كل واحد منهما استوفى كمال حقه ثم يرجع المولى على المستأجر بما أخذوا منه من القيمة لانه كان غصب العبد فارغا وقد رد عليه القيمة مشغولا بجناية كانت من العبد في يده فإذا استحقت بذلك الشغل كان له أن يرجع بها مرة أخرى لتسلم له قيمة عبده فارغا ثم المستأجر قد ملك العبد حين تقرر عليه ضمانه من وقت الغصب وقد تلف ثلث نفسه بجنايته على نفسه فيكون هدرا وثلثه بجناية الحر عليه فيرجع المستأجر على عاقلة الحر بثلث قمية العبد وكذلك أولياء
[ 21 ] المكاتب يرجعون على عاقلة الحر بثلث قيمة المكاتب لان ثلث نفسه تلف بجناية الحر فيجمع اما أخذ أولياء المكاتب إلى ما تركه فينظر قيمته من ذلك فيقرر فيخرج ويضرب فيها أولياء الحر يثلث دية الحر والمستأجر بثلث قيمه العبد لان المكاتب جنى على ثلث الحر وعلى ثلث العبد ولكن جناية المكاتب توجب عليه الاقل من قيمة نفسه ومن الارش فإذا كانت قيمة نفسه أقل كان المستوفى من تركته قيمته يضرب كل واحد منهما فبها بجيمع حقه ولو استأجر حرا وعبدا يحفران له بئرا فوقعت عليهما فماتا وللعبد موليان قد أذن له أحدهما ولم يأذن له الاخر فلا ضمان على المستأجر في الحر ولا في نصيب الاذن من العبد وهو ضامن لنصف قيمة العبد نصيب الذى لم يأذن له لان الغصب بالاستعمال انما يتحقق في هذا النصف ثم يرجع فيه ورثة الحر بربع دية الحر لان العبد كله متلف لنصف الحر فان موت كل واحد منهما حصل بفعلهما جميعا فهذا النصف من العبد انما جنى على ربع الحر وقد مات وأخلف بدلا فترجع ورثة الحر في ذلك البدل بربع دية الحر ويرجع المولى الذى لم يأذن له بما أخذ منه من ذلك النصف على المتسأجر لانه أعطاه نصف القيمة مشغولا فإذا استحق بذلك بشغل صار كانه لم يعطه شيأ فرجع به مرة أخرى ليسلم له نصف قيمة العبد فارغا ثم المستأجر قد ملك هذا النصف بالضمان وقد تلف نصف هذا النصف بجناية الحر فيرجع المستأجر على عاقلة الحر بربع قيمة العبد فيسلم له ذلك ويرجع الاذن للعبد على عاقلته الحر بربع قيمة العبد ثم هذا النصف من العبد كان جني على ربع الحر وقد فات وأخلف بدلا فيرجع ورثة الحر في ذلك الربع بربع دية الحر ولو كان العبد مأذونا له في التجارة كان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لان معنى الغصب هاهنا قد انعدم وانما يبقي حكم الجناية وقد جنى كل واحد منهما على نصف صاحبه فيكون على عاقلة الحر نصف قيمة العبد ثم يرجع بذلك ورثة الحر على مولى العبد فيأخذونه بنصف الدية فان العبد قد جنى على نصف الحر وقد فات وأخلف هذا البدل ولا شئ على المستأجر لانه كان يضمن فيما سبق باعتبار الغصب وقد انعدم ذلك حين كان العبد مأذونا له ولو أستأجر عبدين أحدهما مأذون له والاخر محجور عليه فحفرا بئرا فوقعت عليهما فمات فان المستأجر يضمن قيمة المحجور عليه لمواليه لانه غاصب له باستعماله ثم يرجع مولى المأذون له بنصف قيمته في تلك القيمة لان المحجور كان جنى على نصف المأذون وقد مات وأخلف قيمة فيرجع مولي المأذون في تلك القيمة بنصف قيمة المأذون ثم يضمن المستأجر لمولي المحجور عليه ما أخذ منه في ذلك لان
[ 22 ] لان المأخوذ استحق بسبب الجناية التى كانت من العبد في يده ثم المستأجر ملك العبد المحجور عليه بالضمان وقد جنى المأذون على نصفه ثم مات المأذون وأخلف نصف القيمة فيرجع المستأجر عليه بنصف قيمة المحجور عليه فيما أخذه مولى المأذون حتى يسلم له نصف قيمة المحجور عليه وإذا احتفر الرجل بئرا في دار لا يملكها بغير اذن أهلها فهو ضامن لما وقع فيها لانه متعد بالحفر في ملك الغير كما هو متعد بالحفر في الطريق فان أقر رب الدار انه أمره بذلك لم يصدق في القياس لان الضمان قد وجب على عاقلة الحر وهو بقوله يريد اسقاط ذلك الضمان ولا ولاية له على أولياء المقتول في اسقاط حقهم وفى الاستحسان القول قوله ولاضمان على أحد لان رب الدار أقر بما يملك انشاءه فانه لو أذن له بالحفر الان في ملكه صح اذنه ومن أقر بما يملك انشاءه يكون مصدقا في ذلك فكان الثابت من الاذن باقراره كالثابت بالبينة والحافر يخرج به من أن يكون متعديا فإذا احتفر الرجل بئر في طريق مكة أو في غير ذلك من الفيا في فلا ضمان عليه في ذلك لانه غير متعد بالحفر في ذلك الموضع إذا لا يتضرر به أحد ولهذا قال أبو يوسف ومحمد رحمها الله يملك بالحفر موضع بئره وما حوله من الحريم وعند أبى حنيفة رحمه الله كذلك إذا كان حفر باذن الامام فعرفنا انه غير متعد في هذا الحفر فهو كالحافر في ملكه (ألا ترى) انه لو ضرب هناك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز فيه أو ربط هناك دابته لم يضمن ما أصاب من ذلك من بمنزلة مالو فعله في ملكه وهذا إذا كان في غير المحجة فاما إذا احتفر في محجة الطريق فهو ضامن لما يقع فيه لان الحق في ذلك الموضع للعامة فالتصرف فيه بمنزلة التصرف في الامصار والله أعلم (باب النهر) (قال رحمه الله) وإذا احتفر الرجل نهرا في ملكه أو جعل عليه جسرا أو قنطرة في أرضه فعطب به انسان فلا ضمان عليه لانه غير متعد فيما أحدثه في ملكه والمسبب إذا لم يكن متعديا لا يكون ضامنا وإذا حفر البئر في ارض غيره فهو بمنزلة البئر فيكون ضامنا لكونه متعديا في السبب وكذلك لو جعل عليه جسرا أو قنطرة في غير ملكه والجسر اسم لما يوضع ويرفع فلا يرجع والقنطرة ما يحكم بناؤه وعن أبى يوسف انه لا يكون ضامنا في هذا وان أحدثه في غير ملكه إذا كان بحيث لا يتضرر به غيره لانه محتسب فيما صنع فان الناس ينتفعون بما أحدثه
[ 23 ] فلا يكون هو متعديا فيه ولكنا نقول انما يكون محتسبا إذا جعله باذن الامام بمنزلة حفر البئر فانه محتسب فيه أيضا في الموضع الذى يحتاج إليه الناس ومع ذلك إذا فعله بغير اذن الامام كان ضامنا لما يعطب به فان مشى على جسره انسان متعمدا لذلك فانخسف به فلا ضمان عليه لان هذا تعمد المشى عليه فيعتبر وقوعه مضافا إلى فعله لا إلى تسبب من اتخذ الجسر ولو حفر نهرا في غير ملكه فانشق من ذلك النهر ماء فغرق ارصا أو قرية كان ضامنا لذلك لانه أسال الماء في غير ملكه فاما أن يقال هو متعد فيه أو يقال هو مباح له ولكنه مقيد بشرط السلامه والتلف بهذا مما يمكن التحرز عنه فكان ضامنا كالمشى والسير على الدابه في الطريق ولو كان في ملكه لم يضمن شيئا لان ذلك مباح له مطلق وكذلك لو سقى أرضه فخرج الماء منها إلى غيرها لم يضمن لان سقى أرضه تصرف في ملكه وذلك مباح له مطلقا وكذلك لو أحرق حشيشا في أرضه أو حصائد أو أجمه فخرجت النار إلى أرض غيره وأحرقت شيأ فلا ضمان عليه لان هذا التصرف في ملكه مباح له مطلقا وقال بعض المتأخرين هذا إذا كانت الرياح ساكنة حين أوقد النار فأما إذا كان اليوم ريحا على وجه يعلم أن الريح يذهب بالنار إلى أرض جاره فهو ضامن استحسانا بمنزلة من صب الماء في ميزاب له وتحت الميزاب متاع لانسان يفسد به قال هو ضامن فكذلك يوقدها الرجل في داره أو تنوره فلا ضمان عليه فيما احترق لان هذا التصرف في ملكه مباح له مطلقا وكذلك لو حفر نهرا أو بئرا في داره فنزت من ذلك أرض جاره لم يضمن بهذا السبب شيأ ولا يؤمر بان يحول ذلك عن موضعه لانه أحدثه في ملكه الا انه بقى فيما بينه وبين ربه ان يكف عما يؤذى جاره فأما الحكم فانه لا يؤمر أن يحوله ان يشاء ولو صب الماء في ملكه فخرج من صبه ذلك إلى ملك غيره فأفسده كان هذا والاول في القياس سواء الا ان صب الماء في ملكه مباح مطلقا غير أن الاخذ بالقياس هاهنا يقبح لان الماء سيال بطبعه فإذا كان عند صب الماء يعلم انه يسيل إلى ملك جاره يكون ضامنا لما يفسد به استحسانا (ألا ترى) انه لو صبه في ميزاب له فأفسد متاعا له تحته يكون ضامنا ويعد ذلك من جنايته بمنزلة مباشرته بيده وكذلك الجواب فيما يشبهه والله أعلم (باب ما يحدث في المسجد والسوق) (قال رحمه الله) وإذا احتفر أهل المسجد فيه بئر الماء المطر أو وضعوا فيه حبا فصب
[ 24 ] فيه الماء أو طرحوا فيه بوارى أو حصى أو ركبوا فيه بابا أو علقوا فيه قناديل أو ظللوه فلا ضمان عليهم فيما عطب بذلك لان هذا النوع من التصرف مباح لاهل المسجد في مسجدهم مطلقا فان حق التدبير في المسجد فيما يرجع إلى الاصلاح إليهم على الوجه الذى يكون للمالك في ملكه فكما ان المالك لا يكون جانيا باحداث شئ من هذا في ملكه فكذلك اهل المسجد في مسجدهم وكذلك ان فعله غيرهم باذنهم لا يكون فعل المأذون من جهتهم كفعلهم وان فعل بغير أمرهم فهو ضامن في قول أبي حنيفة وهو القياس وفي قول أبي يوسف ومحمد إذا كان مسجدا للعامة فلا ضمان عليه فيه استحسانا الا البناء والحفر وجه قولهما ان هذا مما يرجع إلى اصلاح المسجد وعمارة المسجد مما ندب الله إليها كل مسلم قال الله تعالى انما يعمر مساجد الله الآية ثم بتعليق القنديل وبسط الحصر يتمكن الناس من اقامة الصلاة في المسجد وغير أهل المسجد سواء في اقامة الصلاة فيه فكذلك فيما يرجع إلى التمكن منه الا أن أهل المسجد أخص بالتدبير فهم في ذلك كالملاك وغيرهم كالسكان نحو المستعير والمستأجر في الدار ثم المستعير لا يكون جانيا في وضع الامتعة وصب الماء ونصب القنديل في الدار ويكون جانيا في البناء وحفر البئر بغير اذن صاحب الدار فكذلك غير أهل المسجد في المسجد وهذا لان المسجد معد للصلاة فيه والبناء والحفر يخرج ذلك الموضع من أن يكون مصلى فيكون ذلك من باب التدبير لا من باب التمكين من اقامة الصلاة فيه فيختص به أهل المسجد دون غيرهم فيكون جانيا إذا فعله بغير امرهم واذنهم فاما بسط الحصير ونصب القنديل فمن باب التمكين من اقامة الصلاة فيه فغير أهل المسجد فيه كاهل المسجد وابو حنيفة يقول اختص اهل المسجد بالتدبير في هذه البقعة فغيرهم إذا أراد شيأ من ذلك يباح له فعله ولكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي والسير على الدابة في الطريق والدليل على اختصاص أهل المسجد به أن التدبير في فتح الباب واغلاقه ونصب الامام والمؤذن والمتولي يكون إلى أهل المسجد دون غيرهم فانه لو وجد في مسجدهم قتيل كان ذلك عليهم خاصة دون غيرهم والدليل عليه البناء والحفر فان أهل المسجد هم المختصون بذلك وإذا فعله غيرهم وكان فيه اصلاح للمسجد كان مباحا لهم ولكنه مقيد بشرط السلامة ولا يبعد ان يكون المسلمون فيما هو المقصود وهو الصلاة فيه سواء ثم مع ذلك يختص أهله بالتدبير فيه كالكعبة فالناس فيما هو المقصود هو الطواف سواء وقد اختص بنو شيبة بالتدبير فيها حتى ان النبي عليه الصلاة والسلام لما أخذ المفتاح منهم يوم الفتح عليه الوحي يأمره بالرد قال الله
[ 25 ] تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا قعد الرجل في مسجد لحديث أو نام فيه في غير صلاة أو مر فيه فهو ضامن لما أصاب كما يضمن في الطريق الاعظم في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا ضمان عليه فيه لانه لو كان مصليا في هذه البقعة لم يضمن ما يعطب به فكذلك إذا كان جالسا فيه لغير الصلاة بمنزلة الجالس في ملكه وهذا لان الاعتكاف في المسجد قربة كالصلاة والمعتكف يتحدث وينام في المسجد والجلوس لانتظار الصلاة مندوب إليه قال عليه السلام المنتظر للصلاة في الصلاة مادام ينتظرها وندب رسول الله ﷺ إلى الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وكذلك الجلوس في المسجد لتعليم العلم وتعلمه مندوب إليه فيكون ذلك مباحا مطلقا والمطلق لا يكون سببا لوجوب الضمان على الحر وأبو حنيفة يقول المسجد معد للصلاة والقعود والنوم فيه لغير الصلاة مقيد بشرط السلامة كالطريق فانه معد للمشى فيه فالجلوس أو النوم فيه وان كان لا يضر بالمارة يتقيد بشرط السلامة والدليل عليه أن يجلس في المسجد للصلاة إذا احتاج من يصلي في ذلك الموضع إلى ازعاجه ليصلى كان له ذلك شرعا وليس لغير المصلى أن يزعج المصلي عن مكانه فعرفنا انه معد للصلاة فيه فشغله بغير ذلك يتقيد بشرط السلامة وان كان ذلك مباحا أو مندوب إليه ولا يكون هذا أقوى من الرمي إلى الكافر أو العبد فانه مباح أو مندوب إليه ومع ذلك إذا أصاب مسلما كان ضامنا له ولا خلاف انه إذا مشى في المسجد فأوطأ انسانا أو نام فيه فانقلب على انسان فهو ضامن له لاتلافه وبمثل هذا السبب يضمن في ملكه ففي المسجد أولى وإذا احتفر الرجل في سوق العامة بئرا أو بنى فيها دكانا بغير أمر السلطان فهو ضامن لما عطب به من شئ لانه متعد في هذا السبب فالحق بالطريق العامة وما يكون حقا لعامة المسلمين فالتدبير فيه إلى الامام فإذا أحدثه بغير اذن الامام كان متعديا وإذا فعله بامر السلطان لا يكون متعديا في هذا التسبب فلا يكون ضامنا بمنزلة ما لو قتله بملكه وإذا أوقف دابة في السوق فما أصابت دابته فهو ضامن له ولانه متعد بايقافها في الطريق فان ذلك يحول بين المارة والمرور في ذلك الموضع وان كان موقفا تقف فيه الدواب للبيع وقد أذن له السلطان في ذلك فاوقف فيه الدابة لم يكن ضامنا فيما أصابت الدابة وان لم يكن السلطان أذن فيه فهو ضامن لان باذن السلطان يصير ذلك الموضع معدا لايقاف الدواب فيه فيكون ايقافها فيه بمنزلة ايقافها في ملكه فاما
[ 26 ] بدون اذن السلطان فهو ممر وليس بموضع لايقاف الدابة فإذا أوقف فيه دابته أو أرسلها فيه كان ضامنا لما تلف به وان لم يكن هو أوقفها ولا أرسلها فيه فلا ضمان عليه لانها دابة منفلتة فجرحها هدر والقول في ذلك قوله مع يمنيه مع انه ينكر وجوب الضمان عليه في الموضع المعد لايقاف الدواب إذا سار على دابته فيه لم يكن ضامنا للنفحة بالرجل والذنب لان هذا جزء من الطريق كسائر أجزاء الطريق فالسير فيه يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن فإذا أنكر أن يكون أرسلها فهو ينكر وجوب الضمان عليه والمدعي يدعي ذلك فكان القول فيه قوله مع يمينه والله أعلم (باب جناية العبد) (قال رحمه الله) وإذا جنى العبد جناية خطأ فمولاه بالخيار ان شاء دفعه بها وان شاء فداه بالارش عندنا وعند الشافعي جنايته تكون دينا في رقبته يباع فيه الا أن يقضي المولى دينه ومذهبنا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يخير المولى ففي خطأ عبده بين الدفع والفداء ومذهبه مروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما فانهما قالا عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في قيمهم وانما أراد بالقيمة النمن وجه قوله ان هذا فعل موجب للضمان فإذا تحقق من العبد كان الضمان الواجب به دينا في رقبته يباع فيه بمنزلة استهلاك الاموال وهذا لان العبد لاعاقلة له وضمان الجناية في حق من لا عاقلة له بمنزلة ضمان المال فيكون واجبا في ذمة العبد ويكون شاغلا لمالية رقبته فيباع فيه الا أن يقضي المولى دينه * وحجتنا في ذلك أن المستحق بالجناية على النفوس نفس الجاني إذا أمكن (الا ترى) ان في جناية العمد المستحق نفس الجاني قصاصا حرا أو عبدا فكذلك في الخطأ الا أن استحقاق النفس نوعان أحدهما بطريق الاتلاف عقوبة والاخر بطريق التملك على وجه الجبر ان الحر من أهل أن يستحق فيه بطريق العقوبة لا بطريق التمليك والعبد من أهل ان يستحق نفسه بالطريقين جميعا فيكون العبد مساويا للحر في حالة العمد ويكون مفارقا له في حالة الخطأ لان عذر الخطأ لايمنع استحقاق نفسه تمليكا والسبب يوجب الحكم في محله وفي حق الحر لم يصادف محله وفي حق العبد السبب صادف محله فيكون مقيدا حكمه وهو ان نفسه صارت متسحقة للمجني عليه تمليكا ليتحقق معنى الصيانة عن الهدر الا ان يختار المولى الفداء فيكون له ذلك لا مقصود المجني عليه يحصل به وبدل المتلف يصل
[ 27 ] إليه بكماله بخلاف اتلاف المال فالمستحق به بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يستحق به بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يتسحق به نفس المتلف بحال والطريق الثاني ان موجب جناية الخطأ يتباعد عن الجاني لكونه معذورا في ذلك ويكون الخطأ موضوعا شرعا ويتعلق باقرب الناس لاظهار صيانة المحل المحترم والتخفيف على المخطئ (ألا ترى) ان في حق الحر تجب على عاقلته لهذا المعنى فكذلك في حق العبد الا أن عاقلة العبد مولاه لان الحر مستنصر بعاقلته ومزاد قوة وجرأة بهم كما أن المملوك يستنصر بمولاه فيجب ضمان جنايته على المولى الا أن للمولى أن يقول انما لحقني هذا البلاء بسبب ملكي فيه فلى أن اتخلص عنه بنقل ملكي فيه إلى المجني عليه فأدفعه بالجناية فإذا دفعه صار كالمجني عليه هو المالك فلا يجب شئ آخر عليه بالجناية وإذا لم يدفعه كان الرد عليه بخلاف ضمان المال فانه يجب في ذمة المتلف ولا يخاطب غيره كما في حق الحر إذا عرفنا هذا فنقول لا شئ على المولى في ذلك حتى يظهر حال المجني عليه اعبتارا لجناية العبد بجناية الحر وقد بينا أن هذا يتأتى في جناية الحر لان موجبها يختلف بالسراية وعدم السراية فلا يصير ذلك معلوما قبل الاستيفاء والقضاء بالمجهول غير ممكن ثم الواجب هاهنا الدفع أو الفداء والمولى يخير في ذلك واختلافه بالبراء والسراية والخطأ والعمد في ذلك سواء ما لم يبلغ النفس لما بينا أنه لاقصاص بين العبيد والاحرار فيما دون النفس فيكون موجب جنايته فيما دون النفس المال بكل حال فلهذا كان العمد والخطأ فيه سوا فإذا بلغ النفس وهو عمد ففيه القصاص ووجوب القصاص باعتبار انه نفس مخاطبة والمملوك في ذلك كالحر والمستحق بالقصاص دمه والمملوك في حكم الدم مبقي على الحرية ولهذا استحق المولى عليه القصاص إذا تقرر سببه كما يستحق غيره والصغير من الجراحات في ذلك والكبير سواء على الحر والمملوك والذكر والانثى بمنزلة الموجود من الحر فكما أن هناك لا يتلف موجب الجناية بهذه الاسباب فكذلك بجناية العبد ولا تعقل العاقلة شيأ من جناية العبد والمدبر وأم الولد لان المستحق بالجناية نفسه ونفسه غير مملوكة للعاقلة والمولى ولان المولى في كونه مخاطبا بجناية العبد بمنزلة العاقلة ولا يتحمل غير العاقلة عواقلهم فكذلك لا يتحمل جناية العبد عاقلة مولاه بل سبب وجوب ذلك على المولى ملكه رقبته وكسبه وهو مختص بذلك دون عواقله ولهذا لم يكن على المولى موجب جناية المكاتب لانه لا يملك كسبه بل المكاتب أحق بمكاسبه فيكون موجب جنايته عليه دون مولاه والمستسعى في بعض قيمته
[ 28 ] عند أبي حنيفة كالمكاتب فاما جناية العبد على الحيوان والعروض فتكون دينا في عنقه تقضى من كسبه أو يباع فيها وكذلك لو وطئ امرأة مكرهة فذلك دين في عنقه يباع فيه لان المستوفى بالوطئ مما يملك بالعقد سواء كان في حكم المنفعة أو في حكم العين فيكون بمنزلة المال (ألا ترى) انه لو كان الملتزم بذلك حرا كان عليه في ماله دون عواقله وطئ امرأة بشبهة أو مستكرهة وسقط الحد للشبهة فكذلك العبد إذا فعل ذلك يكون دينا في ذمته والدين عليه يكون شاغلا لمالية رقبته ولا تعقل العاقلة كما لو جنى على المماليك خطأ فيما دون النفس وان كان الجاني حرا لان المملوك فيما دون النفس بمنزلة المال (ألا ترى) انه لا يتعلق به القصاص بحال لان فيما دون النفس المتلف جزء من الجسم والجسم بدخل تحت القهر والاستيلاء فيصير مملوكا مالا فيكون اتلافه في حكم اتلاف المال فيجب فيه الضمان على المتلف بالغا ويكون ذلك حالا في ماله ولا تعقله العاقلة بمنزلة اتلاف سائر الاموال فإذا بلغ النفس عقلته العاقلة في ثلاث سنين كما هو أصله وقد اعتبره في حكم القصاص على ما بينا وقد روي عن أبى يوسف ومحمد ان العاقلة لاتعقل نفس العبد وهو قول ابن أبي ليلى واستدل فيه بقوله عليه السلام لاتعقل العاقلة عمدا ولا عبدا والمراد أن نفس العبد لاتعقلها العاقلة وهذا لان العبد يحل للتملك بالعقد فما يجب من الضمان باتلافه يكون على المتلف في ماله كسائر الاموال * وحجتنا في ذلك القيمه الواجبة باتلاف نفس العبد بمنزلة الدية الواجبة باتلاف نفس الحر وذلك على العاقلة مؤجلا في ثلاث سنين فهذا مثله وهذا لان معنى النفسية لايدخل تحت القهر فلا يتناولها الملك بل العبد فيه بمنزلة الحر (ألا ترى) انه يتعلق بالقصاص بقتله عمدا كما يتعلق بقتل الحر وكذلك الكفارة في الخطأ ولا مدخل للقصاص ولا كفارة في ضمان الاموال فعرفنا ان المال واجب هاهنا بالنص بخلاف القياس لان المال لا يكون مثلا لما ليس بمال وما لا يكون مملوكا من الادمى لا يكون ما لا وانما وجوب المال بقوله ودية مسلمة إلى أهله الا أن هذه الدية في حق العبد القيمة وفي حق الحر مائة من الابل كما بينه الشرع والدية تجب على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين في حالة الخطاء وبهذا المعنى خالف النفس ما دون النفس لان ما دون النفس لا مدخل فيه للكفارة والقصاص وتأويل الاحاديث أن العاقلة لاتعقل جناية العبد على نفس العبد وبه نقول ثم الواجب بالجناية على نفس المملوك قيمته قلت قيمته أو كثرت غير انها لا تزاد على دية الحر ولا تنقص عن عشرة آلاف الا عشرة دراهم إذا كان العبد كبير القيمة في قول علمائنا رحمهم
[ 29 ] وفى قول الشافعي تجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول أبى يوسف الذي رجع إليه وان كان المقتول أمة فانها لا تزاد قيمتها على خمسة آلاف وينقص من ذلك عشرة دراهم في الروايتين وفي بعض الروايات خمسة دارهم فأما في قطع طرف العبد فيجب نصف قيمته بالغة ما بلغت في الصحيح من الجواب الا رواية عن محمد أن يجب في قطع يد العبد خمسة آلاف الا خمسة ذكره في بعض نسخ الوكالة وجه قول الشافعي ما روي عن عمر وعلي وابن عمر رضى الله عنهم انهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت ولان المتلف مات فيجب ضمان قميته بالغة ما بلغت كسائر الاموال وهذا لان ضمان المال يجب بطريق الجبران وانما يحصل الجبران بما يكون مثلا له في صفة المالية ولهذا يضمن المملوك عند الغصب بقيمته بالغة ما بلغت كسائر الاموال فكذلك عند القتل وانما قلنا انه مال لان الضمان يجب للمولى وملكه في عبده ملك مال والضمان الواجب له يكون ضمان المال إذا أمكن ولا يدخل عليه القصاص في حالة العمد لان على هذا الطريق يقول القصاص يكون بدلا عن المالية أيضا الا أن المالية ترقب بهذا المحل فتصير مضمونة بالنقصان وان لم يكن المال في غير هذا المحل مضمونا بالقصاص بمنزلة الصيد في الحرم يكون مضمونا باعتبار حرمة المحل بما لا يضمن به في غير هذا المحل وهذا لان القصاص يعتمد العمد والتكافؤ وذلك تمكن مراعاته في هذا المال دون سائر الاموال فكان هذا المال مضمونا بالقصاص دون سائر الاموال والدليل عليه انه يرجع إلى تقويم المقومين في الاسواق ليوجب به حين ينفد السوق وهذا يختص بضمان الاموال فاما في غير الاموال فانما تجب الابل ولا مدخل للابل هاهنا والدليل عليه أنه باختلاف أوصاف المتلف في الجنس والجمال والمالية تختلف هذه الاوصاف فانه ينقص عن الدية نقصانا غير معتبر فعرفنا انه ضمان مال أو يكون المتلف عبد فتجب قيمته بالغة ما بلغت كما لو كان قليل القيمة وهذا لان في العبد معنيين معنى النفسية والمالية فيكون الواجب بدلا عن المالية والدليل على ترجيح معنى المالية صيرورته محلا قابلا للتصرفات كسائر الاموال وخروجه من أن يكون أهلا للولايات التى اختصت بها النفوس المحترمة على انا نعتبر كلا الوصفين فنقول متى كان الواجب باتلافه ما ليس بمال وهو القصاص يترحج معنى النفسية ولهذا لا يختلف بقلة المالية وكثرة المالية وهذا لان ضمان المال بالمال أصل وضمان ما ليس بمال يكون على خلاف الاصل ومهما أمكن ايجاب الضمان على موافقة القياس فلا معنى للمصير إلى ايجابه بخلاف القياس
[ 30 ] والدليل عليه ان المبيع قبل القبض إذا قبض فالبيع يبقى ببقاء القيمة وانما يبقى البيع إذا فات المعقود عليه وأخلف فلو لم يكن الضمان بدل المالية لما بقى العقد باعتباره لان البيع يتناول المالية والراهن إذا قتل المرهون يضمن قيمته بحق المرتهن ولاحق للمرتهن الا في المالية ولهذا لا يجب عليه القصاص بحال لان القصاص بدل عن النفسية فلو كانت القيمة كذلك لما وجب على الراهن أن يجمع بينهما في الاعتبار فنقول إذا كان العبد كبير القيمة يجب مقدار الدية لاعتبار معنى النفسيه وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة لاعتبار معنى المالية بمنزلة من قتل حرا ومزق عليه ثيابه وهذا مروي عن أبى يوسف فقد روى ابن سماعة ورحمه الله عنه أن مقدار الديه من قيمة العبد تتحمله العاقلة وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة يكون في مال الجاني لهذا المعنى * وحجتنا في ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه لا تبلغ قيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم وهذا كالمروى عن رسول الله ﷺ لان المقادير لا تعرف بالقياس وانما طريق معرفتها التوقيف والسماع من صاحب الوحي والمعنى فيه ان هذا ضمان وجب بقتل الادمى فلا يزاد على الديات كما لو وجب بقتل الحر وهذا لان زيادة البدل تكون بزيادة الفضيلة وما من فضل في العبيد الا ويوجد ذلك في الاحرار وزيادة ثم الحر مع انه مجمع القصاص لا يزاد بدله على أعلى الديات فالعبد أولى وانما قلنا ان الضمان وجب بالقتل هاهنا لان القتل سبب تضمن به النفس بالدية وهو حكم ثابت بالنص قال الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ونفس العبد في هذا داخلة كنفس الحر (ألا ترى) انها تضمن بالكفارة كنفس الحر فكذلك بالدية والدية بمقابلة النفس مقدرة بالنص لا تجوز الزيادة عليها بالرأى فلا يجوز اسقاطها بالرأي فهذا دليل واضح على أن الضمان يجب هاهنا باعتبار النفسية وان الواجب الدية لانا لو لم نجعله واجبا باعتبار النفسية كنا قد أسقطنا بالرأى ما هو ثابت بالنص والدليل عليه أن ضمان النفس بالدية لاظهار حرمة المحل وصيانة؟ عن الاهدار ونفس العبد محترمة كنفس الحر فلا يجوز اهدارها ما أمكن والدليل عليه أن صفة المالية في هذا المحل تبع للنفسية لان قوام المالية ببقاء النفسية وهذا هو علامة التبع مع المتبوع ولايجوز اهدار الاصل بحال المراعاة التبع لان في اعتبار الاصل اعتبار البيع وليس في اعتبار التبع اعتبار الاصل وإذا جعلنا الضمان واجبا باعتبار النفسية كنا اعتبرنا ما هو الاصل وباعتباره يحصل اعتبار التبع فكان ذلك أولى من أن يجعل بمقابلة المالية ويهدر معنى النفسية
[ 31 ] ولان أكثر ما في الباب ان تثبت المساواة بين النفسية والمالية ولكن مع المساواة تترجح النفسية باعتبار السبب وهو القتل لان القتل سبب لا يقصد به الاموال عادة وانما يقصد به النفوس لمعنى التشفي والانتقام فاما الاموال فانما تقصد بالغصب فلا جرم ضمان الغصب يكون ضمان مال يجب بالغة ما بلغت ولا يثبت في حق الاحرار وضمان القتل يكون باعتبار النفسية سواء بقتل الحر أو وجب بقتل العبد الا انه لا يجب على المولى بقتل عبده لخلوه عن الفائدة فان ما يجب بمقابلة نفس العبد يكون لمولاه على سبيل الخلافة عنه والخلافة بسبب الملك لا تنعدم حكما بالقتل فلو وجب له على نفسه والدليل على هذا فضل القصاص فان القصاص يجب باعتبار معنى النفسية ثم لا يجب على المولى إذا قتل عبده لانه غير مفيد فكذلك المال ومن يقول القصاص واجب باعتبار المالية فهو لغو من الكلام لان المال لا يضمن بالقصاص بحال فكيف يضمن بالقصاص والمقصود بالمال التمول والادخار لوقت الحاجة وليس في القصاص شئ من ذلك ولهذا يتبين ترجيح معنى النفسية على معنى المالية لان المتلف في حال الخطأ ما هو المتلف في حالة العمد فإذا جعل المضمون منه في حال العمد معنى النفسية فكذلك في حالة الخطأ ومن يقول يجمع بينهما فذلك فضل من الكلام لانه لو كان هاهنا طريق إلى الجمع بينهما لكان ينبغي ان يضمن الدية مع كمال القيمة ويستوفي في حالة العمد القصاص باعتبار النفسية والقيمة باعتبار المالية وأحد لا يقول ذلك فعرفنا أنه لاوجه إلى الجمع بينهما لما بين الوصفين من المغايرة على سبيل التضاد فاما النقصان فنقول بدل النفس قد ينقص عن أعلى الديات باعتبار معنى موجب للنقصان في المحل (ألا ترى) انه ينقص بالابوة وبالكفر عن أصل الخصم وبالاجتنان في البطن بالاتفاق فان بدل الجنين دون بدل المنفصل وان كان الوجوب باعتبار النفسية هناك إذ لامالية في الجنين حرا كان أو مملوكا فكذلك يجوز أن ينقص عن أعلى الديات باعتبار صفة المملوكية وهذا لان تكميل الدية باعتبار كمال صفة المالكية (ألا ترى) أن بدل الانثى على النصف من بدل الذكر لان الذكر أهل لمالكية المال والنكاح والانثى أهل لمالكية المال دون مالكية النكاح فانها مملوكة نكاحا فيتنصف بدلها بذلك والجنين ليس بأهل للمالكية في الحال ولكن فيه عرضة الاهلية لذلك إذا انفصل حيا فباعتباره ينقص بدله غاية النقصان إذا عرفنا هذا فنقول بسبب الرق تنتقص صفة المالكية لانه صار مملوكا مالا ولم يبق مالكا للنكاح بنفسه الا أن هذا النقصان عارض على شرف الزوال بان يعتق فيجوز ان يزاد بدل الرقيق على بدل الانثى لهذا
[ 32 ] ويجوز أن ينقص باعتبار الحال وهو انه دون الانثى في صفة المالكية ثم صفة المملوكية وان كانت لا تختلف في الرقيق ولكن يبنى على هذا الوصف ما يختلف في نفسه وهو المالية فان أمكن اظهار النقصان باعتبار صفة المالكية بان كان قليل القيمة يعتبر ذلك لاظهار النقصان وان لم يمكن بان كان كثير القيمة فحينئذ يصار في النقصان إلى معنى شرعي وبهذا يتبين فساد قول من يقول ان النقصان إذا كان فباعتبار المالكية وانما النقصان باعتبار المملوكية وذلك لا يزاد بزيادة المالية وانما اعتبار المالية لاظهار مقدار النقصان إذا أمكن لا لثبوت أصل النقصان على أن بزيادة المالية يزداد النقصان وعند قلة المالية ينتقص الواجب عن الدية لا عن القيمة وعند كثرة المالية ينتقص الواجب عن القيمة وعن الدية جميعا وانما قررنا النقصان بعشرة لحديث ابن مسعود رضي الله عنه ولان صفة المملوكية تظهر التفاوت بينهما فيما يتقدر بالعشرة وهو المستوفى بالوطئ فانه لا يحل استيفاء ذلك من الحر الا بعقد يتقدر البدل فيه بعشرة ويجوز استيفاء ذلك من الامة بعقد متعد عن البدل وهو الهبة فان الجارية الموهوبة يباح وطؤها فإذا ظهر باعتبار صفة المملوكية التفاوت بينهما فيما هو مقدر بالعشرة نصا قدرنا النقصان بالعشرة لهذا ولهذا قلنا في أصح الروايتين سواء كان المقتول عبدا أو أمة فالنقصان عن الدية يتقدر بعشرة والرجوع إلى تقويم المقومين قد يكون فيما يجب بمقابلة النفسية كحكومة العدل والوجوب للمولى لانه يخلفه خلاف الوارث المورث ولانه ملك المالكية قوامها باعتبار هذا المحل فما يجب بمقابلة المحل في حقه يجعل كالواجب بمقابلة المالية ولهذا قلنا البيع يبقى إذا قتل المبيع قبل القبض لان صحة البيع باعتبار بقاء معنى المالية التي تملك بالبيع باعتبار هذا المحل فيجعل بدل المحل بمنزلة بدل المالية في بقاء البيع باعتباره ولهذا لو كان القتل عمدا حتى وجب القصاص بقي البيع أيضا عند أبي حنيفة وهذا بخلاف العبد المرهون إذا قتله الراهن فان ايجاب الضمان هناك باعتبار معنى النفسية غير ممكن لما قررنا في المولى إذا قتل عبده فجعلنا الواجب باعتبار المالية ولهذا لا يتعلق به القصاص بحال فتجب فيه المالية بالغة ما بلغت فأما طرف المملوك فقد بينا ان المعتبر فيه المالية فقط (ألا ترى) أنه لا يضمن بالقصاص ولا باالكفارة فلهذا قال كان الواجب فيه القيمة بالغة ما بلغت الا ان محمدا رحمه الله قال في بعض الروايات القول بهذا يؤدي إلى أن يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله بان تكون قيمته بلغت ألفا فيجب بقطع طرفه خمسة عشرة ألفا أو عشرة آلاف الا عشرة وهذا قبيح جدا فلهذا قال لا يزاد على نصف
[ 33 ] بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف الا خمسة ولو قتل العبد قتيلا وله وليان فعفى أحدهما دفع المولى إلى الباقي نصفه أو فداه بنصف الدية لان النصيب الذي لم يعف انقلب مالا عند عفو الشريك فيكون هذا في نصيبه كالجناية الموجبة للمال في الاصل وهو الخطأ ولو قتل قتيلا خطأ وفقأ عين آخر دفعه الولى اليهما أو فداه فان اختار الفداء فداه بالارش وذلك دية النفس عشرة آلاف وأرش العين خمسة آلاف وإذا اختار الدفع كان العبد بينهما أثلاثا لان كل واحد منهما تصرف فيه بجميع حقه وحق ولي القتيل عشرة آلاف وحق المفقوء عينه خمسة آلاف فان أعتقه المولى وهو يعلم بالجنايتين فهو مختار وعليه خمسة عشر ألفا في ماله لانه فوت محل الدفع بالاعتاق وبعد العلم بالجناية كان هو مخيرا بين الدفع والفداء فتفويته محل الدفع يكون اختيار الفداء دلالة التصرف فهو كالتصريح بالاختيار وكذلك لو دبره أو باعه أو كاتبه فانه يتعذر عليه دفعه بما أنشأ من التصرف فيتضمن الذي اختار الفداء منه وكذلك لو كانت أمة فاستولدها فان جامعها ولم تلد فليس هذا باختيار وله أن يدفعها بعد ذلك الا في رواية عن أبي يوسف فانه يقول الوطئ دليل الاختيار بدليل ان البائع إذا كان بالخيار فوطئ المبيعة كان ذلك منه اختيارا للفسخ وهذا لان الوطئ دليل تقرير ملكه فيها ولان الوطئ في حكم الجناية ولو جنى عليها كان للفداء وجه وظاهر الرواية أن الوطئ لا يمكن نقصانا في عينها إذا كانت ثيبا ولا يعجزه عن دفعها فيكون اقدامه عليه دليل الاختيار كالاستخدام وهذا بخلاف البيع بشرط الخيار لان هناك لو لم يجعله فاسخا للعقد بالوطئ لكان إذا أجاز العقد ملكها المشتري من وقت العقد ولهذا يستحق زوائدها فتبين به أن الوطئ حصل في غير ملكه فللتحرز عن هذا جعلناه فاسخا وهاهنا إذا دفعها بالجناية ملكها ولي الجناية من وقت الدفع ولهذا لا يسلم له شئ من زوائدها فلا يتبين به أن الوطئ كان في غير ملكه والوطئ وان كان كالجناية لكن الجناية لا يبقى لها أثر في العين فلا يكون اختيارا وكذا الوطئ بهذه الصفة وكذلك لو زوجها لان التزويج كالاستخدام من حيث انه لا يمكن نقصانا في عينها ولا يعجزه عن دفعها بالجناية وكذلك لو أجرها أو رهنها في ظاهر الرواية وفي بعض النسخ الديات يقول الاجارة والرهن يكون اختيارا منه بمنزلة الكتابة لان البدل بهذين العقدين يصير مستحقا عليه ذلك يمنعه من دفعها بالجناية فيجعل اختيار الفداء كالكتابة وجه ظاهر الرواية ان الاجارة تنقض بالقدر فيكون قيام حق ولى الجناية فيها عذرا في نقض الاجارة والراهن يتمكن من قضاء الدين
[ 34 ] واسترداد الرهن متى شاء ولم يتحقق عجزه عن دفعها بهذين العقدين فلا يجعل ذلك اختيارا بخلاف الكتابة فان بعقد الكتابة ثبت له استحقاق لا يملك الولى ابطاله وذلك يمنعه من دفعها وان ضرب العبد ضربا لزمه منه عيب فاحش أو جرحه أو قتله وهو يعلم فمختار لان حق ولى الجنايه يثبت في كل جزء منه وقد فوت جزء فامتنع الدفع في ذلك الجزء وهولا يتحمل التجرى في الدفع الجناية فتفويت جزء منها كتفويت كله ولو دفع العبد في بئر حفرها المولى في الطريق أو أصابه جناح أشرعه المولى فليس هذا باختيار لان المولى ان كان فعل هذا قبل جناية العبد ولم يوجد منه صنع بعد جنايته إذ لاصنع له في وقوع العبد في البئر وان كان الحفر منه بعد جنايته فهو عند الحفر ما كان يعلم ان عبده يقع به ولاقصد ذلك بحفره وقد بينا ان حافر البئر يصير قاتلا ولهذا لا يجب عليه الكفارة والاختيار انما يحصل بمباشرة فعل من المولى يكون مقويا له محل الدفع وكذلك كل ما لا يجب على المولى فيه الكفارة فليس ذلك باختيار منه ولكن على المولى القيمة ان مات العبد من ذلك بينهما اثلاثا لان المولى سبب لهلاكه وهو متعد في ذلك التسبب ولو أتلفه مباشرة على وجه لم يصر مختارا بان لم يكن عالما بالجناية كان عليه قيمته فكذلك إذا أتلفه بطريق التسبب ولو أوطأه المولى وهو يسير على دابته أو وقع عليه فقتله وهو يعلم بجناية العبدو لم يتعمد الوطئ ولا الوقوع فهذا اختبار وعليه الارش لانه مباشر قتله بهذا الطريق ولهذا يلزمه الكفارة ومباشرة القتل بتفويت محل الدفع فإذا كان بعد العلم بالجناية يجعل اختيارا ولا معتبر بتعمده الوطئ والوقوع عليه لان ذلك من باطنه لا يمكن الوقوف عليه وان أعتقه وأن باعه أو وهبه أو كاتبه وهو لا يعلم بجنايته فعليه قيمته لانه منع الدفع بما أحدث من التصرف ولكنه لم يصر مختارا للفداء حين لم يكن عالما بالجنابة فيكون مستهلكا محل الدفع وذلك يوجب عليه القيمة لمولى ولي الجناية كالراهن إذا استهلك المرهون يغرم قيمته لحق المرتهن وان كان علم باحدى الجنايتين ولم يعلم بالاخرى فهو مختار للذي علم بها وعليه الارض وللاخرى حصتها من قيمة العبد لانه يجعل تصرفه في حق كل واحد من الجنايتين كانه لا جناية سواها ففيما كان عالما بها يجعل مختارا لوجود دليل الاختيار وفيما لم يكن عالما بها مستهلكا محل الدفع فعليه حصتها من قمية العبد وإذا جنى العبد جناية لم تبلغ النفس فاعتقه المولى وهو يعلم بها قبل البرء ثم انتقضت الجراحة فمات وهو مختار فعليه الدية لان السبب الموجب لتخير المولى جناية العبد وانما وجد الاعتاق بعد العلم بها فيكون
[ 35 ] ذلك منه اختيارا للارش بمنزلة مالو أعتقه بعد الموت (ألا ترى) ان أداء الكفارة بعد الجرح قبل زهوق الروح جائز بمنزلة أدائها بعد الموت وهذا لانه لما أعتقه مع علمه ان الجناية قد برئت فقد صار مختارا لما يجب من الارش برأت أو سرت ولو قال لعبده ان ضربت فلانا بالسيف أو بالعصا أو بسوط أو بيدك أو شججته أو جرحته فأنت حر ففعل به ذلك فمات منه عتق والمولى مختار للدية لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولان المولى لما علق عتقه بشرط هو سبب لوجوب الارش وتخيره بين الدفع والفداء فقد صار راضيا بالتزام الفداء بمنزلة الصحيح إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إذا مرضت فمرض ومات يصير فارا من ميراثها فان كانت جناية العبد مما يتعلق بها القصاص فلا شئ على المولى لان الواجب هو القصاص على العبد وذلك لا يختلف بالرق والحرية فلا يصير المولى بالعتق مفوتا حق ولي الجناية فلهذا لا يلزمه شئ وادا جرح العبد رجلا فخوصم فيه المولى فاختار العبد وأعطى الارش ثم انتقضت الجراحة فمات المجروح فالقياس فيه أن يكون المولى مختارا للفداء وهو قول أبي يوسف الاخر وفي الاستحسان يخير المولى خيارا مستقبلا وهو قول أبي يوسف الاول وهو محمد ورجع أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس وأخذ محمد رحمه الله بالاستحسان وقد بينا فيما تقدم أن بهذه الصورة في الكتب ثلاث مسائل هذه ومسألة تكرار تلاوة السجدة في الركعة الثانية وجه القياس ان المولى اختار الارش بعد ما تقرر السبب فنزل ذلك منزلة اختياره بعد موت المجروح وهدا لانه أقدم على الاختيار مع علمه أنه قد يبرأ وقد ينتقض فيسري إلى النفس * يوضحه ان الاختيار قد يكون منه حكما وقد يكون قصدا فقد صار مختارا لما يجب بها ثم الاختيار بطريق الحكم يسوى فيه بين ما قبل البرء وما بعده وهو الاعتاق باعتبار انه اختيار لموجب الفعل فكذلك في الاختيار قصدا وجه الاستحسان أن المولى اختار الارش على حسبان أن البرء قدتم وان الواجب ارش الطرف فلا يكون ذلك منه دليل اختياره الدية فالانسان قد يختار الشئ إذا كان قليلا ولا يختاره إذا كان كثيرا فإذا تبين أن الواجب كان هو الدية قلنا يخير خيارا مستقبلا بمنزلة الشفيع إذا أخبر بثمن قليل فطلب الشفعة وقضى له بها ثم تبين أن الثمن كان أكثر من ذلك كان على خياره ولو أخبر أن الثمن كثير فسلم الشفعة ثم تبين انه كان أقل من ذلك كان هو على حقه بخلاف الاعتاق فانه تفويت لمحل الدفع ولا يمكن ابقاء خياره بعده قائما وعند الاختيار قصدا لا يفوت محل الدفع فلهذا كان لي خياره الا انه
[ 36 ] روى عن أبي يوسف انه فرق بين ما إذا أعطى الارش بغير قضاء وبين ما إذا أعطاه بقضاء القاضي قال إذا أعطاه بقضاء القاضي فان المجروح بخير خيارا مستقبلا بخلاف ما إذا أعطاه بغير قضاء القاضي فان ذلك اختيار منه للدية طوعا بمنزلة من اشترى دارا بعبد فاخذها الشفيع بقيمة العبد ثم استحق العبد فان أخذها بقضاء القاضى بطلت شفعته ووجب عليه ردها وان أخذها بغير قضاء القاضى جعل ذلك كالشراء المبتدا وعن زفر انه قال في الوجهين جميعا يصير مختار الان القاضي انما قضي بالارش بناء على اختياره قال وإذا جنى العبد جناية فاختار المولى إمساك عبده وليس عنده ما يؤدى وكان ذلك عند قاضى أو عند غير قاض فالعبد عبده والارش دين عليه في قول أبى حنيفه وقال أبو يوسف ومحمد ان أدى الدية مكانه والا دفع العبد الا أن يرضى الاولياء أن يتبعوه بالدية على ما قال فان رضوا بذلك لم يكن لهم بعد ذلك أن يرجعوا في العبد وجه قولهما أن نفس صاحب الدار صار حقا لمولى الجناية الا أن المولى يتمكن من تحويل حقهم من العبد إلى الارش باخيتاره الفداء فإذا أعطاهم الارش كان هذا تحويلا لحقهم من محل إلى محل فيه وفاء بحقهم فيكون صحيحا منه وإذا كان مفلسا كان هذا منه ابطالا لحقهم لا تحويلا من محل إلى محل يعد له فيكون ذلك باطلا من المولى وهذا لان ثبوت الخيار للمولى كان على وجه النظر من الشرع وانما يثبت على وجه لا يتضرر به صاحب الحق فإذا آل الامر إلى الضرر كان باطلا بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فان الدين يعود إلى ذمة المحيل لانه حول حقه من ذمته إلى ذمة المحتال عليه بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما وفي بيع المعاوضة إذا هلك أحد العوضين قبل القبض بطل العقد في الاخر لان صاحبه حول حقه إلى العوض الاخر بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما كان وكذلك في البيع والاخر بالشفعة ان سلم الثمن كان له أن يأخذ الدار وان عجز عن ذلك لم يكن له أن يأخذها الا أن يرضي البائع والمشتري في فصل الشفعة بالتسليم فهاهنا أيضا ان رضي الولي كان مسقطا حقه في العبد وان أبى كان له أن يأخذ العبد وأبو حنيفة يقول بجناية العبد يخير المولى بين الدفع والفداء والمخير بين اثنين إذا اختار أحدهما تعين ذلك واجبا من الاصل كالمكفر إذا اختار أحد الانواع الثلاثة فهاهنا باختياره تبين أن الواجب هو الدية في ذمة المولى من الاصل وان العبد فارغ من الجنابة فلا يكون لاولياء الجناية عليه سبيل * يوضحه ان من ثبت له الخيار شرعا يستبد بالخيار من غير ان يحتاج إلى رضا صاحبه ولو
[ 37 ] رضي الاولياء أن يتبعوا بالدية لم يبق لهم حق في العبد فكذلك إذا اختار المولى ذلك في حال ما ثبت له الخيار شرعا وقيل ان هذه المسألة في الحقيقة تبنى على اختلافهم في التفليس وعند أبي حنيفه التفليس ليس بشئ والمال غاد ورائح وهذا التصريف من المولى يكون تحويلا لحق الاولياء إلى ذمته لا ابطالا وعندهما التفليس معتبر والمال في ذمة المفلس يكون تاويا فيكون هذا الاختيار من المولى ابطالا لحق الاولياء وقد روي عن أبي يوسف ان اختيار المولى ها هنا معتبر حتى لا يكون لاولياء الجناية حق تملك العبد بالاخذ بعد هذا الاختيار ولكن يباع العبد فيه فيدفع ثمنه إلى الاولياء من حساب الدية التي على المولى وهو بناء على مذهب أبي يوسف في الحجر بسبب الدين فانه يقول القاضي يحجر على المديون ويبيع عليه ماله وعند أبي حنيفة لا يفعل ذلك وقد بينا هذا في كتاب الحجر قال وإذا جنى العبد جناية خطأ ثم أقر المجني عليه انه حر قبل الدفع إليه فلا حق له في رقبة العبد ولا على المولى لانه يزعم انه حر وان جنايته على عاقلته ولا يستحق بها رقبته وزعمه معتبر في حقه فلا سبيل له على العبد بعد هذا الاقرار ولا شئ له على المولى لانه لم يدع على المولى بعد الجناية حتى يصير به مختارا أو مستهلكا ولو كان اقرار المجني عليه بعد ما دفع إليه العبد فهو حر لانه ملكه بالدفع وقد أقر بحريته فيعتق باقراره ويكون موقوف الولاء بمنزلة من اشترى عبدا ثم أقر ان البائع كان أعتقه قال وإذا جنت الامة جناية ثم ولدت ولدا أو اكتسبت كسبا فان مولاها يدفعها بالجناية ولا يدفع ولدها ولا كسبها لان استحقاق نفسها بالجناية الخطأ كاستحقاق نفسها بالعمد قصاصا وذلك لا يسري إلى الكسب والولد وهذا لان حق ولي الجناية غير متأكد في عينها (ألا ترى) ان المولى مخير بين أن يدفعها أو يفديها بالارش وانما يسري إلى الولد ما يكون متأكدا في الاصل حين انفصل الولد عنها وأما الكسب فانما يملك بملك الاصل وعند الاكتساب كان ملك الاصل للمولى دون المجني عليه فان جنى عليها فأخذ المولى لذلك ارشا فانه يدفع الارش معها لان الارش عوض عن الجزء الفائت منها بالجناية وحق ولي الجناية كان ثابتا فيها بجميع أجزائها فيثبت في بدل جزء منها أيضا والجزء معتبر بالكل ولو قتلت وأخذ المولى قيمتها كان عليه دفع تلك القيمة إلى ولي الجنابة فكذلك إذا أخذ أرش جزء منها بخلاف الولد فانه حر وهو زيادة حادثة بعد الجناية وحق الولى انما يثبت في الاجزاء الموجودة عند الجناية وان كان جنى عليها قبل جنايتها لم يدفع المولى ذلك الارش معها لان الجزء الفائت بتلك الجناية
[ 38 ] لم يكن موجودا عند جنايتها فلا يثبت حق ولي الجناية فيه ولا في بدله بخلاف الفائت بعد جنايتها وان لم يعلم ان الجناية عليها كان قبل جنايتها أو بعده فالقول فيه قول المولى لان الارش المقبوض في يد المولى فأولياء الجناية يدعون استحقاق ذلك على المولى وهو ينكر ولانهم يستحقونها بالجناية على المولى فالقول قول المولى في بيان صفتها حين ثبت الاستحقاق لهم وان كان وجب الارش بعد جنايتهما فأمسكها المولى وفداها فله أن يستعين بذلك الارش في الفداء لانه ملكه كسائر أمواله وان لم يختر الفداء حتى استهلك أو وهبه الجاني عليها لم يكن مختارا وله أن يدفعها لان الارش منفصل عنها فتصرفه في الارش لا يكون تصرفا فيها ولا يعتذر دفعها فكان له أن يدفعها بمنزلة ما لو حدثت الجناية من امتين فاستهلك احداهما كان له أن يدفع الاخرى بجنايتها ثم عليه أن يغرم مثل ما استهلك فيدفعه معها لان حق ولي الجناية ثبت في ذلك الارش وقد أتلفه المولى بتصرفه وهذا بخلاف ما إذا أتلف المولى جزأ منها بجنايته لان هناك المولى تصرف فيه بالجناية والجزء الذي أتلفه بجنايته كان متصلا بها ولهذا صار المولى به مختارا وان كان الجاني عليها عبدا فدفعه المولى كان عليه أن يدفعها جميعا أو يفديهما بالدية لان العبد المدفوع قائم مقام الجزء الفائت منها فان أعتق العبد المدفوع إليه فهذا اختيار منه للامة وعليه الدية وكذلك ان أعتق الامة فانه لايستطيع أن يدفع واحدا منهما دون صاحبه لان العبد قائم مقام الجزء الفائت وحكم الدفع فيها لا يتجزأ بل إذا تعذر دفع بعضها بتصرف المولى يتعذر دفع كلها فكذلك حال العبد المدفوع مكان الجزء الفائت منها وهذا بخلاف الارش المستوفى من الجاني إذا كان جزأ لان الارش دراهم وفي الدراهم لا يثبت للمولى الخيار بين الدفع والفداء واقدامه على التصرف انما يكون دليل الاختيار إذا صادف محلا ثبت له فيه الخيار فأما هنا فالخيار ثابت له في العبد والامة لان كل واحد منهما يفيد التخيير فيه بين الدفع والفداء فاعتاقه أحدهما يكون تصرفا في المحل الذي ثبت له فيه الخيار فيجعل ذلك اختيارا وهذا الاختيار يثبت له فيهما باعتبار جناية واحدة فيكون اختياره أحدهما اختيار لهما جميعا بخلاف الامتين إذا جنت كل واحدة منهما لان ثبوت الخيار له في كل واحدة منها باعتبار جناية على حدة فلا يكون اختياره احدى الجنايتين دليل الاختيار منه في الاخرى فان أعتق العبد وهو لا يعلم بالجناية ثم اختار دفع الامة دفع معها قيمة العبد لان العبد لو كان قائما بعينه كان عليه دفعه معها وقد صار مستهلكا له بالاعتاق حين لم يكن عالما بالجناية فكان عليه قيمته (ألا ترى)
[ 39 ] انه لو أعتق الامة وهو لا يعلم بالجناية كان عليه قيمتها ولو كان هذا العبد فقا عين الامة فدفع بها وأخذت الجارية فان العبد يصير مكانها يدفعه المولى أو يفديه بالدية لانه قائم مقامها حين دفع بها وكذلك لو قتلها عبد فدفع بها ولو قتلها حر خطأ فأخذ المولى قيمتها لم يقل للمولى ادفعها أو افدها ولكنه يدفع قيمتها لان القيمة دراهم أو دنانير والارش كذلك ولا معنى للتخيير بين القليل والكثير في الجنس الواحد وانما يؤمر بدفع القيمة التي قبضها إلى ولي الجناية بخلاف ما تقدم فالمدفوع هناك عبد وللناس في الاعيان أغراض فتخييره بين دفع العبد وبين الفداء بالقيمة يكون مقيدا ولو أن عبدا قتل رجلا خطأ ثم قتلت جارية المولى العبد خطأ قيل للمولى ادفعها أوافدها بقيمة العبد لان العبد الجاني صار مستحقا لولي الجناية فجناية جارية المولى عليه بمنزلة جنايتها على عبد مملوك لولي الجناية ولو قتلت عبدا أو مملوكا له كان على المولى أن يدفعها أو يفديها بقمية العبد فكذلك هاهنا لا يجوز أن يلزمه أكثر من ذلك وهذا لان عطاءه قيمة العبد بمنزلة اعطائه العبدان لو كان قائما ولو أعطاهم العبد لم يلزمه شى آخر فكذلك إذا أعطاهم قيمته بعد ما قتلته أمته قال وإذا قتل العبد رجلا خطأ وقتلت الامة رجلا وهما لرجل واحد ثم ان العبد قتل الامة خطأ واختار المولى دفعه فانه يقسم على قيمة الامة ودية الحر لان الامة كانت مستحقة لاولياء جنايتها وقد جنى العبد عليها فثبت حق أولياء جنايتها في مقدار قيمتها وحق أولياء الحر في الدية ومولاه يتخير بين الدفع والفداء فان اختار الدفع ضرب فيه أولياء الحر بدية الحر وأولياء الامة بقيمتها فيقسم العبد بينهما على ذلك وان اختار الفداء فداه بدية الحر وبقيمة الامة لاولياء جنايتها قال وإذا جنى العبد جناية ففداه المولى منها ثم جنى جناية أخرى قيل له ادفعه بها أو افده لانه لما فداه من الاولى فقد طهره منها فكأنه ما وجد منه الا الجناية الاخرى فيخاطب بالدفع أو الفداء فان كان لم يقض من الاولى شيئا حتى جنى الثانية دفعه بهما أو فداه لان الجنايتين اجتمعتا في رقبته وللمولى أن يتخلص بدفعه ويقول انما لحقني هذا الشغل بسبب ملكي رقبة العبد وانا اتخلص بدفعه فيدفعه بالجنايتين أو يفديه بارشهما وإذا أعتق العبد ثم أقرانه كان جنى في حال رقة جناية عمدا أو خطأ لم يلزمه شئ منها الا القود في النفس لانه لو أقربها قبل العتق لم يصح اقراره الا بالجناية الموجبة للقود فكذلك بعد العتق وهذا لانه في الوجهين جميعا انما يقر على غيره فان جناية العبد فيما يوجب المال يكون على المولى لا شئ منه على العبد قبل عتقه ولا بعد عتقه واقراره على غيره لا يكون حجة في الحالين
[ 40 ] فاما ما يكون موجبا للقود فاقراره يكون على نفسه ولو جنت أمة جناية فقال المولى كنت أعتقتها قبل الجناية أو دبرتها أو كانت أم ولدى فانه لا يصدق من أجل الجناية وهو مختار للفداء ان قال هذا بعد العلم بالجناية وان قاله قبل العلم بالجناية فعليه القيمة لانه متهم في حق أولياء الجناية فيجعل اقراره بمنزلة الانشاء في حقهم وأن انشاء العتق أو التدبير كان الحكم فيه مابينا فكذلك إذا أقر مستندا إلى ما قبل الجناية لان هذا الاسناد لا يثبت بقوله حين لم يصدقه أولياء الجناية فيه وإذا جنى العبد جناية فاخبر ولي الجناية ولي العبد فاعتقه فقال لم أصدقه فيما اخبر به فهو مختار للفداء لان ولي الجناية في اختياره يطلب بحقه فعلى المولى أن ينظر في خبره (ألا ترى) انه لو أخبر القاضي بذلك وطالبه باحضار المولى وتكليفه الجواب اجابه القاضي إلى ذلك فكذلك إذا أخبر المولى بذلك كان عليه أن ينظر إلى خبره فإذا لم يفعل وأعتق العبد كان هذا بمنزلة الاعتاق بعد العلم بالجناية فيكون مختارا وكذلك ان أخبره رسول ولي الجناية فاسقا كان الرسول أو عدلا لان عبارة الرسول كعبارة المرسل فاما إذا أخبره بذلك فضولي فان صدقه فيما أخبره به ثم أعتق العبد فهو مختار للفداء أيضا وان كذبه في ذلك أو لم يصدقه ولم يكذبه حتى أعتق العبد فان كان المخبر عدلا فكذلك الجواب لان خبر العدل مقبول فيما يكون ملزما وان كان المخبر فاسقا فعلى قول أبي حنيفة لا يكون مختارا للفداء ولكن عليه قيمته باستهلاكه اياه وعند أبي يوسف ومحمد هو المختار للفداء وهذا من الجنس الذي بيناه في المأذون أن عندهما خبر الواحد في المعاملات مقبول عدلا كان أو فاسقا وعند أبي حنيفة فيما يتعلق به اللزوم لا يعتبر خبر الفاسق وهذا خبر الملزم في حق المولى لان حق الاعتاق بعد العلم بالجناية يلزمه الفداء فلا يعتبر فيه خبر الفاسق إذا كان فضوليا وان أخبره به فاسق ففي احدى الروايتين كذلك في الرواية الاخرى يكون مختارا للفداء لانه تم احدى شطرى الحجة وهو العدد فيعتبر بما لو وجد الشطر الاخر وهو العدالة في حق المخبر الواحد ولو جنى عبده جناية فقال المولى كنت بعته من فلان قبل الجناية وصدقة فلان أو قال هو له لم يكن لى قط وصدقة فلان قيل لفلان ادفعه أو افده لان المولى ما أتلف على ولي الجناية شيئا حين أخرجه إلى ملك رجل يخاطب بدفعه أو الفداء كما كان هو يخاطب به فان كذبه فلان قيل للمولى ادفعه أنت أو افده لان الملك ثابت له فيه باعتبار يده والاقرار بطل بتكذيب المقر له فصار كأنه لم يكن فيخاطب ذو اليد بالدفع أو الفداء ولو أن عبدا في يد
[ 41 ] رجل جنى جناية فقال ولي الجناية هو عبدك فقال الرجل هو وديعة عندي لفلان أو عارية أو اجارة أو رهن فان أقام على ذلك بينة أخر الامر فيه حتى يقدم الغائب فان لم يقم بينه خوطب بالدفع أو الفداء وقال زفر هو مختار للفداء بمجرد قوله لانه زعم انه لاسبيل له على دفعه فيجعل به مقوما للدفع مختارا للفداء كما لو أعتقه ولكنا نقول هو بكلامه يزعم انه ليس بخصم في هذه الجناية أصلا واختياره يبنى على كونه خصما فإذا ثبت بالبينة انه ليس بخصم فيه صار اثبات ذلك بالبينة كالاثبات بالمعاينة وان لم يقم بينة على ذلك فهو الخصم باعتبار ظهور يده فيه وهو متمكن من دفعه فيخاطب بالدفع أو الفداء ولا معنى لجعله مختارا مع بقاء تمكنه من الدفع بالجناية فان فداه ثم قدم الغائب أخذ عبده بغير شئ لان ذا اليد أقر بذلك له وقد اتصل تصديقه بذلك الاقرار وقد كان ذو اليد متبرعا في هذا الفداء فانه ما كان مجبرا عليه فلا يرجع بشئ منه على المقر له وان كان دفعه فالغائب بالخيار ان شاء أمضى ذلك وان شاء أخذ العبد ودفع الارش لان تصديقه اتصل بذلك الاقرار فيثبت الملك ويتبين انه كان له الخيار فان أمضى دفعه كان ذلك بمنزلة اختيار الدفع منه ابتداء وان اختار الارش فله أن يأخذ عبده وان أنكر الغائب أن يكون العبد له فما صنع الاول فيه من شئ فهو جائز لان الاقرار بطل بتكذيب المقر له وإذا كان عبد في يدي رجل وهو مقر بانه عبده أو لم يقر ولم ينكر فاقر عليه بجناية خطأ ثم أقر انه لرجل آخر وانه لم يملكه قط وصدقة الرجل فالعبد له لان الجناية الثابتة عليه باقرار المولى لا تكون أقوى من الثابتة بالمعاينة وذلك لايمنع المولى من التصرف فيه والاقرار بالملك لغيره ثم ان كذبه المقر له في الجناية فهو مختار للارش لان الجناية ثبتت على العبد باقرار ذي اليد عليه بها ثم صار متلفا العبد باقراره بالملك فيه لغيره فيجعل ذلك بمنزلة تمليكه منه بالبيع وذلك اختيار منه للفداء فهذا مثله إذا كان ذو اليد اقرانه عبده قبل اقراره بالجناية عليه أو بعد ذلك قبل اقراره لهذا الرجل وان لم يكن ادعاه لنفسه قبل اقراره لهذا الرجل فلا شئ عليه ولا على العبد من الجناية لان المقر ما أتلف شيأ على أحد وأنما أقر على ملك غيره بالجناية واقراره على ملك الغير لا يلزمه شيأ وهذا بخلاف ما إذا اثبتت الجناية عليه ببينة لان هناك ذو اليد قد صار مخاطبا بالدفع وثبتت الجناية على العبد بما هو حجة في حق الكل فإذا حوله باقراره إلى المقر له خوطب بما كان يخاطب به المقر وهاهنا باقرار ذي اليد ما ثبتت به الجناية على العبد في حق المقر له فلهذا لا يخاطب بشئ قال وإذا جنى العبد
[ 42 ] جناية ثم أصابه عيب سماوي فان المولى يخاطب بدفعه أو الفداء ولا شئ عليه بسبب ذلك العيب لانه ما كان مضمونا عليه (ألا ترى) انه لو مات في يده لم يلزمه شئ فإذا فات جزء منه بغير صنعه أولى أن لا يلزمه شئ وكذلك لو بعثه المولى في حاجة فعطب فيها أو استخدمه فلا ضمان عليه فيما لحقه بذلك لان المولى حق الاستخدام في العبد ما لم يدفعه فلا يكون فعله ذلك تعديا فلو أذن له في التجارة بعد جنايته فاستغرق رقبته فهو ضامن قيمته لاهل الجناية تعديا ولو أذن له لان الاذن له في التجارة لا يمنعه من الدفع في الجناية فلا يصير به مختارا ولكن استحقاق ماليته في الدين يثبت بذلك الاذن فيصير المتلف به كالمتلف للمالية على أهل الجناية لانه تعذر الدفع إليهم بالجناية حين يباع في الدين لان حقهم كان ثابتا في عبد غير مشغول المالية فلهذا لا يضمن المولى قيمته قال وإذا قتل العبد قتيلا خطأ ثم قفا رجل عينه ثم قتل آخر خطأ ثم اختار المولى دفعه فانه يدفع ارش العين إلى الاول لانه جنى على الاول وعينه كانت صحيحة فيثبت فيها حق المجني عليه ثم فاتت واخلفت بدلا فيكون البدل له ولا مزاحمة للثاني معه فيه لانه جنى على الثاني وهو أعور فلم يثبت حق الثاني في هذه العين أصلا ثم يكون العبد بينهما يضرب فيه الاول بالدية الا ما أخذ من ارش العين يضرب فيه الاخر بالدية حتى إذا كانت قيمته ألف درهم وكان ارش العين خمسمائة فان العبد يقسم بينهما على تسعة وثلاثين سهما لان الاول انما بقى من حقه تسعة آلاف وخمسمائة فيضرب بذلك في العبد والثانى انما يضرب بعشرة آلاف كمال الدية فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كان العبد بينهما على تسعة وثلاثين سهما وكذلك ولو كان الذي فقأ عينه عبدا فدفع به كان ولي الاول أحق به ثم يضرب مع الاخر بالدية الا قيمة العبد الذي أخذه لانه وصل إليه ذلك القدر من حقه وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وللمقتول وليان فدفعه المولى إلى أحدهما بقضاء قاض ثم قتل عنده آخر ثم جاء ولي الاخر والشريك في الجناية الاولى فانه يقال للمدفوع إليه الاول ادفع نصفك إلى الاول أو افده بنصف الدية لان نصف العبد صار مملوكا بالدفع إليه بقضاء القاضي فانما جنى على ملكه فيخاطب بان يدفع ذلك النصف أو يفديه بنصف الدية فان دفعه برئ من نصف الدية ويرد النصف الباقي على المولى لانه أخذه بغير حق فيرده على من أخذ منه ثم لقال للمولى ادفعه أو افده بعشرة آلاف خمسة آلاف للاخر وخمسة آلاف لولي الاول الذي لم يأخذ شيأ فان دفعه ضرب كل واحد منهما في هذا النصف بخمسة آلاف فيكون بينهما نصفين فحصل ثلاثة ارباع العبد
[ 43 ] لولي الجناية الاخرة وربعه للذي لم يكن قبض من ولي الجناية الاولى ثم يضمن المولى الذي كانت الجناية الثانية في يده ربع قيمته للمولى فيدفعه إلى الاوسط لان هذا الربع استحقه ولي الجناية الاخرة بجناية كانت منه عند المدفوع إليه وقد كان مضمونا في يده فيرجع عليه بربع القيمة لذلك ويدفعه إلى الاوسط لان حقه كان ثابتا في هذا الربع وقد فات وأخلف بدلا فيجمع له ربع العبد وربع القيمة ولا يكون ذلك موجبا للضمان عليه حتى لو كان دفعه إليه بغير قضاء القاضي كان للاوسط الخيار ان شاء ضمن المولى هذا الربع باعتبار دفعه إلى صاحبه بغير قضاء قاض وان شاء ضمنه فان ضمن المولى رجع به المولى على المدفوع إليه الاول لما قلنا قال وإذا قتل العبد قتيلين خطأ فدفعه المولى إلى أحدهما بغير قضاء القاضي فقتل عنده قتيلا خطأ ثم اجتمعوا واختاروا الدفع فان المدفوع إليه الاول يقال له ادفع نصف العبد إلى الاخر لان حقه كان في نصف العبد وقد تم ملكه في ذلك النصف بالدفع إليه ثم كانت الجناية الاخيرة من هذا النصف على ملكه وقد اختار الدفع فيؤمر بدفع نصف العبد إليه ويرد النصف الباقي على المولى لانه أخذه بغير حق ثم يدفعه المولى إلى الاوسط والاخر يضرب فيه الاخر بخمسة آلاف لانه وصل إليه نصف حقه ويضرب فيه الاوسط بعشرة آلاف لانه لم يصل إليه شئ من حقه فيكون هذا النصف بينهما أثلاثاه للاوسط وثلثة للاخر ثم يضمن المولى سدس قيمة العبد للاوسط وهو ما سلم من هذا النصف لولي الجناية الاخيرة لان حق الاوسط كان ثابتا في جميع هذا النصف وكان قد دفعه إلى غيره بغير قضاء القاضى فلهذا يضمن له سدس القيمة ويرجع به على الاول الذي كان في يده لان استحقاق هذا السدس بجنايته كانت في يده وان شاء الاوسط ضمن هذا السدس الذي كان في يده هكذا يقوله العراقيون من مشايخنا والصحيح عندي انه ليس له ذلك هاهنا ولا في الفصل الاول لانه ما كان مالكا لهذا النصف قبل ان يدفع إليه حين يكون قبض الاول جناية على حقه فيكون ضامنا له ولو كان الدفع بقضاء قاض كان مثله هذا أيضا لان المولى لا يضمن شيأ للاوسط ولكنه يرجع بسدس القيمة على المدفوع إليه الاول لما قلنا وإذا قبض ذلك منه دفعه إلى الاوسط وعلى ما يقوله العراقيون الاوسط هو الذي يرجع بسدس القيمة على المدفوع إليه قال وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وقفأ عين آخر فدفعه المولى إلى المفقوء عينه فقتل عنده قتيلا آخر ثم اجتمعوا فاختاروا دفعه فان صاحب العين يدفع ثلثه إلى الاخر لانه ملك الثلث والجناية
[ 44 ] الاخيرة من هذا الثلث حصلت على مكله فيدفعها بها ويرد الثلثين على المولى فيدفعه المولى إلى ولي القتيلين يضرب فيه الاول بعشرة آلاف والاخر بثلثي الدية لانه قد وصل إليه ثلث حقه فيكون هذا مقسوما بينهما أخماسا ثلاثة أخماسه للاول وخمساه للاخر ثم يضمن المولى للاول ستة أجزاء وثلثي جزء من ستة عشر جزأ وثلثي جزء من ثلثي قمية العبد وذلك في الحاصل خمسا بدل ما سلم للاخر من هذا الثلثين الا انه إذا بنى الجواب على القسمة التي كان بينهما فان الاول ضرب فيه بعشرة آلاف والاخر بستة آلاف وثلثي الف ولهذا قال ما قال وفي الحقيقة رجوعه على المولى بخمسى ثلثي قيمته لان المولى أتلف ذلك عليه حين دفعه إلى صاحب العين بغير قضاء قاض واستحق بالجناية التي كانت عنده ثم يرجع به المولى على صاحب العين لما قلنا ان الاستحقاق بسبب جناية كانت في ضمانة. قال وإذا قتلت الامة قتيلا خطأ ثم ولدت بنتا ثم قتلت البنت رجلا خطأ ثم ان البنت قتلت الام فاختار المولى دفعها ضرب أولياء قتيل الامة فيها بقيمة الام وأولياء قتيل البنت بالدية لان البنت في هذا الحكم كجارية أخرى للمولى فان حق ولي جناية الام لا يثبت في البنت ثم قد وجد من البنت جنايتان احداهما على الحر والاخرى على الام وهي مقدرة بحق أولياء جناية الام فان دفعها المولى ضرب كل واحد منهما فيها بمقدار حق أولياء الام بقيمة الام وولي الحر بالدية فتقسم البنت بينهما على ذلك وان اختار المولى فداء البنت دفع قيمتها إلى وليها وقيمة الام إلى ولي الام لانه انما أقر بها بما يثبت فيها من الحق باعتبار جنايتها ولو كانت البنت فقأت عين الام فهذه المسألة على أربعة أوجه ان اختار المولى دفعها دفع الام بجنايتها ودفع البنت يضرب فيها أولياء قتيلها بالدية وأولياء قتيل الام بنصف قيمة الام لانها على غير الامة وقد ثبت فيها حق أولياء الام والعين من الادمى نصفه فلهذا ضربوا فيها بنصف قيمة الام وان اختار الفداء فدى كل واحد منهما بعشرة آلاف أرش جنايتها وقد خلطن بحق فيهما للمولى ولا تعتبر جناية البنت على الام وان اختار الدفع في الام والفداء في البنت دفع الام إلى أولياء جنايتها وفدى البنت بالدية إلى أولياء قتيلها وبنصف قيمة الام لاولياء قتيل الام لانها أتلفت نصف الام بجنايتها وهى جناية معتبرة بحق أولياء جناية الام وان اختار الدفع في البنت والفداء في الام فدى الام بعشرة آلاف ودفع البنت إلى أولياء جنايتها لانه حين فدى الام صارت هي مخالفة له فجناية البنت عليها غير معتبرة لحق المولى فلهذا دفع البنت إلى أولياء جنايتها ولو فقأت الام عين البنت
[ 45 ] بعد ما فقأت البنت عينها فاختار المولى دفعهما فانه يدفع البنت وانما يبدأ بها لانها هي التى ابتدأت بالجناية على الام فيضرب فيها أولياء قتيلها بالدية وولي قتيل الام بنصف قيمة الام ثم يكون ذلك المقدار من البنت مع الام ويدفع الام وما أصابها بارش عينها من البنت فيكون ما دفع بها من البنت لولي قتيل الام خاصة لان الام حين ثبتت الجناية الاولى كانت عينها صحيحة فيثبت حق المولى في بدل تلك العين ولا مزاحمة فيه لاولياء جناية البنت وهي عوراء فلا يثبت حقهم في بدل عينها ثم يضرب ولي قتيل الامر بما بقي من الدية ويضرب فيها ولي جناية البنت بنصف قيمة البنت فتكون القسمة بينهما على ذلك وقد طعنوا في هذا الجواب فقالوا (ينبغى أن يضرب أولياء قتيل البنت في البنت بالدية الا مقدار ما يصل إليهم من الام باعتبار جنايتها على نصف البنت لان المعتبر هو المال وباعتبار المال سلم له هذا ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان عند دفع البنت لم يصل إلى أولياء قتيلها شئ بعد فيضربون بجميع الدية ولا معتبر بما يكون بعد ذلك (ألا ترى) ان رجلا لو مات وترك ألف درهم ولرجل عليه ألف درهم ولاخر عليه ألف درهم فاقتسما الالف بينهما أثلاثا ثم ان صاحب الالفين أبرأه عن الالف لا يتغير بهذا الابراء حكم تلك القسمة لهذا المعنى وان اختار المولى الفداء فيهما فداهما بديتين وأمسكهما جميعا لانه يفدي كل واحدة منهما بدية قتيلها وقد خلصتا للمولى ولا يعتبر جناية كل واحدة منهما على صاحبتها قال وإذا قتلت الامة رجلا خطأ ثم ولدت بنتا ثم ان ابنتها قتلتها فانه يقال لمولاها ادفعها أو افدها بقيمة الام لان البنت في هذا حكم كجارية أخرى للمولى ولو جنت الامة وهي حامل ثم ولدت ولد اقبل أن يدفعها فالولد للمولى لان الولد زيادة انفصلت عنها قبل تقرر حق ولي الجناية فيها وإذا ولدت آخر بعد الدفع فهو للمدفوع إليه لانه ملكها بالدفع إليه والولد يتبع الام في الملك ولو جنت الامة جناية خطأ ثم ولدت ولدها فقطع الولد يدها فالمولى بالخيار ان شاء دفع الام ونصف قيمتها إلى أهل الجناية وان شاء دفعها وولدها وان شاء أمسكها وأعطى الارش لان الولد بمنزلة مملوك آخر للمولى إذا لم يتعق به حق أولياء جنايتها وقد أتلف الولد نصف الام فتعتبر جنايته عليها بحق اولياء جنايتها فلهذا خير المولى على مابينا سواء كان ارش الجناية أقل من نصف قيمتها أو مثل نصف قيمتها ولو جنى عليها عبد لغيره فاخذ الارش أعطى من ذلك أرش جنايتها وأمسك الباقي لان جناية عبد الغير عليها معتبرة لحق المولى فإذا قبض الارش التحق ذلك بسائر أملاكه
[ 46 ] فيكون له أن يعطي من ذلك ارش جنايتها ويمسك ما بقي معها كما لو كان له أن يعطي ارش جنايتها من سائر أملاكه بخلاف ما سبق فجناية الولد عليها هناك غير معتبرة لحق الام وانما كانت معتبرة لحق ولي جنايتها وإذا اختلف المولى وولي جنايتها فقال الولي جنت وهي صحيحة ثم فقأ رجل عينها فالارش لي وقال المولى جنت بعد الفق ء فالقول قول المولى لما بينا أن الولي يدعي استحقاق مال في يد المولى ويدعي تاريخا في جنايته سابقا على وجوب الارش بالجناية عليها فلا يصدق في ذلك الا بحجة وكذلك لو كان الذي جنى عليها القتيل نفسه أو وليه ثم اختلف فالقول في ذلك قول المولى لما بينا انه ينكر سبق تاريخ يدعيه المولى فالقول قوله مع يمينه وعلى المولى اثبات ما يدعيه بالبينة والله أعلم (باب جناية العبد في البئر) (قال رحمه الله) وإذا حفر العبد بئرا في طريق بغير اذن مولاه ثم أعتقه مولاه ثم علم بما حفر ثم وقع فيها رجل فمات فعلى المولى قيمة العبد لان الحافر عند الوقوع يصير جانيا بسبب الحفر السابق فان ذلك الحفر كان تعديا منه الا انه اتصل بالمجني عليه عند الوقوع فيصير جانيا عليه بذلك الحفر كالمعلق للطلاق والعتاق بالشرط فعند وجود المشروط يصير مطلقا ومعتقا بالكلام السابق وذلك الفعل كان منه في ملك المولى وموجب جناية العبد واستحقاق نفسه على المولى وقد أتلفه المولى بالاعتاق على وجه لم يصر مختارا اما لانه لم يكن عالما بالحفر أو لانه لم يكن عالما بان يقع فيها انسان فكان مستهلكا للعبد فعليه قيمة العبد لولي الجناية فان وقع فيها آخر اشتركا في تلك القيمة لانه صار جانيا على الثاني بالسبب الذي به صار جانيا على الاول وهو الحفر فيستويان في الاستحقاق الثابت بذلك السبب والمولى بالاعتاق ما استهلك الا رقبة واحدة فلا يلزمه أكثر من قيمة واحدة ولكن تلك القيمة بينهما نصفان فان وقع فيها العبد فهو وارثه تركة في تلك القيمة أيضا لان العبد بعد ما عتق فقد طهر من تلك الجناية والتحق هو بغيره من الاجانب وروي عن محمد بن الحسن ان دمه هدر وأصل هذه المسألة فيما إذا حفر العبد بئرا ثم أعتقه المولى ثم وقع العبد فيها فمات فدمه هدر في قول محمد لانه كالجاني على نفسه بذلك الحفر السابق وفي ظاهر الرواية على المولى قيمته لورثته لانه حين أعتق فقد خرج من أن يكون جانيا حكما ويصير كان الجاني بالحفر هو المولى حتى ان عند
[ 47 ] وقوع الواقع فيها يكون موجب الجناية على المولى ولا شئ فيه على المعتق فيكون وقوع المعتق فيها كوقوع أجنبي آخر فيغرم المولي قيمته لورثته ولو كان أعتقه المولى بعد ما وقع فيها رجل فان كان المولى لا يعلم بوقوع الرجل فعليه قيمة العبد لانه صار بالاعتاق مستهلكا لامختارا وان علم بموت الرجل فيها فعليه الدية لانه صار مختارا بالاعتاق فقد صار متخيرا بموت الرجل فيها وعلمه بذلك بخلاف ما إذا كان اعتاقه قبل أن يقع في البئر أحد لانه ما صار متخيرا قبل وقوع الواقع فيها فلا يمكن أن يجعل اعتاقه اختيارا فان وقع آخر فيها فمات فانه يقاسم صاحب الدية فيضرب الاخر بقيمة العبد والاول بالدية في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على المولى نصف قيمة أخرى لولي القتيل الاخر ولا يشرك الاول في الدية لان اعتاق المولى اياه اختيار الدية في حق الاول فكأنه لم يعتقه ولكنه أمسكه وأدى الدية ولو فعل ذلك ثم وقع في البئر آخر كان عليه أن يدفع نصفه إلى الاخر أو يفديه بالدية فكذلك هاهنا يصير هو الاعتاق في حق الثاني مستهلكا للعبد فيغرم له نصف قيمته وأبو حنيفة يقول دفعه الدية إلى الاول بسبب اعتاقه بعد العلم بالجناية بمنزلة دفعه القيمة إليه إذا لم يكن عالما بالجناية ثم هناك المولى لا يغرم شيأ آخر إذا وقع فيها انسان آخر ولكن الثاني شارك الاول فيما قبض فكذلك هاهنا وهذا لان المولى قد غرم جميع موجب جناية العبد فلا يلزمه شئ آخر بعد ذلك لانه لا يثبت بوقوع الثاني فيه في حق المولى تجدد الجناية فانه حر حين وقع فيه الثاني وبه فارق ما إذا أمسكه وأدى الدية لان العبد عند وقوع الثاني فيه صار جانيا باعتبار الحفر السابق وهذا على ملك المولى في هذه الحالة فيخاطب المولى بموجب هذه الجناية فيدفع إليه النصف أو يفديه وإذا ثبت أن المولى لا يغرم شيأ اخر قلنا ولي الثاني يضرب مع الاول فيما قبضه بقيمة العبد لانه صار جانيا عليه لا بالحفر السابق والمولى في حقه يصير مختارا فيكون حقه في قيمة العبد وحق الاول في الدية فقد صار المولى مختارا في حقه فيضرب كل واحد منهما في المقبوض بمقدار حقه ولو وقع فيها رجل فمات ثم وقع فيها آخر فذهبت عينه والعبد قائم دفعه المولى اليهما فيكون بينهما أثلاثا على مقدار حقيهما وان اختار الفداء فداه بخمسة عشر ألفا عشرة آلاف لصاحب النفس وخمسة آلاف لصاحب العين وان أعتقه قبل أن يعلم بهما فعليه قيمتها بينهما أثلاثا لانه صار مستهلكا للعبد عليهما بالاعتاق وان كان يعلم بالقتل ولا يعلم بالعين فعليه عشرة آلاف لولى القتيل لانه مختار لذلك وعليه ثلث قيمته
[ 48 ] لصاحب العين لانه صار مستهلكا في حقه حين لم يكن عالما بالجناية فيغرم له حصته من القيمة وهو الثلث ولو باع العبد قبل أن يقع فيها أحد ثم وقع فيها انسان فمات فعلى البائع قيمته لان ازالته العبد عن ملكه بالبيع بمنزلة ازالته بالعتق وكذلك ولو وقع فيها العبد في ظاهر الرواية على البائع قيمته للمشترى وفي رواية محمد دمه هدر كما بينا في العتق قال وإذا حفر العبد بئرا في طريق المسلمين فوقع فيها رجل فقال المولى انا كنت أمرته بذلك لم يضمن عاقلته ولم يصدق على ذلك الا البينة لان الجناية باعتبار الظاهر تعلقت برقبه العبد وصار المولى مخاطبا بالدفع أو الفداء فلا يقبل قوله في ايجاب موجب الجناية على العاقلة الا بالبينة ولا في تفريغ العبد عن موجب هذه الجناية إذا كذبه ولي الجناية وان صدقه ولي الجناية برئ العمد من الجنايه بتصادقهما على ذلك والحق لا يعد وهما فتكون الدية في مال المولى لان اقراره بالحفر كان من العبد بأمره بمنزلة اقراره بانه حفر بنفسه ولو وقع انسان في بئر في الطريق فأقر رجل بانه هو الذي حفر البئر كان مصدقا على نفسه دون عواقله وتكون الدية في ماله في ثلاث سنين وإذا استأجر الرجل عبدا محجورا عليه وحرا يحفران له بئرا فوقعت عليهما فماتا فعلى المستأجر قيمة العبد للمولى لانه صار غاصبا العبد باستعماله وقد تلف في عمله ثم تلك القيمة تكون لورثة الحر ان كان أقل من نصف الدية لان العبد صار جانيا على نصف الحر وقد مات وأخلف بدلا فيستوفي وليه ذلك البدل بحقه ثم يرجع بها المولى على المستأجر لان المقبوض استحق من يده بجناية كانت من العبد وفي ضمانة ثم المستأجر قد ملك العبد بالضمان وقد صار الحر جانيا على نصفه فيكون على عاقلة الحر نصف قيمة العبد المستأجر ولو كان العبد مأذونا له في العمل لم يكن على المستأجر شئ لانه ليس بغاصب له وكان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لان الحر صار جانيا على نصف العبد ثم يكون ذلك لورثة الحر باعتبار جناية العبد على نصف الحر وإذا حفر العبد بئرا في الطريق بغير اذن مولاه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه مؤلاه إلى ولي القتيل ثم وقع في البئر انسان فمات فان ولى القتيل بالخياران شاء دفع نصفه وان شاء فداه بالدية لان العبد صار جانيا على الواقع في البئر بالحفر السابق وباعتبار تلك الجناية يكون نصف قيمة حق ولي الواقع في البئر (ألا ترى) أنه لو كان وقوع الواقع في البئر قبل أن يدفع بجنايته كان العبد بينهما نصفين ولان المدفوع إليه بالجناية قد ملك جميعه لانه حين دفعه إليه العبد ما كان لاحد سواه حق في العبد وبوقوع الواقع في البئر لا يتبين أن حق وليه كان تام يومئذ وانما
[ 49 ] يثبت مقصورا على الحال ولكن بذلك السبب فلا يبطل به ملك المدفوع إليه العبد بذلك في شئ من العبد ولكنه في الخيار يقوم مقام المولى باعتبار ملكه فان شاء دفع إليه نصفه وان شاء فداه بالدية ولو وقع في البئر أولا انسان فمات فدفعه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه المدفوع إليه ثم وقع في البئر آخر فان ولي القتيل يدفع ثلثه إلى الواقع في البئر آخرا أو يفديه بالدية لان العبد في الحاصل قاتل ثلاثة نفر اثنان في البئر وواحد بيده وقد صار حصة صاحب البئر الاول للذي قتله بيده مع حصته وذلك ثلثان من العبد والثلث منه حق ولي الواقع في البئر آخرا وقد قام المدفوع إليه مقام المالك فيه فيتخير بين أن يدفع الثلث أو يفديه بالدية وإذا حفر المدبر أو أم الولد بئرا في الطريق وقيمته ألف درهم فوقع فيها انسان فمات فعلى المولى قيمته لان جنايته بالحفر عند اتصال الوقوع به كجنايته بيده وجناية المدبر وأم الولد توجب القيمة على المولى به قضى أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حين كان أميرا بالشام وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وهذا لان المولى بالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة بالجناية على وجه لم يصر مختارا فيكون ضامنا قيمة لو فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم بها فان وقع فيها واحد بعد واحد فماتوا وقد تغيرت قيمته فيما بين ذلك إلى زيادة أو نقصان لم يكن على المولى الا قيمة ألف درهم يوم حفر بينهم جميعا بالسوية لانه ما منع الا رقبة واحدة فلا يغرم الا قيمة واحدة والجناية من المدبر سببها كان هو الحفر فيعتبر قيمته عند ذلك (ألا ترى) ان في الجناية بيده يعتبر قيمته حين جنى وكذلك لو مات قبل ان يقع فيها انسان أو أعتقه أو كاتبه أو فعل شيأ من ذلك بعد ما وقع فيها بعضهم ثم وقع فيها انسان فمات فعلى المولى قيمته لان جناية المدبر لا تتعلق برقبته فانه ليس بمحل الدفع وانما تجب القيمة على المولى ابتداء فموت المدبر وحياته وعتقه في ذلك سواء وكذلك لو جنى جناية بيده شارك أهلها في تلك القيمة لان المولى ما منع الا رقبة واحدة الا انه إذا كانت قيمته يوم جنى بيده ألفين فعلى المولى ألف درهم لهذا خاصة لان على المولى قيمته وقت جنايته فانه عند ذلك صار مانعا دفعه بالتدبير السابق وهذه الجناية الثانية وجدت منه الان فعليه لصاحبها قيمته ألفان وقد غرم مرة ألفا فيغرم لهذا ألفا أخرى ثم يضرب هو في القيمة الاولى مع أهلها بتسعة آلاف لانه وصل إليه مقدار ألف فينتقص من حقه ذلك القدر ويضرب كل واحد من أصحاب البئر بعشرة آلاف فتكون القيمة بينهم على ذلك قال وإذا استأجر أربعة رهط مدبرا ومكاتبا وعبدا وحرا يحفرون له بئر
[ 50 ] فوقعت عليهم من حفرهم فماتوا ولم يؤن للمدبر ولا للعبد في العمل فيقول كل واحد منهم تلف بفعله وفعل أصحابه فيهدر ربع نفسه وتعتبر جناية أصحابه عليه في ثلاثة أرباع نفسه ثم على المستأجر قيمة العبد والمدبر لمولاه لانه صارغا صبا لها بالاستعمال والمدبر يضمن بالغصب كالقن ثم لورثة الحر ربع دية الحر في رقبة كل انسان منهم ولولى المكاتب ربع قيمة المكاتب في رقبة كل منهما فيضرب في هاتين القيمتين ودية الحر بنصف دية الحر وورثة المكاتب بنصف المكاتب فيقسمان ذلك على هذا ثم يرجع مولاهما بذلك على المتسأجر لان المقبوض استحق بجناية قيمة كانت منهما في يد المستأجر فيثبت لهما حق الرجوع عليه في رقبة العبد ثم للمستأجر على عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما لانه ملك العبد بالضمان وقد صار بمنزلة المالك للمدبر باستحقاق بدل نفسه بعد ما ضمن قيمته فلهذا رجع على عاقلة الحر بربع قيمة كل واحد منها وله في رقبة المكاتب ربع قيمة كل واحد منهما وقد كان للمكاتب في رقبة كل واحد منهما ربع قيمته من القيمة التي أخلفها كل واحد منهما فيكون بعضه قصاصا من بعض ويترادان الفضل ولو مع قيمة المكاتب على عاقلة الحر لان الحر أتلف ربع المكاتب ثم يأخذ ذلك ورثة الحر باعتبار جناية المكاتب على ربع الحر الا أن يكون لهم أكثر من ربع الدية فيأخذون ربع الدية ويردون الفضل على مولى المكاتب ولكن هذا انما يستقيم على قول من يقول قيمة المملوك في الجناية بالغة ما بلغت ولكل واحد من العبدين يعنى المدبر والعبد ربع قيمته في قيمة الاخر ولكن ذلك على المستأجر له فلا يفيد اعتباره فان كان العبد ان مأذونا لهما في العمل فلا ضمان على المستأجر لانعدام الغصب وربع قيمة كل واحد منهما على عاقلة الحر وكذلك ربع قيمة المكاتب على عاقلة الحر وثلاثة أرباع دية الحر في أعناقهم في عنق كل واحد منهم ربع فإذا عقلت عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما وأخذ ذلك كل واحد منهم قلنا يؤخذ من مولى المدبر قيمة كاملة لانه صار مانعا بالتدبير السابق فيكون موجب جنايات المدبر القيمة عليه بعد أن يكون القيمة مثل ما عليه من ذلك أو أقل فيقسم ذلك بينهم بضرب فيه ورثة الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المكاتب بربع القيمة وان كان المكاتب ترك وفاء أخذ من تركته تمام قيمته ان كانت قيمته أقل مما عليه من ذلك لان جنايات المكاتب إذا اجتمعت لا توجب الا قيمة واحدة في كسبه ثم يضرب فيها ولي الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المدبر بربع القيمة ثم يؤخذ من مولى العبد جميع ما أخذ من ذلك
[ 51 ] لان المأخوذ بدل عبده وأولياء جناية العبد أحق بذلك من مولاه فيضرب في ذلك ورثة الحر بربع دية الحر ومولى المدبر بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المكاتب لان العبد كان جنى على ربع كل واحد منهم فلهذا كانت قيمة بدله بينهم (باب الجنايات بالكنيف والميزاب) (قال رحمه الله) وإذا أخرج الرجل كنيفا شارعا من داره على الطريق أو ميزابا أو مصبا أو صلاية من حائط فما أصاب من ذلك انسانا فقتله فعلى عاقلة الذي أخرجه ديته لانه متعد في تسببه حتى شغل طريق المسليمن بما أحدثه فيه اما في رقبة الطريق أو في هواه فكل واحد منهما يحول بين المارة وبين المرور في الطريق وفي الميزاب إذا أصاب الذي في الحائط لا ضمان عليه فيه لانه غير متعد في وضع هذا الطرف في ملكه وقد بينا تفصيل هذه المسألة ولو وضع خشبة على الطريق فتعقل به رجل فهو ضامن له لانه شغل رقبة الطريق بالخشبة التى وضعها فيه فهو بمنزلة ما لو بني في الطريق دكانا أو جلس فيه بنفسه أو وضع ظله على الطريق فان وطئ المار على الخشبة ووقع فمات كان ضامنا له بعد أن لا يتعمد الزلق قال وهذا إذا كانت الخشبة كبيرة يوطأ على مثلها فان كانت صغيرة لا يوطأ على مثلها فلا ضمان على الذى وضعها لان وطأه على مثلها على هذه الخشبة بمنزلة تعمد الزلق أو بمنزلة التعقل بالحجر الموضوع على الطريق عمدا وذلك لا يوجب الضمان على واضع الحجر فطريان المباشرة على التسبيب بمنزلة ما لو حفر بئرا في الطريق فألقى انسان نفسه فيها عمدا فان قال واضع الحجر ذلك انه تعمد التعقل به وكذبه الولي فهو على الخلاف الذى بيناه في البئر وفي قول أبي يوسف الاول القول قول الولي وفي قوله الاخر وهو قول محمد قول الواضع وهذا بخلاف واضع الجارح إذا ادعى أن المجروح مات بسبب آخر لان الجرح علة موجبة للضمان فبعد وجود العلة لا تقبل دعوى العارض المسقط وهاهنا الواضع والحافر يدعي صلاحية العلة لاضافة الحكم إليه فانما يضاف الحكم إلى الشرط عند عدم صلاحية العلة لذلك والاصل هو الصلاحية فكان هو متمسكا بالاصل معنى منكر السبب الضمان فلهذا كان القول قوله وإذا تعقل الرجل بحجر فوقع على حجر ومات فان الضمان على واضع الحجر الاول لانه دافع له بحجره على الحجر الثاني فكأنه دفعه بيده وان لم يكن له واضع فهو على واضع الحجر لان وضع الحجر الثاني سبب وهو التعدي
[ 52 ] وإذا تعذر اضافة القتل إلى ما دفعه عليه يجعل مضافا إلى الحجر الثاني وأحد من هؤلاء يلزمه الكفارة ولا يحرم الميراث لانه سبب الكفارة وحرمان الميراث مباشرة قتل محظور (باب الغصب في الرقيق مع الجناية) قال رحمه الله وإذا غصب الرجل من رجل عبدا فقل العبد عنده قتيلا خطأ ثم اختصموا فان العبد يرد إلى مولاه لان الغصب حرام مستحق الفسخ وفسخه بالرد على مولاه ولان موجب الجناية تخيير المالك بين الدفع والفداء والمالك هو المغصوب منه فهو المتمكن من دفعه بها دون الغاصب فيردها إليه ثم يقال له ادفعه أو افده أي ذلك فعل يرجع على الغاصب بالاقل من قيمته ومما فداه به لان الرد لم يسلم له حين استحق من يده بجناية عند الغاصب فكأنه هلك في يد الغاصب ولان فسخ فعل الغاصب انما يحصل برده كما قبضه ولم يوجد لانه قبضه فارغا ورده مشغولا بالجناية فإذا لم ينفسخ حكم فعله كان ضامنا قيمته لمولاه الا أنه يعتبر الاقل لان المولى يتخلص بالاقل منهما فهو في التزام الزيادة مختار فحق الرجوع انهما يثبت له بما تتحقق فيه الضرورة دون ما هو مختار له وذلك في مقدار الاقل وإذا كانت قيمة العبد أقل فانما يرجع بقيمته يوم غصبه حتى ان كان زاد عنده خيرا فليس عليه من الزيادة شئ لان الرد لما لم يسلم له جعل كالهالك في يد الغاصب فانما يضمن قيمته يوم غصبه وان حدث فيه عيب قبل الجناية فهو ضامن ذلك للمولى لانه فات جرء منه وحق ولي الجنايه في العبد على ما هو عليه عند الجناية فما وجب من الضمان على الغاصب قبل الجناية يسلم للمولى لفراغه عن حق ولي الجناية وان كانت عينه ذهبت عند الغاصب بعد الجناية واختار دفعه بالجناية فدفعه رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه ويدفع نصفها إلى ولي الجناية لان حق ولي الجناية كان في العين الذي ذهبت عند الغاصب والعين من الادمى نصفه فلهذا دفع إليه نصف القيمة والنصف الاخر للمولى ويرجع المولى على الغاصب بالنصف الذي دفعه إلى ولي الجناية لان ذلك استحق من يده بالجناية التى كانت عند الغاصب وان كان أعور قبل الجناية كان نصف القيمة للمولى لان حق ولي الجناية لم يثبت في هذه العين ويرجع المولى على الغاصب بقيمته أعور لانه دفع العبد بالجناية التي كانت عند الغاصب وهو أعور فيرجع بتلك القيمة على الغاصب وإذا غصب الرجل عبدا فهو ضامن له ولما جنى عبده من جناية أو لحقه من دين ما بينه وبين قيمته ولا يضمن
[ 53 ] أكثر من ذلك من نفسه وماليته استحقت بما حدث عند الغاصب ولكن هذا لاستحقاق انما يتقدر في مقدار قيمته ولان المولى كان يمنعه من هذه الاسباب لو كان العبد في يده قائما يكن منه بأن لم يمنعه الغاصب من ذلك فلهذا كان الضمان على الغاصب وإذا غصب عبدا فقتل عده قتيلا ثم مات العبد فعلى الغاصب قيمته لانه تعذر رد عينه بالهلاك في يده ثم يدفع المولى هذه القيمة إلى ولي الجناية لان بنيته كانت مستحقة لولي الجناية وقد فاتت وأخلفت هذا البدل وحكم البدل حكم الاصل ثم يرجع المولى بقيمة أخرى على الغاصب لان القيمة الاولى استحقت بجناية كانت عند الغاصب ولو استحق عين العبد من يده بتلك الجناية رجع على الغاصب بقيمته فكذلك إذا استحقت القيمة يرجع على الغاصب بقيمة اخرى حتى تخلص له قيمته قائمة مقام عبده ولو لم يمت العبد ولكن ذهبت عينه فدفعه إلى المولى أعور فقتل عنده قتيلا آخر ثم اجتمعوا فدفعه المولى بجنايته فانه يأخذ نصف قيمته من الغاصب باعتبار عينه التي فاتت عنده فيدفعها إلى الاول لان حق الاول كان ثبت في حق العين لقيامها عند جنايته وحق الثاني ما ثبت في تلك العين فإذا سلم نصف القيمة للاول ضرب هو في العبد المدفوع بالدية الا ما أخذ لان القدر المأخوذ سالم له فلا يضرب به وانما يضرب بما بقي من حقه ويضرب الاخر بالدية ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة التي أخذت منه لان ذلك استحق من يده بجناية كانت عند الغاصب ويرجع عليه أيضا بما أصاب الاول من قيمة العبد أعور لان استحقاق ذلك القدر من العبد بجناية كانت عند الغاصب ولا يرجع عليه بقيمة ما أصاب الباقي لان الجناية الثانية من العبد كانت عند المولى ثم يرجع أولياء الاول فيما أخذ المولى من ذلك بتمام قيمة العبد إلى ما في يده لان حقه ثبت في عبد صحيح فارغ فما لم يسلم له كمال حقه لا يسلم شئ من بدل العبد للمولى وهذا ينبغى أن يكون على قول أبي حنيفة وأبي يوسف خاصة على ما نبيته في المسألة الثانية ثم يرجع المولى على الغاصب بمثل ما أخذ منه لان الذي أخذه منه الاول استحقه بجناية كانت عند الغاصب فيكون قرار ذلك على الغاصب فيكون قرار ذلك على الغاصب ولو غصب عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ بأمره أو بغير أمره ثم رده إلى المولى فقتل عنده آخر خطأ فاختار المولى دفعه بهما فانه يكون بينهما نصفين لاستواء حقهما في رقبته ثم أخذ المولى من الغاصب نصف قيمة العبد استحق قبل الجناية الاولى بجناية كانت من العبد عند الغاصب ثم يدفع هذا النصف إلى ولي قتيل الاول ويرجع بمثله أيضا على الغاصب فيكون للمولى وهذا
[ 54 ] قول أبي حنيفة وأبي يوسف قال محمد وزفر يأخذ المولى نصف القيمة من الغاصب فيسلم له ولا يدفعه إلى الاول والقياس هذا لانه انما يرجع على الغاصب بقيمة نصف المدفوع إلى ولي الجناية الاولى فلو أمر بدفع ذلك النصف إليه اجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد وذلك لا يجوز هذا ولان المصير الي القيمة عند عدم سلامة العين لتقوم القيمة مقام العين وذلك النصف سالم لولي الجناية الاولى فلا حق له في بدلها والنصف الذي أخذه ولي الجناية الثانية فات ولم يخلف بدلا لان استحقاق ذلك النصف بجناية كانت عند المولى فلا يكون لولي الجناية الاولى ان يرجع على المولى بشئ وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا حق ولي الجناية الاولى ثبت في جميع العبد فارغا وانما سلم له نصف العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شئ من قيمة العبد مع بقاء نصف حق ولي الجناية الاولى ولكن يدفع إليه هذا النصف من القيمة حتى يسلم له كمال حقه ونصف العبد ونصف قيمته بمنزلة ما لو كانت الجانية الاولى عند المولى والجناية الثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فانه يرجع بنصف القيمة على الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الاولى بالاتفاق الا أن محمدا رحمه الله يفرق بما ذكرنا أن رجوع الولي هناك بقسمة نصف المدفوع إلى ولي الجناية الثانية لان تلك الجناية كانت عند الغاصب وقد كان حق ولي الجناية الاولى ثابتا فيه وهاهنا رجوعه بقيمة النصف المدفوع إلى ولي الجناية الاولى ولكنهما يقولان هذا في ما بين الغاصب والمولى بدل عن النصف المدفوع إلى ولي الجناية الاولى فاما في حق ولي الجناية الاولى فلا يكون بدلا عن ذلك ولكنه يجعل بدلا عن النصف المدفوع إلى ولي الجناية الثاينة لان ذلك لم يسلم له بعد ما ثبت حقه فيه أوما يأخذه ولي الجناية الاولى من القيمة لا يستحقه باعتبار انه بدل عن النصف الاول أو عن النصف الثاني وانما يستحقه باعتبار الجناية الحاصلة من البعد على وليه حال فراغه عن كل حق وصيرورته مقدما على المولى في استحقاق جميع العبد به وهو بمنزلة الذمي يبيع خمرا يقضى بالثمن دين المسلم فان المقبوض يطيب للمسلم لانه في حق البائع المقبوض ثمن الخمر وفي حق المسلم انما يأخذ ما يأخذه باعتبار دينه لا باعتبار انه بدل الخمر فيطيب له ذلك ثم ذكر الفصل الثاني ان العبد لو كان جنى الجناية الاول عند المولي والثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فانهما يقتسمان العبد نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة وهو بدل ما استحقه ولي الجناية الثانية فيدفعه إلى الاول ثم لا يرجع المولى بشئ من ذلك على الغاصب لان استحقاق هذا النصف من القيمة كان بجناية
[ 55 ] من العبد عند المولى والغاصب غصب العبد مشغولا بالجناية الاولى ثم رد نصف القيمة كذلك مشغولا بالجناية ولو رد جميع القيمة فاستحقها ولي الجناية الاولى بعد هلك العبد عنده لم يرجع المولى عليه بشئ وكذلك إذا رد النصف القيمة فاستحقه ولي الجناية الاولى ثم بنى المسائل إلى آخر الباب بعد هذا على فصل مختلف فيه وهو ان جناية العبد المغصوب على المغصوب منه أو على ماله معتبره في قول أبي حنيفه رحمه الله وفي قول صاحبيه هدر وأما جنايته على الغاصب أو على مال الغاصب فهدر في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قولهما معتبر وجه قولهما ان العبد بعد الغصب باق على ملك المغصوب منه والغاصب منه كالاجنبي بدليل ان التصرفات المختصة بالملك تنفذ فيه من المولى دون الغاصب وكذلك في حكم الجناية حتى لو جنى على أجنبي كان المولى هو المخاطب بالدفع أو الفداء دون الغاصب ثم رجوع المولى الغاصب يكون بسبب الغصب لا بسبب الجناية وذلك انه يقرر ملك المولى إذ ثبت هذا فنقول جناية المملوك على مال مالكه أو على نفسه فيما يكون خطأ هدار مالان المستحق بهذه الجناية من مملوك له على نفسه في نفسه أو ماليته والمالك لا يستحق ملكه لنفسه على نفسه أو لان جناية المملوك فيما يكون موجبا للمال كجنايه المالك وجنايته على نفسه وعلى مال نفسه هدر فكذلك جناية مملوكه عليه يدل عليه ان بسبب الملك تهدر جناية المولى على مملوكه وجناية المملوك على مولاه فيما يكون موجبا للمال ثم في أحد الحكمين المغصوب كغيره حتى ان المغصوب منه إذا قتل العبد المغصوب كان ذلك هدرا و إذا قتله الغاصب كان معتبرا فكذلك في الحكم الاخر قلنا تهدر جناية العبد على المغصوب منه فيعتبر جنايته على الغاصب لان الغاصب من ملك الرقبة كاجنبي فلهذا تعتبر جنايته على العبد وكذلك تعتبر جناية العبد عليه بمنزلة ما لو كان العبد في جنايته وديعة أو عارية وبان كان مغصوبا على الغاصب فكذلك لا يدل اعتبار جنايته على مولاه كالعبد المرهون إذا جنى على الراهن لا تعتبر جنايته وان كان مضمونا على المرتهن بالقبض * يوضحه أن في اعتبار جنايته على الغاصب فائده وهو ان يتملك الغاصب رقبته على المولى بسبب الجناية وما ثبت له هذا الحق بسبب الغصب بل كان عليه رد العين وللانسان في ملك الغير غرض فينبغي أن تعتبر جنايته عليه ليتملك به العبد وان كان المولى يرجع عليه بقيمته إذا دفعه إليه بالجناية وأبو حنيفة رحمه الله يقول الغاصب في حكم جناية المغصوب كالمالك باعتبار المال والمغصوب منه بمنزلة الاجنبي * الدليل عليه أنه لو على أجنبي آخر كان قرار ضمان الجناية على الغاصب
[ 56 ] واستحقاق ضمان جناية العبد على مالكه فلما كان قرار ضمان جنايته على الغاصب هاهنا عرفنا انه صار كالمالك في حكم ضمان الجناية والمولى كالاجنبي * يوضحه ان اهدار جناية المملوك على المالك ليس لعين الملك بل لان اعتبارها غير مفيد (ألا ترى) انه لو قتل مولاه عمدا فانه تعتبر جنايته عليه في حكم القصاص لانه مفيد فإذا عرفنا هذا فنقول هاهنا لو اعتبرنا جنايته على مولاه أو على مال مولاه كان مفيدا لانه ثبت للمولى حق الرجوع على الغاصب باعتباره بعد ما أخذ العبد كما لو جنى على غيره فلكونه مفيدا وجب اعتباره بمنزلة جناية المولي علي عبده المديون فانه يكون معتبر الحق الغرماء لان ذلك مفيد لا فائدة في اعتبار جنايته على مال الغاصب لانه يستحق به ماليته ثم يرجع المولى بتلك المالية فأي فائدة تكون في اعتبار هذه الجناية في جنايته على نفس الغاصب قال بعض مشايخنا رحمهم الله في قول أبي حنيفة رحمه الله لاستحقاق ملك العبد بها على قياس مسألة أطلق جوابها في آخر الباب كما بيناه والاصح ان الخلاف فيهما جميعا وهذا لان المجني عليه لا يستحق رقبة العبد الا باختيار المولى الدفع إليه والمولى مخير بين الدفع وبين الفداء فانما يكون المستحق به المالية فقط ولهذا لو أعتقه المولى قبل العلم بالجناية نفذ عتقه ولم يغرم الا قيمته فهو من هذا الوجه بمنزلة الجناية على ماله وقد بينا الفرق بين هذا وبين جناية المرهون على الراهن في كتاب الرهن ان اعتبار جناية المرهون لحق المرتهن ولا فائدة للمرتهن في اعتبار جنايته على الراهن * يوضح الفرق ان ضمان الرهن ليس بضمان مال فانه وان تقرر لا يوجب الملك للمرتهن فلو اعتبرنا جنايته وجعلنا قرار ذلك المرتهن لا يتبين به أن العبد مملوك للمرتهن وهاهنا ضمان الغصب إذا تقرر أوجب الملك للغاصب من وقت الغصب فيتبين ان جنايته على المغصوب منه جناية على غير المالك فلهذا اعتبرنا ذلك وان جناية على العبد المغصوب جناية على المالك فلهذا لا يعتبر فوضح كلام أبي حنيفة بما استشهد به في الكتاب ان العبد المغصوب لو قتل نفسه جعل الغاصب ضامنا لقيمته وكذلك إذا قتل عبدا آخر للمغصوب منه بل أولى فان جنايته على غيره أقرب إلى الاعتبار من جنايته على نفسه ثم لما اعتبرنا جنايته على نفسه هاهنا وجب الضمان على الغاصب وان كان هو ملكا للمغصوب منه فكذلك جنايته على عبد آخر للمغصوب منه فان قيل نحن لا نعتبر جنايته على نفسه ولكنا نجعل قتله نفسه كموته في يد الغاصب فكذلك قتله عبدا آخر للمغصوب منه يجعل كموت ذلك العبد قلنا لا كذلك فانا لو لم نعتبر جنايته في ايجاب الضمان على الغاصب لزمنا جعل
[ 57 ] جنايته كجناية مالكه على ما قالا ان جناية المملوك في حكم الضمان كجناية المالك فلو قتله المغصوب منه لم يجب شئ فكان ينبغي إذا قتل المغصوب نفسه ان لا يجب شئ على الغاصب أيضا واستدلالهما بهذا الفصل ساقط لان المغصوب منه بقتل العبد يصير مستردا له فينعدم به الضمان الذي باعتباره كان هو كالاجنبي والغاصب كالمالك وذلك لا ينعدم بجناية المغصوب على أحدهما فلهذا افترقا قال الشيخ الامام إذا عرفنا هذا احتجنا إلى بيان المسائل فنقول لو غصب عبدا وجارية فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده الغاصب إلى المولى فاختار دفعه فانه يضرب فيه أولياء قتيله بالدية وأولياء قتيلها بقيمتها لانه جنى عليها وهي مشغولة بحق أولياء قتيلها فكذلك يعتبر جنايته عليهم ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة العبد وقيمة الجارية لان الجارية كانت مضمونة عليه ولم يوجد الرد فيها أصلا والرد في العبد لم يسلم حين استحق بجنايته عند الغاصب فإذا استوفى قيمة من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها لانها ماتت وأخلفت عوضا وقد كانت نفسها متسحقة لاولياء قتيلها فيكون لهم أن يأخذوا ما بقي من حقهم من قيمتها ثم يرجع به الولي على الغاصب لان ذلك استحق من يده بجناية كانت جنتها عند الغاصب ويأخذ أولياء قتيل العبد من قيمة العبد تمام قيمة العبد لان حقهم كان قد ثبت في جميع العبد فارغا ولم يسلم لهم الا البعض وقد أخلف العبد عوضا فيستوفي ما بقي لهم من قيمة العبد ويرجع بذلك المولى على الغاصب ولو اختار المولى الفداء وأدى دية قتيل العبد وأدى قيمة الجارية إلى ولي قتيل الجارية لان فداء العبد انما يكون بارش جنايته وجنايته كانت على الجر وعلى الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة العبد والجارية لانعدام الرد في الجارية وانعدام سلامة الرد في العبد بدون الارش وتأويل ما ذكر في هذه المسألة فيما إذا كان الغاصب بعيدا أو كان غائبا فإذا كان حاضرا وتمكن المولى أخذها منه فتخرج المسألة على وجه آخر كما ذكره بعد هذا وهذه المسألة انما ذكرها في نسخ أبي حفص رحمه الله فاما في نسخ أبي سليمان رحمه الله فانما ذكر المسألة الطويلة وبين التقسيم في الجواب فقال إذا اغتصب عبدا وجارية وقيمة كل واحد منهما ألف فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده على المولى فانه يرد معه قيمة الجارية لتعذر ردها بالهلاك ثم يدفع المولى هذه القيمة إلى ولي قتيل الجارية لانها كانت مستحقة له وقد ماتت وأخلفت قيمة فهو أحق بقيمتها ثم يرجع بها على الغاصب لان استحقاق قيمتها من يده بجنايتها عند الغاصب كاستحقاق عينها فيرجع بقيمتها مرة أخرى
[ 58 ] لتقوم مقام الجارية للمولى فارغة كما غصبها ثم يخير المولى في العبد بين الدفع والفداء فان اختار الفداء أفداه بالدية ورجع بقيمته على الغاصب وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على قولهما ان اختار الفداء أفداه بالدية لولي قتيل الغلام ولا يرجع بقيمته على الغاصب وان اختار الدفع دفعه إلى ولي قتيل الغلام والى الغاصب على أحد عشر سهما لان قيمة الجارية لما تقررت على الغاصب فقد ملكها بالضمان فظهر ان العبد المغصوب جنى على أمة الغاصب وهو هدر في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو معتبر فإذا اختار الفداء وفداء العبد بالدية فقد استوجب هو الرجوع بقيمة العبد على الغاصب واستوجب الغاصب الرجوع عليه بقيمة الامة لاختياره الفداء أو اعتباره جناية العبد على الامة فيقع المقاصة لاستواء القيمتين فلهذا لا يرجع على الغاصب بشئ وان اختار الدفع فقد اجتمع في العبد جنايتان معتبرتان جناية على الحر فيضرب ولي الحر فيه بالدية وجناية على الامة فيضرب الغاصب فيه بقيمتها وهو ألف درهم فإذا جعلت كل ألف سهما كان العبد بينهما على أحد عشر سهما عشرة لولي قتيل الغلام وجزء للغاصب ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة الغلام لان الغلام استحق من يده بجنايته عند الغاصب فيدفع منها جزأ من أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام لان حقه كان يثبت في جميع العبد فارغا عشرة وانما سلم منه جزاء وقد فات الجزء الواحد وأخلف بدلا فإذا دفع ذلك إليه رجع به على الغاصب أيضا لانه استحق بجنايته عند الغاصب فإذا رجع به صار في يد المولى قيمة الغلام تامة وقيمة الجارية صار في يد ولي قتيل الغلام عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من العبد وجزأ من أحد عشر من قيمته وصار في يد الغاصب من الغلام جزء من أحد عشر جزأ وصار في يد ولي قتيل الجارية قيمة الجارية فان كان الغاصب معسرا ولم يقدر عليه ليؤخذ منه قيمة الجارية واختار المولى الدفع فان قال ولي قتيل الجارية لا أضرب بقيمة الجارية في الغلام ولكني أنظر فان خرجت قيمة الجارية أخذتها كان له ذلك لان لحقه محلين فله أن يختار أيهما ثم في قياس قول أبي حنيفة يدفع الغلام كله إلى ولي قتيل الغلام لان جنايته على الام غير معتبرة عنده كما بينا فانها باعتبار المال للغاصب فإذا دفعه إلى ولي قتيله رجع على الغاصب بقيمته وبقيمة الجارية فيدفع قيمة الجارية إلى ولي قتيلها ثم يرجع به عليه فيصير في يده قيمتان فاما في قياس قول أبي يوسف ومحمد يدفع من العبد عشرة اجزاء من أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام ويترك الجزء في يديه لانه جنايته على الامة جناية معتبرة
[ 59 ] وهذا الجزء الفائت في حقه ولكنه ما لم يؤد قيمتها لا يتمكن من قبض هذا الجزء فيترك في يد المولى حتى إذا خرجت قيمة الجارية أخذها المولى فيدفعها إلى ولي قتيلها ثم يرجع بها على الغاصب ثم يقال للمولى ادفع هذا الجزء إلى الغاصب أوافده بقيمة الجارية فان دفعه رجع عليه بقيمة الغلام فيدفع منها إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ بدل ما لم يسلم له من العبد ويرجع به على الغاصب وان فداه فانما يفديه بقيمة الجارية ولكنه يرجع بقيمة الغلام على الغاصب والقيمتان سواء فيكون أحدهما قصاصا بالاخرى ويدفع مكان ذلك الجزء إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ من قيمة لانه بطريق المقاصة صار مستوفيا لقيمته كانه استوفاه حقيقة ثم يرجع بقيمته على الغاصب لان استحقاق ذلك من يده كان بجناية العبد عند المغاصب وان قال ولي قتيل الجارية أنا أضرب في الغلام بقيمتها دفع اليهما فيضرب فيه ولي قتيل الجارية بقيمتها وولي قتيل الغلام بالدية فيكون بينهما على أحد عشر كما بينا فان قدر الغاصب أو أيسر أدى إلى المولى قيمة الغلام وقيمة الجارية لانعدام الرد في الجارية أصلا ولانعدام سلامة الرد في الغلام فيدفع من قيمة الغلام إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ من قيمته بدل ما لم يسلم له من العبد به على الغاصب وقال ليس لولي قتيل الجارية الا ما أصابه من الغلام ولا يعطى من قيمة الجارية شئ وقد ذكر قبل هذا في المسألة القصيرة انه يعطى من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها تمام قيمتها ففي هذا الجواب روايتان وقد بينا وجه تلك الرواية ان حقهم كان ثابتا في جميعها فيعطون من بدلها كمال حقهم وجه هذه الرواية ان ما استوفى ولي قتيل الجارية من العبد كان بمقابلة الجارية فيكون استيفاؤه ذلك الجزء بمنزلة استيفائه جميع قيمتها فلا يكون له أن يرجع بشئ آخر بعد ذلك وهذا لانه كان مخيرا بين شيئين فإذا اختار أحدهما يعين ذلك له ولا يبقى له في المحل الاخر حق كالمغصوب منه إذا اختار تضمين الغاصب الاول أو الثاني وان اختار المولى الفداء فداه بعشرة آلاف وبقيمة الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة الغلام وبقيمتين في الجارية قيمة مكان القيمة التي أداها إلى أولياء جنايتها وقيمة أخرى بالغصب ليسلم له مكان الجارية وهذا قول أبي حنيفة فاما على قياس قولهما إذا أدى الغاصب قيمة الغلام وقيمة الجارية صار كأن الجارية كانت له لتقرر ضمانها عليه فيقال للمولى ادفع جزأ من أحد عشر جزأ من العبد إليه أو افده بقيمة الجارية وأي ذلك فعل لم يرجع على الغاصب بشئ لما بينا من حكم المقاصة فيما يرجع كل واحد منهما على
[ 60 ] صاحبه هذا تمام بيان هذه المسألة قال ولو غصب عبدا ثم أمره أن يقتل رجلا فقتله ثم رده إلى مولاه فقتل عنده آخر ثم عفا ولي قتيل الاول عن الدية كان على المولى أن يدفع نصفه إلى ولي قتيل الاخر أو يفديه بالدية لان حقه ما ثبت في العبد الا وهو مشغول بالجناية الاولى فلم يستحق من العبد الا نصفه ثم بعفو الاول لا يزداد حق الثاني وسواء دفعه أو فداه لم يرجع على الغاصب بشئ لان الرد قد سلم في حق الغاصب فان لم يستحق شئ من العبد بالجناية التي كانت عند الغاصب أو قد فرغ من تلك الجناية فهو كما كان مريضا فرده ثم برأ ولو دفعه اليهما قبل العفو ثم عفا الاول عما بقي له رجع المولى على الغاصب بنصف قيمته وهو بدل ما أخذه ولي الجناية الاولى لانه استحق ذلك بجنايته عند الغاصب والعفو انما ينصرف إلى ما بقي لا إلى ما استوفى فإذا أخذ نصف القيمة لم يدفعه إلى ولي الجناية الاولى لانه أسقط ما بقى من حقه بالعفو وإذا سلم ذلك للمولى لم يرجع به على الغاصب مرة أخرى قال وإذا اغتصب الرجل عبدا واستودع مولى العبد الغاصب أمة فقتل العبد قتيلا عند الغاصب ثم قتل الامة فانه يكون على الغاصب قيمة العبد لهلاكه عند الغاصب فإذا أخذها المولى دفعها إلى أولياء القتيل لان العبد قد مات وأخلف القيمة وكانت نفسه مستحقة لاولياء القتيل ثم يدفع الغاصب قيمة أخرى إلى المولى ليسلم له مكان العبد ثم يقال للمولى ادفع مثل الوديعة إلى الغاصب أو افدها بقيمة العبد لان العبد بالضمان صار مملوكا للغاصب وجناية الامة الوديعة على عبد المودع معتبرة فيخير مولاها بين الدفع أو الفداء ولو كان العبد هو الذي قتل الامة مع قتله الحر فاختار المولى الدفع قسم العبد على دية القتيل وقيمة الامة في قول أبي حنيفه فيأخذ أولياء القتيل من ذلك ما أصاب الدية ويأخذ المولى ما أصاب قيمة الامة ويضمن له الغائب تمام قيمة الامة ويرجع المولى على الغاصب من قيمة العبد بمثل ما أخذ أولياء القتيل لان العبد المغصوب جنى على أمة المغصوب منه ومن أصل أبي حنيفة ان جنايته على المغصوب منه وعلى ماله معتبرة فاما على قول أبي يوسف ومحمد لا يضرب المولى بشئ من قيمة أمته في العبد لان عندهما جناية المغصوب على مال المغصوب منه هدر وكون الامة أمانة للمغصوب منه في يد الغاصب ككونها في يد المغصوب منه فانما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الجناية ويرجع بقمته على الغاصب قال ولو غصب فانما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الحر ثم يرجع بها على الغاصب فيكون له ثم يقول ادفع الولد إلى الغاصب أو افده بقيمة الامة لان الولد كان أمانة
[ 61 ] للمغصوب منه في يده وقد ملك الامة بالضمان وقد بينا أن جناية الامانة على مال الامين معتبرة فيخير المولى بين الدفع أو الفداء لذلك قال ولو غصب رجلان عبدا فقتل في يدهما قتيلا ثم قتل أحدهما قيل للمولى ادفعه إلى أولياء القتيلين نصفين فمن قال من أصحابنا رحمهم الله ان على قول أبي حنيفة رحمه الله جناية المغصوب على الغاصب معتبرة وانما لا يعتبر جنايته على مال الغاصب بما يستدل به في هذه المسألة فان جعل جنايته على أحد الغاصبين كجنايته على الاجنبي حيث قال العبد بينهما نصفان ومن يقول جنايته على الغاصب هدر عنده يقول هذا الجواب قولهما فاما في قياس قول أبي حنيفة ينبغى أن يسلم ثلاثة أرباع العبد للاجنبي وربعه لولى الغاصب المقتول لان الجناية عليه انما تعتبر من النصف الذي هو غير مضمون عليه أما من النصف الذي هو مضمون عليه لا تعتبر عنده لان ضمان الغصب بمنزلة الملك فهو كجناية العبد المشترك على أحد الشريكين خطأ ثم إذا دفع العبد إلى أولياء القتيلين رجع على الغاصبين بقيمته لان الرد لم يسلم فيدفع نصفها إلى ولي قتيل الاول لانه استحق جميع العبد فارغا ولم يسلم له الا النصف وقد فات النصف الاخر وأخلف بدلا ثم يرجع به على الغاصب الاول يعني الحي منهما وفي مال الغاصب المقتول لان ذلك استحق بيده بجناية كانت عندهما فيكون ذلك له ولا يرجع فيها واحد من الغاصبين بشئ لان حق الغاصب المقتول ما يثبت الا في النصف العبد فانه جنى عليه وهو مشغول بالجناية الاولى وقد سلموا له نصفه والله أعلم (باب جناية المكاتب) (قال رحمه الله) وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فعليه أن يسعى في الاقل من ارشها ومن قيمتها يوم جنى لان المكاتب أحق بمكاسبه بمنزلة الحر ولا عاقلة له وهذا بخلاف المدبر وأم الولد فان بجنايتهما تجب القيمة على المولى لان الحق في كسبهما للمولى هناك يوضح الفرق ان المولى صار مانعا دفع الرقبة هناك بالتدبير السابق وهاهنا المكاتب صار مانع دفع رقبته بقبول عقد الكتابة فيكون عليه موجب الجناية فان قيل لا بل المولى صار مانعا دفع رقبته بايجاب الكتابة قلنا لا كذلك فانه لا يعتذر دفع الرقبة بايجابه هاهنا وانما يتعذر بقبول المكاتب ثم لا يتعذر الدفع بمجرد عقد الكتابة بل باستبراء أمته لانه بعد الفسخ يمكن دفعه بالجناية واستبراء أمة لمكاتب دون المولى فان للمكاتب أن يعجز نفسه فيفسخ العقد وليس للمولى
[ 62 ] ذلك فلهذا كان موجب الجناية على المكاتب ثم ان كان الارش أقل فبأدائه قد وصل إلى المستحق كمال حقه وان كانت قيمته أقل فهو ما منع الا رقبته فلا يلزمه أكثر من قيمة يوم جنى لانه لو كان بمحمل الدفع استحق ولي القتيل نفسه حين جنى فإذا كان الدفع متعذرا يعتبر قيمته يوم جنى ثم الاصل عندنا ان جناية المكاتب تتعلق برقبته وعند زفر موجب جنايته القمية دينا في ذمته ابتداء وانما يتيسر هذا في فصول أحدها إذا عجز قبل قضاء القاضى يسعى عندنا ويدفع بالجناية أو يفدى وعند زفر يباع في قيمته كما يباع في دين آخر لو كان عليه لان دفعه بالجناية ممتنع عند الجناية لحقه فيكون موجب الجناية القيمة ابتداء كما في المدبر وأم الولد وعندنا الدفع وان كان معتذرا في الحال ولكن لم يقع اليأس عنه بعد العجز فلتوهم الدفع تعلقت الجناية برقبته فإذا عجز تقررت الجناية في رقبته فيدفع بها أو يفدى بخلاف المدبر وأم الولد وفي الحقيقة انما تنبنى هذه المسألة على أن مجرد الكتابة هل يوجب حق العتق للمكاتب عند زفر يوجب ولهذا لا يجوز اعتاقه عن الكفارة وعندنا لا يوجب ولهذا جوزنا اعتاقه عن الكفارة فتتعلق الجناية برقبته وانما يتحول إلى القيمة عندنا باحدى معان ثلاثة اما قضاء القاضي بالقيمة لان بقضائه يتحقق معنى تعذر الدفع فيتحول الحق إلى القيمة كما إذا قضى القاضي في المغصوب الآبق أو بعتق المكاتب لانه يتحقق اليأس عن الدفع بالعين أو بموته عن وفاء لانه يؤدي كتابته ويحكم بعتقه في حال حياته فيتحقق اليأس عن الدفع ويتقرر حق ولي الجناية في القيمة فإذا عرفنا هذا فنقول إذا جنى المكاتب ثم جنى فان كان القاضى قضى للاول بالقيمة قبل الجناية الثانية فعليه أن يسعى لولي الجناية الثانية في الاقل من ارشها ومن قيمتها لان بقضاء القاضي تحول حق الاول إلى القيمة دينا في ذمته وفرغت الرقبة منه فيثبت فيها حق ولي الجناية الثانية وكذلك في كل جنايته يجنيها بعد القضاء بما قبلها وان لم يكن القاضى قضى في الاول بشئ فعليه الاقل من قيمته ومن ارش الجنايتين عندنا لان حق الوليين في الرقبة معتبر حتى لو عجز دفع اليهما فلا يلزمه الا قيمة واحدة بجميع الرقبة وعند زفر هذا وما بعد القضاء سواء لان حق كل واحد منهما ثبت في القيمة في ذمته ابتداء وفي الذمة سعة فان كانت الجناية نفسا وقيمته أكثر من عشرة آلاف سعى في عشرة الا عشرة دراهم لان قيمة المملوك بسبب الجناية لا نزيد على هذا المقدار فكذلك في الجناية منه لان في الموضعين وجوب القيمة بسبب الجناية فان قتل المكاتب رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم
[ 63 ] قتل آخر خطأ وقيمته ألفان فانه يقضي عليه أن يسعى في ألفين ألف منهما للاخر خاصة لان المعتبر قيمته حين جنى وقد جنى على الاول وقيمته ألف وجنى على الثاني وقيمته ألفان فالالف الثانية يختص بها ولي الجناية الثانية إذ لاحق فيها لولي الجناية الاولى وفي مقدار ألف يثبت حقهما فيقسم بينهما على تسعة عشر سهما قال وإذا قتل المكاتب قتيلين خطأ فقضى عليه بنصف الدية لاحدهما والاخر غائب ثم قتل آخر ثم عجز فاختار المولى الدفع فانه يدفع نصفه إلى الثالث ويتبعه الاول بنصف القيمة فيباع ذلك النصف فيه لان في النصف تحولت الجناية بقضاء القاضى إلى القيمة دينا في ذمته ثم جنى الجناية الثالثة يتعلق حق وليها بهذا النصف وقد اجتمع في هذا النصف جناية ودين فيدفع بالجناية أو لا ثم يباع في الدين لا بقاء الحقين ويدفع النصف الاخر إلى الثالث والاوسط لان حقهما جميعا يتعلق بذلك النصف فإذا دفع اليهما ضرب فيه الاوسط بعشرة آلاف لانه ما استوفى شيئا من حقه وضرب فيه الثالث بخمسة آلاف لان باستيفائه نصف العبد قد صار مستوفيا نصف حقه وانما بقي من حقه النصف فإذا ضرب بخمسة آلاف كان هذا النصف بينهما أثلاثا قال وإذا جنى المكاتب جناية ثم مات ولم يترك الا مائة درهم ومكاتبته أكثر من ذلك ولم يقض عليه بالجناية فالمائة لمولاه لانه مات عاجزا وقد انفسخت الكتابة وكانت الجناية في رقبته فيبطل حق ولي الجناية بموته لفوات محل حقه والمائة كسبه فهي لمولاه وهي على قول زفر المائة لولي الجناية لان جنايته كانت دينا والدين يقضي من كسبه بعد وفاته ولو ترك وفاء بالجناية والمكاتبة كان عليه الاقل من قيمته ومن ارش الجناية لان عقد الكتابة يبقى هاهنا فيستوفي المولى المكاتبة ويحكم بحريته بحياته فتصير جنايته دينا في ذمته بخلاف الاول ولو كان عليه دين مع ذلك بدئ بالدين لان الدين أقوى فانه مطلوب به قبل العجز وبعده مستوفيا من تركته سواء مات عن وفاء أو عن عجز بخلاف الجناية وعند الاجتماع يبدأ بالاقوى وروى عن قتادة انه قال قلت لسعيد ابن المسيب أخطأ شريح وان كان قاضيا وانما القضاء ما قضى به ويبدأ به في تركة المكاتب بدينه قال نعم فإذا قضى الدين بقيت الجناية وبدل الكتابة وفيما بقي وفاؤهما فيكون الحكم ما بينا في الفصل الاول وان كانت الجناية قد قضى بها حاص وليها صاحب الدين بالتركة لانه صار دينا متأكدا بقضاء القاضي كسائر الديون فالحاصل ان الدين أقوى الحقوق والكتابة أضعف الحقوق عليه من حيث انه لا يحبس به في حال حياته والجناية تتوسط بينهما من حيث
[ 64 ] انه يقضى بها عليه في حياته ويحبس لاجلها ولا تقضى من تركته بعد موته فلهذا بدأنا بالدين ثم بالجناية ثم بالكتابة الا أن تتأكد الجناية بقضاء القاضي فحينئذ هي كالدين وهذا بخلاف حال حياة المكاتب فانه إذا قضى بكسبه بدل الكتابة كان ذلك سالما للمولى لان الحقوق في ذمته وذمته تتقوى بعتقه فكان التدبير إليه في تقديم ما بينا من ذلك فاما بعد الموت الحقوق في ماله فيبدأ بالاقوى لهذا ولو مات المكاتب وترك ولدا قد ولد له في مكاتبته من أمته وعليه دين وجناية قد قضى بها أو لم يقض بها سعى الولد في الدين والجناية والمكاتبة لان عقد الكتابة يبقى ببقاء من يؤدي وما يبقي ببقاء ما يؤدى به يصير الجناية ما لا ثم لا يجبر على أن يبدأ من ذلك بشئ لانه خلف عن أبيه فكان بقاؤه كبقاء الاب وللاب في حال حياته أن يبدأ بأي ذلك شاء لانه بالبداءة بالكتابة يحصل العين لنفسه وتتقوى ذمته وهذا المعنى موجود في حق الولد بخلاف المال فهناك القاضي هو الذي يؤدي الحقوق من تركته فعليه أن يبدأ بالاقوى لهذا إذا عجز الولد ورد في الرق بعد ما قضى عليه بالجناية بيع وكان ثمنه بين الغرماء وأصحاب الجناية بالحصص وان عجز قبل القضاء بالجناية بطلت الجناية لان الولد قائم مقام أبيه وانفساخ الكتابة بعجزه كانفساخها بعجز الاب في حياته الا أن هناك الجناية متعلقة قبل القضاء فيدفع بها ثم يباع في الدين وههنا الجناية غير متعلقة برقبة الولد ولكن فات محل الجناية بموت الجاني حين ظهر العجز فلهذا بيع الولد في الدين خاصة فان كانت أم الولد حية حين مات المكاتب ولا دين على المكاتب وقد قضى عليه بالجناية أو لم يقض فان على الام والولد السعاية في الاقل من قيمة المكاتب ومن أرش الجناية مع بدل الكتابة لانهما يستفيدان العتق بالاداء فيقومان مقامه بالسعاية فيما عليه فان قضى عليهما بها أو لم يقض حتى قتل أحدهما قتيلا خطا قضى عليه بقيمته لولى القتيل لان كل واحد منهما بمنزلة المكاتب حين كان يسعى في بدل الكتابة ليعتق فيقضى عليه بقيمته في جنايته وهذا لا يشكل ان كان قضى عليهما بجناية المكاتب وكذلك ان لم يقض عليهما لان حق ولي الجناية المكاتب لا يتعلق برقبتهما حتى لو عجزا لم يدفع واحد منهما بتلك الجناية فلهذا قضى على الجاني منهما بقيمة لولى القتيل سوى ما عليهما لولى جناية المكاتب فان عجز بعد ذلك بيع كل واحد منهما في جنايته خاصة فان فضل من ثمنه شئ فالفضل لولي جناية المكاتب لان دين نفسه في تعلقه بماليته أقوى من دين الغير فلهذا كانت البداءة بما وجب على كل واحد منهما بسبب جنايته فلو ماتت المكاتبة وتركت مائة
[ 65 ] درهم وابنا ولدته في مكاتبتها وعليها دين وقد قتلت قتيلا خطأ فقضى بها أو لم يقضي على الابن أن يسعى في المكاتبة والدين والجناية ثم تلك المائة بين أهل الجناية والدين بالحصص لان المكاتبة غير عاجزة ما دام لها ابن يسعى في المكاتبة فتكون جنايتها دينا في هذه الحالة يقضى من كسبها كسائر الديون وان استدان الابن دينا وجني جناية فقضى عليه بذلك مع ما قضى عليه من دين أمه وجنايتها فعليه أن يسعى في ذلك كله لانه بمنزلة المكاتب فان عجز في دينه وجنايته خاصة فان فضل من ثمنه شئ كان في دين أمه وجنايتها بالحصص لان دين نفسه في ثمنها مقدم على دين امه وان كان انما عجز قبل أن يقضى عليه بجنايته دفعه مولاه بها أو فداه لان حق ولي جنايته في رقبته فيخير المولى بعد عجزه وإذا دفعه تبعه دينه خاصة فبيع فيه دون دين أمه وجنايتها فان فضل من ثمنه شئ لم يكن لصاحب دين الام وجنايتها عليه سبيل لانه ما تبعها شئ من ذلك في ملك المدفوع إليه بالجناية فان جنايته مقدمة في رقبته على الدين الذي لحقه من قبل امه بخلاف دين نفسه فان يبتعه في ملك المدفوع إليه لان حق ولي الجناية في ماليته غير مقدم على حق غريمه ولو فداه المولى فقد ظهر بالفداء من جنايته فيباع في دينه فان فضل من ثمنه شئ كان دين أمه وجنايتها لان هذا الفضل باق على ملك المولى وفي ملك المولى دين الام وجنايتها يقضى من مالية الولد وإذا جنى المكاتب ثم مات قبل أن يقتضى عليه بها وقد ترك وفاء بالمكاتبة فقد بينا في المكاتبة ان الجناية في هذه الحالة تصير مالا فيستوفى صاحب الجناية من تركته حقه قبل الكتابة ثم يؤدى بدل الكتابة مما بقي منه وان مات المكاتب وعليه دين وترك عبدا تاجرا عليه دين آخر بيع العبد في دينه خاصة لان دين نفسه في ماليته مقدم فان حق غريمه أسبق تعلقا بماليته من حق غريم المكاتب فان بقي من ثمنه شئ كان في دين المكاتب لانه في كسبه وان لم يكن على العبد دين ولكنه كان جنى جنايه وليس للمكاتب مال غيره فانه يخير المولى فان شاء دفعه هو وجميع الغرماء بالجناية ولا حق للغرماء فيه لما بينا ان حق ولي جنايته في نفسه مقدم على حق غرماء المكاتب فإذا دفع الجناية برضاهم لم يبق لهم عليه سبيل وان شاؤا فدوه بالدية ثم يباع في دين الغرماء لانه ظهر من الجناية إلى الفداء فان كان عليه دين أيضا فانه ايضا فانه يخير مولاه فان شاء دفعه وأتبعه دينه فبيع فيه ولا شئ لغرماء المكاتب وان شاء فداه ثم ببع في دينه خاصة فان فضل شئ كان لغرماء المكاتب لان المولى متطوع في الفداء وقد ظهر العبد به من الجناية فكأنه لم يكن في رقبته
[ 66 ] جناية ثم في الفصل الاول شرط في الدفع رضاء غرماء المكاتب وفي الفصل الثاني لم يشترط رضاءهم لان في هذا الفصل بامتناع الدفع لا يظهر حق غرماء المكاتب في ماليته لانه انما يباع في دين نفسه فلهذا لا يشترط رضاؤهم وفي الفصل الاول بامتناع الدفع يظهر حق غرماء المكاتب في مالتيه لانه يباع في دينهم إذ لا دين على العبد فلهذا المعنى اعتبر رضاؤهم في الدفع والله أعلم (باب جناية المكاتب بين اثنين) قال رحمه الله وإذا كان العبد بين اثنين فكاتب أحدهما نصيبه بغير أمر صاحبه ثم جنى جناية ثم أدى يعتق فالمسألة تشتمل على حكمين حكم الكتابة وحكم الجناية أما بيان حكم الكتابة في هذا الجنس قد تقدم حكمه في كتاب العتاق والمكاتب وانما تبين حكم الجناية فنقول يقضي على المكاتب بالاقل من نصف قيمته ونصف ارش الجناية لان النصف منه مكاتب حين جنى والبعض معتبر بالكل وقد تأكد حكم الكتابة بالاداء والعتق بالجناية وجناية المكاتب تلزمه بعد العتق الاقل من قيمته ومن ارش الجناية فكذلك في هذا النصف والذي لم يكاتب ان اختار تضمين الشريك واستسعاه في قيمة نصيبه وقبض هو ضامن للاول من نصف قيمة المكاتب ومن نصف ارش الجناية لان الجناية في نصبيه كانت متعلقة بالرقبة وقد فاتت وأخلف بدلا وهو ما قبض من نصف القيمة فيلزمه دفع ذلك إلى ولي الجناية الا أن يكون نصف الارش أقل منه وكذلك ان أعتقه لانه صار متلفا بالاعتاق الا انه لم يصر مختارا لان الدفع كان متعذرا بما يفديه من العتق فكان ضامنا للاقل من نصف قيمته ومن نصف ارش الجناية وكذلك لو كاتبه باذن الشريك فهذاو الاول في حكم الجناية سواء وانما يفترقان في حكم الضمان واثبات حق الفسخ وذلك من حكم الكتابة دون الجناية ولو خوصم المكاتب في الجناية قبل أن يعتق وقضى القاضي عليه بالاقل من نصف قيمته ونصف الارش ثم عجز عن المكاتبة فانه يباع نصيب المكاتب منه فيما قضى به عليه لانه صار دينا في ذمته بقضاء القاضي ويقال للاخر ادفع نصيبك بنصف الجناية أو أفده بنصف ارشها لان الجناية في نصيبه متعلقة بالرقبة فان القاضي لم يقض فيها بشئ فيخير المولى بين الدفع والفداء وإذا كاتب أحدهما نصيبه ثم اشترى المكاتب عبدا فجنى جناية ثم أدى المكاتبة فعتق فانه يخير المكاتب والذي لم يكاتب فان شا آدفعا وان شاآ أفدياه بالدية لان العبد مشترك بين الذي لم يكاتب وبين المكاتب نصفين باعتبار ما يكاتب
[ 67 ] منه وقد تقرر ملك المكاتب في نصيبه بالعتق وجناية العبد المشترك توجب للموليين الخيار بين الدفع والفداء فان كان هذا العبد الجاني ابن المكاتب وولد عنده من أمة له كان عليه أن يسعى في الاقل من نصف قيمته ومن ارش الجناية لان النصف منه كان مكاتبا مع ابنه وقد عتق باداء الاب فيلزمه في هذا النصف ما كان يلزم الاب لو جنى بنفسه وليس على الذي لم يكاتب شئ حتى يعتق أو يستسعى ثم يضمن الاقل من نصف قيمته ومن ارش الجناية لانه ان أعتق نصيبه فقد صار مستهلكا على وجه ثم يصير مختارا وان استسعاه فقد استوفى بدل نصيبه وحق ولي الجناية في نصبيه كان مقدما على حقه ولو كان هذا الابن جنى على أبيه ثم أدى الاب فعتق فعلى الابن نصف قيمة نفسه فيسعى فيه للذي لم يكاتب ولا ضمان على المكاتب في ذلك بخلاف الام فالمكاتب ضامن لنصف قيمتها للذي لم يكاتب لانه صار متملكا نصيب الذي لم يكاتب منها حين صارت أم ولد له فيلزمه نصف قيمتها ولا سعاية على أم الولد بحال وهو لم يصر متملكا نصيب الذي لم يكاتب من الولد وانما احتبس نصيبه عند الولد فللذى لم يكاتب الخيار بين أن يعتق نصبيه منه أو يستسعيه في قيمة نصيبه وأما جناية الابن على الاب فقد جنى حين جنى ونصفه مكاتب مع أبيه ونصفه رقيق والاب كذلك فما كان في الاب من حصة الذي لم يكاتب فهو في عنق الابن يأخذه المولى من الابن يعني النصف الذي هو مكاتب من الابن حيث جنى على نصيب الذي لم يكاتب وما كان من جناية نصيب الذي لم يكاتب من الابن على النصف الذي هو مكاتب يوجب على الذي لم يكاتب الاقل من نصف قيمته ومن ربع قيمة المكاتب فقد وجب لكل واحد منهم على صاحبه مثل ما لصاحبه عليه فيكون قصاصا ولا يكون لاحد على أحد شئ وإذا كانت أمة بين رجلين كاتب أحدهما حصته منها ثم ولدت ولدا ثم ازدادت خيرا أو انتقصت بعيب ثم أدت فعتقت فاختار الشريك تضمين المكاتب ضمنه نصف قيمتها يوم عتقت لان ملكه انما تلف بالعتق (ألا ترى) ان قبل الاداء كان متمكنا من فسخ الكتابة واستيفاء حقه وان لم يضف ما اكتسب قبل أن يعتق ونصف ارش ما جنى عليها ولو كان الضمان وجب بنفس الكتابة لم يكن له من ذلك شئ وللذي لم يكاتب أن يستسعى الابن في قيمة نصيبه لانه لما عتق نصيب المكاتب من الابن فقد احتبس نصيب الشريك عند الولد فيستسعيه في قيمة نصيبه منها ولو كاتب أحدهما نصيبه منها ثم ولدت ولدا فكاتب الاخر نصيبه من الولد ثم جنى الولد على الامة أو جنت عليه جناية لا تبلغ النفس
[ 68 ] ثم أديا فعتق والموليان موسران فللذي كاتب الولدان يضمن الذي كاتب الام نصف قيمتها ان شاء استسعاها وان شاء اعتقها لانه أفسد نصيب الشريك منها بما صنع ولم يوجد من الشريك دلالة الرضاء في ذلك لان كتابة الولد لا تكون رضى منه بكتابة الام ولاضمان عليه للذي كاتب الام على شريكه في الولد لان نصيب الذي كاتب الام من الولد ما أفسد على شريكه نصبيه من الولد وجناية كل واحد منهما على صاحبه على ما وصفت لك في العبد وأبيه من حكم المقاصة لان الجناية على نصف الولد الذي كاتبه المولى لا يبطل منها شئ بالكتابة فكان وجود ذلك كعدمه فلهذا كان قصاصا ولا شئ لواحد منهما على صاحبه قال وإذا كان العبد بين اثنين ففقأعين أحدهما وقيمته ألف ثم ان الذي فقئت عينه كاتب نصيبه منه ثم جرحه جرحا آخر ثم أدى فعتق ثم مات المولى بالجنايتين فنقول في بيان حكم الجناية ان على الحي منهما أن يدفع نصف قيمة العبد إلى ورثة الميت بجنايته سواء استوفى الضمان من شركة شريكه أو استسعى العبد أو أعتقه لان نصيبه جنى عليه جنايتين أحدهما قبل الكتابة والاخر بعده وحكمهما سواء في حقه وهو انه صار مستهلكا لنصيبه على وجه لم يصر مختارا فيلزمه نصف قيمته وعلى العبد أن يسعى في الاقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لورثة الميت لان النصف الذي هو نصيب المجني عليه جنى جنايتين احدهما قبل الكتابة وهي هدر والاخرى بعدها وهي توجب موجبها على المكاتب بمنزلة جنايته على أجنبي آخر فلهذا كان عليه الاقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لورثة الميت من قبل الجناية قال وإذا كان العبد بين رجلين فجنى على أحدهما ففقأ عينه أو قطع يده ثم ان الاخر باع نصف نصيبه من شريكه وهو يعلم بالجناية ثم جنى عليه العبد أيضا جناية أخرى ثم ان الذى باع ربعه اشترى ذلك الربع ثم كاتبه المجني عليه على نصيبه منه ثم جنى عليه جناية اخرى ثم أدى فعتق ثم مات المولى من الجنايات فعلى المكاتب الاقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لان النصف الذي هو مكاتب منه جنى على مولاه ثلاث جنايات جنايتين قبل الكتابة وحكمها سواء في أنه هدر وجناية بعد الكتابة وهي معتبرة ولهذا كان عليه الاقل من نصف قيمته ومن ربع الدية على الذي لم يكاتب سدس وربع سدس دية صاحبه والاقل من نصف قيمة العبد ومن سدس وربع سدس الدية ولا يؤدى هذا النصف حتى يعتق أو يستسعى أو يضمن وقد بطل نصف سدس لانه قد جري في نصف نصيبه البيع والشراء ولم يجر في النصف الاخير فلا بد من اعتبار
[ 69 ] ذلك فنقول أما نصف نصيبه الذي جرى فيه البيع والشراء فقد أتلف ربع النفس بثلاث جنايات جناية قبل البيع وقد صار المولى مختارا لذلك البيع وجناية بعد البيع وذلك هدر لان جناية المملوك على المالك وجناية بعد الشراء وهي معتبرة فمن هذا الوجه يبطل ثلث الربع وهو نصف سدس الدية وأما النصف الذي لم يجر فيه البيع والشراء جنى على ربع النفس أيضا ثلاث جنايات احدهما قبل البيع وقد صار مختارا بذلك لان بيع البعض باختيار الفداء كبيع الكل ويتبين بعد البيع وحكمهما سواء في حق التعلق بالرقبة فيتوزع هذا نصفان فلهذا قال على الذي لم يكاتب سدس الدية وربع سدس الدية مقدار ما صار مختارا له ببيع نصف نصيبه ومثل ذلك متعلق بنصيبه وقد تعذر الدفع بكتابة شريكه على وجه لم يصر مختارا فيلزمه الاقل من نصف قيمة العبد ومن سدس وربع سدس الدية ولكن هذا الاستهلاك انما يتحقق إذا أعتق أو استسعى أو ضمن فلهذا لا يلزمه هذا النصف ما لم يوجد أحد هذه المعاني قال وإذا كان العبد بين اثنين فقطع يد رجل ثم باعه أحدهما من صاحبه وهو يعلم ثم اشتراه منه فقطع يد آخر وفقأ عين الاول ثم ماتا من ذلك قيل لشريك المشترى ادفع نصفك إلى أولياء القتيلين نصفين أو افده بعشرة آلاف لان الجنايتين تعلقتا بنصيبه الذي كان له في الاصل ولم يوجد في ذلك النصف ما يكون دليل اختيار فيخير بين دفعه اليهما وبين ان يفدى كل واحد منهما بنصف الدية ويقال للبائع ادفع ألفين وخمسمائة إلى ولي قتيل الاول لان نصيبه جنى على القتيل الاول جنايتين احدهما قبل البيع والاخرى بعد الشراء فيصير مختارا لما كان قبل البيع حين باعه وهو يعلم بجنايته فلهذا يلزمه أن يدفع إليه الفين وخمسمائة ثم يخير بعد ذلك بين أن يدفع نصيبه اليهما أو يفديهما لولي القتيل الاخر بخمسة آلاف ولولي القتيل الاول ألفين وخمسمائة باعتبار جنايته عليهما بعد الشراء فإذا اختار الدفع كان هذا النصف مقسوما بينهما أثلاثا لولي قتيل الاول وثلثاه لولي قتيل الاخر على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما قال وإذا كان العبد بين رجلين فجرح رجلا جرحا خطأ فكاتبه أحد الشريكين وهو يعلم بذلك ثم جرحه أيضا ثم مات الرجل من ذلك كله فعلى الذي كاتب أولاربع الدية لان نصيبه من العبد حين جنى ثلاث جنايات على نصف النفس احدها قبل الكتابة واثنان بعد الكتابة وحكمهما سواء فانقسم هذا النصف نصفين وذلك قد صار مختارا له بالكتابة فعليه ربع الدية ونصف ذلك يكون على المكاتب وأما الذي كاتب آخر فنصيبه أيضا حين جنى ثلاث جنايات جنايتين قبل الكتابة
[ 70 ] وحكمهما سواء في حقه وجناية بعد الكتابة فيوزع أيضا هذا النصف نصفين نصفه على الذي كاتب آخرا فيلزمه الاقل من نصف القيمة ومن ربع الدية لان بكتابة نصيبه صار مستهلكا لامختارا فقد كان الدفع متعذرا قبل هذا بكتابة شريكه فلهذا لزمه الاقل من نصف القيمة ومن ربع الدية وعلى المكاتب الاقل من قيمته ومن نصف الدية لان كل نصف منه جنى بعد الكتابة وموجب ذلك عليه وانما تلف نصف النفس بالجنايات الموجودة منه بعد الكتابة فلهذا كان عليه الاقل من قيمته ومن نصف الدية وهذا كله قياس قول أبي حنيفة بناء على ان الكتابة تتجزأ والله أعلم (باب جناية المدبر) (قال رحمه الله) قد بينا ان جناية المدبر لا تتعلق برقبته ولا تكون على عاقلة مولاه لانه مملوك وانما توجب على المولى قيمته يوم جنى المدبر لانه بالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة عند الجناية ولم يصر مختارا بذلك التدبير لانه عند التدبير ما كان يعلم انه جنى فيكون مستهلكا ضامنا للقيمة ولا يلزمه الا قيمة واحده وان كثرت الجناية من المدبر لانه ما منع الا رقبة واحدة ولكن تلك القيمة مشتركة بين أولياء الجنايتين سواء قربت المدة فيما بينهما أو بعدت لانها قائمة مقام الرقبة في تعلق حق أولياء الجنايات بها فان قتل المدبر رجلا خطا وفقأ عين آخر فعلى مولاه قيمته لاصحاب الجنايتين اثلاثا لانه لو كان محل الدفع كان يدفع اليهما أثلاثا فكذلك القيمة في المدبر والمعنى ان كل واحد منهما يضرب بجميع حقه وحق ولي القتيل في الدية وحق الاخر في ارش العين فان اكتسب كسبا أو وهب له هبة لم يكن لاهل الجناية من ذلك شئ لان حقهم في القيمة دينا في الذمة فكما لا يكون لهم حق في كسب المولى فكذلك في كسب المدبر ولو قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته الف درهم ثم ذهبت عينه فعلى المولى قيمته يوم جنى لان بذهاب العين فات نصفه ولو مات بعد الجناية لم يسقط شئ من قيمته عن المولى فكذلك إذا ذهبت عينه وكذلك لو ازدادت قيمته لان حق أولياء الجناية لا يثبت في تلك الزيادة فان الجناية ما تعلقت برقبته أصلا فان دفع المولى قيمته إلى ولي الجناية ولم يحدث به عيب ثم قتل رجلا آخر خطأ فان كان دفع إلى الاول بقضاء قاض فلا سبيل للثاني على المولى لانه ما ألزمه أكثر من قيمة واحدة بجناياته ودفعها إلى الاول بقضاء قاض كدفع القاضى نفسه فلا سبيل للثاني على المولى ولكنه يتبع الاول فيأخذ منه نصف القيمة وان قد كان دفعها
[ 71 ] بغير قضاء قاض علي قول أبي يوسف ومحمد الجواب كذلك وعند أبى حنيفة للثاني الخيار ان شاء اتبع الاول بنصف القيمة وان شاء اتبع المولى بذلك فإذا أخذه منه رجع المولى به على الاول وجه قولهما في المسألة ان المولى حين دفع القيمة إلى الاول فقد فعل بنفسه غير ما يأمره القاضي به لو رفع الامر إليه فيكون القضاء وغير القضاء سواء كما في الرجوع بالهبة وأخذ الدار بالشفعة بعد وجوبها وهذا لانه حين دفع ما كان لاحد في القيمة حق سوى الاول لان السبب الموجب لحق الثاني وهو الجناية لم يوجد بعد والحكم لا يسبق السبب فلا يكون بهذا الدفع جانيا في حق الثاني فلا يضمن له شيأ وكيف يكون جانيا في حقه ولو أن ادان يمنع بعض القيمة من الاول لمكان حق الثاني ما كان يتمكن من ذلك وأبو حنيفة يقول القيمة انما تجب على المولى باعتبار منع الرقبة وانما منعها بالتدبير السابق وذلك في حق أولياء الجنايتين جميعا سواء فيجعل في حق أولياء الجنايتين كان دفع القيمة من المولى كان بعد وجوب الجنايتين جميعا وهناك ان دفع إلى أحدهما جميع القيمة بقضاء القاضي لم يضمن للثاني شيأ وان دفع بغير قضاء القاضى كان للثاني الخيار فهذا مثله والدليل على أن المعتبر هذا ان للثاني حق المشاركة مع الاول في تلك القيمة ولايكون ذلك الا باعتبار ما بينا وهو أن يجعل كانه جنى عليهما في حالة واحدة يوضحه ان بذلك التدبير انعقد سبب ثبوت حق ولي الجناية في القيمة دينا في ذمة المولى عند جنايته فهو يدفع القيمة نحو ذلك الحق من ذمته إلى المدفوع فان كان ذلك بقضاء القاضي ثم التحويل لان للقاضي هذه الولاية وان كان بدون قضاء القاضي لم يتم التحويل لانه ليس للمولى هذه الولاية فيبقى الخيار لولي الجناية الثانية ان شاء رضى بهذا التحويل واتبع الاول بنصف القيمة وان شاء لم يرض بهذا واتبع المولى بنصف القيمة في ذمته ثم يرجع المولى على الاول لانه تبين انه استوفى منه زيادة على مقدار حقه وهو نظير الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين من التركة ولم يعلم بالدين الاخر أو قضى دين الغريم ثم أحدث آخر بسبب كان وجد من الميت في حياته فان كان دفعه بقضاء القاضى لم يضمن للثاني شيأ ولكن الثاني يتبع الاول بنصيبه وان كان الدفع بغير قضاء قاض كان للثاني الخيار بين ان يتبع الاول بنصيبه وبين أن يضمن الوصي ثم يرجع الوصي به على الاول وام الولد بمنزلة المدبر في جميع ما ذكرنا لان دفعها بالجناية تعذر بسبب لا يحتمل الفسخ فتكون كالمدبر في حكم الجناية لان المولى أحق بكسبهما قال وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ازدادت قيمته
[ 72 ] إلى ألفين ثم قتل آخر خطأ ثم أصابه عيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر خطأ فعلى مولاه ألفا درهم لانه جنى على الثاني وقيمته ألفان ولو لم يكن منه الا تلك الجناية لكان المولى ضامنا قيمته ثم ألف من هذا لولي القتيل الاوسط خاصة لان ولي الاول انما ثبت حقه في قيمته يوم جنى على وليه وهو ألف درهم فلا حق له في الالف الثاني فيسلم ذلك المولى قتيل الاوسط وخمسمائة منها بين ولي القتيل الاول وبين الاوسط لانه لاحق في هذه الخمسمائة لولي قتيل الثالث وانما حقه في قيمته يوم جنى على وليه فيقسم هذه الخمسمائة بين الاوسط والاول يضرب فيه الاول بعشرة آلاف والاوسط بتسعة آلاف لانه وصل إليه من حقه شئ ويضرب فيه الاول بعشرة آلاف الا ما أخذ لانه وصل إليه من حقه مقدار المأخوذ فلا يضرب به وكذلك الاوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين وانما يضرب بما بقي من حقه فيقسم الخمسمائة بينهم على ذلك قال ولو قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم فدفعه المولى بقضاء قاض ثم رجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر فان خمسمائة مما أخذ الاول للاول خاصة لان حق الثاني انما يثبت في قيمته عند الجناية على وليه وهي خمسمائة فبقيت الخمسمائة الاخرى سالمة للاول بلا منازعة والخمسمائة الباقية بينهما يضرب فيها الاول بعشرة آلاف الا خمسمائة والاخر بعشرة آلاف فتكون ذلك مقسومة بينهما على تسعة وثلاثين سهما لانه يجعل كل خمسمائة منها سهما قال وإذا اجتمع مدبر وأم ولد وعبد ومكاتب فقتلوا رجلا فكل واحد منهم أتلف ربع النفس فيقال لمولى العبد ادفعه أو افده بربع الدية ويسعى المكاتب في الاقل من قيمته ومن ربع الدية وعلى مولى المدبر الاقل من قيمته ومن ربع الدية وعلى مولى أم الولد الاقل من قيمتها ومن ربع الدية اعتبار بما لو انفرد كل واحد منهم بجنايته ولو قتل المدبر قتيلا خطأ واستهلك مالا فعلى المولى قيمته لاولياء القتيل وعلى المدبر أن يسعى فيما استهلك من المال لان ما يستهلكه المدبر من المال يكون دينا في ذمته يقضى من كسبه ولا يكون المولى ضامنا بسببه شيأ من قبل أن يحل قضاء الدين وذلك لا يتغير بالتدبير ومحل موجب الجناية الرقبة وبالتدبير يتعذر دفعها فيجب على المولى القيمة لذلك (ألا ترى) ان المملوك يدفع بالجناية أو يفدى وانه يباع في الدين إذا لم يكن له كسب فبه يظهر الفرق ثم لا يشارك أحد الفريقين الاخر فيما يأخذ لان حقهما ما اجتمع في محل واحد فان حق أولياء القتيل في ذمة المولى وحق أصحاب الدين في كسب المدبر فمن أي وجه تثبت الشركة
[ 73 ] بينهما فان مات المولى قبل أن يقضي شيأ من ذلك ولا مال للمولى غيره فان المدبر يسعى في قيمته فيكون أصحاب ديته أحق بها لان أصل الجناية كان دينا في ذمة المولى وذلك يمنع سلامة شئ من الرقبه للمدبر لان التدبير وصية والوصية بعد الدين فيلزمه السعاية في قيمته لرد الوصية ثم أصحاب ديته أحق بهذه القيمة من أصحاب جنايته لان دينهم في ذمته والسعاية بدل ماليته وحق غرمائه في ماليته مقدم على حق المولى وعلى حق غرماء المولى لان حق غرماء المولى انما يثبت في هذه المالية من جهة المولى فإذا استغرق دينه هذه المالية لم يكن للمولى فيها حق فكذلك لا يكون لغريم المولى فيها حق وان كان دينه أكثر من قيمته فعليه السعاية في الفضل ايضا لان بالعتق يتقرر ما بقي من الدين في ذمته وان كان الدين عليه أقل من قيمته فالفضل من القيمة على مقدار دينه يكون لاصحاب الجناية باعتبار ان ذلك الفضل حق المولى فيقضى به منه دين المولى ولا شئ لهم عليه أكثر من ذلك لان حقهم انما يثبت من جهة المولى وكذلك لو كان القاضي قضى على المولى بالقيمه لاولياء الجناية وعلى المدبر بالسعاية في الدين قبل موت المولى فهذا تقرير منه للحكم الذي كان نابتا فلا يتقرر به الجواب وأما ام الولد فلا تسعى لايجاب الجناية في شئ لان عتقها ليس بوصية ولا يمتنع لمكان دين المولى وجناية المدبر وأم الولد على المولى في نفس أو ما دونها خطأ وعلى مماليكه هدر لانه لا فائدة في اعتبارها فانها لو اعتبرت أو جبت على المولى القيمة له الا ان المدبر يسعى في قيمته إذا قتل مولاه لانه لا وصية له فانه قاتل والقاتل عن الوصية والميراث محروم فعليه رد رقبته وقد تعذر ردها فلزمه السعاية في قيمته قال لو قتل المدبر مولاه عمدا فعليه أن يسعى في قيمته لرد الوصية وعليه القصاص للقتل العمد وللورثة الخيار ان شاؤا قتلوا قصاصا في الحال وقد قوى حقهم في السعاية الا انهم رضوا بذلك وان شاؤا استسعوه في القيمة أولا فإذا استوفوا ذلك منه قتلوه قصاصا لان كل واحد منهم خالص حق الورثة فالتدبير في التقديم والتأخير في الاستسعاء إليهم وان كان له ابنان فعفا أحدهما عنه فعلى المدبر أن يسعى في نصف قيمته للذي لم يعف لانه لزمه السعاية في جميع قيمته لرد الوصية فيكون بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة وعندهما هو حر عليه دين وعند عفو أحدهما انما ينقلب نصيب الاخر مالا في الحال وهو في الحال مكاتب أو حر من أهل أن يجب عليه المال لمولاه ولمن يخلفه من الورثة الا أن الوجوب بسبب جناية كانت منه في حال الرق فيكون الواجب
[ 74 ] من القيمة دون الدية فلهذا يسعى في نصف قيمته للذي لم يعف مع السعاية في جميع القيمة لهما باعتبار رد الوصية فان كان على المولى دين بدئ بالدين من جميع ذلك لان ما وجب للمولى باعتبار انه بدل نفسه أو بدل ملكه فيقضي دينه من جميع ذلك والباقي بين الوارثين أثلاثا لان الباقي يقسم بينهما على ما كان يقسم عليه الكل لولا الدين ولولا الدين لكان للذي لم يعف قيمة كاملة وللاخر نصف القيمة فكذلك ما بقي يقسم بينهما على ذلك اثلاثا ولو قتلت أم الولد مولاها عمدا ولا ولد لها منه فعليها القصاص ولا سعاية عليها لان عتقها ليس بوصية فلا يمنع سبب القتل وان كان لها منه ولد فلا قصاص عليها لان الولد ورث جزأ من القصاص على أبيه وذلك مسقط للقصاص عليها وعليها أن تسعى في القيمة من قبل الجناية لان القصاص كان وجب فانه ما لم يجب لا يصير ميراثا لولدها وما لم يصير ميراثا لولدها لا يسقط فانما تعذر استيفاء القصاص باعتبار الولادة وهي حرة حين سقط القصاص فيجب أن يلحق المال لمولاها ولمن يخلف مولاها الا أن وجوب المال بسبب جنايتها في حالة الرق فلهذا يلزمها القيمة دون الدية وكما ان نصيب سائر الورثة انقلب مالا فكذلك نصيب الولد لانه تعذر عليه استيفاء القصاص لا بمعنى من جهته مع بقاء المحل قال وإذا قتل العبد مولاه عمدا فعليه القصاص لان العبد في حكم الدم مبقي على الحرية والمولى من دمه كاجنبي آخر فيستحق دمه بالقصاص لما لم يكن مستحقا له بالمال فان كا له وليان فعفا أحدهما عنه بطل الدم كله وهو عندهما وهو قول أبي حنيفه ومحمد وقال أبو يوسف على الذي عفا أن يدفع نصيبه إلى الذي لم يعف أو يفدية بربع الدية لانه صار مشتركا بينهما بالارث نصفين وبعفو أحدهما ينقلب نصيب الاخر مالا عند العفو وعند العفو نصفه للعافي ونصفه للذي لم يعف ويجوز أن يستحق الذي لم يعف نصيب صاحبه بالجناية ولايجوز أن يستحق نصيب نفسه فحين انقلب مالا كان نصف ذلك في نصيبه فيهدر ونصفه في نصيب صاحبه فيثبت ويخاطب بالدفع أو الفداء كما بينا في المدبر وأم الولد إذا انقلب القصاص الذي عليهما مالا بعد موت المولى وهما يقولان العبد بعد الموت مبقي على حكم ملك الميت ولهذا يقضي منه ديونه وتنفذ وصاياه ولو انقلب نصيب الاخر مالا بعد عفو أحدهما كان ذلك للميت أيضا حتى يقضي منه ديونه فانما يكون هذا ايجاب المال للميت بالجناية في ملكه وذلك لا يجوز كما لو قتل العبد مولاه خطأ فان هناك لا يجب شئ وان كان لو وجب انما يجب بعد الموت وبعد الموت الملك للوارث ولكن قيل هو كالباقي على ملك
[ 75 ] الميت حكما لانه يبقي للوارث الملك الذي كان ثابتا للمورث أو الوارث قائم مقام المورث فكما لا يجوز ان يجب للمورث بسبب هذه الجناية مال على العبد لا يجوز ان يجب للوارث بخلاف المدبر وأم الولد فقد عتقا بالموت وصار الكسب لهما على الخلوص فلو أوجبنا المال عند تعذر استيفاء القصاص لا يكون ذلك واجبا للمالك في حكم ملكه وانما يكون واجبا له على معتقه وذلك متسقيم ولو قتل المدبر مولاه عمدا وله وليان أحدهما ابن المدبر فعلى المدبر أن يسعى في قيمتين قيمة لرد الوصية وقيمة بالجناية لان ابنه قد ورث بعض القصاص عليه فتعذر استيفاؤه وينقلب كله مالا وهو في هذه الحالة حرا أو مكاتبا وقد بينا نظيره في أم الولد ولو حفر المدبر بئرا في الطريق فوقع فيها المولى فمات فلا شئ على المدبر لان هذا لا يكون أعلى مما إذا قتله خطأ وهناك لا يجب على المدبر بالجناية شئ فهاهنا لا يحرم الوصية مسبب وكما لا يحرم المسبب الميراث فكذلك لا يحرم الوصية فلهذا أعتق من الثلث قال وإذا قتل المدبر رجلا وقيمته ألف درهم ثم فقأ رجل عين المدبر يغرم خمسمائة درهم ثم قتل المدبر رجلان آخر فان الخمسمائة ارش العين للمولى لاحق لاولياء الجناية فيه لان الجناية لم تتعلق برقبته وعلى المولى ألف درهم قيمته يوم جنى على الاول خمسمائة منها للاول خاصة لان حق الثاني انما يثبت في قيمته يوم جنى على وليه وقد كانت قيمته خمسمائة فلهذا أسلمت الخمسمائة للاول والخمسمائة الباقية يضرب فيها الثاني بالدية والاول بالدية إلا الخمسمائة لانه قد استوفى ذلك ولو كان الباقي عبدا فدفع به كان للمولى أيضا لان حق ولي الجناية انما يثبت في رقبته فلا يثبت فيما يكون بدل جزء منه (ألا ترى) ان المولى لو لم يأخذ العبد في الجناية أصلا أو أخذه وباعه أو وهبه لم يضمن لاصحاب الجناية بذلك شيأ وكان عليه قيمة المدبر صحيحا ولو استهلك المدبر لرجل ألف درهم فاعتقه مولاه لم يضمن لصاحب الدين شيأ لان حق صاحب الدين في كسبه وسعايته ولم يتعين ذلك باعتاقه اياه في ابائه ولو لم يعتقه ولكن رجلا قتل المدبر فغرم قيمته وجنى المدبر ثم مات المولى ولا مال له غير ذلك فصاحب الدين أحق بالقيمة من صاحب الجناية لان بدل رقبته بمنزلة كسبه في وجوب صرفه إلى الدين ولان دين نفسه مقدم على دين مولاه في مالية رقبته وحق صاحب الجناية على مولاه فلهذا كان صاحب الدين أحق بالقيمة من صاحب الجناية سواء كان المولى حيا أو ميتا قال وإذا قتل المدبر رجلين أحدهما عمدا والاخر خطأ فعليه القصاص وعلى المولى قيمته لاصحاب الخطأ فان عفا أحد ولي العمد فالقيمة بين الذى لم يعف
[ 76 ] وبين ولي الخطأ يقسم على طريق العول اثلاثا في قول أبي حنيفة وفي قولهما على طريق المنازعة ارباعا وكذلك لو كان القاتل قنادفعه المولى وقد بينا نظير هذه المسألة في المأذون وجميعها واضدادها ونظيرها في كتاب الدعوى فهما يقولان حق الذي لم يعف ثابت في النصف دون النصف فيسلم لولي الخطأ النصف الذي هو حصة العافي لفراغ ذلك النصف عن حق الذي لم يعف والنصف الاخر حقهما فيه سواء فيكون بينهما نصفان وهذا بخلاف ما إذا قتل العبد أو المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر لان هناك حق صاحب العين ثابت في الكل بدليل انه لو انفرد كان المولى مخاطبا بدفع جميع العبد إليه أو الفداء وكذلك في الدين يدفع إليه جميع القيمة الا أن يكون الارش أقل من ذلك وهاهنا حق الذي لم يعف في النصف دون النصف بدليل حالة الانفراد وأبو حنيفة يقول أصل كل واحد منهما في الارش وحق ولي الخطأ عشرة آلاف وحق الذي لم يعف من ولي الدم خمسة آلاف وانما وجب قسم ألفين بينهما بسبب حق الدين في الذمة فيضرب كل واحد منهما بحقه بمنزلة الغرماء في التركة وبمنزلة صاحب النفس من صاحب العين وعلى هذا الخلاف لو قتل المدبر رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما ثم قتل آخر خطأ فعلى المولى القيمة وقسمتها بينهما على الخلاف الذي بينا وروي الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهما الله ان لولي القتيل نصف القيمة وللذي لم يعف من ولي العمد ربع القيمة ويسقط ربع القيمة عن المولى بعفو العافي وهو قول زفر وهو القياس وقد بينا الخلاف فيما إذا جنى العبد المغصوب عند الغاصب وعند مولاه ففي المدبر الحكم على ذلك التفصيل أيضا لان القيمة في جناية المدبر بمنزلة الرقبة في جناية القن يقول فان غصب رجل مدبرا فقتل عنده قتيلا واستهلك لرجل ما لا ثم رده على المولى فقتل عنده رجلين خطأ فعلى المولى قيمته بين أصحاب الجنايات اثلاثا ثم يرجع المولى على الغاصب بثلث القيمة وهو ما استحقه ولي القتيل الاول بجنايته عند الغاصب فيدفع ذلك إلى الاول ثم يرجع بثلث القيمة أيضا فيدفعه إلى الاول حتى يسلم له قيمة تامة كما استحقه ثم يرجع بمثله على الغاصب فيدفع نصفه إلى الثاني لان حق الثاني ثبت في نصف القيمة وقد سلم له الثلث فيدفع إليه نصف الثلث ولا يرجع به على الغاصب لان هذا استحق بجنايته عند المولى وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يرجع بثلث القيمة فيسلم له ويسعى المدبر لصاحب الدين في دينه فإذا قضاه يرجع المولى بالاقل من قيمته ومن الدين على الغاصب لانه انما قضى الدين من كسب مملوك للمولى
[ 77 ] وكان استحقاق ذلك كان منه عند الغاصب فيرجع المولى به على الغاصب الا أن تكون قيمته أقل من ذلك فحينئذ لا يرجع الا بقدر القيمة لان الغاصب انما يصير ضامنا باعتبار ان الرد لم يسلم فيجعل كالهالك في يده قال وإذا قتل المدبر رجلا خطا ثم غصبه رجل فقتل عنده رجلا عمدا ثم رده إلى المولى فانه يقتل قصاصا وعلى المولى قيمته لصاحب الخطأ بالجناية التي كانت منه عند المولى ويرجع على الغاصب بقيمته لانه قتل بجناية كانت منه عند الغاصب فلم يسلم الرد للمولى فان عفا أحد ولي العمد كانت القيمة بينهم ارباعا في قول أبي يوسف ومحمد واثلاثا في قول أبي حنيفة ثم يرجع على الغاصب بما أخذه صاحب العمد منه لان ذلك القدر استحق بجنايته عند الغاصب ثم يدفع ذلك إلى صاحب الخطأ لان حقه كان يثبت في جميع القيمة فلا يسلم للمولى شئ من قيمته ما لم يصل إليه كما حقه ولو قتل عند الغاصب أولا رجلا عمدا ثم رده إلى المولى فقتل عنده رجلا خطأ بعد ما عفا أحد ولي الدم فعلى المولى قيمته كما بينا ثم يرجع على الغاصب بما أخذه الذي لم يعف من ولي العمد فيدفعه إلى صاحب العمد الذي لم يعف إلى تمام نصف القيمة لان حقه لما ثبت في نصف القيمة فعليه أن يدفع إليه ما يأخذه من قيمته حتى يصل إليه كمال حقه في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ثم يرجع بمثله على الغاصب لان قبضه ينتقض فيما يستحق من يده بجنايته عند المولى أو عند الغاصب وإذا غصب رجل مدبرا فأقر عنده بقتل رجل عمدا وزعم ان ذلك كان عند المولى أو عند الغاصب فهو سواء وإذا قتل بذلك بعد الرد فعلى الغاصب قيمته لانه مصدق في الاقرار غير مصدق في الاسناد وانما استحق نفسه بسبب كان منه عند الغاصب وهو الاقرار فيظهر به ان الرد لم يسلم للمولى ولو عفا أحد الوليين فلا شئ للاخر لان الاخر لو استحق المال انما يستحقه باقراره واقرا المدبر والقن في الجناية التي توجب الارش باطل لان ذلك اقرار منه على مولاه ولو كان أقر عند الغاصب بسرقة أو ارتد عن الاسلام ثم انه رده فقتل في الردة فعلى الغاصب قيمته أو قطع في السرقة فعلى الغاصب نصف قيمته لان استحقاق ذلك باقرار كان منه عند الغاصب بمنزلة استحقاقه بمباشرة سببه عند الغاصب قال وقياس هذا عندي البيع لو باع عبدا مرتدا فقتل عند المشتري يرجع بجميع الثمن وكذلك لو باعه وقد أقر بقتل عمدا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد في البيع خاصة يقوم مرتدا أو غير مرتد وسارقا أو غير سارق فيرجع بحصة ذلك من الثمن وقد بينا الفرق لهما بين الغصب والبيع في كتاب البيوع ولو قتل المدبر عند
[ 78 ] الغاصب رجلا خطأ أو أفسد متاعا ثم قتله رجل خطأ فعلى عاقلة القاتل قيمته لصاحب الدين لان بدل رقبته إذا قتل بمنزلة كسبه وعلى المولى قيمته لولي القتيل بسبب جنايته ويرجع بذلك كله على الغاصب لان استحقاق كل واحدة من الجنايتين بسبب كان منه عند الغاصب قال ولو غصب عبدا أو مدبرا فاستهلك عنده مالا ثم رده على المولى فمات عنده فلا شئ لاصحاب الدين لفوات محل حقهم من ذلك الكسب أو مالية الرقبة ولا للمولى على الغاصب لان الرد قد سلم للمولى حين لم يستحق من يده بسبب كان عند الغاصب وانما هلك بسبب حادث عنده ولو مات عند الغاصب قبل أن يرده فعلى الغاصب قيمته لانه تعذر عليه رد عينه فإذا أخذها المولى دفعها إلى الغرماء لانه فات وأخلف بدلا ثم يرجع المولى على الغاصب بمثل ذلك لاستحقاق المقبوض من يده بسبب كان منه عند الغاصب ولو كان قتل عند المولى خطأ فقيمته لاصحاب الدين على عاقلة القاتل يقبضها المولى ويدفعها إليهم ثم يرجع بها على الغاصب لانها استحقت من يده بسبب كان من المدبر في ضمان الغاصب ولو استهلك المدبر مالا عند المولى ثم غصبه رجل فحفر عنده بئرا في الطريق ثم رده إلى المولى فقتله رجل خطأ فغرم قيمته للمولى وأخذها أصحاب الدين ثم وقع في البئر دابة فعطبت شارك صاحبها أصحاب الدين الذين أخذوا القيمة في تلك القيمة بالحصة لان عند وقوع الدابة فيها صار متلفا لها بالحفر السابق وصارت قيمتها دينا في ذمته بمنزلة الدين الاخر فتكون قيمة نفسه بين غرمائه بالحصص ثم يرجع المولى بذلك على الغاصب فيدفعه إلى صاحب الدين الاول لان حقه كان ثابتا في جميع القيمة فان وقع في البئر انسان آخر فمات فعلى المولى قيمة المدبر لانه صار جانيا عليه بالحفر السابق وجناية المدبر على النفوس توجب القيمة على المولى سواء كان بطريق السبب أو المباشرة ثم يرجع بها على المولى ثم يرجع بها على الغاصب لان هذه القيمة لزمته لسبب كان في ضمان الغاصب والله أعلم (باب جناية المدبر بين اثنين) قال رحمه الله وإذا كان المدبر بين رجلين فقتل أحد مولييه ورجلا خطأ بدئ بالرجل قبل المولى فعلى المولى الباقي نصف قيمته وفي مال المقتول نصف قيمته ثم يكون لولي المقتول ربع القيمة وللاخر ثلاثة أرباعها وهذا ظاهر عندهما وكذلك عند أبي حنيفة لان مولى القتيل
[ 79 ] لاحق له فيما ضمن فان جناية المدبر على مولاه خطأ هدر فكذلك النصف من القيمة يسلم لولي الاجنبي ولصاحبه في النصف الاخر فيضرب هو فيه بخمسة آلاف والاخر بخمسة الاف فكان ذلك النصف بينهما نصفان وعلى المدبر أن يسعى في قيمته نصفها لورثة المقتول لانه قاتل ولا وصية له ونصفها للمولى الحي لانه لما عتق بسبب المقتول كان حق المولى الحي باستسعائة في نصف قيمته ولو كان قتل المولى عمدا والمسألة بحالها فعلى المولى الباقي وفي مال المقتول قيمته تامة لولي الخطأ لان حق ولي العمد في القود فلا مزاحمة له مع ولي الخطأ في القيمة ويسعى المدبر في قيمته بين الموليين لما قلنا ويقتل بالعمدة فان عفا أحد ولي العمد سعى المدبر للذي لم يعف في نصف قيمته لانه حين انقلب نصيب الاخر مالا كان بمنزلة المكاتب والحر فانما يجب له نصف القيمة عليه فيستسعيه في ذلك ولا مزاحمة له في ولي الخطأ في القيمة الاولى قال وإذا قتل المدبر رجلا عمدا وله وليان فعفا احدهما ثم قتل أحد مولييه خطأ فعلى المولى الباقي نصف قيمته فيكون نصف ذلك النصف لولي القتيل والنصف الباقي من ذلك النصف بينه وبين الذي لم يعف من أصحاب العمد نصفين وفي مال القتيل ربع قيمة المدبر للذي لم يعف لان نصيب الذي لم يعف انقلب مالا وذلك نصف القيمة على الموليين فلهذا كان في مال الميت ربع القيمة للذي لم يعف وقد وجب للمولى الحي نصف قيمته بالجنايتين الا أنه لاحق للذي لم يعف في نصف ذلك النصف فيسلم لولي مولى القتيل وحقهما في النصف سواء فكان بينهما نصفين ويسعى المدبر في قيمته تامة للحي ولورثة الميت لما قلنا وإذا قتل المدبر مولييه مما خطأ سعى في قيمتها لورثتهما لرد الوصية ولا شئ لواحد منهما على صاحبه لان جنايته على كل واحد منهما في نصفه هدر وفي نصف صاحبه موجب بنصف القيمة عليه ولكن نصف القيمة قصاص ولو غصب المدبر أحد مولييه فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فقتل رجلا عمدا له وليان فعفا أحدهما فعليهما قيمة تامة لصاحب الخطا ثلاثه أرباعها وللذي لم يعف من ولي الدم ربعها وهذا على نحو ما بينا ثم يرجع المولى للذي لم يعف على الغاصب بثلاثة أرباع نصف قيمة المدبر وهو مقدار ما غرم هو لولي الخطأ لانه انما غرم ذلك بجناية كانت عند المدبر في حال كون الشريك غاصبا له ضامنا ثم يرد على صاحب الخطأ من ذلك من قيمة العبد لان صاحب الخطأ استحق عليه نصف قيمته فارغا وانما سلم له من جهته ثلاثة أرباع ذلك النصف وقد أخلف نصيبه عوضا فيرجع في العوض بما بقي من حقه وذلك من الجميع وهو
[ 80 ] ربع نصف القيمة ثم يرجع هو بذلك على الغاصب لانه استحق من يده بجناية كانت عند الغاصبب قال وإذا قطع رجل يد المدبر وقيمته ألف درهم فبرئ وزاد حتى صارت قيمته ألفين ثم فقأ عينه آخر ثم انتفض البرء فمات منهما والمدبر بين اثنين فعفا أحدهما عن اليد وما حدث منها وعفى الاخر عن العين وما حدث منهما فللذي عفا عن اليد على صاحب العين ستمائة وخمسون درهما على عاقلته ان كان خطأ وفي ماله ان كان عمدا وللذي عفا عن العين على صاحب اليد ثلثمائة واثنا عشر ونصف في ماله ان كان عمدا وعلى عاقلته ان كان خطأ لان القاطع قطع يده وقيمته ألف فكان عليه نصف قيمته خمسمائة ثم فقا الاخر عينه وقيمته ألفان فكان عليه نصف قيمته ألف فلما مات منهما صار صاحب اليد ضامنا لمائة وخمسة وعشرين من قيمته مع الخمسمائة التي عليه لانه لا معتبر بالزيادة في حقه فكان الفافى فق ء عنه وقميته خمسمائة فصار به متلفا نصف ما بقي وانما الباقي مائتان وخمسون وقد تف بالجنايتين فنصفه وهو مائة وخمسة وعشرون تلف بفعل صاحبه فلهذا صار هو ضامنا ستمائة وخمسة وعشرين ونصف ذلك للعافي فيسقط ونصفه للذي لم يعف وهو ثلثمائة واثنا عشر ونصف وأما العافي ضامنا بجنايته ألف وبسراية جنايته نصف ما بقي وذلك خمسمائة بين الموليين نصفين وقد سقط حق احدهما بالعفو إذ للذي لم يعف منهما عليه نصيبه سبعمائة وخمسون وام الولد في حكم الجناية بمنزلة المدبر على ما ذكرنا قال ولو قتلت أم الولد مولاها عمدا ولا ولد لها فعفا أحدا بين المولى عنها سعت للاخر في نصف قيمتها لانها حرة حين انقلب نصيب الاخر مالا الا ان صل الجناية كان منها في حالة الرق فعليها نصف القيمة للاخر وكذلك عبد قتل رجلا عمدا فاعتقه المولى ثم عفا أحد ولي الدم وهذا لان المولى بالاعتاق لا يصير ضامنا شيئا لان حقهما كان في القصاص ولا يختلف ذلك بالرق والحرية قال وإذا كاتب الرجل أم ولده أو مدبره ثم قتلت مولاها خطأ سعت في قيمتها من قبل الجناية لانها جنت وهي مكاتبة وجناية المكاتبة على مولاها كجنايتها على غيره لا موجب جنايتها في كسبها وهي أحق بكسبها ثم قد بطلت عنها الكتابة لانها عتقت بموت المولى فان عتق أم الولد ليس بوصية فلا يمتنع بسبب القتل قال (ألا ترى) انها لو استقرضت منه مالا ثم مات المولى بطلت عنها الكتابة ولزمها الدين وانما استشهد بهذا السبب انه وان ألزمها القيمة بسبب الجناية فان ذلك دين عليها كسائر الديون فلا يمتنع بطلان الكتابة عنها بسبب العتق وأما المدبرة فعليها أن تسعى إلى قيمتها من قبل الجناية وتسعى
[ 81 ] في قيمة أخرى لرد الوصية فان كانت مكاتبتها أقل من قيمتها سعت في مكاتبتها بمنزلة ما لو كانت مدبرته ثم مات وعليه دين يحيط بماله فانها تسعى في الاقل من مكاتبتها ومن قيمتها لان حق المولى في الاقل وأذا أسلمت ام ولد النصراني فاستسعاها في قيمتها فقتلته خطأ وهي تسعى فعليها قيمتها من قبل الجناية لانها بمنزلة المكاتبة ويبطل عنها سراية الرق ولانها عتقت بموت المولى فان كان القتل عمدا فعليها القصاص وان كان لها منه ولد صغير فلا شئ لولدها من ذلك لان الولد مسلم مع أبيه والمسلم لا يرث الكافر ولهذا كان عليها القصاص لورثة الاب وإذا قتلت أم الولد مولاها عمدا وهي حبلى منه ولا ولد لها فلا قصاص عليها من قبل أن ما في بطنها من جملة ورثته ومن قبل أن الحبلى لا تقتل بالقصاص حتى تضع فان ولدته حيا وجبت القيمة عليها لجميع الورثة لان جزأ من القصاص صار ميراثا لولدها وان ولدته ميتا كان عليها القصاص لورثة الاب لان الذي ينفصل ميتا ليس من جملة الورثة فان ضرب انسان بطنها والقته ميتا ففيه غرة لان الجنين الذي في بطنها كان حرا والواجب في الجنين الحر الغرة ولها ميراثها من تلك الغرة لانها عتقت بموت المولى فهي وارثة حين وجبت الغرة بالضربة وتقتل هي بالمولى لان الجنين انفصل ميتا فلا تكون من جملة الورثة سواء كان انفصاله بالضربة أو بغير الضربة وايجاب الغرة لا يكون حكما بكون الجنين حيا في ذلك الوقت فان وجوبها بسبب قطع السر ولهذا يستوي فيه الذكر والانثى ثم نصيبها من الغرة ميراث لبني مولاها لانهم عتقا ولا يحرمون الميراث لانهم قتلوها بحق والله أعلم (باب جناية المكاتب في الخطا) (قال رحمه الله) وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ وله وارثان فقضى عليه القاضي لاحدهما بنصف القيمة ولم يقض للاخر بشئ ثم قتل الاخر فجاء الاخر فخاصم إلى القاضي وهو مكاتب بعد وفائه فانه يقضي له بثلاثة أرباع القيمة لان النصف المقضي فيه للاول قد فرغ من الجناية الاولى فيتعلق به حق الاخر فيقضي له عليه بنصف القيمة لذلك والنصف الباقي يقضي له بنصفه لانه اجتمع فيه حقه وحق الذي لم يقض له من ولي الجناية الاولى فان عجز المكاتب وجاء الاوسط فانه يدفع إليه ربع العبد أو يفديه مولاه بنصف الدية لان حقه في نصف الدية والجناية في حقه باقية في ربع الرقبة لانعدام المحول إلى القيمة وهو قضاء القاضي فلهذا
[ 82 ] يدفع إليه ربع العبد بعد العجز ويفدية مولاه بنصف الدية قال فلو قتل المكاتب رجلا خطأ ثم أعور ثم قتل آخر فعليه قيمته صحيحا للاول نصفها لان حق الثاني انما يثبت في قيمته عند الجناية عليه وهو أعور في هذه الحالة فلهذا كان نصف قيمته صحيحا للاول خاصة والنصف الاخر يضرب فيه الاول بالدية الا ما أخذ والاخر بكمال الدية فيكون بينهما على ذلك وكذلك لو فقأ عينه انسان أو نقصت قيمته من سعرا أو عيب لان المعتبر في حق كل واحد منهما قيمته حين جنى عليه قال ولو قتل رجلا خطأ وحفر بئرأ في الطريق فوقع فيها انسان فمات أو أحدث في الطريق شيأ فقضى عليه بالقيمة للذي وقع في البئر ولولي القتيل وسعى فيها بينهما ثم عطب مما أحدث في الطريق انسان فمات فانه يشاركهم في تلك القيمة للذي وقع في البئر ولولى القتيل وسعى فيها لانه أحدثه في الطريق قبل أن يقضى عليه بالقيمة وانما صار جانيا بذلك التسبب وجنايات التسبب والمباشرة لا تلزمه الا قيمة واحدة ما لم يقض عليه بها وكذلك لو وقع في البئر انسان آخر فمات ولو حفر بئرا أخرى في الطريق بعد ما قضي عليه بالقيمة فوقع فيها انسان فمات قضى القاضي بقيمة أخرى لان جنايته بالتسبيب ابتداء بعد القضاء بالقيمة في الجناية الاولى بمنزلة جنايته بالمباشرة فيلزمه باعتبارها قيمة أخرى لان الرقبة قد فرغت من قبل قضاء القاضي بالقيمة فيشغل بالجناية المبتدأة بعد ذلك فيلزمه القيمة لاجلها ولو وقع في البئر الاول فرس فعطب كان عليه قيمته دينا يسعى فيه بالغا ما بلغ ولا يشاركه أهل الجناية ولا يشاركونه لان الواجب صاحب الفرس ضمان مال وقد بينا أنه لا مشاركة بين ضمان المال وضمان النفس ولا مشابهة بينهما في الحكم (ألا ترى) أنه لو قتل انسانا خطأ فاستهلك مالا قضى عليه بالقيمة في القتل وبالمال بالغا ما بلغ وكل من يكاتب على المكاتب فهو في حكم الجناية بمنزلة المكاتب فيما يلزمه من السعاية وكذلك أم ولده التي ولدت منه في المكاتبة لان دفعها بالجناية متعذر بسبب الكتابة فهي بمنزلة المكاتبة فيما يلزمها بالجناية ولو جنى عبده خوطب المكاتب فيه بالدفع أو الفداء وهو بمنزلة الحر فالتدبير في كسبه ولهذا لو كان القتل من العبد عمدا فصالح المكاتب على مال جاز صلحه لانه قصد به تخليص ملكه قال وإذا أقر المكاتب بقتل عمدا ثم انه عفا أحد الوليين عنه قضى عليه بنصف القيمة للاخر فان عجز قبل أن يؤدي بطل ذلك عنه في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد إذا قضى عليه قبل أن يعجز صار دينا عليه يباع فيه وكذلك لو قتل المكاتب رجلا عمدا ثم صالح عن نفسه