مبسوط السرخسي - الجزء الخامس
المبسوط السرخسي ج 5
[ 1 ] (الجزء الخامس من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم * (باب نكاح البكر) * * (قال) * رضي الله عنه وإذا زوج الرجل ابنته الكبيرة وهى بكر فبلغها فسكتت فهو رضاها والنكاح جائز عليها وإذا أبت وردت لم يجز العقد عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يجوز العقد وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى احتج بقوله ﷺ ليس للولى مع الثيب أمر فتخصيص الثيب بالذكر عند نفي ولاية الاستبداد للولي بالتصرف دليل على أنه يستبد بتزويج البكر ولان هذه بكر فيملك أبوها تزويجها كما لو كانت صغيرة وهذا لما بينا أن بالبلوغ لا يحدث لها رأي في باب النكاح فان طريق معرفة ذلك التجربة فكان بلوغها مع صفة البكارة كبلوغها مجنونة بخلاف المال والغلام فان الرأي هناك يحدث بالبلوغ عن عقل والدليل عليه أن للاب أن يقبض صداقها بغير أمرها إذا كانت بكرا فإذا جعل في حق قبض الصداق كأنها صغيرة حتى يستبد الاب بقبض صداقها فكذا في تزويجها وحجتنا في ذلك حديث أبي هريرة وأبي موسى الاشعري رضي الله عنهما ان النبي ﷺ رد نكاح بكر زوجها أبوها وهي كارهة وفي حديث آخر قال في البكر يزوجها وليها فان سكتت فقد رضيت وان أبت لم تكره وفي رواية فلا جواز عليها والدليل عليه حديث الخنساء فانها جاءت إلى النبي ﷺ فقالت ان أبي زوجني من ابن أخيه وأنا لذلك كارهة فقال ﷺ أجيزي ما صنع أبوك فقالت مالي رغبة فيما صنع أبي فقال ﷺ اذهبي فلا نكاح لك انكحي من شئت فقالت أجزت ما صنع أبي ولكني أردت ان يعلم النساء ان ليس للآباء من أمور بناتهم شئ ولم ينكر عليها رسول الله ﷺ مقالتها ولم يستفسر أنها بكر أو ثيب فدل ان الحكم لا يختلف وفي الحديث المعروف البكر تستأمر في نفسها وسكوتها رضاها فدل ان أصل الرضا منها معتبر والشافعي رحمه الله تعالى لا يعمل بهذا الحديث أصلا فانه يقول في حق الاب والجد لا يشترط رضاها
[ 3 ] وفي تزويج غير الاب والجد لا يكتفي بسكوتها وما علق في حديث آخر من الحق لها بصفة الثيوبة المراد به في حق الضم والتفرد بالسكني يعنى ان للولي ان يضم البكر إلى نفسه لانه يخاف عليها ان تخذع فانها لم تمارس الرجال ولم تعرف كيدهم وللثيب ان تنفرد بالسكني لانها آمنة من ذلك والمعني فيه انها حرة مخاطبة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها كالثيب وتأثيره ان الحرية والخطاب وصفان مؤثران في استبداد المرء بالتصرف وزوال ولاية الافتيات عليه كما في حق المال والغلام وبقاء صفة البكارة تأثيره في عدم الاهتداء بسبب انعدام التجربة والامتحان ولهذا لا تثبت ولاية الافتيات عليه كما في المال فان الظاهر ان من يبلغ لا يكون مهتديا إلى التصرفات قبل التجربة والامتحان ولكن الاهتداء وعدم الاهتداء لا يوقف على حقيقته وتختلف فيه أحوال الناس فاقام الشرع البلوغ عن عقل مقام حقيقة الاهتداء تيسيرا للامر على الناس وسقط اعتبار الاهتداء الذي يحصل قبل البلوغ بسبب التجربة ويسقط اعتبار الجهل الذي يبقى بعد البلوغ لعدم التجربة الا ترى ان البكر التي لا أب لها غير مهتدية كالتي لها أب ثم اعتبر رضاها في تزويجها بالاتفاق وكذلك اقرارها بالنكاح يصح فلو كان بقاء صفة البكارة في حقها كبقاء صفة الصغر لم يجز إقرارها بالنكاح واما قبض الصداق فعندنا لو نهت الاب عن قبض صداقها لم يكن له ان يقبض ولكنه عند عدم النهي له ان يقبض لوجود الاذن دلالة فان الظاهر ان البكر تستحي من قبض صداقها وان الاب هو الذي يقبض لتجهيزها بذلك مع مال نفسه إلى بيت زوجها فكان له ان يقبض لهذا وبعد الثيوبة لا توجد هذه العادة لان التجهيز من الآباء بالاحسان مرة بعد مرة لا يكون فصار الاب في المرة الثانية كسائر الاولياء (قال) وان سكتت حين بلغها عقد الاب فالنكاح جائز عليها لان الشرع جعل السكوت منها رضا لعلة الحياء فان ذلك يحول بينها وبين النطق فتكون بمنزلة الخرساء فكما تقوم إشارة الخرساء مقام عبارتها فكذلك يقام سكوت البكر مقام رضاها وكان محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقول إذا استأمرها قبل العقد فسكتت فهو رضا منها بالنص فأما إذا بلغها العقد فسكتت لا يتم العقد لان الحاجة إلى الاجازة هنا والسكوت لا يكون اجازة منها لان هذا ليس في معنى المنصوص فان السكوت عند الاستئمار لا يكون ملزما وحين يبلغها العقد الرضا يكون ملزما فلا يثبت ذلك بمجرد السكوت ولكنا نقول هذا في معني المنصوص لان عند الاستئمار لها جوابان نعم أو لا فيكون
[ 4 ] سكوتها دليلا على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو نعم لما فيه من اظهار الرغبة إلى الرجال وكذلك إذا بلغها العقد فلها جوابان أجزت أو رددت فيجعل السكوت دليلا على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو الاجازة (قال) وكذلك لو ضحكت لان الضحك أدل علي الرضا بالتصرف من السكوت بخلاف مااذا بكت فان البكاء دليل السخط والكراهة وقد قال بعض المتأخرين هذا إذا كان لبكائها صوت كالويل فأما إذا خرج الدمع من عينها من غير صوت البكاء لم يكن هذا ردا بل هي تحزن علي مفارقة بيت أبويها وانما يكون ذلك عند الاجازة وكذلك قالوا ان ضحكت كالمستهزئة لما سمعت لا يكون رضا والضحك الذي يكون بطريق الاستهزاء معروف بين الناس (قال) فان قال قبل النكاح ان فلانا يخطبك وأنا مزوجك اياه فسكتت ثم ذهب فزوجها جاز النكاح لما روى أن النبي ﷺ كان إذا خطب إليه بنت من بناته دنا من خدرها وقال ان فلانا يخطب فلانة ثم ذهب فزوجها ان سكتت وان نكتت خدرها باصبعها لم يزوجها وفي رواية أن كان يقول ان فلانا يخطب فلانة فان كرهتيه قولى لا فانما طلب منها جواب الرد لا جواب الرضا فدل ان السكوت يكفى للرضا وفى الكتاب لم يشترط تسمية الصداق في الاستئمار وانما اشترط تسمية الزوج لان الظاهر ان اختلاف رغبتها يكون باختلاف الزوج وان الاب لا يقف على مرادها في حق الزوج فاما في حق الصداق فالاب يعلم بمرادها في ذلك وهو صداق مثلها فلا حاجة إلى تسمية ذلك مع ان في أصل النكاح الشرط تسمية الزوجين لا المهر ففي الاستئمار أولى وبعض المتأخرين يقولون لابد من تسمية المهر في الاستئمار لان رغبتها تختلف باختلاف الصداق والقلة والكثرة والذي بيناه في الاب هو الحكم في سائر الاولياء فهذا دليل على ان الاستئمار انما يكون معتبرا من الولي الذي يملك مباشرة العقد فاما الاجنبي إذا استأمرها فسكتت لم يكن له أن يزوجها لان سكوتها لعدم الالتفات إلى استئمار الاجنبي فكأنها قالت مالك وللاستئمار حين لم تكن بسبيل من العقد الا أن يكون الذي استأمرها رسول الولي فحينئذ الرسول قائم مقام المرسل وحكي عن الكرخي رحمه الله تعالى ان سكوتها عند استئمار الاجنبي يكون رضا لانها تستحي من الاجنبي أكثر مما تستحي من الولي (قال) وإذا قالت البكر لم أرض حين بلغني وادعى الزوج رضاها فالقول قولها عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى القول قول الزوج لانه متمسك بما هو الاصل
[ 5 ] وهو السكوت والمرأة تدعي عارضا وهو الرد فيكون القول قول من يتمسك بالاصل كالمشروط له الخيار مع صاحبه إذا اختلفا بعد مضي المدة فادعى المشروط له الخيار الرد وأنكره صاحبه فالقول قوله لتمسكه بالاصل وهو السكوت وكذلك الشفيع مع المشتري إذا اختلفا فقال الشفيع علمت بالبيع أمس فطلبت الشفعة وقال المشتري بل سكت فالقول قول المشتري لتمسكه بما هو الاصل ولكنا نقول الزوج يدعى ملك بضعها وهذا ملك حادث وهي تنكر ثبوت ملكه عليها فكانت هي المتمسكة بالاصل فكان القول قولها كما لو ادعى أصل العقد وأنكرت هي وهذا لان ما قاله زفر رحمه الله تعالى نوع ظاهر والظاهر يكفى لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق وحاجة الزوج هنا إلى اثبات الاستحقاق وفي الحقيقة المسألة تنبني على مسألة أخرى وهو انه إذا قال لعبده ان لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل وقال المولى قد دخلت عند زفر رحمه الله تعالى القول قول العبد لتمسكه بما هو الاصل وعندنا القول قول المولى لان حاجة العبد إلى اثبات الاستحقاق والظاهر لهذا لا يكفي ولان عدم الدخول شرط للعتق ولا يكتفي بثبوت الشرط بطريق الظاهر فكذا هنا رضاها شرط لثبوت النكاح والظاهر لا يكفي لذلك فأما الشفيع إذا قال طلبت الشفعة حين علمت فالقول قوله وان قال علمت أمس وطلبت الآن فالقول قول المشتري لان حاجة المشتري إلى دفع استحقاق الشفيع والظاهر يكفي للدفع وكذلك في باب البيع فان سبب لزوم العقد وهو مضي مدة الخيار قد ظهر فحاجة الآخر إلى دفع استحقاق مدعى الفسخ والظاهر يكفي لذلك فان أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح والا فلا نكاح بينهما ولا يمين عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تستحلف فان نكلت قضى عليها بالنكاح وأصل المسألة ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يستحلف في ستة أشياء في النكاح والرجعة والفئ في الايلاء والرق والنسب والولاء وعندهما يستحلف في ذلك كله فيقضي بالنكول وقد ذكر في الدعوى فصلا شائعا إذا ادعت الامة على مولاها انها أسقطت سقطا مستبين الخلق وصارت أم ولد له بذلك وحجتهما في ذلك ان هذه الحقوق تثبت مع الشبهات فيجوز القضاء فيها بالنكول كالاموال وهذا لان النكول قائم مقام الاقرار ولكن فيه نوع شبهة لانه سكوت والسكوت محتمل فانما يثبت به ما يثبت مع الشبهات ولهذا لا يثبت القصاص
[ 6 ] بالنكول لانه يندرئ بالشبهات وانما يثبت بالنكول ما يثبت بالابدال من الحجج نحو كتاب القاضى إلى القاضى والشهادة على الشهادة وهذه الحقوق تثبت بذلك فكذلك بالنكول لانه بدل عن الاقرار وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذه الحقوق لا يجزي فيها البدل فلا يقضي فيها بالنكول كالقصاص في النفس وبيان الوصف ظاهر فان المرأة لو قالت لا نكاح بيني وبينك ولكن بذلت لك نفسي لا يعمل بذلها وكذلك لو قال لست بابن لك ولا مولى ولكن أبذل لك نفسي أو قال أنا حر الاصل ولكن أبذل لك نفسي لتسترقني لا يعمل بذله أصلا بخلاف المال فانه لو قال هذا المال ليس لك ولكن أبذله لك لاتخلص من خصومتك كان بذله صحيحا وتأثيره ان النكول بمنزلة البذل لا بمنزلة الاقرار فانا لو جعلناه بذلا يتوصل المدعى إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في انكاره وإذا جعلناه اقرارا يجعل المدعى عليه مبطلا في انكاره وذلك لا يجوز الا بحجة ولان النكول سكوت فهو إلى ترك المنازعة أقرب منه إلى الاقرار فانما يثبت به أدنى ما يثبت بترك المنازعة وهو البذل فرق أبو حنيفة رحمه الله تعالى بين هذا وبين القصاص في النفس فان هناك يستحلف وان كان لا يقضي بالنكول لان اليمين في النفس مقصودة لعظم أمر الدم الا ترى ان الايمان في القسامة شرعت مكررة وفي هذه المسائل اليمين ليست بحق له مقصودا وانما المقصود منه القضاء بالنكول فإذا لم يجز القضاء بالنكول لا حاجة إلى الاستحلاف لكونه غير مفيد وبان كان يثبت بالابدال من الحجج فذك لا يدل على انه يستحلف فيه كتصديق المقذوف القاذف يثبت بالابدال من الحجج ولا يجري فيه الاستحلاف (قال) وان كان الزوج قد دخل بها ثم قالت لم أرض لم تصدق على ذلك لان تمكينها الزوج من نفسها أدل على الرضا من سكوتها الا ان يكون دخل بها وهي مكرهة فحينئذ القول قولها لظهور دليل السخط منها دون دليل الرضا ولا يقبل عليها قول وليها بالرضا لانه يقر عليها بثبوت الملك للزوج واقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح بالاتفاق وهذا لانه لا يملك الزام العقد عليها فلا يعتبر اقراره في لزوم العقد عليها أيضا (قال) وإذا زوج ابنه الكبير فبلغه فسكت لم يكن رضا حتى يرضى بالكلام أو بفعل يكون دليل الرضا لان في حق الانثى السكوت جعل رضا لعلة الحياء وذلك لا يوجد في الغلام فانه لا يستحي من الرغبة في النساء ولان السكوت من البكر محبوب في الناس عادة وفي حق الغلام السكوت مذموم لانه دليل على التخنث فلهذا لا يقام سكوته مقام رضاه
[ 7 ] (قال) وإذا مات زوج البكر قبل أن يدخل بها بعد ما خلا بها زوجها أبوها بعد انقضاء العدة كما تزوج البكر لان صفة البكارة قائمة والحياء الذي هو علة قائم فان بوجوب العدة والمهر لا يزول الحياء فلهذا يكتفى بسكوتها وان جومعت بشبهة أو نكاح فاسد لم يجز تزويجها بعد ذلك برضاها ولا يكتفي بسكوتها في هذا الموضع لانها ثيب لقوله ﷺ والثيب تشاور فاما إذا زنت يكتفى بسكوتها عند التزويج عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى لا يكتفى بسكوتها لانها ثيب لان الثيب اسم لامرأة يكون مصيبها عائدا إليها مشتق من قولهم ثاب أي رجع والبكر اسم لامرأة مصيبها يكون أول مصيب لها لان البكارة عبارة عن أولية الشئ ومنه يقال لاول النهار بكرة وأول الثمار باكورة والدليل عليه انها تستحق من الوصية للثيب دون الوصية للابكار وإذا كانت ثيبا وجب مشورتها بالنص ولا يجوز الاشتغال بالتعليل مع هذا لانه يكون تعليلا لابطال حكم ثابت بالنص ولان الحياء بعد هذا يكون رعونة منها فانها لما لم تستح من اظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كيف تستحي من اظهار الرغبة على أحسن الوجوه بخلاف حياء البكر لانه حياء كرم الطبيعة وذلك أمر محمود وهذه لو كان فيها حياء انما هو استحياء من ظهور الفاحشة وذلك غير ما ورد فيه النص ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول صاحب الشرع انما يجعل سكوتها رضا لا للبكارة بل لعلة الحياء فان عائشة رضى الله تعالى عنها لما اخبرت أنها تستحي فحينئذ قال سكوتها رضاها وغلبة الحياء هنا موجودة فانها وان أبتليت بالزنا مرة لفرط الشبق أو أكرهت على الزنا لا ينعدم حياؤها بل يزداد لان في الاستنطاق ظهور فاحشتها وهي تستحي من ذلك غاية الاستحياء وهذا الاستحياء محمود منها لانها سترت ما على نفسها وقد أمرت بذلك قال ﷺ من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله وقبل هذا الفعل انما كانت لا تستنطق لان الاستنطاق دليل ظهور رغبتها في الرجال فإذا سقط نطقها في موضع يكون النطق دليل رغبتها في الرجال على أحسن الوجوه فلان يسقط نطقها في موضع يكون النطق دليل الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كان أولى بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو بنكاح فاسد لان الشرع أظهر ذلك الفعل عليها حين ألزم المهر والعدة وأثبت النسب بذلك الفعل وهنا الشرع ما أظهر ذلك عليها إذ لم يعلق به شيئا من الاحكام وأمرها بالستر على نفسها فان
[ 8 ] أخرجت وأقيم عليها الحد فالصحيح أنه لا يكتفي بسكوتها أيضا بعد ذلك وكذلك إذا صار الزنا عادة لها وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يقول في هذين الفصلين يكتفي بسكوتها أيضا لانها بكر شرعا. ألا ترى أنها تدخل تحت قوله ﷺ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ولكن هذا ضعيف فان في الموطؤة بالشبهة والنكاح الفاسد هذا موجود ولا يكتفي بسكوتها فعرفنا ان المعتبر بقاء صفة الحياء ولو زالت بكارتها بالوثبة أو الطفرة أو بطول التعنيس يكتفي بسكوتها عندنا وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى هي بمنزلة الثب استدلالا بالبيع فانه لو باع جارية بشرط انها بكر فوجدها المشتري بهذه الصفة كان له ان يردها فدل انها ليست ببكر بعدما أصابها ما أصابها ولكنا نقول هي بكر لان مصيبها أول مصيب لها الا انها ليست بعذراء والعادة بين الناس انهم باشتراط البكارة في السرائر يريدون صفة العذرة فلهذا ثبت حق الرد فأما هذا الحكم تعلق بالحياء أو بصفة البكارة وهما قائمان الا ترى ان عائشة رضي الله عنها لما افتخرت بالبكارة بين يدي رسول الله ﷺ اشارت إلى هذا المعنى فقال رأيت لو وردت وادبين احداهما رعاها أحد قبلك والاخرى لم يرعها أحد قبلك إلى ايهما تميل فقال ﷺ إلى التى لم يرعها أحد قبلي فقالت انا ذاك فعرفنا انها ما لم توطأ فهي بكر (قال) وإذا زوج البكر أبوها من رجل وأخوها من رجل آخر بعده فأجازت نكاح الاخ جاز ذلك عليها ولم يجز نكاح الاب وهو بناء على أصلنا ان العقد لا يجوز الا برضاها سواء كان المباشر أبا أو أخا فانما وجد شرط نفوذ نكاح الاخ وهو رضاها بذلك ومن ضرورة رضاها بنكاح الاخ رد نكاح الاب فلهذا يبطل نكاح الاب (قال) وإذا زوجها وليها بغير أمرها فلم يبلغها حتى ماتت هي أو مات الزوج لم يتوارثا لان النكاح لا ينفذ عليها الا برضاها والارث حكم يختص بالنكاح الصحيح المنتهى بالموت ولم يوجد فهو بمنزلة النكاح الفاسد إذا مات فيه أحدهما لم يتوارثا (قال) وان زوجها أبوها وهو عبد أو كافر ورضيت به جاز لان العقد كان موقوفا على اجازتها الا ترى انها لو أذنت في الابتداء نفذ عقده باذنها فكذلك إذا أجازت في الانتهاء ولكن لا نقول سكوتها رضا منها لان العاقد لم يكن وليا لها والحاجة في عقد غير الولي إلى توكيلها لا إلى رضاها والتوكيل غير الرضا فان التوكيل انابة والرضا اسقاط حق الرد فلهذا لا يثبت التوكيل بالسكوت وهذا يبين لك ما قلنا ان الصحيح في استئمار الاجنبي انه لا يكتفي بسكوتها (قال) وإذا زوج البكر
[ 9 ] وليها بأمرها وزوجت هي نفسها فان قالت هو الاول فالقول قولها وهو الزوج لانها أقرت بملك النكاح له على نفسها واقرارها حجة تامة عليها وان قالت لا أدري أيهما أول ولا يعلم ذلك فرق بينهما لانه لا يمكن تصحيح نكاحهما فان المرأة لا تحل لرجلين بالنكاح وليس أحدهما بأولى من الآخر فيفرق بينها وبينهما لهذا وكذلك لو زوجها وليان بأمرها والثيب والبكر في هذا سواء لما بينا (قال) وإذا زوج البكر وليها فاخبرها بذلك فقالت لا ارضى ثم قالت قد رضيت فلا نكاح بينهما لان العقد قد بطل بينهما بردها فانما رضيت بعد ذلك بالعقد المفسوخ وذلك باطل ولهذا جرى الرسم بتجديد العقد عند الزفاف لانها في المرة الاولى تظهر الرد وغير ذلك لا يحمد منها ثم لا يزال بها أولياؤها يرغبونها حتى رضيت فلو لم يتجدد العقد كانت تزف إلى أجنبي فلهذا استحسنا تجديد العقد عند الزفاف (قال) وإذا استؤمرت في نكاح رجل خطبها فابت ثم زوجها الولي منه فسكتت فهو رضاها لانها لما أبت بطل استئمارها فكأنه زوجها من غير استئمار فيكون سكوتها رضاها وكان محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقول هنا لا يجوز ولا يكون سكوتها رضا لانها قد صرحت بالسخط فكيف يكون سكوتها بعد ذلك دليل رضاها ولكنا نقول قد يسخط المرء الشئ في وقت ويرضى به في وقت آخر فسخطها قبل العقد لا يمنعنا ان نجعل سكوتها رضا بعد العقد والله أعلم بالصواب * (باب نكاح الثيب) * (قال) قد بلغنا رسول الله ﷺ ان رجلا زوج ابنته وهي كارهة وهي تريد عم صبيانها ففرق رسول ﷺ بينها وبين الذي زوجها منه أبوها ثم زوجها عم ولدها وهذه المرأة كانت ثيبا لان الراوي قال وهى تريد عم صبيانها فهذا دليل على ان نكاح الاب الثيب لا ينفذ بدون رضاها وهو مجمع عليه ولا يكون للشافعي في هذا الحديث حجة علينا في البكر لان ضد هذا الحكم في حق البكر مفهوم والمفهوم عندنا ليس بحجة ولانه خص الثيب بالذكر وتخصيص الثيب بالذكر لا يدل على أن الحكم في غيرها بخلافه ثم في هذا الحديث دليل على أن الولي إذا امتنع عن التزويج زوجها الامام فان الاب هنا امتنع من تزويجها ممن أرادت فزوجها رسول الله ﷺ بولاية الامامة وفيه دليل على ان اختيار الازواج إليها لا إلى الولي لانها هي التي تعاشر الازواج فانما تحسن
[ 10 ] العشرة مع من تختاره دون من يختاره الولي (قال) وإذا زوج الثيب أبوها فبلغها فسكتت لم يكن سكوتها رضا بالنكاح لان الاصل في السكوت أن لا يكون رضا لكونه محتملا في نفسه وانما أقيم مقام الرضا في البكر لضرورة الحياء والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ولا ضرورة في حق الثيب فلهذا لا يكتفي بسكوتها عند الاستئمار ولا إذا بلغها العقد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب النكاح بغير ولي) * (قال) رضي الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أمرأة زوجت ابنتها برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح وفي هذا دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوجها فزوجها جاز النكاح وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى سواء كانت بكرا أو ثيبا إذا زوجت نفسها جاز النكاح في ظاهر الرواية سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كف ء فالنكاح صحيح الا أنه إذا لم يكن كفؤا لها فللاولياء حق الاعتراض وفي رواية الحسن رضي الله عنه ان كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح وان لم يكن كفؤا لها لا يجوز وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا يقول لا يجوز تزويجها من كف ء أو غير كف ء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال ان كان الزوج كفؤا جاز النكاح والا فلا ثم رجع فقال النكاح صحيح سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كف ء لها وذكر الطحاوي قول أبي يوسف رحمهما الله تعالى ان الزوج ان كان كفؤا أمر القاضي الولي باجازة العقد فان أجازه جاز وان أبى أن يجيزه لم ينفسخ ولكن القاضي يجيزه فيجوز وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يتوقف نكاحها على اجازة الولي سواء زوجت نفسها من كف ء أو غير كف ء فان أجازه الولي جاز وان أبطله بطل الا أنه إذا كان الزوج كفؤا لها ينبغي للقاضي أن يجدد العقد إذا أبى الولي أن يزوجها منه وعلى قول مالك والشافعي رحمهما الله تعالى تزويجها نفسها منه باطل على كل حال ولا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا سواء زوجت نفسها أو بنتها أو أمتها أو توكلت بالنكاح عن الغير ومن العلماء رحمهم الله تعالى من يقول إذا كانت غنية شريفة لم يجز تزويجها نفسها بغير رضا الولي وان كانت فقيرة خسيسة يجوز لها أن تزوج نفسها من غير رضا الولي ومنهم من فصل بين البكر والثيب وهم أصحاب الظواهر اما من شرط الولي استدل بقوله
[ 11 ] تعالى ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن. وقال الشافعي رحمه الله تعالى وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى تدل على أن النكاح لا يجوز بغير ولي لانه نهى الولي عن المنع وانما يتحقق المنع منه إذا كان الممنوع في يده وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل وإذا دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها لا وكس ولا شطط فان تشاجرا فالسلطان ولي من لا ولي له وفي الحديث المشهور أن النبي ﷺ قال لا نكاح الا بولي وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لا تنكح المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وانما الزانية هي التي تنكح نفسها وان عائشة رضي الله عنها كانت تحضر النكاح وتخطب ثم تقول اعقدوا فان النساء لا يعقدن والمعنى فيه أنها ناقصة بنقصان الانوثة فلا تملك مباشرة عقد النكاح لنفسها كالصغيرة والمجنونة وهذا لان النكاح عقد عظيم خطره كبير ومقاصده شريفة ولهذا أظهر الشرع خطره باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعاوضات فلاظهار خطره تجعل مباشرته مفوضة إلى أولى الرأي الكامل من الرجال لان النساء ناقصات العقل والدين فكان نقصان عقلها بصفة الانوثة بمنزلة نقصان عقلها بصفة الصغر ولهذا قال محمد رحمه الله تعالى ان عقدها يتوقف على اجازة الولي كما ان عقد الصغيرة التي تعقل يتوقف على اجازة الولي وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا ينعقد العقد بعبارتها أصلا كما لا ينعقد التصرف بعبارة الصغيرة عنده والدليل عليه ثبوت حق الاعتراض للاولياء إذا وضعت نفسها في غير كف ء ولو ثبتت لها ولاية الاستبداد بالمباشرة لم يثبت للاولياء حق الاعتراض كالرجل وكذلك تملك مطالبة الولي بالتزويج ولو كانت مالكة للعقد على نفسها لما كان لها ان تطالب الولي به والدليل على اعتبار نقصان عقلها انه لم يجعل إليها من جانب رفع العقد شئ بل الزوج هو الذي يستبد بالطلاق واما من جوز النكاح بغير ولي استدل بقوله تعالى فلا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن وبقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وقوله تعالى ان ينكحن أزواجهن اضاف العقد اليهن في هذه الآيات فدل انها تملك المباشرة والمراد بالعضل المنع حسا بأن بحبسها في بيت ويمنعها من ان تتزوج وهذا خطاب للازواج فانه قال في أول الآية وإذا طلقتم
[ 12 ] النساء وبه نقول ان من طلق امرأته وانقضت عدتها فليس له ان يمنعها من التزوج بزوج آخر واما الاخبار فقوله ﷺ الايم أحق بنفسها من وليها والايم اسم لامرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا وهذا هو الصحيح عند أهل اللغة وهو اختيار الكرخي رحمه الله تعالى قال الايم من النساء كالاعزب من الرجال بخلاف ما ذكر محمد رحمه الله تعالى ان الايم اسم للثيب وقد بينا هذا في شرح الجامع وقال ﷺ ليس للولي مع الثيب أمر وحديث الخنساء حيث قالت بين يدي رسول الله ﷺ ولكني أردت ان تعلم النساء ان ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شئ ولما خطب رسول الله ﷺ أم سلمة رضي الله عنها اعتذرت باعذار من جملتها ان أولياءها غيب فقال ﷺ ليس في أوليائك من لا يرضي بي قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله ﷺ خاطب به عمر بن أبي سلمة وكان ابن سبع سنين وعن عمر وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم جواز النكاح بغير ولى وان عائشة رضي الله تعالى عنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر ابن الزبير وهو غائب فلما رجع قال أو مثلي يفتات عليه في بناته فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أو ترغب عن المنذر والله لتملكنه أمرها وبهذا تبين أن ما رووا من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها غير صحيح فان فتوى الراوي بخلاف الحديث دليل وهن الحديث ومدار ذلك الحديث على الزهري وأنكره الزهري وجوز النكاح بغير ولي ثم هو محمول على الامة إذا زوجت نفسها بغير اذن مولاها أو على الصغيرة أو على المجنونة وكذلك سائر الاخبار التي رووا على هذا تحمل أو على بيان الندب ان المستحب أن لا تباشر المرأة العقد ولكن الولي هو الذي يزوجها والمعني فيه أنها تصرفت في خالص حقها ولم تلحق الضرر بغيرها فينعقد تصرفها كما لو تصرفت في مالها وبيان الوصف أن النكاح من الكف ء بمهر المثل خالص حقها بدليل أن لها أن تطالب الولى به ويجبر الولى على الايفاء عند طلبها وهى من أهل استيفاء حقوق نفسها فانما استوفت بالمباشرة حقها وكفت الولى مؤنة الايفاء فهو نظير صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه فاستوفى كان استيفاؤه صحيحا فكذلك هنا والدليل عليه ان اختيار الازواج إليها بالاتفاق والتفاوت في حق الاغراض والمقاصد انما يقع باختيار الزوج لا بمباشرة العقد ولو كان لنقصان عقلها عبرة لما كان لها اختيار الازواج وكذلك اقرارها بالنكاح صحيح على نفسها ولو كانت بمنزلة الصغيرة ما صح
[ 13 ] اقرارها بالنكاح وكذلك يعتبر رضاها في مباشرة الولي العقد ولو كانت بمنزلة الصغيرة لما اعتبر رضاها ويجب على الولي تزويجها عند طلبها ولو كانت كالصغيرة لما وجب الايفاء بطلبها وانما يثبت لها حق مطالبة الولي لنوع من المروءة وهو أنها تستحي من الخروج إلى محافل الرجال لتباشر العقد على نفسها ويعد هذا رعونة منها ووقاحة ولكن هذا لا يمنع صحة مباشرتها كما ورد الشرع بالنهي عن أن يخطب على خطبة غيره ولو فعل جاز لان هذا النهي لنوع من المروءة فلا يمنع جواز المنهي عنه وإذا زوجت نفسها من غير كف ء فقد ألحقت الضرر بالاولياء فيثبت لهم حق الاعتراض لدفع الضرر عن أنفسهم كما أن الشفيع يثبت له حق الاخذ بالشفعة لدفع الضرر عن نفسه ولان طلب الكفاءة لحق الاولياء فلا تقدر على اسقاط حقهم وهذا لا يمنع وجود أصل عقدها في حق نفسها كأحد الشريكين إذا كاتب كان للآخر أن يفسخ دفعا للضرر عن نفسه وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى قال إذا زوجت نفسها من غير كف ء لم يجز النكاح أصلا وهو أقرب إلى الاحتياط فليس كل ولي يحتسب في المرافعة إلى القاضي ولا كل قاض يعدل فكان الاحوط سد باب التزويج من غير كف ء عليها وبهذا الطريق قال أبو يوسف رحمه الله تعالى الاحوط أن يجعل عقدها موقوفا على اجازة الولي ليندفع الضرر عن الولي الا أن الولي إذ قصد بالفسخ دفع الضرر عن نفسه بأن لم يكن كفؤا لها صح فسخه وان قصد الاضرار بها بأن كان الزوج كفؤا لها لم يصح فسخه ولكن القاضى يقوم مقامه في الاجازة كما يقوم مقامه في العقد إذا عضلها ومحمد رحمه الله تعالى يقول لما توقف العقد على اجازة الولى لتمام الاحتياط فكما ينعقد باجازته ينفسح بفسخه وبعدما يفسخ فليس للقاضي أن يجيزه ولكن يستقبل العقد إذا تحقق العضل من الولى وعلى هذا الاصل يقول إذا زوجت نفسها من كف ء ثم مات أحدهما قبل المرافعة إلى القاضى توارثا اما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر وأما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فلان تصرفها في حق نفهسا صحيح ومعنى التوقف لدفع الضرر عن الولى ولهذا لا ينفسخ بفسخ الولى وانما انتهى النكاح الصحيح بالموت فيجري التوارث بينهما وعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا يتوارثان لان أصل العقد كان موقوفا وفي العقد الموقوف لا يجري التوارث وعلى هذا لو ظاهر منها أو آلى منها صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى خلافا لمحمد رحمه الله تعالى وان كانت قصرت في مهرها فزوجت نفسها بدون صداق مثلها كان للاولياء والاعتراض حتى
[ 14 ] يبلغ بها مهر مثلها أو يفرق بينهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يثبت للاولياء حق الاعتراض الا أن قول محمد رحمه الله تعالى لا يتحقق في تزويجها نفسها وانما يتحقق فيما قال في كتاب الاكراه وإذا أكرهت المرأة الولي على أن يزوجها بأقل من مهر مثلها فزوجها ثم زال الاكراه فرضيت المرأة وأبى الولي أن يرضى فليس له ذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان المهر من خالص حقها فانه بدل ما هو مملوك لها ألا ترى أن الاستيفاء والابراء إليها والتصرف فيه كيف شاءت وتصرفها فيما هو خالص حقها صحيح فلا يكون للاولياء حق الاعتراض وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انها ألحقت الضرر بالاولياء فيكون لهم حق الاعتراض كما لو زوجت نفسها من غير كف ء وبيان ذلك أن الاولياء يتفاخرون بكمال مهرها ويعيرون بنقصان مهرها فان ذلك مهر المومسات الزانيات عادة وفيه يقول القائل وما علي أن تكون جاريه + + + تمشط رأسي وتكون فإليه حتى ما إذا بلغت ثمانيه + + + زوجتها مروان أو معاويه أختان صدق ومهور غاليه ومع لحوق العار بالاولياء فيه الحاق الضرر بنساء العشيرة أيضا فان من تزوج منهن بعد هذا بغير مهر فانما يقدر مهرها بمهر هذه فعرفنا أن في ذلك ضررا عليهن وانما يذب عن نساء العشيرة رجالها فكان لهم حق الاعتراض فأما بعد تسمية الصداق كاملا صار حق العشيرة مستوفي وبقاء المهر يخلص لها فان شاءت استوفت وان شاءت أبرأت وهو نظير حق الشرع في تسمية أصل المهر في الابتداء وان كان البقاء يخلص لها وان طلقها قبل أن يدخل بها كان لها نصف ما سمي لها لان الطلاق قبل الدخول مسقط للصداق قياسا فان المعقود عليه يعود إليها كما خرج عن ملكها وذلك سبب لسقوط البدل الا انا أوجبنا لها نصف المسمى بالنص وهو قوله تعالى فنصف ما فرضتم فلا تجب الزيادة على ذلك وان فرق القاضي بينهما فان كان قبل الدخول بها فلا شئ عليه لانه فسخ أصل النكاح بهذا التفريق فلا يجب لها شئ وان ولت المرأة أمرها رچلا فزوجها كفؤا فهو بمنزلة تزويجها نفسها وفي قول محمد رحمه الله تعالى لا يجوز ذلك كما لا يجوز تزويجها نفسها زاد في نسخ أبي حفص رضي الله عنه فقال الا ان يكون لها ولي فحينئذ يجوز وهذا شئ رواه أبو رجاء بن أبي رجاء عن محمد
[ 15 ] رحمهما الله تعالى أنه قال سألته عن النكاح بغير ولى فقال لا يجوز قلت فان لم يكن لها ولي قال يرفع أمرها إلى الحاكم ليزوجها قلت فان كانت في موضع لا حاكم في ذلك الموضع قال يفعل ما قال سفيان رحمه الله تعالى قلت وما فعل سفيان قال تولى أمرها رجلا ليزوجها ثم قد صح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في النكاح بغير ولي وعلى ذلك تنبني مسائل الجامع يقول في الكتاب فان طلقها ثلاثا قبل ان يجيز الحاكم أو الولي عقدها يكون هذا ردا للنكاح وهو قول محمد رحمه الله تعالى فاما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى تصح التطليقات الثلاث ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعند محمد رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق ولكن هذا رد للنكاح الا انه يكره له ان يتزوجها ثانيا قبل ان تتزوج بزوج آخر لاختلاف العلماء واشتباه الاخبار في جواز النكاح بغير ولي ولان ترك نكاح امرأة تحل له خير من ان يتزوج امرة لا تحل له ولكنه لو تزوجها لم يفرق بينهما عنده لان الطلاق لم يكن واقعا عليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الوكالة في النكاح) * (قال) وإذا خطب الرجل امرأة على رجل غائب لم يأمره فزوجت نفسها أو زوجها أبوها برضاها فقدم الغائب أو بلغه ذلك فأجاز النكاح فهو جائز عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو باطل بناء على أصله ان العقود لا تتوقف على الاجازة وهي مسألة في البيوع معروفة وعندنا تتوقف العقود على الاجازة وكل عقد لو سبق الاذن به ممن يقع له كان صحيحا فانه يتوقف على اجازته فإذا أجازة في الانتهاء جعل ذلك كالاذن في الابتداء ولو عقد هذا العقد باذنه في الابتداء كان صحيحا فكذلك باجازته في الانتهاء وهذا لان ركن العقد هو الايجاب والقبول وذلك من حق المتعاقدين وقد أضافه إلى محل قابل للعقد فيتم به الانعقاد إذ لا ضرر على الغائب في انعقاد العقد وانما الضرر عليه في التزام العقد وقد يتراخي الالتزام عن أصل العقد فتثبت صفة الانعقاد لانه حق المتعاقدين ويتوقف تمامه وثبوت حكمه على اجازة من وقع العقد له دفعا للضرر عنه ولو ان الغائب وكل هذا الحاضر بكتاب كتبه إليه حتى زوجها منه كان صحيحا وكذلك لو كتب إليها يخطبها فزوجت نفسها منه كان صحيحا والاصل فيه ما روى ان النبي ﷺ كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي الله عنها فزوجها
[ 16 ] النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروى انه زوجها منه قبل ان يكتب به رسول الله ﷺ فاجاز رسول الله ﷺ كتابه وكلاهما حجة لنا على أن النكاح تلحقه الاجازة وان الخطبة بالكتاب تصح وهذا لان الكتاب ممن نأي كالخطاب ممن دنى فان الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر وكان الحسن بن حي رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر النكاح وهذا فاسد فان رسول الله ﷺ كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فانه كتب إلى ملوك الافاق يدعوهم إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب الا انه إذا كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد النكاح كما في حق الحاضر فان النبي ﷺ قال لا نكاح الا بشهود ولو قالت بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لان سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح وانما سمعوا كلامها هنا لا كلامه ولو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على الشهود وقالت ان فلانا كتب الي يخطبني فاشهدوا اني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح لانهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها اياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فان المكتوب إليه إذا قال هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وان لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم يقرأ الكتاب عليهم لان البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر الا أنه ذكر في الكتاب في البيع أنه إذا كتب إليه أن بعنى كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فان من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال بعت لا ينعقد ما لم يقل الثاني اشتريت لانه لابد في البيع من لفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فان النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل والشافعي ومحمد رحمهما الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم الله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله يعني يكون استياما عادة فلابد من الايجاب والقبول بعده فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطرى العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لاتمام العقد إذا كان الامر مفوضا
[ 17 ] إليه من الجانبين فيمكن أن يجعل قولها زوجت نفسي عقدا تاما وفي باب البيع كلام الواحد لا يصلح لاتمام العقد من الجانبين وان كان مفوضا إليه من الجانبين فكان قوله بعت منك شطر العقد فلابد من أن ينضم إليه الشطر الثاني ليصح إذا عرفنا هذا فنقول مراد محمد رحمه الله تعالى هنا بيان الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود دون اللفظ الذي ينعقد به البيع أو نقول بعنى قوله من الحاضر يكون استياما عادة فأما من الغائب إذا كتب إليه فقوله بعني يكو أحد شطري العقد فإذا انضم إليه الشطر الثاني تم البيع فان جاء الزوج بالكتاب مختوما إلى الشهود وقال هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى حتى يعلم الشهود ما في الكتاب وهو قول أبي يوسف الاول ثم رجع فقال يجوز ولا يشترط اعلام الشهود بما في الكتاب وأصل الخلاف في كتاب القاضي إلى القاضي عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تجوز الشهادة على الكتاب والختم وان كان لا يعلم الشهود ما في الكتاب وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تجوز لان المشهود به ما في الكتاب لا نفس الكتاب ولكن استحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال قد يشتمل الكتاب على شرط لا يعجبهم اعلام الشهود بذلك وإذا كان مختوما يؤمن من الزيادة والنقصان فيه فيكون صحيحا ثم في هذا الكتاب قال يجوز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى مختوما كان أو غير مختوم وذكر في الامالي أن الكتاب إذا كان غير مختوم لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أصلا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز الا أن يعلم الشهود ما فيه وإذا كان مختوما فحينئذ هل يشترط اعلام الشهود ما فيه فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان وكما ينعقد النكاح بالكتاب ينعقد البيع وسائر التصرفات للمعنى الذي قلنا (قال) ويجوز للواحد أن ينفرد بالعقد عند الشهود على الاثنين إذا كان وليا لهما أو كيلا عنهما وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ان كان وليهما جاز وان كان وكيلا لا يجوز أما زفر رحمه الله تعالى يقول النكاح عقد معاوضة فلا يباشره الواحد من الجانبين كعقد البيع وهو قياس يوافقه الاثر وهو ما روينا أن النبي ﷺ قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل والشافعي رحمه الله تعالى بنحوه يستدل في الوكيل من الجانبين أنه لا يتم العقد بعبارته لانه لا ضرورة في توكيل الواحد من الجانبين بخلاف ما إذا كان وليا من الجانبين لان في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة
[ 18 ] لان أكثر ما في الباب أن يأمر غير من أحد الجانبين فيكون مأموره قائما مقامه وهو الولي من الجانبين شرعا فيملك مباشرة العقد وهو نظير ما قلتم في الاب إذا باع مال ولده من نفسه بمثل قيمته يجوز ولا يجوز يبعه من غيره ووجه قول علمائنا قوله تعالى وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أن للولى أن يزوج وليته من نفسه وكذا قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه وفي الحديث أن شرط علي رضي الله تعالى عنه أتوه بشيخ من جارية فسألة عن قصتها فقال انها ابنة عمي وأني خشيت أنها إذ بلغت ترغب عنى فتزوجتها فقال خذ بيد امرأتك والمعني فيه أن العاقد في باب النكاح سفير ومعبر والواحد كما يصلح أن يكون معبرا عن الواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين ودليل الوصف أنه لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الزوجين وبه يظهر الفرق بينه وبين البيع فانه يستغنى عن اضافة العقد إلى غيره فكان مباشرا للعقد لا معبرا توضيحه ان حقوق العقد في باب البيع تتعلق بالعاقد فإذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الاحكام لانه يكون مطالبا مطالبا مسلما مستلما مخاصما مخاصما وفي باب النكاح لا تتعلق الحقوق بالعقد فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام ولهذا قلنا ببيع الاب مال ولده من نصيبه لانه في جانب الصغير يكون ملزما اياه حقوق العقد بولايته عليه حتى إذا بلغ كانت الخصومة في ذلك إليه دون الاب بخلاف بيعه من غيره فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام توضيحه ان البيع لا يصح الا بتسمية الثمن فإذا تلاوه من الجانبين كان مستزيدا مستنقصا وذلك لا يجوز والنكاح يصح من غير تسمية المهر فلا يؤدي إلى هذا المعني إذا باشره الواحد من الجانبين وعلى هذا روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الكتابة أن الواحد لا يباشره من الجانبين لانه لا يصح الا بتسمية البدل فأما على ظاهر الرواية يجوز لان حقوق العقد في الكتابة لا تتعلق بالعاقد بل هو معتبر كما في النكاح ولا حجة لهم في هذا الحديث لان هذا النكاح قد حضره أربعة معنى فانه إذا اجتمع وصفان في واحد كان بمنزلة المثنى من حيث المعنى لاعتبار كل صفة على حدة فان هذا الواحد إذا كان وليا أو وكيلا من أحد الجانبين دون الآخر وفضوليا من الجانب الآخر أو لم يكن وليا ولا وكيلا من الجانبين ولكنه فضولي باشر النكاح بمحضر من الشهود فبلغ الزوجين فاجازاه لم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الاول وجاز في قوله الآخر وكذلك لو قال الزوج بين يدي الشهود
[ 19 ] أشهدوا أني تزوجت فلانة ولم يخاطب عنها أحدا فبلغها فاجازت أو قالت المرأة اشهدوا اني قد زوجت نفسي من فلان ولم تخاطب عنه أحدا فبلغه فاجاز فهو على هذا الخلاف ولو قبل فضولي من جهة الغائب ينعقد موقوفا بالاتفاق حتى لو أجاز يجوز. أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وإذا كان كلام الواحد في باب النكاح عقدا تاما باعتبار الاذن في الابتداء فكذلك باعتبار الاجازة في الانتهاء وجعل هذا قياس الطلاق والعتاق بمال فان كلام الواحد فيه لما كان عقدا تاما عند الاذن كان عقدا موقوفا على اجازة الغائب عند عدم الاذن وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا النكاح عقد معاوضة محتمل للفسخ فكلام الواحد فيه يكون شطر العقد وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس كما في البيع بخلاف الطلاق والعتاق فانه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه أصلا وتحقيقه ان قول الرجل طلقت فلانة بكذا أو أعتقت عبدي فلانا بكذا يكون تعليقا للطلاق والعتاق بالقبول لان تعليقهما بالشرط صحيح فإذا بلغهما فقبلا وقع لوجود الشرط وفي النكاح قوله زوجت فلانة لا يمكن ان يجعل تعليقا لان النكاح لا يحتمل التعليق بالشرط فكان هذا شطر العقد ولا يدخل على هذا ما لو قال الزوج بمحضر منها طلقتك بكذا فقامت عن المجلس قبل القبول فانه يبطل ذلك ولو كان تعليقا بالشرط لما بطل بقيامها عن المجلس لان من التعليقات ما يقتصر على وجود الشرط في المجلس كقوله لها أنت طالق ان شئت يقتصر على وجود المشيئة في المجلس فهذا مثله وهذا بخلاف ما إذا كان مأمورا من الجانبين لان هناك عبارته تنتقل اليهما فيصير قائما مقام عبارتهما فانما يكون تمام العقد بالمثنى من حيث المعني وهنا لا تنتقل عبارته إلى الغير لانه غير مأمور به فإذا بقى مقصورا عليه كان شطر العقد والدليل عليه انه لو قال لها تزوجتك وهي حاضرة كان هذا شطر العقد حتى لا يتوقف على اجازتها بعد قيامها من ذلك المجلس فكذا إذا قال ذلك وهي غائبة يكون هذا شطر العقد ولو كان عقد النكاح بين فضوليين خاطب أحدهما عن الرجل والآخر عن المرأة فبلغهما فاجازا جاز ذلك العقد لانه جرى بين اثنين ولو كانا وكيلين كان كلامهما عقدا تاما فكذلك إذا كانا فضوليين يكون كلامهما عقدا موقوفا * (قال) * وليس على العاقد في باب النكاح وليا كان أو وكيلا حق قبض مهرها بدون أمرها لما بينا انه معبر لا يتعلق به شئ من حقوق العقد وكما لا يتوجه عليه المطالبة بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وكذلك الوكيل من جانب الزوج لا يكون عليه
[ 20 ] من المهر شئ كما لا يكون إليه قبض المعقود عليه واليه أشار علي رضى الله عنه في قوله الصداق على من أخذ الساق الا الاب في حق ابنته البالغة فانه يقبض مهرها فيجوز ذلك استحسانا وقد بيناه (قال) وإذا أرسل إلى المرأة رسولا حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا فهو سواء لان الرسالة تبليغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة فيصلح ان يكون رسولا الا ترى ان سليمان عليه السلام جعل الهدهد رسولا في تبليغ كتابه إلى بلقيس فالآدمي المميز أولى ان يصلح لذلك فإذا بلغ الرسالة فقال ان فلانا سألك ان تزوجيه نفسك فاشهدت انها قد تزوجته كان ذلك جائزا إذا أقر الزوج بالرسالة أو أقامت عليه البينة لان الرسول بلغها رسالة المرسل فكأنه حضر بنفسه وعبر عن نفسه بين يدى الشهود وقد سمع الشهود كلامها أيضا فكان نكاحا بسماعهما كلام المتعاقدين وإذا أنكر الرسالة ولم تقم عليه البينة لها فالقول قوله ولا نكاح بينهما لان الرسالة لما لم تثبت كان المخاطب فضوليا ولم يرض الزوج بما صنع فلا نكاح بينهما فان كان الرسول قد خطبها وضمن لها المهر وزوجها إياه وقال قد أمرني بذلك فالنكاح لازم للزوج ان أقر أو قامت عليه البينة بالامر والضمان لازم للرسول ان كان من أهل الضمان لانه جعل نفسه زعيما بالمهر والزعيم غارم وان جحد الزوج ولم يكن عليه بينة بالامر فلا نكاح بينهما لما قلنا وللمرأة على الرسول نصف الصداق من قبل أنه مقر بانه قد أمره وان النكاح جائز وان الضمان قد لزمه واقراره على نفسه صحيح وذكر في كتاب الوكالة ان على الرسول جميع المهر بحكم الضمان فقيل ما ذكر هنا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقول أبي يوسف الاول وما ذكر هناك قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد رحمه الله بناء على ان قضاء القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الاول فنفذ قضاؤه بالفرقة هنا قبل الدخول وسقط نصف الصداق عن الزوج فيسقط عن الكفيل أيضا وعلى قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد رحمه الله تعالى لا ينفذ قضاؤه باطنا فيبقى جميع المهر واجبا على الزوج ويكون الكفيل مطالبا به لاقراره وقيل بل فيه روايتان وجه تلك الرواية ان الزوج منكر لاصل النكاح وانكاره أصل النكاح لا يكون طلاقا فلا يسقط به شئ من الصداق بزعم الكفيل ووجه هذه الرواية أنه أنكر وجوب الصداق عليه وهو مالك لاسقاط نصف الصداق عن نفسه بسبب يكسبه فيجعل مسقطا فيما يمكنه اسقاطه ومن ضرورة سقوط نصف
[ 21 ] الصداق عن الاصيل سقوطه عن الكفيل فلهذا كان الكفيل ضامنا لنصف الصداق (قال) فان كان الرسول قال لم يأمرني ولكن أزوجه وأضمن عنه المهر ففعل ثم أجاز الزوج جاز عليه ولزم الزوج الضمان لان الاجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وان أبى الزوج أن يجيز النكاح لم يكن على الرسول شئ من الضمان لان أصل السبب انتفى برد الزوج النكاح فينتفي حكمه وهو وجوب الصداق وبراءة الاصيل حقيقة توجب براءة الكفيل (قال) وان أمره أن يزوجه امرأة بعينها على مهر قد سماه فزوجها اياه وزاد عليه في المهر فان شاء الزوج أجازه وان شاء رده لانه أتى بخلاف ما أمر به فكان مبتدئا فيتوقف عقده على اجازته وان لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فهو بالخيار أيضا لان دخوله بها كان باعتبار أنه امتثل الوكيل أمره فلا يصير به راضيا بما خالف فيه الوكيل فان الرضا بالشئ لا يتحقق قبل العلم به فكان على خياره ان شاء أقام معها بالمهر المسمى وان شاء فارقها وكان لها الاقل من المسمى ومن مهر مثلها لان الدخول بحكم النكاح الموقوف بمنزلة الدخول في النكاح الفاسد فيسقط به الحد للشبهة ويجب الاقل من المسمى ومن مهر المثل لان الوطئ في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة (قال) فان كان الرسول ضمن لها المهر ولم يدخل بها الزوج وأخبرهم أنه أمره بذلك ثم رد الزوج النكاح للزيادة في المهر فعلى الرسول نصف المسمى لاقراره على نفسه انه أمره به وهذا لان انكار الزوج الامر بالزيادة بمنزلة انكاره الامر بالعقد أصلا كما بيناه في الفصل الاول (قال) فان قال الرسول أنا أغرم المهر وألزمك النكاح لم يكن له ذلك الا أن يشاء الزوج لانه فيما باشر من العقد غير ممتثل أمره فكان بمنزلة الفضولي والفضولي ولا يملك أن يلزم عليه حكم العقد الا برضاه وهذا لانه وان تبرع باداء الزيادة فلابد من أن يجب على الزوج أولا لان المسمى في العقد صداق والصداق مطلقا يجب على الزوج وقد تعذر الزام الزوج بذلك وانعدم منها الرضا بدونه (قال) وإذا وكل الرجل الرجل أن يزوجه امرأة فزوجها اياه وضمن لها عنه المهر جاز ذلك ولم يرجع به الوكيل على الزوج لانه ضمن عنه بغير أمره فان أمره اياه بالنكاح لا يكون أمرا بالتزام الصداق لان الوكيل بالنكاح سفير ومعبر لا ملتزم ومن ضمن عن غيره دينه بغير أمره لم يرجع به عليه لان تبرعه بالضمان كتبرعه بالاداء فان كان أمره بذلك رجع عليه كما لو أمره بالاداء (قال) وإذا كان العقد من الوكيل بشهود جاز وان لم يكن على التوكيل شهود لان التوكيل بالنكاح ليس بنكاح والشهود من خصائض شرائط
[ 22 ] النكاح وانما شرط الشهود في النكاح لانه يتملك به البضع فلاظهار خطره اختص بشهود وذلك لا يوجد في التوكيل فان البضع لا يتملك بالتوكيل فهو بمنزلة التوكيل بسائر العقود (قال) وإذا أدخل على الرجل غير امرأته فدخل بها فعلى الزوج مهر التي دخل بها لانه دخل بها بشبهة النكاح بخبر المخبر انها امرأته وخبر الواحد في المعاملات حجة فيصير شبهة في اسقاط الحد فإذا سقط الحد وجب المهر وعليها العدة ويثبت نسب ولدها منه ولا تتقى في عدتها ما تتقى المعتدة وبنحوه قضى على رضي الله عنه في الوطئ بالشبهة والحداد اظهار التحزن على فوات نعمة النكاح وذلك لا يوجد في الوطئ بالشبهة وليس لها عليه نفقة العدة لان وجوب النفقة باعتبار ملك اليد الثابت بالنكاح وذلك غير موجود في الوطئ بالشبهة ولانه يبقى بالعدة ما كان ثابتا من النفقة باصل النكاح ولم يكن لها نفقة مستحقة هنا ليبقى ذلك ببقاء العدة ولا يرجع بالمهر على الذي أدخلها عليه لانه وجب عليه عوضا عما استوفى وهو الذي نال اللذة بالاستيفاء فلا يرجع بالعوض على غيره ولان المخبر أخبر بكذب من غير ان ضمن له شيئا وهذا العقد من الغرور لا يثبت له الرجوع عليه كمن أخبره بأمن الطريق فسلك فيه حتى أخذ اللصوص متاعه (قال) فان كانت هذه أم امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة ولها عليه نصف الصداق لوقوع الفرقة قبل الدخول بسبب من جهة الزوج ولا يرجع به على أحد أيضا لما قلنا وان كانت بنت امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة وله أن يتزوج التي دخل بها لان مجرد العقد على الام لا يوجب حرمة الربيبة وليس له أن يتزوج أم التي دخل بها لان بالدخول بالبنت تحرم الام على التأبيد بخلاف الفصل الاول فان هناك لا يتزوج واحدة منهما لوجود العقد الصحيح على البنت والدخول بالام ولو كانت هذه أخت امرأته أو ذات رحم محرم منها لم يقرب امرأته حتى تنقضي عدتها لان أختها معتدة منه فلو قربها كان جامعا ماءه في رحم أختين وذلك لا يجوز والله أعلم بالصواب * (باب الاكفاء) * * (قال) * إعلم ان الكفاءة في النكاح معتبرة من حيث النسب الا على قول سفيان الثوري رحمه الله تعالى فانه كان يقول لا معتبر في الكفاءة من حيث النسب وقيل إنه كان من العرب فتواضع ورأي الموالي اكفاء له وأبو حنيفة رحمه الله تعالى كان من الموالى فتواضع
[ 23 ] ولم ير نفسه كفؤا للعرب وحجته في ذلك قوله ﷺ الناس سواسية كاسنان المشط لا فضل لعربي على عجمى انما الفضل بالتقوى وهذا الحديث يؤيده قوله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم وقال ﷺ كلكم بنو آدم طف للصاع لم يملا وقال الناس كابل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة واحدة فهذه الآثار تدل على المساواة وان التفاضل بالعمل ومن أبطا به عمله لم يسرع به نسبه وخطب أبو طيبة امرأة من بني بياضة فابوا ان يزوجوه فقال ﷺ زوجوا أبا طيبة الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير فقالوا نعم وكرامة وخطب بلال رضي الله عنه إلى قوم من العرب فقال له رسول الله ﷺ قل لهم ان رسول الله ﷺ يأمركم ان تزوجوني وان سلمان خطب بنت عمر رضي الله عنه فهم ان يزوجها منه ثم لم يتفق ذلك وحجتنا في ذلك قوله ﷺ قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل وفي حديث جابر رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال ألا لا يزوج النساء الا الاولياء ولا يزوجن الا من الاكفاء وما زالت الكفاءة مطلوبة فيما بين العرب حتى في القتال بيانه في قصة الثلاثة الذين خرجوا يوم بدر للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار فقالوا لهم انتسبوا فانتسبوا فقالوا أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه بذلك فقال ﷺ صدقوا وأمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضوان الله عليهم أجمعين بأن يخرجوا إليهم فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي النكاح أولى وهذا لان النكاح يعقد للعمر ويشتمل على اغراض ومقاصد من الصحبة والالفة والعشرة وتأسيس القرابات وذلك لا يتم الا بين الاكفاء وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة واليه أشار رسول الله ﷺ فقال النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته واذلال النفس حرام قال ﷺ ليس للمؤمن ان يذل نفسه وانما جوز ما جوز منه لاجل الضرورة وفي استفراش من لا يكافئها زيادة الذل ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة والمراد من الآثار التى رواها في أحكام الآخرة وبه نقول ان التفاضل في الآخرة بالتقوى وتأويل الحديث الآخر الندب إلى التواضع وترك طلب الكفاءة لا الالزام وبه نقول ان عند الرضا يجوز العقد ويحكي عن
[ 24 ] الكرخي رحمه الله تعالى انه كان يقول الاصح عندي ان لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا لان الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح وهو الدماء فلان لا تعتبر في النكاح أولى ولكن هذا ليس بصحيح فان الكفاءة غير معتبرة في الدين في باب الدم حتى يقتل المسلم بالكافر ولا يدل ذلك على أنه غير معتبر في النكاح إذا عرفنا هذا فنقول الكفاءة في خمسة أشياء (أحدها) النسب وهو على ما قال قريش أكفاء بعضها لبعض فأنهم فيما بينهم يتفاضلون وأفضلهم بنو هاشم ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله ﷺ تزوج عائشة رضى الله تعالى عنها وكانت تيمبة وتزوج حفصة رضى الله تعالى عنها وكانت عدوية وزوج ابنته من عثمان رضي الله تعالى عنه وكان عبشميا فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض. وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال الا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فان غيرهم لا يكافئهم وكانه قال ذلك لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة لا لانعدام أصل الكفاءة والعرب بعضهم أكفاء لبعض فان فضيلة العرب بكون رسول الله ﷺ منهم ونزول القرآن بلغتهم وقال ﷺ حب العرب من الايمان وقال ﷺ لسلمان رضي الله تعالى عنه لا تبغضني قال وكيف أبغضك وقد هداني الله بك قال تبغض العرب فتبغضني ولا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال ﷺ والموالي بعضهم أكفاء لبعض وهذا لان الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه سلمان رضي الله تعالى عنه حين تفاخر جماعة من الصحابة بذكر الانساب فلما انتهى إلى سلمان رضي الله تعالى عنه قالوا سلمان ابن من فقال سلمان ابن الاسلام فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فبكى وقال وعمر ابن الاسلام فمن كان من الموالى له أبوان في الاسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباه لان النسبة تتم بالانتساب إلى الاب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الاسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب في الاسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الاسلام لان هذا يحتاج في النسبة إلى الاب الكافر وذلك منهى عنه لما روى أن رجلا انتسب إلى تسعة آباء في الجاهلية فقال ﷺ هو عاشرهم في النار ولكن هذا إذا كان على سبيل التفاخر دون التعريف (والثاني) الكفاءة في الحرية فان العبد لا يكون كفؤا لامرأة حرة الاصل وكذلك المعتق لا يكون كفؤا لحرة الاصل والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لامرأة
[ 25 ] لها أبوان في الحرية وهذا لان الرق أثر من آثار الكفر وفيه معنى الذل فكان هو بمنزلة أصل الدين من الوجه الذي قلنا وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الذي أسلم بنفسه أو أعتق لو أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له (والثالث) الكفاءة من حيث المال فان من لا يقدر على مهر امرأة ونفقتها لا يكون كفؤا لها لان المهر عوض بضعها والنفقة تندفع بها حاجتها وهي إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزوج فإذا كانت تنعدم الكفاءة بضعة نسب الزوج فبعجزه عن المهر والنفقة أولى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال إذا كان يقدر على ما يعجله ويكتسب فينفق عليها يوما بيوم كان كفؤا لها وأما إذا كان قادرا على المهر والنفقة كان كفؤا لها وان كانت المرأة صاحبة مال عظيم وبعض المتأخرين اعتبروا الكفاءة في كثرة المال لحديث عائشة رضي الله عنها رأيت ذا المال مهيبا ورأيت ذا الفقر مهينا وقالت ان احساب ذوى الدنيا المال والاصح أن ذلك لا يعتبر لان كثرة المال في الاصل مذموم قال ﷺ هلك المكثرون الا من قال بماله هكذا وهكذا يعني تصدق به (والرابع) الكفاءة في الحرف والمروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن ذلك غير معتبر أصلا وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه معتبر حتى أن الدباغ والحجام والحائك والكناس لا يكون كفؤا لبنت البزاز والعطار وكأنه اعتبر العادة في ذلك وورد حديث عن رسول الله ﷺ أنه قال الناس أكفاء الا الحائك والحجام ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال الحديث شاذ لا يؤخذ به فيما تعم به البلوى والحرفة ليست بشئ لازم فالمرء تارة يحترف بحرفة نفيسة وتارة بحرفة خسيسة بخلاف صفة النسب لانه لازم له وذل الفقر كذلك فان لا يفارقه (والخامس) الكفاءة في الحسب وهو مروي عن محمد رحمه الله تعالى قال هو معتبر حتى أن الذي يسكر فيخرج فيستهزئ به الصبيان لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات الا أن يكون مهيبا يعظم في الناس وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال الذي يشرب المسكر فان كان يسر ذلك فلا يخرج سكران كان كفؤا وان كان يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات ولم ينقل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى شئ من ذلك والصحيح عنده انه غير معتبر لان هذا ليس بلازم حتى لا يمكن تركه (قال) وإذا وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كف ء فللاولياء أن يفرقوا بينهما لانها
[ 26 ] ألحقت العار بالاولياء فانهم يتعيرون بأن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم فكان لهم أن يخاصموا لدفع ذلك عن أنفسهم ولا يكون التفريق بذلك الا عند القاضى لانه فسخ للعقد بسبب نقص فكان قياس الرد بالعيب بعد القبض وذلك لا يثبت الا بقضاء القاضي ولانه مختلف فيه بين العلماء فكان لكل واحد من الخصمين نوع حجة فيما يقول فلا يكون التفريق الا بالقضاء وما لم يفرق القاضي بينهما فحكم الطلاق والظهار والايلاء والتوارث قائم بينهما لان أصل النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية فانه لا ضرر على الاولياء في صحة العقد وانما الضرر عليهم في اللزوم فتتوفر عليه أحكام العقد الصحيح فإذا فرق القاضي بينهما كانت فرقة بغير طلاق لان هذا التفريق كان على سبيل الفسخ لاصل النكاح والطلاق تصرف في النكاح فما يكون فسخا لاصل النكاح عندنا لا يكون تصرفا فيه ولان الطلاق إلى الزوج فتفريق القاضي متى كان على وجه النيابة عن الزوج كان طلاقا وهذا التفريق ليس على وجه النيابة عنه فإذا لم يكن طلاقا قلنا لا مهر لها عليه ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها أو خلا بها فلها ما سمى من المهر وعليها العدة لان أصل النكاح كان صحيحا فيتقرر المسمى بالتسليم اما بالدخول أو بالخلوة والمكاتب والمدبر نظير العبد في انه لا يكون كفؤا للحرة لان الرق فيهما فائم قال ﷺ المكاتب عبد ما بقى عليه درهم (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء فرضى به أحد الاولياء جاز ذلك ولا يكون لمن هو مثله في الولاية أو أبعد منه ان ينقضه الا ان يكون أقرب منه فحينئذ له المطالبة بالتفريق وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في نوادر هشام إذا رضى أحد الوليين بغير كف ء فللولي الذي هو مثله ان لا يرضى به وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى وكذلك ان كان هذا الولي الراضي هو الذي زوجها والخلاف مع الشافعي انما يتحقق هنا وجه قولهم ان طلب الكفاءة حق جميع الاولياء فإذا رضى منهم واحد فقد أسقط حق نفسه وحق غيره فيصح اسقاطه في حق نفسه دون غيره كالدين المشترك إذا أبرأ أحدهم أو ارتهن رجلان عينا ثم رده أحدهما أو سلم أحد االشفيعين الشفعة أو عفى أحد الوليين عن القصاص يصح في حقه دون غيره وكذلك لو قذف أم جماعة وصدقه أحدهم كان للباقين المطالبة بالحد والدليل عليه انها لو زوجت نفسها من غير كف ء كان للاولياء أن يفرقوا ولم يكن رضاها بعدم الكفاءة مبطلا حق الاولياء فكذلك هنا وحجتنا ان الحق واحد وهو غير محتمل للتجزي لانه ثبت بسبب
[ 27 ] لا يحتمل التجزي فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به كما في الامان فان فيه ابطال حق الاستغنام والاسترقاق ثم صح من واحد من المسلمين في حق جماعتهم للمعنى الذي قلنا وهذا لان الاسقاط صحيح في حق المسقط بالاتفاق فإذا كان الحق واحدا وقد سقط في حق المسقط فمن ضرورته سقوطه في حق غيره لانه لو لم يسقط في حق غيره لكان إذا استوفاه يصير حق الغير مستوفي أيضا وذلك لا يجوز ولانه لما لم يبق بعد السقوط لا يتمكن الآخر من المطالبة به بخلاف الدين فانه متجزئ في نفسه وبخلاف الرهن فانا لو نفينا حق الاخر لا يصير حق المسقط مستوفى وبه تبين ان الحق يتعدد هناك وكذلك في الشفعة وفي القصاص مالا يحتمل التجزى لا يبقى بعد عفو أحدهم وانما يبقى ما يحتمل التجزى وهو الدية وبخلاف حد القذف فان ذلك لا يحتمل السقوط ولكن المصدق ينكر سبب الوجوب وهو احصان المقذوف وانكار سبب وجوب الشئ لا يكون اسقاطا له فوزانه مما نحن فيه ان لو ادعى أحد الاولياء ان الزوج كفؤ وأثبت الآخر انه ليس بكف ء فيكون له ان يطلب التفريق واما إذا رضيت هي فلان الحق الثابت لها غير الحق الثابت للاولياء لان الثابت لها صيانة نفسها عن ذل الاستفراش وللاولياء صيانة نسبهم عن ان ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وأحدهما غير الآخر فلم يكن اسقاط أحدهما موجبا سقوط الاخر الا ترى انه قد يثبت الخيار لها في موضع لا يثبت للاولياء على ما نبينه في آخر الباب ان شاء الله تعالى ومتى فرق القاضي بينهما بعد الدخول لعدم الكفاءة حتى وجبت عليها العدة فلها نفقة العدة على الزوج لانها كانت تستحق النفقة في أصل النكاح فيبقى ذلك ببقاء العدة وسكوت الولي عن المطالبة بالتفريق ليس برضى منه بالنكاح وان طال ذلك حتى تلد وله الخصومة ان شاء لان هذا حق ثابت له والسكوت ليس بمبطل للحق الثابت بصفة التأكد ولانه يحتاج إلى الخصومة في المطالبة وقد لا يرغب الانسان بالخصومة في كل وقت فتأخيره إلى أن يتمكن منه لا يكون مبطلا حقه (قال) وإذا زوجها الولي غير كف ء ثم فارقها ثم تزوجت به بغير ولي كان للولي ان يفرق بينهما لان العقد الثاني غير الاول ورضاه بالعقد الاول بينهما لا يكون رضا بالعقد الآخر كما ان رضاه برجل لا يكافئها لا يكون رضا برجل آخر إذا زوجت نفسها منه بعد ذلك (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء ثم جاء الولي فقبض مهرها وجهزهها فهذا منه رضا بالنكاح لان قبض المهر تقرير لحكم العقد فيتضمن ذلك الرضا بالعقد ضرورة
[ 28 ] ومباشرة الفعل الذي هو دليل الرضا بمنزلة التصريح بالرضا ألا ترى ان مثل هذا الفعل يكون اجازة للعقد فلان يكون رضا بالعقد النافذ كان أولى وان لم يفعل هذا ولكن خاصم زوجها في نفقتها أو في بقية مهرها عليه بوكالة منها ففي القياس هذا لا يكون رضا لانه انما خاصم في ذلك ليظهر عجز الزوج عنه وهو أحد أسباب عدم الكفاءة واشتغاله باظهار سبب عدم الكفاءة يكون تقريرا لحقه لا اسقاطا وفي الاستحسان يكون هذا رضا بالنكاح لانه انما يخاصم في المهر والنفقة ليستوفي والاستيفاء ينبنى على تمام العقد فتكون خصومته في ذلك رضا منه بتمام النكاح بينهما (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي وألزمه المهر وألزمها العدة ثم تزوجها في عدتها بغير ولي وفرق القاضي بينهما قبل الدخول بها كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله تعالى لا مهر لها عليه وعليها بقية العدة الاولى وعند زفر رحمه الله تعالى لا عدة عليها وعلى هذا الخلاف لو طلقها تطليقة ثانية في النكاح الاول ثم تزوجها في العدة فطلقها قبل الدخول عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يجب المهر الثاني كاملا وعليها العدة وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها الا أن عند محمد يلزمها بقية العدة الاولى لظاهر قوله تعالى فان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية وقال ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها وفي النكاح الثاني الطلاق حصل قبل المسيس لان العقد الثاني غير مبنى على الاول والدخول في النكاح الاول لم يجعل دخولا في النكاح الثاني. ألا ترى أن صريح الطلاق يبينها فصار في حق العقد الثاني كأن الاول لم يوجد أصلا الا أن محمدا رحمه الله تعالى يوجب بقية العدة الاولى احتياطا لان تلك العدة كانت واجبة وبالطلاق قبل الدخول صار النكاح الثاني كالمعدوم وزفر رحمه الله تعالى يقول العدة الاولى سقطت بالنكاح الثاني والساقط من العدة لا يعود وتجدد وجوب العدة يستدعي تجدد السبب وهما قالا العقد الثاني يتأكد بنفسه والفرقة متى حصلت بعد تأكد العقد يجب كمال العدة والمهر وبيان التأكد ان اليد والفراش يبقى ببقاء العدة فانما تزوجها والمعقود عليه في يده حكما فيصير قابضا بنفس العقد كالغاصب إذا اشترى من المغصوب منه المغصوب وبه يتأكد حكم النكاح سواء وجد الدخول أو لم يوجد كما يتأكد بالخلوة وبه يبطل اعتمادهم على حصول البينونة بصريح الطلاق فان بعد الخلوة صريح الطلاق يبينها
[ 29 ] ويكون النكاح متأكدا في حكم المهر والعدة ولان وجوب العدة لتوهم اشتغال الرحم بالماء عند الفرقة وهذا قائم في العقد الثاني لانه لا تأثير في تجديد العقد في براءة الرحم وقد كان توهم الشغل ثابتا حتى أوجبنا العدة عند الفرقة لاولى وهذا على قول محمد رحمه الله تعالى الزم لانه يلزمها بقية العدة الاولى باعتبار توهم الشغل والعدة لا تتجزي في الوجوب وعلى هذا الاصل لو كانت الفرقة بسبب اللعان أو بخيار البلوغ أو بخيار العتق كله على الاصل الذي بيناه وكذلك ان كان النكاح الاول فاسدا أو كان دخل بها بشبهة ثم تزوجها نكاحا صحيحا في العدة وان كان النكاح الاول صحيحا والثاني فاسدا ففرق بينهما قبل الدخول لا يجب المهر بالاتفاق لان صيرورته قابضا باعتبار تمكنه من القبض شرعا وذلك بالعقد الفاسد لا يكون ألا ترى أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب المهر والعدة فهنا كذلك العدة الاولى لم تسقط بمجرد العقد الفاسد فبقيت معتدة كما كانت ولا مهر لها عليه إذا فرق بينهما قبل الدخول ولو كان العقد الثاني صحيحا فارتدت ووقعت الفرقة بينهما فهو على هذا الخلاف الذي قلنا لها كمال المهر في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى لا مهر لها لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول فلو كان تزوجها في جميع هذه الوجوه بعد انقضاء العدة كان الجواب عندهم كما هو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى في الفصول المتقدمة لانه لم يبق له عليها تلك اليد بعد انقضاء العدة فالتزوج بها وباجنبية أخرى سواء (قال) وإذا تزوجت المرأة رجلا خيرا منها فليس للولى أن يفرق بينهما لان الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء فان الولى لا يعتير بان يكون تحت الرجل من لا تكافئه ولان نسب الولد يكون إلى أبيه لا إلى أمه ألا ترى ان اسمعيل عليه السلام كان من قوم إبراهيم صلوات الله عليه لا من قوم هاجر وكذلك إبراهيم بن رسول الله ﷺ كان من قريش وما كان قبطيا وأولاد الخلفاء من الاماء يصلحون للخلافة (قال) وإذا تسمى الرجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه فتزوجته فالمسألة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهره بأن أخبرها أنه من العرب ثم تبين أنه من قريش وفي هذا لا خيار لها ولا للاولياء لانها وجدته خيرا مما شرط لها فهو كمن اشترى شيئا على أنه معيب فإذا هو سليم (والثاني) إذا كان نسبه المكتوم دون ما أظهره ولكنه في النسب المكتوم غير كف ء لها بأن تزوج قرشية على أنه من قريش ثم تبين أنه من
[ 30 ] العرب أو من الموالي وفي هذا لها الخيار وان رضيت هي فللاولياء أن يفرقوا بينهما لعدم الكفاءة (والثالث) ان كان النسب المكتوم دون ما أظهر ولكنه في النسب المكتوم كفؤ لها بأن تزوج عربية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب وفي هذا ليس للاولياء حق المطالبة بالفرقة بالاتفاق لان حق الخصومة للاولياء لدفع العار عن أنفسهم حتى لا ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وهذا غير موجود هنا ولكن لها الخيار ان شاءت اقامت معه وان شاءت فارقته عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا خيار لها كما لا يثبت للاولياء لان الحق في المطالبة بالكفاءة وهي موجودة ولكنا نقول شرط لها زيادة منفعة وهو أن يكون ولدها منه صالحا للخلافة فإذا لم تنل هذا الشرط كان لها الخيار كمن اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسنه وهذا لان في الاستفراش ذلا في جانبها والمرأة قد ترضى استفراش من هو أفضل منها ولا ترضى استفراش من هو مثلها فإذا ظهر أنه غرها فقد تبين انعدام تمام الرضا منها فلهذا كان لها الخيار بخلاف الاولياء فان ثبوت الخيار لهم لعدم الكفاءة فقط وللشافعي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول مثل قول زفر رحمه الله تعالى وقول آخر أن النكاح باطل لانها زوجت نفسها من رجل هو قرشي ولم يوجد ذلك الرجل ولكنا نقول الاشارة مع التسمية إذا اجتمعا فالعبرة للاشارة لان التعريف بالاشارة أبلغ وبهذا ونحوه نستدل على قلة فقهه فان مثل هذا الجواب لا يعجز عنه غير الفقيه ومن سئل عن طريق فقال اما من هذا الجانب واما من هذا الجانب فيشير إلى الجوانب الاربعة علم أنه لا علم له بالطريق أصلا (قال) وان كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها فلا خيار له فيه إذا علم وهي امرأته ان شاء طلقها وان شاء أمسكها لما بينا أنه لا يفوت عليه شئ من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها لا في حق نفسه ولا في ولده ولانه يتمكن من التخلص منها بالطلاق فلا حاجة إلى اثبات الخيار والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب النكاح بغير شهود) * (قال) بلغنا عن رسول الله ﷺ انه قال لا نكاح الا بشهود وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى وكان مالك وابن أبي ليلى وعثمان البتي رحمهم الله تعالى يقولون
[ 31 ] الشهود ليس بشرط في النكاح انما الشرط الاعلان حتى لو أعلنوا بحضرة الصبيان والمجانين صح النكاح ولو أمر الشاهدين بان لا يظهرا العقد لا يصح وحجتهم في ذلك قوله ﷺ اعلنوا النكاح ولو بالدف وحضر رسول الله ﷺ املاك رجل من الأنصار فقال أين شاهدكم فأتى بالدف فأمر بان يضرب على رأس الرجل وكان لعائشة رضي الله عنها دف تعيره للانكحة وهذا لان حرام هذا الفعل لا يكون الا سرا فالحلال لا يكون الا ضده وذلك بالاعلان لننتفي التهم وحجتنا في ذلك الحديث الذي رويناه ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي ﷺ قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدان وقال عمر رضي الله عنه لا أوتي برجل تزوج امرأة بشهادة رجل واحد الا رجمته ولان الشرط لما كان هو الاظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا وذلك شهادة الشاهدين فانه مع شهادتهما لا يبقى سرا قال القائل وسرك ما كان عند امرئ + + + وسر الثلاثة غير الخفى ولان اشتراط زيادة شئ في هذا العقد لاظهار خطر البضع فهو نظير اشتراط زيادة شئ في اثبات إتلاف ما يملك بالنكاح وانما اختص ذلك من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين فكذلك هذا التمليك مختص من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين ثم الاصل عندنا ان كل من يصلح ان يكون قابلا للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته وكل من يصلح ان يكون وليا في نكاح يصلح ان يكون شاهدا في ذلك النكاح وعلى هذا الاصل قلنا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين ولا ينعقد عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله ﷺ لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل ولكنا نقول ذكر العدالة في هذا الحديث والشهادة مطلقة فيما روينا فنحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعا مع انه نكر ذكر العدالة في موضع الاثبات فيقتضى عدالة ما وذلك من حيث الاعتقاد وفي الحقيقة المسألة تنبني على ان الفاسق من أهل الشهادة عندنا وانما لا تقبل شهادته لتمكن تهمة الكذب وفي الحضور والسماع لا تمكن هذه التهمة فكان بمنزلة العدل وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلا لنقصان حاله بسبب الفسق وهو ينبنى أيضا على أصل ان الفسق لا ينقص من ايمانه عندنا فان الايمان لا يزيد ولا ينقص والاعمال من شرائع الايمان لا من نفسه وعنده الشرائع من نفس الايمان ويزداد الايمان بالطاعة وينتقص بالمعصية بجعل نقصان الدين بسبب الفسق
[ 32 ] كنقصان الحال بسبب الرق والصغر واعتبر بطرف الاداء فان المقصود ظهار النكاح عند الحاچة إليه والصيانة عن خلل يقع بسبب التجاحد ولا يحصل ذلك بشهادة الفاسق ولكنا نقول الفسق لا يخرجه من أن يكون أهلا للامامة والسلطنة فان الائمة بعد الخلفاء الراشدين رضى الله تعالى عنهم قل ما يخلو واحد منهم عن فسق فالقول بخروجه من أن يكون إماما بالفسق يؤدي إلى فساد عظيم ومن ضرورة كونه أهلا للامامة كونه أهلا للقضاء لان تقلد القضاء يكون من الامام ومن ضرورة كون أهلا لولاية القضاء ان يكون أهلا للشهادة وبه ظهر الفرق بينه وبين نقصان الحال بسبب الرق والاداء ثمرة من ثمرات الشهادة وفوت الثمرة لا يدل على انعدام الشئ من أصله الا ترى ان بشهادة المستور الذي ظاهر حاله العدالة ينعقد النكاح ولا يظهر بمقالته وكذلك بشهادة ابنته منها وكذلك ينعقد بشهادة الاعميين بالاتفاق اما عندنا فلان الاعمى انما لا تقبل شهادته لانه لا يميز بين المشهود له والمشهود عليه الا بدليل مشتبه وهو النغمة والصوت وذلك لا يكون في حالة الحضور والسماع وعند الشافعي رحمه الله تعالى لان الاعمى من أهل أداء الشهادة ولهذا قال لو تحمل وهو بصير ثم عمى تقبل شهادته فاما بشهادة المحدودين في القذف فان لم تظهر توبتهما فهما فاسقان وان ظهرت توبتهما ينعقد النكاح بشهادتهما بالاتفاق عند الشافعي رحمه الله تعالى لجواز الاداء منهما بعد التوبة وعندنا انما لا تقبل شهادة المحدود في القذف لكونه محكوما بكذبه فانما يؤثر ذلك فيما يتصور فيه تهمة الكذب أو فيما يستدعي قولا من جهتهما وذلك لا يكون في الحضور والسماع فأما بشهادة العبدين والصبيين لا ينعقد النكاح لانهما لا يقبلان هذا العقد بأنفسهما ولانهما لا يصلحان للولاية في هذا العقد وهذا لان النكاح يعقد في محافل الرجال والصبيان والعبيد لا يدعون إلى محافل الرجال عادة فلهذا جعل حضورهما كلا حضورهما وعلى هذا الاصل ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا ينعقد بناء على أصله أن شهادة النساء مع الرجال انما تكون حجة في الاموال وفيما يكون تبعا للاموال باعتبار أن المعاملة تكثر بين الناس ويلحقهم الحرج باشهاد رجلين في كل حادثة فكانت حجة ضرورية في هذا المعنى ولا ضرورة في النكاح والطلاق وما ليس بمال لان المعاملة فيها لا تكثر فكانت كالحدود والقصاص وكذلك هذا ينبني على أصله أن المرأة لا تصلح أن تكون موجبة للنكاح ولا قابلة فكذلك لا تصلح
[ 33 ] شاهدة في النكاح وعندنا هي تصلح لذلك وللنساء مع الرجال شهادة أصلية ولكن فيها ضرب شبهة من حيث أنه يغلب الضلال والنسيان عليهن كما أشار الله تعالى في قوله أن تضل احداهما الاخرى فتذكر احداهما الاخرى وبانضمام احدى المرأتين إلى الاخرى تقل تهمة النسيان ولا تنعدم لبقاء سببها وهي الانوثة فلا تجعل حجة فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص فأما النكاح والطلاق يثبت مع الشبهات فهذه الشهادة فيها نظير شهادة الرجل ولا اشكال ان تهمة الضلال والنسيان في شهادة الحضور لا تتحقق فكان ينبغي أن ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأة ولكنا نقول قد ثبت بالنص ان المرأتين شاهد واحد فكانت المرأة الواحدة نصف الشاهد وبنصف الشاهد لا يثبت شئ ولهذا لو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وسنقرر هذه الاصول في موضعها من كتاب الشهادات ان شاء الله تعالى واعتمادنا على حديث عمر رضي الله تعالى عنه حيث أجاز شهادة رجل وامرأتين في النكاح والفرقة (قال) ولو تزوجها بشهادة ابنته أو ابنتها أو بنته منها ينعقد النكاح بالاتفاق لحضور من هو أهل للشهادة فان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لا لنقصان حاله بل لتهمة ميل كل واحد منهما إلى صاحبه ولا تتمكن هذه التهمة في انعقاد العقد بشهادتهما (قال) ولو تزوج مسلم نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولم يجز في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لان هذا نكاح لا يصح الا بشهود فلا يصح بشهادة الكافرين كالعقد بين المسلمين بخلاف أنكحة الكفار فانها تنعقد بغير شهود وحقيقة المعنى ان هذا السماع شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم فلم يصح سماعهما كلام المسلم بطريق الشهادة وشرط الانعقاد سماع البينة كلا شطري العقد ولم يوجد فكان هذا بمنزلة ما لو سمع الشاهدان كلام المرأة دون كلام الزوج ولهما طريقان (أحدهما) ما بينا ان الكافر يصلح أن يكون وليا في العقد ويصلح ان يكون قابلا لهذا العقد بنفسه فيصلح ان يكون شاهدا فيه أيضا كالمسلم وهذا استدلال بطريق الاولى فان الايجاب والقبول ركن العقد والشهادة شرطه فإذا كان يصلح الكافر للقيام بركن هذا العقد بنفسه فلان يقوم بشرطه كان أولى بخلاف ما يجرى بين المسلمين ولان المخاطب بالاشهاد هو الرجل لانه يتملك البضع ولا يتملك الا بشهادة الشهود فاما المرأة تملك المال والشهود ليس بشرط لتملك المال ألا ترى ان رسول الله ﷺ كان
[ 34 ] مخصوصا بالنكاح بغير شهود ثم كان المرأة لا تحتاج إلى الاشهاد عليه إذا ثبت هذا فنقول الرجل قد اشهد عليها من يصلح ان يكون شاهدا عليها بخلاف ما إذا كانت مسلمة وبخلاف ما إذا سمعوا كلامها لانه مخاطب بالاشهاد عليها بالعقد والعقد لا يكون الا بكلام المتعاقدين وسماعهما كلام المسلم صحيح ألا ترى أنه لو تزوجها بشهادة كافرين ومسلمين ثم وقعت الحاجة إلى أداء هذه الشهادة تقبل شهادة الكافرين بالعقد عليها إذا جحدت وعلى الزوج لو كانا اسلما بعد ذلك فظهر ان سماعهما كلام المسلم صحيح فيحصل به الاشهاد عليها بالعقد وهذا بخلاف ما إذا تزوجها بغير شهود فانه لا يجوز ذلك وان كان في دينهم حلالا لان صاحب العقد هو الزوج وهو مسلم مخاطب بالاشهاد فلا يعتبر اعتقادها في حقه (قال) وإذا زوج ابنته بشهادة ابنيه ثم جحد الزوج النكاح وادعاه الاب والمرأة فشهد الابنان بذلك فشهادتهما لا تقبل في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى تقبل ولو كان الزوج هو المدعى وجحد الاب والمرأة لذلك فشهادة الابنين فيه تكون مقبولة على ابيهما والحاصل ان شهادتهما لاختهما وعلى اختهما تكون مقبولة وشهادتهما على أبيهما فيما يجحده الاب مقبولة فأما إذا شهدا لابيهما فيما يدعيه ان كان الاب فيه منفعة نحو ان يشهدا بعقد تتعلق الحقوق به لا تقبل شهادتهما وان لم يكن للاب فيه منفعة لا تقبل الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا وعند محمد تقبل واصل المسألة فيما إذا قال لعبده ان كلمك فلان فانت حر فشهدا بنا فلان ان أباهما كلم العبد فان كان الاب يجحد ذلك فشهادتهما مقبولة وان كان الاب يدعى ذلك لا تقبل الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى تقبل قال لان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لتمكن تهمة الميل إليه وايثاره بالمنفعة على غيره وهذا لا يتحقق فيما لا منفعة للاب فيه فقبلت الشهادة جحدها أو ادعاها وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شهادة الولد لوالده لا تكون مقبولة بالنص وهو قوله ﷺ لا تقبل شهادة الولد لوالده وانما تكون شهادة له إذا كان مدعيا بشهادته ولا معتبر بالمنفعة فان جحوده الشهادة يقبل وان كان له فيه منفعة بأن شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة درهم بألف درهم مع أن المنفعة هنا تتحقق فان ظهور صدقه عند القاضي والناس من جملة المنفعة والعاقل يؤثر هذا على كثير من المنافع الدنيوية ثم ذكر في الكتاب وقال محمد رحمه الله تعالى كل شئ للاب فيه منفعة جحد أو ادعى فشهادة ابنيه فيه باطل
[ 35 ] وكذلك كل شئ تولاه مما يكون فيه خصما كالبيع وما أشبهه والمراد بهذا أن عند دعوى الاب لا تقبل شهادة الابن للتهمة وعند جحود الاب ان كان الآخر جاحدا أيضا لا تقبل الشهادة لعدم الدعوى فأما إذا كان الآخر مدعيا كانت الشهادة مقبولة وان كان للاب فيها منفعة كما إذا شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة درهم بألف درهم والمشتري يدعيه وهذا لان هذه منفعة غير مطلوبة من جهة الاب والمنفعة التي هي غير مطلوبة لا تؤثر في المنع من قبول الشهادة (قال) وأما شهادة الشاهد على فعل تولاه لنفسه أو لغيره مما يكون فيه خصما ومما لا يكون خصما فساقطة بالاتفاق وبهذا يستدل أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال الابن جزء من أبيه فشهادته كشهادة الاب لنفسه فكما أن شهادة الاب فيما باشره لا تكون مقبولة وان لم يكن له فيه منفعة فكذلك شهادة الابن للاب ولكنا نقول فيما باشره يكون مدعيا لا شاهدا فأما الابن فيما باشر أبوه يكون شاهدا فبعد تحقق الشهادة المانع من القبول هو التهمة ففي كل موضع لا تتحقق التهمة تكون الشهادة مقبولة (قال) وإذا زوج الرجل ابنته فأنكرت الرضا فشهد عليها أخوها وأبوها بالرضا لم تقبل لان الاب يريد تتميم ما باشره ولو شهد عليها أخواها بالرضا كانت مقبولة لانه لا تهمة في شهادتهما عليها (قال) ولو تزوج امرأة بغير شهود أو بشاهد واحد ثم أشهد بعد ذلك لم يجز النكاح لان الشرط هو الاشهاد على العقد ولم يوجد وانما وجد الاشهاد على الاقرار بالعقد الفاسد والاقرار بالعقد الفاسد ليس بعقد وبالاشهاد عليه لا ينقلب الفاسد صحيحا (قال) ولا يجوز النكاح بين مسلمين بشهادة عبدين أو كافرين أو صبيين أو معتوهين أو نساء ليس معهن رجل لما قلنا فان كان معهم شاهدان حران مسلمان جاز النكاح لوجود شرطه فان ادرك الصبيان وعتق العبدان وأسلم الكافران ثم شهدوا بذلك عند الحاكم جازت شهادتهم لان شرائط أداء الشهادة انما يعتبر عند الاداء وهو موجود والعتق والاسلام والبلوغ ليس من شرائط التحمل فتحملهما كان صحيحا حين تحملا لان التحمل ليس بشهادة والحرية والاسلام والبلوغ تعتبر في الشهادة فلهذا جازت شهادتهما * (قال) * وإذا شهد شاهد أنه تزوجها أمس وشهد شاهد أنه تزوجها اليوم فشهادتهما باطلة لان النكاح وان كان قولا الا أن من شرائطه ما هو فعل وهو حضور الشهود فكان بمنزلة الافعال واختلاف الشهود في المكان والزمان في الافعال يمنع قبول الشهادة توضيحه ان كل واحد منهما شهد بعقد
[ 36 ] عقد بحضوره وحده وذلك عقد فاسد (قال) وإذا جحد الزوج النكاح فأقامت المرأة البينة جاز ولم يكن جحوده طلاقا ولا فرقة لان للطلاق تصرف في النكاح وهو منكر لاصل النكاح فلا يكون إنكاره تصرفا فيه بالرفع والقطع. ألا ترى أن بالطلاق ينتقص العدد وبانتفاء أصل النكاح لا ينتقص فان أقامت البينة على اقراره بالنكاح جاز أيضا لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة (قال) ولو زوج عبده أمته بغير شهود لم يجز لانه نكاح بين مسلمين واشتراط الشهود في نكاح المسلمين لاظهار خطر البضع وذلك المعنى لا يختلف في الاحرار والعبيد وهذا بخلاف المهر لانه على طريق بعض مشايخنا يجب المهر بهذا العقد لاظهار خطر البضع حقا للشرع ثم يسقط بعد ذلك لانه لو بقى كان للمولى ولا دين للمولى على عبده وان قلنا لا يجب فانما امتنع وجوبه لوجود المنافي له ولكونه غير مفيد لان فائدة الوجوب الاستيفاء وهذا لا يوجد في الشهود فان ملكه رقبتهما لا ينافي الاشهاد على النكاح ويحصل به ما هو مقصود الاشهاد * (قال) * وان طلقها الزوج في النكاح بغير شهود لم يقع طلاقه عليها ولكنه متاركة للنكاح لان وقوع الطلاق يستدعى ملكا له على المحل اما ملك العين أو ملك اليد وذلك لا يحصل بالنكاح الفاسد فان العدة وان وجبت بالدخول لا يثبت ملك اليد باعتباره ولهذا الا تستوجب النفقة ولكنه يكون متاركة فان الطلاق في النكاح الصحيح يكون رافعا للعقد موجبا نقصان العدد لكن امتنع ثبوت أحد الحكمين هنا فبقى عاملا في الاخر وهو رفع الشبهة لان رفع الشبهة دون رفع العقد ثم بين حكم الدخول في النكاح الفاسد وما لو تزوجها في العدة ثانيه بشهود ثم طلقها قبل الدخول وقد بينا الخلاف فيه فيما سبق (قال) وإذا قال تزوجتك بغير شهود وقالت هي تزوجتني بشهود فالقول قولها لانهما اتفقا على أصل العقد فيكون ذلك كالاتفاق منهما على شرائطه لان شرط الشئ يتبعه فالاتفاق على الاصل يكون اتفاقا على الشرط ثم المنكر منهما للشرط في معنى الراجع فان كانت هي التي أنكرت الشهود فالنكاح بينهما صحيح وان كان الزوج هو المنكر يفرق بينهما لاقراره بالحرمة عليه لانه متمكن من تحريمها على نفسه فجعل اقراره مقبولا في اثبات الحرمة ويكون هذا بمنزلة الفرقة من جهته فلها نصف المهر ان كان قبل الدخول وجميع المسمى ونفقة العدة ان كان بعد الدخول وهذا بخلاف ما إذا أنكر الزوج أصل النكاح لان القاضي كذبه في انكاره بالحجة والمكذب في زعمه بقضاء القاضي لا يبقى لزعمه عبرة وهنا القاضي ما كذبه في زعمه بالحجة ولكنه رجح قولها
[ 37 ] للمعنى الذي قلنا فبقى زعمه معتبرا في حقه فلهذا فرق بينهما (قال) وكذلك لو قال تزوجتها ولها زوج أو هي معتدة من غيري أو هي مجوسية أو أختها عندي أو هي أمة تزوجتها بغير اذن مولاها لان هذه الموانع كلها معني في محل العقد والمحال في حكم الشروط فكان هذا واختلافهما في الشهود سواء على ما بينا وهذا بخلاف ما إذا ادعى أحدهما ان النكاح كان في صغره بمباشرته لانه ينكر أصل العقد هنا فان الصغير ليس بأهل لمباشرة النكاح بنفسه فاضافة العقد إلى حالة معهودة تنافى الاهلية يكون انكارا لاصل العقد كما لو قال تزوجتك قبل ان تخلقي أو قبل أن أخلق وإذا كان القول قول المنكر منهما فلا مهر لها عليه ان لم يكن دخل بها قبل الادراك وان كان دخل بها قبل الادراك فلها الاقل من المسمى ومن مهر المثل لوجود الدخول بحكم النكاح الموقوف فان عقد الصغير يتوقف على اجازة وليه إذا كان الولي يملك مباشرته وان كان الدخول بعد الادراك فهذا رضى بذلك النكاح وبعد الادراك لو أجاز العقد الذي عقده في حالة الصغر جاز كما لو اجاز وليه قبل ادراكه فكذلك بدخوله بها يصير مجيزا (قال) وإذا زوج الرجل امرأة بامره ثم اختلفا فقال الوكيل أشهدت فيه على النكاح وقال الزوج لم تشهد فيه فانه يفرق بينهما لاقراره وعليه نصف الصداق لما قلنا ان اقراره باصل عقد الوكيل اقرار بشرطه وان اختلفت المرأة ووكيلها في مثل ذلك فالقول قول الزوج لانها أقرت بالوكالة والنكاح فيكون ذلك اقرارا منها بشرط النكاح (قال) وكذلك لو قالت لو تزوجني لا يلزمها اقرار الوكيل وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهما لان اقرار الوكيل بالنكاح في حال بقاء الوكالة صحيح وقد بيناه وكذلك وكيل الزوج إذا أقر بالنكاح وجحد الزوج فهو على الخلاف الذي بينا هكذا ذكر المسألة هنا وأعاد المسألة في كتاب الطلاق وذكر ان أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال سواء النكاح والخلغ والبيع والشراء في ان اقرار الوكيل بفعله جائز إذا كان الآمر مقرا انه أمره بفعله ففي رواية كتاب الطلاق الخلاف في اقرار الولي على الصغير في النكاح لا في اقرار الوكيل على الموكل لان الوكيل مسلط من جهة الموكل باختياره فاقرار الوكيل به كاقرار الموكل بنفسه فأما الولي مسلط شرعا والشرع اعتبر الشهود في النكاح فلا يصح اقرار الولى بغير شهود والاصح أن الخلاف في الكل كما ذكر هنا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 38 ] باب نكاح أهل الذمة (قال) رضى الله تعالى عنه اعلم أن كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمة لانهم يعتقدون جوازه ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضا فان النبي ﷺ قال بعثت الي الاحمر والاسود وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما توافقنا في اعتقاده يكون ثابتا في حقهم فاما ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فانه جائز بين أهل الذمة يقرون عليه إذا أسلموا عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لا يتعرض لهم في ذلك الا أن يسلموا أو يترافعوا الينا فحينئذ يفرق القاضى بينهم لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ولانهم بعقد الذمة صاروا منا دارا والتزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقهم ما هو ثابت في حقنا الا ترى ان حرمة الربا ثابتة في حقهم بهذا الطريق فكذلك حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نقول نعرض عنهم لمكان عقد الذمة لا لانا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النار والاوثان على سبيل الاعراض لا على سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون ولا نعرض عنهم في عقد الربا لان ذلك مستثنى عن عقد الذمة قال ﷺ الا من أربى فليس بيننا وبينه عقد ويروى عهد وكتب إلى بنى نجران اما ان تدعوا الربا أو فأدنوا بحرب من الله ورسوله وحجتنا في ذلك ان الاشهاد على النكاح من حق الشرع وهم لا يخاطبون بحقوق الشرع بما هو أهم من هذا ولان النكاح بغير شهود يجوزه بعض المسلمين ونحن نعلم انهم لم يلتزموا أحكام الاسلام بجميع الاختلاف ثم من المنزل ان يترك أهل الكتاب وما يعتقدون الا ما استثني عليهم وان حكم خطاب الشرع في حقهم كانه غير نازل لاعتقادهم خلاف ذلك الا ترى ان الخمر والخنزير يكون مالا متقوما في حقهم ينفذ تصرفهم فيهما بهذا الطريق فكذا ما نحن فيه بخلاف الشرك فان ذلك لم يحل قط ولن يحل قط وإذا انعقد انعقد فيما بينهم صحيحا بهذا الطريق فما بعد المرافعة والاسلام حال بقاء النكاح والشهود شرط ابتداء النكاح لا شرط البقاء فاما إذا تزوج ذمية في عدة ذمي جاز النكاح في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يفرق بينهما وان أسلما أو ترافعا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يفرق لان النكاح في العدة مجمع على بطلانه فيما بين المسلمين فكان باطلا في حقهم أيضا ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد
[ 39 ] الذمة فإذا ترافعوا أو أسلموا وجب الحكم فيهم بما هو حكم الاسلام كما في نكاح المحارم فاما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى من أصحابنا من يقول العدة لا تجب من الذمي لان وجوبها لحق الشرع أو لحق الزوج ولا يمكن ايجابها لحق الشرع هنا لانهم لا يخاطبون بذلك ولا لحق الزوج لانه لا يعتقد ذلك فإذا لم تجب العدة كان النكاح صحيحا ومنهم من يقول العدة واجبة ولكنها ضعيفة لا تمنع النكاح بناء على اعتقادهم كالاستبراء فيما بين المسلمين فكان النكاح صحيحا وبعد المرافعة أو الاسلام الحال حال بقاء النكاح والعدة لا تمنع بقاء النكاح كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة وهذا بخلاف ما إذا كانت معتدة من مسلم لان تلك العدة قوية واجبة حقا للزوج فاما إذا تزوج ذات رحم محرم منه من أم أو بنت أو أخت فانه لا يتعرض له في ذلك وان علمه القاضي ما لم يترافعوا إليه الا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر وذكر في كتاب الطلاق انه يفرق بينهما إذا علم بذلك لما روى ان عمر رضى الله عنه كتب إلى عماله ان فرقوا بين المجوس وبين محارمهم وامنعوهم من ؟ الرمومة ؟ إذا أكلوا ولكنا نقول هذا غير مشهور وانما المشهور ما كتب به عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري رضى الله تعالى عنهما ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخمور والخنازير فكتب إليه انما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وانما أنت متبع وليس بمبتدع والسلام ولان الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد منهم بذلك مع علمهم انهم يباشرون ذلك ثم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لهذه الانكحة فيما بينهم حكم الصحة ولهذا قال يقضى لها نفقة النكاح إذا طلبت ولا يسقط احصانه إذا دخل بها حتى إذا أسلم يحد قاذفه. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو باطل في حقهم ولكنا لا نتعرض لهم في ذلك لمكان عقد الذمة وهذا لان الخطاب بحرمة هذه الانكحة شائع في ذار الاسلام وهم من أهل دار الاسلام فيكون الخطاب ثابتا في حقهم لانه ليس في وسع المبلغ التبليغ إلى كل واحد وانما في وسعه جعل الخطاب شائعا فيجعل شيوع الخطاب بمنزلة البلوغ إليهم ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد الذمة ألا ترى أنهم لا يتوارثون بهذه الانكحة ولو كانت صحيحة في حقهم لتوارثوا بها وأما الخمر والخنزير فقد قيل الحرمة بخطاب خاص في حق المسلمين وهو قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون وقيل ليس من ضرورة الحرمة سقوط المالية والتقوم فالمال قد يكون حراما وقد يكون
[ 40 ] حلالا وانما تنبني المالية على التمول وهم يتمولون ذلك فأما من ضرورة حرمة المحل بطلان النكاح وقد ثبتت الحرمة في حقهم كما بينا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لو تزوج مجوسية صح بالاتفاق والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشرع كذوات المحارم وانما حكمنا بجوازه بينهم لان الخطاب في حقهم كأنه غير نازل فانهم يكذبون المبلغ ويزعمون أنه لم يكن رسولا وقد انقطعت ولاية الالزام بالسيف أو بالمحاجة لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصرا عنهم وشيوع الخطاب انما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولا فإذا اعتقدوا ذلك بأن أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقهم فأما قبل ذلك لما قصر الخطاب عنهم بقى حكم المنسوخ في حقهم ما لم يثبت الناسخ كما بقى حكم جواز الصلاة إلى بيت المقدس في حق أهل قباء لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى الكعبة فإذا ثبت حكم صحة الانكحة بهذا الطريق يثبت به ما هو من ضرورة صحة النكاح كالنفقة وبقاء الاحصان وأما الميراث فليس استحقاق الميراث من ضرورة صحة النكاح فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق واختلاف الدين مع أن التوارث انما يستحق الميراث على المورث بعد موته وحكم اعتقاده بخلاف الشرع سقط اعتباره بالموت لعلمنا أنه قد تيقن بذلك ولما أشار الله تعالى إليه في قوله وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته فلا يكون اعتقاد الوارث معتبرا في الاستحقاق عليه فلهذا لا يرثه بخلاف النفقة في حال الحياة وبقاء الاحصان إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند أبي حنيفة ان رفع أحدهما الامر إلى القاضي وطلب حكم الاسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأبى ذلك وعندهما يفرق بينهما لان أصل النكاح كان باطلا ولكن ترك التعرض كان للوفاء بعقد الذمة فإذا رفع أحدهما الامر وانقاد لحكم الاسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما ولو أسلم أحدهما فرق القاضي بينهما فكان اسلام أحدهما كاسلامهما فكذلك رفع أحدهما إليه كمرافعتهما وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أصل النكاح كان صحيحا فرفع أحدهما إلى القاضى ومطالبته بحكم الاسلام لا يكون حجة على الآخر في ابطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضا لاعتقاد الآخر فبقى حكم الصحة على ما كان بخلاف ما إذا أسلم أحدهما فان الاسلام يعلو ولا يعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضا لاسلام المسلم منهما وبخلاف ما إذا رفعا لانهما انقادا لحكم الاسلام فيثبت حكم الخطاب في حقها بانقيادهما له واليه أشار الله تعالى في قوله فان جاؤك فاحكم بينهم فتكون مرافعتهما كاسلامهما وبعد
[ 41 ] اسلامهما يفرق بينهما لان المحرمية كما تنافى ابتداء النكاح تنافى البقاء بعدما انعقد صحيحا كما لو اعترضت المحرمية في نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة (قال) وإذا تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير بعينه أو بغير عينه فهو جائز ولا مهر لها غير ما سمى لان شرط صحة التسمية كون المسمى مالا منقوما والخمر والخنزير مال متقوم في حقهم بمنزلة الخل والشاء في حقنا وأن تزوجها على ميتة أو دم أو غير شئ فالنكاح جائز ولها مهر مثلها لانهم لا يتمولون الميتة والدم كما لا يتمولهما المسلمون ولو كان المسلم هو الذي تزوج امرأة بهذه الصفة كان لها مهر مثلها فكذلك الذمي وقيل هذا قولهما اما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا شئ لها إذا كانوا يدينون بالنكاح بغير مهر إلى هذا يشير في الجامع الصغير والخلاف مشهور فيما إذا تزوجها على ان لا مهر لها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب المهر وان أسلما وعندهما لها مهر مثلها وهو بناء على ما ذكرنا من الاصل فان تقييد الابتغاء بالمال ثبت بخطاب الشرع فعندهما يكون ثابتا في حق أهل الذمة لشيوع الخطاب في دار الاسلام وكونهم من أهلها واشتراطهم بخلاف ذلك باطل الا انه لا يتعرض لهم ما لم يسلموا أو يرفع أحدهم الامر إلى القاضي بخلاف أهل الحرب فان الخطاب غير شائع في دار الحرب ولان الحربية محل للتملك بالقهر فيتمكن من اثبات ملك النكاح عليها بغير عوض بخلاف الذمية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حكم هذا الخطاب قاصر عنهم من الوجه الذي قلنا فصح الشرط ووجب الوفاء به ما لم يسلموا وبعد الاسلام أو المرافعة الحال حال بقاء النكاح والمهر ليس بشرط بقاء النكاح فكان هذا والنكاح بغير شهود سواء فاما إذا سكتا عن ذكر المهر فكذا في احدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان تملك البضع في حقهم كتملك المال في حق المسلمين فلا يجب العوض الا بالشرط وفي الرواية الاخرى يجب لان النكاح معاوضة البضع بالمال فالتنصيص عليه بمنزلة اشتراط العوض كالتنصيص على البيع فيما بين المسلمين فما لم يوجد التنصيص على نفي العوض كان العوض مستحقا لها وكذا عند تسمية الميتة والدم لان ذلك لغو باعتبار أنه ليس بمال فكان هذا والسكوت عن ذكر المهر سواء (قال) وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثا ثم أقام عليها فرافعته إلى السلطان فرق بينهما لانهم يعتقدون ان الطلاق مزيل للملك وان كانوا لا يعتقدونه محصور العدد فامساكه اياها بعد التطليقات الثلاث ظلم منه وما اعطيناهم الذمة لنقرهم على الظلم أرأيت لو اختلعت بمال أكنا ندعه ليقوم عليها وقد استوفى منها فاما إذا
[ 42 ] تزوجها بعد التطليقات الثلاث برضاها فالآن هذا ونكاح المحارم سواء لان الثلاث يوجب حرمة المحل بخطاب الشرع كالمحرمية وهم لا يعتقدون ذلك وحرمة المحل بهذا السبب تمنع بقاء النكاح كما تمنع الابتداء فكان كالمحرمية فيما ذكرنا من التفريعات (قال) وإذا تزوج الذمي ذمية على خمر بعينها أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما فليس لها غير ذلك المعين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان كانت الخمر بغير عينها فلها قيمتها وفي الخنزير بغير عينه في القياس كذلك ولكنه استحسن فقال لها مهر مثلها وفي قول محمد لها القيمة على كل حال وفي قول أبي يوسف الآخر لها مهر مثلها على كل حال ولم يذكر قوله الاول وقيل هو كقول محمد رحمه الله اما حجتهما في العين ان الاسلام ورد والحرام مملوك بالعقد غير مقبوض فيمنع الاسلام قبضه كما في الخمر المشتراة إذ أسلم أحدهما قبل القبض وهذا لان القبض يؤكد الملك الثابت بالعقد الا ترى ان الصداق تتنصف بنفس الطلاق قبل الدخول إذا لم يكن مقبوضا وبعد القبض لا يعود شئ إلى ملك الزوج الا بقضاء أو رضاء وكذلك الزوائد تنتصف قبل القبض ولا تتنصف بعده وكذلك لو مر يوم الفطر والصداق عبد عند الزوج ثم طلقها قبل الدخول لا تجب صدقة الفطر عليها بخلاف ما بعد القبض إذا ثبت هذا فنقول الاسلام كما يمنع تملك الخمر بالعقد ابتداء يمنع تأكد الملك فيها بالقبض وبه فارق الخمر المغصوبة فانه ليس في الاسترداد تأكد الملك انما فيه مجرد النقل من يد إلى يد وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الاسلام ورد وعين المسمى مملوك لها مضمون بنفسه في يد الزوج فلا يمنع الاسلام قبضه كالخمر المغصوبة لا يمنع الاسلام استردادها وهذا لان ملكها في الصداق يتم بنفس العقد حتى تملك التصرف فيه كيف شاءت ومع من شاءت ببدل وغير بدل فليس القبض هنا بموجب ملك التصرف ولا تملك العين بخلاف المبيع فان بالقبض هناك يستفاد ملك التصرف والاسلام المانع منه ولان ضمان المبيع في يد البائع ضمان ملك حتى لو هلك يهلك على ملكه فكان قبض المشتري ناقلا لضمان الملك فاما ضمان المسمى في يد الزوج فليس بضمان ملك حتى لو هلك يهلك على ملكها ولهذا وجب لها القيمة فلا يكون الاسلام مانعا من القبض الناقل للضمان إذا لم يكن ضمان ملك كاسترداد المغصوب وهذا بخلاف ما إذا كان المسمى بغير عينه لان القبض هناك موجب ملك العين والاسلام يمنع من ذلك وإذا عرفنا هذا فمحمد رحمه الله تعالى يقول في الفصول كلها تعذر بالاسلام تسليم المسمى
[ 43 ] بعد صحة التسمية وذلك موجب للقيمة على كل حال كما لو نزوجها على عبد فاستحق أو هلك قبل التسليم وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الاسلام الطارئ بعد العقد قبل القبض يجعل في الحكم كالمقارن للعقد كما في البيع ولو اقترن الاسلام بالعقد وجب لها مهر المثل على كل حال فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القياس ما قاله محمد رحمه الله تعالى لان التسمية صحيحة وبطريان الاسلام لا يتبين فساد التسمية بخلاف ما إذا اقترن الاسلام بالعقد فان التسمية هناك مفسدة وبخلاف البيع لان أصل السبب هناك يفسد بالاسلام الطارئ وهنا أصل السبب باق وقد كانت التسمية صحيحة فإذا تعذر تسليم المسمى كان لها القيمة غير أنى أستقبح ايجاب قيمة الخنزير فأوجب لها مهر مثلها قيل انما استقبح ذلك لبعد الخنزير عن المالية في حق المسلمين ولان المسلمين لا يعرفون قيمته والرجوج إلى أهل الذمة في معرفة قيمة الخنزير ليقضى به مستقبح ولكن هذا ضعيف فان المسلم إذا أتلف خنزير الذمي يضمن قيمته كما إذا أتلف خمره والصحيح ان يقال قيمة الخنزير كعينه الا ترى ان قبل الاسلام لو اتاها بالقيمة أجبرت على القبول كما إذا أتاها بالعين فكما تعذر قبض عين الخنزير بالاسلام فكذلك القيمة يخلاف الخمر يقرره ان قيمة الخنزير من موجبات صحة التسمية وبالاسلام قد تغير حكم التسمية فانما يجوز ان يستوفى بعد الاسلام ما ليس من موجبات صحة التسمية وذلك مهر المثل فاما قيمة الخمر ليس من موجبات صحة التسمية لان الخمر من ذوات الامثال فلهذا يصار إلى قيمة الخمر ثم ان طلقها قبل الدخول ففي العين لها نصف العين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي غير العين في الخمر لها نصف القيمة وفي الخنزير لها المتعة لان مهر المثل لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول بل في كل موضع كان الواجب مهر المثل قبل الطلاق فالواجب المتعة بعد الطلاق على ما نذكره في باب المهور ان شاء الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى لها بعد الطلاق نصف القيمة على كل حال وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لها المتعة على كل حال (قال) مسلم تزوج مسلمة على خمر أو خنزير أو شئ مما لا يحل كان النكاح جائزا لان صحة التسمية ليس من شرائط أصل النكاح فالنكاح صحيح بغير تسمية المهر فكذلك مع فساد التسمية لان ما كان فاسدا شرعا فذكره كالسكوت عنه في حكم الاستحقاق وتقدم اشتراطه غير مبطل للنكاح فان النكاح يهدم الشرط ولا ينهدم به هكذا قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع وإذا صح النكاح فلها مهر
[ 44 ] مثلها لان البضع لا يتملك الا بعوض وقد تعذر إيجاب المسمى فيصار إلى العوض الاصلي وهو قيمة البضع على ما نبينه في باب المهور ان شاء الله تعالى (قال) وتجوز المناكحة بين اليهود والنصارى والمجوس وقد دللنا على جواز أصل المناكحة فيما بينهم ثم هم أهل ملة واحدة وان اختلفت نحلهم لانه يجمعهم اعتقاد الشرك والانكار لنبوة محمد ﷺ فتجوز المناكحة فيما بينهم كأهل المذاهب فيما بين المسلمين ولهذا جوزنا شهادة بعضهم على بعض وورثنا بعضهم من بعض ثم المولود بينهما على دين الكتابي من الابوين عندنا تحل ذبيحته ومناكحته للمسلمين ولا يحل ذلك عند الشافعي رحمه الله تعالى لان المعارضة تتحقق بينهما واحدهما يوجب الحرمة والآخر الحل فيغلب الموجب للحرمة لقوله ﷺ ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال بخلاف ما إذا كان أحدهما مسلما لان الكفر لا يعارض الاسلام على ما بينا ولكنا نستدل بقوله ﷺ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث فقد جعل اتفاق الابوين علة نافلة عن أصل الفطرة فيثبت ذلك فيما إذا اتفق عليه الابوان وفيما اختلفا فيه يبقى على أصل الفطرة ولان حل الذبيحة والمناكحة من حكم الاسلام فإذا كان ذلك اعتقاد أحد الابوين يجعل الولد تبعا له في ذلك كما في نفس الاسلام وهذا لان اليهودية إذا قوبلت بالمجوسية فالمجوسية شر فلا تقع المعارضة بينهما ولكن يترجح جانب التبعية للكتابي لانه يعتقد التوحيد أو يظهره فكان في جعل الولد تبعا له نوع نظر للولد وذلك واجب (قال) وإذا زوج صبية من صبي وهما من أهل الذمة جاز ذلك كما يجوز بين المسلمين لان الولاية ثبتت للاولياء فيما بينهم قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ثم ان كان المزوج هو الاب والجد فلا خيار لهما إذا أدركا لشفقة الابوة فان ذلك لا يختلف باختلاف الدين على ما قيل كل شئ يحب ولده حتى الحباري وان كان المزوج غير الاب والجد فلهما الخيار في قول أبي حنيفة ومحمد على ما بينا فيما بين المسلمين (قال) وإذا تزوجت الذمية ذميا فقال وليها هذا ليس بكف ء لم يلتفت إلى قوله لان ذل الشرك وصغار الجزية يجمعهم فلا يظهر مع ذلك نقصان النسب بل هم اكفاء بعضهم لبعض ألا ترى أنهم لو استرقوا كانوا اكفاء ولو اعتقوا كذلك ولو أسلموا كانوا اكفاء فعرفنا أنه لا يظهر التفاوت بينهم فلا يكون للولي ان يخاصم (قال) الا ان يكون شيئا مشهورا يعنى كابنة ملك منهم خدعها حائك أو سايس ونحوه فهنا يفرق
[ 45 ] بينهما لا لانعدام الكفاءة بل لتسكين الفتنة لان هذا يهيج الفتنة والقاضي مأمور بتسكين الفتنة بينهم كما هو مأمور بذلك بين المسلمين (قال) وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولقوله ﷺ الاسلام يعلو ولا يعلى فاستقر الحكم في الشرع على ان المسلمة لا تحل للكافر وان كان ذلك حلالا في الابتداء فيفرق بينهما ويوجع عقوبة ان كان قد دخل بها ولا يبلغ به أربعين سوطا وتعذر المرأة والذي سعى فيما بينهما وفي حق الذمي لم يذكر لفظ التعذير لانه ينبئ عن معنى التطهير والتوقير قال الله تعالى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا فلهذا قال يوجع عقوبة وهذا لانه أساء الادب فيما صنع واستخف بالمسلمين وارتكب ما كان ممنوعا منه فيؤدب على ذلك وكان مالك بن أنس رحمه الله تعالى يقول يقتل لانه يصير بهذا ناقضا للعهد حين باشر ما ضمن في العهد أن لا يفعله فهو نظير الذمي إذا جعل نفسه طليعة للمشركين على قوله ولكنا نقول كما ان المسلم بارتكاب مثله لا يصير ناقضا لامانه فالذمي لا يصير ناقضا لامانه فلا يقتل ولكن يوجع عقوبة وكذلك يعذر الذى سعى بينهما لانه أعان على ما لا يحل والاصل فيه قوله ﷺ لعن الله الراشي والمرتشي والرائش وهو الذي يسعى بينهما وان أسلم بعد النكاح لم يترك على نكاحه لان أضل النكاح كان باطلا فبالاسلام لا ينقلب صحيحا (قال) ولو أسلم الزوج وامرأته من أهل الكتاب بقى النكاح بينهما ولا يتعرض لهما لان ابتداء النكاح صحيح بعد اسلام الرجل فلان يبقى أولى وان كانت من غير أهل الكتاب فهى امرأته حتى يعرض عليها الاسلام فان أسلمت والا فرق بينهما وكذلك ان كانت المرأة هي التى أسلمت والزوج من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب فهي امرأته حتى يعرض عليه الاسلام فان أسلم والا فرق بينهما ويستوى ان كان دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان قبل الدخول تقع الفرقة باسلام أحدهما وان كان بعد الدخول يتوقف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيض ولا يعرض الاسلام على الآخر واستدل في ذلك فقال قد ضمنا بعقد الذمة ان لا نتعرص لهم في الاجبار على الاسلام وذلك يقطع ولاية الاجبار والتفريق عندنا بالاسلام ولكن النكاح قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس اختلاف الدين إذا كان على وجه يمنع ابتداء النكاح وبعد الدخول النكاح متأكد فلا يرتفع بنفس اختلاف الدين حتى ينضم إليه ما يؤثر
[ 46 ] في الفرقة وهو انقضاء وقاس بالطلاق فان بنفس الطلاق قبل الدخول يرتفع النكاح وبعد الدخول لا يرتفع الا بانقضاء العدة وحجتنا في ذلك ما روى ان دهقانة بهز الملك أسلمت فأمر عمر رضى الله تعالى عنه ان يعرض الاسلام على زوجها فان أسلم والا فرق بينهما وان دهقانا أسلم في عهد علي رضى الله عنه فعرض الاسلام على امرأته فابت ففرق بينهما وكان المعنى فيه ان النكاح كان صحيحا بينهما فلا يرتفع الا بعد وجود السبب الموجب له واسلام المسلم منهما لا يصلح سببا لذلك لانه سبب لاثبات العصمة وتأكيد الملك له وكذلك كفر من أصر منها على الكفر لانه كان موجودا قبل هذا وما كان مانعا لابتداء النكاح ولا بقائه وكذلك اختلاف الدين فان عينه ليس بسبب كما لو كان الزوج مسلما والمرأة كتابية فلابد من أن يتقرر السبب الموجب للفرقة لما تعذر استدامة النكاح بينهما وذلك السبب عرض الاسلام على الكافر منهما لا بطريق الاجبار عليه ولكن لان بالنكاح وجب عليه الامساك بالمعروف أو التسريح بالاحسان فالامساك بالمعروف في ان يساعدها على الاسلام فإذا أبى ذلك تعين التسريح بالاحسان فإذا امتنع من ذلك ناب القاضى منابه في التفريق بينهما ثم ان كانت المرأة هي التي أبت الاسلام حتى فرق القاضى بينهما فان كان قبل الدخول فلا مهر لها وان كان بعد الدخول فليس لها نفقة العدة لان الفرقة جاءت من قبلها وتكون الفرقة بغير طلاق بالاتفاق لانه ليس إليها من الطلاق شئ وانما فرق القاضى بينهما باصرارها على الخبث والخبيثة لا تصلح للطليب فاما إذا كان الزوج هو الذي أبى الاسلام فان كان قبل الدخول فلها نصف المهر وان كان بعد الدخول فلها نفقة العدة وتكون الفرقة بطلاق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى تكون فرقة بغير طلاق واما الفرقة بردة المرأة تكون بغير طلاق وردة الزوج كذلك في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وفى قول محمد رحمه الله تعالى تكون بطلاق وحجة أبى يوسف رحمه الله تعالى في الفصلين ان سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان على معنى أنه يتحقق من كل واحد منهما وهو الاباء والردة ومثل هذه الفرقة تكون بغير طلاق كالفرقة الواقعة بالمحرمية وملك أحد الزوجين صاحبه وهذا لانه ليس إليها من الطلاق شئ فكل سبب للفرقة يتحقق من جهتها يعلم انه ليس بسبب للطلاق وحجة محمد رحمه الله تعالى في الفصلين ان سبب الفرقة قول من جهة الزوج اما إباء أو ردة فيكون بمنزلة ايقاع
[ 47 ] الطلاق وهذا لانه يفوت الامساك بالمعروف بهذا السبب فيتعين التسريح بالاحسان والتسريح طلاق الا ترى ان الفرقة بين العنين وامرأته تجعل طلاقا بهذا الطريق وأبو حنيفة يفرق بينهما والفرق من وجهين احدهما ان الفرقة بالردة كانت لفوات صفة الحل وذلك مناف للنكاح الا تري ان الفرقة لا تتوقف على قضاء القاضى فانه ينافي النكاح ابتداء وبقاء فيكون نظير المحرمية والملك فأما إباء الاسلام فانه غير مناف للنكاح الا ترى ان الفرقة به لا تقع الا بقضاء القاضي والفرقة بسبب غير مناف للنكاح إذا كان مضافا إلى الزوج يكون طلاقا توضيح الفرق ان في فصل الاباء لما كانت الفرقة لا تقع الا بقضاء القاضى أشبه الفرقة بسبب العنة من حيث ان القاضي ينوب فيه عن الزوج وفي مسألة الردة لما لم تتوقف الفرقة على القضاء أشبه الفرقة بسبب المحرمية والملك الا ترى انه يتم بالمرأة وليس إليها من الطلاق شئ ثم في الفصلين يقع طلاقه عليها ما دامت في العدة اما في الاباء فظاهر لان الفرقة كانت بالطلاق واما في الردة فلان حرمة المحل بهذا السبب غير متأبدة ألا ترى أنه يرتفع بالاسلام فيتوفر على الطلاق ما هو موجبه وهو حرمة المحل إلى غاية إصابة الزوج الثاني فلهذا يقع طلاقه عليها في العدة بخلاف ما بعد المحرمية فان حرمة المحل هناك مؤبدة فلا يظهر معها ما هو موجب الطلاق (قال) وإذا عقد النكاح على صبيين من أهل الذمة ثم أسلم أحدهما وهو يعقل الاسلام صح اسلامه عندنا استحسانا ويعرض على الآخر الاسلام ان كان قعل فان أسلم فهما على نكاحهما وان أبى أن يسلم فان كان الزوج هو الذي أسلم والمرأة كتابية لم يفرق بينهما كما لو كانا بالغين وان كان بخلاف ذلك ففي القياس لا يفرق بينهما أيضا لان الاباء انما يتحقق موجبا للفرقة ممن يكون مخاطبا بالاداء والذي لم يبلغ وان كان عاقلا فهو غير مخاطب بذلك ولكنه استحسن فقال كل من صح منه الاسلام إذا أتى به صح منه الاباء إذا عرض عليه وعند تقرر السبب الموجب للفرقة الصبى يستوى بالبالغ كما لو وجدته امرأته مجنونا وقيل هذا علي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فأما أبو يوسف رحمه الله فانه يأخذ بالقياس وهو نظير اختلافهم في ردة الصبي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تجب الفرقة خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى والاصح أنه قولهم جميعا والفرق لابي يوسف رحمه الله تعالى أن الاباء تمسك بما هو عليه فيكون صحيحا منه فأما الردة انشاء لما لم يكن موجودا وهو يضره فلا يصح منه ألا ترى أن رده الهبة بعدما قبض لا يصح وامتناعه من القبول في الابتداء
[ 48 ] صحيح ثم إذا فرق باباء الزوج وكان صغيرا فبعض مشايخنا يقولون هذا لا يكون طلاقا لان الصبي ليس من أهل الطلاق بخلاف البالغ والصحيح انه طلاق لان السبب قد نقرر فهو نظير الفرقة بسبب الجب وهذا لان الصبي ليس بأهل لايقاع الطلاق والعتاق ثم العتق ينفذ من جهته إذا تقرر سببه بأن ورث قريبه فكذلك الطلاق (قال) نصراني تزوج نصرانية ثم انها تمجست فهما على نكاحهما لانها لو كانت مجوسية في الابتداء صح النكاح بينهما فكذلك إذا تمجست وهو بناء على أصلنا أنه إذا تحول من دين إلى دين يترك على ما اعتقد لان الكفر كله ملة واحدة وللشافعي فيه ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول آخر أنه يقتل ان لم يسلم لان الامان له كان على ما اعتقده فإذا بدله بغيره لم يبق له أمان فيقتل ان لم يسلم وهذا فاسد فان الامان بسبب الذمة كان له مع كفره وما ترك الكفر وإذا كان ما اعتقد لا ينافي ابتداء عقد الذمة لا يكون منافيا للبقاء أيضا وفي قول آخر يقول يجبر على العود إلى ما كان عليه كالمسلم إذا ارتد والعياذ بالله وهو بعيد أيضا فان ما كان عليه كان كفرا فكيف يجبر على العود إليه والنصراني إذا تهود فقد اعتقد التوحيد ظاهرا فكيف يجبر على العود إلى التثليث بعدما اعتقد التوحيد فان أسلم الزوج بعدما تمجست عرض عليها الاسلام كما لو كانت مجوسية في الاصل فان أسلمت والا فرق بينهما وان تهودت أو تنصرت كانا على النكاح كما لو كانت يهودية أو نصرانية في الابتداء وان تمجست بعدما أسلم الزوج وقعت الفرقة بينهما لان تمجسها بعد الاسلام كردة المسلمة فكما يتعجل الفرقة بنفس ردة المرأة فكذا بتمجسها بعد إسلام الزوج (قال) نصراني تزوج نصرانية بشهادة عبدين كان جائزا إذا كان ذلك في دينهم نكاحا لانه لو تزوجها بغير شهود جاز فبشهادة العبدين أولى والله أعلم بالصواب * (باب نكاح المرتد) * (قال) ولا يجوز للمرتد ان يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية لان النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد فانه ترك ما كان عليه وهو غير مقر علي ما اعتقده وحقيقة المعنى فيه من وجهين أحدهما ان النكاح مشروع لمعنى البقاء فان بقاء النسل به يكون وكذلك بقاء النفوس بالقيام بمصالح المعيشة والمرتد مستحق للقتل فما كان سبب البقاء لا يكون مشروعا
[ 49 ] في حقه والثاني ان قتله بنفس الردة صار مستحقا وانما يمهل ثلاثة أيام ليتأمل فيما عرض له من الشبهة ففيما وراء ذلك جعل كانه لا حياة له حكما فلا يصح منه عقد النكاح لان اشتغاله بعقد النكاح يشغله عما لاجله حياته وهو التأمل وكذلك لا يجوز نكاح المرتدة مع أحد لانها مأمورة بالتأمل لتعود إلى الاسلام وممنوعة من الاشتغال بشئ آخر ولانها بالردة صارت محرمة والنكاح مختص بمحل الحل ابتداء فلهذا لا يجوز نكاحها مع أحد (قال) وإذا ارتد المسلم بانت منه امرأته مسلمة كانت أو كتابية دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان لم يدخل بها فكذلك وان كان بعد الدخول لا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض بناء على أصله في الفرق بين تأكد النكاح بالدخول وعدم تأكده على ما بينا في الاسلام فانه بالردة يقصد منابذة الملة لا الحليلة فلا يكون ذلك موجبا للفرقة بعد تأكده ما لم ينضم إليه سبب آخر كما لو أسلم أحدهما وابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقول لا تقع الفرقة بردة أحدهما قبل الدخول ولا بعده حتى يستتاب المرتد فان تاب فهي امرأته وان مات أو قتل ورثته وجعل هذا قيام اسلام أحد الزوجين على ما بينا ولكنا نقول الردة تنافي النكاح واعتراض سبب المنافي للنكاح موجب للفرقة بنفسه كالمحرمية فاما اختلاف الدين عينه لا ينافي النكاح حتى يجوز ابتداء النكاح بين المسلم والكتابية وكذلك الاسلام لا ينافي النكاح فان النكاح نعمة وبالاسلام تصير النعم محرزة له فلهذا لا تقع الفرقة هناك الا بقضاء القاضي بعد إباء الآخر ثم ان كان الزوج هو المرتد فلها نصف المهر ان كان لم يدخل بها ونفقة العدة ان كان دخل بها وان كانت هي التي ارتدت فلا مهر لها ان كان قبل الدخول وليس لها نفقة العدة بعد الدخول والكلام في ان هذه الفرقة بطلاق أو بغير طلاق كما بيناه (قال) وإذا ارتد الزوجان معا فهما على نكاحهما استحسانا عندنا وفي القياس تقع الفرقة بينهما وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان في ردتهما ردة أحدهما وزيادة فإذا كانت ردتهما تنافي ابتداء النكاح تنافى البقاء أيضا ولكنا تركنا القياس لاتفاق الصحابة رضى الله تعالى عنهم فان بنى حنيفة ارتدوا بمنع الزكاة فاستتابهم أبو بكر رضى الله تعالى عنه ولم يأمرهم بتجديد الانكحة بعد التوبة ولا أحد من الصحابة رحمهم الله تعالى سواء ولا يقال لعل الارتداد من بعضهم كان قبل بعض ولم يشتغل بذلك أيضا لان كل أمرين لا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما وقعا معا وفقه هذا الكلام ان وقوع الفرقة عند ردة أحدهما لظهور خبثه عند المقابلة
[ 50 ] بطيب المسلم فإذا ارتدا معا لا يظهر هذا الخبث بالمقابلة لانه تقابل الخبث بالخبث والمعني فيه انه لم يختلف لهما دين ولا دار فيبقى ما كان بينهما على ما كان كما إذا أسلم الكافران معا واعتبار البقاء بالابتداء فاسد فان العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء ولا فرق لان كل واحد منهما يوجب حرمة المحل ولكنها غير متأبدة فان أسلم أحدهما وقعت الفرقة بينهما باصرار الآخر على الردة لظهور خبثه الآن عند المقابلة بطيب الآخر حتى لو كانت المرأة هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق وان كان الزوج هو الذي أسلم فلا شئ لها لان الفرقة من جانب من أصر على الردة فان اصراره بعد اسلام الاخر كانشاء الردة (قال) وان أسلم النصراني وامرأته نصرانية ثم تحولت إلى اليهودية فهي امرأته كما لو كانت يهودية في الابتداء وان أسلم وهي مجوسية ثم ارتد عن الاسلام بانت منه لان النكاح بعد اسلامه باق ما لم يفرق القاضى بينهما ألا ترى أنها لو أسلمت كانا على نكاحهما فتفرده بالردة في حال بقاء النكاح موجب للفرقة وكذلك إذا أسلمت المرأة المجوسية ثم ارتدت بانت منه وكذلك لو ارتد الزوج بانت منه وان لم يرتد الزوج ولم تسلم هي حتى مات الزوج كان لها المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها لان النكاح ينتهي بالموت حين لم يفرق القاضي بينهما فيتقرر به جميع المهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نكاح أهل الحرب) * (قال) رضى الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه سئل عن مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب فكره ذلك وبه نأخذ فنقول يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب ولكنه يكره لانه إذا تزوجها ثمة ربما يختار المقام فيهم وقال ﷺ أنا يرئ من كل مسلم مع مشرك لا تراآى ناراهما ولان فيه تعريض ولده للرق فربما تحبل منه فتسبى فيصير ما في بطنها رقيقا وان كان مسلما وإذا ولدت تخلق الولد باخلاق الكفار وفيه بعض الفتنة فيكره لهذا فان خرج وتركها في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكما قانها من أهل دار الحرب والزوج من أهل دار الاسلام وتباين الدارين بهذه الصفة موجب للفرقة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون موجبا للفرقة حتى إذا أسلم أحد الزوجين وخرج إلى دارنا فان كانت المرأة هي التي خرجت مراغمة وقعت
[ 51 ] الفرقة بالاتفاق عندنا لتباين الدارين وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج فان خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزوج مسلما أو ذميا تقع الفرقة بتباين الدارين عندنا ولا تقع عند الشافعي رحمه الله تعالى واستدل بحديث أبي سفيان رضى الله عنه فانه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله ﷺ ثم لم يجدد رسول الله ﷺ النكاح بينه وبين امرأته هند ولما فتح رسول الله ﷺ مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام رضى الله عنهما حتى أسلمت امرأة كل واحد منهما وأخذت الامان لزوجها وذهبت فجاءت بزوجها ولم يجدد رسول الله ﷺ النكاح بينهما وان زينب بنت رسول الله ﷺ هاجرت إلى المدينة ثم تبعها زوجها أبو العاص بعد سنين فردها عليه بالنكاح الاول والمعني فيه ان اختلاف الدار عبارة عن تباين الولايات وذلك لا يوجب ارتفاع النكاح كاختلاف الولايتين في دار الاسلام الا ترى ان الحربى لو خرج الينا مستأمنا أو المسلم دخل دار الحرب بامان لم تقع الفرقة بينه وبين امرأته وكذلك الخارج من مصر أهل العدل إلى منعة أهل البغي لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى قوله فلا ترجعوهن إلى الكفار الآية وليس في هذه الآية بيان قصد المراغمة فاشتراطه يكون زيادة على النص وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والكوافر جمع كافرة معناه لا تعدوا من خلفتموه في دار الحرب من نسائكم ولما أراد عمر رضى الله عنه ان يهاجر إلى المدينة نادى بمكة الا من أراد ان تئيم امرأته منه أو تبين فليلتحق بى أي فليصحبني في الهجرة والمعنى فيه ان من بقى في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت قال الله تعالى أو من كان ميتا فاحييناه أي كافرا فرزقناه الهدى الا ترى ان المرتد اللاحق بدار الحرب يجعل كالميت حتى يقسم ماله بين ورثته فكما لا تتحقق عصمة النكاح بين الحي والميت فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقة وحكما فاما إذا خرج الينا بامان فتباين الدارين لم يوجد حكما لانه من أهل دار الحرب متمكن من الرجوع إليها وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بامان فهو من أهل دار الاسلام حكما ومنعة أهل البغي من جملة دار الاسلام ومن فيها لا يجعل بمنزلة الميت حكما والدليل عليه انه ما خرج الا قاصدا احراز نفسه من المشركين فلا يعتبر مع ذلك القصد إلى المراغمة ولو كان خروجها على سبيل المراغمة لزوجها وقعت الفرقة
[ 52 ] بالاتفاق فاما حديث زينب رضي الله عنها فالصحيح انه ردها عليه بالنكاح الجديد وما روى انه ردها عليه بالنكاح الاول أي بحرمة النكاح الاول الا ترى انه ردها عليه بعد سنين والعدة تنقضي في مثل هذه المدة عادة وقد روى ان الكفار تتبعوها وضربوها حتى أسقطت فانقضت عدتها بذلك وعند الشافعي رحمه الله تعالى ان كان لا تقع الفرقة بتباين الدارين تقع بانقضاء العدة واما اسلام أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن اسلامه يومئذ وانما أجاره رسول الله ﷺ بشفاعة عمه العباس رضى الله عنه وعكرمة وحكيم بن حزام انما هربا إلى الساحل وكانت من حدود مكة فلم يوجد تباين الدارين وقال الزهري ان دار الاسلام انما تميزت من دار الحرب بعد فتح مكه فلم يوجد تباين الدارين يومئذ فلهذا لم يجدد النكاح بينهما فاما إذا سبى أحد الزوجين تقع الفرقة بينهما بالاتفاق فعندنا لتباين الدارين وعند الشافعي رضى الله عنه للسبى حتى إذا سبيا معا لم تقع الفرقة بينهما لقوله تعالى والمحصنات من النساء الآية معناه ذوات الازواج من النساء الا ما ملكت أيمانكم فانها محللة لكم وانما نزلت الآية في سبايا أوطاس وقد نادى منادى رسول الله ﷺ يؤمئذ الا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة وانما سبي أزواجهن معهن والمعنى فيه ان السبي يقتضى صفاء المسبى للسابي ولهذا لا يبقى الدين الذى كان واجبا على المسبي وانما يصفو إذا لم يبق ملك النكاح وهذا لان السبي سبب لملك ما يحتمل التملك ومحل النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكا للسابي لانه لو امتنع ثبوت الملك انما يمتنع لحق الزوج وهو ليس بذى حق محترم ألا ترى أنه تسقط به مالكيته عن نفسه وعن ماله ولهذا قلنا لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو لذمي لا يبطل النكاح لان ملك النكاح محترم ولا يدخل عليه القصاص أنه لا يسقط بالسبي لان المستحق بالقصاص الدم وهو ليس بمحتمل للتملك ولان القصاص لا يجب الا لمحترم وحجتنا في ذلك أن السبى سبب لملك الرقبة مالا فلا يكون مبطلا للنكاح كالشراء وهذا لان المملوك في النكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملك بالسبي مقصودا لان تملك البضع مقصودا بسببه يختص بشرائط من الشهود والولي وذلك لا يوجد في السبي فانما يثبت الملك هنا تبعا لملك الرقبة وذلك لا يثبت الا عند فراغ المحل عن حق الغير ونفس السبي ليس بمناف للنكاح ألا ترى أن ملك النكاح لو كان محترما لا يبطل النكاح مع تقرر السبى والمنافي إذا تقرر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء كما إذا تقرر بالمحرمية والرضاع ولان السبى لا ينافى ابتداء النكاح فلان
[ 53 ] لا ينافي البقاء أولى وأما الدين فان كان على عبد فسبى لم يسقط الدين منصوص عليه في المأذون وان كان على حر فسبى فانه يسقط لانه لما صار عبدا والدين لا يجب على العبد الا شاغلا مالية رقبته فكذلك لا يبقي الا شاغلا للمالية وحين كان واجبا على الحر لم يكن شاغلا لمالية الرقبة إذ لا مالية في رقبته فلا يمكن ابقاؤه الا بتلك الصفة وقد تعذر ابقاؤه بتلك الصفة بعد السبى ألا ترى أنه لو كان الدين لمحترم لا يبقى كذلك وبه يبطل قولهم ان السبي يقتضى صفاء المسبى للسابى فان ملك النكاح إذا كان محترما بقى النكاح ولا صفاء وكذلك إذا سبي الزوج وقعت الفرقة وهنا الملك له لا عليه فأما الحديث فالمروي أن الرجل هربوا إلى حصونهم وانما سبى النساء وحدهن فقد وقعت الفرقة بتباين الدارين والآية دليلنا فان الله تعالى حرم ذوات الازواج فما لم يثبت انقطاع الزوجية بينهما كانت محرمة على السابي بهذا النص إذا عرفنا هذا فنقول إذا خرج لزوج مسلما وتركها في دار الحرب حتى وقعت الفرقة بينهما لم يقع عليها طلاقه بعد ذلك لان النكاح قد انقطع لا إلى عدة فان بقاءها في دار الحرب كما ينافي أصل النكاح بينها وبين الزوج ينافي العدة فلهذا لا يقع طلاقه عليها وان خرجت المرأة قبل الزوج مسلمة أو ذمية فهما على نكاحهما لان الزوج مسلم من أهل دار الاسلام أيضا فلم تتباين بهم الدار (قال) حربية كتابية دخلت دار الاسلام بأمان فتزوجت مسلما أو ذميا جاز ذلك وصارت ذمية لانها تابعة لزوجها في المقام فتزويجها نفسها ممن هو من أهل دار الاسلام يكون رضى منها بالمقام في دارنا على التأبيد فتصير ذمية وان كانت غير كتابية فان تزوجها ذمى فكذلك الجواب وان تزوجها مسلم لم يجز النكاح وصيرورتها ذمية تكون ضمنا لصحة النكاح ولم يصح النكاح هنا وهذا بخلاف المستأمن في دارنا إذا تزوج ذمية فانه لا يصير ذميا لان الرجل ليس بتبع للمرأة في المقام ألا ترى أنه لا يصير مقيما باقامة المرأة والمرأة تصير مقيمة باقامة الزوج ومسافرة بسفره فلهذا افترقا (قال) حربى أسلم وتحته خمس نسوة وأسلمن معه فان كان تزوجهن في عقدة واحدة يفرق بينه وبينهن وان كان تزوجهن في عقود متفرقة فنكاح الاربع الاول جائز ونكاح الخامسة فاسد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة يخير فيختار أي أربع منهن شاء ويفارق الخامسة وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وكذلك لو كان تحته اختان فأسلمن معه فان
[ 54 ] تزوجها في عقدة واحدة بطل نكاحهما ولو كان تزوجهما في عقدين جاز نكاح الاولى وبطل نكاح الثانية عندهما وقال محمد والشافعي رحمهما الله تعالى يختار أيتهما شاء ويفارق الاخرى واستدل بحديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته ثمان نسوة وأسلمن معه فقال ﷺ اختر منهن أربعا وفارق سائرهن وقيس بن حارثة رضى الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة وأسلمن معه فأمره النبي ﷺ ان يختار أربعا منهن والضحاك بن فيروز الديلمي أسلم وتحته اختان فقال ﷺ اختر أيتهما شئت والمعنى فيه ان هذه حرمة اعترضت في بعض المنكوحات بعد صحة النكاح فتوجب التخيير دون التفريق كما لو طلق احدى نسائه لا بعينها ثلاثا وبيان ذلك ان الانكحة وقعت صحيحة في الاصل لان حرمة الجمع بخطاب الشرع وقد بينا ان حكم هذا الخطاب قاصر عنهم لاعتقادهم بخلاف ذلك ما لم يسلموا ألا ترى أنه لو ماتت واحدة منهن أو بانت ثم أسلم وليس عنده الا أربع منهن جاز نكاحهن سواء ماتت الاولى أو الاخيرة وإذا ثبت ان الانكحة صحيحة كان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بمنزلة الحربى إذا كان تحته أربع نسوة فسبي وسبين معه فان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بالاتفاق وان اختلفنا في التفريق أو التخيير وفرق محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل الذمة فقال لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى لان خطاب الشرع بحكم الشيوع في دار الاسلام يجعل ثابتا في حق أهل الذمة وان كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا وقد بينا هذا من أصلهما والشافعي رحمه الله تعالى يسوى بين أهل الحرب وأهل الذمة فاما أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله تعالى وان تجمعوا بين الاختين فالجمع بين الاختين نكاحا حرام بهذا النص وبنكاح الاولى ما حصل الجمع فوقع نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وبنكاح الثانية حصل الجمع فلم يكن نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وانما وجب الاعتراض بعد الاسلام بسبب الجمع إذ لا سبب هنا سوى الجمع فتعين الفساد في نكاح من حصل الجمع بنكاحها وكان نكاحها فاسدا بحكم الاسلام دون من لم يحصل بنكاحها الجمع وكان نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وان تزوجهما في عقدة واحدة فالجمع حصل بهما ولم يكن ابطال نكاح أحداهما بأولى من الاخرى فبطل نكاحهما بمنزلة الحربية تحت رجلين إذا أسلمت وأسلما معها وكذلك في نكاح الخمس الحرمة بسبب
[ 55 ] الجمع بين ما زاد على الاربع فانما حصل ذلك بنكاح الخامسة فصرف الفساد إليه أولى وان كان تزوجهن في عقد واحد فالجمع حصل بهن جميعا وهذا بخلاف ما لو ماتت احداهن أو بانت لان الاعتراض بسبب الجمع بعد الاسلام فلابد من بقاء الجمع المحرم بعد الاسلام حتى يجب الاعتراض ولم يبقى ذلك إذا ماتت احدهما أو بانت وهو نظير ما لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما بانتا منه ولو أرضعت احداهما فماتت ثم أرضعت الاخرى لم يبطل نكاح الثانية لان الجمع انما يتحقق عند ارضاع الثانية فإذا كانت الاولى في نكاحه تحقق الجمع بين الاختين وان ماتت أو بانت لم يتحقق الجمع بين الاختين وهذا بخلاف المسبيات فان نكاح الاربع هناك وقع صحيحا بحكم الاسلام على الاطلاق لانه حين تزوجهن كان حرا وللحر أن يتزوج أربع نسوة ثم وجب الاعتراض بسبب الرق الحادث فيه وعند حدوث الرق هن مجتمعات مستويات فلهذا استوى العقد الواحد والعقود المتفرقة بمنزلة الرضيعتين إذا ارضعتهما امرأة بانتا منه وأن تزوجهما في عقدين لان الاعتراض وجب بعد صحة النكاح بالاختية العارضة فيهما وهما مستويان في ذلك بخلاف ما تقدم على ما بينا والاحاديث التي رويت فقد قال مكحول ان تلك كانت قبل نزول الفرائض معناه قبل نزول حرمة الجمع فوقعت الانكحة صحيحة مطلقا ثم أمره رسول الله ﷺ باختيار الاربع لتجديد العقد عليهن أو لما كانت الانكحة صحيحة في الاصل جعل رسول الله ﷺ ذلك مستثنى من تحريم الجمع ألا ترى أنه قال في بعض الروايات وطلق سائرهن فهذا دليل على أنه لم يحكم بالفرقة بينه وبين ما زاد على الاربع وعلى هذا لو أسلم وتحته بنت وأم فاسلمتا معه فان كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما ثم ان كان لم يدخل بهما فله أن يتزوج البنت دون الام وان كان دخل بهما لم يكن له أن يتزوج واحدة منهما لان الدخول بكل واحدة منهما يوجب حرمة الاخرى بالمصاهرة على التأبيد وان كان دخل بالام فليس له أن يتزوج واحدة منهما لان الام حرمت بعقد البنت والبنت حرمت بالدخول بالام وإن كان دخل بالبنت دون الام فله أن يتزوج البنت دون الام لان بمجرد العقد على الام لا يوجب حرمة البنت وان كان تزوجهما في عقدين فنكاح الاولى جائز ونكاح الثانية فاسد ان لم يدخل بهما وكذلك ان دخل بالاولى فان كان دخل بالثانية فان كانت الاولى بنتا فسد نكاحهما لان الام حرمت بالعقد على البنت
[ 56 ] والبنت حرمت بالدخول بالام وان كانت الاولى اما فنكاح البنت صحيح لان الدخول بالبنت يحرم الام والعقد على الام لا يحرم البنت فاما على قول محمد رحمه الله تعالى سواء تزوجهما في عقدة أو في عقدتين فنكاح البنت صحيح لان العقد على الام لا يوجب حرمة البنت والعقد على البنت يوجب حرمة الام الا ان يكون دخل بالام فحينئذ يفرق بينه وبينهما وهذا إذا كان دخوله بالام بعدما تزوج بالبنت فان كان قبل أن يتزوج البنت فنكاح الام صحيح لان الدخول بها يحرم البنت فإذا لم يصح نكاح البنت لا تحرم الام بذلك الا أن يكون دخل بالبنت أيضا فحينئذ تقع الفرقة بينه وبينهما بالمصاهرة وليس له أن يتزوج واحدة منهما (قال) وان أسلم الحربي وامرأته وقد كان نكاحهما بعد ان طلقها ثلاثا قبل ان تنكح زوجا آخر فرق بينهما لان التطليقات الثلاث تقع في دار الحرب كما في دار الاسلام فانهم يعتقدون ذلك وهى سبب حرمة المحل إلى وقت إصابة الزوج الثاني بمنزلة الحرمة بالقرابة والرضاع فكما ان ذلك يوجب التفريق بعد الاسلام فكذلك هنا وكذلك لو جامع أمها أو ابنتها أو قبل واحدة منهما بشهوة لان الحرمة بسبب المصاهرة نظير الحرمة بسبب الرضاع وذلك يتحقق في دار الحرب كما يتحقق في دار الاسلام فهذا مثله (قال) وإذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب ولم يكونا من أهل الكتاب أو كانا والمرأة هي التى أسلمت فانه يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض عندنا سواء دخل بها أو لم يدخل بها وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان قبل الدخول تقع الفرقة باسلام أحدهما وان كان بعد الدخول يتوقف على انقضاء العدة وعنده لا يختلف هذا الحكم بدار الحرب ودار الاسلام ولكنه ينبني على تأكد النكاح بالدخول وعدم تأكده كما ذكرنا فاما عندنا نفس اسلام أحدهما غير موجب للفرقة ولا كفر من أصر منهما على الكفر ولا اختلاف الدين نفسه كما بينا في دار الاسلام الا ان في دار الاسلام يمكن تقرير سبب الفرقة بعرض الاسلام على الآخر منهما حتى إذا أبى يصير مفوتا الامساك بالمعروف وفي دار الحرب لا يتأتى ذلك لان يد امام المسلمين لا تصل إلى المصر منهما ليعرض عليه الاسلام ويحكم بالفرقة عند إبائه فيقام ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات في تقرر سبب الفرقة لانه صار غير مريد لها حين لم يساعدها على الاسلام وبعد ما صار غير مريد لها تقع الفرقة بانقضاء ثلاث حيض كما لو طلقها الا أن هناك إذا كان الطلاق قبل الدخول يمكن اثبات الفرقة بنفسه لمباشرة الزوج سبب الفرقة
[ 57 ] وهنا لا يمكن اثبات الفرقة قبل الدخول بدون انقضاء ثلاث حيض لان الزوج ما باشر شيئا بل بل هو مستديم لما كان عليه فلهذا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض في الوجهين جميعا وإذا وقعت الفرقة بذلك فان كان قبل الدخول فلا عدة عليها وان كان بعد الدخول والمرأة حربية فكذلك الجواب لان حكم الشرع لا يثبت في حقها فان كانت المرأة هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لانه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربى وأصل المسألة في المهاجرة فانها إذا خرجت إلى دار الاسلام مسلمة أو ذمية لم تلزمها العدة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا أن تكون حاملا فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها وان كانت حاملا فلها أن تتزوج في الحال وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تلزمها العدة وحجتهما في ذلك حديث نسيبة أنها لما هاجرت أمرها رسول الله ﷺ أن تعتد والمعنى فيه أن هذه حرة فارقت زوجها بعد الاصابة فتلزمها العدة كالمطلقة في دارنا وهذا لان وجوب العدة عليها لحق الشرع كيلا يجتمع ماء رجلين في رحمها وهي مسلمة مخاطبة بحق الشرع وهذا بخلاف المسبية فانها ليست بحرة وتأثيره أنها حلت للسابي ومن ضرورة الحكم بحلها للسابى الحكم بفراغ رحمها من ماء الزوج بخلاف ما نحن فيه ولا يقال لماذا يجب الاستبراء على السابى لانا نقول كما يجب الاستبراء على السابى إذا كانت ثيبا أو منكوحة فكذلك إذا كانت بكرا أو لم تكن منكوحة فكذا هذا مع ان هذا دليلنا لان بالاستبراء هناك يحصل المقصود فلا حاجة إلى ايجاب العدة عليها بخلاف المهاجرة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى ولا جناح عليكم ان تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن فالله تعالى اباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدة يكون زيادة وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر وفي ايجاب العدة تمسك بعصمة الكافرة والمعنى فيه ان هذه الفرقة وقعت بتباين الدارين فلا توجب العدة عليها وكالمسبية هذا لان تباين الدارين حقيقة وحكما مناف للنكاح فيكون منافيا لاثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشرع مع وجود المنافى ولا لحق الزوج لانه حربى غير محترم وهو نظير من اشترى امرأته لا تجب العدة لحقه لان الحل الثابت بالملك حقه ولا تجب لحق الشرع لوجود المنافي فاما إذا كانت حاملا فلا نقول تجب العدة عليها ولكنها لا تتزوج ما لم تضع حملها لان في بطنها ولد ثابت النسب من الغير وذلك مانع من النكاح كام الولد إذا حبلت من مولاها ليس له ان يزوجها
[ 58 ] حتى تضع وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها إذا تزوجت صح النكاح ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع لانه لا حرمة لماء الحربى كماء الزاني فهو بمنزلة ماء الزانى والحبل من الزنا لا يمنع النكاح عندنا ولكن الاول أصح لان الحبل من الزنا لا نسب له وهنا النسب ثابت من الحربى وباعتبار ثبوت النسب المحل مشغول فلهذا لا يصح النكاح ما لم يفرغ المحل عن حق الغير ويستوى في وقوع الفرقة بتباين الدارين ان خرج أحدهما مسلما أو ذميا أو خرج مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا لانه صار من أهل دارنا حقيقة وحكما في الفصلين وان كان الخارج هو الزوج فله ان يتزوج أربعا سواها أو أختها ان كانت في دار الاسلام لانه لا عدة على التي بقيت في دار الحرب عندهم جميعا فكان هذا بمنزلة الفرقة قبل الدخول وإذا أسلمت المرأة ثم خرج الزوج مستأمنا فهما على النكاح ما لم تحض ثلاث حيض لان المستأمن وان كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكما فكأنه باق في دار الحرب حتى إذا أسلم الزوج قبل ان تحيض فهما على النكاح وان صار الزوج من أهل الذمة قبل ان تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح أيضا حتى إذا خرجت المرأة فهى امرأته حتى يعرض السلطان عليه الاسلام بمنزلة مالو كان الزوج في الاصل ذميا وكذلك لو كان الزوج هو الذي أسلم في دار الحرب ثم خرجت الينا ذمية قبل أن تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح حتى يعرض السلطان عليها الاسلام فأما إذا خرجا مستأمنين ثم أسلمت المرأة ففي رواية هذا الكتاب يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض لان الزوج من أهل دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب وفي رواية كتاب الطلاق يقول ان عرض السلطان الاسلام على الزوج فأبى أن يسلم فرق بينهما وان لم يعرض حتى مضى ثلاث حيض تقع الفرقة أيضا ففي حق الذمي يتعين عرض الاسلام وفي حق الحربى في دار الحرب يتعين انقضاء ثلاث حيض وفي حق المستأمن أي الامرين يوجد تقع به الفرقة لان المستأمن من وجه يشبه الذمي لانه تحت يد الامام يتمكن من عرض الاسلام عليه ومن وجه يشبه الحربى لانه متمكن من الرجوع إلى دار الحرب فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالذمي إذا وجد عرض الاسلام عليه تقع به الفرقة ولشبهه بالحربي إذا وجد انقضاء ثلاث حيض أو لا تقع به الفرقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 59 ]
- (باب الهبة في النكاح) * (قال) رضى الله عنه النكاح بلفظة الهبة والصدقة والتمليك صحح في قول علمائنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح الا بلفظة النكاح والتزويج واستدل بقوله تعالى وامرأة مؤمنه ان وهبت نفسها للنبى الآية فقد جعل النكاح بلفظة الهبة خالصا للرسول صلوات الله عليه دون غيره من المؤمنين وقال ﷺ أوصيكم بالنساء خيرا فانهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وكلمة الله التي أمرنا بالاستحلال بها الانكاح والتزويج وفي قوله اتخذتموهن بأمانة الله إشارة الا ان هذا العقد غير معقود لمقصود اثبات الملك ولهذا انعقد بلفظة الانكاح والتزويج وهما لابد لان على الملك الا ترى انه لا ينعقد بهما شئ من عقود التمليكات ولكن المقصود بالنكاح مالا يحصى من مصالح الدين والدنيا وألفاظ التمليك لا تدل على شئ من ذلك فلا ينعقد بها هذا العقد وهو معنى قولهم هذا عقد خاص فلا ينعقد بغيره الا ترى ان الشهادة لما شرعت بلفظ خاص لمعنى وهو انها موجبة بنفسها كما أشار الله تعالى إليه في قوله شهد الله انه لا إله الا هو لم يقم لفظ آخر مقام هذا اللفظ حتى لو قال الشاهد احلف لا يصح أداء الشهادة به والدليل عليه ان التزويج هو التعليق والنكاح هو الضم وليس فيهما ما يدل على الملك وليس في التمليك معني التلفيق والضم فلا ينعقد هذا اللفظ بالفاظ التمليك وكيف ينعقد النكاح بهذا اللفظ والفرقة تقع به إذا قال لامرأته وهبت نفسك منك كان بمنزلة لفظ الطلاق مع ان النكاح لا يصح الا بشهود وعند ذكر لفظ الهبة الشهود لا يعرفون انهما أرادا النكاح وحجتنا في ذلك قوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ﷺ الآية معناه ان أراد النبي ان يستنكحها فوهبت نفسها منه فقد جعل الله تعالى الهبة جوابا للاستنكاح والاستنكاح طلب النكاح وأما قوله خالصة لك فقد قيل المراد به المرأة يعنى انها خالصة لك فلا تحل لاحد بعدك حتى يكون شريكك في الفراش من حيث الزمان كما قال الله تعالى في آية أخرى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا والاصح ان المراد هبة خالصة لان قوله ان وهبت يقتضى هبة والكناية تنصرف إلى الثابت بمقتضى الكلام فيكون المعنى هبة خالصة لا يلزمك مهر لها وهذا لك دون المؤمنين. ألا ترى أنه قال
[ 60 ] قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم يعنى من الابتغاء بالمال والدليل عليه أنه قابل الموهوبة نفسها بالمؤتى مهرها بقوله انا أحللنا لك أزواجك الآية وكذلك قال في آخر الآية لكي لا يكون عليك حرج وهو نص على أن الخصوصية لدفع الحرج عنه وذلك ليس في اللفظ إذ لا حرج عليه في ذكر لفظ النكاح انما الحرج في ابقاء المهر من ان المذكور لفظة الهبة في جانب المرأة لا في جانب رسول الله ﷺ فعرفنا ان المراد الخصوصية بجواز نكاحه بغير مهر وإمامنا في المسألة علي رضوان الله عليه فان رجلا وهب ابنته لعبيد الله بن الحر بشهادة شاهدين فأجاز ذلك علي رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه ان هذا ملك يستباح به الوطئ فينعقد بلفظ الهبة والتمليك كملك اليمين وهذا كلام على سبيل الاستدلال لا على سبيل المقايسة لان صلاحية اللفظ كناية عن غيره وليس بحكم شرعى ليعرف بالقياس بل طريق معرفة ذلك النظر في كلام أهل اللغة وهذه إشارة إلى مذهبهم في الاستعارة لانهم يستعيرون اللفظ لغيره لاتصال بينهما من حيث السببية كما قال الله تعالى انى أراني أعصر خمرا أي عنبا بالعصر يصير خمرا ويسمى المطر سماء لانه ينزل من السماء وما يكون من علو فالعرب تسميه سماء وكذلك النبات يسمى سماء لانه ينبت بسبب المطر فانهم يقولون ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم وإذا ثبت هذا فنقول هذه الالفاظ سبب لملك الرقبة وملك الرقبة في محل ملك المتعة موجب لملك المتعة فللاتصال بينهما سببا يصلح هذا اللفظ كناية عن ملك المتعة والمقصود من النكاح ملك المتعة دون ما سواه من المقاصد ألا ترى أنه يختص به الزوج حتى يجب البدل عليه وسائر المقاصد يحصل لهما وان ملك الطلاق الرافع لهذا الملك يختص به الزوج فعرفنا أن المقصود هو الملك دون ما توهمه الخصم وانما انعقد بلفظ النكاح والتزويج لانهما لفظان جعلا عاما لهذا العقد بالنص واعتبار المعنى في غير المنصوص عليه فأما في المنصوص لا يعتبر المعنى مع أنهما لفظان لا يجاب ملك ما ليس بمال فلهذا لا تأثير لهما في اثبات ملك المال ومتى صار اللفظ كناية عن غيره سقط اعتبار حقيقته وقام مقام اللفظ الذى جعل كناية عنه والشرط سماع الشاهدين اللفظ الذى ينعقد به النكاح فأما وقوفهما على مقصود المتعاقدين ليس بشرط مع أنه إذا قال وهبت ابنتي منك بصداق كذا فالشهود يعلمون أنه أراد النكاح وكما أن الفرقة تحصل بلفظ الهبة تحصل بلفظ الزوجية إذا قال لامرأته تزوجي ونوى به الطلاق يقع ولم يدل ذلك على أنه لا ينعقد به
[ 61 ] النكاح فأما لفظ البيع فالصحيح أنه ينعقد به النكاح واليه أشار في كتاب الحدود قال إذا زنى بامرأة ثم قال تزوجتها أو اشتريتها وهذا للفقه الذي بينا أن البيع يوجب ملكا هو سبب لملك المتعة في محله وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بلفظ البيع لانه خاص لتمليك مال بمال والمملوك بالنكاح ليس بمال فأما لفظة الاجارة لا ينعقد بها النكاح لانها غير موجبة ملكا يستفاد به ملك المتعة فانها توجب ملك المنفعة وبملك المنفعة لا يستفاد ملك المتعة ويحكى عن الكرخي رحمه الله تعالى أنه كان يقول ينعقد به لان المستوفى بالنكاح منفعة في الحقيقة وان جعل في حكم العين وقد سمى الله تعالى العوض في النكاح أجرا بقوله عزوجل فآتوهن أجورهن وذلك دليل على أنه بمنزلة الاجارة ولكن هذا فاسد فان الاجارة شرعا لا تنعقد الا مؤقتا والنكاح لا ينعقد الا مؤبدا فبينهما مغايرة على سبيل المنافاة فأما لفظ الوصية لا ينعقد به النكاح لانه لا يوجب الملك بنفسه بل موجبه الخلافة مضافة إلى ما بعد الموت ولو صرح بلفظ النكاح مضافا إلى ما بعد الموت لا يصح أيضا فان قيل الهبة أيضا لا توجب الملك ما لم ينضم إليه القبض قلنا الهبة لا توجب اضافة الملك ولكن لضعف في السبب لتعريه عن العوض يتأخر الملك إلى أن يتقوى بالقبض وينعدم ذلك الضعف إذا استعمل في النكاح لان العوض يجب به بنفسه ولهذا جاز استعماله في حق الصغيرة والكبيرة فلهذا كان موجبا ملك النكاح بنفسه مع ان المملوك بالنكاح بنفس العقد يصير كالمقبوض ولهذا لو ماتت عقيب العقد تعذر البدل فكان هذا بمنزلة هبة عين في يد الموهوب له فيوجب الملك بنفسه فأما لفظ الاحلال والتمتع لا يوجب ملكا أصلا فأن من أحل لغيره طعاما أو أذن له ان يتمتع به لا يملكه وانما يتلفه على ملك المبيح فكذلك إذا استعمل هذا اللفظ في موضع النكاح لا يثبت به الملك واما الاعارة فكذلك فانه لا يوجب ملكا يستفاد به ملك المتعة والاقراض في معنى الاعارة مع ان الاقراض في محل ملك المتعة لا يصح لان محل ملك المتعة الآدمى والاستقراض في الحيوان لا يجوز فلهذا لا ينعقد النكاح بهذه الالفاظ بخلاف لفظة الهبة والصدقة ولكن باعتبار هذه الالفاظ تنعقد الشبهة فيسقط به الحد ويجب الاقل من المسمى ومن مهر المثل عند الدخول (قال) ولو قال أتزوجك بكذا فقالت قد فعلت فهو بمنزلة قولها قد تزوجتك لانها أخرجت الكلام مخرج الجواب لخطابه فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه ولا
[ 62 ] يحتاج إلى ان يقول الزوج قبلت بخلاف البيع على ما بيناه فيما سبق وذكر في النوادر انه إذا قال جئتك خاطبا فقالت قد فعلت أو زوجتك نفسي كان نكاحا تاما وفي الكتاب يقول إذا قال خطبتك إلى نفسك بكذا فقالت زوجتك نفسي فهو نكاح جائز إذا كان بمحضر من الشهود لان هذا كلام الناس وليس بقياس معناه انه بلفظ الخطبة لا ينعقد النكاح في القياس لان الخطبة غير العقد ولكنه استحسن فقال المراد به في عادة الناس العقد فلاجل الفرق الظاهر جعلنا ذلك بمنزلة النكاح استحسانا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب المهور) * (قال) وعقد النكاح بغير تسمية المهر جائز ولها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط ان دخل بها أو مات عنها وهذا مذهبنا ان مهر المثل يجب للمفوضة بنفس العقد وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى وفي القول الآخر لا يجب المهر بنفس العقد وانما يجب بالتراضى أو بقضاء القاضى حتى إذا مات أحدهما قبل الدخول فلا مهر لها عنده ومشايخهم رحمهم الله تعالى مختلفون فيما إذا دخل بها وأكثرهم على انه يجب المهر بالدخول ومنهم من يقول لا يجب بالدخول أيضا واحتج بحديث عمر وعلي وابن عمر وزيد رضى الله عنهم أنهم قالوا حسبها الميراث ولا مهر لها والمعنى فيه أنها جادت بحقها وهي من أهل الجود فيصح منها كما لو وهبت شيئا من مالها وهذا لان المستوفي بالنكاح اما أن يكون في حكم المنفعة كما هو مذهبي أو في حكم العين كما هو مذهبكم فان كان في حكم العين فبدله بمنزلة أرش الطرف يخلص حقا لها ويسقط باسقاطها وان كان بمنزلة المنفعة فبدل المنفعة لها والدليل عليه انها يملك الابراء عن المهر والشراء به شيئا وبهذا الطريق قال بعضهم انه وان دخل بها لا يجب المهر لانها كما رضيت بثبوت الملك عليها بغير عوض فقد رضيت بالاستيفاء من غير عوض وأكثرهم على أن فيما يجب بالاستيفاء معنى حق الشرع ألا ترى أن ما يجب بالاستيفاء من العقوبة وهو حد الزنا يكون خالص حق الشرع فكذلك المال الذي يجب عند الاستيفاء لا يسقط برضاها بالاستيفاء بغير عوض والى هذا أشار الله تعالى في قوله فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ولان المعاوضة في النكاح بين الزوجين حتى لا ينعقد النكاح الا بذكرهما فأما المهر ليس بعوض أصلى ولكنه زائد وجب لها
[ 63 ] بازاء احتباسها عنده بمنزلة النفقة ومثل هذا يحتمل التعجيل والتأجيل ولكن النكاح كما لا ينعقد الا موجبا لهذا الملك عليها لا ينعقد الا بشرط التعويض فتارة يتعجل العوض بالتسمية وتارة يتأخر إلى التأكد بالدخول أو الفرض بالتراضى أو بالقضاء ألا ترى أن ملك اليمين تارة يثبت بعوض واجب بنفس العقد وتارة بشرط التعويض وان لم يكن واجبا بنفس السبب والدليل عليه أن مهر المثل لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول وما كان واجبا بنفس العقد يتنصف كالمسمى وحجتنا في ذلك ما روى أن سائلا سأل ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عن هذا فجعل يردده شهرا ثم قال أقول فيه بنفسي فان يك صوابا فمن الله ورسوله وان يك خطأ فمن ابن أم عبد. وفي رواية فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان أو معقل بن يسار وأبو الجراح صاحب الاشجعين رضوان الله عليهم فقال نشهد ان رسول الله ﷺ قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق الاشجعية بمثل قضيتك هذه فسر ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بذلك سرورا لم يسر قط مثله بعد اسلامه لما وافق قضاؤه قضاء رسول الله ﷺ والذى روى أن عليا رضي الله تعالى عنه رد هذا الحديث وقال ماذا نصنع بقول اعرابي بوال على عقبيه انما رده لمذهب تفرد به وهو أنه كان يحلف الراوي ولم يرد هذا الرجل حتى يحلفه ولسنا نأخذ بذلك والمعنى فيه ان النكاح عقد معاوضة بالمهر فإذا انعقد صحيحا كان موجبا للعوض كالبيع وكما لو زوج الاب ابنته بغير مهر وبيان الوصف قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم يعنى تبتغوا ملك النكاح على النساء بالمال وحرف الباء يصحب الاعواض فدل أن العوض الاصلى هو المهر والدليل عليه أنه يثبت لها حق المطالبة بالفرض والفرض عبارة عن التقدير والمطالبة بالتقدير تنبنى على وجوب الاصل ففى كل موضع لم يجب الاصل بالعقد لا تثبت المطالبة بالتقدير كما في ملك اليمين بطريق الهبة فعرفنا أن أصل الوجوب بالعقد شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أضاف إلى نفسه وبين خصوصية النبي ﷺ بالنكاح بغير مهر فذلك دليل على انه في غيره لا ينعقد الا موجبا للمهر واليه أشار أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه بقوله لا نكاح الا بمهر وشهود الا ما كان لرسول الله ﷺ والدليل عليه انها تحبس نفسها لاستيفاء المهر ولا تحبس المبدل الا ببدل واجب
[ 64 ] وان بعد الدخول بها يجب ولا وجه لانكاره لانه منصوص عليه في القرآن والدخول تصرف في الملك فإذا ثبت الملك بغير عوض لا يجب العوض بالتصرف فيه بعد ذلك ولا معنى لما يقول ان الملك يثبت بشرط التعويض لان هذا العقد لا ينعقد الا بمعاوضة المال اظهارا لخطر هذا الملك وهنا اظهار الخطر انما يظهر إذا وجب البدل بنفس الملك فكما ان الملك لا يحتمل التأخر عن حالة العقد فكذلك وجوب البدل الا في حق من قصر عنه حكم هذا الخطاب وهم أهل الذمة كما بينا والطلاق قبل الدخول مسقط لانه رفع للعقد من الاصل فيكون مسقطا للعوض وسقوط العوض عند وجود المسقط لا يكون دليلا على أنه لم يكن واجبا بالعقد وتنصف المسمي بالطلاق حكم ثبت بالنص بخلاف القياس وكان المعنى فيه أن المسمى تأكد بالتسمية والعقد جميعا فلتأكده لا يسقط كلهه لا بالطلاق ولا بالموت والنفقة ضعيفة من كل وجه لانها لا تجب بالتسمية ولا بنفس العقد وتسقط بالطلاق والموت جميعا ومهر المثل ضعيف من كل وجه لانه غير مسمى في العقد وقوي من وجه لانه واجب بنفس العقد فلقوته من وجه لا يسقط بالموت ولضعفه من وجه يسقط كله بالطلاق قبل الدخول إذا عرفنا هذا فنقول نساؤها اللاتي يعتبر مهرها بمهورهن عشيرتها من قبل أبيها كأخواتها وعماتها وبنات عماتها عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى أمها وقوم أمها كالخالات ونحو ذلك لان المهر قيمة بضع النساء فيعتبر فيه قرابتها من النساء ولكنا نقول قيمة الشئ انما تعرف بالرجوع إلى قيمة جنسه والانسان من جنس قوم أبيه لا من جنس قوم أمه ألا ترى أن الام قد تكون أمة والبنت تكون قرشية تبعا لابيها فلهذا اعتبر عشيرتها من قبل أبيها ولا يعتبر مهرها بمهر أمها الا أن تكون أمها من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه فحينئذ يعتبر مهرها لا لانها أمها بل لانها بنت عم أبيها وانما يعتبر من عشيرتها امرأة هي مثلها في الحسن والجمال والسن والمال والبكارة لان المهور تختلف باختلاف هذه الاوصاف قال ﷺ تنكح المرأة لمالها وجمالها الحديث وكذلك يعتبر أن تكون تلك المرأة من بلدتها ولا يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى لان المهور تختلف باختلاف البلدان عادة وفي الحاصل مهر المثل قيمه البضع وقيمة الشئ انما تعرف بالرجوع إلى نظيره بصفته قال فان فرض لها الزوج بعد العقد مهرا فرضيت به أو رافعته إلى القاضى ففرض لها مهرا فهو سواء ولها ذلك ان دخل بها أو مات عنها وان طلقها قبل أن يدخل
[ 65 ] بها فعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الاول لها نصف المهر المفروض بعد العقد وهذا والمسمى في العقد سواء ثم رجع فقال لها المتعة وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان الفرض بعد العقد يقدر بمهر المثل وقد بينا ان مهر المثل لان لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول ولان تنصف المسمى في العقد بالطلاق حكم ثبت بالنص بخلاف القياس والمفروض بعد العقد ليس في معناه لانه وان استند حكمه إلى وقت العقد لا يصير كالمسمى في العقد وعلى هذا لو تزوجها على مهر مسمي ثم زادها في المهر بعد العقد ففي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الاول تتنصف الزيادة والاصل بالطلاق لان الزيادة بعد العقد مثل المسمى في العقد قال الله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أي من فريضة بعد الفريضة وفي قوله الآخر لا يتنصف بالطلاق الا المسمى في العقد خاصة لقوله تعالى فنصف ما فرضتم أي سميتم في العقد فاما الزيادة بعد العقد تسقط كلها بالطلاق وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى (قال) وإذا اختلف الزوجان في المهر فقال الزوج ألف وقالت المرأة ألفان ففي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يحكم مهر مثلها وفي قول أبي يسوف وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى القول قول الزوج الا ان يأتي بشئ مستنكر جدا وجه قولهما انهما اختلفا في بدل عقد لا يحتمل الفسخ بالاقالة فيكون القول قول المنكر للزيادة كما لو اختلفا في بدل الخلع والعتق بمال ولا معني للمصير إلى تحكيم مهر المثل لان وجود مهر المثل عند عدم التسمية وهنا مع اختلافهما اتفقا على أصل المسمى وذلك مانع وجوب مهر المثل ولا معنى للتحالف بينهما لان التحالف لفسخ العقد بعد تمامه والنكاح لا يحتمل هذا النوع من الفسخ والدليل عليه انه لو طلقها قبل الدخول كان لها نصف ما يقوله الزوج ولا يصار إلى تحكيم المتعة فكذا في حال قيام العقد لان المتعة بعد الطلاق موجب نكاح لا تسمية فيه كمهر المثل قبله وأما أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا لصحة النكاح في الشرع موجب وهو مهر المثل لا تقع البراءة عنه الا بتسمية صحيحة فعند الاختلاف في المسمى يجب المصير إلى الموجب الاصلى كالصباغ ورب الثوب إذا اختلفا في الاجر فانه يصار إلى تحكيم قيمة الصبغ لهذا المعنى وهذا بخلاف القصار ورب الثوب إذا اختلفا في الاجر لانه ليس لعمل القصار موجب بدون التسمية ثم النكاح عقد محتمل للفسخ فانه يفسخ بخيار العتق وبخيار البلوغ وعدم الكفاءة ويستحق فيه التسليم والتسلم فيشبه البيع من هذا الوجه فإذا وقع الاختلاف في البدل يجب التحالف
[ 66 ] بخلاف الطلاق بمال والعتق بمال وأما إذا طلقها قبل الدخول يصار إلى تحكيم المتعة على ما نص عليه في الجامع ووضع المسألة فيما إذا كان الاختلاف بينهما في المائة والمائتين فأما في كتاب النكاح فانه وضع المسألة فيما إذا كان الاختلاف في الالف والالفين والمتعة لا تزيد على خمسمائة فلهذا قال لها نصف ما يقوله الزوج على أنه يجوز أن يصار إلى مهر المثل قبل الطلاق ولا يصار إلى المتعة بعد الطلاق كما إذا تزوجها على ألف وكرامة يكون لها نصف الالف بعد الطلاق ويكون لها كمال مهر المثل قبل الطلاق إذا لم يف بما شرط لها من الكرامة وفي معنى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الا أن يأتي بشئ مستنكر جدا قولان لمشايخنا أحدهما أن يدعى ما دون العشرة فانه مستنكر شرعا لانه لا مهر أقل من عشرة دراهم والاصح أن مراده أن يدعى شيئا قليلا يعلم أنه لا يتزوج مثل تلك المرأة على ذلك المهر عادة فانه ذكر هذا اللفظ في البيع أيضا فيما إذا اختلفا في الثمن بعد هلاك السلعة فالقول قول المشتري الا أن يأتي بشئ مستنكر جدا وليس في الثمن تقدير شرعا وأما بيان قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فقد كان الكرخي يقول يتحالفان في الابتداء ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول يحكم مهر المثل أولا فان كان مهر مثلها ألفين أو أكثر فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر يشهد لها وان كان ألف درهم أو أقل فالقول قول الزوج مع يمينه لان الظاهر يشهد للزوج وان كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة فحينئذ يتحالفان ثم يقضى لها بمقدار مهر مثلها لان المصير إلى التحالف إذا لم يمكن ترجيح قول أحدهما على الآخر بشهادة الظاهر له وذلك في هذا الموضع والاصح ما ذكره الكرخي رحمه الله تعالى لان ظهور مهر المثل عند عدم التسمية وذلك انما يكون بعد التحالف فان ما يدعى كل واحد منهما من المسمى ينتفي بيمين صاحبه فيبقى نكاحا بلا تسمية فيكون موجبه مهر المثل فعرفنا أنه لابد من المصير إلى التحالف في الابتداء وأصل النكاح وان كان لا يحتمل الفسخ بالتحالف فالتسمية تحتمل الانتفاء فإذا تحالفا نظر إلى مهر مثلها فان كان ألفين أو أكثر فلها ألفان وان كان ألفا أو أقل فلها الالف لاقرار الزوج به وان كان ألفا وخمسمائة فلها مهر المثل وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وأيهما أقام البينة وجب قبول بينته لانه نور دعواه بالحجة فان أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لانها تثبت الزيادة والبينة مشروعة للاثبات وكذلك لو مات أحدهما قبل أن يتفقا ثم وقع الاختلاف
[ 67 ] بين الحى وورثة الميت فهو وورثة الميت على ما ذكرنا لان الوارث بقوم مقام المورث فأما إذا ماتا معا فهنا فصلان (أحدهما) أن يتفق الورثة انه لم يكن في العقد تسمية (والثاني) أن يختلف الورثة في المسمى أما في الاول فانه يقضى لورثتها في تركة الزوج بمهر المثل في القياس وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان مهر المثل وجب بنفس العقد كالمسمى فكما لا يسقط المسمى بعد موتهما فكذلك مهر المثل ألا ترى ان بعد موت أحدهما لا يسقط مهر المثل وورثة الميت يقومون مقامه في ذلك فكذلك بعد موتهما واستحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال لا يقضى بشئ واستدل في الكتاب فقال أرأيت لو ادعى ورثة علي رضى الله عنه على ورثة عثمان رضي الله عنه مهر أم كلثوم اكنت تقضى فيه بشئ وهذا إشارة إلى انه انما يفوت هذا بعد تقادم العهد لان مهر المثل يختلف باختلاف الاوقات فإذا تقادم العهد وانقرض أهل ذلك العصر يتعذر على القاضى الوقوف على مقدار مهر المثل وعلى هذا الطريق إذا لم يكن العهد متقادما يقضى بمهر مثلها والطريق الآخر ان المستحق بالنكاح ثلاثة أشياء المسمى وهو الاقوى والنفقة وهي الاضعف ومهر المثل وهو متوسط على ما قررنا فالمسمى لقوته لا يسقط بموتهما وموت أحدهما والنفقة لضعفها تسقط بموتهما وبموت أحدهما ومهر المثل يتردد بين ذلك فيسقط بموتهما ولا يسقط بموت أحدهما لان ما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما ألا ترى أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا ان مهر المثل هل يسقط بموت أحدهما فيكون ذلك اتفاقا منهم على أنه يسقط بموتهما فاما إذا وقع الاختلاف في مقدار المسمى بعد موتهما فعلى قول محمد رحمه الله تعالى يصار إلى تحكيم مهر المثل لان من أصله ان مهر المثل لا يسقط بموتهما فيكون هذا كالاختلاف الواقع بين الزوجين وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى القول قول ورثة الزوج الا أن يأتوا بشى مستنكر جدا كما لو وقع الاختلاف في حياتهما وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى القول قول ورثة الزوج أيضا لان مهر المثل عنده لا يبقى بعد موتهما فلا يمكن المصير إلى التحالف وتحكيم مهر المثل فيبقى ظاهر الدعوى والانكار فيكون القول قول ورثة الزوج الا أن يقوم لورثة المرأة بينة على ما ادعوا من المسمي فحينئذ يقضي بذلك ويستوى في هذا كله ان دخل بها أو لم يدخل بها لان ما قبل الدخول انما يفارق ما بعد الدخول عند الطلاق أما عند الموت لا فرق لان النكاح ينتهى بالموت (قال) وإذا تزوجها على بيت وخادم فلها من ذلك خادم وسط
[ 68 ] وبيت وسط والكلام هنا في فصول أحدها أن تسمية الخادم في النكاح صحيح عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح وكذلك لو تزوجها على عبد مطلق أو على أمة فلها عبد وسط أو أمة وسط فان اتاها بالعين أجبرت على القبول وان أتاها بالقيمة أجبرت على القبول وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تصح التسمية لان النكاح عقد معاوضة فيكون قياس البيع والعبد المطلق لا يستحق بعقد البيع عوضا فكذلك بالنكاح وهذا أصل للشافعي رحمه الله تعالى ان كل مالا يصح مسمى عوضا في البيع لا يستحق في النكاح لان المقصود بالمسمى مهرا المالية وبمجرد ذكر الجنس بدون بيان الوصف لا تصير المالية معلومة فلا يصح التزامه بعقد المعاوضة لبقاء الجهالة والغرر فيه. ألا ترى أنه لو سمى ثوبا أو دابة أو دارا لم تصح التسمية فكذلك إذا سمى عبدا وحجتتا في ذلك أن المهر انما يستحق عوضا عما ليس بمال والحيوان يثبت دينا في الذمة مطلقا في مبادلة ما ليس بمال. ألا ترى أن الشرع أوجب في الدية مائة من الابل وأوجب في الجنين غرة عبدا أو أمة فإذا جاز أن يثبت الحيوان مطلقا دينا في الذمة عوضا عما ليس بمال شرعا فكذلك يثبت شرطا وهذا لان في معنى المالية هذا مال ملتزم ابتداء والجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا تمنع صحته كما في الاقرار فان من أقر لانسان بعبد صح اقراره الا أن هناك لا ينصرف إلى الوسط عند محمد رحمه الله تعالى لان المقر به عينه ليس بعوض وهنا عين المهر عوض وان كان باعتبار صفة المالية هذا التزام مبتدأ فلكونه عوضا صرفناه عند اطلاق التسمية إلى الوسط ليعتدل النظر من الجانبين كما أوجب الشرع في الزكوات الوسط نظرا إلى الفقراء وأرباب الاموال وبكونه ما لا يلتزم ابتداء لا تمنع جهالة الصفة صحة الالتزام ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لان صحة الالتزام باعتبار صفة المالية والقيمة فيه كالعين وللاعتبار بما أوجبه الشرع من الدية فان ذلك يتردد بين الابل والدراهم والدنانير ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول لو لم تصح التسمية احتجنا إلى ايجاب مهر المثل لان بفساد التسمية لا يبطل النكاح كما لا يبطل بترك التسمية وكل جهالة في المسمى إذا كاتت دون جهالة مهر المثل فذلك لا يمنع صحة التسمية لان بعض الجهالة يرتفع بهذه التسمية وكل جهالة هي مثل جهالة مهر المثل أو فوق جهالة مهر المثل تمنع صحة التسمية لانه لا يحصل به شئ من الاعلام فجهالة العبد المسمى جهالة الصفة دون الجنس فأما جهالة مهر المثل جهالة جنس فصححنا فيه التسمية ليحصل بها التحرز
[ 69 ] عن بعض الجهالة فأما جهالة الثوب فوق جهالة مهر المثل لان اسم الثوب يتناول أجناسا مختلفة من القطن والكتان والابريسم وغير ذلك وكذلك جهالة الدابة لانها تتناول أجناسا مختلفة وكذلك جهالة الدار لانها تختلف باختلاف البلدان والمحال والضيق والسعة وكثرة المرافق وقلتها فكانت تلك الجهالة فوق جهالة مهر المثل فلهذا لم تصح التسمية ووجب المصير إلى مهر المثل وبه فارق البيع فانا لو لم نصحح التسمية مع جهالة الوصف هناك لا نحتاج إلى ايجاب جهالة أخرى لانه يفسد البيع ويعود إليه عوضه وهو معلوم فاما إذا سمى في المهر بيتا فالمراد منه متاع البيت عادة دون البيت المسمى وهذا معروف بالعراق يتزوج على بيت أو بيتين فيريدون متاع البيت مما تجهز به تلك المرأة وينصرف إلى الوسط من ذلك لاعتبار معنى المعاوضة على ما قلنا ثم قال أبو حنيفة رضى الله عنه قيمة البيت أربعون درهما وقيمة الخادم أربعون دينارا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو على قدر الغلاء والرخص وليس هذا باختلاف في الحقيقة ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قصر فتواه على ما شاهده في زمانه وهما زادا على ذلك وبينا الفتوى في الاوقات والامكنة كلها والامر على ما قالا فان القيم تختلف باختلاف الغلاء والرخص (قال) والوسط من الخادم السندي وهذا لان أرفع الخدم الاتراك وأدنى الخدم الهنود فالسندي هو الوسط فيما بين ذلك ولكنه في بلادنا قلما يوجد السندي فالوسط أدنى الاتراك واعلى الهنود (قال) وان كان تزوجها على وصيف أبيض فلها خمسون دينارا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهذا أيضا بناء على ما شاهد في زمانه من التفاوت بين قيمة الوسط والجيد وذلك يختلف باختلاف الغلاء والرخص ولكن في زمانه كان هذا التفاوت بقدر عشرة دنانير فلهدا قدره به وان اعطاها وصيفا أبيض لا يساوى ذلك فهو جائز لانه وفي لها بما شرط واعتبار القيمة عند اختياره اداء القيمة فاما إذا اختار اداء العين فلا معتبر بالقيمة (قال) وان كانا من أهل البادية وقد تزوجها على بيت فلها بيت من شعر من بيوت أهل البادية وان تزوجها على خادم فلها خادم وسط مما يعرف هناك لان المعتبر في التسمية العرف ألا ترى أنه لو اشترى بدراهم مطلقا ينصرف إلى نقد البلد للعرف فهنا في كل موضع يعتبر العرف أيضا والمتعارف من تسمية البيت مطلقا فيما بين أهل البادية البيت من الشعر وفيما بين أهل الامصار متاع البيت فصرفنا التسمية إلى ذلك في كل موضع (قال) وان تزوجها على شئ بعينه ولم تره فليس لها في ذلك خيار الرؤية لان عدم الرؤية
[ 70 ] لما لم يمنع ثبوت صفة اللزوم فيما هو المقصود بهذا العقد وهي المنكوحة فكذلك في عوضه وكان المعنى فيه ان الفائدة في اثبات خيار الرؤية أن يتمكن به من إعادة العوض الذى خرج منه إليه وهذا في البيع يحصل لانه ينفسخ بالرد وفي النكاح لا يحصل لانه لا ينفسخ برد المسمى بخيار الرؤية ولكن تجب القيمة والقيمة غير مرئية كالعين فعرفنا أنه لا يستدرك بالرد فائدة وكذلك لا ترد الصداق بالعيب الا أن يكون فاحشا عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى كل عيب يرد به في البيع يرد به في الصداق وهو بناء على أصل بيننا وبينه ان عنده بالرد بالعيب تبطل التسمية فيجب مهر المثل وعندنا لا تبطل التسمية ولكن تجب قيمة المسمى فان كان العيب يسيرا لا تستدرك بالرد فائدة إذ لا فرق بين عين الشئ وبه عيب يسير وبين قيمته وإذا كان العيب فاحشا فتستدرك بالرد فائدة لانها ترجع بقيمته صحيحا وهذا هو حد الفرق بين اليسير والفاحش ان كل عيب ينقص من المالية مقدار ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في الاسواق فهو عيب فاحش وإذا كان ينقص بقدر ما يدخل بين تقويم المقومين فهو عيب يسير وحجته لاثبات أصله ان الصداق مال مملوك بعقد معاوضة وهو مما ينفصل عن أصل العقد فتبطل التسمية بالرد كالبيع ولكن بطلان التسمية في النكاح لا يبطل النكاح كانعدام التسمية في الابتداء ولكنا نقول السبب الموجب للمسمى هو العقد فلا يجوز الحكم ببطلان التسميه مع بقاء السبب الموجب له ولكن بالرد بالعيب يتعذر تسليم العين كما التزم فتجب قيمته كالمغصوب إذا أبق وعلى هذا الاصل إذا هلك الصداق قبل التسليم عندنا لا تبطل التسمية ولكن يجب على الزوج مثله ان كان من ذوات الامثال وقيمته ان لم يكن من ذوات الامثال وعند الشافعي رحمه الله تعالى تبطل التسمية كما يبطل البيع بهلاك المبيع قبل القبض فيكون لها مهر مثلها وبعض أصحابه يقول لا تبطل التسمية بالهلاك عندنا ولكن تجب قيمة المسمى لتعذر تسليم العين فأما الرد بالعيب لا يكون الا لرفع تلك التسمية فتبطل به التسمية وعلى هذا لو استحق المسمى بعينه لا تبطل التسمية لان شرط صحة التسمية كون المسمى مالا وبالاستحقاق لا تنعدم المالية ولكن يتعذر التسليم فيكون بمنزلة الهلاك في انه يجب قيمته على الزوج (قال) وان كان الزوج أجر الصداق فالاجر له لان الصداق في يده مضمون بنفسه كالمغصوب والغاصب إذا أجر المغصوب فالاجر له ولكن يتصدق به لانه حصل له بكسب خبيث فكذلك الزوج وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه
[ 71 ] الله تعالى الاجر لها بناء على أصله ان المنافع عنده مال والاجر بدل ما هو مال لها فيكون بمنزلة العقر وأرش الطرف وعندنا المنافع ليست بمال متقوم وانما تتقوم بالعقد والعاقد هو الزوج فكان الاجر له لانه بعقده صير ما ليس بمتقوم من ملك الغير متقوما فهو كمن صنع كوزا من تراب غيره وباعه يكون الثمن له (قال) فان ولدت أو أكتسبت مالا قبل التسليم فذلك كله للمرأة معها والحاصل أن الزيادة في الصداق قبل القبض نوعان متصلة ومنفصلة فالمتصلة كالسمن في الجارية وانجلاء البياض عن العين والزيادة المنفصلة اما متولدة من العين كالولد والثمار والعقر وإما غير متولدة من العين كالكسب والغلة وذلك كله يسلم للمرأة إذا دخل بها الزوج أو مات عنها لانه يملك بملك الاصل وملك الاصل كان سالما لها وقد تقرر ذلك بالموت والدخول فكذلك الزيادة وأما إذا طلقها قبل الدخول بها فالزيادة المتولدة منفصلة كانت أو متصلة تتنصف بالطلاق مع الاصل لانها في حكم جزء من العين والحادث من الزيادة بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد بدليل المبيعة فان الزيادة المتولدة هناك كالموجودة وقت العقد حتى يصير بمقابلتها شئ من الثمن عند القبض فاما الكسب والغلة لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول بل يسلم الكل لها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأما في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تتنصف مع الاصل وكذلك لو جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول حتى يبطل ملكها عن جميع الصداق يسلم لها الكسب في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يدور الكسب مع الاصل وكذلك المبيع قبل القبص إذا اكتسب كسبا ثم انفسخ البيع بهلاك المبيع قبل القبض عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يسلم الكسب للمشتري وعندهما هو للبائع وحجتهما في ذلك ان الكسب زيادة منفصلة عن الاصل فيكون قياس الولد فكما لا يسلم ذلك لها بعد ما بطل ملكها عن الاصل فكذلك هذا وهذا لان بطلان ملكها عن الاصل بحكم انفساخ السبب فيه والزيادة انما تملك بملك الاصل متولدة كانت أو غير متولدة فبعدما انفسخ سببب الملك لها في الاصل لا يبقى سببا لملك الزيادة لها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول السبب الذي به ملكت الكسب لم ينفسخ فيبقى ملك الكسب لها كما قبل الطلاق وبيان ذلك أن سبب ملك الكسب إما قبول العبد الهبة أو اجارته نفسه أو اكتسابه من حيث الاحتطاب والاحتشاش وشئ من هذه الاسباب لا ينفسخ بالطلاق وتأثيره أن الاكتساب يوجب الملك للمكتسب ولكن إذا لم يكن
[ 72 ] المكتسب من أهل الملك فمن يخلفه وهو مولاه يقوم مقامه في الملك بذلك السبب لوصلة الملك بينهما وقت الاكتساب ثم يبطلان ملكه في الاصل بعد ذلك لا يتبين أنه لم يخلفه في الملك بذلك السبب وليس الكسب بمنزلة الزيادة المتولدة لان المتولد جزء من الاصل يسرى إليه ملك الاصل الا ان يكون مملوكا بسبب حادث ألا ترى ان ولد المكاتبة يكون مكاتبا وكسبها لا يكون مكاتبا وولد المبيعة قبل القبض يكون مبيعا يقابله حصة من الثمن عند القبض وكسب المبيع لا يكون مبيعا فلا يقابله شئ من الثمن وان قبض مع الاصل فظهر الفرق بينهما وكذلك لو قبضت المرأة الاصل مع لزيادة المتولدة ثم طلقها قبل ان يدخل بها يتنصف الاصل والزيادة لان حكم التنصف عند الطلاق ثبت في الكل حين كانت الزيادة حادثة قبل القبض فلا يسقط ذلك بقبضها ولو كانت قبضت الاصل قبل حدوث الزيادة ثم حدثت الزيادة في يدها ثم طلقها قبل الدخول فان كانت الزيادة غير متولدة كالكسب والغلة فهو سالم لها وردت نصف الاصل على الزوج لان حدوث الكسب كان بعد تمام ملكها ويدها فيكون سالما لها وان لزمها رد الاصل أو بعضه كالمبيع إذا اكتسب في يد المشترى ثم رد الاصل بالعيب يبقى الكسب سالما له وهذا لقوله ﷺ الخراج بالضمان وقد كان الصداق في ضمانها فمنفعته تسلم لها والكسب بدل المنفعة فاما إذا كانت الزيادة متولدة من العين فان كانت منفصلة كالولد والثمار يمنع تنصف الاصل بالطلاق وعود الكل إليه إذا جاءت الفرقة من قبلها ولكن للزوج عليها نصف قيمة الاصل أو جميع قيمته يوم دفع إليها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ينتصف الاصل مع الزيادة بالطلاق ويعود الكل إلى الزوج إذا جاءت الفرقة من قبلها لان بقبضها لا يتأكد ملكها ما لم يدخل بها بل توهم عود النصف إلى الزوج بالطلاق أو الكل إذا جاءت الفرقة من قبلها ثابت فيسرى ذلك الحق إلى الزيادة بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا قبضها المشترى وازدادت زيادة منفصلة فان البائع يستردها بزيادتها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال في الطلاق يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الاصل وعند ردتها يسترد منها الاصل مع الزيادة لان الردة تفسخ السبب مع الاصل فيكون الرد بحكم انفساخ السبب بمنزلة الرد بسبب فساد البيع وهناك حكم الرد يثبت في الاصل والزيادة فاما الطلاق حل العقد وليس بفسخ له من الاصل فلا يثبت حق الزوج في الزيادة التى لم تكن في ملكه ولا في يده ويتعذر
[ 73 ] تنصف الزيادة يتعذر تنصف الاصل ووجه ظاهر الرواية انها ملكت الصداق بالعقد وتم ملكها بالقبض فالزيادة حدثت على ملك تام لها وحكم التنصف عند الطلاق انما ثبت في المفروص في العقد والزيادة ما كانت مسماة في العقد لا حقيقة ولا حكما إذا لم يرد عليها القبض المستحق بالعقد فتعذر تنصفها وهي جزء من العين فيتعذر تنصفها بتعذر تنصف العين كالزيادة المنفصلة في المبيع تمنع رد الاصل بالعيب إذا كان حادثا بعد القبض وهذا بخلاف الزيادة المنفصلة في الموهوب فانه لا يمنع الواهب من الرجوع في الاصل لان الهبة عقد تبرع فإذا رجع في الاصل بقيت الزيادة للموهوب له بغير عوض وقد كان الاصل سالما له بغير عوض فيجوز ان تسلم الزيادة له أيضا بغير عوض فاما البيع والنكاح معاوضة فبعد تعذر رد الزيادة لو أثبتنا حكم الرد في الاصل بقيت الزيادة سالمة بغير عوض وهو جزء من الاصل فلا يجوز أن يسلم الملك بغير عوض بعد رفع عقد المعاوضة بينهما فإذا تعذر تنصيف الاصل وجب عليها نصف القيمة للزوج لتعذر رد العين بعد تقرر السبب الموجب له وانما دخل الصداق في ضمانها بالقبض فلهذا كان المعتبر القيمة وقت القبض فأما إذا كانت الزيادة متصلة كالسمن والجمال وانجلاء البياض فطلقها قبل أن يدخل بها عند أبى حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى هذا والزيادة المنفصلة سواء وللزوج عليها نصف قيمة الصداق يوم قبضت وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يتنصف الاصل بزيادته وحجتهما في ذلك أن النكاح عقد معاوضة والزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات كما في البيع لو اشترى جارية بعبد وقبض الجارية فازدادت زيادة متصلة ثم هلك العبد قبل التسليم أو رده المشترى بعيب يسترد الجارية بزيادتها بخلاف ما لو كانت الزيادة منفصلة وهذا لان الزيادة المتصلة بمنزلة زيادة الشعر ألا ترى أنها لو حدثت قبل القبض لا ينقسم الثمن باعتبارها كزيادة الشعر فكذلك في الصداق وهذا بخلاف الموهوبة فان الزيادة المتصلة فيها تمنع الرجوع لان الهبة ليست بعقد ضمان فالقبض بحكمه لما لم يوجب ضمان العين على الموهوب له لم يبق للواهب حق في العين حتى تسرى إلى الزيادة وإذا تعذر الرجوع في الزيادة تعذر في الاصل لان الاصل لا ينفصل عن الزيادة فأما قبضها الصداق قبض ضمان وثبوت الضمان لحق الزوج فيه يتبين بقاء حق الزوج في الاصل فيسرى إلى الزيادة كما في البيع وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا هذه الزيادة حدثت من ملك صحيح تام لها
[ 74 ] فيكون سالما لها بكل حال كالزيادة المنفصلة وإذا تعذر تنصف الزيادة تعذر تنصف الاصل لما قال محمد رحمه الله تعالى والدليل عليه أن الصداق في حكم الصلة من وجه لانها تملكه لا عوضا عن مال يستحق عليها والزيادة المتصلة في الصلات تمنع رد الاصل كالموهوب وتأثير الزيادة المتصلة في الصلات أكثر من تأثير الزيادة المنفصلة حتى أن الزيادة المنفصلة في الهبة لا تمنع الرجوع والمتصلة تمنع ثم الزيادة المنفصلة هنا تمنع تنصف الاصل فالمتصلة أولى فأما البيع فالصحيح أن عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة هناك تمنع فسخ العقد من الاصل كالمنفصلة وما ذكر في المأذون فهو قول محمد رحمه الله تعالى خاصة وقد نص في كتاب البيوع على أن الزيادة المتصلة تمنع الفسخ بالتحالف عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كالزيادة المنفصلة ولو كان حدوث الزيادة في يدها بعد ما طلقها الزوج قبل الدخول ينتصف الاصل مع الزيادة لان بالطلاق صار رد نصف الاصل مستحقا عليها فيسرى ذلك إلى الزيادة كالمشترى شراء فاسدا يرد بزيادته المتصلة والمنفصلة بخلاف ما قبل الطلاق فأما حكم النقصان فان تعيب الصداق في يد الزوج بعيب يسير فلا خيار للمرأة لان العيب اليسير لو كان موجودا وقت العقد لم يثبت لها الخيار بسببه فكذا إذا حدث بعد العقد قبل القبض وعن زفر رحمه الله تعالى انه يثبت لها الخيار أيضا لانه تغير عليها شرط العقد فانها استحقت الصداق بصفة السلامة وبالتعيب قد تغير ولكن هذا ينبغي على قوله في العيب الموجود وقت العقد ان يثبت لها الخيار أيضا إذ لا فرق بينهما فاما إذا حدث بالصداق عيب فاحش في يد الزوج فهو على خمسة أوجه (أحدها) ان يكون العيب بآفة سماوية فيثبت لها الخيار ان شاءت رجعت بقيمة الصداق يوم تزوجها على الزوج وان شاءت أخذت المعيب ولا شئ لها من ضمان النقصان لان الزوج عجز عن تسليم الصداق سليما كما أوجبه العقد فيثبت لها الخيار وإذا أرادت رجعت بالقيمة لاته تعذر تسليم العين مع بقاء السبب الموجب له فان اختارت الاخذ فلا شئ لها من ضمان النقصان على الزوج لان الصداق مضمون عليه بالعقد والاوصاف لا تكون مضمونة بالعقد وعن زفر رحمه الله تعالى ان لها ان تضمن الزوج النقصان لان الصداق مضمون في يد الزوج بنفسه كالمغصوب إذا تعيب في يد الغاصب كان للمغصوب منه ان يضمنه النقصان مع استرداد العين ولكنا نقول المغصوب مضمون بالقبض والاوصاف تضمن بالقبض (والثانى) ان يكون التعيب بفعل
[ 75 ] الزوج فيكون لها الخيار للتغير وان اختارت الاخذ ضمنت الزوج النقصان وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه ليس لها حق تضمين النقصان لانه مضمون على الزوج بالعقد فكان بمنزلة المبيع والبائع إذا عيب المبيع قبل القبض لا يلزمه ضمان النقصان للمشترى فهذا مثله ووجه ظاهر الرواية ان الزوج أتلف جزء من الصداق ولو اتلف الكل ضمن قيمة الكل فكذلك إذا أتلف جزء منه وبه فارق البيع فان البائع هناك لو أتلف الكل لم يضمنه فكذا إذا أتلف الجزء ثم المعنى فيه ان المبيع مضمون بالثمن وفيما هو مضمون به فصلنا بين العيب بفعل البائع وبآفة سماوية حتى أنه إذا تعيب بفعل البائع سقطت حصته من الثمن عن المشتري بخلاف ما إذا تعيب بآفة سماوية فهنا أيضا يفصل بينهما فيما إذا كان الصداق مضمونا به وهو القيمة وهذا لان الاتلاف من الزوج يتحقق في الاوصاف كما يتحقق في الاصل بخلاف ما إذا تعيب بغير فعله فان الضمان هناك بالعقد والعقد لا يتناول الاوصاف مقصودا (الثالث) ان يكون التعيب بفعل الصداق بنفسه ففي ظاهر الرواية هذا كالعيب بآفة سماوية لان فعله بنفسه هدر وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان هذا بمنزلة تغييب الزوج لانه مضمون عليه وفعل المضمون كفعل الضامن في استحقاق موجبه عليه كما في المغصوب (الرابع) ان حصل التعيب بفعل الأجنبي يجب عليه ضمان النقصان ويكون ضمان النقصان بمنزلة الزيادة المتولدة قبل القبض فيثبت لها الخيار للتغير فإذا اختارت الاخذ رجعت على الجاني بضمان النقصان وان اختارت تضمين الزوج القيمة رجع الزوج على الجاني بضمان النقصان ولو أرادت أن تأخذ العين وتضمن الزوج النقصان لم يكن لها ذلك لانعدام الصنع من الزوج في التعيب (الخامس) ان يكون التعيب بفعل المرأة فتصير به قابضة للصداق لانها أتلفت جزء منه فتكون قابضة لذلك الجزء بالاتلاف ولما وراء ذلك بالتخلي ولا خيار لها في ذلك والذي بينا في هذه الفصول فيما إذا دخل بها الزوج أو مات عنها فأما إذا لم يدخل بها فهي في حق النصف إذا طلقها قبل الدخول كما في الكل إذا طلقها بعد الدخول فأما إذا تعيب في يد المرأة بعدما قبضت الصداق فهو على خمسة أوجه أيضا أما إذا تعيب بآفة سماوية ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها فهو بالخيار ان شاء ضمنها نصف قيمته يوم قبضت لتعذر رد النصف كما قبضت وان شاء أخذ النصف ناقصا وليس عليها من ضمان النقصان شئ لان الصداق كان مملوكا لها ملكا تاما فتعيبه في يدها
[ 76 ] لا يلزمها شيئا من ضمان النقصان وكذلك لو كان التعيب بفعل الصداق بنفسه فهو كالتعيب بآفة سماوية لان فعله بنفسه هدر وكذلك لو كان التعيب بفعل المرأة لان فعلها صادف ملكا صحيحا لها فلا يكون موجبا ضمان النقصان عليها بخلاف فعل الزوج قبل القبض فانه صادف ملكها فيصلح أن يكون موجبا للضمان عليه فأما إذا كان التعيب في يدها بفعل أجنبي فان الأجنبي ضامن للنقصان وذلك بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة لانه بدل جزء من عينها فيمنع تنصف الاصل بالطلاق وانما يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الصداق يوم قبضت وكذلك ان كان التعيب بفعل الزوج لان الزوج بمنزلة الأجنبي في جنايته على الصداق بعد التسليم إليها فكان فعله كفعل أجنبي آخر في ايجاب الارش وذلك يمنع تنصف الصداق بالطلاق وان كان التعيب في يدها بعد الطلاق كان للزوج أن يأخذ نصف الاصل مع نصف النقصان لان السبب فسد في النصف بالطلاق وصار مستحق الرد على الزوج فكان في يدها في هذه الحالة بمنزلة المقبوض بحكم شراء فاسد فيلزمها ضمان النقصان إذا تعيب بآفة سماوية أو بفعله بنفسه أو بفعلها لانه مضمون عليها بالقبض والاوصاف تضمن بالقبض كالمغصوب وان كان التعيب بفعل الأجنبي فالارش بمنزلة الزيادة المنفصلة وقد بينا حكمه ووقع في المختصر ان التعيب في يدها قبل الطلاق وبعده في الحكم سواء وهو غلط بل الصحيح من الجواب في كل فصل ما ذكرنا (قال) وان كان المهر جارية فلم تقبضها المرأة حتى وطئها الزوج فولدت فادعى ولدها لم يصدق على ذلك لانها مملوكة للمرأة والاستيلاء في ملكها غير صحيح الا ان الحد سقط عن الزوج لان الصداق مضمون عليه بالعقد بمنزلة المبيع في يد البائع فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد وإذا سقط الحد لزمه العقر فكان العقر مع الولد زيادة منفصلة متولدة من الاصل لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين والعقر بدل عن ذلك فإذا طلقها قبل الدخول تنصف الكل فتكون الجارية بينهما ولا تصير ام ولد للزوج لان حق أمومية الولد يثبت لها باعتبار ثبوت نسب الولد ونسب الولد غير ثابت هنا فكذلك لا يثبت لها حق أمومية الولد ولكن نصف الولد يعتق على الزوج لانه ملك ولده من الزنا فيعتق عليه باعتبار الجزئية ويسعى للمرأة في نصف القيمة لان نصيبها احتبس عند الولد ولا يصير الزوج ضامنا لانه ما صنع في الولد شيئا انما صنعه في الطلاق وذلك ليس بمباشرة لاعتاق الولد بل من حكم الطلاق عود النصف إلى الزوج ثم يعتق عليه حكما
[ 77 ] لملكه ولكنها ترجع عليه بنصف العقر لان العقر تنصف بينهما فان قتلت الخادم أو ماتت عند المرأة ثم طلقها قبل ان يدخل بها فللزوج عليها نصف القيمة يوم قبضت لانه تعذر عليها رد نصف الصداق بعد تقرر السبب الموجب له ولا سبيل للزوج على القاتل لان فعله ما لاقى ملك الزوج فانه حين قتلها كانت الخادم ملكا للمرأة فلهذا لم يكن للزوج أن يضمن القاتل شيئا (قال) وان كانت ازدادت في يدها زيادة متصلة فهلكت ثم طلقها قبل الدخول فانه يرجع عليها بنصف قيمة الصداق يوم قبضت وكذلك ان استهلكت لانها اتلفت ملك نفسها فلا يلزمها بالاتلاف شئ ولكنها بالقبض تصير ضامنة للزوج نصف قيمتها حين قبضت (قال) ولو كانت الزيادة منفصلة متولدة من الاصل فهلكت في يدها ثم طلقها قبل أن يدخل بها تنصف الاصل لان المانع من تنصيف الاصل هو الزيادة فحين مات ولم يخلف بدلا صار كان لم يكن فيتنصف الاصل الا أنه ان كانت الزيادة ولدا وقد نقصتها الولادة ثبت للزوج الخيار للنقصان الحادث في يدها في الصداق وان لم يتمكن نقصان بسبب الولادة فلا خيار له الا أن تكون المرأة هي التي استهلكت الولد فحينئذ يكون له الخيار بمنزلة الجارية المبيعة إذا ولدت فاتلف المشترى ولدها ثم أراد رد الاصل بالعيب ولو كانت الولادة في يد الزوج فهلك الولد لم يضمن الزوج شيئا لان الولد حدث بغير صنعه وهلك بغير صنعه بمنزلة ولد المغصوبة ولكن أن تمكن نقصان بسبب الولادة يثبت لها الخيار لاجل النقصان وان كان الزوج هو الذى أتلف الاصل والزيادة ضمن قيمتها للمرأة لان الزيادة امانة في يده فيضمنها بالاتلاف كالمغصوبة وان طلقها قبل الدخول ضمن لها نصف الاصل والزيادة (قال) وان كانت الجارية قائمة عند الزوج فاعتقها الزوج لم يجز عتقه لانه أعتق مالا يملك وكذلك لو طلقها قبل الدخول لم ينفذ ذلك العتق لانه سبق ملكه ولو كانت المرأة هي التي أعتقتها نفذ عتقها في الكل لمصادفته ملكها ثم إذا طلقها الزوج ضمنها نصف قيمتها يوم أعتقتها لانها بالاعتاق تصير قابضة متلفة (قال) وان كانت المرأة قبضت الصداق وهو جارية ثم طلقها قبل ان يدخل بها ثم أعتقها الزوج لم ينفذ عتقه في شئ منها وعند زفر رحمه الله تتعالى ينفذ عتقه في نصفها لان من أصله ان حكم التنصيف يثبت بنفس الطلاق ويعود نصفها إلى ملك الزوج كما لو كان قبل القبض فينفذ عتقه في نصيبه ولكنا نقول سبب ملكها في النصف يفسد بالطلاق حتى يستحق عليها رد النصف ولكن لا يبطل ملكها في شئ الا بالرد بقضاء أو رضاء
[ 78 ] لان فساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت الملك بالقبض فلان لا يمنع بقاء الملك أولى فإذا لم يعد شئ من العين إلى الزوج لا ينفذ عتقه (قال) ولو قضى القاضى له بنصفها بعد ذلك لا ينفذ ذلك العتق السابق لانه سبق ملكه بمنزلة المشتراة شراء فاسدا وقد قبضها المشترى وأعتقها البائع ثم ردت عليه لم ينفذ العتق وان كان أعتقها بعد ما قضى له القاضى بنصفها أو ردت المرأة عليه النصف بالتراضى نفذ عتقه فيكون حكمه كحكم جارية بين رجلين أعتقها أحدهما ولو كانت هي التي أعتقت الجارية بعد الطلاق نفذ عتقها في الكل وكذلك إن باعت أو وهبت لان الملك في الكل باق لها قبل قضاء القاضى وإذا نفذ تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد تقرر السبب الموجب له فتضمن نصف قيمتها للزوج يوم قبضت ولو وطئت الجارية بالشبهة حتى غرم الواطئ عقرها فحكم العقر كحكم الزيادة المنفصلة المتولدة من الاصل وكحكم الارش لانه بدل جزء من عينها فان المستوفي بالوطئ في حكم العين دون المنفعة (قال) ولا شفعة في الدار التي تتزوج عليها المرأة وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى أيضا لان الشفعة في الدار لو وجبت انما تجب للجار وهو لا يجوب الشفعة للجار أصلا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى تجب الشفعة (قال) ولو تزوجها على شقص من دار لم تجب فيه الشفعة عندنا وعند ابن أبى ليلى والشافعي رحمهما الله تعالى تجب لان النصف ملك بعقد معاوضة فكان كالمملوك بالشراء فتجب فيه الشفعة بقيمة العوض والعوض هو البضع وقيمته مهر المثل وهو كمن اشترى دارا بعبد يأخذها الشفيع بقيمة العبد وعندنا وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال بمطلق والبضع ليس بمال مطلق فكان المملوك صداقا بمنزلة الموهوب فلا تجب فيها الشفعة وهذا لان الشفيع انما يتملك بمثل السبب الذي به تملك المشترى فان الشرع قدم الشفيع على المشترى في اثبات حق الاخذ له بذلك السبب لا في إنشاء سبب آخر ولهذا لا تجب الشفعة في الموهوب لانه لو أخذه أخذه بعوض فكان سببا آخر غير السبب الذي تملك به المتملك فكذلك هنا المرأة انما ملكت الدار بالنكاح صداقا فلو أخذها الشفيع كان شراء فكان سببا آخر بخلاف ما إذا اشتراها بعبد فان الشفيع يأخذها بمثل ذلك السبب لان الشراء بقيمة العبد بمنزلة الشراء بعين العبد في أنه شراء مطلق (قال) وإذا تزوجها على دار على أن ترد المرأة عليه ألف درهم لم يجب للشفيع الشفعة في شئ من الدار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما تقسم الدار على الالف
[ 79 ] وعلى مهر مثلها فما يخص الالف تجب الشفعة فيه للشفيع لان العقد فيما يخص الالف شراء وفيما يخص البضع نكاح. ألا ترى أنه يثبت فيه حكم الشراء من الرد بالعيب اليسير والفاحش وغيره من أحكام البيع وكذلك حكم الصرف يثبت فيه لو تزوجها على مائة دينار على أن ترد عليه ألف درهم يجب التقابض في حصة الصرف ويجوز أن تستحق الشفعة في بعض ما تتناوله الصفقة دون البعض كما لو اشترى دارا وعبدا صفقة واحدة فانه تجب الشفعة في الدار دون العبد ولابي حنيفة رحمه الله تعالى ان البيع هنا تبع للنكاح لان البيع لم يكن مقصودا بهذه الصفقة وانما كان المقصود النكاح. ألا ترى أنه تتوقف حصة البيع على قبول المرأة إذا حصل العقد من فضولي والشراء مقصودا لا يتوقف وكذلك ينعقد بلفظة الرد ولا يحتاج فيه إلى القبول حتى إذا قال زوجيني نفسك على هذه الدار على أن تردى علي ألفا فقالت فعلت يتم بدون قبول الزوج وانها لو قبلت حصة النكاح دون البيع صح ولو قبلت حصة البيع دون النكاح لم يصح وإذا ثبت أن الشراء تبع للنكاح فنقول إذا لم تجب الشفعة باعتبار الاصل لا تجب باعتبار التبع كالعرصة الموقوفة إذا كان عليها بناء لم تجب الشفعة في ذلك البناء وهذا لان المقصود بالاخذ بالشفعة دفع ضرر الجار الحادث ولا يحصل هذا المقصود إذا لم تجب الشفعة فيما هو الاصل بخلاف الرد بالعيب فانه يثبت باعتبار البيع لان العيب في الاصل فوات وصف هو تبع وكذلك حكم الصرف يثبت فيما هو تبع كالصفائح من الذهب في الدار المشتراة بالفضة يثبت فيها حكم الصرف (قال) ولو تزوج امرأة على كذا من الابل أو البقر أو الغنم فلها العدد المسمى من الوسط من ذلك الجنس وان أتى بقيمة ذلك أجبرت على القبول بمنزلة ما لو تزوجها على عبد وقد بيناه (قال) والا ثواب الهروية وغيرها من أجناس الثياب كذلك وهذه المسألة على ثلاثة أوجه أحدها ان يتزوجها على ثوب هروى بعينه فلها ذلك الثوب ان كان هرويا وان لم يكن هرويا وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لها قيمة ثوب هروى وسط وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لها الخيار ان شاءت أخذت الثوب بعينه وان شاءت طالبت الزوج بقيمة ثوب هروي وسط لان العقد أضيف إلى عين ذلك الثوب ولكنها وجدته على خلاف شرطها فلها الخيار كما لو وجدته معيبا ولكنا نقول المشار إليه ليس من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمسمى دون المشار إليه وهو أصل معروف نقرره في موضعه ان شاء الله
[ 80 ] تعالى ولو تزوجها على ثوب هروي بغير عينه ولم يبين الصفة فان أتاها بالثوب أجبرت على القبول وان أتاها بالقيمة أجبرت أيضا بمنزلة العبد المطلق لان الثوب الذى هو غير موصوف لا تثبت عينه في الذمة ثبوتا صحيحا وانما صحت هذه التسمية باعتبار المالية والثوب في ذلك وقيمته سواء وان بين صفة هذا الثوب قول زفر رحمه الله تعالى تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ذكر الاجل مع ذلك لم تجبر على قبول القيمة وان لم يذكر الاجل أجبرت عليه لان الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا الا مؤجلا الا ترى انه لا يجوز استقراضها ويجوز السلم فيها لان القرض لا يكون الا حالا والسلم لا يكون الا مؤجلا فعند ذكر الاجل يثبت الثوب دينا ثبوتا صحيحا فلا تجبر على قبول القيمة وعند عدم ذكر الاجل لا يثبت ثبوتا صحيحا وزفر رحمه الله تعالى يقول الثوب يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا لان بالمبالغة في ذكر وصفه يلتحق بذوات الامثال ولهذا يجوز السلم فيه واشتراط الاجل هناك من حكم السلم لا من حكم ثبوت الثياب دينا في الذمة فيستوى في هذا ان ذكر الاجل أو لم يذكر ولكنا نقول لو باع عبدا بثياب موصوفة في الذمة لا يجوز الا مؤجلا وان لم يكن العقد سلما فعرفنا ان الثياب لا تثبت دينا ثبوتا صحيحا الا مؤجلا (قال) فان تزوجها على مكيل أو موزون فان سمى جنسه وصفته ومقداره لم تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها لان المكيل والموزون يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا حالا كان أو مؤجلا بدليل جواز استقراضها والسلم فيها فان لم يذكر الصفة ففي ظاهر الرواية إذا أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لانها بتسمية الجنس بدون الصفة لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها لا تجبر على قبول القيمة لان التسمية متى صحت بذكر الجنس تعين الوسط من ذلك الجنس كما في العبد والثوب الهروي فما تعين من الوصف شرعا يكون كالمذكور نصا فلا تجبر على قبول القيمة (قال) فان تزوجها على دراهم أو شئ من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم فانه يكمل لها عشرة دراهم عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها ما سمى والاصل عنده أن كل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح صداقا في النكاح وعندنا أدنى المهر عشرة دراهم من الفضة أو مما تكون الفضة فيه غالبة على الغش واستدل بقوله ﷺ المهر جائز قليله وكثيره وفي رواية المهر ما تراضى عليه الاهلون وفي رواية من استحل بدرهم فقد استحل وروى أن امرأة
[ 81 ] عرضت نفسها على رسول الله ﷺ فلم ير فيها رغبة فقال مالى حاجة إلى النساء فقالت زوجنى ممن شئت فقام رجل فقال زوجها منى فقال ماذا تصدقها فقال ازارى هذه فقال إذا قعدت ولا ازار لك التمس ولو بفلس التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فقال هل تحسن شيئا من القرآن فقال نعم سورة كذا فقال زوجتكها بما عندك من القرآن فهذه الآثار تدل على أن المهر لا يتقدر بشئ وكذلك في الكتاب الشرط هو المال المطلق قال الله تعالى ان تبتغوا بأموالكم فتقييد ذلك المال بالعشرة يكون زيادة على النص وحجتنا في ذلك حديث جابر رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال ألا لا يزوج النساء الا الاولياء ولا يزوجن الا من الاكفاء ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه ان النبي ﷺ قالا لا قطع في أقل من عشرة دراهم ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي الكتاب قال بلغنا ذلك عن علي وابن عمر وعائشة وعامر وابراهيم رضوان الله عليهم أجمعين والمعنى فيه أنه يدل في عقد لم يجعل ايجاب أصله إلى المتعاقدين فيكون مقدرا شرعا كالدية وبيان ذلك أن النكاح لا ينعقد صحيحا الا موجبا للعوض اما في الحال أو في الثاني على ما بينا وانما كان اشتراط العوض فيه شرعا لاظهار خطر البضع ولا يحصل هذا المقصود بأصل المالية فاسم المال يتناول الخطير والحقير وانما يحصل اظهار الخطر بمال مقدر واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزاجهم والبضع من وجه في حكم النفوس حتى لا يسقط حكم الفعل فيه بالبدل ولان الوطئ سبب لاعلاق النفس وإذا كان بغير ملك يضيع لانعدام من ينفق عليه فكان الخطر هنا في معنى الخطر في النفوس والمال الذي هو بدل عن النفوس مقدر شرعا وهو الدية وهذا لان كل مال أوجبه الشرع تولى بيان مقداره كالزكاة وغيرها فكذا الصداق مما أوجبه الشرع فيكون مقدرا شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم الآية معناه ما قدرنا فان الفرض عبارة عن التقدير وعلى هذا نصاب السرقة يدخله التقدير بالاتفاق لانه يستباح به ما لا يستباح بالبدل فكذلك الصداق وتأويل الآثار المروية فيما يعجله لها باليد ألا ترى أنه أمر ذلك الرجل بالالتماس والصداق يمكن اثباته في الذمة فعرفنا أن المراد ما يعجله لها باليد وذلك غير مقدر شرعا عندنا وإذا ثبت هذا فنقول إذا تزوجها على خمسة دراهم فلها عشرة دراهم استحسانا في قول علمائنا الثلاثة ان دخل بها أو مات
[ 82 ] عنها وان طلقها قبل الدخول بها فلها خمسة وفي القياس لها مهر مثلها ان دخل بها والمتعة ان طلقها قبل الدخول بها وهو قول زفر رحمه الله تعالى وجه القياس انه سمى مالا يصلح أن يكون صداقا لها شرعا فيكون بمنزلة ما لو سمى لها خمرا أو خنزيرا وللاستحسان وجهان (أحدهما) أن العشرة في كونها صداقا لا تتجزى وذكر بعض مالا يتجزى كذكر كله كما لو تزوج نصفها صح النكاح في الكل جميعا (والثاني) أن الامهار إلى تمام العشرة حق الشرع وما زاد على ذلك حقها فإذا رضيت بالخمسة فقد أسقطت ما هو حقها وبعض ما هو حق الشرع فيعمل اسقاطها فيما هو حقها وهو الزيادة على العشرة ولا يعمل في حق الشرع وعلى هذا لو تزوجها على ثوب يساوى خمسة فلها الثوب وخمسة دراهم وان طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف وانما تعتبر قيمة الثوب يوم تزوجها عليه وكذلك ان سمى لها مكيلا أو موزونا لان تقدير المهر واعتباره عند العقد. ووروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى في الثوب تعتبر قيمته يوم القبض وفي المكيل والموزون يوم العقد لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا بنفس العقد والثوب لا يثبت ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلهذا يعتبر قيمته وقت القبض (قال) وإذا تزوجها على غير مهر مسمى ثم طلقها قبل الدخول فلها المتعة لقوله تعالى ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء إلى قوله ومتعوهن وأدنى المتعة درع وخمار وملحفة هكذا روى عن ابن عباس وعائشة رضى الله تعالى عنهما أن المتعة ثلاثة أثواب لان المرأة تصلى في ثلاثة أثواب وتخرج في ثلاثة أثواب عادة فيكون ذلك متعة لها تذكرة من الزوج إذا فارقها قبل أن يدخل بها وعند الشافعي رحمه الله تعالى المتعة شئ نفيس من ثوب أو خادم أو فرس أو نحو ذلك الا أن يكون مهر مثلها أقل من قيمة المتعة فحينئذ يكون لها نصف مهر مثلها لا ينقص من خمسة دراهم عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها المتعة ولا معتبر بمهر المثل لانه سقط بالطلاق قبل الدخول فلا معنى لاعتباره بعد ذلك ولكنا نقول النكاح الذى فيه تسمية في حكم الصداق أقوى مما لا تسمية فيه فإذا كان في العقد الذي فيه التسمية لا يجب لها بالطلاق أكثر من نصف ما كان واجبا قبله فكذلك في النكاح الذى لا تسمية فيه وقد كان الواجب قبل الطلاق مهر المثل فلا تزاد المتعة على نصف مهر المثل وان كانا سواء فالواجب هو المتعة لانها فريضة في كتاب الله تعالى فعند المساواة تترجح المتعة (قال) ولو تزوجها على ما في بطن جاريته أو على ما في
[ 83 ] بطن أغنامه لم تصح التسمية لان شرط صحة التسمية كون المسمى مالا وما في البطن ليس بمال متقوم وهذا بخلاف الخلغ فانه لو خالعها على ما في بطن جاريتها صحت التسمية لان ما في البطن بعرض أن يصير مالا بالانفصال واحد العوضين في الخلع يحتمل الاضافة وهو الطلاق فالعوض الآخر كذلك يحتمل الاضافة فإذا سمي ما في البطن فكأنه اضاف التسمية إلى ما بعد الانفصال وفي النكاح أحد العوضين لا يحتمل الاضافة فالعوض الآخر كذلك والمسمى في الحال ليس بمال فكان لها مهر مثلها وكذلك لو تزوجها على ما تحمل نخله أو تخرج أرضه العام أو على ما يكتسب غلامه لان المسمى معدوم وتأثير العدم أبلغ من تأثير الجهالة فإذا كان لا يصح تسمية مجهول الجنس كالثوب والدابة فتسمية المعدوم أولى ان لا تصح (قال) ولو تزوجها على عبد بعينه فوجدته حرا فلها مهر مثلها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الاول وفي قوله الآخر قيمة ذلك الشخص أن لو كان عبدا وكذلك لو تزوجها على هذه الشاة المذبوحة فإذا هي ميتة أو تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لها مهر مثلها وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لها مثل ذلك الدن من خل وسط أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول سمى لها في العقد مالا وهو العبد والذكية والخل فصحت التسمية ثم تعذر تسليم المسمى بما ظهر فتجب القيمة فيما لس من ذوات الامثال والمثل فيما هو من ذوات الامثال كما لو تعذر تسليم المسمى بالهلاك في يد الزوج وهذا لانه حين ظهر حرا فقد استحق نفسه فيجعل كاستحقاق الغير اياه ولو تزوجها على عبد فاستحق كان لها قيمته فكذلك إذا استحق نفسه بالحرية وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الاصل ان الاشارة والتسمية إذا اجتمعتا فان كان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق العقد بالمشار إليه وان كان من غير جنس المسمى يتعلق العقد بالمسمى الا ترى انه لو اشترى فصا على انه ياقوت فإذا هو زجاج كان البيع باطلا لان المشار إليه من غير جنس المسمى فيتعلق العقد بالمسمى والمسمى معدوم وبيع المعدوم باطل ولو اشترى فصا على انه ياقوت أحمر فإذا هو ياقوت أصفر جاز البيع لان المشار إليه من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمشار إليه لان الاشارة أبلغ في التعريف لانها تقطع الشركة من كلا وجه إذا عرفنا هذا فنقول الحر والعبد جنس واحد فان الآدمي باعتبار الاصل حر ثم يعترض الرق فيه والاعتاق اتلاف لذلك الرق العارض
[ 84 ] فلا يوجب تبديل الجنس واختلاف الجنس اما باختلاف الاصل أو الهيئة أو المقصود وذلك لا يوجد بين الاحرار والعبيد فإذا اتحد الجنس تعلق العقد بالمشار إليه وهو الحر دون المسمى والمشار إليه ليس بمال فلا يصح تسميته بخلاف عبد الغير فانه مال متقوم وان كان لا يقدر على تسليمه وعلى هذه الذكية والميتة فان الجنس واحد فيتعلق العقد بالمشار إليه فاما محمد رحمه الله تعالى في الخمر والخل قال هما جنسان مختلفان لان المقصود منهما يختلف وكذلك الخل قط لا يصير في مثل حال الخمر والخمر اسم لعين حرام والخل اسم لمطعوم حلال فكانا جنسين فيتعلق العقد بالمسمى والمسمى هو الخل فلهذا كان لها مثل ذلك الدن من الخل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الخل والخمر جنس واحد فان الاصل واحد والهيئة واحدة وهذه أوصاف تعترض على العين فلا توجب تبديل الجنس كالصغر والكبر في الآدمى فان الحلاوة في العصير بمنزلة الحلاوة التي تكون في الصغر ثم الشدة في الخمر بمنزلة الحدة والقوة التي تكون في الشباب في الحموضة في الخل بمنزلة حال الشيخوخة فكما ان بتبدل الاحوال لا يختلف جنس الآدمى فكذلك بتبدل الاحوال في العصير فإذا كان الجنس واحدا تعلق العقد بالمشار إليه والمشار إليه ليس بمال فلهذا كان لها مثلها (قال) فان تزوجها على أمة فولدت عنده ثم مات ولدها فليس على الزوج في الولد ضمان لانه لم يصنع في الولد شيئا ولا يكون حاله أعلى من حال ولد المغصوبة ولكن لها الامة ان دخل بها ولا خيار لها ان كان نقصان الولادة يسيرا كما لو تعببت في يد الزوج بعيب يسير سوى نقصان الولادة وان كان النقصان فاحشا فلها الخيار ان شاءت أخذت الجارية ولا يضمن الزوج شيئا من النقصان وان شاءت أخذت قيمتها يوم تزوجها عليها لان نقصان الولادة كالعيب السماوي وقد كان الولد جابرا لذلك النقصان فأما إذا مات الولد ظهر النقصان لانعدام ما يجبره وقد بينا ثبوت الخيار لها في العيب السماوي بهذه الصفة وان كان الزوج قتل الولد ضمن لها قيمته لانه كان أمانة في يده فيضمنه بالاتلاف فان كان في قيمته وفاء نقصان الولادة لم يضمن نقصان الولادة لان قيمة الولد قائمة مقام الولد فيكون جابرا للنقصان وان لم يكن فيها وفاء فعليه تمام ذلك به أجاب في الكتاب وهو غلط فقد بين في الابتداء أن الزوج لا يضمن نقصان الولادة عند موت الولد فكذلك لا يضمن ما زاد على قيمة الولد من قدر النقصان ولكنه إذا كان يسيرا فلا خيار لها وان كان فاحشا فلها الخيار كما بينا (قال) وإذا أخذت المرأة
[ 85 ] رهنا بصداقها وقيمته مثل الصداق فهلك عندها فهو كما فيه لان دين الصداق يستوفي كسائر الديون والرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم الاستيفاء به عند هلاك الرهن قال ﷺ الرهن بما فيه فصارت عند هلاك الرهن مستوفية لصداقها بمنزلة ما لو استوفت حقيقة فان طلقها قبل أن يدخل بها ضمنها نصف الصداق كما لو كانت استوفت حقيقة وان كان هلاك الرهن بعد الطلاق فلا ضمان عليها في ذلك لان بالطلاق قبل الدخول سقط نصف الصداق من غير عوض غرمه الزوج ولو سقط الكل بابرائها خرج الرهن من أن يكون مضمونا في الكل فكذلك إذا سقط النصف فانما يبقى ضمان الرهن بما بقى وعند هلاكه انما صارت مستوفية لما بقى فلهذا لا تغرم له شيئا بخلاف الاول فان عند هلاك الرهن كان جميع الصداق واجبا هناك فصارت مستوفية للكل فلهذا لزمها رد النصف بعد الطلاق (قال) ولو لم يكن في النكاح تسمية ورهن عندها بمهر المثل رهنا صح الرهن لان مهر المثل كالمسمى في كونه دينا واجب الاستيفاء فان هلك الرهن وفي قيمته وفاء بمهر المثل صارت مستوفية وان طلقها قبل أن يدخل بها فعليها أن ترد ما زاد على قدر المتعة لان قدر المتعة هنا كنصف المسمى هناك فعليها أن ترد ما زاد على ذلك وان طلقها قبل الدخول بها والرهن قائم فليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر وهو القياس وفي قوله الاول وهو الاستحسان وهو قول محمد رحمه الله تعالى لها أن تحبس الرهن بالمتعة لوجهين (أحدهما) أن المتعة بمنزلة جزء من أجزاء مهر المثل ألا ترى أن في النكاح الذي فيه التسمية ما يجب بعد الطلاق جزء مما كان فيه فكذا في النكاح الذي لا تسمية فيه وهذا لان الطلاق مسقط فلا يصلح أن يكون موجبا فعرفنا أن ما بقى بعض ما كان واجبا قبل الطلاق والرهن بالدين يكون محبوسا بكل جزء منه (والثاني) أن المتعة خلف عن مهر المثل لانه يجب عند سقوط مهر المثل بالسبب الذي كان يجب به مهر المثل وهو النكاح وهذا هو حد الاصل والخلف ثم الرهن بالشئ يكون محبوسا بما هو خلف عنه كالرهن بالعين المغصوبة يكون محبوسا بقيمتها ووجه قوله الآخر ان المتعة دين حادث سوى مهر المثل والمحبوس بدين لا يكون محبوسا بدين اخر سواه والدليل على أنه من خلاف جنس مهر المثل فان المتعة ثياب ومهر المثل من النقود ولان مهر المثل قيمة بضعها والمتعة تذكرة لها ولا يلتقيان بحال فان مهر المثل يجب في حال قيام النكاح والمتعة تجب بعد
[ 86 ] ارتفاع النكاح والدليل عليه ان الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة فإذا ثبت انهما دينان مختلفان لم يكن الرهن بأحدهما محبوسا بالآخر فإذا هلك الرهن في يدها قبل أن تمنعه لم يكن عليها ضمان ولكنها في قوله الاول تصير متسوفية للمتعة وفي قوله الآخر لا تصير مستوفية فلها أن تطالب الزوج بالمتعة وان منعت الرهن على الزوج بعد مطالبته حتى هلك ففي قوله الاول لا ضمان عليها لانها حبسته لحق وفي قوله الآخر هي ضامنة للزوج قيمة المرهون لانها حبسته بغير حق فصارت غاصبة ضامنة (قال) فان تزوجها على غير مهر مسمى ثم فرض لها بعد العقد دارا فلا شفعة للشفيع فيها لان الفرض بعد العقد تقدير مهر المثل ومهر المثل بدل البضع فلا شفعة فيه ولهذا لو طلقها قبل الدخول بها كان عليها أن ترد الدار وترجع على الزوج بالمتعة وان كان سمى في العقد مهرا ثم باعها داره به كان للشفيع فيها الشفعة لانها ملكت الدار شراء بالمهر ولو طلقها قبل ان يدخل بها كانت الدار سالمة لها لان الشراء لا يبطل بالطلاق ولكنها ترد نصف المسمى على الزوج لانها صارت مستوفية للصداق بالشراء (قال) ولو تزوجها على أن يشترى لها هذه الدار ويعطيها اياها مهرا أو قال أتزوجك على هذه الدار عل أن أشتريها فاسلمها اليك كان لها ان تأخذه بذلك لانه شرط لها ذلك والوفاء بالشرط واجب فان عجز عن ذلك فعليه قيمة الدار لها وان طلقها قبل الدخول فلها نصف القيمة لان التسمية صحيحة فان المسمى مال وان كان الزوج عاجزا عن تسليمه وقت العقد لان القدرة على تسليم الصداق لا تشترط لصحة التسمية فان القدرة على التسليم فيما يقابل الصداق ليس بشرط لصحة العقد ولكن شرط صحة العقد فيه صفة الحل فكذا في الصداق شرط صحة التسمية صفة المالية وقد وجد فإذا تحقق عجزه عن تسليم المسمى تلزمه قيمته وهذا بخلاف الكتابة فانه لو كاتب عبده على عبد الغير فانه لا يجوز على الرواية التي تجوز الكتابة على العين لان عقد الكتابة كالبيع من حيث أنه يحتمل الفسخ ولا يصح الا بتسمية البدل فكما أن العجز عن التسليم في البيع يمنع صحة العقد فكذا في الكتابة (قال) وان تزوجها على دار فاستحق نصفها خيرت في النصف الباقي لان التشقيص في الاملاك المجتمعة عيب فاحش فان نصف الدار لا يشترى بنصف ما يشترى به جميع الدار عادة وقد بينا أن ما لا يدخل تحت تقويم المقومين فهو عيب فاحش فان شاءت ردت النصف الباقي بالعيب ورجعت بجميع قيمة الدار وان شاءت أمسكت ورجعت بنصف قيمة الدار وان طلقها قبل الدخول
[ 87 ] كان لها النصف الذى في يدها لان حقها بعد الطلاق في نصف الدار ونصف الدار وسالم لها فلا ترجع بشئ آخر عليه (قال) ولو تزوجها على مهر مسمى ثم زاد فيه جازت الزيادة ان دخل بها أو مات عنها الا على قول زفر رحمه الله تعالى أصله الزيادة في الثمن بعد العقد وهي مسألة البيوع ودليلنا لجواز الزيادة هنا قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة معناه من فريضة بعد الفريضة ولو طلقها قبل الدخول بها بطلت الزيادة الا في قول أبي يوسف الاول وقد بيناه (قال) وإذا تزوجها على مهر في السر وسمع في العلانية بأكثر منه يؤخذ بالعلانية وهذا على وجهين ان كانا تواضعا في السر على مهر ثم تعاقدا في العلانية بأكثر منه فالمهر مهر العلانية لان تلك المواضعة ما كانت لازمة وجعل ما عقدا عليه في العلانية بمنزلة الزيادة في مهرها الا ان يكون أشهد عليها أو على وليها الذي زوجها منه ان المهر هو الذى في السر والعلانية سمعة فحينئذ المهر ما سمى لها في السر لانهما في الاشهاد أظهرا أن مرادهما الهزل بالزيادة على مهر السر والهزل ببعض المسمى مانع من الوجوب الا على قول ابن أبى ليلي رحمه الله تعالى فانه يقول كما لا يعمل الهزل في جانب المنكوحة فكذلك في جانب الصداق فيكون مهرها مهر العلانية فاما إذا تعاقدا في السر بألف وأشهدا انهما يجددان العقد بالفين سمعة فالمهر هو الاول لان العقد الثاني بعد الاول لغو وبالاشهاد علمنا انهما قصدا الهزل بما سمعا فيه وان لم يشهدا في ذلك فالذي أشار إليه في الكتاب ان المهر هو مهر العلانية ويكون هذا منه زيادة لها في المهر قالوا وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فاما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى المهر هو الاول لان العقد الثاني لغو فما ذكر فيه من الزيادة أيضا يلغو وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أصل العقد الثاني وان صار لغوا فما ذكر فيه من الزيادة يكون معتبرا بمنزلة من قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني فانه لما لغى صريح كلامه عندهما لم يعتق العبد وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان لغي صريح كلامه في حكم النسب بقى معتبرا في حق العتق (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم على ان ردت عليه عبدا فهو جائز لانها بذلت شيئين بازاء الالف البضع والعبد فيقسم الالف على قيمة العبد ومهر مثلها فما أصاب العبد يكون شراء حتى إذا مات العبد قبل التسليم أو وجد الزوج به عيبا فرده بطل ذلك القدر وما أصاب مهر المثل فهو صداق لها حتى إذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف ذلك (قال) وان تزوجها على أبيها وقيمته ألف درهم على أن ردت عليه أمة
[ 88 ] قيمتها الفان جاز ذلك وعتق الاب قبضته أو لم تقبضه لان الاب مقسوم على مهر مثلها وعلى قيمة الامة فما يخص قيمة الامة تكون مشترية له بالامة وما يخص مهر المثل يكون صداقا لها وكلا السببين يوجب الملك بنفسه فإذا ملكت الاب عتق عليها ثم إذا طلقها قبل الدخول فعليها رد نصف ما يخص مهر المثل من قيمة أبيها لانها صارت قابضة للاب بالعتق وحصة الصداق منه تتنصف بالطلاق وقد عجزت عن رده فعليها رد نصف قيمة ذلك (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم على أن ترد عليه ألف درهم فلها مهر مثلها بمنزلة مالو لم يسم لها مهرا لان الالف المذكورة بمقابلة الالف المشروطة عليها فان الاموال الربوية متى قوبلت بجنسها يكون الجنس بمقابلة المثل لان المقابلة باعتبار المالية والمالية مع القدرة لا تتفاوت فإذا صارت الالف بمقابلة الالف بقى النكاح بغير تسمية المهر فلها مهر مثلها (قال) وان تزوجها على ألف على أن ترد عليه مائة دينار جاز وتقسم الالف على مائة دينار وعلى مهر مثلها فما أصاب الدنانير يكون صرفا فيشترط فيه التقابض في المجلس وما يخص مهر المثل يكون صداقا فإذا طلقها قبل الدخول ردت نصف ذلك على الزوج ان كانت قبضت الالف وهذا لان المقابلة هنا بخلاف الجنس وعند اختلاف الجنس المقابلة باعتبار القيمة لان الجودة لها قيمة في هذه الحالة والدنانير في حكم المقابلة كالعروض ولو تفرقا قبل التقابض بطلت حصة الدنانير من الدراهم لوجود الافتراق قبل القبض في عقد الصرف وفي هذه الوجوه ان كانت حصة مهر المثل من الالف أقل من عشرة يكمل لها عشرة كما لو تزوجها على ذلك القدر ولو تزوجها على ألف درهم وعلى أن يطلق امرأته فلانة وعلى أن ردت عليه عبدا فنقول المرأة بذلت شيئين البضع والعبد والزوج بذل الالف وشرط الطلاق في ضرتها فيقسم الالف على مهر مثلها وعلى قيمة العبد فان كانا سواء صار نصف الالف ثمنا للعبد ونصف الالف صداق لها فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف ذلك وان دخل نظر فان كان مهر مثلها خمسمائة أو أقل فليس لها الا ذلك وان كان مهر مثلها مثلها أكثر من ذلك فان وفي بالشرط بأن طلق امرأته فلانة فليس لها الا الخمسمائة وان أبى أن يطلق لم يجبر على ذلك لانه شرط الطلاق وايقاع الطلاق لا يصح التزامه في الذمة فلا يلزمه بالشرط شئ ولكن لها كمال مهر مثلها لان لها في طلاق ضرتها منفعة فانما رضيت بدون مهر مثلها بشرط أن تسلم لها هذه المنفعة فإذا لم تسلم كان لها كمال مهر مثلها (قال) ولو كان تزوجها على ألف درهم
[ 89 ] وعلى طلاق فلانة على أن ردت عليه عبدا فهنا يقع الطلاق بنفس العقد بخلاف الاول لان هناك شرط أن يطلق فما لم يطلق لم يقع وهنا أوجب الطلاق بالعقد عوضا والعوض يثبت بنفس العقد فلهذا يقع الطلاق هنا والزوج بذل شيئين الالف والطلاق والمرأة بذلت شيئين البضع والعبد والشيئان متى قوبلا بشيئين ينقسم كل واحد منهما على الاخرين فإذا كان مهر المثل وقيمة العبد سواء كان نصف الالف ونصف الطلاق بمقابلة العبد ثمنا ونصف الالف ونصف الطلاق صداق لها فإذا طلقها قبل الدخول بها كان لها مائتان وخمسون والطلاق الواقع على الضرة بائن لان بمقابلة الطلاق نصف العبد ونصف البضع فكان الطلاق بجعل فيكون بائنا وان لم يكن الجعل مشروطا على المطلقة وانما جعلنا نصف العبد ونصف البضع بمقابلة الطلاق لان المجهول إذا ضم إلى المعلوم فالانقسام باعتبار الذات دون القيمة وان استحق العبد أو هلك قبل التسليم رجع بحصة خمسمائة حصة العبد لما قلنا وتتنصف قيمة العبد أيضا لان نصف العبد بمقابلة نصف الطلاق واستحقاق الجعل أو هلاكه قبل التسليم يوجب قيمته على من كان ملتزما تسلميه فلهذا رجع بقيمة ذلك النصف (قال) ولو تزوجها على ألف درهم وعلى ان يطلق فلانة فأبى أن يطلقها فلها كمال مهر مثلها عندنا لانها انما رضيت بالالف باعتبار منفعة طلاق الضرة فإذا لم يسلم لها ذلك فلها كمال مهر مثلها كما لو تزوجها على ألف وكرامتها أو يهدى إليها هدية وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ان شرط لها مع الالف ما هو مال كالهدية والكرامة فكذلك الجواب وان شرط ما ليس بمال كطلاق الضرة فليس لها الا الالف لان المال يتقوم بالاتلاف فكذلك يمنع التسليم إذا شرط لها في العقد فأما الطلاق ونحوه لا يتقوم بالاتلاف فكذا لا يتقوم بمنع التسليم ولكنا نقول لا نوجب الزيادة باعتبار تقوم ما شرط لها ولكن لانعدام رضاها بالالف بدون المنفعة المشروطة (قال) ولو تزوجها على خمر أو خنزير وهما مسلمان كان لها مهر مثلها عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى النكاح فاسد لان تسمية الخمر والخنزير يمنع وجوب عوض آخر ولا يمكن ايجاب الخمر بالعقد على المسلم فكان باطلا كما لو باع عبدا بخمر ولكنا نقول هما شرطا قبول الخمر وهو شرط فاسد الا أن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة وشرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالا فإذا لم يكن بطلت التسمية فكأنه لم يسم لها عوضا فلهذا كان لها مهر مثلها وهكذا نقول في البيع أنه يصير كانه لم يسم ثمنا والبيع يفسد عند عدم تسمية الثمن (قال) ولو تزوجها على الف وعلى ارطال
[ 90 ] معلومة من خمر فليس لها سوى الالف لان تسمية الخمر والسكوت عنها سواء كما قلنا وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا تزوجها على هذا الدن من الخمر وقيمة الدن عشرة دراهم فلها الدن دون الخمر لان الدن متقوم فيصير كانه سمى لها الخمر مع العشرة وفي رواية أخرى أن لها مهر مثلها لان المقصود بهذه التسمية المظروف دون الظرف والمظروف ليس بمال (قال) ولو تزوجها على هذا الخمر فإذا هو خل أو على هذا الحر فإذا هو عبد فعلى رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لها المشار إليه وروى محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن لها مهر مثلها لانه صرح بتسمية ما ليس بمال والاصح رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى لما بينا فيما سبق ان عنده إذا كان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق الحكم بالمشار إليه والمشار إليه مال متقوم (قال) ولو تزوجها على ألف درهم ان لم يكن له امرأة وعلى ألفى درهم ان كانت له امرأة أو على ألف درهم ان لم يخرجها من الكوفة وعلى ألفين أن أخرجها أو قدم شرط الالفين في الفصلين فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى المذكور أولا صحيح في الوجهين والثانى فاسد حتى إذا طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المذكور أولا وان دخل بها فان وفى بالشرط فلها الالف وان لم يوف لها بالشرط فلها مهر مثلها لا يجاوز بها ألفى درهم لانها رضيت بالالف باعتبار منفعة مشروطة فإذا لم تنل ذلك كان لها مهر مثلها ولكنها رضيت بالالفين بيقين فلهذا الا يجاوز به ألفين وانما جوز الشرط الاول دون الثاني لان موجب العقد مع بقائه قد تم بذكر الشرط الاول واستقر بذلك فبذكر الشرط الثاني قصد تغير موجب العقد مع بقائه فلا يكون ذلك صحيحا وعند أبى يوسف ومحمد رحمها الله تعالى الشرطان جائزان على ما اشترطا وعند زفر رحمه الله تعالى الشرطان فاسدان فيكون لها مهر مثلها لا ينقص عن الالف ولا يزاد عن الالفين وأصل المسألة في كتاب الاجارات إذا دفع إلى خياط ثوبا وقال ان خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم وسنبينها ثمة مع نظائرها ان شاء الله تعالى (قال) وان تزوجها على ألف وكرامتها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الالف لان مهر المثل سقط بالطلاق قبل الدخول واشتراط الزيادة المجهولة انما كان معتبرا في حال قيام العقد لا يجاب مهر المثل بقوله وقد سقط مهر المثل بالطلاق فكان لها نصف الالف كما لو لم يشترط تلك الزيادة أصلا (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم أو ألفين فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يحكم مهر المثل فان كان مهر مثلها ألفا أو أقل فلها الالف وان
[ 91 ]
[عدل]كان ألفين أو أكثر فلها ألفان وان كان أكثر من ألف وأقل من ألفين فلها مهر مثلها وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لها الالف في الوجوه كلها وحجتهما ذلك أن تسمية المال في النكاح منفصل عن العقد بدليل أنه لا يتوقف العقد على ذكره فكان ذلك بمنزلة التزام المال من غير عقد فانما يجب القدر المتيقن به كمن أقر لانسان بألف أو ألفين ولان النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه والتخيير بين الالف والالفين فيه لا يمنع صحة العقد فكان قياس الطلاق بمال والعتق بمال وهناك إذا سمى الالف أو الالفين يجب القدر المتيقن به ولا وجه إلى الرجوع إلى مهر المثل لانه موجب نكاح لا تسمية فيه وبالتخيير لا تنعدم التسمية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول النكاح عقد يستحق فيه التسليم والتسلم فالتخيير في المسمى فيه بين الاقل والاكثر يمنع صحة التسمية كالبيع بخلاف الطلاق والعتاق فانه لا يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم الا أن في البيع انعدام التسمية يمنع صحة البيع فكذا جهالة المسمى بخلاف النكاح وهذا لان هذه الجهالة كجهالة مهر المثل أو أقوى منها فانه متردد بين أجناس مختلفة تارة وبين المقادير المختلفة تارة ومثل هذه الجهالة يمنع صحة التسمية فإذا لم تصح التسمية يصار إلى الموجب الاصلى وهو مهر المثل وبه فارق الطلاق والعتاق لانه لا موجب لذلك العقد في الاصل حتى لا يجب شئ عند عدم ذكر البدل فلهذا أوجبنا الاقل وبخلاف الاقرار لان المال المقر به ليس بعوض فلو عينا الاقل لا يكون فيه بخس لحق المقر له وهنا الصداق عوض عما يستحق عليها وفي تعيين الاقل بخس لحقها والنظر واجب من الجانبين فحكمنا مهر المثل لهذا (قال) وكذا إذا تزوجها على هذا العبد الحبشى أو على هذا العبد الابيض فهو على ما بينا من تحكيم مهر المثل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ووجوب الاوكس لها عندها الا أن يعطى الزوج الافضل فحينئذ يجوز ذلك لانه تبرع عليها وهذا عندهما بمنزلة ما لو قال على أن أعطيك أيهما شئت ولو صرح بهذا كان له أن يعيطها أيهما شاء ان شرط المشيئة لنفسه وكان لها أن تأخذ أيهما شاءت ان شرط المشيئة لها ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول باشتراط الخيار لاحدهما تنعدم المنازعة بينها ويستبد من له الخيار بالتعيين فلهذا صحت التسمية وعند عدم شرط الخيار نتحقق المنازعة وليس الرجوع إلى قول أحدهما بأولى من الآخر فكانت التسمية فاسدة كما في البيع إذا باع أحد العبدين لا يجوز ولو سمى لكل