مبسوط السرخسي - الجزء الثاني و العشرون2
[ 84 ]
وانما قلنا ذلك لان من حكم المضاربة ان يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا يتحقق ذلك الا بان يخلى رب المال بينه وبين المال كالوديعة وإذا اشترط عمل نفسه معه تنعدم هذه التخلية لان المال في أيديهما يعملان فيه * يوضحه أن الماضربة فارقت الشركة في الاسم فينبغي أن تفارقها في الحكم وشرط العمل عليهما من حكم الشركة فلو جوزنا ذلك في المضاربة لاستوت الماضربة والشركة في العمل وشرط الربح فلا يبقى لاختصاص المضاربة بهذا الاسم فائدة وإذا أخرج الرجل من ماله ألف درهم وقال لرجل اعمل بهذه مضاربة فاشتر بها وبع على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان ولم يدفع إليه المال مضاربة فالمضاربة فاسدة لان المال غير مدفوع إلى المضارب وقد بينا أن من شرط المضاربة دفع المال إلى المضارب ليكون أمانة في يده فبقي هذا استئجارا على البيع والشراء باجرة مجهولة فإذا تصرف كان الربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله فيما عمل ولو دفع المال إليه على أن يعمل به المضارب وعبد رب المال على أن لرب المال نصف الربح وللمضارب والعبد نصف الربح فهذه مضاربة جائزة والربح على ما اشترطا سواء كان على العبد دين أولم يكن لان عبد رب المال في حكم المضاربة كعبد أجنبي اخر (ألا ترى) ان لرب المال ان يدفع ماله إليه مضاربة فما هو شرط المضاربة يوجد مع اشتراط عمل رب المال وهو التخلية بين المضارب والمال بخلاف شرط عمل رب المال فانه لا يدفع المال إلى نفسه مضاربة وهذا لان للعبد يدا معتبرة في كسبه وليست يده بيد رب المال فيتحقق خروج المال من يد رب المال مع اشتراط عمل عبده وإذا ثبت هذا في عبده فهو في مكاتبه وابنه وأبيه أظهر ولو اشترط أن يعمل معه شريك مفاوض لرب المال فالمضاربة فاسدة لان المفاوضين فيما بينهما من المال كشخص واحد فكل واحد منهما انما يستحق الربح الحاصل بعمل المضارب بملكه رأس المال فاشتراط عمل شريكه كاشتراط عمل نفسه لان بهذا الشرط تبقى المرابحة لمالك المالك مع المضارب في اليد فتنعدم به التخلية وان كان شركة عنان فان كان المال من شركتهما فالمضاربة فاسدة لان كل واحد منهما يستحق الربح بملكه بعض رأس المال وان لم يكن من شركتهما فهى مضاربة جائزة لان ما ليس من شركتهما ينزل كل واحد منهما من صاحبه منزلة الأجنبي (ألا ترى) أن لا حدهما أن يدفع إلى صاحبه مالا من غير شركتهما مضاربة وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير مضاربة إلى رجل على أن يعمل معه الاب بالمال
[ 85 ] على أن للمضارب ثلث الربح وللابن ثلثه وللاب ثلثه جاز على ما اشترطا وكذلك الوصي لان الاب أو لوصي لو أخذ مال الصبي مضاربة ليعمل فيه بنصف الربح جاز كما لو دفعه إلى أجنبي مضاربة وكل مال يجوز أن يكون الانسان فيه مضاربا وحده يجوز أن يكون مضاربا فيه مع غيره وهذا لانهما يستحقان الربح بالعمل لا بملك المال فكانا في ذلك كاجنبي آخر وما هو شرط المضاربة وهو كون المال أمانة في يد المضارب لا ينعدم بهذا لان يدهما بعد هذا الشرط يد المضارب على المال كيد المضارب الآخر ولو كان الاب اشتراط عمل الابن مع مضارب كانت المضاربة فاسدة لان الابن لا يجوز أن يكون مضاربا بالعمل في مال نفسه ولانه يستحق الربح بملك المال سواء كان الدافع هو أو أباه أو وصيه ولو كان الدافع هو بعد بلوغه وأباه أو وصيه وشرط عمل نفسه مع المضارب بطلت المضاربة فكذلك أبوه أو وصيه تم أجر مثل المضارب في عمله على الاب أو الوصي يؤديان ذلك من مال الابن لانه أجير في العمل فانما يطالب بالاجر من استأجره والاب استأجره للعمل للابن فيؤدى أجره من مال الابن وإذا دفع لى رجل مالا مضاربة بالنصف فرده المضارب على رب المال وأمره أن يشترى به ويبيع على المضاربة ففعل رب المال ذلك فربح ولم يل المضارب شيأ من العمل فهذه مضاربة جائزة لان رب المال معين للمضارب في اقامة العمل والمال في يده على سبيل البضاعة في حق المضارب ولو أبضعه غيره كان الربح بينهما على الشرط فكذلك إذا أبضعه رب المال وعلى قول زفر رحمه الله رده المال على رب المال نقض منه للمضاربة لان رأس المال في المضاربة من جانب العامل عمله ورب المال لا يجوز أن يكون عاملا في مال نفسه لغيره فكان ذلك بمنزلة نقض المضاربة ولكنا نقول منافع رب المال لم يتناولها عقد المضاربة كمنافع أجنبي آخر فكما يجوز اقامة عمل أجنبي آخر مقام عمل المضارب ما استعان به بعد فكذلك تجوز اقامة عمل رب المال من منزل المضارب بغير أمره فاشترى به وباع وربح فقد انتقضت المضاربة والربح كله لرب المال لان عمله هنا لا يمكن أن يجعل كعمل المضارب فانه ما استعان به (ألا ترى) انه لو فعل ذلك أجنبي آخر كان غاصبا عاملا لنفسه ضامنا لرب المال فإذا فعل رب المال ذلك كان عاملا لنفسه أيضا فانتقضت المضاربة لفوات العمل حقيقة وحكما بخلاف الاول على ما بينا وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها المضارب جارية وقبضها وأخذها رب المال وباعها بغير أمر المضارب فربح فيها جاز بيعه والربح على ما اشترطا
[ 86 ] ولايكون بيعه الجارية نقضا للمضاربة أما جواز البيع فلانه مالك للجارية قادر على تسليمها ثم قد بينا انه بعد ما صار المال عروضا لا يملك رب المال نقض المضاربة ومنع المضارب من التصرف فلا يكون بيعه نقضا للمضاربة أيضا بل يكون نظرا منه للمضارب ولنفسه فربما يخاف أن يفوته هذا المشترى لو انتظر حضور المضارب فاعانه في بيعها بخلاف الاول فان المال مادام نقدا في يده فهو متمكن من نقض المضاربة فيجعل اقدامه على الشراء نقضا للمضاربة يوضح الفرق ان استحقاق المضارب الربح باعتبار ضمانه الثمن بالشراء في ذمته فان ربح ما لم يضمن منهى عنه ولهذا لم تجز المضاربة بالعروض فإذا كان المضارب هو المشترى فقد تأكد به سبب استحقاقة لحصة من الربح إذا ظهر فلا يبطل ذلك بيع رب المال الجارية فاما قبل الشراء فلم يتأكد سبب بثوت الحق للمضارب في الربح إذا ظهر فلا يثبت ذلك بشراء رب المال قال باع رب المال الجارية بالفى درهم ثم اشترى بالفين جارية أخرى فباعها بأربعه آلاف درهم ضمن رب المال للمضارب خمسمائة درهم حصته من الربح على الجارية الاولى ولا حق له في ثمن الجارية الاخيرة لان ببيع الجارية الاولى صار المال نقدا في يد رب المال فهو بمنزلة ما لو كان نقدا قبل شراء المضارب الجارية بالمال وقد بينا هناك أن عمل رب المال في المال يكون لنفسه ويكون نقضا للمضاربة إذا عمل بغير أمر المضارب فهنا أيضا شراء الجارية الاخيرة بغير أمره لنفسه وقد نقد ثمنها حصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فيضمن له ذلك القدر وثمن الجارية الاخيرة كلها له لانه عمل لنفسه في ماله في شرائها وبيعها ولو كان المضارب دفع الجارية إلى رب المال وأمره أن يبيعها ويشترى بثمنها ويبيع على المضاربة جاز ما صنع على المضاربة وما ضاع في يد رب المال من ذلك ضاع من الربح لانه فيه بمنزلة أجنبي آخر استعان به المضارب في العمل فكما أن الاجنبي إذا استعان به المضارب يكون أمينا في المال وما يهلك في يده يجعل كاله الك في يد المضارب فكذلك رب المال ولو كان رب المال أخذ الجارية بغير أمر المضارب فباعها بغلام أو عرض أو شئ من المكيل والموزون يساوى ألف درهم وقبضها وباعها باربعة آلاف درهم فذلك كله على المضارب لان رب المال لا يتمكن من نقض المضاربة ما دام المال عروضا (ألا ترى) أنه لو نهى المضارب عن التصرف لا يعمل نهيه وان حوله المضارب من عرض إلى عرض لم يصر المال نقدا فكذلك لا تنتقض المضاربة بتحويل رب المال من عرض إلى عرض بغير أمر المضارب ولكنه فيما يباشر من التصرف بمنزلة الاجنبي يعقد
[ 87 ] للمضارب فجميع ما يحصل يكون على المضاربة ولو كان رب المال باع الجارية الاولى بمائتي دينار ثم اشترى بها جارية اخرى كان هذا بمنزلة بيعه لها بالدراهم والجارية الاخرى له دون المضارب لان الدراهم و الدنانير في حكم المضاربة كجنس واحد (ألا ترى) أنه بعد ما نهى المضارب عن التصرف لو صار المال في يده دنانير عمل نهى رب المال حتى لا يملك أن يشترى بها عرضا بمنزلة ما لو صار المال في يده دراهم فكذلك هنا لما صار المال في يد رب المال دنانير انتقضت المضاربة بمنزلة مالو صار دراهم فكان هو في شراء الجارية الاخيرة عاملا لنفسه والذى قلنا ان تأكيد السبب في حق المضارب بضمان الثمن بالشراء وذلك ينعدم في شراء رب المال بالدنانير كما ينعدم في شرائه بالدراهم بخلاف العروض وفي بيع المقابضة واحد من المتعاقدين لا يلتزم الا تسليم العين التى من جهته سواء كان المضارب هو المباشر لهذا العقد أو رب المال فالتزام تسليم العين يكون بصفة واحدة فلهذا كان العرض المشترى بمقابلة العرض على المضارب ولو لم يشتر بالدنانير جارية ولكنه اشترى بها ثلاثة آلاف درهم كانت على المضاربة يستوفى رب المال منها رأس ماله والباقى بينهما على الشرط لانه في هذا التصرف خاصة معين للمضارب (ألا ترى) أنه بعد مانهاه عن التصرف أو مات رب المال وبطلت المضاربة بموته يملك المضارب هذا التصرف ليحصل به جنس رأس المال فكذلك رب المال يكون معينا للمضارب في هذا التصرف والحاصل أن كل تصرف صار مستحقا للمضارب على وجه لا يملك رب المال منعه منه فرب المال في ذلك يكون معينا له سواء باشره بأمره أو بغير أمره وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع المضارب منه فهو في ذلك التصرف بغير أمر المضارب عامل لنفسه الا أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون معينا له وإذا دفع العبد المأذون إلى رجل مالا مضاربة فهو جائز لان هذا من صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار فان اشترط أن يعمل مولاه معه على أن للعبد نصف الربح وللمضارب ربعه وللمولى ربعه ولا دين على العبد فالمضاربة فاسدة لان المولى يستحق الربح هنا بملك المال فلا يجوز اشتراط عمله فيه وان كان الدافع عبده ولانه لا يجوز أن يكون هو مضاربا لعبده في عمله في المال هنا لو دفعه إليه وحده فلهذا كان اشتراط عمله مفسدا للعقد وان كان عليه دين جاز على ما اشترطوا لان عند أبى حنيفة رحمه الله المولى لا يملك كسب عبده المديون فيه انما يستحق الربح بعمله هنا لا بملك المال كأجنبي آخر وعندهما وان كان هو يملك كسب عبده الا أن حق
[ 88 ] الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى ويجوز أن يكون المولى مضاربا وحده في هذا المال لاعتبار حق الغرماء فكذلك يجوز اشتراط عمله مع المضارب ويكونان كالمضاربين في هذا المال ولو كان العبد اشترط عمل نفسه مع المضارب ولادين عليه فالمضاربة فاسدة لان العبد متصرف لنفسه بحكم انفكاك الحجر عنه فهو كالمالك في هذا المال ويده فيه يد نفسه فاشتراط عمله بعد التخلية بين المضارب والمال فلهذا فسدت المضاربة وللمضارب أجر مثل عمله على العبد لانه هو الذى استأجره للعمل ولو كان الدافع مكاتبا واشترط أن يعمل مولاه مع المضارب جاز لان المولى من كسب مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون وهو يجوز أن يكون مضاربا في هذا المال وحده فكذلك مع غيره فان عجز قبل العمل ولا دين عليه فسدت المضاربة لان المال صار مملوكا للمولي وصار بحيث يستحق ربحه بملكه المال وقد بينا أن الفساد الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد فلهذا فسدت المضاربة فان اشتريا بعد ذلك وباعا وربحا فالربح كله لرب المال والاجر للمضارب في عمله لان رب المال لم يستأجره للعمل والمكاتب بالعجز صار عبدا محجورا عليه واستئجار العبد المحجور عليه غيره للعمل في مال مولاه باطل واستئجار المكاتب لو كان صحيحا في حال الكتابة يبطل بعجزه فكيف يثبت حكم الاستئجار بعد عجزه موجبا للاجر عليه ولو كانا اشتريا بالمال جارية ثم عجز المكاتب فباعا الجارية بغلام ثم باعا الغلام بأربعة آلاف درهم فان المولى يستوفى منها رأس ماله وما بقى فهو بينهما على ما اشترطا لان عجز المكاتب هنا بمنزلة موته أو بمنزلة موت الحر والموت لا يبطل المضاربة ما دام المال عروضا وانما يبطل إذا صار المال نقدا فهنا كذلك ولو دفع مالا إلى رجل مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيه برأيه فدفعه المضارب إلى رجل آخر مضاربة على أن يعمل المضارب الاول معه وللمضارب الآخر ربع الربح وللاول ربعه ولرب المال نصفه فالمضاربة فاسدة لان المضارب الاول في عمله في المال بمنزلة المالك فاشتراط عمله يعدم التخلية بين المال وبين المضارب الآخر وذلك شرط صحة المضاربة الثانية والدليل عليه أن المضارب لا يعاقد نفسه في هذا المال عقد المضاربة وحده فكذلك لا يعاقد غيره على شرط عمله معه فان عملا فللآخر أجر مثله لانه أوفى عمله بعقد فاسد والربح بين الاول ورب المال على شرطهما والوضيعة على رب المال لان المضارب الآخر أجير للاول اجارة فاسدة ولو استأجره اجارة صحيحة للعمل في المال كان يعطى أجره من المال والربح بين المضارب ورب
[ 89 ] المال على الشرط فكذلك هنا فان دفعه المضارب الاول إلى رب المال مضاربة بالثلث فعمل به فربح أو وضع فانه يقسم على شرط المضاربة الاولى والمضاربة الاخيرة باطلة والمال في يد رب المال بمنزلة البضاعة وعلى قول زفر رحمه الله الثانية تنقض الاولى والربح كله لرب المال وعندنا رب المال في العمل معين للمضارب لان المضارب قد استعان به فيكون عمله كعمل المضارب والربح بينهما على الشرط ولا تصح المضاربة الاخيرة لان رب المال مالك للمال يستحق الربح باعتبار ملكه فلا يجوز ان يكون مضاربا فيه لان المضارب من يستحق الربح بعمله لا بملكه المال فالمضاربة الثانية لم تصادف محلا فكانت باطلة (ألا ترى) أن المضارب لو استأجر رب المال أن يشترى له ويبيع بعشرة دراهم في الشهر فاشترى له فربح أو وضع كان ما صنع من ذلك جائزا على المضارب ولا أجر له لانه عامل في مال نفسه فلا يستوجب على عمله أجرا بالشرط وبه تبين الفرق بينه وبين الاجنبي ولو دفعه المضارب إلى رجل مضاربة بالربع على أن يعمل هو ورب المال فعلا فالمضاربة الثانية فاسدة لان رب المال يستحق الربح بملكه المال ولايجوز أن يكون مضاربا في هذا المال وحده فاشتراط عمله بعدم التخلية فإذا فسدت المضاربة الثانية فللمضارب الآخر أجر مثله والربح بين الاول وبين رب المال على ما اشترطا والله أعلم * (باب الاختلاف بين المضارب ورب المال) * (قال رضى الله عنه) وإذا قال المضارب بعد حصول الربح شرطت لى نصف الربح وقال رب المال شرطت لك ثلث الربح فالقول قول رب المال مع يمينه لان الربح بما ملك رب المال وانما يستحقه المضارب بالشرط فهو يدعى الزيادة فيما شرط له ورب المال منكر فالقول قوله مع يمينه وان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لاثباته الزيادة في حقه ببينة وان قال رب المال لم أشترط لك الربح أو قال اشترطت لك مائة درهم من الربح وقال المضارب شرطت لي نصف الربح فالقول قول رب المال لانكاره استحقاق شئ من ربح ماله عليه و للمضارب أجر مثله فيما عمل أما في قوله شرطت لك مائة درهم فظاهر فالمضاربة بهذا الشرط تصير اجارة فاسدة وكذلك في قوله لم أشترط ربحا لانهما اتفقا على أن الدفع إليه كان بطريق المضاربة فإذا لم يبين نصيب المضارب كانت اجارة فاسدة وقد وفى العمل فاستحق
[ 90 ] أجر المثل ولو قال المضارب شرطت لى ثلث الربح وقال رب المال شرطت لك ثلث الربح وزيادة عشرة دراهم فالقول قول المضارب لانهما تصادقا على انه شرط له ثلث الربح ثم أقر رب المال بزيادة على ذلك لا يستحقها المضارب بل ليفسد العقد بها ويبطل استحقاق المضارب فهو متعنت في هذا فلا يقبل قوله ويجعل القول قول من يدعى جواز العقد لان الاصل في العقود الصحة وان أقاما البينة فالبينة بينة رب المال لانه يثبت ببينته زيادة الشرط المفسد للعقد فهو كما لو أثبت أحد المتعاقدين خيارا أو أجلا مجهولا بينة ولو قال رب المال شرطت لك ثلث الربح الا مائة وقال المضارب شرطت ثلث الربح فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى عليه زيادة فان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فالمضارب يدعى أن المشروط له ثلث كامل ورب المال ينكر ذلك والقول قول المنكر لانه غير متعنت في ذلك والبينة في هذا الفصل بينة المضارب لاثباته الزيادة في حقه بالبينة ولو وضع في المال فقال رب المال شرطت لك نصف الربح وقال المضارب شرطت لي مائه درهم أو دفعته إلى مضاربة ولم تشترط لي شيأ فلى أجر المثل فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى لنفسه دينا في ذمته وهو أجر المثل ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله فان أقام رب المال البينة أنه شرط له ثلث الربح وأقام المضارب البينة أنه لم يشترط له شيأ فالبينة بينة رب المال لانها قامت لاثبات شرط نصف الربح وبينة المضارب قامت على نفى الشرط والشهادة على النفى لا تقبل فلهذا كانت البينة بينة رب المال والقول قوله وان كان أقام المضارب البينة أنه شرط له ربح مائة درهم وأقام رب المال البينة انه شرط له نصف الربح فالبينة بينة المضارب لان البينتين استوتا في اثبات الشرط فرجحت بينة المضارب لانها تثبت دينا مضمونا في ذمة رب المال ولان المضارب هو المحتاج إلى البينة وذكر نظير هذه المسألة في المزارعة أن رب الارض والبذر إذا قال للعامل شرطت لك نصف الخارج وقال العالم شرطت لي مائة أقفزة من الخارج ولم يحصل الخارج وأقاما البينة فالبينة بينة رب الارض والبذر وأكثر مشايخنا رحمهم الله قالوا جوابه في كل واحد من الفصلين جواب في الفصل الآخر وفي المسئلتين روايتان. وجه هذه الرواية ما ذكرنا ووجه رواية المزارعة ان رب المال يثبت صحة العقد فترجح بينته لذلك وأصح الجوابين ما ذكر هنا قال الشيخ الامام الاجل رحمه الله والاصح عندي الفرق بين المضاربة والمزارعة لان عقد المزارعة يتعلق بها اللزوم (ألا ترى)
[ 91 ] انه ليس للعامل أن يمتنع من اقامة العمل فترجح فيه البينة المثبتة لصحة العقد لما فيها من الالزام وأما المضاربة فلا تكون لازمة فان للمضارب أن يمتنع من العمل ويفسخ العقد متى شاء فترجح هنا البينة التى فيها الزام وهى المثبتة للدين في ذمة رب المال وإذا ادعى المضارب انه شرط له نصف الربح أو شرط له مائة درهم وقال رب المال انما دفعت اليك المال بضاعة لتشترى به وتبيع فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى استحقاق جزء من ربح ماله أو استحقاق الاجر دينا في ذمته ورب المال ينكر ذلك بانكاره سببه فالقول قوله والبينة في هذا الفصل بينة المضارب لانها تثبت حقه على رب المال وبينة رب المال تنفى ذلك ولو كانت المضاربة بالنصف فجاء المضارب بالفى درهم فقال رب المال دفعت اليك الفين وقال المضارب دفعت إلى ألف درهم وربحت ألف درهم فالقول قول المضارب في قول أبى حنيفة الآخر وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهم الله وفى قوله الاول القول قول رب المال وهو قول زفر رحمه الله. وجه قوله الاول ان المضارب أقر أن جميع ما في يده مال المضاربة والاصل في مال المضاربة حق رب المال فإذا ادعى بعد ذلك استحقاق بعض المال لنفسه لا يقبل قوله الا بحجة والقول قول رب المال لانكاره كما في مسألة البضاعة بخلاف ماذا قال المضارب ألف من الالفين خلطته لى بمال المضاربة وقد كان قال له اعمل فيه برأيك لان هناك لم يقر أن جميع ما في يده مال المضاربة والاصل أن القول قول المرء فيما في يده من المال بخلاف مالو ادعي رب المال رأس المال أكثر مما جاء به المضارب وانه قد استهلك بعضه فان هناك هو يدعي دينا على المضارب والمضارب ينكر والقول قول المنكر وجه قوله الآخر أن الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض من رأس المال والقابض هو المضارب فيكون القول قوله في مقدار المقوض لان رب المال يدعي زيادة فيما أعطاه وهو ينكر لانه لو أنكر أصل القبض كان القول قوله فكذلك إذا أنكر زيادة القبض يوضحه أن المال في يده فالقول قوله في بيان جهة حصوله في يده كما لو قال ألف من المال لى خلطته بمال المضاربة فان اختلفا مع ذلك فيما شرط له من الربح فقال رب المال شرطت لك الثلث وقال المضارب شرطت لي النصف فالقول قول المضارب في رأس المال والقول قول رب المال فيما شرط له من الربح لان المضارب يدعي الزيادة فيما شرط له ورب المال ينكر ولو أنكر أصل الشرط بان قال كان المال في يدى بضاعة فالقول قوله فكذلك إذا أنكر الزيادة فيما شرط له وان أقاما البينة فالبينة بينة رب
[ 92 ] المال في مقدار ما سلم إليه من رأس المال ويأخذ الالفين برأس ماله لانه أثبت زيادة فيما دفعه إليه وان كان المال ثلاثة آلاف كانت البينة بينة المضارب فيما ادعي من الربح حتى ان الالف الفاضلة عن الالفين بينهما نصفان لان المضارب يثبت ببينته زيادة في حصته من الربح وإذا دفع الرجل إلى رجلين مالا مضاربة بالنصف فجاء بثلاثة آلاف درهم فقال رب المال كان رأس مالى ألفين والربح ألف وصدق أحد المضاربين وقال الآخر كان رأس المال ألفا والربح ألفى درهم فان رب المال يأخذ ألف درهم من رأس ماله من يد المضاربين لانهما اتفقا على ذلك القدر من رأس ماله ويبقي في يد كل واحد منهما ألف درهم فيأخذ رب المال خمسمائة من الذى صدقه لانه يقر أنه قد بقي من رأس ماله ألف نصفه في يده ونصفه في يد شريكه واقراره فيما في يده حجة وان لم يكن حجة فيما في يد شريكه فيأخذ منه خمسمائة بحساب رأس ماله لان حق رب المال في الربح ضعف حق المصدق فيقسمان الحاصل من الربح في أيديهما على أصل حقهما أثلاثا ويقاسم الآخر خمسمائة مما في يده اثلاثا لان رب المال يزعم أن هذه الخمسمائة من رأس ماله أيضا ومن في يده ينكر ويقول هو ربح وحق رب المال فيه ضعف حقى لان حق رب المال في نصف الربح وحق كل واحد من المضاربين في ربع الربح فلهذا يقاسمه خمسمائة أثلاثا ثلثها لرب المال يأخذها بحساب رأس ماله بزعمه فيجتمع في يده ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ثم يقتسمون الالف الباقية ربحا بينهم أرباعا فيصير في يد رب المال خمسمائة من الربح وفي يد الذى صدقه مائتان وخمسون فيجمع ذلك فيأخذ منه رب المال ما بقى من رأس ماله على ما تصادقا عليه لان الربح لا يكون الا بعد وصول جميع رأس المال إلى رب المال وقد بقي من رأس المال بزعمهما مائة وستة وستون وثلثا درهم فيأخذ رب المال ذلك والباقى من الربح بينهما أثلاثا لان حق رب المال في الربح ضعف حق المصدق فيقسمان الحاصل من الربح في أيديهما على أصل حقهما اثلاثا والمكذب بزعمهما استوفى أكثر من حقه فتجعل تلك الزيادة في حقهما كالتاوى وقد طعن عيسى بن أبان رحمه الله في فصل من جواب هذه المسألة وهو قوله ان الخمسمائة مما في يد المكذب تقسم بين رب المال وبين المكذب أثلاثا وقال الصحيح أنه ليس لرب المال الا نصفها لان المنكر يزعم أن الالف الباقية مقسومة بينهم ارباعا نصفها لرب المال وربعها للمصدق وربعها لي فالمصدق أقر بحصته لرب المال من هذه الالف فيصير لرب المال ثلاثة
[ 93 ] أرباعها وقد وصل إليه من بدء المصدق نصف هذه الالف وهو خمسمائة فانما بقى حقه في ربعها وحقي في ربعها فينبغي أن تقسم هذه الخمسمائة بينهما نصفان وكان القياس ما ذكره عيسى رحمه الله ولكن محمد رحمه الله ترك ذلك لوجهين أحدهما أنا لو فعلنا هكذا كنا قد أعطينا المنكر جميع حصة مدعاه من ربح الالفين ويأخذ من الالف الثانية مائتين وخمسين ومن الالف الثالثة مائتين وخمسين فتسلم له حصته من ربح الالفين بزعمه ولايجوز أن يصدق هو على ما في يد صاحبه كما لا يصدق صاحبه على ما في يده والثانى أن ما وصل إلى رب المال من تلك الالف لم يصل ربحا كما ادعاه هذا المضارب وانما أخذه على أنه من رأس ماله فلا يكون للمنكر أن يجعل ذلك محسوبا عليه من الربح في مقاسمته الخمسمائة الاخرى معه فلهذا قسمت هذه الخمسمائة بينهما اثلاثا وهذا الجواب حكاه ابن سماعة عن محمد رحمهما الله وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا فربح فيه ربحا فقال العامل أقرضتني هذا المال وقال الدافع دفعته اليك بضاعة أو مضاربة بالثلث أو قال مضاربة ولم أسم لك شيئا أو قال سميت لك مائة درهم من الربح فالقول قول رب المال لان العامل يدعي تملك المال عليه بالقبض ورب المال ينكر ذلك ولان الاذن في التصرف مستفاد من جهة رب المال فالقول قوله في بيان الاذن والتسليط فان كان أقر بالمضاربة فلا شئ للعامل بل الربح كله لرب المال لانه بما ملكه وان كان أقر له بربح الثلث أعطاه ذلك لان العامل يدعى عليه جميع الربح وهو أقر له بالثلث وان أقر بمضاربة فاسدة أعطاه أجر مثله فيأخذه المضارب قضاء مما ادعاه من المال الذى أخذه منه رب المال لان العامل يدعى عليه أكثر مما أقر له به فيعطيه مقدار ما أقر له به من الجهة التى أقر بها ويأخذه العامل من الجهة التى يدعيها فان هلك المال في يد المضارب بعد هذا القول فهو ضامن للاصل والربح لانه كان أمينا في الكل وقد جحد حق صاحب المال فيه وادعى أنه ملكه فيكون ضامنا له ولو قال المضارب شرطت لى النصف وقال رب المال شرطت لك الثلث ثم هلك المال في يد المضارب فهو ضامن لسدس الربح لانه ادعى تلك الزيادة لنفسه وقد كان أمينا فيه فيصير ضامنا بدعواه الامانة لنفسه ولو وضع في المال ثم قال العامل دفعته إلى مضاربة وقال رب المال دفعته اليك قرضنا فالقول قول رب المال لان الاذن مستفاد من جهته فالقول قوله في بيان صفته ولان العامل يزعم أنه كان نائبا عن رب المال في العمل ورب المال ينكر ذلك فاقول قوله وان أقاما البينة فالبينة بينة رب المال أيضا لانه يثبت ببيته سبب تمليك المال
[ 94 ] منه بالقرض ووجوب الضمان دينا له في ذمته فكانت بينته أولى بالقبول ولانه لا تنافى بين البينتين فالقرض يرد على المضاربة فيجعل كأنه دفعه إليه مضاربة ثم أقرضه منه ولا يمكن أن يجعل على عكس هذا لان المضاربة لا ترد على القرض والقرض يرد على المضاربة ولو لم يكن عمل بالمال وضاع فالقول قول المضارب لان رب المال يدعى عليه سبب الضمان والمضارب ينكر والبينة بينة رب المال لاثباته الضمان دينا في ذمة المضارب ثم الفرق بين هذا والاول أن في هذا الفصل تصادقا على انه قبضها باذن المالك وذلك غير موجب للضمان عليه فبقي دعوى رب المال سبب الضمان وفى الفصل الاول عمل العامل في ملك الغير سبب موجب للضمان وقد ظهر ذلك فيحتاج إلى سبب مسقط للضمان عن نفسه وهو كونه نائبا عن المالك في عمله في المال مضاربة ولا يثبت هذا المسقط الا بالبينة ولا يقال تصادقا أن عمله حصل باذن رب المال وتسليطه فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه لان رب المال يزعم أنه عمل لنفسه في مال نفسه فإذا لم يثبت الملك له لا يكون هو عاملا باذن رب المال كما أقربه فيبقى عاملا في المال بغير اذنه وذلك موجب للضمان عليه ولو قال المضارب دفعته إلى مضاربة وقد ضاع المال قبل أن أعمل به وقال رب المال أخذته غصبا فلا ضمان على المضارب لانه ما أقر بوجود السبب الموجب للضمان عليه وانما أقر بتسليم رب المال إليه وذلك غير موجب للضمان عليه ورب المال يدعى عليه الغضب الموجب للضمان وهو ينكر فان كان عمل به ثم ضاع فهو ضامن للمال لان عمله في مال الغير سببب موجب للضمان عليه ما لم يثبت اذن صاحبه فيه ولم يثبت ذلك لانكاره فان اقاما البينة فالبينة بينة المضارب في الوجهين لانه يثبت تسليم رب المال والاذن له في العمل ببينة ولو قال المضارب أخذت منك هذا المال مضاربة فضاع قبل ان أعمل به أو بعد ما عملت قال رب المال أخذته منى غصبا فالقول قول رب المال والمضارب ضامن في لانه ت حتى أقر بالاخذ وهو سبب موجب للضمان عليه قال عليه الصلاة والسلام وعلى الوجهين اليد ما اخذ ترد ثم ادعى المسقط وهو اذن صاحبه فلا يصدق في ذلك الا بحجة ولو قال أخذته منك مضاربة فضاع قبل أن أعمل به وقال رب المال أقرضتكه فلا ضمان على المضارب لتصادقهما أن القبض حصل باذن المالك فانه هو الذى دفعه إليه الا أن يكون عمل بالمال فحينئذ هو ضامن لان عمله في مال الغير سبب موجب للضمان عليه كما ذكرنا وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة بالنصف فجاآ بألفين فقال أحدهما
[ 95 ] ألف رأس مالك وألف ربح فصدقه رب المال بذلك وقال المضارب الآخر ألف رأس المال وخمسمائة ربح وخمسمائة لفلان كان دينا علينا في المضاربة وادعى المقر له ذلك فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم لتصادقهما على ذلك ويأخذ المقر له بالدين من المضارب المقر مائتين وخمسين درهما لانه أقر أن نصف الخمسمائة دينا عليه يؤديه مما في يده ونصفه دين على شريكه واقراره على نفسه وبما في يده حجة وعلى غيره لا فلهذا يأخذ منه مائتين وخمسين وهذا بخلاف أحد الوارثين إذا أقر على الميت بدين فانه يستوفى جميع الدين من نصيبه لان هناك ما أقر بالدين في ذمة نفسه ولا في ذمة شريكه وانما أقر به على الميت والمقر يعامل في حق نفسه كان ما أقر به حق فلا يسلم له شئ من التركة ما لم يقض جميع الدين الذى على الميت وهاهنا انما أقر بالدين عى نفسه وعلى شريكه بسبب معاملتهما مع المقر له واقراره بالدين في ذمة الغير لا يلزمه القضاء مما في يده ثم يقاسم المضارب الجاحد مع رب المال مائتين وخمسين درهما مما في يده له ثلثها ولرب المال ثلثاها لان المضارب المقر يزعم انه لا حق له في هذا بل حق صاحب الدين والجاحد يزعم انه ربح ولكن لا حق فيه للمقر لانه أتلف مثل هذا باقراره كاذبا فهو محسوب عليه من نصيبه فيقسم هذا المقدار بين رب المال والجاحد على مقدار حقهما من الربح لرب المال ثلثاها وللجاحد ثلثها ويبقى في يد المضاربين خمسمائة درهم قد أقروا جميعا أنها ربح فيقتسمونها بينهم لرب المال نصفها ولكل واحد من المضاربين ربعها ولا يرجع الغريم على المضارب المقر بشئ مما أخذ لما بينا انه أقر له بالدين في ذمة شريكه فلا يلزمه ذلك القضاء من مال نفسه وكذلك لو كان أحدهما ادعى لنفسه خمسمائة من هذا المال أنه من خاصة مال فهذا والاول في التخريج سواء كما بينا ولو جاء المضاربان بالفى درهم خمسمائة منها بيض وألف وخمسمائه سود فقال أحدهما الخمسمائة البيض وديعة لفلان عندنا والخمسمائة السود ربح وقال المضارب الآخر كلها ربح فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم من السود ويأخذ المقر له مائتين وخمسين من البيض وهى التى في يد المقر بالوديعة لان نصف البيض في يده واقراه فيه حجة ويقسم المضارب الآخر ورب المال مائتين وخمسين من البيض اثلاثا سهمان لرب المال وسهم للمضارب لان المقر لا يدعي لنفسه في هذا شيأ والمنكر يزعم انه أتلف فوق حقه من هذا المال فلا حق له فيما بقى بل يقسم هذا المقدار بين الجاحد ورب المال مائتين وخمسين على أصل حقهما أثلاثا ويقسم الخمسمائة السود ارباعا لاتفاقهم
[ 96 ] على أن ذلك ربح وكذلك لو كان جميع المال في يد المنكر للوديعة لان المنكر للوديعة يزعم أن الخمسمائة البيض ربح من مال المضاربة ومال المضاربة في أيديهما فباعتبار اقرار ذى اليد هذه ومالو كان المال كله في أيديهما سواء بخلاف ما إذا كان المال كله في يد المقر لان المقر يزعم ان هذه الخمسمائة ليست من مال المضاربة بل هي وديعة لصاحبها ولا يدفعها للمضارب الآخر ولا قول فلهذا كان المقر مصدقا في جميعها هنا فان كان المضاربان حين جاآ بالفين كانت الخمسمائة البيض كلها في يد المقر بالوديعة فقال هذه وديعة لفلان عندي وقال الآخر ورب المال كله ربح أخذها صاحب الوديعة كلها لان اليد فيها له فكان القول قوله فيها والخمسمائة السود بينهم ارباعا لاتفاقهم على أنها ربح ولو كانت البيض في يد المنكر للوديعة أخذ رب المال رأس ماله ألف درهم وما بقى من المال قسم على أربعة أسهم لرب المال سهمان ولكل واحد من المضاربين سهم لان البيض هنا قبل القسمة قى يد الجاحد ليس شئ منها في يد المقر واقراره بالوديعة فيما في يد الغير لا يكون صحيحا ما لم يصل إليه المال فلهذا قسم الكل كما هو زعم المنكر للوديعة ثم ما وقع في سهم المقر بالوديعة من البيض سلمه إلى صاحب الوديعة لان ذلك القدر قد وصل إلى يده وقد أقر بالملك له وهذا بخلاف ما سبق إذا كان المال كله في يد الجاحد لان هناك الجاحد مقر للمقر بالوديعة باليد في نصفه وهنا الجاحد لا يقر باليد في شئ من البيض للمقر بالوديعة لان في يده مثلها من مال المضاربة وهى الخمسمائة السود وإذا دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة بالنصف وأمرهما أن يعملا في ذلك برأيهما فجاآ بالفي درهم في أيديهما جميعا فقال أحدهما ألف منها رأس المال وخمسمائة ربح وخمسمائة وديعة لفلان خلطناها بالمال بامره فهو شريكنا في هذا المال بخمسمائة درهم وصدقه فلان بذلك وقال المضارب الآخر يملك الالف كلها ربح فان رب المال يأخذ رأس ماله ألفا ويأخذ المقر له بالشركة مائتين وخمسين مما في يد المنكر اثلاثا لانهما يزعمان ان ذلك ربح وان المقر أتلف منه ذلك فهو محسوب عليه ثم يقسم رب المال والمضاربان الخمسمائة الباقية ارباعا لاتفاقهم على انها ربح فيكون للمضارب المقر بالشركة منها مائة وخمسة وعشرون درهما فيجمعها إلى ما أخذ المقر له بالشركة ويقسم ذلك كله بينهما على خمسة أسهم سهم للمضارب وأربعة للمقر له بالشركة لانهما تصادقا على الشركة بينهما في المال وتصادقهما معتبر في حقهما فما وصل اليهما يقسم على أصل حقهما وهما متفقان أن حق المقر له في خمسمائة وان حق المقر في مائة وخمسة
[ 97 ] وعشرين فاجعل كل مائة وخمسة وعشرين سهما فيكون الخمسمائة أربعة أسهم فأربعة أسهم حق المقر له وسهم حق المقر فلهذا قال يقسم ما في أيديهما اخمسا بينهما وما لم يصل إلى يدهما من المال يجعل كالتاوى بينهما ولو كان المال كله في يد المقر بالشركة يوم أقربها أخذ المقر له بالشركة جميع الخمسمائة من المال لان اقرار المقر فيما في يده مقبول ويأخذ رب المال رأس ماله ألف والخمسمائة الباقية بين المضاربين وبين رب المال ارباعا ولو كان المال كله في يد المنكر للشركة أخذ رب المال رأس ماله ألف درهم فاقتسم هو والمضاربان الالف الباقية ارباعا وما أخذه المقر بالشركة اقتسمه هو والمقر اخماسا لان الواصل إلى يده من المال هذا المقدار فباعتباره يصح اقراره ويقسم بينهما اخماسا للمقر خمسه وللمقر له أربعة اخماسه قال عيسى بن أبان رحمه الله هذا غلط وسواء كان المال في أيديهما أو في يد المنكر منهما ينبغى أن يأخذ المقر له بالشركة مائتين وخمسين أولا كما أجاب به في مسألة البيض والسود قبل هذا لان المنكر مقر أن المال كله من المضاربة وان نصفه في يد صاحبه ولكن ما ذكره هنا أصح. والفرق بين هذا وبين تلك المسألة من وجهين أحدهما أن المنكر وان أقر في هذه المسألة أن نصف المال في يد صاحبه وصاحبه ينكر ويقول يد المقر له على ماله لانه شريك معنى فلم نثبت يد المقر على شئ من تلك الخمسمائة فلهذا لا يجوز اقراره في شئ منها قبل القسمة بخلاف مسألة البيض والثانى ان في مسألة الشركة حق المقر له شائع في الكل وحق المضاربة كذلك شائع فلم يختص واحد من المضاربين بشئ منه ولم يثبت تنفيذ اقراره الا بعد القسمة وأما في الوديعة فقد أقر بشئ بعينه متميز من حق المضاربة غير مفتقر إلى المقاسمة ولو جاء المضاربان بالفى درهم فقال أحدهما كان رأس المال ألف درهم فشاركنا فلان في المال بخمسائة درهم فخلطناها بالالف ثم عملنا فربحنا خمسمائة وقال الآخر كلها ربح فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم لاتفاقهم عليه ثم يدفع إلى المقر له مائتين وخمسين درهما في يد المقر بالشركة لان اقراره فيما في يده مقبول ويبقى في يد المقر بالشركة مائتان وخمسون فقد أقر أنها ربح بين صاحب الشركة وبين المضاربين وبين رب المال على ثلاثة فيأخذ صاحب الشركة أيضا منها حصته من الربح باقراره وذلك ثلاثة وثمانون وثلث ويبقى في يد المضارب المقر بالشركة مائة وستة وستون وثلثان ثم ينظر إلى ما في يد المنكر للشركة وهو خمسمائة فيدفع منها مثل ما أخذ المقر له مما في يد المقر بالشركة وذلك ثلثمائة وثلاثون وثلث فيقسمها
[ 98 ] رب المال والمضارب المنكر للشركة بينهما اثلاثا لاقرارهما أن هذا ربح وان المقر بالشركه أتلف مثل هذا مما في يده وذلك محسوب عليه من نصيبه ويقسم هذا القدر بين المضارب الجاحد ورب المال على أصل حقهما ثلثاه لرب المال وثلثه للمضارب الجاحد ثم يجمع ما بقى في يد المضاربين وذلك ثلثمائة وثلاثون وثلث فيكون ذلك بينهم ارباعا لاتفاقهم على أن ذلك ربح مال المضاربة فيقسم بينهم على الشرط ثم يجمع ما أصاب المقر بالشركة من الربح وهو ثلاثة وثمانون وثلث إلى ما في يد صاحب الشركة فيقسمان ذلك كله على تسعة أسهم للمقر سهم وللمقر له ثمانية لان المقر زعم ان للمقر له سهما أصل ماله وثلث الخمسمائة ربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان وثلث الخمسمائة الربح بينه وبين رب المال أرباعا فيجعل كل خمسمائة على ستة أسهم والخمسمائة التى أقر بها المقر لصاحب الشركة ستة أسهم وحصته من الربح سهمان فذلك ثمانية وحصة المضارب المقر بالشركة مما بقى من الخمسمائة سهم فذلك كله إذا جمعته تسعة أسهم فلهذا يقسم ما حصل في أيديهما على تسعة أسهم ثمانية أتساعه للمقر له وتسعه للمقر لان ما زاد على ما وصل اليهما يجعل في حقهما كالتاوى والله أعلم * (باب المضارب يدفع المال مضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم ولم يقل اعمل فيه برأيك فليس للمضارب أن يدفعه إلى غيره مضاربة لانه سوى غيره بنفسه في حق الغير ولانه يوجب للثاني شركة في ربح مال رب المال ورب المال ما رضي الا شركته فليس له أن يكسب سبب الشركة للغير فيه فان دفعه مضاربة إلى غيره فاشترى به وباع فرب المال بالخيار ان شاء ضمن المضارب الاول رأس ماله لانه صار غاصبا مخالفا بدفعه إلى غيره لا على الوجه الذى رضى به رب المال فان ضمنه سلمت المضاربة فيما بين المضارب الاول والمضارب الآخر على شرطهما لانه ملكه بالضمان من حين صار مخالفا فانما دفع مال نفسه مضاربة إلى الثاني وان شاء ضمن المضارب الآخر لانه قبض ماله بغير اذنه وتصرف فيه ثم يرجع المضارب الآخر بما ضمن من ذلك على المضارب الاول لانه مغرور من جهته فيرجع عليه بما يلحقه من الضمان ولانه كان عاملا للمضارب الاول فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة ثم الربح بين المضاربين على ما اشترطا لان الضمان استقر على الاول فيثبت الملك له وان اختار رب المال أن يأخذ من الربح الذى ربح
[ 99 ] المضارب الآخر حصته الذى اشترط على المضارب الاول لا يضمن واحد منهما شيئا فليس له ذلك لان المضارب الاول صار غاصبا بما صنع ومن غصب من رجل مالا ودفعه مضاربة فعمل به المضارب وربح فلا سبيل لرب المال على الربح ولكن يضمن أيهما شاء وفرق بين المضاربة والرهن فان المرهون إذا استحق وضمن المرتهن قيمته فرجع به على الراهن لم يصح الرهن حتى يرجع عليه بالدين أيضا وهنا إذا رجع الثاني على الاول صحت المضاربة بين الاول والثانى لان استرداد القيمة كاسترداد العين فينتقض قبض المرتهن باسترداد المستحق القيمة منه وبدون قبضه لا يكون مرهونا وهنا أيضا استرداد المثل كاسترداد العين ولكنه لا ينعدم به ابتداء اليد للمضارب على المال واستدامته ليست بشرط لحكم المضاربة حتى انه إذا رد المضارب بالمال على رب المال واستعان به في التصرف كان الربح بينهما على الشرط ولو رد المرتهن المرهون على الراهن بعارية أو غيرها خرج من ضمان الرهن ولو كان المضارب الثاني لم يعمل بالمال حتى ضاع في يده فلا ضمان على واحد من المضاربين وكذلك لو غصب رجل المال من الآخر فالضمان على الغاصب ولا ضمان على واحد من المضاربين وقال زفر رحمه الله لرب المال أن يضمن أيهما شاء لان المضارب الاول أمين وقد خالف بالدفع إلى غيره على وجه المضاربة فكان كل واحد منهما ضامنا كالمودع إذا أعار الوديعة من غيره ولكنا نقول المضارب غير ممنوع من دفع المال إلى غيره (ألا ترى) أن له أن يودع المال وأن يبضعه فلا يكون مجرد الدفع موجبا للضمان على واحد منهما ولكن في ظاهر الرواية حين عمل به الثاني صار المال مضمونا على كل واحد منهما وروى الحسن عن أبى حنيفة أن بمجرد العمل لا يصير مضمونا على واحد منهما حتى يحصل الربح لانه انما يصير مضمونا إذا صار مخالفا وذلك باشتراك الغير في ربح ماله ولهذا لا يضمن إذا أبضع أو أودع لانه ليس في ذلك اشتراك الغير في الربح والشركة في الربح لاتتحقق قبل حصول الربح لسبب الخلاف وانما تتحقق إذا حصل الربح. وجه ظاهر الرواية أن الربح انما حصل بالعمل فيقام سبب حصول الربح مقام حقيقة حصول الربح في صيرورة المال به مضمونا عليهما بخلاف مجرد الدفع فهو ليس سببا لحصول الربح ليقام مقام حصوله ولو استهلك المضارب الاخر المال أو وهبه كان الضمان على الآخر خاصة دون الاول لانه في مباشرة هذا الفعل مخالف لما أمره به الاول فيقصر حكمه عليه بخلاف ما إذا عمل بالمال لانه في مباشرة العمل ممتثل أمر المضارب الاول
[ 100 ] فيجعل ذلك كعمل المضارب الاول فلهذا كان له أن يضمن أيهما شاء ولو أبضعه المضارب الثاني مع رجل يشترى به ويبيع فلرب المال أن يضمن ماله أي الثلاثة شاء لان المضارب الثاني بمطلق العقد يملك الابضاع كما يملك التصرف فيه فيكون هو فيما صنع ممتثلا أمر المضارب الاول والربح الحاصل بين المضاربين على الشرط لان عمل المستبضع كعمل المبضع بنفسه وكان الربح بينهما على الشرط والوضيعة على المضارب الاول ولاربح لرب المال لان الاول صار بمنزلة الغاصب في حق رب المال فان ضمن المضارب الاول صحت المضاربة الثانية وان ضمن الثاني رجع به على الاول لانه مغرور من جهته وصار المال مملوكا للمضارب الاول حين استقر عليه الضمان وان ضمن المستبضع رجع به على المضارب الثاني لانه عامل له ومغرور من جهته ويرجع به الثاني على المضارب الاول كما لو ضمن نفسه لرب المال فإذا ظهر استقرار الضمان عليه تبين به وجه صحة المضاربة الثانية وإذا دفع الرجل مالا مضاربة بالنصف ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى آخر مضاربة بالسدس فعمل فيه وربح أو وضع فالمضارب الاول برئ من الضمان لان الثاني خالف أمره حين دفعه إلى الغير مضاربه فلا يتحول منه هذا العقد إلى الاول كما لو استهلك المال ورب المال بالخيار ان شاء ضمن الثاني رأس ماله وان شاء ضمن الثالث وحال الثالث في هذه المسألة كحال الاول في المسألة الاولى حتى إذا ضمن لم يرجع على أحد بشئ وان ضمن الثالث رجع على الثاني والربح بينهما على ما اشترطا لان الضمان استقر على الثاني فصحت المضاربة بينه وبين الثالث ولو كان المضارب الاول حين دفع المال مضاربة إلى الثاني بالثلث وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى الثالث مضاربة بالسدس فربح أو وضع فلرب المال أن يضمن أي الثلاثة شاء لان الثاني بالدفع إلى الثالث هنا ممتثل أمر الاول فان بعد قوله اعمل فيه برأيك له أن يدفع المال مضاربة إلى غيره فكان فعله كفعل الاول فلرب المال أن يضمن أي الثلاثة شاء فان ضمن الثالث رجع على الثاني ورجع الثاني على الاول لمعنى الغرور وان ضمن الثاني رجع على الاول وان ضمن الاول لم يرجع على أحد بما ضمن بعد كما استقر الملك للاول صحت المضاربتان جميعا الثانية والثالثة والوضيعة على الاول وأما الربح فللضارب الآخر سدسه لانه المشروط له هذا المقدار وللثاني سدسه لان الاول للثاني شرط ثلث الربح ولنفسه ثلثيه فشرط الثاني السدس للثالث ينصرف إلى نصيبه خاصة دون نصيب
[ 101 ] الاول لانه ليس للثاني أن يبطل حق الاول عن شئ من الربح الذى شرط لنفسه وان كان قال اعمل فيه برأيك فلهذا كان للثاني ما بقى من الثلث بعد حق الثالث وهو السدس وللاول ثلث الربح ولو كان المضارب الاول دفع المال إلى رجل مضاربة على ان للمضارب الثاني من الربح مائة درهم فعمل به فربح أو وضع أو توى المال بعد ما عمل به فلا ضمان لرب المال على أحد والوضيعة عليه والتوى من ماله لان المضارب الاول انما يصير ضامنا باشراك الغير في ربح ماله وبما باشر من المضاربة الفاسدة لا يوجد سبب الاشتراك بل المضاربة الفاسدة كالاجارة ولو استأجر أجيرا ليعمل في المال لم يكن مخالفا به وجعل عمل الاجير كعمله فكذلك إذا دفعه إلى غيره مضاربة فاسدة وللعامل أجر مثله على المضارب الاول لانه هو الذي استأجره ويرجع به الاول على رب المال لانه في الاستئجار عامل له بأمره غير مخالف وان كان فيه ربح فانه يعطي أجر مثل العامل أولا من المال كما لو استأجره اجارة صحيحة ثم الربح بين رب المال والمضارب الاول على الشرط لان عمل الاجير كعمل المضارب بنفسه وهذا ومالو أبضعه غيره سواء ولو كان رب المال شرط للمضارب الاول من الربح مائة درهم ولم يقل له اعمل برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالنصف فعمل به فلا ضمان على المضاربين في الوضيعة والتوى لان المضارب الاول ما أوجب للغير شركة في ربح ماله فان بالعقد الذى بينه وبين رب المال لا يستحق هوشيأ من الربح فكيف يوجبه لغيره وانما يتحقق الخلاف بايجاب الشركة للغير في ربح ماله ثم الربح كله لرب المال هنا لان عمل الثاني بامر الاول كعمل الاول بنفسه وعليه أجر مثل المضارب الاول بمنزلة مالو أقام العمل بنفسه وعلى المضارب الاول للمضارب الآخر مثل نصف الربح الذى ربح في ماله خاصة لانه صار مغرورا من جهته فانه أطمعه في نصف الربح وقد حصل الربح ولم يسلم له مع حصوله بل استحقه رب المال بسبب كان بينه وبين المضارب الاول وهو فساد العقد فرجع المضارب الثاني على المضارب الاول بمثل نصف الربح في ماله خاصة لاجل الغرر (ألا ترى) أن رجلا لو استأجر رجلا يعمل له بماله فيشتري به ويبيع ويبضعه ويستأجر عليه ان أحب فاستأجر عليه الاجير من يعمل به أو أبضعه مع رجل فربح أو وضع فالربح لرب المال والوضيعة عليه وللاجير الاول اجره على رب المال لان عمل أجيره بأمره كعمله بنفسه وللاجير الآخر أجره على الاول لانه هو الذي استأجره وعمل له ولو كان الاجير الاول دفعه مضاربة إلى رجل بالنصف فعمل به وربح
[ 102 ] كان الربح كله لرب المال وللاجير أجره على رب المال وللمضارب نصف الربح على الآخر في ماله خاصة لاجل الغرر الموجود من جهته ولا ضمان على الاجير والمضارب في المال لان المضارب لم يصر شريكا في المال بمضاربته والخلاف انما يتحقق به ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك فدفعه المضارب إلى رجل مضاربة بالثلث فعمل به وربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللاول سدسه ولرب المال نصفه لان دفعه إلى الثاني مضاربة كان باذن رب المال حين قال له اعمل برأيك فالمضارب بهذا اللفظ يملك الخلط والشركه والمضاربة في المال لان ذلك كله من رأيه وهو من صنيع التجار الا أن رب المال شرط لنفسه نصف جميع الربح فلا يكون للمضارب الاول أن يوجب شيأ من ذلك لغيره بل ما أوجبه للثاني وهو ثلث الربح ينصرف إلى نصيبه خاصة كاحد الشركين في العبد إذا باع ثلثه وإذا كان المشروط للمضارب الاول نصف الربح وقد أوجب للثاني الثلث بقى له السدس وذلك طيب له بمباشرته العقدين وان لم يعمل بنفسه شيأ (ألا ترى) انه لو أبضع المال مع غيره أو أبضعه رب المال له حتى ربح كان نصيب المضارب من الربح طيبا له وان لم يعمل بنفسه شيأ وان دفع الثاني إلى ثالث مضاربة وقد كان الاول قال للثاني اعمل فيه برأيك فهو جائز والمضارب الثاني فيه بمنزلة الاول لانه قال اعمل فيه برأيك فله أن يخلطه بماله وان يشارك فيه وان يدفعه إلى غيره مضاربة وهذا بخلاف الوكيل إذا قال له الموكل اعمل برأيك فوكل غيره وقال للثاني اعمل برأيك لم يصح هذا منه حتى لا يكون للثاني أن يوكل غيره لان الوكيل نائب محض لا حق له في المال فليس للاول أن يسوى غيره بنفسه في تفويض الامر إلى رأيه على العموم بل هو نائب عن الموكل في توكيل الثاني به فأما المضارب فله في المال نوع حق من حيث انه شريك في الربح فيكون له أن يفوض الامر إلى رأى غيره على العموم فيما يعامله من عقد المضاربة ولو لم يقله الاول للثاني لم يكن للثاني أن يدفعه مضاربة وله أن يبضعه ويستأجر فيه بمنزلة الاول لو لم يقل له رب المال اعمل فيه برايك وهذا لان المضارب لا يستغنى عن الاعوان والاجراء لتتميم مقصود رب المال وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل على أن للعامل من الربح مائة درهم وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى غيره بالنصف فربح فيه أو وضع فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه لان المضارب غير مخالف في دفعه المال إلى غيره مضاربه فقد قال له رب المال اعمل فيه برأيك والمضاربة الفاسدة تعتبر بالمضاربة الجائزة في
[ 103 ] الحكم فكما أنه في العقد الجائز بهذه الصورة لا يصير مخالفا بالدفع إلى غيره مضاربة فكذلك الفاسدة الا انه لاحق للاول في الربح فلا يستحق الثاني بشرطه شيأ من غير الربح ولكن عمل المضارب الثاني كعمل الاول فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وعلى رب المال أجر مثل المضارب الاول فيما عمل المضارب الآخر وللمضارب الاخر مثل نصف الربح في مال المضارب الاول لانه صار مغرورا من جهته وقد استحق الربح من يده بعد حصوله فيرجع عليه بمثل ما أوجبه له ولو كان الاول أخذ المال مضاربة بالنصف وقيل له اعمل فيه برأيك فدفعه مضاربة إلى آخر على ان له من الربح مائة درهم فعمل به الثاني فللثانى أجر مثله على المضارب في تلك المضاربة لما بينا انه بمنزلة الاجير له ولكن الاجارة فاسدة ولو كانت صحيحة كان رجوعه في مال المضاربة فكذلك في الاجارة الفاسدة والربح بينه وبين رب المال على الشرط لان عمل أجيره كعمله بنفسه ولو كان رب المال حين دفعه إلى الاول قال على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان أو قال ما كان في ذلك من رزق فهو بيننا نصفان أو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف وقال اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث فربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللاول سدسه ولرب المال نصفه لان رب المال بهذه الالفاظ يكون شارطا نصف ربح جميع المال لنفسه فما أوجبه المضارب الاول للاخر يكون من نصيبه خاصة حتى لو دفعه الاول إلى الثاني مضاربة بالنصف فنصف الربح للمضارب الثاني ونصفه لرب المال ولا شئ للمضارب الاول لانه حول جميع نصيبه إلى الثاني فان كان المضارب الاول شرط للثاني ثلثى الربح فللمضارب الثاني نصف الربح لان ايجاب المضارب الاول للثاني انما يتم سببا لاستحقاقه فيما هو نصيب الاول وهو النصف دون الزيادة على ذلك ثم يرجع الثاني على الاول في ماله خاصة بسدس الربح أيضا لانه صار مغرورا من جهته فانه شرط له الثلثين ولم يسلم له الا النصف وهذا الشرط من المضارب الاول غير صحيح في ابطال استحقاق رب المال أما في حق نفسه فهو صحيح وقد التزم سلامة ثلثى الربح للثاني فإذا لم يسلم الا النصف رجع عليه بالسدس إلى تمام الثلثين ولا ضمان على المضارب الاول لان رب المال قال له اعمل برأيك فلا يصير هو مخالفا بايجاب الشركة للغير في ربح المال ولو قال رب المال للاول ما ربحت في هذا من شئ فهو بيننا نصفان أو ما رزقك الله فيه أو قال على ان ما كان لك فيه من فضل أو ربح أو
[ 104 ] قال على أن ما كسبت فيه من كسب أو قال على أن ما رزقك الله فيه من شئ أو قال على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان وقال له اعمل فيه برأيك ودفعه الاول إلى آخر مضاربة بالنصف أو بثلثي الربح أو بخمسة اسداس الربح كان ذلك كله صحيحا وللثاني من الربح جميع ما شرط له والباقى بين الاول ورب المال نصفان لان رب المال بهذه الالفاظ ما شرط لنفسه نصف جميع الربح وانما شرط لنفسه نصف ما يحصل للاول من الربح لانه أضاف بحرف الخطاب وهو الكاف أو التاء فما شرطه الاول للثاني قل أو كثر لا يتناول شيأ مما شرط رب المال لنفسه فيستحق الثاني جميع ما شرط له وما وراء ذلك جميع ما حصل للمضارب الاول وانما شرط رب المال لنفسه نصف ذلك فلهذا كان الباقي بينهما نصفين بخلاف الاول فرب المال هناك شرط نصف جميع ربح المال لنفسه لانه أضاف الرزق والربح إلى المال دون المضارب الاول وإذا دفع رب المال ماله مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينه وبين المضارب نصفان وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى الثالث مضاربة بالثلث فعمل به وربح فيه فللثالث ثلث الربح لان ما أوجبه الثاني له ينصرف إلى نصيبه خاصة وللثاني سدس الربح لان هذا القدر هو الباقي من نصيبه فلرب المال نصف الربح ولا شئ للمضارب الاول لانه أوجب للثاني جميع نصيبه حين شرط له النصف ولو كان المضارب الاول دفعه إلى الثاني وشرط عليه ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى ثالث مضاربة بالثلث فللمضارب الآخر ثلث الربح كله وسدس الربح بين المضارب الثاني والاول نصفان ونصف الربح لرب المال لان رب المال شرط لنفسه نصف جميع الربح والاول انما شرط للثاني نصف ما رزق الله وذلك سدس الربح فكان بينهما نصفين ولو كان رب المال قال للاول ما رزق الله من شئ والمسألة بحالها فالمضارب الآخر يأخذ ثلث الربح ويقاسم المضارب الثاني المضارب الاول الثلثين نصفين لان الاول انما أوجب للثاني نصف ما رزقه الله تعالى والذى رزقه الله تعالى ما وراء نصيب الثالث فكان ذلك بينهما نصفين ويقاسم رب المال المضارب الاول ثلث الربح الذى وصل إليه نصفين لان رب المال انما شرط لنفسه نصف ما رزق المضارب الاول والذى رزق الاول هذا الثلث فكان بينهما نصفين والله أعلم
[ 105 ]
- (باب قسمة رب المال والمضارب) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ كل واحد منهما خمسمائة لنفسه وبقي رأس مال المضاربة في يد المضارب على حاله حتى هلك أو عمل بها فوضع فيها أو توى بعد ما عمل فيها فان قسمتها باطلة والخمسمائة التى أخذها رب المال تحتسب من رأس ماله فيغرم له المضارب الخمسمائة التى أخذها لنفسه فيكون له من رأس ماله وما هلك فهو من الربح لان الربح لا يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب المال قال عليه الصلاة والسلام مثل المؤمن كمثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله فكذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه أو قال فرائضه وهذا لان رأس المال أصل والربح فرع وما بقى من رأس المال في يد المضارب فهو أمين فيه فإذا هلك من عمله أو من غير عمله لا يكون مضمونا عليه ولكن يجعل ما هلك كان لم يكن فتبين ان الباقي من المال كان مقدار الالف وصل إلى رب المال من ذلك خمسمائة وما أخذه لنفسه فهو مضمون عليه فيغرم لرب المال الخمسمائة التى أخذها حتى يصل إليه كمال رأس ماله وقمسة الربح هنا قبل وصول رأس المال إلى رب المال بمنزلة قسمة الوارث التركة مع قيام الدين على الميت ولو أن الورثة عزلوا من التركة مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك المعزول قبل أن يصل إلى الغرماء بطلت القسمة وعليهم ضمان ما أخذوا لحق الغرماء فكما ان حق الغرماء سابق على حق الورثة في التركة فكذلك هنا حق رب المال سابق على حقهما في الربح وكذلك لو هلك أيضا ما أخذه كل واحد منهما لنفسه لان ما أخذ رب المال محسوب عليه من رأس ماله فيستوى هلاكه في يده وبقاؤه وما هلك في يد المضارب كان مضمونا عليه لانه أخذه لنفسه وأخرجه من المضاربة باخذه فبقاؤه وهلاكه في يده سواء ولو كان الربح ألفين وأخذ كل واحد منهما ألفا من الربح ثم ضاع المال كله ولم يقبض رب المال رأس ماله من المضاربة فان الالف التى قبض رب المال هو رأس ماله لان قسمة الربح بعد انتهاء العقد بوصول رأس المال إلى يد رب المال أو إلى يد وكيله فاما مع بقاء المال في يد المضارب وقيام عقد المضاربة فلا يصح قسمة الربح بينهما فيجعل ما هلك كان لم يكن وتبين ان ما قبضه رب المال هو رأس ماله وأن الربح كله ما أخذه المضارب وقد أخذه لنفسه فكان مضمونا عليه فيغرم نصف تلك الالف لرب المال حصته من الربح ولو لم يضع المال حتى اشترى المضارب بالالف
[ 106 ] التى بقيت في يده بعد قسمة الربح فربح مالا كثيرا كانت الالف التى قبضها رب المال أولا من رأس المال ويأخذ من هذا المال ألف در هم مثل ما أخذ المضارب من الربح الاول ثم يكون الباقي ربحا بينهما نصفين لما قلنا ان قسمة الربح لا تجوز حتى يستوفى رب المال رأس ماله أو يستوفى له وكيله فإذا استوفاه ثم اقتسموا الربح جازت المقاسمة فان استوفاه ثم اقتسما الربح فأخذ كل واحد منها نصفه ثم ان رب المال دفع إلى المضارب الالف التى قبضها برأس ماله فقال خذها فاعمل بها على المضاربة التى كانت فهذه مضاربة مستقبلة جائزة ان ربح فيها أو وضع لم تنتقض القسمة الاولى لان العقد الاول قد انتهى بوصول رأس المال إلى يد رب المال ثم قسمتهما الربح حصلت في أوانها فتمت ثم دفع المال إلى الاول مضاربة مستقلة بمنزلة مالو دفع إليه ألفا أخرى سوى الالف الاولى ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف فربح فيها ألفى درهم ثم اقتسما فدفع إلى رب المال رأس ماله ألف درهم وأخذ المضارب من الالفين حصته من الربح ألف درهم وبقيت حصة رب المال ولم يأخذها حتى ضاعت فانها تضيع منهما جميعا لان المضارب أمين فيما بقي في يده من المال ما لم يأخذه لنفسه فإذا هلك صار كان لم يكن ويرد المضارب نصف ما أخذ من الربح لان تلك الالف مضمونة عليه حين أخذها لنفسه وقد تبين أنها كانت جميع الربح ولانها لاتسلم للمضارب ربحا حتى يسلم لرب المال مثلها ربحا ولم يسلم فعلى المضارب أن يرد نصف ما أخذ من الربح ولو كانت الالف التى أخذها المضارب لنفسه هي التي هلكت وبقيت الالف الاخرى فانها تحسب على المضارب من حصته وتسلم الالف التى بقيت لرب المال لانه قبض تلك الالف لنفسه فصارت مضمونة عليه والضمان الذي لزمه بعد ما هلك محسوب عليه من حصته من الربح فيأخذ رب المال الالف الباقية من الربح فان كان المضارب قاسم رب المال الربح وأخذ حصته ولم يقبض رب المال حصته حتى ضاع ما قبضه المضارب لنفسه وما بقي فان الذى لم يقبضه رب المال هلك من مالهما ويصير كان لم يكن لان المضارب بقى أمينا في ذلك ويغرم المضارب لرب المال نصف الربح الذى كان قبضه لنفسه وكان مستوفيا له بالقبض فهلك مضمونا عليه وقد تبين أنه جميع الربح فيغرم نصفه لرب المال ولو ربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ كل واحد منهما نصفه ثم اختلفا في رأس المال فقال المضارب قد دفعته اليك وانما قاسمتني بعد الدفع وقال رب المال لم تدفع إلى رأس المال فالقول قول رب المال ويأخذ الخمسمائة التى
[ 107 ] أخذها المضارب فتكون له من رأس ماله لان المضارب أمين والامين فيما يدعى من الرد مقبول القول في براءة نفسه عن الضمان غير مقبول القول في وصول المال إلى المردود عليه (ألا ترى) أن المودع إذا ادعى رد الوديعة على الوصي ليس لليتيم أن يضمن الوصي شيأ وإذا ادعى الرد على أحد الشريكين ليس للشريك الآخر أن يضمنه شيأ فكذلك هنا لا يقبل قول المضارب في وصول رأس المال إلى رب المال وما لم يصل رأس المال إليه لا يسلم للمضارب شئ بطريق الربح ولان المضارب يدعى خلوص الخمسمائة المقبوضة له ورب المال منكر لذلك والقول قول المنكر فان قيل كان ينبغى أن يقال اشتغالهما بقسمة الربح يكون اقرار بوصول رأس المال إليه فهو في انكاره بعد ذلك مناقض إذ الظاهر يشهد للمضارب لان الظاهر أن قسمة الربح تكون بعد قبض رب المال رأس المال قلنا لا كذلك فبين التجار عادة ظاهرة في المحاسبة في كل وقت وأخذ كل واحد منهما حصته من الربح مع بقاء رأس المال على حاله فلا يكون هذا اقرارا من رب المال بقبض رأس المال فباعتبار هذا العرف لا يشهد الظاهر للمضارب أيضا ثم الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق والمضارب يدعى استحقاق الخمسمائة ربحا والظاهر لهذا لا يكفى فان اقاما البينة فالبينة بينة المضارب لانه أثبت ببينته دفع رأس المال إلى رب المال وبينة رب المال تنفى ذلك ولانه أثبت استحقاقه الخمسمائة ربحا بالحجة وان لم يقيما بينة وهلكت الخمسمائة التى أخذها المضارب لنفسه فالمضارب ضامن لها لانه أخذها على أنها له فصار ضامنا لها ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف فذكر المضارب أنه قد ربح فيها ألفا وجاء بالفين ثم انه جحد فقال لم أربح فيها الا خمسمائة فهلكت الالفان في يده وقامت البينة على اقراره بما قال من الربح فانه يضمن الخمسمائه التى جحدها من الربح فيأخذها رب المال من رأس ماله ولا يضمن شيئا غيرها لان جميع المال أمانة في يده وانما يصير ضامنا مقدار ما جحد من المال كالمودع وانما جحد الخمسمائة فيما سوى ذلك وقد هلكت في يده فهى أمانة فانما عليه ضمان الخمسمائة فيأخذها رب المال من رأس ماله ولو كان أنكر أن يكون ربح في المال شيئا والمسألة بحالها ضمن الالف الربح كلها فيأخذها رب المال من رأس ماله ولا ضمان عليه في رأس المال لانه لم يجحدها فهلكت في يده أمانة وقد جحد الالف التي اعترف أنها ربح في يده فيكون ضامنا مثلها يأخذها رب المال من رأس ماله ولو ربح فيها ألفا وقال لرب المال قد دفعت اليك رأس المال ألف درهم وبقيت
[ 108 ] هذه الالف الربح وقال رب المال لم أقبض منك شيئا فالقول قول رب المال مع يمينه أنه لم يقبض شيئا ويأخذ الالف الباقية من رأس ماله ويستحلف المضارب بالله ما استهلكها ولا ضيعها لان المضارب أمين في رأس المال والقول قول الامين مع اليمين في براءته عن الضمان لكونه غير مقبول القول فيما يدعى من سلامة نصف ما بقي له ولا هو مقبول القول في وصول رأس المال إلى رب المال بل القول في ذلك قول رب المال مع يمينه فإذا حلف هو ونكل المضارب عن اليمين غرم الخمسمائة لرب المال حصته من الربح لان رب المال يأخذ الالف الباقية كلها من رأس المال والمضارب بنكوله عن اليمين قد أقر أنه استهلك تلك الالف أو ضيعها وقد بين أن ذلك كان جميع الربح فيغرم حصة رب المال وهو النصف ولو أن المضارب حين أراد رب المال استحلافه قال لم أدفعها اليك ولكنها ضاعت مني وحلف على ذلك فانه يغرم نصفها لرب المال لانه تناقض كلامه في تلك الالف حين ادعى مرة أنه دفعها إليه ثم ادعى انها ضاعت منه وقد بينا في الوديعة أن المودع يضمن بمثل هذا التناقض فكذلك المضارب ولو أن المضارب حين قال دفعت اليك رأس مالك وبقيت هذه الالف الربح في يدى وكذبه رب المال وأقاما البينة فالبينة بينة المضارب لانه يثبت قبض رب المال رأس ماله ببينته ورب المال ينفي ذلك ولو أقام المضارب البينة أن رب المال أقر أنه قبض رأس ماله ألف درهم وأقام رب المال البينة على المضارب أن رب المال لم يقبض من رأس ماله شيئا فان لم يعلم أي الا قرارين أول فالبينة بينة المضارب لانه يثبت حق نفسه في نصف ما بقي بطريق الربح ورب المال ينفى ذلك وان علم أيهما أول فالبينة بينة الذى يدعى الاقرار الآخر لا نالو عاينا الاقرارين كان الثاني منهما ناقضا للاول فان المقر الآخر يصير به رادا اقرار الاول والاقرار يرتد برد المقر له فلهذا كان المعمول به آخر الاقرارين وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى به وباع وربح أو لم يربح أو لم يشتر به شيأ منذ دفع المال إليه أو اشترى به عرضا ولم يبعه حتى زاد رب المال من الربح السدس فصار لرب المال الثلثان من الربح وللمضارب الثلث ثم ربح المضارب بعد ذلك ربحا فهذا جائز على ما فعلا ويقتسمان على ذلك ما حصل قبل الزيادة أو الحط وما حصل بعد ذلك لا ينظر فيه إلى الشرط الاول لان الحط والزيادة قد نقضا الشرط الاول وهذا لان العقد قائم بينهما ما لم يصل إلى رب المال رأس ماله والزيادة والحط في العقود اللازمة تثبت على سبيل الالتحاق بالاصل ففيما
[ 109 ] ليس بلازم أولى وإذا التحق باصل العقد وصار كأنهما شرطا في الابتداء أن يكون الربح بينهما على الثلث والثلثين ولو كان ربح ربحا فاقتسماه نصفين وأخذ رب المال رأس ماله قبل الحط والزيادة ثم وقع الحط والزيادة بعد ذلك فقال المضارب انك قد غبنتني فزاده سدس الربح أو قال رب المال قد غبنتني فنقص المضارب من حقه سدس الربح فهذا جائز لازم يرجع كل واحد منهما على صاحبه بما حصل له من ذلك في القياس وهو قول ابى يوسف رحمه الله فاما في قول محمد رحمه الله فيجوز الحط ولا تجوز الزيادة لان العقد قد ارتفع بوصول رأس المال إلى رب المال وقسمة الربح وصحة الزيادة في حال بقاء العقد ثم ما يأخذ المضارب يأخذه بمقابلة عملة وقد انقضى عمله حقيقة وحكما بانتهاء العقد بقسمة الربح فلا تجوز الزيادة بعد ذلك في البدل وتجوز في الحط كما في الاجارة والبيع فان بعد هلاك المبيع لا تجوز الزيادة ويجوز الحط فهذا مثله وأبو يوسف يقول القسمة تنهى عقد المضاربة والمنتهى ما يكون متقررا في نفسه فكان في معنى القائم دون المفسوخ فيجوز الحط والزيادة جميعا ثم من حيث المعنى كل واحد منهما يزيد من وجه ويحط من وجه لان رب المال يزيد في حصة المضارب وذلك حط من نصيبه وكذلك المضارب يزيد في نصيب رب المال وذلك حط منه لنصيبه فإذا جاز من المضارب هذا بطريق الحط فكذلك يجوز من رب المال بطريق الحط والله أعلم * (باب عتق المضارب ودعوته الحط) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا يساوى ألفا فاعتقه المضارب فعتقه باطل لانه لا فضل في مالية العبد على رأس ماله والمضارب انما يثبت له الملك في الفضل فبعتقه العبد ولا فضل فيه عتق فيما لا يملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم والذى تدور عليه مسائل الباب ان رأس المال معتبر في كل نوع من أنواع مال المضاربة كان ذلك النوع جميع المال (ألا ترى) انه لو هلك أحد النوعين استوفى رب المال جميع رأس ماله من الآخر فهنا يعتبر العبد كانه جميع المال ولا فضل فيه على رأس المال فلا ينفذ عتق المضارب فيه سواء كان في يد المضارب من مال المضاربة شئ آخر أو لم يكن ولو أعتقه رب المال كان حرا لانه أعتق ملك نفسه ولا ضمان على رب المال فيه لان جميعه
[ 110 ] مشغول برأس المال ورأس المال خالص حق رب المال وقد بطلت المضاربة ان لم يكن في يد المضارب سوى العبد من مال المضاربة شئ لان المال قد تلف كله باتلاف رب المال ولو أن المضارب اشترى بخمسمائة درهم من الالف عبدا يساوى ألفا فاعتقه المضارب فعتقه باطل لما قلنا وان أعتقه رب المال جاز عتقه وصار مستوفيا لرأس المال بعتقه فتبقى الخمسمائة ربحا في يد المضارب فيقسمانها نصفين ولو كان اشترى بالالف عبدا يساوى ألفين فأعتقه المضارب جاز عتقه في ربعه لان المال كله من جنس واحد وفيه فضل على رأس المال فيملك المضارب حصته من الربح وذلك ربع العبد فان نصفه مشغول برأس المال والنصف الاخر ربح بينهما نصفان واعتاق أحد الشريكين صحيح في حصته ثم عند أبى حنيفة رحمه الله ان كان موسرا فلرب المال الخيار بين أن يضمن المضارب ثلاثة ارباع قيمته وبين أن يستسعى العبد فيها وبين أن يعتقه بناء على مذهبه أن العتق يتجزأ وعندهما قد عتق كله والمضارب ضامن لرب المال ثلاثة ارباع قيمته ان كان موسرا وان كان معسرا استسعى العبد في ثلاثة أرباع قيمته وهى مسألة معروفة في العتاق ولو كان المضارب اشتراه بخمسمائة درهم من المضاربة وهى تساوى ألفين فأعتقه وهو موسر جاز عتقه في ربعه ويأخذ رب المال الخمسمائة الباقية من رأس المال ويضمن المضارب تمام رأس ماله خمسمائة ونصف الربح وهو سبعمائة وخمسون ويرجع المضارب في قول أبى حنيفة رحمه الله على العبد بجميع ما ضمن وهو ألف ومائتان وخمسون ويرجع المضارب أيضا على العبد بمأتين وخمسين فيستسعيه فيها وذلك تمام ما كان وجب له من الربح لان عتقه انما نفذ في القدر الذى هو مملوك له وقت الاعتاق وذلك ربع العبد فالعبد كأنه جميع مال المضاربة لان ما سواه ليس من جنسه وإذا نفذ عتقه في ربعه وذلك خمسمائة أخذ رب المال الخمسمائة الباقية من رأس ماله وضمن المضارب الخمسمائة الاخرى من قيمة العبد تمام رأس ماله وظهر أن الربح ثلاثة أرباع العبد وهو ألف وخمسمائة لكل واحد منهما سبعمائة وخمسون فيغرم المضارب لرب المال حصته وذلك سبعمائة وخمسون وقد أتلف من نصيب نفسه بالاعتاق خمسمائة فانما بقي له مائتان وخمسون فيستسعى العبد في ذلك ويرجع عليه أيضا بما ضمن لرب المال وذلك ألف ومائتان وخمسون لانه ضمن له ذلك باعتاقه ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن على العبد فيستسعيه فيه لانه قائم مقام الساكت في ذلك وقد كان للساكت أن يستسعى العبد في ذلك فكذلك للمعتق إذا ضمن ولانه بالضمان
[ 111 ] ملك نصيبه فيستسعى العبد في ذلك لاتمام العتق وعند أبى يوسف ومحمد يعتق العبد كله ويستوفى رب المال الخمسمائة الباقية من رأس ماله ويضمن المضارب ألفا ومائتين وخمسين درهما ولاسعاية له على العبد في شئ بناء على أصلهما أن العتق لا يتجزأ ولو اشترى المضارب بألف المضاربة عبدين كل واحد منهما يساوى ألفا فأعتقهما المضارب فعتقه باطل عندنا وعند زفر رحمه الله نافذ في ربع كل واحد منهما وقيل على قول أبى يوسف ومحمد رحمه الله ينبغى أن يكون الجواب كذلك بناء على أصلهما أن الرقيق يقسم قسمة واحدة فكان هذا بمنزلة جنس واحد من المال فيملك المضارب حصته من الربح وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يجرى في الرقيق قسمة الجبر فيستسعى كل واحد من العبدين على حدته وكل واحد منهما مشغول برأس المال والاصح عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله أن لا ينفذ عتق المضارب في شئ منهما لانهما يريان قسمة الجبر على الرقيق عند امكان اعتبار المعادلة إذا رأى القاضي النظر في ذلك فعند عدم هذا الشرط كل واحد منهما معتبر على حده لافضل في كل واحد منهما على رأس المال فلا ينفذ عتق المضارب في شئ منها فزفر رحمه الله يقول العبدان في حكم المضاربة كعبد واحد ورأس المال ألف درهم فيتيقن بوجود الفضل فيهما على رأس المال فينفذ عتق المضارب في حصته وهو الربع كما في العبد الواحد (ألا ترى) أنه لو أعتقهما رب المال كان ضامنا حصة المضارب خمسمائة فإذا ظهر نصيب المضارب في حق وجوب الضمان له عند اعتاق رب المال فلان يظهر نصيبه في تنفيذ العتق كان أولى ولنا أن باعتاق رب المال اياهما يصل إليه رأس المال فيظهر الفضل فأما باعتاق المضارب اياهما لا يصل إلى رب المال شئ ولا فضل في واحد منهما على رأس المال فيعتبر كل واحد منهما على حدة كأنه ليس معه غيره فلا ينفذ عتق المضارب في واحد منهما. يوضحه أن للمضارب هنا حقا يتقرر عند وصول رأس المال إلى رب المال لاقبله (ألا ترى) أنه لو هلك أحدهما كان الباقي كله لرب المال برأس ماله وباعتبار الحق يجب الضمان ولكن لا ينفذ العتق وانما ينفذ باعتبار الملك ولاملك له في واحد منهما عند الاعتاق فلهذا لا ينفذ عتقه وان زادت قيمتهما بعد ذلك كان العتق باطلا أيضا لانه انما يملك نصيبه الآن حين ظهر الفضل فيهما على رأس المال بزيادة قيمتهما ومن أعتق ما لا يملك ثم ملك لا ينفذ عتقه ولو أعتقهما رب المال معا عتقا لان كل واحد منهما ملكه لكون كل واحد منهما مشغولا بملك رأس المال وألف ربح فيضمن حصة المضارب من ذلك وهو
[ 112 ] خمسمائة موسرا كان أو معسرا ولا سعاية على العبد عندهم جميعا لان كل واحد منهما عتق كله باعتاق الملك اياه فلا يلزمه السعاية ورب المال صار متلفا حق المضارب من الربح بالعتق فيضمن له موسرا كان أو معسرا فان أعتق أحدهما قبل صاحبه عتق الاول كله وولاؤه له ويعتق من الثاني نصفه لانه حين نفذ عتقه في الاول منهما قد وصل إليه كمال رأس ماله وبقى العبد الآخر ربحا والربح مشترك بينهما نصفان فهو باعتاق الثاني اعتق عبدا مشتركا بينه وبين غيره وحكم هذا في الخيار والاستسعاء والتضمين معروف ولو كان الماضرب اشترى بها عبدين يساوى أحدهما ألفين والآخر ألفا فأعتقهما المضارب معا أو متفرقين وهو موسر فعتقه في دين قيمته ألف درهم باطل لانه لا فضل في قيمته على رأس المال فلا يملك هو شيأ منه وأما الذى قيمته ألفان فالمضارب مالك لربعه حين أعتقه فيعتق منه ربعه ثم باع الذى قيمته ألف درهم فيستوفى رب المال من ذلك رأس ماله لان رأس المال يحصل من شراء الاموال وذلك مالية العبد الذى لقى فيه عتقه بطريق البيع فقد تعذر البيع في معتق العبد فإذا وصل إليه رأس ماله ظهر ان العبد الثاني كله ربح وان نصيب المال منه ألف در هم فيضمن المضارب ذلك لرب المال ان كان موسرا ويرجع بها على العبد في قول أبى حنيفة ويستسعيه أيضا في خمسمائة تمام نصيبه لانه حين أعتق ماكان يملك منه الا الربع فان حدث له ملك في ربع آخر بعد ذلك بان وصل إلى رب المال رأس ماله لا ينفذ ذلك العتق فيه فلهذا يستسعيه في هذا الربع لتتميم العتق ولو لم يعتقهما المضارب وأعتقهما رب المال في كلمة واحدة فالعبد الذى قيمته ألف جزء من مال رب المال ولا سعاية عليه وأما العبد الذى قيمته ألفان فثلاثة ارباعه جزء من مال رب المال لان عتقه انما نفد فيه بقدر ملكه فيهما وقت الاعتاق وقد كان مالكا جميع العبد الاوكس لانه لافضل فيه على رأس المال وثلاثة أرباع الا رفع فينفذ عتقه في ذلك القدر وأما الربع الباقي فان كان رب المال موسرا فالمضارب في قول أبى حنيفة رحمه الله بالخيار ان شاء أعتق ذلك الربع وان شاء استسعى العبد فيه وان شاء ضمنه رب المال ويرجع به رب المال على العبد وان كان معسرا فان شاء أعتق وان شاء استسعى وهذا ظاهر وضمن المضارب أيضا رب المال تمام حصته من الربح وذلك خمسمائة موسرا كان أو معسرا لانه بالاعتاق صار متلفا مقدار ألفين وخمسائة ألف من ذلك رأس ماله وألف وخمسمائة ربح وقد وصل إلى
[ 113 ] المضارب خمسمائة اما بالتضمين أو بالاستسعاء فيسلم مثله لرب المال بقي ألف درهم بما أتلفه فنصفها حصة المضارب فلهذا غرم له خمسمائة موسرا كان أو معسرا. والحاصل ان كل شئ زاد بنصيب المضارب بعد عتق رب المال فالضمان فيه على رب المال ولا ضمان فيه على العبد وكل ماكان الملك فيه ظاهرا للمضارب وقت اعتاق رب المال فالحكم فيه بالتضمين والاستسعاء يختلف باليسار والاعسار كما بينا ثم رب المال لا يرجع على العبد بما ضمن للمضارب من هذه الخمسمائة الاخرى لانه التزم ذلك بالا تلاف فان كان رب المال أعتق الذى قيمته ألفان أولا عتق منه ثلاثة ارباعه لما بينا ثم تبين بوصول رأس المال إلى رب المال أن الآخر كله ربح مشترك بينهما فانما ينفذ عتق رب المال في نصفه فالحكم فيه بمنزلة الحكم في العبد المشترك يعتقه أحد الشريكين وان كان أعتق الذى قيمته ألف درهم أولا عتق الاول كله وصار رب المال مستردا جميع رأس ماله فيظهر ان الآخر كله ربح وانه مشترك بينهما وانما ينفذ عتق رب المال في نصفه وللمضارب الخيار في نصيبه كما بينا ولو اشترى بالف عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا فاعتقهما المضارب معا أو أحدهما قبل صاحبه ثم فقأ رب المال عين أحد هما أو قطع يده فقد صار مستوفيا نصف رأس ماله لان العين من الآدمى نصفه فصار متلفا نصفه بفق ء العين أو قطع اليد ولو كان العبد الاجنبي يضمن نصف قيمته خمسمائة فإذا كان من مال المضاربة صار مستوفيا نصف رأس ماله ثم ظهر الفضل في العبد الآخر لان الباقي من رأس المال خمسمائة وقيمته ألف الا أن العتق الذى كان من المضارب قبل ذلك فيه باطل لانه سبق الملك فلا ينفذ وان ظهر الملك من بعده وان أعتقهما المضارب بعد ذلك لم يجز عتقه في المجني عليه لانه لا فضل فيه عما بقى من رأس المال وأما العبد الآخر فيعتق منه ربعه نصف الفضل على ما بقى من رأس المال فيه ثم يباع المجني عليه فيدفع إلى رب المال تمام رأس ماله ويضمن المضارب ان كان موسرا لرب المال نصف قيمة العبد الذى جاز عتقه فيه لانه ظهر ان جميعه ربح وان نصفه لرب المال فيضمن المضارب له ذلك إذا كان موسرا ضمان العتق ويرجع به على العبد ويرجع عليه أيضا بمائتين وخسمين درهما وهذا قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لانه ظهر ملكه في نصفه الا ان أعتقه حين عتق ما نفذ الا في ربعه فيستسعيه في قيمة ربعه لتتميم العتق فيه وإذا دفع الرجل إلى الرجل الف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفا فولدت ولدا يساوى ألفا فادعاه المضارب فدعواه باطل لان كل
[ 114 ] واحد منهما مشغول برأس المال ولا فضل فيه وكل واحد منهما معتبر بانفراده فدعوته حصلت في غير ملكه فهو ضامن لعقر الجارية لانه أقر بوطئها وهى مملوكة لرب المال فعليه عقرها لما سقط الحد عنه بالشبهة وله أن يبيع الجارية وولدها فقد أبهم الجواب هنا وهو على التقسيم فان كانت جاءت بالولد منذ اشتراها لاقل من ستة أشهر فله أن يبيعها ولكن لا يلزمه العقر لانا تيقنا ان الوطئ سبق شراءه فلا يوجب عليه العقر للمضاربة وان كانت جاءت به لا كثر من ستة فعلية العقر وله أن يبيعها ما لم يستوف رب المال منه عقرها فان استوفى عقرها وهو مائة درهم صحت دعوته وثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد له لان ما وصل إلى رب المال وهو مائة درهم محسوب من رأس ماله فانما يبقى من رأس ماله تسعمائة وفى قيمة كل واحد منهما فضل على ما بقى من رأس المال فتصح دعواه ثم يغرم لرب المال من قيمة الجارية تسعمائة تمام رأس ماله وخسمين درهما مما بقى موسرا كان أو معسرا لان ضمان الاستيلاد ضمان تملك فلا يختلف باليسار والاعسار ولهذا لا يعتمد الصنع فإذا غرم له تسعمائة فقد وصل إليه تمام رأس ماله وصارت المائة الباقية من قيمتها ربحا بينهما فيغرم حصة رب المال من ذلك خمسين درهما وأما الولد فهو ربح كله ويعتق نصيب المضارب منه وهو النصف ويستسعى في نصف قيمته لرب المال ولا ضمان على المضارب في ذلك وان كان موسرا لانه كالمعتق له وضمان الاعتاق لا يجب الا بالصنع وانما عتق نصيبه هنا حكما لظهور الفضل في قيمة كل واحد منهما على رأس المال فان لم يبع واحد منهما ولم يستوف رب المال عقرها حتى زادت الجارية فصارت تساوى ألفين فهى أم ولد للمضارب لانه ظهر الفضل في قيمتها على رأس المال فيملك المضارب حصته منها وهو الربع فتصير أم ولد له لانه بدعواه نسب الولد قد أقر أنها أم ولد له والاقرار بالاستيلاد إذا حصل قبل الملك يوقف على ظهور الملك في المحل وبعد الملك يصير كالمجدد له ثم الاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتحرى في المحل فصار هو متملكا نصيب رب المال منها وذلك ثلاثة ارباعها ألف وخمسمائة ألف رأس ماله وخمسمائة ربح فعليه قيمة ثلاثة ارباعها موسرا كان أو معسرا لانه ضمان التملك وأما الولد فهو رقيق على حاله ما لم يؤد ما عليه من قيمة الام أو يأخذ رب المال شيأ من العقر لانه لافضل فيه على رأس المال وله أن يبيعه فان لم يبعه حتى صار يساوى ألفين فانه يصير ابن المضارب ويعتق منه ربعه لانه ظهر الفضل في قيمته على رأس المال فملك المضارب نصيبه من الربح وذلك ربع
[ 115 ] الولد فيعتق ذلك القدر عليه بخلاف ما سبق انه إذا أعتقه ولا فضل فيه على رأس المال ثم ظهر الفضل فيه لم ينفذ ذلك العتق لان انشاء العتق متى سبق الملك لم ينفذ بحدوث الملك في المحل بعده ودعوى النسب إذا سبقت لملك نفذ لحدوث الملك في المحل بعده باعتبار ان سببه لا يحتمل الفسخ بحال وهو كونه مخلوقا من مائه ثم لا ضمان على المضارب فيه لانه عتق حكما لظهور الفضل في قيمته وضمان العتق يعتمد الصنع وحين وجد منه الصنع وهو الدعوى لم يعتق شئ منه لان علة العتق القرابة والملك فانما يضاف إلى آخر الوصفين وجودا وقد حصل ذلك حكما بغير صنعه ولهذا لو ورث بعض قريبه لم يضمن لشريكه شيأ بخلاف الام فان ضمان الاستيلاد ضمان تملك وهو لا يعتمد الصنع (ألا ترى) انه لو ورث بعض أم ولده يضمن لشريكه نصيبه فان استوفى رب المال من المضارب ألف درهم صار ما بقى من الابن وما بقى على المضارب من قيمة الام وعقرها على المضاربة ربحا كله فان كان العقر مائة درهم ضمن رب المال المضارب الالف كلها والمائة الدرهم فإذا أخذها كان للمضارب مثل ذلك من الولد فيعتق من الولد قدر ألف در هم ومائة ويبقى تسعمائة فهو بين المضارب وبين رب المال نصفين فيعتق حصة المضارب ويستسعى الولد لرب المال في حصته أربعمائة وخسمين ولرب المال من ولاء الولد عشره وربع عشره والباقى للمضارب في قول أبى حنيفة رحمه الله وهذا اللفظ سهو فان لرب المال من ولاء الولد خمسه وربع عشره لان قيمة الولد ألفان والذى عتق منه على ملك رب المال قدر أربعمائة وخسمين وأربعمائة خمس الالفين والخمسون ربع العشر فان العشر مائتان فعلمنا أن له من الولاء خمسه وربع عشره والباقى للمضارب وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا الجواب فقال هو خطأ لان الباقي بعد الالف الذى استوفاها رب المال كله ربح بينهما نصفان فلا يكون حصة المضارب من الولد خاصة ولكن المضارب يضمن نصف ما بقى من نصف قيمة الام نصف العقر واستسعى الولد في نصف قيمته واستشهد بالمسألة التى ذكرها في آخر الباب فانه خرجها على هذا الوجه فقال تلك صحيحة وهى تنقض هذه المسألة فقال مشايخنا رحمهم الله ما ذكره عيسى هو القياس ولكن ما ذكره محمد رحمه الله نوع استحسان وانما أخذ به هنا لزيادة العتق في الولد فأما لو سلكنا طريق القياس لم يعتق الولد مجانا الا بصفة وإذا صرنا إلى ما ذكره محمد رحمه الله يعتق من الولد ثلاثة ارباعه وربع عشره مجانا ومبنى العقد على الغلبة والسراية فيترجح الطريق الذى فيها تكثير العتق
[ 116 ] ثم الفرق بين هذه المسألة وبين تلك بيناه في آخر الباب ولو كان المضارب معسرا لا يقدر على الاداء فاراد رب المال أن يستسعى الجارية في رأس ماله وحصته من الربح لم يكن له ذلك لان ذلك دين على المضارب ولا سعاية على أم الولد في دين مولاها وان أراد أن يستسعى الولد كان له ذلك في الالف وخمسمائة ألف درهم رأس ماله وخمسمائة حصته من الربح في الولد لان نصيب المضارب من الولد وهو الربع عتق بالدعوى فعليه السعاية في نصيب رأس المال وهو ثلاثه أرباعه وهذا لان الولد يعتق باداء السعاية والاستسعاء لتتميم العتق صحيح فاما أم الولد فلا تعتق باداء السعاية فلهذا لا يلزمها السعاية في دين مولاها ثم لرب المال ثلاثة أرباع ولاء الولد لان هذا القدر عتق على ملكه باداء السعاية إليه ويرجع على المضارب بنصف قيمة الام ونصف العقد لانها مع عقرها كله ربح فيسقط عن المضارب حسته من ذلك ويغرم حصة رب المال فإذا أدى ذلك إلى رب المال فاراد الولد أن يرجع بشئ مما سعى فيه على واحد منهما لم يكن له ذلك لان عوض ما سعى فيه قد حصل له وهو ذلك القدر من رقبته ولو كان المضارب حين اشترى الجارية بالالف وهى تساوى ألفا فولدت ولدا يساوي ألفا فلم يدعه ولكنه ادعاه رب المال فهو ابنه والام أم ولد له ولا يغرم للمضارب شيئا من عقر ولا قيمة جارية لان الجارية كلها مملوكة لرب المال إذ لا فضل فيها على رأس المال فاستيلاده حصل في خالص ملكه وذلك نقض منه للمضاربة بمنزلة ما لو استردها بالاعتاق فلم يلزمه عقرها وقد علق الولد حر الاصل ولا شئ للمضارب قبله من قيمتها ولا من قيمة ولدها وكذلك لو كان الولد يساوى ألفين لان نسبه ثبت من وقت العلوق وانما علق حر الاصل فلا معتبر بقيمته قلت أو كثرت ولو كانت الام تساوى ألفين غرم ربع قيمتها وثمن عقرها للمضارب لانه حين استولدها كان الربع منها للمضارب فيغرم له ربع قيمتها وقد لزمه ربع عقرها أيضا باعتبار ملك المضارب لكن هذا الربع من العقر ربح بينهما نصفان فتسقط حصته من ذلك ويغرم حصة المضارب وهو ثمن عقرها ولا ضمان عليه في الولد لانه علق حر الاصل فان أصل العلوق حصل في ملكه فتستند دعواه إلى تلك الحالة ويكون الولد حر الاصل ولو كان المضارب هو الذى وطئ الجارية وقيمتها الفان فجاءت بولد فادعاها المضارب بعد ما ولدته وقيمته ألف درهم فالولد ولد المضارب لانه كان مالكا لربعها حين استولدها وذلك يكفى لثبوت نسب الولد بالدعوى ولا ضمان عليه فيه وهو عبد لانه لا يملك شيئا من الولد فانه
[ 117 ] لا فضل في قيمته على رأس المال ولو اشترى المضارب ابنا معروفا له بمال المضاربة ولا فضل فيه على رأس المال لم يعتق عليه فكذلك إذا ثبت النسب بدعواه ويغرم لرب المال ثلاثة ارباع قيمة الجارية لان نصيبه منها صار ام ولد له وصار به متملكا نصيب رب المال وهو ثلاثة أرباعها فلهذا يعزم ثلاثة ارباع قيمتها ويغرم له ثلاثة أثمان العقر ولكن ذلك ربح كله فيسقط نصف حصة المضارب ويضمن لرب المال حصته من ذلك وهو ثلاثة أثمان عقرها فإذا قبض رب المال ذلك عتق نصف الولد لان الولد صار ربحا كله فيعتق نصيب المضارب منه وهو النصف ويسعى في نصف قيمته لرب المال ولا ضمان على المضارب فيه لان العتق حصل حكما بحدوث ملكه فيه ولا يقال كان ينبغى أن يكون الولد حر الاصل كما في جانب رب المال لان رب المال صار ناقضا للمضاربة باسترداد رأس المال عنه عند الاستيلاد والمضارب لا يتمكن من ذلك فلا يسلم له شئ من الربح ما لم يسلم رأس المال لرب المال فلهذا كان الولد رقيقا وانما يعتق إذا سلم رأس المال لرب المال ولو كانت الجارية تساوى ألفا فولدت ولدا يساوي ألفا فادعاه المضارب فغرمه رب المال العقر وهو مائة درهم وأخذها صارت الجارية أم ولد للمضارب ويعتق الولد ويثبت نسبه لظهور الفضل في قيمة كل واحد منهما على ما بقى من رأس المال ويضمن المضارب من قيمة الام تسعمائة وخمسين درهما تسعمائة ما بقى من رأس المال وخمسون حصة رب المال من المائة التى هي ربح في الجارية فإذا قبضها رب المال عتق نصف الولد من المضارب ويسعى في نصف قيمته لرب المال وولاؤه بينهما نصفان لان الولد كله ربح بينهما نصفين وهذه هي المسألة التى استشهد بها عيسى رحمه الله والفرق بينها وبين الاول على جواب الكتاب من وجهين أحدهما أن في هذا الموضع سبب عتق الولد اشترك فيه المضارب ورب المال فلهذا لا يجمع نصيب المضارب من الربح في الولد كله وهناك لا صنع لرب المال في السبب الموجب للعتق في الولد وانما السبب ظهور الفضل في قيمته على رأس المال فلهذا يجمع جميع نصيب المضارب من الربح في الولد لدفع الضرر عن رب المال بوصوله إلى جميع نصيبه بالتضمين في الحال والثانى أن الجمع هناك لتغليب العتق وذلك لا يقوى هناك لان تفاوت ما بين الجمع والتفريق نصف عشر الولد فالربح من الجارية قدر المائة وان جعلنا ذلك كله لرب المال لا يزداد العتق للولد الا بقدر نصف العشر وذلك قليل فلهذا لم يشتغل بالجمع هنا وان كان المضارب معسرا وقد أدى العقر فلرب المال أن يستسعى الولد بتسعمائة وخمسين
[ 118 ] درهما تسعمائة بقية رأس ماله لانه لا وجه لاستسعاء الجارية في ذلك فانها ام ولد فلا يلزمها السعاية في دين مولاها ولكن يستسعى الولد في ذلك ليعتق ثم المائة الباقية منه ربح فيسعى لرب المال في نصفها ويكون لرب المال من الولد تسعة أعشاره ونصف عشره ويكون له نصف قيمة الام دينا على المضارب في قول أبى حنيفة رحمه الله لان الام صارت ربحا كلها وانما يضمن المضارب لرب المال مقدار حصته منها بالاستيلاد وذلك النصف والله أعلم * (باب جناية العبد في المضاربة والجناية عليه) * (قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل ألف در هم مضاربة فاشترى وباع وربح ثم اشترى ببعضها عبدا يساوى ألفا فقتله رجل عمدا فلا قصاص فيه لاشتباه المتوفى لان في الحال العبد كله مشغول برأس المال فالقصاص لرب المال دون المضارب وباعتبار المال المضارب شريك لان رب المال باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس ماله فان القصاص ليس بمال فلا بد أن يستوفى ما بقى من المال بحساب رأس المال وإذا استوفى ذلك ظهر في العبد فضل على ما بقى من رأس المال فيكون المضارب شريكا بقدر حصته من الربح وليس لا حد الشريكين أن ينفرد باستيفاء القصاص فان قيل كان ينبغى أن يجتمعا في استيفاء القصاص قلنا هذا غير ممكن أيضا فان المضارب يصير مستوفيا لنفسه شيأ قبل أن يصل إلى رب المال كمال رأس ماله وذلك لا يجوز وبه فارق العبد المرهون إذا قتل عمدا واجتمع الراهن والمرتهن في استيفاء القصاص فان لهما ذلك في قول أبى حنيفة وأحد الروايتين عن أبى يوسف رحمهما الله وفي قول محمد رحمه الله وهو أحد الروايتين عن أبى يوسف رحمه الله ليس لهما ذلك لان حق المرتهن مع حق الراهن فيه بمنزلة حق المضارب مع حق رب المال هنا والفرق بينهما عند أبى حنيفة وأبى يوسف ان هناك الحق لا يعد وهما وليس في اجتماعهما على استيفاء القصاص ما يتضمن مخالفة حكم الشرع بل مالية الرهن تصير تاوية به ويسقط الدين وذلك مستقيم بتراضيهما وهنا في اجتماعهما على الاستيفاء سلامة شئ للمضارب قبل وصول كمال رأس المال إلى رب المال. يوضحه ان هناك الراهن هو المالك لجميع العبد في الحال والمال وللمرتهن حق فيشترط رضاه ليتمكن المالك من استيفاء القصاص وهنا المالك رب المال في الحال وباعتبار المآل المضارب شريك في المآل وهو نظير المكاتب إذا قتل عن وفاء وله وارث سوى المولى لا يجب القصاص
[ 119 ] لا شتباه المستحق ولو كان المضارب اشترى بالالف المضاربة عبدا يساوى ألف درهم فقتله رجل عمدا فالقصاص واجب لرب المال لان العبد قتل على ملكه ولا شركة للغير فيه باعتبار الحال والمال إذ لا فضل في المال على رأس المال فيجب القصاص له على القاتل وقد خرج العبد عن المضاربة لان القصاص الواجب ليس بمال وقد صار مال المضاربة بحال لا يتأتى فيه التصرف بيعا ولا شراء فلهذا يخرج من المضاربة كما لو أعتقه رب المال فان صالحه على ألف در هم كانت لرب المال من رأس ماله وان صالحه على ألفى درهم استوفى رب المال من ذلك رأس ماله وما بقى بمنزلة الربح بينهما على ما اشترطا لان القود الواجب كان مثلا لمال المضاربة وقد صار ذلك القود بالصلح مالا والمال عوض عن ذلك القود وحكم العوض حكم المعوض الا أنه كان لا يظهر حق المضارب في القود لانه ليس بمال والربح لا يظهر ما لم يصل رأس المال إلى رب المال فأما هنا العوض مال فيظهر نصيب المضارب فيه إذا وصل رب المال رأس ماله وهو نظير الموصى له بالثلث لا حق له في القصاص فان وقع الصلح عنه على مال ثبت فيه حق الموصى له ولو كان المضارب اشترى العبد بالف المضاربة وهو يساوى ألفين فقتله رجل عمدا فلا قصاص عليه وان اجتمع على طلبه رب المال والمضارب لان رب المال لا ينفرد باستيفاء القصاص هنا للشركة التى كانت للمضارب في العبد حين قتل ولا يجوز أن يجتمعا على الاستيفاء لان رب المال باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس ماله فيؤدى إلى أن يستوفى المضارب شيأ لنفسه قبل أن يصل إلى رب المال رأس ماله فلهذا لا يجب القصاص أصلا ومتى تعذر ايجاب القصاص في العمد المحض يجب بدل المقتول في مال القاتل وبدل المقتول قيمته هنا فيأخذ المضارب قيمة العبد من القاتل في ماله في ثلاث سنين لان وجوب المال بنفس القتل فيكون مؤجلا وان كانت العاقلة لا تعقله لكونه عمدا كالاب إذا قتل ابنه عمدا ثم هذه القيمة على المضاربة يشترى بها ويبيع بمنزلة مالو غصب العبد غاصب وتلف في يده ولو كانت قيمته ألف درهم أو أقل فقتل العبد رجلا عمدا فادعى ذلك أولياؤه على العبد وأقاموا عليه البينة بذلك والمضارب حاضر ورب المال غائب لم يقض على العبد بالقصاص حتى يحضر رب المال وكذلك ان حضر رب المال والمضارب غائب لم يقض بالقصاص حتى يحضر المضارب لان الملك لرب المال واليد للمضارب وهى يد مستحقة له (ألا ترى) أنه يتمكن من التصرف باعتبارها على وجه لا يملك رب المال نهيه عن ذلك فنزل هو منزلة المالك
[ 120 ] واشتراط حضور المالك في القضاء بالبينة على العبد بالقود قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف الآخر لا يشترط ذلك لان العبد في حكم دمه مبقى على أصل الحرية وعندهما للمولى حق الطعن في الشهود فلا يجوز تفويت ذلك الحق عليه بالقضاء بالبينة حال غيبته وقد بينا المسألة في الآبق فحال غيبة المضارب على الخلاف أيضا ولا خلاف أن العبد لو أقر بالقتل عمدا فانه يقضي عليه بالقود حضرا أو لم يحضرا لان الاقرار ملزم بنفسه وليس لهما حق الطعن في اقراره ولو أقر العبد بذلك وهما حاضران يكذبانه فيه وللمقتول وليان فعفا أحدهما فان حق ولى الآخر باطل لان صحة اقراره باعتبار أن المستحق به دمه وهو خالص حقه وبعد عفو أحد الوليين المستحق للآخر هو المال واقراره في استحقاق الملك والمالية على مولاه باطل كما لو أقر بجناية خطأ وكذلك لو كان المضارب صدقه لان العبد كله مشغول برأس المال فالمضارب فيه كالا جنبى وباعتبار اليد لا ينفذ اقراره كالمرتهن إذا أقر بذلك على المرهون فان كان في العبد فضل فقيل له ادفع نصف حصتك إلى الولى الذى لم يعف أوافده لانه ملك حصته من الفضل ولو أقر فيه بجناية خطأ خوطب بالدفع أو الفداء فكذلك بجناية العمد بعد عفو أحد الوليين في نصيب الآخر فإذا احتال أحدهما بطلت المضاربة لانه لو اختار الدفع فقد صار مملكه ذلك القدر من جهة نفسه لا على وجه التصرف في مال المضاربة وان اختار الفداء فقد سلم له ذلك القدر بما أدى من الفداء وذلك يبطل عقد المضاربة فيه وإذا بطل حكم المضارب في بعض رأس المال بطل في كله فيأخذ رب المال من العبد قدر رأس ماله وحصته من الربح ويأخذ المضارب نصف حصته الذى بقى ولو لم يكن في دفعه الا اثبات الشركة للغير في مال المضاربة لكان ذلك مبطلا للمضاربة ولو كان المضارب أنكر ما أقر به العبد وأقر به رب المال وقيمته ألف أو أقل قيل لرب المال ادفع نصفه أو افده بنصف الدية لان العبد كله مملوك لرب المال فاقراره عليه بالجناية الموجبة للمال صحيح فان دفعه كان النصف الباقي على المضاربة ورأس المال فيه خمسمائة لانه في حق المضارب صار هو مستوفيا نصفه بالدفع فيكون ذلك محسوبا عليه من رأس ماله وان كانت قيمته أقل من ألف طرح من الالف قدر قيمة ما استهلك رب المال من العبد بالدفع ورأس ماله ما وراء ذلك والباقى على المضاربة يتمكن المضارب من التصرف فيه ولو كانت قيمته ألفى درهم صدق رب المال على حصته من ذلك وهو ثلاثة أرباع العبد فيقال له ادفع نصف حصتك أو افده ويسلم لرب المال
[ 121 ] نصف حصته من العبد ويكون للمضارب حصته من العبد وهو الربع لان المولى حين أقر عليه بالجناية كان العبد مشتركا بينه وبين المضارب ارباعا فانما يعمل اقراره في نصيبه دون نصيب المضارب ولو اشترى المضارب بالف المضاربة عبدا قيمته ألف درهم فجني جناية خطأ لم يكن للمضارب أن يدفعه بالجناية لان العبد كله مملوك لرب المال فالدفع بالجناية تمليك لا بطريق التجارة فلا يملكه المضارب بعقد المضاربة كالتمليك بالهبة والصدقة وكابطال الملك فيه بالا عتاق وان فداه كان متطوعا في الفداء لانه لا ملك له في العبد وهو غير مجبر على هذا الفداء فهو فيه كأجنبي آخر وكان العبد على المضاربة على حاله لانه فرغ من الجناية بالفداء فان كان رب المال حاضرا قيل له ادفعه أوافده لانه هو المالك لجميع العبد حين جنى والمالك هو المخاطب بالدفع أو الفداء فان اختار الفداء أخذه ولم يكن للمضارب عليه سبيل لانه سلم له العبد بما أدى من الفداء فصار هو في حق المضارب كالتاوى حين أبى المضارب أن يفديه فلا يبقي له حق فيه باعتبار يده وان أراد دفعه فقال المضارب أنا أفديه ويكون على المضاربة لانى أريد أن أبيعه فاربح فيه كان له ذلك لان له في العبد يدا معتبرة وباعتبارها يتمكن من التصرف على وجه لا يملك رب المال منعه عن ذلك فيكون هو متمكنا من استدامة يده باداء الفداء لانه لا يبطل بالفداء شيأ من حق رب المال ورب المال بالدفع يبطل حق المضارب ولو كان المضارب غائبا لم يكن لرب المال أن يدفعه وانما له أن يفديه لانه ليس في الفداء ابطال اليد المستحقة للمضارب فيه بل فيه تقرير يده بعد ما أشرفت على الفوات وفى الدفع تفويت يده فلا يملكه الا بمحضر من المضارب لان له أن يختار الفداء إذا حضر فلا يملك رب المال أن يبطل عليه خياره ولو كان المضارب اشترى ببعض المضاربة عبدا فجنى جناية خطأ وفى يد المضارب من المضاربة مثل الفداء أو أكثر لم يكن له ان يفديه بالمال الذى في يده لان الفداء من الجناية ليس من التجارة وليس له أن يتصرف في مال المضاربة على غير وجه التجارة وانما له أن يفديه من مال نفسه ان أحب ولو كان اشترى بالف المضاربة عبدا يساوى ألفين فجنى جناية خطأ تحيط بقيمته أو أقل منها لم يكن لواحد منهما أن يدفعه حتى يحضرا جميعا لان العبد مشترك بينهما ربعه للمضارب وثلاثة أرباعه لرب المال وأحد الشريكين في العبد لا ينفرد بدفع جميع العبد وأيهما فداه فهو متطوع في الفداء لان في نصيب شريكه هو غير مجبر على الفداء ولا مضطر إلى ذلك لا حياء ملكه فكان متبرعا فيه فان حضرا واختارا
[ 122 ] الدفع دفعاه وليس لهما شئ وان اختارا الفداء فالفداء عليهما ارباعا على قدر ملكهما فيه وقد خرج العبد من المضاربة وليس للمضارب بيع نصيب رب المال منه لانه انما سلم له بما أدى من الفداء والمضارب قد رضي بفوات يده وحقه فيه حين أبى الفداء في حصة رب المال فان اختار رب المال الفداء واختار المضارب الدفع فكل واحد منهما يختص بملك نصيبه وله ما اختار في نصيبه من دفع أو فداء وقد وقعت القسمة بينهما وخرج العبد من المضاربة لان رب المال ان دفع نصيبه وفدى المضارب نصيبه فقد تميز نصيب أحدهما من الآخر وكذلك ان كان المضارب دفع نصيبه وتميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لا يكون الا بعد القسمة فلهذا جعل ذلك قسمة بينهما وابطالا للمضاربة ولان بالتخيير في حق كل واحد يثبت في نصيبه حكم ليس ذلك من حكم المضاربة فيتضمن ذلك بطلان المضاربة بينهما والله أعلم * (باب ما يجوز للمضارب أن يفعله ومالا يجوز) * (قال رحمه الله) وإذا اشترى المضارب بالف المضاربة عبدا أو أمة ليس له أن يزوج واحدا منهما في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله يزوج الامة ولا يزوج العبد لان في تزويج الامة اكتساب المال واسقاط نفقتهما من مال المضاربة وذلك بمنزلة بيعها واجارتها وتزويج العبد اضرار لا منفعة فيه للمضاربة ولهما أن المضارب فوض إليه التجارة في هذا المال والتزويج ليس من التجارة فان التجار ما اعتادوه ولم نعرف في موضع من البلدان سوقا معدا للتزويج وفيما ليس بتجارة المضارب كغيره من الاجانب (ألا ترى) انه لا يكاتب لان الكتابة ليست بتجارة وان كان فيها اكتساب المال فكذلك تزويج الامة وان كاتب عبدا من المضاربة ولا فضل في قيمته على رأس المال فادي الكتابة فهو عبد لانه لو أعتقه كان عتقه باطلا فكذلك إذا استوفى منه بدل الكتابة وما أداه فهو من المضاربة لانه كسب عند المضاربة والكسب يتبع الاصل فإذا كان المكتسب على المضاربة فكذلك كسبه وإذا كان كاتبه وفيه فضل على رأس المال فالكتابة أيضا باطلة لانه لا يمكن تنفيذها على المضاربة فانها ليست بتجارة ولا يمكن تنفيذها في نصيب نفسه باعتبار ملكه لان ذلك القدر يخرج من المضاربة فيؤدى إلى سلامة شئ للمضارب قبل وصول رأس المال إلى رب المال ثم هذا عبد مشترك بينهما وأحد الشريكين إذا كاتب فللآخر أن يفسخ الكتابة لدفع الضرر عن نفسه
[ 123 ] فهنا للمولى أن يبطل الكتابة أيضا فان لم يبطلها حتى أدى البدل عتق نصيب المضارب منه لانه كان علق عتقه بالاداء فعند استيفاء البدل منه يصير كالمعتق اياه واعتاق المضارب في نصيب نفسه صحيح إذا كان في العبد فضل على رأس المال ثم حصة نصيب المضارب من المكاتب وهو الربع يسلم له وما وراء ذلك كسب ثلاثة أرباعه فيكون على المضارب يستوفى رب المال منه رأس المال وما بقى بعد ذلك اقتسماه على الشرط في الربح ثم رب المال بالخيار في قول أبى حنيفة رحمه الله ان شاء ضمن المضارب ان كان موسرا نصف قيمة العبد إذا كانت المضاربة بالنصف وان شاء استسعى العبد وان شاء أعتقه لانه لما وصل إلى رب المال رأس المال بقى العبد كله ربحا فيكون بينهما نصفين وقد عتق نصيب المضارب منه باعتاقه وهو موسر فيكون للثالث ثلاث خيارات كما هو أصل أبى حنيفة ولو كان المضارب أعتقه على ألفى درهم ولا فضل في قيمته على رأس المال فعتقه باطل لانه لا يملك اعتاق شئ منه بغير عوض لانعدام ملكه في شئ من الرقبة فكذلك لا يملك الاعتاق بعوض وان كان فيه فضل عتق نصيبه منه بحصته من المال الذى أعتقه عليه لانه في حصته يملك الاعتاق بغير عوض فيملك الاعتاق بعوض وشرط العتق قبول العبد جميع العوض وقد وجد وسلم تلك الحصة له ورب المال بالخيار وان كان المضارب موسرا بين التضمين والاستسعاء والاعتاق. وإذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى ببعضها عبدا فرهنه المضارب بدين عليه من غير المضاربة لم يجز كان في العبد فضل على رأس المال أو لم يكن لانه صرف مال المضاربة إلى حاجة نفسه والرهن نقيض الاستيفاء وليس له أن يوفي دين نفسه بمال المضاربة قبل القسمة فكذلك لا يرهن به فان رهنه بدين من المضاربة وفيه فضل أو ليس فيه فضل فالرهن جائز لانه يملك ايفاء دين المضاربة بمال المضاربة فيملك الرهن أيضا وهذا لانه من صنيع التجار والمضارب فيما هو من صنيع التجار بمنزلة المالك ولو لم يرهنه ولكن العبد استهلك مالا لرجل أو قتل دابة فباعه المضارب في ذلك دون حضور رب المال أو دفعه إليهم بدينهم أو قضى الدين عنه من مال المضاربة فذلك جائز لان ما فعله من صنيع التجار أما البيع فلا يشكل وكذلك قضاء الدين عنه لان فيه تخلص المالية فيكون بمنزلة فكاك الرهن بقضاء الدين وهذا بخلاف جنايته في بنى آدم فان موجب الجناية الدفع أو الفداء وليس ذلك من التجارة فليس تستند المضاربة به ولو أذن المضارب لهذا العبد في
[ 124 ] التجارة ولم يقل له رب المال في المضاربة اعمل برأيك جاز ذلك على رب المال لان الاذن في التجارة من التجارة وبمطلق العقد يملك المضارب ما هو من التجارة في مال المضاربة مطلقا فان اشترى العبد عبدا من تجارته فنجى عبده جناية لم يكن للعبد أن يدفعه ولا يفديه حتى يحضر رب المال والمضارب وهذا بخلاف العبد المأذون من جهة مولاه إذا اشترى عبدا فجنى جناية فان للمأذون أن يدفعه أو يفديه لان هناك العبد استفاد الاذن ممن يخاطب بموجب جنايته فكذلك هو بعد انفكاك الحجر يخاطب بموجب جناية عبده فيخير بين الدفع والفداء وأما عبد المضاربة فاستفاد الاذن من جهة من لا يكون مخاطبا بموجب جنايته فكذلك هو لا يكون مخاطبا بموجب جناية عبده في الدفع أو في الفداء قبل حضور رب المال والمضارب وهذا لان المأذون من جهة المضارب لا يكون أحسن حالا في التجارة من المضارب فإذا كان المضارب لا ينفرد بدفع عبد المضاربة بالجناية ولا بالفداء من مال المضاربة قبل أن يحضر رب المال فكذلك المأذون من جهته لان كسب هذا المأذون مال المضاربة لنفسه وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير مضاربة بالنصف أو بأقل أو بأكثر فهو جائز لانه مأمور بقربان ماله بالاحسن وقد يكون الاحسن هذا فقد لا يجد من يحتسب بالتصرف في ماله ولا يتفرغ لذلك لكثرة أشغاله وان استأجر من يتصرف في ماله وجب الاجر حصل الربح أو لم يحصل فكان أنفع الوجوه للصبى أن يجعل المتصرف شريكا في الربح التابع في النظر لاجل نصيب نفسه من الربح ولا يغرم الصبى له شيأ ان لم يحصل الربح وكذلك لو أخذه لنفسه مضاربة لان منفعة الصغير في هذا أبين فانه أشفق على ماله من الأجنبي ويكون المال عنده محفوظا فوق ما يكون عند الأجنبي ولو أخذ الاب لابنه الصغير مال رجل مضاربة بالنصف على أن يعمل به الاب للابن فعمل به الاب فربح فالربح بين رب المال والاب نصفان ولا شئ للابن من ذلك لان الربح في المضاربة يستوجب بالعمل وإذا كان العمل مشروطا على الاب فما يقابله من الربح يكون له وهذا لانه يعمل بمنافعه وهو العقد على منافع نفسه ولايكون نائبا عن الابن فكانت الاضافة إلى الابن لغو إذا كان العمل مشروطا على الاب ولو كان مثله يشترى ويبيع فأخذه الاب على أن يشترى به الغلام ويبيع والربح نصفان فالمضاربة جائزة والربح بين رب المال والابن نصفان لانه ممن يملك التصرف عند الاذن له في التجارة والاب نائب عنه فيما هو من عقود التجارة وفيما هو
[ 125 ] من عقود التجارة عليه وأخذ المال له المضاربة بتلك الصفة فمباشرة الاب له كمباشرته بنفسه ان لو كان بالغا وكذلك لو عمل به الاب للابن بأمره لانه استعان بالاب في اقامة ما التزم من العمل بعقد المضاربة ولو استعان باجنبي آخر كان عمل الاجنبي له بأمره كعمله بنفسه فكذلك إذا استعان فيه نائبه وان كان الابن لم يأمره بالعمل فهو ضامن للمال لان رب المال انما رضي بتصرف الصبي لا بتصرف أبيه فيكون الاب في التصرف فيه كأجنبي آخر بخلاف مال الصبي فله ولاية التصرف فيه شرعا لكونه قائم مقام الصبي وان ثبت انه في هذا التصرف كأجنبي آخر كان غاصبا ضامنا للمال والربح له يتصدق به لانه استفاده بكسب خبيث والوصي في جميع ذلك بمنزلة الاب لانه بعد موته قائم مقامه فيما يرجع إلى النظر للصغير في ماله وإذا دفع المكاتب مالا مضاربة بالنصف أو بأقل أو بأكثر أو أخذ مالا مضاربة فهو جائز وكذلك العبد المأذون له في التجارة لان هذا من عمل التجار وكذلك الصبي المأذون له في التجارة لانه منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار كالعبد وان دفعه الصبي بغير اذن ابنه أو وصيه وهو غير مأذون له في التجارة فعمل به المضارب فهو ضامن له لانه غاصب للمال فاذن الصبي له في التصرف ودفعه المال إليه بدون رأى الولي باطل وإذا كان غاصبا ضمن المال وملك المضمون بالضمان والربح له ويتصدق به والله أعلم * (باب مضاربة أهل الكفر) * (قال رحمه الله) ولا بأس بان يأخذ المسلم من النصراني مالا مضاربة لانه من نوع التجارة والمعاملة أو هو توكيل من رب المال اياه بالتصرف فيه ولا بأس للمسلم أن يلى البيع والشراء للنصراني بوكالته ويكره للمسلم أن يدفع إلى النصراني مالا مضاربة وهو جائز في القضاء كما يكره أن يوكل النصراني بالتصرف في ماله وهذا لان المباشر للتصرف هنا النصراني وهو لايتحرز عن الزيادة ولا يهتدى إلى الاسباب المفسدة للعقد ولا يتحرز عنها اعتقادا وكذلك يتصرف في الخمر والخنزير ويكره للمسلم أن ينيب غيره منابه في التصرف فيها ولكن هذه الكراهة ليست لعين المضاربة والوكالة فلا تمتنع صحتها في القضاء ولايكره للمسلم أن يدفع ماله إلى مسلم ونصراني مضاربة لان النصراني لا يستبد بالتصرف في هذا المال دون المسلم والمسلم
[ 126 ] لا يمكنه من الربا والتصرف في الخمر فكان دفعه اليهما مضاربة كالدفع إلى المسلمين ولا ينبغى للمضارب ولا لرب المال ان يطأ جارية اشتراها للمضاربة كان فيها فضل على رأس المال أو لم يكن ولا يقبلها ولا يلمسها لانه ان لم يكن فيها فضل فهى ملك رب المال ليست بزوجة للمضارب ولا بملك يمين ولكن للمضارب فيها حق نسبة الملك حتى ان رب المال لا يملك أخذها منه ولانهى المضارب عن التصرف فيها فكان المضارب ممنوعا عن التصرف والتى يختص بالملك فيها والوطئ ودواعيه من هذه الجملة وكان رب المال ممنوعا من ذلك لقيام حق المضارب فيها وفي المضاربة الصغيرة قال إذا لم يكن فيها فضل فاحب إلى أن لا يطأها رب المال ولا يعرض لها بشئ من هذا ولو فعل لم يكن آثما فيه لانه خالص ملكه وحق المضارب في المالية وحل الوطئ ينبنى على ملك المتعة وانما يستفاد ذلك بملك الرقبة دون ملك المالية وان كان فيها فضل فهى بمنزلة جارية مشتركة بين اثنين فلا يحل لواحد منهما أن يطأها لان حل الوطئ ينبنى على ملك المتتعة وانما يستفاد ذلك بكمال ملك الرقية وببعض العلة لا يثبت شئ من الحكم ولو زوجها رب المال من المضارب فان كان فيها فضل فالنكاج باطل لان المضارب يملك مقدار حصته منها وملك جزء منها كملك جميع الرقبة في المنع من النكاج ابتداء وبقاء وإذا بطل النكاح بقيت على المضاربة كما كانت وان لم يكن فيها فضل جاز النكاح كما لو زوجها من أجنبي آخر لان ولاية التزويج تستفاد بملك الرقبة كولاية الاعتاق ولو أعتقها رب المال أو دبرها نفذ ذلك منه فكذلك إذا زوجها وقد خرجت من المضاربة لان التزويج ليس من التجارة وتنفيذ المولى فيها تصرفا ليس من التجارة بل يكون اخراجا لها من المضاربة فليس للمضارب أن يبعيها بعد ذلك (ألا ترى) أن المولى لو زوج أمته من كسب عبده المأذون ولا دين عليه من المأذون أو غيره جاز النكاح وخرجت الجارية من التجارة حتى لا يملك المأذون بيعها بعد ذلك فكذلك المضارب وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة جارية ثم أشهد بعد ذلك أنه اشتراها لنفسه شراء مستقلا بمثل ذلك المال أو بربح وكان رب المال أذن له أن يعمل فيه برأيه أو لم يأذن فان شراءه لنفسه باطل ولا ينبغى له أن يطأها وهى على المضاربة على حالها لانه يشتري من نفسه لنفسه وأحد لا يملك ذلك غير الاب في حق ولده الصغير وهذا المعنى يضاد الاحكام وان كان حين اشتراها بمال المضاربة أشهد أنه يشتريها لنفسه فان كان رب المال أذن له في ذلك فذلك جائز وما اشترى فهو له وهو
[ 127 ] ضامن لرب المال ما نقد لانه قضى بمال المضاربة دين نفسه فان ثمن ما اشترى لنفسه يكون عليه وان كان رب المال لم يأذن له في ذلك فالجارية على المضاربة لانه أضاف الشراء إلى مال المضاربة وهو لا يملك التصرف في مال المضاربة الا للمضاربة والمأمور بالتصرف لا يعزل نفسه في موافقته أمر الآمر كالوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشترى ذلك الشئ لنفسه يكون مشتريا لرب المال لانه يريد عزل نفسه في موافقة أمر الآمر فاما إذا كان أذن له في ذلك فيتمكن من التصرف في هذا المال الا للمضاربة ويصير رب المال بهذا الاذن كالمقرض للمال منه ان اشترى به لنفسه وان كان اشتراها على المضاربة وفيها فضل فأراد المضارب أن يأخذها لنفسه فباعها اياه رب المال بربح فذلك جائز ويستوفى رب المال من ذلك رأس ماله وحصته من الربح وخرج المال من المضاربة لان رب المال لو باعها من غيره برضاه جاز فكذلك إذا باعها منه وأكثر ما فيه ان للمضارب فيها شركة وشراء أحد الشريكين من صاحبه جائز في نصيبه ثم قد خرج المال من المضاربة لانه حين اشتراها لنفسه فقد تحول حكم المضاربة إلى ثمنها والثمن مضمون في ذمة المضارب ومن شرط المضاربة كون المال أمانة في يد المضارب فإذا صار مضمونا عليه بطلت المضاربة ولو كان رب المال أراد أخذ الجارية لنفسه فباعها اياه المضارب بزيادة على رأس المال فهو جائز عندنا وهو قول زفر لا يجوز لان الملك فيها لرب المال حقيقة وللمضارب فيها حق وبيع الحق لا يجوز ولنا ان هذا تصرف مفيد لانه يخرج به من المضاربة ما كان فيها ويدخل به في المضاربة ما لم يكن فيها وهو الثمن ومبنى التصرفات الشرعية على الفائدة فمتى كان مفيدا كان صحيحا كالمولي إذا اشترى عبدا من عبده المأذون المديون ويكون الثمن هنا على المضاربة لان شرط المضاربة ما انعدم بصيرورة الثمن دينا في ذمة رب المال فان العينية شرط ابتداء المضاربة فأما في حالة البقاء في ذمة رب المال وكونه في ذمة أجنبي آخر فسواء بخلاف الاول فيكون المال أمانة في يد المضارب بشرط بقاء العقد وابتدائه فإذا صار مضمونا عليه قلنا بأن المضاربة تبطل وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف فارتد المضارب أو دفعه إليه بعد ما ارتد ثم اشترى وباع فربح أو وضع ثم قتل على ردته أو مات أو قتل بدار الحرب جاز جميع ما فعل من ذلك والربح بينهما على ما اشترطا لان توقف تصرفاته عند أبى حنيفة رحمه الله لتعلق حق ورثته بماله أو لتوقف ملكه باعتبار توقف نفسه وهذا المعنى لا يوجب تصرفه في مال المضاربة لانه نائب فيه عن رب المال وهو
[ 128 ] متصرف في منافع نفسه ولا حق لورثته في ذلك فلهذا نفذ تصرفه والعهدة في جميع ما باع واشترى على رب المال في قول أبى حنيفة لان حكم الردة نيط بردته وقد بينا ذلك في ردة الوكيل وهذا لانه لو لزمته العهدة لكان قضى ذلك من ماله فإذا نحيت العهدة عنه بأن قتل على ردته تعلق بما انتفع بتصرفه بمنزلة الصبي المحجور عليه إذا توكل بالشراء للغير أو بالبيع في قول أبى يوسف ومحمد وحاله في التصرف بعد الردة كحالة قبل الردة فالعهدة عليه ويرجع بذلك على رب المال وان كان المضارب امرأة فارتدت أو كانت مرتدة حين دفع المال إليها ثم فعلت ذلك كانت العهدة عليها كما لو تصرفت لنفسها وهذا لان المرتدة لاتوقف نفسها مادامت في دار الاسلام ولا يوقف مالها أو تصرفها أيضا بخلاف المرتد قال ولو لم يرتد المضارب وارتد رب المال أو كان مرتدا ثم اشترى المضارب وباع فربح أو وضع ثم قتل المرتد أو مات أو لحق بدار الحرب فان القاضى يجيز البيع والشراء على المضاربة والربح له ويضمنه رأس المال في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو على المضاربة لان رب المال حين ارتد فقد توقفت نفسه وصار بحيث لا يملك التصرف بنفسه فكذلك لا يملك المضارب التصرف له ولكن ينفذ تصرفه في الشراء والبيع على نفسه ويضمن ما نقد من مال المضاربة وعند أبى يوسف ومحمد تصرفه نافذ على المضاربة ثم على قول أبى حنيفة رحمه الله ينفذ شراؤه على نفسه غير مشكل ولكن الاشكال في تنفيذ بيعه وانما ينفذ بيعه لان ردة رب المال بعد ما صار المال عروضا كموته وقد بينا أنه يملك البيع بعد موت رب المال فلا بد من تنفيذ بيعه لذلك ثم شراؤه بعد ذلك بالمال على نفسه ولو لم يدفع ذلك إلى القاضى حتى رجع المرتد مسلما جاز جميع ذلك على المضاربة كما اشترطا وهذا بخلاف الوكالة فان الموكل إذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما جاز جميع ذلك على المضاربة كما اشترطا وهذا بخلاف الوكالة فان الموكل إذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته أما إذا لم يتصل قضاء القاضى بلحاقه فلان هذا بمنزلة الغيبة فلا يوجب عزل الوكيل ولا بطلان المضاربة وأما بعد الالتحاق والقضاء به فالو كيل انما ينعزل بخروج محل التصرف عن ملك الموكل إلى ملك ورثته وذلك مبطل للو كالة والوكالة بعد ما بطلت لا تعود الا بالتجديد وهو غير مبطل للمضاربة لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة وهذا الفرق فيما ينشأ من التصرف بعد عود رب المال فاما فيما كان أنشأ من التصرف فان كان قد قضي
[ 129 ] القاضى بلحاقه لا ينفذ ذلك التصرف على المضاربة بعد ما نفذ على المضارب نفسه كما لو مات حقيقة فان كان لم يقض القاضي بلحاقه فهو كما لو غاب ثم رجع قبل اللحوق بدار االحرب وأسلم فينفذ جميع ذلك على المضاربة ولو كان لرب المال امرأة مرتدة كان جميع ذلك جائزا على المضاربة ان أسلمت أو لم تسلم لانها تملك التصرف بعد الردة فكذلك ينفذ تصرف المضارب لها بعد ردتها. وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف فارتد رب المال ولحق بدار الحرب فلم يقض في ماله بشئ حتى رجع مسلما وقد اشترى المضارب بالمال أو باع ورب المال في دار الحرب فذلك كله جائز على المضاربة لان اللحوق بدار الحرب إذا لم يتصل به قضاء القاضي بمنزلة الغيبة ولو كان المضارب هو الذي ارتد ولحق بدار الحرب واشترى به في دار الحرب وباع ثم رجع بالمال مسلما فان له جميع ما اشترى وباع من ذلك ولاضمان عليه في المال لانه لما لحق بالمال دار الحرب فقد تم استيلاؤه عليها لانه حربى أدخل مال المسلم دار الحرب بغير رضاه وهذا الاستيلاء يوجب الملك له في المال فتصرفه بعد ذلك لنفسه لا للمضاربة ولا ضمان عليه في المال لانه صار مستوليا مخالفا بعد الاحراز بدار الحرب ولو استهلك بعد ذلك لم يكن عليه ضمان لان الموجب للتقوم في هذا المال كان هو الاحراز بدار الاسلام وقد انقطع ذلك (ألا ترى) انه لو لحق مرتدا ثم عاد فاخذ المال فاستهلكه لم يكن عليه ضمان فكذلك إذا أدخله مع نفسه في دار الحرب وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها ثم ارتد رب المال ولحق بدار الحرب أو قتل مرتدا ثم باع المضارب العرض جاز بيعه على المضاربة لانه لو مات رب المال حقيقة كان للمضارب بيع العروض بعد ذلك فكذلك إذا قتل أو مات مرتدا وان كان المال في يده دراهم لم يكن له ان يشترى بها شيأ اعتبارا للموت الحكمى بالموت الحقيقي وان كانت دنانير فليس له أن يشترى بها عين الدراهم وان كان غيرهما كان له أن يبيعه بما بداله حتى يصير في يده دراهم أو دنانير وإذا دخل الحربى الينا بامان فدفع إليه مسلم مالا مضاربة بالنصف فاودعه الحربى مسلما ثم رجع إلى دار الحرب ثم دخل الينا بعد ذلك بامان وأخذ المال من المستودع فاشترى به وباع فهو عامل لنفسه ويضمن لرب المال رأس ماله لانه لما عاد إلى دار الحرب التحق بحربى لم يكن في دارنا قط وذلك ينافى عقد المضاربة بينه وبين المسلم لان ما هو أقوى من المضاربة وهو عصمة النكاح منقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فانقطاع المضاربة بهذا السبب أولى فإذا
[ 130 ] بطلت المضاربة كان هو في التصرف غاصبا ضامنا لرب المال رأس ماله ولو ان الحربى دخل بالمال دار الحرب فاشترى به وباع هناك فهو له ولا ضمان عليه لانه صار مستوليا على المال حين دخل دار الحرب بغير اذن رب المال وتم احرازه لها فيكون متملكا متصرفا فيه لنفسه وبعد الاسلام هو غير ضامن لما يملكه على المسلم بالاستيلاء وان كان رب المال أذن له في أن يدخل دار الحرب فيشترى به ويبيع هناك فانى أستحسن أن أجيز ذلك على المضاربة وأجعل الربح بينهما على ما اشترطا ان أسلم أهل الدار ورجع المضارب إلى دار الاسلام مسلما أو معاهدا أو بامان وفي القياس هو متصرف لنفسه لان المنافى للمضاربة قد تحقق برجوعه إلى دار الحرب وان كان باذن رب المال بعد تحقق المنافى لا يمكن تنفيذ تصرفه على المضاربة فيكون متصرفا لنفسه بطريق الاستيلاء على المال ووجه الاستحسان أنه مادخل دار الحرب الا ممتثلا أمر رب المال ولا يكون مستوليا على ماله فيما يكون ممتثلا فيه أمره وإذا انعدم الاستيلاء كان تصرفه في دار الحرب وفي دار الاسلام سواء (ألا ترى) أن رب المال لو بعث بماله إليه ليتصرف فيه له جاز وتكون الوديعة في ذلك التصرف على رب المال والربح له فكذلك إذا أدخله مع نفسه باذن رب المال وان ظهر المسلمون على تلك الدار والمال في يد المضارب فربح فيه واشترى عرضا فيه فضل أولا فضل فيه قال رب المال يستوفى من المضاربة رأس ماله وحصته من الربح وما بقى فهو فئ للمسلمين لان الباقي حصة الحربى والحربي صار فيأ بجميع أمواله فاما قدر رأس المال وحصته من الربح فهو حق رب المال ورب المال مسلم ماله مصون عن الاغتنام كنفسه وقيل هذا قول أبى حنيفة فاما عندهما فينبغي أن يكون جميع المال فيأ لانه مال المسلم في يد الحربى ولا حرمة ليده وأصل الخلاف في مسلم أودع ماله عند حربى في دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام ثم ظهر المسلمون على الدار فعند أبى حنيفة هذا وما لو أودعه عند مسلم أو ذمى سواء فلا يكون فيأ وعند أبى يوسف ومحمد يد المودع على الوديعة لا تكون أقوى من يده على مال نفسه ويد الحربى على مال نفسه لا تكون دافعة للاغتنام فكذلك يده على الوديعة واذ دخل الحربيان دار الاسلام بامان فدفع أحدهما إلى صاحبه مالا مضاربة بالنصف ثم دخل أحدهما دار الحرب لم تنتقض المضاربة لانهما من أهل دار الحرب والذى بقي منهما في دار الاسلام كانه في دار الحرب حكما (ألا ترى) انه يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب وان زوجته التى في دار الحرب لا تبين منه فانتقاض المضاربة بين المسلم
[ 131 ] والحربي الراجع إلى دار الحرب كان حكما لتباين الدارين وذلك غير موجود هنا ولو ان أحد الحربيين دفع إلى مسلم مالا مضاربة بالنصف ثم دخل المسلم دار الحرب لم تنتقض المضاربة وكذلك ان كان المضارب ذميا لانه من أهل دار الاسلام فان دخل دار الحرب تاجرا حتى لا تبين زوجته التى في دار الاسلام فيكون هذا السفر في حقه بمنزلة السفر إلى ناحية أخرى من دار الاسلام ولو دفع أحد الحربيين إلى صاحبه مالا مضاربة على ان له من الربح درهما فالمضاربة فاسدة وهما في ذلك بمنزلة المسلمين والذميين لان المضاربة من المعاملات وقد التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات حين دخلوا دارنا بامان للتجارة فما يفسد بين المسلمين يفسد بينهم الا التصرف في الخمر والخنزير وكذلك حكم المسلمين في المضاربة الفاسدة في دار الحرب ودار الاسلام سواء لان المسلم ملتزم أحكام الاسلام حيثما يكون فإذا دخل المسلم والذمى دار الحرب بامان فدفع إلى حربى مالا مضاربة بربح مائة درهم أو دفعه إليه الحربى فهو جائز في قول أبى حنيفة ومحمد والربح بينهما على ما اشترطا حتى إذا لم يربح الا مائة درهم فهى كلها لمن شرط له والوضيعة على رب المال وفي قول أبى يوسف رحمه الله المضاربة فاسدة وللمضارب أجر مثله وحالهما في ذلك كحالهما في دار الاسلام وهو بناء على مسألة الربا فانه لا يجرى بين المسلم والحربي في دار الحرب عن أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لابي يوسف رحمه الله والعقود الفاسدة كلها في معنى الربا وان كان ربح أقل من مائه درهم فذلك للمضارب ولا شئ على رب المال غيره لانه انما شرط له المائة من الربح فلا يلزمه اداء شئ من محل آخر وهكذا ان لم يربح شيئا فلا شئ له على رب المال لان محل حقه قد انعدم ولا وجه لاثبات الحق له في محل آخر لانعدام السبب وإذا دفع المسلم المستأمن في دار الحرب مالا مضاربة إلى رجل قد اسلم هناك ولم يهاجر الينا يربح مائة درهم وأخذ منه ذلك جاز على ما اشترطا في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المضاربة فاسدة وهو بمنزلة الربا أيضا فان عند أنى حنيفة الذى أسلم ولم يهاجر في حكم الربا كالحربي وعندهما كالتاجر المسلم في دار الحرب وقد بينا المسألة في الصرف والله أعلم بالصواب * (باب الشركة في المضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفع
[ 132 ] المضارب المال إلى رجل وقال له اخلطه بمالك هذا أو بمالي ثم اعمل بهما جميعا فأخذه الرجل منه فلم يخلطه حتى ضاع من يده فلا ضمان على المضارب ولا على الذى أخذه منه لانه بمنزلة الوديعة في يده ما لم يخلطه والمضارب بمطلق العقد يملك الايداع والابضاع فلا يصير هو بالدفع مخالفا ولا القابض بمجرد القبض منه غاصبا ما لم يخلطه ولو كان رب المال حين دفع إليه المال مضاربة قال له شارك به فدفعه المضارب إلى رجل مضاربة جاز ولا ضمان على واحد منهما فيه لان المضاربة في معنى الشركة فانه اشراك للمضارب في الربح وبمطلق العقد انما كان لا يملك الدفع مضاربة لمعنى الاشتراك للثاني في الربح (ألا ترى) أنه يملك الابضاع واستئجار الاجراء للتصرف فيه فإذا أذن له في الاشراك كان ذلك اذنا له في الدفع مضاربة وإذا اشترى الآخر به وباع فهو على المضاربة بمنزلة مالو كان قال له رب المال اعمل فيه برأيك ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إليه ألفا اخرى مضاربة بالثلث أيضا ولم يقل في واحد منهما اعمل فيه برأيك فخلطهما المضارب قبل أن يعمل بشئ منهما ثم عمل فربح أو وضع فلا ضمان عليه والوضيعة على رب المال لان المالين على ملك رب المال والمضارب أمين فيهما والامين بخلط الامانة بعضها ببعض لا يصير ضامنا لان الخلط انما يكون موجبا للضمان باعتبار أن فيه معنى الاستهلاك لمال رب المال أو معنى الشركة فيه وذلك لا يوجد إذا خلط بماله ماله فان ربح في المالين ربحا قسما نصف الربح نصفين والنصف الآخر اثلاثا لان نصف الربح حصة الالف المدفوعة إليه مضاربة بالنصف والنصف الآخر حصة الالف المدفوعة إليه مضاربة بالثلث فما يكون من ربح كل واحد منهما بعد الخلط معتبر به قبل الخلط وان ربح في أحدهما ووضع في الآخر قبل أن يخلطهما فالربح بينهما على الشرط والوضيعة على المال الآخر ولا يدخل أحد المالين في المال الآخر ذكر هذا في كتاب المضاربة الصغيرة لان كل واحد من المالين في يده بحكم عقد على حدة وهو مختص بحكم فهو وما لو كانا من جنسين مختلفين سواء في أن الوضيعة التى تكون في أحدهما لا تعتبر كما له من ربح ماله الآخر فان خلطهما بعد ذلك صار ضامنا للمال الذى وضع فيه ولا ضمان عليه في مال الآخر لانه صار شريكا في المال الذى ربح فيه بمقدار حصته من الربح فانما يخلط الذى وضع فيه بمال نفسه في مقدار حصته من الربح وذلك موجب الضمان عليه فأما المال الذى ربح فيه فانما خلطه بمال رب المال لان الذى وضع فيه كله لرب المال وقد بينا أن خلط رب المال
[ 133 ] بماله لا يكون موجبا للضمان على المضارب فان عمل بعد ذلك كان ربح المال الذى كان وضعه للمضارب يتصدق به لانه بالضمان يملك ذلك المال فيملك ربحه أيضا ولكنه استفاده بكسب خبيث فيتصدق به وربح المال الآخر بينهما على الشرط لانه أمين فيه ممتثل أمر رب المال في التصرف فيه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب بها وبألف من ماله جارية ثم خلط الالفين قبل أن ينقدهما بعد الشراء ثم نقدهما فلا ضمان عليه لان حكم المضاربة بالشراء تحول من المال إلى الجارية وتعين عليه قضاء ثمن الجارية بالالفين ووجود الخلط قبل النقد في هذا الموضع وعدمه سواء (ألا ترى) انه لا يملك أن يصرف الالف إلى غيره بل عليه دفعها إلى البائع مع الالف من عنده وفي حق البائع لا فرق بين أن يأخذ الالفين مختلطا أو غير مختلط والاختلاط الذى في الجارية يثبت حكما لاتحاد الصفقة وقد بينا أن المضارب لا يصير مخالفا ضامنا بمثل ذلك فان باعها بعد ذلك وقبض الثمن مختلطا فلا ضمان عليه فيه لانه بالبيع استوجب ثمن الكل جملة فالاختلاط في الثمن حكمي بمنزلة الاختلاط في الجارية وله أن يشترى بالثمن بعد ذلك ويبيع فيكون نصفه على المضاربة حصة ما اشترى من الجارية بمال المضاربة ونصفه للمضارب حصة ما اشترى منها بمال نفسه وان قسم المضارب المال بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لانه شريك مع رب المال في هذا المال وأحد الشريكين لا ينفرد بالقسمة من غير محضر من صاحبه لان القسمة للحيازة والافراز وذلك لا يتم بالواحد وانما يتحقق بين اثنين ولو أن المضارب حين أخذ الالف المضاربة خلطها بالف من ماله قبل أن يشترى بها كان مشتريا لنفسه وهو ضامن لمال المضاربة لانه بالخلط بماله صار مستهلكا أو موجبا الشركة في مال المضاربة على حال لم يأمره به رب المال فيصير ضامنا وبعد ما صار ضامنا للمال لا تبقى المضاربة لان شرطها كون رأس المال أمانة في يده فلهذا كان مشتريا لنفسه بها و لو كان خلط المال بعد ما اشترى به ثم لم ينقد حتى ضاع في يده كان ضامنا لالف المضاربة حتى يدفعها من ماله إلى البائع لانه كان أمينا في المال ما لم يسلمها إلى البائع والامين إذا خلط الامانة بمال نفسه كان ضامنا في حق صاحب الامانة فما ضاع يكون مما له وعليه دفع الثمن إلى البائع كما لو التزمه بالشراء ولا يرجع على رب المال بشئ لانه استوجب الرجوع بالالف على رب المال ولرب المال عليه مثله فصار قصاصا ولكن حكم المضاربة تحول من الالف إلى الجارية فلا تبطل المضاربة بخلط الالف بعد ذلك ولكنه إذا قبض الجارية
[ 134 ] كان نصفها على المضاربة ونصفها للمضارب وهذا نظير مالو كانت الجارية مشتركه بين المضارب وبين الاجنبي فاشترى نصيب الاجنبي منها بمال المضاربة للمضاربة فذلك جائز ولا يصير هو مخالفا بشراء نصفها شائعا للمضاربة ولو كان المضارب اشترى بألف المضاربة مع رجل وبألف مع عبد ذلك الرجل جارية ودفعها قبل أن يخلطاها ثم قبض الجارية فنصفها على المضاربة ونصفها لذلك الرجل وهذا الشيوع لا يجعل المضارب مخالفا في تصرفه على المضاربة فان باعا بثمن واحد وقبضا الثمن مختلطا فهو جائز ولا ضمان على المضارب لانه اختلاط ثبت حكما لكون الاصل مختلطا فان قاسم المضارب ذلك الرجل الثمن فهو جائز على رب المال لان القسمه اما أن تكون تمييز أو مبادلة وكل واحد منهما يملكه المضارب في حق رب المال فان خلط مال المضاربة بمال ذلك الرجل بعد القسمه فالمضارب ضامن للمضاربة لان بالقسمه تميز أحد المالين من الآخر فالخلط بعد ذلك اشتراك واستهلاك حكمي باشره المضارب قصدا فيصير ضامنا للمضاربة وان شارك المضارب بمال المضاربة باذن رب المال ثم قال المضارب للشريك قد قاسمتك والذى في يدى من المضاربة كذا وكذبه الآخر فالقول قول الشريك مع يمينه لان المضارب يدعي الايفاء وقطع الشركة فلا يصدق الا بحجة ويدعى الاختصاص بما بقى دون شريكه بعد ما علم انه كان مشتركا فلا يقبل قوله الا بحجه وإذا فدفع الرجل إلى الرجل ألفا مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم أعطاه ألفا أخرى مضاربة بالثلث فعمل فيها برأيه فخلط خمسمائة من هذه الالف بالمضاربة الاولى ثم هلك منها ألف فالهالك في قول أبى يوسف هو ربح المال الاول وقال محمد رحمه الله يهلك من ذلك كله بالحساب ولم يذكر قول أبى حنيفه رحمه الله في الكتاب وقوله كقول أبى يوسف رحمه الله هو بناء على مسألة الايمان إذا أعطى في يمينين كل مسكين صاعا على قول أبى حنيفة رحمه الله وأبى يوسف رحمهما الله لا يجزئه الا عن يمين واحدة وفي قول محمد يجزئه عنهما وجه قول محمد ان حكم المالين مختلف لان المال الاول مدفوع إليه مضاربة بالنصف بعقد على حدة والذي خلطه من المال الثاني في يده مضاربه بالثلث بعقد على حدة فالسبيل أن يجعل الهالك من المالين جميعا والباقي من المالين بالحساب (ألا ترى) انه لو كان دفع الالف الاخرى إلى آخر مضاربة يعمل فيه برأيه والمسألة بحالها كان الهالك من المالين بالحصة فكذلك إذا كان المدفوع إليه واحد وأبو يوسف يقول الكل في حق رب المال كمال واحد وقد اشتمل
[ 135 ] على أصل وتبع فيجعل الهالك من التبع دون الاصل (ألا ترى) أنه لو هلك من المال ألف قبل أن يخلط بالخمسمائة يجعل الهالك كله من الربح فكذلك بعد الخلط وهذا لانا لو جعلنا شيئا من الهالك من الخمسمائه يؤدى إلى أن يسلم للمضارب شئ من الربح قبل وصول جميع رأس المال إلى رب المال وذلك لا يجوز لان المستحق للربح واحد سواء كان المالان دفعهما إليه رب المال بعقد واحد أو بعقدين بخلاف ما إذا كان المضارب في الالف الاخرى رجلا آخر لان لكل واحد من المضاربين بالمال المدفوع إليه حقا معتبرا وعند اختلاف المستحق لابد من أن يعتبر اختلاف السبب فجعلنا الهالك من المالين فأما عند اتحاد المستحق فلا حاجه إلى ذلك وهو نظير العبد المأذون مع المولى وأجنبي إذا تنازعا في شئ في أيديهم فان لم يكن على العبد دين فهو بين المولى والاجنبي نصفان لاتحاد المستحق فيما في يد المولى والعبد بخلاف ما إذا كان على العبد دين فالمستحق لكسب العبد هناك غرماؤه فلابد من اعتبار يد كل واحد منهما على حدة ولو لم يهلك حتى عمل فربح ألفا أخرى فخمس هذا الربح من المضاربة الاخيرة وأربعة اخماسه على المضاربة الاولى لان الربح نماء الربح وخمس الربح نماء الخمسمائه التى خلطها من الالف الاخرى بالمال فيكون بينهما على الثلث والثلثين وأربعة أخماسه على المضاربة الاولى فيكون مع الربح الاول بنيهما نصفان وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا وأعطي رب المال رجلا آخر ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها برأيه ودفع المضارب الثاني الالف إلى هذا الرجل أيضا مضاربة بالثلث يعمل فيها برأيه فخلط الالف بالالفين فلا ضمان عليه لان الامر من المضاربين كان مفوضا إلى رأيه على العموم وقد صح منهما كما يصح من رب المال فيمنع ذلك وجوب الضمان عليه بالخلط فان ربح على ذلك كله ألفا أمسك ثلثه لنفسه وقسم الثلثين الباقيين المضاربان الاولان ثلاثا باعتبار ما دفعا إليه من المال لان أحدهما دفع إليه الالفين والآخر دفع إليه ألفا فإذا أخذ صاحب الالفين الثلثين من ذلك دفع إلى رب المال رأس ماله ألف درهم وما بقى فلرب المال نصف ما كان ربح المضارب الاول في المال من شئ وذلك خمسمائة ونصف ذلك للمضارب ولرب المال أيضا ثلاثه أرباع ما كان من الربح الثاني لان المضارب الاول أوجب للثاني ثلث الربح وذلك من نصيبه خاصة وقد كان له نصف الربح فانما بقي من حقه سهم وحق رب المال في النصف وهو ثلثه فيجعل هذا الباقي مقسوما بينهما على مقدار حقهما ثلاثه ارباعه لرب المال وربعه للمضارب
[ 136 ] ويأخذ المضارب الآخر من المضارب الثاني ثلث الثلثين ثم يدفع إلى رب المال رأس ماله ويقاسمه الربح أرباعا ثلاثة ارباعه لرب المال وربعه له لما بينا أنه أوجب الثلث للمضارب المتصرف وذلك من نصيبه خاصة فانما بقى من حقه ثلث النصف وهو سهم من ستة وحق رب المال في ثلثه فيجعل الربح مقسوما بينهما أرباعا ولو كان المضارب الاول لم يربح شيئا حتى دفع المال مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم دفع إليه المضارب الثاني الالف التى في يده مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيه برأيه فعمل فخلطها بالفين ثم عمل وربح ألفا ثم دفع إليه المضارب الثاني الالف التى في يده مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيه برأيه فخلطها بالفين ثم عمل فربح ألفا فان الربح على ثلاثة والوضيعة على ثلاثة بحسب المال فنصيب الالف ثلث الربح ويأخذ المضارب الآخر حصته من ذلك الثلث ثم يأخذ رب المال منه رأس ماله ألفا واقتسما ما بقى بينهما لرب المال ثلاثة ارباعه وللمضارب ربعه لانه أوجب ثلث الربح للمضارب الآخر وذلك من نصيبه خاصة وما أصاب الالفين من الربح وهو الثلثان من ذلك أخذ المضارب الآخر منه ومن الالف التى هي ربح والالف الاول ثلثه لان ذلك حصة من الربح ورد ما بقي على المضارب الاول ويأخذ منه رب المال رأس ماله وثلاثة ارباع ما يبقي بعده من الربح وللمضارب ربعه لانه قد أوجب ثلث الربح للمضارب الآخر وذلك من نصيبه خاصة وانما يقسم الباقي على مقدار ما بقى من حق كل واحد منهما وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم فقال نصفها قرض عليك ونصفها معك مضاربة بالنصف فأخذها المضارب فهو جائز على ما سمي أما في حصة المضاربة فغير مشكل لان الشيوع لا يمنع صحة المضاربة فان شرطها كون رأس المال أمانة في يد المضارب وذلك في الجزء الشائع يتحقق وأما القرض فلانه تمليك بعوض والشيوع لا يمنع صحته كالبيع بخلاف الهبة فان الهبة تبرع محض والتبرع ينفى وجوب الضمان على المتبرع وبسبب الشيوع فيما يحتمل القسمة يجب ضمان المقاسمة على المتبرع فاما القبض بجهة القرض فلا ينفى وجوب الضمان الا أنه يدخل على هذه الهبة بشرط العوض فانه لا يجوز في مشاع يحتمل القسمة وقبل الشيوع انما يمنع صحة الهبة لانه لا يتم القبض فيما يحتمل القسمة مع الشيوع وهذا لا يتحقق هنا فالمال كله في يد المستقرض فيتم قبضه في المستقرض وهذا ليس يقوى فان هبة المشاع من الشريك لا تجوز فيما يحتمل القسمة وكون النصف في يده بطريق المضاربة
[ 137 ] لا تكون أقوى مما يكون في يده بطريق الملك والاوجه أن نقول القرض أخذ شبها من الاصلين من الهبة باعتبار انه تبرع ومن البيع باعتبار انه مضمون بالمثل على كل حال فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالتبرع يشترط فيه أصل القبض وبشبهه بالمعاوضة لا يشترط فيه ما يتم القبض به وهو القسمة بخلاف الهبة بشرط العوض فانه تبرع في الابتداء وانما يصير معاوضة بعد تمامه بالقبض من الجانبين فان هلك المال قبل أن يعمل به فهو ضامن لنصفه لانه تملك نصف المقبوض بجهة القرض وكان مضمونا عليه بمثله والنصف الباقي أمانة في يده وهو ما أخذه بطريق المضاربة ولو عمل به فربح كان نصف الربح للعامل ونصفه على شرط المضاربة بينهما وان قسم المضارب المال بينه وبين رب المال بعد ما عمل به أو قبل أن يعمل به بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لما بينا ان الواحد لا ينفرد شئ بالقسمة فان هلك أحد القسمين قبل أن يقبض رب المال نصيبه هلك من مالهما جميعا لان القسمة صارت كان لم تكن وان لم يهلك حتى حضر رب المال فأجاز القسمة فالقسمة جائزة ومعنى قوله أجاز القمسة أي قبض نصيبه فيكون ذلك بمنزلة القسمة تجرى بينهما ابتداء لان معنى الحيازة والافراز قد تم حين وصل إلى رب المال مقدار نصيبه فان لم يقبض رب المال نصيبه الذى حصل له حتى هلك رجع بنصف نصيب المضارب لان نصف رب المال لم يسلم له وانما يسلم للمضارب نصيبه إذا سلم لرب المال نصيبه فإذا لم يسلم كان الهالك من النصيبين والباقى من النصيبين ولو كان هلك نصيب المضارب لم يرجع المضارب في نصيب رب المال بشئ لانه قد قبض منه نصيبه وذلك منه حيازة في نصيبه الا ان شرط سلامة ذلك له في سلامة الباقي لرب المال وقد وجد ذلك وان هلك النصيبان جميعا بعد رضا رب المال بالقسمة رجع رب المال على المضارب بنصف ما صار للمضارب لان شرط سلامة النصف له سلامة الباقي لرب المال ولم يوجد والمضارب قبض تلك الحصة على سبيل التملك لنفسه فلهذا يضمن نصفها لرب المال ولرب المال على المضارب قرض خمسمائة على حالها لانه قبض نصف الالف بحكم القرض وقد بينا أن ذلك مضمون عليه بالمثل ولو قال خذ هذه الالف على أن نصفها قرض عليك وعلى أن تعمل بنصفها الآخر مضاربة على ان الربح كله لى فهذا مكروه لانه قرض جر منفعة فانه أقرضه نصف الالف وشرط عليه منفعة العمل له في النصف الآخر ونهى رسول الله ﷺ عن قرض جر منفعة فان عمل مع هذا فربح أو وضع فالربح
[ 138 ] والوضيعة بينهما نصفان لان نصف المال ملكه فقد قبضه بجهة القرض والنصف الآخر بضاعة في يده فقد قبضه على أن يعمل فيه لصاحبه ولو دفعها إليه على ان نصفها مضاربة بالنصف ونصفها هبة للمضارب وقبضها المضارب غير مقسومة فهى هبة فاسدة لانه هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وبهذا تبين أن الصحيح من المذهب أن هبة المشاع بعد اتصال القبض بها فاسدة بخلاف ما ظنه بعض المتأخرين رحمهم الله انها تكون بمنزلة الهبة قبل القبض ولكن الصحيح انها فاسدة لان القبض الموجب للملك قد وجد مع الشيوع (ألا ترى) أن هذا القبض فيما لا يحتمل القسمة يوجب الملك لكن شرط صحته القسمة فلانعدام شرط الصحة تكون الهبة فاسدة والمقبوض بحكمها مملوك للموهوب له وهو مستحق الرد عليه للفساد فلهذا كان مضمونا عليه بخلاف المقبوض بهبة صحيحة فان هلك المال في يده قبل العمل أو بعده ضمن نصفه لهذا المعنى فان ربح في المال كان نصف الربح حصة الهبة للمضارب والنصف الآخر على ما اشتر طا في المضاربة بينهما فان وضع فالوضيعة عليهما نصفين لان نصف المال مملوك للمتصرف فله ربح ذلك النصف وعليه وضيعته والنصف الآخر مضاربة في يده ولو دفعها إليه على أن نصفها بضاعة ونصفها مضاربة بالنصف فهو كما قال لان الشيوع لا يمنع صحة دفع المال مضاربة ولا صحة دفعه بضاعة ولو دفعها إليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب ونصفها مضاربة بالنصف فذلك جائز على ما سمى لانه لا منافاة بينهما فمال المضاربة أمانة في يد المضارب كالوديعة فان تصرف في جميع المال كان ضامنا للنصف حصة الوديعة لانه خالف بالتصرف فيه وربح ذلك النصف له وعليه وضيعته وان قسم المضارب المال نصفين ثم عمل باحد النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة عليه وعلى رب المال نصفين لانه لا ينفرد بالقسمة فالنصف الذى تصرف فيه من النصفين جميعا نصفه مما كان مضاربة في يده ونصفه كان وديعة فله ربح حصة الوديعة من ذلك وعليه وضيعته لانه صار مخالفا ضامنا والبعض في هذا الحكم معتبر بالكل نقول فان أراد أن يشترى بالمضاربة ولا يضمن اشترى بنصف الالف غير مقسوم وكان البائع شريكا في الالف حتى يحضر رب المال فيقاسمه ومراده أن يشترى بنصفه ويسلمه على سبيل الشيوع لان الضمان في الوجه الاول انما كان يلزمه بالتسليم لا بنفس الشراء فطلب السلامة في هذا الموضع من الضمان الذى كان يلحقه في الوجه الاول ثم قد صار نصف المال شائعا مملوكا للبائع ونصفه وديعة في يد المضارب والمودع لا يملك
[ 139 ] المقاسمة فلا بد من أن يحضر رب المال ليقاسمه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف وأشهد عليه في العلانية انها قرض يتوثق بذلك فعمل المضارب بالامر فان تصادقوا ان الامر كان على ذلك وانهم انما شهدوا بالقرض على جهة الثقة فالمال على حكم المضاربة لان تصادقهما حجة تامة في حقهما وكذلك ان تكاذبا فقامت البينة انه دفعه مضاربة وأشهد عليه بالقرض وقالوا أخبرانا انهما انما أشهدا بالقرض على وجه التوثق وليس بقرض انما هو مضاربة فان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين أو أقوى منه وان شهد شاهدان بالمضاربة وشاهدان بالقرض ولم يفسروا شيأ غير ذلك فالبينة بينة الذى يدعى القرض لانه لا تنافي بينهما فيجعل كان الامرين كانا والقرض يرد على المضاربة والمضاربة لاترد على القرض فيجعل كانه دفع المال إليه مضاربة أولا ثم أقرضه منه وفي بينة من يدعي القرض اثبات الزيادة وهو الملك في المقبوض للقابض واستحقاق القرض عليه إذا دفع الرجل إلى رجل جراب هروى فباع نصفه بخمسمائة ثم أمره بان يبيع النصف الباقي ويعمل بالثمن كله مضاربة على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فباع المضارب نصف الجراب بخمسمائة ثم عمل بها وبالخمسمائة التى عليه فالربح والوضيعة نصفان في قول أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله ان من قال لمديون اشتر لى متاعا بمالى عليك لا يصح هذا التوكيل فإذا اشتر المديون كان مشتريا لنفسه وهنا أمره اياه بالشراء بالخمسمائة التى هي دين عليه لا يصح فكان هو عاملا لنفسه فيما اشتراه بتلك الخمسمائة له ربحه وعليه وضيعته وأما عندهما فأمره المديون بالشراء بما عليه من الدين صحيح ذلك لا على وجه المضاربة لان شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا يوجد هذا الشرط فيما هو دين في ذمته فكان نصف مالشترى للآمر له ربحه وعليه وضيعته والنصف الآخر على المضاربة ولو كان رب المال أمره أن يعمل بالمالين مضاربة على أن للمضاربة ثلثى الربح فعمل بها كان للمضارب ثلثا الربح لانه في النصف مشتر لنفسه فاستحق نصف الربح بذلك والنصف الآخر انما دفعه إلى مضاربة بثلث ربح هذا النصف وذلك صحيح ولو كان رب المال اشترط لنفسه الثلثين من الربح وللمضارب الثلث والمسألة بحالها كان الربح بينها نصفان و الوضيعة عليهما نصفين لان من أصله أن المضارب صار مشتريا بالدين لفنسه فنصف الربح له باعتبار ملكه نصف المشترى وقد شرط رب المال لنفسه ثلث ذلك النصف من الربح وليس
[ 140 ] له في ذلك النصف مال ولا عمل فلا يستحق شيأمن ربح ذلك النصف لانه أسباب المعدوم فهو بمنزلة رجل دفع إلى آخر خمسمائة مضاربة بالنصف وأمره أن يخلطها بخمسمائة من ماله ثم يعمل بها على أن للمضارب ثلث الربح و لرب المال الثلثان فعمل بها فالربح بينهما نصفان فكذلك في الفصل الاول والله أعلم * (باب اقرار المضارب بالمضاربة في المرض) * (قال رحمه الله) وإذا مات المضارب وعليه دين ومال المضاربة في يده معروف وهو دراهم وكان رأس المال دراهم بدئ برب المال قبل الغرماء باخذ رأس المال وحصته من الربح لانه وجد عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به ثم دين المضارب انما يتعلق بتركته بعد موته وتركته ماكان مملوكا له عند موته وهو حصته من الربح فأما مقدار رأس المال وحصة رب المال من الربح فهو ملكه ليس من تركة المضارب في شئ فان قال ورثة المضارب والغرماء الدين الذى على المضارب من المضاربة وكذبهم رب المال فالقول قول رب المال لانهم يدعون استحقاق ملكه بالدين الذي هو على المضارب في الظاهر فلا يقبل قولهم الا بحجة ورب المال منكر لدعواهم فالقول قوله مع يمينه وانما استحلف على علمه لانه استحلاف على فعل الغير وان كانت المضاربة حين مات المضارب عروضا أو دنانير فأراد رب المال أن يبيعها مرابحة لم يكن له ذلك لانه في حال حياة المضارب كان هو ممنوعا عن أخذها وبيعها لحق المضارب وحقه بموته لا يبطل والذى يلى بيعها وصي المضارب لانه قائم مقامه فيبيعها لتحصيل جنس رأس المال فان لم يكن له وصى جعل القاضى له وصيا ببيعها فيوفى رب المال رأس ماله وحصته من الربح ويعطى حصة المضارب من الربح غرماءه لان الميت عجز عن النظر لنفسه والقيام باستيفاء حقه فعلى القاضى أن ينظر له بنصيب الوصي وقال في المضاربة الصغيرة يبيعها وصى الميت ورب المال ووجهه أن رب المال ما كان راضيا بتصرف الوصي في ماله والمال وان كان عروضا أو دنانير فالملك لرب المال فيه ثابت فلا ينفرد الوصي ببيعها ولكن رب المال يبيعها معه وما ذكر هنا أصح لان الوصي قائم مقام الموصى وكان للموصى أن ينفرد ببيعها فكذلك لوصيه وهذا لان رب المال لو أراد بيعها بنفسه لم يملك فلا معتى لاشتراط انضمام رأيه إلى رأى الوصي في البيع وان كانت المضاربة
[ 141 ] لا تعرف بعينها في يد المضارب وعليه دين في الصحة فرب المال اسوة الغرماء في جميع تركته ولاربح للمضارب لان مال المضاربة كان أمانة في يده وقد صار مجملا بترك التعيين عند موته فيكون متملكا ضامنا لها وهذا دين لزمه بسبب لا تهمة فيه فيكون رب المال مزاحما لغرماء الصحة في جميع تركته وتركته ما كان في يده لان الايدى المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فأقر المضارب عند موته أنه قد عمل بالمال فربح ألفا ثم مات والمضاربة غير معروفة وللمضارب مال فيه وفاء بالمضاربة وبالربح فان رب المال يأخذ من مال المضارب رأس ماله ولا شئ له من الربح لان المضارب لم يقر بان الربح وصل إليه انما أقر أنه ربح ألفا وليس لرب المال أن يأخذ من تركته شيئا من الربح ما لم يثبت وصوله إلى يده ولو كان أقر أن ذلك وصل إليه أخذ رب المال حصته منه مع رأس المال لان حصة رب المال من الربح كانت أمانة في يد المضارب مع رأس المال وقد مات مجملا للملك فصار ذلك دينا عليه يستوفيه رب المال من مال المضاربة ولو قال المضارب في مرضه قد ربحت ألف درهم ووصلت إلى فضاع المال كله وكذبه رب المال فالقول قول المضارب مع يمينه لانه أمين أخبر بما هو مسلط على الاخبار به فان لم يستحلف على ذلك حتى مات فهو برئ من المال لاخباره بضياع المال ولرب المال أن يستحلف ورثته على علمهم بضياع المال لانهم لو أقروا بما ادعاه رب المال كانوا ضامنين له من التركة فإذا أنكروا استحلفهم على العلم لرجاء نكولهم وهو استحلاف على فعل الغير بأن يدهم ما وصلت إلى المال ولذلك لو قال في مرضه قد دفعت رأس المال إلى رب المال وحصته من الربح فهو مخبر بما هو مسلط عليه فيقبل قوله في براءته عن ذلك الا أن قوله غير مقبول في الحكم بايصال المال إلى رب المال حقيقة فيأخذ حصة المضارب من الربح فيكون له من رأس ماله لان ما وراء ذلك كالتاوى حين لم يثبت وصوله إلى رب المال ولم يكن المضارب ضامنا فان كان على المضارب دين يحيط بماله وحصة المضارب من الربح غير معروفة وقد علم أن المضارب قد ربح ألف درهم ووصلت إليه فان رب المال يحاص الغرماء بحصة المضارب من الربح لان ذلك القدر قد صار دينا له في تركته بسبب لا تهمة فيه فيكون صاحبه مزاحما لغرماء الصحة ولو أقر المضارب عند موته وعليه دين يحيط بماله انه ربح في المال ألف درهم وان المضاربة والربح دين على فلان ثم مات فان أقر الغرماء بذلك فلا حق لرب المال فيما ترك المضارب لانه عين مال المضاربة بما أقر به
[ 142 ] وذلك يمنع صيرورة المال في تركته ولكن يتبع رب المال المديون برأس ماله فيأخذه ويأخذ نصف ما بقى منه أيضا حصة من الربح واقتسم نصفه غرماء المضارب مع ماله وان قال غرماء المضارب ان المضارب لم يربح في المال شيئا وليس الدين الذى على فلان من المضاربة كان ذلك الدين مع سائر تركته بين الغرماء ورب المال بالحصص يضرب رب المال برأس ماله ولا يضرب بشئ من الربح لان ذلك الدين واجب بمعاملة المضارب فيكون في الظاهر له كالمال الذى في يده واقراره به لرب المال كاقراره بعين في يده لانسان ومن عليه الدين المستغرق إذا أقر في مرضه بعين لانسان وكذبه الغرماء لم يصح اقراره فهذا مثله الا أن بقدر رأس المال قد علمنا وجوبه في تركته وصيرورته دينا عليه حين لم يعمل بيانه فهذا القدر دين لزمه لسبب لاتهمة فيه فاما حصة رب المال من الربح لو لزمه انما يلزمه باقرار المضارب به واقرار المضارب بالدين غير صحيح في مزاحمة غرماء الصحة ولو أقر في مرضه بمال في يده انه مضاربة لفلان ولا يعرف الا بقوله بدئ بدين الصحة لان المريض محجور عن الاقرار بالدين والعين بحق غرماء الصحة فان لم يكن عليه دين في الصحة وانما أقر بالدين في مرضه قبل اقراره بالمضاربة حاص رب المال الغريم برأس ماله لان اقراره بمضاربة بعينها كالاقرار بالوديعة وقد بينا في كتاب الاقرار ان المريض إذا أقر بالدين أولا ثم بالوديعة يتحاصان لان حق الغريم متعلق بماله فيمنع ذلك سلامة العين للمقر له بالعين ويصير هذا كالاقرار بالوديعة مستهلكة ولو كان بدأ الاقرار بالمضاربة بعينها بدئ بها لان العين صار مستحقا لرب المال وخرج من أن يكون مملوكا للمضارب فاقراره بالدين بعد ذلك يكون شاغلا لتركته لا لامانة الغير في يده وان أقر لها بغير عينها تحاصا لان الاقرار بالمضاربة المجهولة كالاقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم بدين وان أقر بها بعينها ثم أقر بالدين ثم أقر بعد ذلك ان المضاربة في هذه الالف بعينها تحاصا لان اقراره بالعين كان بعد الاقرار بالدين فلا يكون مقبولا في استحقاق المقر له العين واختصاصه به بعد ما صار مشغولا بحق المقر له بالدين وان قال هذه الالف مضاربة لفلان عندي ولفلان عندي وديعة كذا ولفلان كذا من الدين بدئ بالمضاربة لانه أقر بها بعينها فبنفس الاقرار صارت العين مستحقة لرب المال فلا يتغير ذلك بما يعطف عليه الاقرار بوديعة غير معينة بالدين ولو لم يقر بها بعينها كان جميع مال المضاربة بين صاحب الدين وصاحب الوديعة وصاحب المضاربة بالحصص لان اقراره بامانة غير معينة بمنزلة اقراره بالدين ولو قال لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهى في هذا
[ 143 ] الصندوق ولفلان على ألف درهم فلم يوجد في الصندوق شئ كان ما تركه المضارب بين رب المال والغريم بالحصص لانه حين لم يوجد في الصندوق شئ فقد ظهر ان تعيينه كان لغوا بقى اقراره بمضاربة غير معينة وبالدين ولو وجد في الصندوق ألف كان رب المال أحق بها لان تعيينه كان صحيحا فان التعيين وجد منه قبل الاقرار بالدين فكأنه أقر ابتداء بالمضاربة بعينها. فان قيل كان ينبغى أن يقال إذا لم يوجد في الصندوق شئ أن لا يكون لرب المال شئ لفوات محل حقه. قلنا هذا ان لو صح تعيينه مع فراغ الصندوق عنه ولم يصح ذلك بل هو تجهيل منه والمضارب بالتجهيل ضامن وقال في المضاربة الصغيرة إذا لم يشهد الشهود ان هذه الالف كانت في الصندوق يوم أقر جعلناها بين الغرماء ورب المال بالحصص والقياس ما قاله ثمة لان الموجود من المضارب تعيين الصندوق ولم يوجد منه تعيين مال المضاربة إذا لم يعلم أن الالف كانت في الصندوق يومئذ وطريق العلم به شهادة الشهود وما ذكر هنا استحسان لان الصندوق محل لما فيه من المال فتعيينه كتعيين المال فلهذا كان رب المال أحق بها ولو وجد في الصندوق ألفان فلرب المال منها خاصة والباقى بين الغرماء لان تعيينه صحيح لما وجد في الصندوق من جنس حق رب المال مقدار حقه وزيادة وسواء كانت الالفان مختلطة أو غير مختلطة لان المضارب أمين في مال المضاربة واختلاط الامانة بمال الامين من غير صنعه لا يكون موجبا للضمان فان علم أن المضارب هو الذى خلط المال بغير أمر رب المال كان المال كله بينهم بالحصص في قول أبى حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد نصفه لرب المال ونصفه للغرماء وهو بناء على ما تقدم بيانه أن الامين إذا خلط الوديعة بمال نفسه صار مستهلكا للمخلوط وصارت الامانة دينا عليه عند أبى حنيفة رحمه الله فيكون رب المال صاحب دين كغيره من الغرماء وأما عندهما فبالخلط يصير ضامنا ولكن لا يصير متملكا فلرب المال ان يرضى بالخلط ويختار المشاركة فيأخذ نصف المخلوط برأس ماله ونصفه للغرماء ولو قال لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهى التى على فلان ولفلان على ألف درهم ولا مال له غيره فذلك الدين لرب المال لان تعيينه للمضاربة التى على غير كتعيينه ألفا في صندوق أو في كيسه أو بيته فإذا حصل ذلك قيل الاقرار بالدين اختص رب المال به وان جحد المضارب المضاربة في صحة أو مرض ثم أقر بها فهى دين في ماله لان الاقرار بعد الانكار صحيح ولكن الامين بالجحود يصير ضامنا فاقراره بعد ذلك كالاقرار بالدين وكذلك لو جحد شيأ من الربح ثم أقر
[ 144 ] ثم قال لم يصل إلى ضمن ما جحد من الربح وان كان دينا قال عيسى رحمه الله هذا غلط وان جحد الدين لم يضمنه حتى يقبضه على الجحود لان الجحود انما يكون موجبا للضمان عليه باعتبار ان المال في يده وانه متملك له مستول عليه بهذا الجحود وهذا لا يتحقق فيما هو دين على الغير ما لم يقبضه فان قبضه على الجحود فهو ضامن وان رجع إلى الاقرار ثم قبضه فلا ضمان عليه وقيل يحتمل أن مراد محمد رحمه الله قوله لرب المال لك ثلث الربح ولى ثلثاه ليس باقرار وفى المختصر للكافى قال ليس اقراره بأن له النصف وقيل في تأويله أنه أقر له بالثلث ثم بالنصف بعد ذلك فيكون مقرا بالسدس بعد الجحود فيجب عليه الضمان وذكر القاضى أبو عاصم في شرحه فقال جحوده الربح اقرار بابراء الغريم ولو صرح بالابراء فانه يضمن الربح وان لم يصل إلى يده كذلك هذا باقرار بان له النصف فيكون ضامنا ثم سلم بما سلم من ذلك على ذلك والاصح أن يقول حق القبض فيما وجب بمعاملته له خاصة فكونه في ذمة الغريم وكونه في يده سواء في انه صار متملكا مقدار ما جحده متويا حق رب المال فيه فكان قبضه على الجحود وعلى الاقرار بعد الجحود في ايجاب الضمان عليه لاجل الاقرار سواء وإذا دفع إلى رجلين مالا مضاربة فمات أحدهما وقال الآخر هلك المال صدق في نصيبه لكونه أمينا فيه وكان نصيب الآخر دينا في تركته لانه مات مجهلا لنصيبه فان علم أن الميت كان أودع نصيبه صاحبه الحى فقال الحى قد هلك فهو مصدق على جميعه لان المضارب يملك الايداع فقول مودعه قد هلك بمنزلة قول المضارب في حياته انه قد هلك وان قال قد دفعت ذلك إلى صاحبي كان مصدقا مع يمينه لكونه أمينا فيه وكان ذلك دينا في مال صاحبه لان صاحبه مات مجهلا فانه ان ثبت وصوله إليه فلا اشكال وان لم يثبت وصوله إليه من يد الحى فالحي كان مسلطا من جهته على الرد وانما قبل قوله في ذلك لاجل التسليط فيكون المضارب الميت مجهلا له على كل حال فكان ذلك دينا في تركته وإذا ربح المضارب في المال ربحا فاقر به وبرأس المال ثم قال قد خلطت مال المضاربة بمالى قبل أن أعمل وأربح لم يصدق لان الربح صار مستحقا لرب المال فهو بهذه المقالة يبطل استحقاقه ويدعى ملك جميع الربح لنفسه بالخلاف الحاصل منه بالخلط فلا يقبل قوله الا بحجة ولان الربح نماء المال فيكون ملكا لصاحب المال باعتبار الظاهر فلا يستحقه غيره الا بالشرط (ألا ترى) أن المضارب لو ادعى زيادة فيما شرط له من الربح لم يقبل قوله فيه الا بحجة فإذا ادعى سببا يملك به جميع الربح
[ 145 ] فلان لا يقبل قوله من غير حجة كان أولى فان هلك المال في يده بعد ذلك ضمن رأس المال لرب المال وحصته من الربح لاقراره على نفسه بالسبب الموجب للضمان ولانه لما زعم انه خلط بماله ثم ربح بعد ذلك فقد ادعى أن الربح كله ملكه والامين ان ادعي الملك لنفسه في الامانة يصير ضامنا وإذا أقر المضارب بدين في المضاربة لولده أو والده أو زوجته أو مكاتبه أو عبده وعليه دين أو لا دين عليه لزمه ذلك في ماله خاصة في قول أبى حنيفة رحمه الله الا ما أقر به لعبده ولادين عليه فانه لا يلزمه منه شئ وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله اقراره لهؤلاء صحيح على المضاربة الا لعبده أو لمكاتبه وهذا لان المضارب نائب في التصرف كالوكيل وقد بينا في البيوع أن عند أبى حنيفة رحمه الله الوكيل لا يملك التصرف مع من لا يجوز شهادته له في حق الموكل لكونه متهما في ذلك وعندهما يملك ذلك الا في عبده ومكاتبه فالمضارب كذلك وهذا لانه يلزمه لهؤلاء حق في مال رب المال بمجرد قوله فيكون في معنى الشاهد لهم على غيره بمال وشهادته لهؤلاء لا تقبل فكذلك قراره الا أن الدين بالمعاملة يجب في ذمته وهو غير متهم فيما يلزمه لهؤلاء فلذا لزمه ذلك في ماله خاصة فأما العبد الذى لا دين عليه له فهو ليس من أهل أن يستوجب دينا عليه وعندهما اقراره لعبده ومكاتبه كاقراره لنفسه لانه يملك كسب عبده وله حق الملك في كسب مكاتبه وأما اقراره لابنه وأبيه كاقراره لاخيه من حيث انه لا يثبت له في المقر به ملكا ولا حق ملك فيصح في حق رب المال وقال في المضاربة الصغيرة في قول أبى حنيفة إذا كان في المضاربة فضل لزم المضارب ما أقر به من حصته وهو صحيح لما بينا أنه غير متهم في حق نفسه وان كان متهما في حق غيره ولو أقر المضارب في مرضه بمضاربة بعينها ثم أقر بها بعينها وديعة لآخر ثم أقر بدين ثم مات بدئ بالمضاربة لان رب المال استحق ذلك المال باقراره عينا كما أقر به ثم هو أقر للثاني بوديعة قد استهلكها باقراره فيها بالمضاربة والاقرار بالوديعة المستهلكة اقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم بدين فيتحاص صاحب الوديعة والدين فيما بقي من تركته * (باب الشفعة في المضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب بها دارا تساوى ألفا أو أقل منها أو أكثر ورب المال شفيعها بدار له فله أن يأخذها بالشفعة
[ 146 ] من المضارب ويدفع إليه الثمن فيكون على المضاربة لان أكثر ما فيه أن المضارب اشتراها لرب المال ومن اشترى أو اشترى له فهو على شفعته وانما تسقط شفعة من باع أو بيع له ثم الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء لانه يملك الدار عليه بما يعطيه من الثمن وقد بينا أن رب المال لو اشترى من المضارب دارا اشتراها للمضاربة جاز شراؤه لكونه مفيدا فكذلك إذا أخذها بالشفعة ولو اشترى المضارب دارا ببعض المضاربة ثم اشترى رب المال دارا لنفسه إلى جنبها فللمضارب أن يأخذها بالشفعة بما بقي من مال المضاربة لان أكثر ما فيه ان المضارب يأخذها لرب المال ورب المال مشتر والشراء لا يكون مبطلا شفعة الشفيع ثم أخذه بالشفعة كالشراء المبتدأ وشراء المضارب بمال المضاربة دارا من رب المال يكون صحيحا لكونه مفيدا من حيث انه يدخل فيه في المضاربة ما لم يكن فيها ويخرج من المضاربة ما كان فيها ولو اشترى بالف مضاربة دارا تساوى ألفا ورب المال شفيعها فتسلم الشفعة ثم باع المضارب الدار فلا شفعة لرب المال فيها لان المضارب نائب عن رب المال في بيعها ومن بيع له لا يستوجب الشفعة كما لا يستوجبها من باع وكذلك لو باع رب المال داره لم يكن للمضارب فيها شفعة بدار المضاربة لانه لو أخذها أخذها للمضاربة ومال المضاربة لرب المال ورب المال بائع لهذه الدار فكما لا يكون له أن يأخذها بالشفعة بدار أخرى له لا يكون لمضاربه أن يأخذها بدار المضاربة ولو اشترى المضارب بالف المضاربة دارا تساوى ألفين ورب المال شفيعها فسلم الشفعة ثم باعها المضارب بالفى درهم لم يكن لرب المال ان يأخذ شيأ منها بالشفعة أما مقدار رأس المال وحصته من الربح فلان البيع فيه وقع من المضارب لرب المال وأما حصة نصيبه من الربح فلانه لو أخذها رب المال تفرقت الصفقة على المشترى وليس للشفيع أن يفرق الصفقة على المشترى ولان حق المضارب في الربح تبع وإذا لم تجب الشفعة فيما هو الاصل لا تجب في التبع ولهذا لا يستحق البناء بدون الاصل في الشفعة لان البناء يمنع الاصل ولو لم يبعها المضارب ولكن باع رب المال داره فأراد المضارب أن يأخذها بالشفعة لنفسه من الربح الذي له في مال المضاربة بحصته من الربح كان له ذلك لان رب المال ما باع داره للمضارب والمضارب حاز للدار المبيعة بحصته من الربح فانه تملك حصته قبل القسمة حقيقة ولهذا تجب عليه الزكاة فيه فيكون له أن يأخذها بالشفعة لنفسه بذلك السبب ولو اشترى المضارب ببعض المال دارا في قيمتها فضل على رأس المال فباع رجل إلى جنبها دارا وفي يد
[ 147 ] المضارب من مال المضاربة مثل ثمن الدار التى يبعت إلى جنب دار المضاربة فأراد المضارب أن يأخذ الدار بالشفعة لنفسه لم يكن له ذلك وانما يأخذها على المضاربة أو يدع لان حق رب المال أصل وحق المضارب تبع وهو متمكن من أخذها بما هو الاصل والتبع لا يظهر مع ظهور الاصل وهذا لان في أخذها للمضاربة مراعاة الحقين جميعا حق رب المال وحق المضارب وفي أخذها لنفسه ابطال حق رب المال وليس للمضارب أن يقدم حق نفسه في الربح ويبطل حق رب المال فتسلم المضارب الشفعة فاراد رب المال أن يأخذها بالشفعة لنفسه لم يكن له ذلك لان المضارب إذا كان متمكنا من الاخذ بالشفعة يصح منه التسليم في حق نفسه وفي حق رب المال جميعا فان التسليم من التجارة كالاخذ قيل هذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فاما عند محمد رحمه الله فينبغي أن لا يصح تسليمه في حق رب المال كما في الاب والوصي إذا سلما شفعة الصبي والاصح أن هذا قولهم جميعا لان فيما هو من صنيع التجار المضارب نائب عن رب المال على الاطلاق وتسليم الشفعة من صنيع التجار ولو لم يكن في يد المضارب من مال المضاربة شئ يأخذ به الدار التى بيعت كان له أن يأخذها بالشفعة لنفسه لانه غير متمكن من أخذها للمضاربة هنا لانه لو أخذها للمضاربة كان استدانة منه على المال والمضارب لا يملك ذلك فإذا لم يثبت له الحق باعتبار الاصل ظهر حكم التبع وهو أنه جار للدار المبيعة بملكه في نصيبه من الربح فيكون له أن يأخذ بالشفعة لنفسه وان لم يكن فيها فضل على رأس المال لم يكن للمضارب أن يأخذها لنفسه لانه لا ملك له فيها وانما جواره من حيث اليد دون الملك وبه لا يستحق الشفعة وان أراد رب المال أن يأخذها لنفسه فله ذلك لان ما في يد المضارب ملك لرب المال حقيقة فيكون به جارا للدار المبيعة فان سلم المضارب الشفعة فتسليمه باطل ورب المال على شفعته لان تسليم الشفعة انما يصح ممن يكون متمكنا من الاخذ بالشفعة والمضارب هنا لم يكن متمكنا من الاخذ فليس له تسليم الشفعة ولو كان في الدار التى من المضاربة فضل على رأس المال وليس في يد المضارب من مال المضاربة شئ فاراد المضارب ورب المال أن يأخذ الدار المبيعة إلى جنب دار المضاربة بالشفعة لانفسهما فلهما أن يأخذاها نصفين لان كل واحد منهما جار لها بملكه في حصته من دار المضاربة واستحقاق الشفعة باعتبار عدد رؤس الشفعاء لا باعتبار مقدار الانصباء فان سلم أحدهما كان للآخر أن يأخذها كلها لان لكل واحد من الشفيعين سببا تاما لاستحقاق جميع الدار المبيعة ولكن
[ 148 ] للمزاحمة عند طلبهما يأخذ كل واحد منهما النصف فإذا انعدمت هذه المزاحمة بتسليم أحدهما كان للآخر أن يأخذها كلها فان كان بقى في يد المضارب من المضاربة قدر ثمن الدار التى بيعت فاراد المضارب أو رب المال أن يأخذها بالشفعة لم يكن له ذلك لان حق المضاربة في هذه الدار هو الاصل قبل القسمة لما في الاخذ للمضاربة من مراعاة الحقين في أخذ أحدهما لنفسه ابطال حق الآخر وإذا كان الاخذ باعتبار الحق الاصلى ممكنا يوجب ترجيع ذلك فيكون للمضارب أن يأخذها للمضاربة وليس لواحد منهما أن يأخذها لنفسه فان سلم المضارب الشفعة لم يكن لواحد منهما أن يأخذها بالشفعة بعد ذلك لان المضارب كان متمكنا من أخذه لهما فيعمل تسليمه أيضا في حقهما أرأيت لو أخذها للمضاربة ثم باعها من الذى أخذها منه أوردها عليه بحكم الاقالة أما كان يصح ذلك منه في حق رب المال فكذلك إذا ردها عليه بتسليم الشفعة له ولو لم يعلم المضارب بالشفعة حتى تناقضا المضاربة واقتسما الدار التى من المضاربة على قدر رأس المال والربح ثم أرادا أن يأخذا الدار المبيعة بالشفعة لانفسهما فلهما ذلك لان سبب الاستحقاق لكل واحد منهما يتقرر بالقسمة ولا ينعدم فان السبب كونه جارا للدار المبيعة بملكه في دار المضاربة وبالقسمة يتقرر ملك كل واحد منهما الا أن حق المضاربة كان مقدما فإذا انعدم ذلك بقسمتها كان لكل واحد منهما حق الاخذ لنفسه بالشفعة كالشريك إذا سلم الشفعة فللجار أن يأخذها فان طلباها جميعا فهى بينهما نصفان وأيهما سلم أخذ الآخر الدار كلها لما قلنا وإذا دفع الرجل إلى الرجلين مالا مضاربة فاشتريا به دارا ورب المال شفيعها فله أن يأخذ حصة أحدهما بالشفعة دون حصة الآخر لان الصفقة تتفرق بتعدد الشريكين في حكم الشفعة (ألا ترى) أنهما لو اشترياها لانفسهما كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الاخر قبل القبض في ظاهر الرواية وقد بينا هذا في الشفعة فكذلك إذا كان المشتريان مضاربين وكذلك لو كان الشفيع أجنبيا فان المضاربين في شرائهما للمضاربة في حق الشفيع كالمشتريين لانفسهما حتى كان له أن يأخذها منهما بالشفعة وان لم يحضر رب المال وكذلك الوكيلان ولو كان المضارب واحدا فاراد الشفيع أن يأخذ بعض الدار بالشفعة لم يكن له ذلك سواء كان الشفيع رب المال أو اجنبيا لما فيه من تفريق الصفقة على المشترى وإذا دفع الرجلان إلى رجل مالا مضاربة فاشترى بها دارا وأحد صاحبي المال شفيعها فاراد أن يأخذ بعضها بالشفعة فليس له ذلك اما أن يأخذها كلها أو يدع لان المشترى لما كان
[ 149 ] واحدا كانت الصفقة في حكم الشفعة متحدة فلا يكون للشفيع أن يفرقها باخذ البعض سواء كان الشفيع أجنبيا أو أحد ربى المال وكذلك الرجلان يوكلان رجلا بشراء دار كان للشفيع أن يأخذها من الوكيل جملة وان كان الآمران غائبين وليس له أن يأخذ نصيب أحد الآمرين وان كان المأمور اثنين فله أن يأخذ نصيب أحد الآمرين دون الآخر لان المشترى لغيره في حق الشفيع كالمشترى لنفسه فان المعتبر في تفريق الصفقة واجتماعها حال العاقد لا حال من وقع العقد له وإذا وجبت الشفعة للمضاربة فسلم أحد المضاربين الشفعة لم يكن للآخر أن يأخذها لان الاخذ بالشفعة شراء وأحد المضاربين لا ينفرد بالشراء دون صاحبه فكذلك في الاخذ بالشفعة (ألا ترى) انه ليس لاحدهما أن يأخذ الشفعة دون صاحبه وان لم يسلما فبعد تسليم أحدهما أولى وان كان رأس المال ألف درهم فاشترى بها المضارب دارا تساوى ألفا أو أقل أو أكثر وشفيعها رب المال بدار له ورجل أجنبي أيضا شفيعها بدار له أخرى فلهما أن يأخذا الدار نصفين لان كل واحد منهما لو انفرد لاستحق الكل بالشفعة فإذا اجتمعا وطلباها أخذاها بينهما نصفين فان سلم رب المال الشفعة وأراد الاجنبي أن يأخذها فالقياس أن يأخذ الاجنبي نصف الدار بالشفعة وليس له غير ذلك لان المضارب انما اشتراها لرب المال وشراء الشفيع لنفسه يكون أخذا بالشفعة فكذا شراء غيره له واحد الشفيعين إذا سلم بعد الاخذ فليس للآخر أن يأخذ الا النصف بخلاف ما إذا سلم قبل الاخذ لان مزاحمته في الاخذ تنعدم بالتسليم قبل الاخذ لا بعده وفي الاستحسان للاجنبي أن يأخذ الدار كلها أو يدع لان المضارب انما اشترى للمضاربة وذلك حق آخر غير حق رب المال فيما له على الخصوص والمزاحمة بينهما باعتبار الحق الخالص لكل واحد منهما ولم يوجد من رب المال أخذ باعتبار هذا الحق ولا من غيره له فانما سلم قبل الاخذ والدليل عليه انه لو تمكن الاجنبي من أخذ النصف تفرقت الصفقة به على المشترى وليس للشفيع حق تفريق الصفقة على المشترى بالاخذ بالشفعة فلهذا يأخذ كلها أو يدع * (باب الشروط في المضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف على أن للمضارب بما عمل في المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا شرط فاسد ولا ينبغى له ان يشترط مع
[ 150 ] الربح أجرا لانه شريك في المال بحصته من الربح وكل من كان شريكا في مال فليس ينبغى له أن يشترط أجرا فيما عمل لان المضارب يستوجب حصة من الربح على رب المال باعتبار عمله له فلا يجوز ان يستوجب باعتبار عمله أيضا اجرا مسمى عليه إذ يلزم عوضان لسلامة عمل واحد له وان اعتبرنا معنى الشركة في المضاربة كان رأس مال المضاربة عمله ورأس ماله فلا يجوز أن يستوجب باعتبار عمله على رب المال أجرا فان عمل على هذا الشرط فربح فالربح على ما اشترطا ولا أجر للمضارب في ذلك لانه ما سلم عمله بحكم الاجارة على رب المال والمضاربة شركة والشركة لا تبطل باشرط الفاسد إذا كان لا يؤدي ذلك إلى قطع الشركة بينهما في الربح بعد حصوله وقد طعن عيسى رحمه الله في هذه المسألة وقال يجب ان يكون للمضارب أجر مثله فيما عمل لان شرط الاجر المسمى ينافى موجب المضاربة فان المضاربة جائزة غير لازمة فلكل واحد منهما أن يفسخها واشتراط الاجر المسمى يجعل العقد لازما وكل شرط يضاد موجب المضاربة فهو مفسد للمضاربة كما لو شرط للمضارب مائة درهم من الربح واستدل بما قاله في كتاب المزارعة في نظير هذه المسألة ان المزارعة تفسد والخارج كله لصاحب البذر وقد قيل في الفرق بينهما انه قال في مسألة المزارعة على أن للمزارع أجر مائة درهم ولم يقل كل شهر فصار الاجر شرطا على العمل الذى قد اشترط له نصيبه من الزرع عليه وفي المضاربة قال على ان له أجرا عشرة دراهم كل شهر فالاجر هناك مشروط بمقابلة منافعه لا مقابلة العمل (ألا ترى) ان بمضي المدة بعد تسليم النفس يجب الاجر وان لم يعمل له شيأ وشرط الربح بمقابلة العمل فكانا في حكم عقدين إذا فسد أحدهما لم يفسد الآخر به وقيل في الفرق بينهما المزارعة اجارة ولهذا شرط التوقيت فيها والاجارة تبطل بالشروط الفاسدة فاما المضاربة فشركة حتى لا يشترط فيها التوقيت والشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة قوله هذا الشرط يضاد موجب المضاربة قلنا الشرط لا يضاد ذلك ولكن صحة الشرط واستحقاق الاجر به يوجب اللزوم وهذا الشرط غير صحيح هنا بل هو لغو كما ذكرنا فتبقى المضاربة بينهما صحيحة كما هو موجب المضاربة ولذلك إذا شرط ذلك الاجر لعبد له يعمل معه في المضاربة أو لبيت يشترى فيه ويبيع فالربح على ما اشترطا ولا أجر لعبد المضارب ولا لبيته لان المشروط للبيت مشروط للمضارب وعليه حفظ مال المضاربة في بيته ولا يجوز أن يستوجب على ذلك أجرا ولهذا لا يجوز استئجار المرتهن على حفظ المرهون وعبد المضارب الذى لا دين
[ 151 ] عليه كسبه لمولاه فالمشروط له من الاجر كالمشروط للمضارب ولو كان العبد الذى اشترط له الاجر عليه دين أو كان مكاتب المضارب أو ولده أو والده فهو جائز على ما اشترطا وللذى عمل بالمال مع المضارب من هؤلاء عشرة دراهم كل شهر على ما اشترطا لانه من كسب هؤلاء كالاجنبي وله أن يستأجرهم للعمل معه ويكون أجرهم في مال المضاربة فاشتراط ذلك في المضاربة لا يزيده الا وكادة وليس له ان يستأجر عبده الذى لادين عليه ولابيته من نفسه ليبيع فيه ويشترى للمضاربة فكان اشتراط ذلك في العقد شرطا فاسدا ولو اشترطا ان يعمل عبد رب المال مع المضارب على أن للعبد أجرا عشرة دراهم كل شهر ما عمل معه فهذا شرط فاسد لان عبد رب المال إذا لم يكن عليه دين كنفسه ولو شرط عمل رب المال معه باجر لم يجز ذلك ولا أجر له فيما عمل فكذلك إذا شرط ذلك لعبده أو لابيه والربح بينهما على الشرط لان الشرط الفاسد غير متمكن في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط رب المال أن يعمل معه وهو بغير أجر لان ذلك الشرط يعدم التخلية بين المضارب ورب المال وهنا الشرط لا يعدم التخلية فان العبد أجير المضارب ويد الاجير كيده ولو كان عبد رب المال عليه دين فاشترط له أجرا عشرة دراهم كل شهر أو اشترط ذلك لمكاتبه أو لابنه جاز لما بينا ان هؤلاء كاجنبي آخر فيما يشترط لهم من الاجر على العمل وإذا استأجر رجل رجلا عشرة أشهر كل شهر بعشرة دراهم يشترى له البز ويبيع ذلك فهو جائز لانه عقد على منافعه في مدة معلومة ببدل معلوم فان دفع إليه رب المال في هذه العشرة الاشهر مالا يعمل به على أن الربح بينهما نصفان فعمل به الاجير فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا شئ للاجير من الربح في قول أبى يوسف وقال محمد ربح المضاربة بينهما على ما اشترطا ولا أجر للاجير مادام يعمل بهذا وإذا عمل بغيره من ملك رب المال فله أجر عشرة دراهم في كل شهر حتى تنقضي هذه الشهور لان اتفاقهما على المضاربة بمنزلة الفسخ منهما للاجارة ولكن هذا الفسخ في ضمن المضاربة فيقتصر على المنافع التى يعمل بها في مال المضاربة ولا تتعدى إلى ما يعمل به في غيره من مال رب المال فيستوجب الشركة في الربح باعتبار المضاربة والاجر بمنافعه المصروفة إلى عمله لرب المال من غير مال المضاربة ولان المضاربة شركة ولو أن الاجير شارك رب المال بالف من ماله خلطه بمال رب المال باذنه على أن يعمل بالمالين فما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان كانت الشركة جائزة على ما اشترطا ولا أجر للاجير ما دام يعمل بهذا المال
[ 152 ] فكذلك في المضاربة وأبو يوسف يقول عقد الاجارة لا ينتقض بالمضاربة لان المضاربة دون الاجارة فالاجارة لازمة من الجانبين والمضاربة غير لازمة ولا ينتقض الشئ بما هو دونه ولان المعقود عليه في الاجارة منافعه وفي المضاربة العمل وأحدهما غير الآخر والعقد المضاف إلى محل لا يبطل عقدا مضافا إلى محل آخر هو أقوى منه ومع بقاء الاجارة لا يجوز أن نثبت له الشركة في الربح إذا اجتمع له الاجر والشركة في الحاصل بعمله وذلك لا يجوز ولان المضارب انما يستحق الشركة في الربح بازاء عمل نفسه بمنافع هي له وهنا منافعه بعقد الاجارة مستحقة للمستأجر فلا يوجد ما هو موجب استحقاق الشركة في الربح وهذا بحلاف الشركة فان الشريك يستحق الربح بماله لا بعمله فبالاجارة السابقة بينهما لا ينعدم ما به يستحق الشريك ولان الشريك يعمل لنفسه في مال نفسه فلا يستوجب الاجر بهذا العمل على المستأجر والمضارب يعمل لرب المال وهو بعمله لرب المال يستوجب الاجر هنا فلا يجوز أن يستوجب الشركة في الربح وعقد الاجارة يرد على منافعه كما قال ولكن المقصود هو العمل فإذا وجد ما هو المقصود كان البدل بمقابلته وان كان تسليم النفس عند عدم العمل يقام مقامه في استحقاق الاجر كالصداق فانه بمقابلة ما هو المقصود وان كان تسليم المرأة نفسها قد يقام مقام ما هو المقصود في تأكد المهر به لدفع الضرر عنها ولو كان الاجير دفع إلى رب المال مضاربة يعمل به على النصف جاز والاجير على الاجارة والمستأجر على المضاربة لان عقد الاجارة لا يوجب للاجير حقا في منافع رب المال ولا في عمله فدفعه المال إليه مضاربة بعد الاجارة كدفعه إليه قبل الاجارة فان استبضع رب المال الاجير مال المضاربة يشترى به ويبيع على المضاربة فقبضه الاجير فاشترى به وباع فهو جائز على ما اشترطا في المضاربة لان عمل المستبضع كعمل المبضع كما لو أبضعه المضارب مع أجنبي آخر والاجر على حاله للاجير لانه قد تحقق منه تسليم نفسه في المدة للعمل به وهو يستوجب الاجر بذلك وعقد المضاربة لا يفسد هنا بخلاف ما إذا اشترط عمل رب المال بالمال لان ذلك الشرط يعدم التخلية فأما الابضاع فلا يعدم التخلية المستحقة لتمكن المضارب من استرداد المال منه متى شاء وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف على أن يعمل معه رب المال على أن لرب المال اجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا الشرط يفسد عقد المضاربة لانه يعدم التخلية وقد بينا أنه لو شرط عمل رب المال مع المضارب بغير اجر فسد العقد فإذا شرط عمله مع المضارب كان اولى وإذا فسد العقد
[ 153 ] كان الربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللمضارب اجر مثله فيما عمل وهو الحكم في المضاربة الفاسدة ولا اجر لرب المال لانه عامل في مال نفسه لنفسه وهو في ذلك لا يكون أجيرا لغيره فلهذا لا يستوجب الاجرة به والله أعلم * (باب المرابحة بين المضارب ورب المال) * (قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما كان في ذلك من ربح فهو بينهما نصفان فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه من المضارب بالف المضاربة جاز ذلك لكون العقد مفيدا بينهما فان باعه المضارب مساومة باعه كيف شاء وان باعه مرابحة باعه على خمسمائة وهو ما اشتراه به رب المال دون الالف الذى اشتراه به المضارب لان الذى يجرى بين رب المال والمضارب في الحقيقة لم يكن بيعا فان البيع مبادلة ملك انسان بملك غيره وهذا كان مبادلة ملك رب المال بملكه ولكن جعل بمنزلة العقد في حق ما بينهما لكونه مفيدا في حقهما فاما في حكم بيع المرابحة فالعقد هو الاول وهو شراء رب المال اياه بخمسمائة فيبيعه مرابحة على ذلك * يوضحه أن المضارب متهم في حق رب المال بالمسامحة وترك الاستقصاء بيع المرابحة بيع أمانة ينفى عنه كل تهمة وخيانة وانتفاء التهمة في أقل الثمنين فبيعه مرابحة على ذلك الا أن يبين الامر على وجهه فحينئذ يبيعه كيف شاء ولان المضارب يبيعه لرب المال فينبغي أن يطرح ربح رب المال عند انضمام أحد العقدين إلى آخر وربح رب المال خمسمائة فيطرح ذلك من الثمن ويبيعه مرابحة على ما بقى ولو كان رب المال اشترى العبد بالف فباعه من المضارب بخمسمائة درهم من المضاربة باعه المضارب مرابحة على خمسمائة لانه أقل الثمنين والذي جرى بينهما عقد في حقهما فان لم يكن في الحقيقة عقدا فيعتبر هذا الجانب إذا كان أقل الثمنين عند اعتباره وانتفاء التهمة انما يكون في الاقل ولو كان رب المال ملك العبد بغير شئ فباعه من المضارب بالف المضاربة لم يبعه مرابحة حتى يبين انه اشتراه من رب المال لما بينا ان الذى جرى بينهما ليس ببيع في الحقيقة وليس لرب المال على هذه العين شراء سوى هذه ليبيعه المضارب به مرابحة باعتبار ذلك فان بين الامر على وجهه فقد انتفت التهمة ولو عمل المضارب بالف المضاربة فربح فيها ألفا ثم اشترى رب المال عبدا يساوى ألفى درهم فباعه من المضارب بالالفين فله أن يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان مقدار
[ 154 ] الخمسمائة في العقد الثاني ربح رب المال فيطرح ذلك من الثمن الثاني إذا لم يخرج ذلك القدر من ملك رب المال وانما بقي من الثمن ربح المضارب فيه وهو خمسمائة وما اشتراه به رب المال وهو ألف فيبيعه مرابحة على ذلك لان المضارب انما يبيعه لرب المال في مقدار رأس ماله وحصته من الربح ولهذا لو لحقه عهدة في ذلك رجع به عليه فيطرح مقدار ربح رب المال لذلك ولو كان رب المال اشتراه بخمسمائة والمسألة على حالها باعه المضارب مرابحة على ألف درهم خمسمائة منها التى اشترى بها رب المال العبد وخمسمائة ربح فاما الف المضارب التى طرحت من الثمن بخمسمائة درهم تمام رأس مال رب المال والعقد في ذلك لرب المال فيعتبر أقل الثمنين فتطرح الزيادة إلى تمام رأس مال رب المال وخمسمائة درهم ربح رب المال فلا يحتسب بشئ من ذلك ويبيعه مرابحة على ما اشتراه به رب المال وعلى حصة المضارب من الربح الا أن يبين الامر على وجهه ولو كان رب المال اشتراه بألف وقيمته ألف فباعه من المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة على الالف لان قيمته إذا كانت مثل رأس المال فلا ربح للمضارب منه (ألا ترى) أنه لو أعتقه لم يجز عتقه وربح رب المال يطرح من بيع المضارب فانما يبيعه مرابحة على ما اشتراه به رب المال وهو ألف درهم وان كان اشتراه رب المال بخمسمائة وقيمته ألف فباعه من المضارب بالالفين باعه المضارب مرابحة على خمسمائة لانه لا ربح في قيمته فانما يبيعه لرب المال كله فان قيل كيف ينفذ هذا الشراء بالغبن الفاحش من المضارب على المضاربة. قلنا لانه اشتراه من رب المال وشراؤه بالزيادة الفاحشة من غيره انما لا ينفذ على المضاربة لحق رب المال فإذا كان العامل معه رب المال فهو راض بذلك ولو كان رب المال اشتراه بألفين وقيمته ألف فباعه من المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة على ألف على أنه لا فضل فيه على رأس المال وفي حق رب المال انما يعتبر أقل الثمنين وذلك مقدار قيمته فبيعه مرابحة على الالف كذلك. فان قيل رب المال اشتراه بألفين والمضارب اشتراه منه كذلك بألفين فقولكم أقل الثمنين ألف من أين. قلنا نعم رب المال اشتراه بألفين وقد عاد إليه الف زائدة على قيمته بالعقد الذي جرى بينه وبين المضارب فانما بقى له فيه بقدر رأس مال المضاربة وذلك ألف درهم ولو كان العبد يساوى ألفا وخمسمائة وقد اشتراه رب لمال بالف والمسألة بحالها باعه المضارب مرابحة على ألف ومائتين وخمسين لان الربح فيه خمسمائة نصف ذلك لرب المال وقد بينا أن ربح المال يطرح وانما يعتبر قدر رأس المال وربح المضاربة وذلك ألف
[ 155 ] ومائتان وخمسون ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى المضارب بها عبدا فباعه من رب المال بالفى درهم باعه رب المال مرابحة على ألف وخمسمائة لان خمسمائة من الالفين حصة رب المال من الربح فيطرح ذلك من الثمن لان المضارب انما كان اشترى العبد له فيعتبر في حقه أقل الثمنين وذلك ما اشترى به المضارب وهو ألف وحصة المضارب من الربح معتبرة لا محالة فيبيعه رب المال مرابحة على الفى درهم وخمسمائة ولو كان المضارب اشترى العبد بخمسمائة من المضاربة فباعه من رب المال بالفى درهم فانه يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة الثمن الذى اشتراه به المضارب وخمسمائة ربح المضارب ويطرح عنه خمسمائة ربح رب المال وخمسمائة ربح رب المال أيضا مما يكمل به رأس المال وان كان بقى من المضاربة خمسمائة في يد المضارب لم يحتسب بها في ثمن هذا العبد وقد بينا أن في حق كل جنس من المال يجعل كانه ليس في المضاربة غيره (ألا ترى) أن تلك الخمسمائة لو ضاعت كان رأس مال المضاربة كله ثمن هذا العبد فلهذا حسب جميع رأس المال في ثمن هذا العبد فطرح تمام رأس المال من ثمن العبد الذى اشتراه به رب المال وهو خمسمائة وربح رب المال باعه مرابحة على الثمن الذى اشترى به المضارب وهو خمسمائة وعلى ربح المضارب وهو خمسمائة ويشترى ان كانت قيمة العبد أقل من ذلك أو أكثر في هذا الوجه لانه لا معتبر بقيمة العبد فانه انما يصل إلى المضارب في هذا الوجه الثمن دون العبد ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها عبدا فباعه من رب المال بالفى درهم ثم باعه رب المال من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف ثم اشتراه المضارب من الاجنبي بالالفين اللذين أخذهما من رب المال ثمنا للعبد فانه لا يبيعه مرابحة في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله أصلا وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يبيعه المضارب مرابحة على الثمن الاخير الذى اشتراه به من الاجنبي وهو ألفا درهم وهذا بناء على ما بينا في كتاب البيوع ان عند أبى حنيفة يضم بعض العقود إلى البعض ثم ينظر إلى حاصل الضمان فيه فعلى ذلك يباع مرابحة فهنا الثمن الاول كان ألف درهم فلما باعه المضارب بالفين من رب المال كان المعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف وحصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فلما باعه رب المال بثلاثة آلاف فقد ربح فيه ألفا وخمسمائة فلابد من أن يطرح ذلك من رأس المال بعد ما اشتراه المضارب من الاجنبي ليبيعه مرابحة لرب المال على ما بقى وإذا طرحت ذلك من رأس المال لم يبق شئ فلهذا لا يبيعه مرابحة أصلا الا أن يبين الامر على وجهه وعندهما
[ 156 ] لا يعتبر ضم العقود بعضها إلى بعض في المعاملة مع الاجنبي فيبيعه مرابحة على ما اشتراه من الاجنبي وذلك ألفا درهم ولو كان المضارب باع العبد من رب المال بالف وخسمائة ثم باعه رب المال من أجنبي بالف وستمائة ثم عمل المضارب بالالف وخمسمائة حتى صارت الفين فاشترى بها العبد من الاجنبي بالف وستمائة ثم عمل المضارب بالف وخمسمائة حتى صارت الفين فاشترى بها العبد من الاجنبي فان بيعه مرابحة في قولهما على ألفين وهو ظاهر وأما في قياس قول أبى حنيفة فان يبيعه مرابحة على ألف وأربعمائة لان المضارب كان ربح في البيع الاول مائتين وخمسين وكان المعتبر رأس المال وحصة المضارب من الربح فحين باعه رب المال بألف وستمائة فثلثمائة وخمسون من ذلك ربح المال فيطرح ذلك من الالفين ويطرح أيضا ما ربح المضارب على رب المال وذلك مائتان وخمسون درهما فإذا طرحت ذلك من الالفين يبقى ألف وأربعمائة درهم فعلى ذلك يبيعه المضارب مرابحة وانما يطرح ما ربح المضارب على رب المال لانه لو ربح ذلك في معاملته مع الأجنبي بيعا وشراء لكان يطرح ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله في بيع المرابحة فلان يطرح ذلك عند معاملته مع رب المال أولى وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى بألف منها عبدا يساوى الفين فولاه رب المال فهذا جائز عند أبى حنيفة لا يشكل لانه يملك البيع بالمحاباة وعندهما بيعه بالمحاباة الفاحشة من غير رب المال لا يجوز لحق رب المال فلا يكون ذلك مانعا من جواز المعاملة بينه وبين رب المال فان باعه رب المال من أجنبي بالف وخمسمائة مرابحة ثم اشتراه المضارب من الاجنبي مرابحة بالفى درهم من المضاربة ثم حط رب المال عن الاجنبي من الثمن ثلثمائة فان الأجنبي يحط عن المضارب مثل ذلك من الثمن وحصته من الربح وذلك كله أربعمائة لان العقدين جميعا كانا مرابحة فإذا خرج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا في حق الاجنبي بحط رب المال عنه يخرج ذلك القدر وحصته من الربح من أن يكون ثمنا في عقد المضارب أيضا والمحطوط في عقد رب المال خمس الثمن وفي عقد المضارب جملة الثمن ألفان فيحط عنه خمس الثمن وفي عقد المضارب جملة الثمن ألفان فيحط عنه خمسها أيضا وهو أربعمائة ثم يبيعه لمضارب مرابحة على ما بقى من الالفين في قول أبى يوسف ومحمد وهو ألف وستمائة وعند أبى حنيفة رحمه الله يبيعه مرابحة على ألف ومائتي درهم لان رب المال كان ربح فيه خمسمائة فلما حط ثلثمائة كان الحط من جميع الثمن ثلثاه من رأس المال وثلثه من الربح فبقى ربحه على الاجنبي أربعمائة درهم فيطرح
[ 157 ] المضارب هذه الاربعمائة مع الاربعمائة التى سقطت عنه من الالفين لانه يبيعه مرابحة لرب المال فلهذا باعه مرابحة على ألف ومائتين الا أن يبين الامر على وجهه ولو كان المضارب حط عن رب المال من الثمن الذى ولاه به العقد مائتي درهم فان رب المال يحط المائتين وحصتها من الربح وهو مائة درهم عن الاجنبي لان المضارب حط عنه خمس الثمن وبيعه من الاجنبي كان مرابحة بالف وخمسمائة فيطرح عنه أيضا خمس الثمن وذلك ثلثمائة ثم يحط الا جنبي عن المضارب هذه الثلثمائة حصتها من الربح وهو مائة لما قلنا فيبقى العبد في يد المضارب بالف وستمائة شراء من الأجنبي فان أراد أن يبيعه مرابحة باعه في قول أبى حنيفة مرابحة على ألف ومائتين لما بينا أنه يطرح ما ربح رب المال عن الاجنبي وهو أربعمائة لانه بقى حاصل ضمانه الاول فيه ثمانمائة وحاصل ما سلم له من الأجنبي ألف ومائتان فعرفنا أن ربح كان أربعمائة فيحط المضارب ذلك في بيع المرابحة عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يبيعه مرابحة وهو على ألف وستمائة لما بينا والله أعلم * (باب ضمان المضارب) * (قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل الف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيه برأيه أو لم يأمره فعمل فربح ألف درهم ثم انه دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها برأيه أو لم يأمره فخلط هذه الالف الاخيرة بالالف الاولى ثم عمل بالمال كله فربح ألفا فان كان لم يأمره أن يعمل في الاخيرة برأيه فالمضارب ضامن للالف الاخيرة بالخلط لان له في المال الاول من الربح خمسمائة فهذا منه خلط مال المضاربة بمال نفسه وذلك موجب للضمان عليه في المضاربة المطلقة فان كان ربح بعد هذا الخلط ألف در هم فثلث ذلك حصة الالف الاخيرة وقد ضمنها المضارب فيكون ربحها له فيأخذ من المال هذه الالف وربحها ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وما بقي من المال فهو على المضاربة الاولى بينهما لان في حق المضاربة الاولى انما خلط مال رب المال بماله وذلك لا يوجب الضمان عليه ولو ضاع المال قبل القسمة لم يضمن المضارب الا الالف الاخيرة لان سبب الضمان وهو الخلط بمال نفسه انما وجد فيها خاصة ولو كان أمره في المضاربة الثانية أن يعمل فيها برأيه ولم يأمره بذلك في الاولى أو أمره والمسألة بحالها فلا ضمان عليه والمال كله مضاربة على ما اشترطا لان الامر
[ 158 ] في المضاربة الاخيرة مفوض إلى رأيه على العموم فلا يصير ضامنا لها بالخلط وفي المضاربة الاولى انما خلط مال رب المال بماله وذلك غير موجب للضمان عليه فلهذا كان المال كله مضاربة في يده على ما اشترطا ولو لم يأمره أن يعمل في واحد من المالين برأيه فخلطهما قبل أن يربح في واحد منهما شيأ فلا ضمان عليه لانه انما خلط مال رب المال بماله وذلك ليس بسبب موجب للضمان عليه في المضاربة المطلقة ولو كان ربح في كل واحد ربحا ثم خلطهما ضمنهما جميعا مع حصة رب المال من الربح الذى كان قبل الخلط لان في كل واحد من المالين وجد سبب وجوب الضمان وهو خلط ملك رب المال بملك نفسه وذلك حصته من الربح في كل مال وما ربح فيهما بعد ما خلطهما فهو للمضارب لانه يملك المالين بالضمان فما ربح عليهما بعد ذلك يكون له ويتصدق به لانه حصل له ذلك بسبب حرام الا حصة ربحه قبل أن يخلطها فانها حلال له لان ذلك حصل له بسبب لا حنث فيه وفي قول أبى يوسف لا يتصدق بشئ من الربح لانه حصل على ضمانه وأصل الخلاف في المودع إذا تصرف في الوديعة وربح وإذا كان أمره فيهما جميعا أن يعمل برأيه كان ذلك كله مضاربة بينهما على الشرط لوجود تفويض الامر إلى رأيه في المضاربتين على العموم والجواب في المضاربين إذا خلطا المالين قبل أن يربح واحد منهما شيأ أو بعد ما ربح أحدهما في مضاربته شيأ نحو الجواب في المضارب الواحد لا ستواء الفصلين في المعنى الذي أشرنا إليه والله أعلم * (باب المرابحة في المضاربة بين المضاربين) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألف در هم مضاربة بالنصف فاشترى أحد هما عبدا بخمسمائة من المضاربة فباعه من المضارب الآخر بجميع الالف المضاربة فهو جائز وان كان المالان لواحد لان هذا البيع مفيد فانه يدخل في مضاربة كل واحد منهما ما لم يكن فيها وللمشترى أن يبيعه مساومة كيف شاء وان أراد أن يبيعه مرابحة باعه على أقل الثمنين وهو خمسمائة التى اشتراه بها المضارب الاول لان ما زاد على ذلك لم يتم خروجه من ملك رب المال فان ما في يد المضارب الاول وما في يد المضارب الآخر كله ملك رب المال وكل واحد منهما عامل له فانما يبيعه مرابحة على ما يتيقن بخروجه من ملكه وهو الخمسمائة التى دفعها الاول إلى البائع ولو كان المشترى
[ 159 ] اشترى العبد بالف المضاربة وبالف من ما له ثم أراد أن يبيعه مرابحة باعه على ألف ومائتين وخمسين لانه اشترى نصفه لنفسه بالف من ماله فيبيعه على ذلك مرابحة ويشترى النصف الآخر للمضاربة فانما يبيعه مرابحة على أقل الثمنين فيه وثمن هذا النصف في العقد الاول كان مائتين وخمسين فببيع العبد كله مرابحة على ألف ومائتين وخمسين فان بين الامر على وجهه باعه مرابحة على الالفين لان تهمة الجناية تنعدم ببيان الامر على وجهه ولو دفع ألف درهم إلى رجل مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألفى درهم مضاربة بالنصف فاشترى المدفوع إليه الالف عبدا بها وباعه من آخر بالفى درهم المضاربة فلهذا كان للثاني أن يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان المضارب الاول ربح ألف درهم حصته من ذلك خمسمائة وحصة رب المال خمسمائة الا أن حصة رب المال من الربح تطرح في بيع المرابحة لان ذلك لم يخرج من ملكه فانما يعتبر حصة المضارب الاول من الربح والالف التى غرمها المضارب الاول في ثمنه فيه فيبيعه الآخر مرابحة على ألف وخمسمائة لهذا ولو كان الاول اشتراه بخمسمائة من المضاربة وباعه من الثاني بالفى المضاربة باعه مرابحة على ألف درهم خمسمائة منها رأس مال المضاربة الاول الذى نقد في العبد وخمسمائة ربح المضارب الاول وقد بطلت حصة رب المال من الربح وهو خمسمائة وخمسمائة أخرى تمام رأس مال رب المال من المضاربة الاولى لا نا قد بينا انه يعتبر رأس المال في كل جنس كانه ليس معه غيره (ألا ترى) انه لو هلكت الخمسمائة الا خرى كان جميع رأس المال محسوبا من هذا الثمن بمقدار ما يكمل به رأس مال رب المال ويطرح في بيع المرابحة كما يطرح حصة رب المال من الربح لان ذلك لم يخرج من ملكه والمضارب الآخر انما اشتراه لرب المال والاول كذلك باعه لرب المال وإذا ثبت انه يطرح من الثمن الثاني ألف در هم باعه مرابحة على ألف ولو كان الاول اشتراه بالف المضاربة ثم باعه من الثاني بالفى المضاربة وألف من ماله فله أن يبيعه مرابحة على ألفين ومائة وستة وستين درهما وثلثي درهم لانه اشترى ثلثه لنفسه بالف درهم فيبيعه مرابحة على ذلك واشترى ثلثيه بالفى المضاربة ورأس مال المضاربة الاولى فيه ثلثا الالف وربح المضارب الاول فيه خمسمائة فإذا ضممت خمسمائة إلى ثلثى الالف يكون ألفا ومائة وستة وستين وثلثين ويضم إليه الالف التى هي ثمن ثلث العبد فيبيعه مرابحة على ذلك ويطرح ما سواه يعني حصة رب المال من الربح وذلك خمسمائة وما يكمل به رأس ماله في المضاربة الاولى
[ 160 ] من هذا المال وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فتبين أن المطروح من ثلاثة آلاف ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ولو كان المضارب الاول اشترى العبد بخمسمائة وقيمته ثلاثة آلاف والمسألة بحالها فان للآخر أن يبيعه مرابحة على ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين درهما وثلث لان الآخر اشترى ثلثه لنفسه بالف درهم وذلك معتبر كله واشتري ثلثه للمضاربة وانما يعتبر فيه حصته من الثمن الاول وهو ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فإذا جمعت ذلك كان مقداره ما بيناه ويطرح حصة رب المال من الربح وهو خمسمائة وما يكمل به رأس ماله في المضاربة الاولى من هذا المال وهو ستمائة وستة وستون وثلثان فإذا طرحت من ثلاثة آلاف ألفا ومائة وستة وستين وثلثين يبقى ألف وثمانمائه وثلاثة وثلاثون وثلث ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ثم دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فعمل الآخر بالمال حتى صارت ألفين ثم اشترى الاول بالف المضاربة عبدا فباعه من الآخر بالالفين اللتين في يده وقيمته ألفا درهم فان الثاني يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان رأس مال الاول فيه ألف درهم فيعتبر ذلك ويعتبر حصة الاول من الربح وهو خمسمائة وتبطل حصة رب المال من الربح في المضاربة الاولى لان ذلك لم يخرج من ملكه بالعقد الثاني فلهذا باعه الثاني مرابحة على ألف وخمسمائة ولو كان الاول اشتراه بخمسمائة من المضاربة خمسمائة من ماله والمسألة على حالها باعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان الاول اشترى نصفه لنفسه بخمسمائة وباعه من الثاني بالف فيبيع ذلك النصف مرابحة على ألف واشترى الاول النصف الآخر وباعه من الآخر وباعه من الآخر بالف ولا فضل فيه على رأس مال المضاربة في العقد الاول فانما يبيع هذا النصف مرابحة على الثمن الاول وهو خمسمائة ولو كان الاول اشتراها بالف من عنده وخمسمائة من المضاربة والمسألة بحالها باعه الآخر مرابحة على ألف وثمانمائه وثلاثه وثلاثين وثلث لان الاول اشترى ثلثيه لنفسه وباع ذلك من الآخر بثلث الالفين وذلك ألف وثلثمائة وثلاثون وثلث فيعتبر ذلك كله وأما الثلث الذى اشتراه للمضاربة وباعه من الآخر للمضاربة بما لافضل فيه على رأس مال المضاربة الاولى فانما يبيع هذا الثلث مرابحة على الثمن الاول وهو خمسمائة وإذا ضممت الخمسمائة إلى الالف وثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث كانت جملته ألفا وثمانمائه وثلاثة وثلاثين وثلثا ولو كان الاول اشتراه بالف المضاربة وبخمسمائة من ماله فان الآخر يبيعه أيضا مرابحة على ألف وثمانمائه وثلاثة وثلاثين وثلث لان الاول
[ 161 ] اشترى بنفسه ثلثه وباعه بثلث الالفين فيعتبر ذلك واشترى ثلثه للمضاربة وباعه بثلثي الالفين فيعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف درهم وحصة المضارب من الربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان ويطرح حصة رب المال من الربح خاصة وإذا طرحت من الالفين مائة وستة وستين وثلثين كان الباقي ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة وإلى آخر ألفى درهم ما ضربة فاشترى الاول بالف عبدا من ماله وبخمسمائة من المضاربة ثم باعه من الآخر بثلاثة من ماله وألفى المضاربة فان الآخر يبيعه مرابحة على ألفين وستمائة وستة وستين درهما وثلثي درهم لان الاول اشترى ثلثى العبد لنفسه وباعه من الآخر بالفي درهم فيعتبر جميع ذلك واشترى ثلثه للمضاربة ثم ان الآخر اشترى منه ثلث هذا الثلث لنفسه بثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لا ينتقص من ذلك شئ واشترى ثلثى هذا الثلث منه للمضاربة فيعتبر فيه حصة من الثمن الاول وذلك ثلث الالف ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث هذا هو المعتبر فيه ويطرح ما زاد على ذلك فان جمعت ذلك كله كان ألفى درهم وستمائة وستة وستين وثلثين فيبيعه مرابحة على ذلك وحاصل ما طرح ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وذلك ربح ثلثى هذا الثلث لانه مشغول برأس المال كله ولم يخرج من ملك رب المال بالعقد الثاني ولو كان الاول اشترى العبد وقيمته خمسة آلاف درهم بالف المضاربة وبخمسمائة من ماله والمسألة بحالها باعا الثاني مرابحة على ألفين وخمسمائة لان الاول اشترى ثلث العبد لنفسه وباعه من الثاني بالف فيبيعه مرابحة على ذلك فاشترى الثلثين للمضاربة ثم ان المضارب الآخر اشترى منه ثلث الثلثين لنفسه بستمائة وستة وستين وثلثين فلا ينقص منه شئ واشترى منه ثلث الثلثين للمضاربة بالف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث فالمعتبر من ذلك رأس المال في العقد الاول وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان وحصة المضارب الاول من الربح وهو مائة وستة وستون وثلثان فإذا جمعت ذلك كله كان ألفين وخمسمائة والمطروح من ذلك حصة رب المال من الربح وهو مائة وستة وستون وثلثان وما يكمل به رأس المال في المضاربة الاولى وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألفى درهم مضاربة بالنصف فاشترى الاول جارية بالف من ماله وخمسمائة من المضاربة وباعها من الاخر بثلاثة آلاف درهم ألف من المضاربة وألفين من ماله فانه يبيعها مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان الاول اشترى ثلثيها لنفسه وباع ذلك من الثاني بالفى
[ 162 ] درهم فيعتبر ذلك كله واشترى ثلثها للمضاربة ثم باع ثلثى هذا الثلث من الثاني واشترى الثاني لنفسه بستمائة وستة وستين وثلثين فيعتبر ذلك أيضا واشترى ثلث هذا الثلث للمضاربة فانما يعتبر حصة هذا الجزء من الثمن الاول وذلك مائة وستة وستون وثلثان فإذا جمعت هذا كله كان ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا فإذا قبض الثمن أخذ لنفسه من الثمن حصته ألف درهم وكان ما بقي من المضاربة لان الثمن في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الاول وثلث الثمن الاول كان من مال المضارب الآخر فان كان الثمن الذى باعها به أربعة آلاف درهم كان له خاصة من ذلك اثنا عشر جزأ والباقى يكون من المضاربة لان مقدار الالفين من ماله وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث مال المضاربة فالسبيل أن يجعل كل مائة وستة وستين وثلثين وسهم فصار الالفان اثنى عشر وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا خمسماه فتكون الجملة سبعة عشر سهما للمضاربة من ذلك خمسة وللمضارب الآخر اثنا عشر فعلى ذلك يقسم الاربعة آلاف ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألفى درهم مضاربة بالنصف فاشترى الاول جارية بالف المضاربة وبخمسمائة من ماله وباعها من الآخر بالف المضاربة وبالفين من ماله فانه يبيعها مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان الثاني اشترى ثلث الثلث الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الالف فيعتبر ذلك كله في بيع المرابحة والاول كان اشترى ثلث الثلث الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الالف فيعتبر ذلك كله أيضا وكان اشترى ثلثى الثلث للمضاربة وباعها للمضارب بثلثي الالف وانما يعتبر من ذلك رأس مال هذا الجزء وفي العقد الاول وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة المضارب من الربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان ويطرح حصة رب المال من الربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان فيبيعه مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث بهذا فإذا قسم الثمن على سبعة عشر سهما بينه وبين المضارب كما بينا في الفصل الاول قال عيسى رحمه الله هذا الجواب خطأ فانما يبيعها مرابحة على ألفين وستمائة وستة وستين وثلث لان ثلث الثلثين باعه الاول من المضاربة واشتراه منه الثاني للمضاربة أيضا فلا يعتد بربح رب المال فيه وذلك إذا تأملت مائة وستة وستون وثلثان فتبين أن المطروح من ثلاثة آلاف مائة وستة وستون وثلثان مرتين فيكون الباقي الفين وستمائة وستة وستين وثلثين وقيل انما يصح ما ذهب إليه عيسى رحمه الله ان لو كان مقدار ذلك الثلث من الثلثين مقررا في مملوك أو في مبيع على حدة فاما إذا كان
[ 163 ] في جملة مملوك قد بيع بيعا واحدا وسائر رأس المال فيه مجمل فلا يصح ذلك ولكن يجب اعتبار جميع ثمن الثلثين لان المضارب الآخر اشترى الثلثين لنفسه بالفين من ماله فلابد من اعتبار جميع ذلك في بيع المرابحة والله أعلم * (باب دعوى المضارب ورب المال) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها برأيه أو لم يأمره فاشترى بالالف ابن رب المال فهو مشتر لنفسه لان رب المال انما أمره بان يشترى بالمال ما يملكه بيعه فان المقصود الا سترباح ولهذا أوجب له الشركة في الربح وذلك لا يحصل الا بالبيع بعد الشراء فعرفنا انه مأمور بشراء ما يمكنه بيعه وقريب رب المال لو جاز شراؤه منه على المضاربة عتق ولا يمكنه بيعه فلم يكن هذا من جملة ما تناوله الامر كما لو قال اشتر لي جارية أطؤها فاشترى أخت الموكل من الرضاع أو جارية مجوسية لم تلزم الآمر لهذا وإذا لم ينفذ شراؤه على رب المال صار مشتريا لنفسه وقد نقد ثمنها من مال المضاربة فيخير رب المال بين أن يسترد المقبوض من البائع ويرجع المضارب على البائع بمثله وبين أن يضمن المضارب مثل ذلك لانه قضى بالمضاربة دينا عليه ولو كان اشترى دين نفسه وقيمته ألف درهم أو أقل جاز على المضاربة وهو عبد لانه لا يملك المضارب شيأ منه ولا ربح فيه فهو متمكن من بيعه فإذا زادت قيمته على ألف عتق ويسعى في رأس المال وحصة رب المال من الربح لانه لما ظهر في قيمته فضل على رأس المال ملك المضارب نصيبه من الفضل فيعتق ذلك الجزء عليه لانه ملك جزأ من قريبه ولا ضمان على المضارب فيه لرب المال لانه لا صنع للمضارب في هذه الزيادة بل عتق حكما وعليه السعاية في رأس المال وحصة رب المال من الربح لتتميم العتق لانه احتبس ذلك القدر عنده من ملك رب المال فعليه أن يسعى له في ذلك ولو كانت قيمته يوم اشتراه أكثر من ألف درهم كان مشتريا لنفسه لانه اشترى للمضاربة ما لا يمكنه بيعه فانه يعتق منه بقدر نصيبه من الربح كما ينفذ شراؤه على المضاربة فلهذا كان مشتريا لنفسه فيعتق عليه ولرب المال الخيار في تضمين مال المضاربة أيهما شاء كما بينا ولو كان اشترى بالالف عبدا يساوي ألفى درهم لا يعرف له نسب فقال المضارب لرب المال هذا ابنك وقال رب المال كذبت فان الغلام يعتق لان المضارب مالك مقدار ربع
[ 164 ] منه بحصته من الربح وقد أقر بفساد الرق فيه حين زعم أنه ابن رب المال فيعتق لذلك ويسعى الغلام في جميع قيمته بينهما أرباعا ثلاثة ارباعها لرب المال وربعها للمضارب فان قيل كان ينبغى أن لا يعتق لان رب المال يزعم أن المضارب كاذب وأن العبد مملوك لهما على المضاربة والمضارب يزعم أنه مملوك له اشتراه لنفسه لانه ابن رب المال قلنا نعم ولكن العبد في الظاهر مشترى على المضاربة وباعتبار هذا الظاهر يكون المضارب مقرا بفساد الرق فيه ورب المال مقر بصحة اقرار المضارب فيه باعتبار نصيبه فيكون هذا بمنزلة عبد مشترك بين اثنين أحدهما مقر على صاحبه بالعتق في نصيبه ولو قال المضارب لرب المال هذا ابنك وقال رب المال بل هذا ابنك وقال صدقت فهو مملوك للمضارب أما إذا قال صدقت فقد تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه لانه ابن رب المال بمنزلة ما لو اشترى ابنه المعروف وأما إذا قال بل هو ابنك فقد تصادقا على أنه اشتراه لنفسه لانه إذا كان في قيمته فضل فالمضارب يصير مشتريا لنفسه سواء كان ابنه أو ابن رب المال ثم كان رب المال شاهدا على المضارب للعبد بالعتق والنسب وبشهادة الفرد لا تتم الحجة فلهذا كان مملوكا للمضارب وعلى المضارب أن يرد رأس المال على رب المال بخلاف الاول فهناك المضارب يدعى أنه اشتراه لنفسه وقد كذبه رب المال في ذلك وكان العبد مشتركا بينهما باعتبار الظاهر فلهذا يفسد الرق فيه باقرار المضارب ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى عبدا يساوى ألفا فقال المضارب لرب المال هو ابنك وكذبه رب المال فالعبد على حاله في المضاربة لان المضارب لا يملك شيئا منه حين لم يكن في قيمته فضل على رأس المال فلا يفسد الرق فيه باقراره ويبقى على حاله في المضاربة فان لم يبعه حتى زاد فصار يساوى ألفى درهم عتق لاقرار المضارب أنه ابن رب المال وأنه أقر بما لا يحتمل الفسخ فيصير كالمجدد لاقراره بعد ما ظهر الفضل في قيمته فيفسد الرق فيه لذلك ويسعى في قيمته بينهما أرباعا لانه في معنى الشاهد على رب المال بالعتق أو فساد الرق فيه كان حكما عند ظهور الفضل فيه فلا يوجب الضمان على المضارب ولا يسقط به حقه عن شئ من نصيبه من السعاية فلهذا يسعى في قيمته بينهما ارباعا ولو قال رب المال صدقت ولافضل فيه على رأس المال فالغلام للمضارب ويضمن رأس المال لرب المال لتصادقهما على أن المضارب اشتراه لنفسه ولو قال رب المال كذبت ولكنه ابنك فهو على المضاربة لان المضارب يدعى أنه اشتراه لنفسه ورب المال ينكر ويزعم أنه اشتراه على المضاربة إذ لا فضل فيه على
[ 165 ] رأس المال والمضارب يشترى ابن نفسه على المضاربة إذا لم يكن فيه فضل على رأس المال والظاهر شاهد لرب المال فيما يقول انه اشتراه على المضاربة فان لم يبعه حتى زادت قيمته فصار يساوى ألفى درهم استسعى في قيمته بينهما ارباعا لان كل واحد منهما في معنى الشاهد على صاحبه بالعتق والمضارب يزعم انه ابن رب المال وأن نصيبه منه قد عتق ورب المال يزعم أنه ابن المضارب وأن نصيبه منه قد عتق وهذه الشهادة منهما تفسد الرق فلا تسقط شيئا من السعاية عن العبد حقيقة فيسعى في جميع قيمته بينهما ارباعا ثلاثة أرباعها لرب المال وربعها للمضارب ولو كان اشترى بألف عبد يساوى ألفين فقال رب المال للمضارب هذا ابنك وقال المضارب كذبت فانه يعتق ويسعى في حصة المضارب من الربح خمسمائة ولا سعاية عليه لرب المال لان رب المال يتبرأ من السعاية ويزعم أن المضارب اشتراه لنفسه وأنه عتق كله عليه وأنه ضامن له بمثل رأس المال الا أنه لا يصدق فيما يدعى من الضمان على المضارب فلا يسعى العبد له في شئ لانه لا يدعى عليه السعاية وانما سعى للمضارب في خمسمائة لانه يدعى سعايته ويقول قد فسد الرق فيه بشهادة رب المال على كاذبا ولم يجب لي ضمان عليه وانما حقي في استعساء العبد في نصيبي فلهذا يستسعى له في خمسمائة ولو كان المضارب صدقه في ذلك ثبت نسبه منه لتصادقهما عليه ويكون حرا على المضارب لانه صار مشتريا اياه لنفسه باعتبار الفضل على رأس المال في قيمته ويكون ضامنا لرب المال رأس ماله ولو قال رب المال للمضارب هو ابنك وقال المضارب بل هو ابنك فهو مملوك للمضارب وضمن له رأس ماله لانهما تصادقا أن المضارب اشتراه لنفسه فانه ان كان ابن رب المال كما ادعاه المضارب فقد اشتراه المضارب لنفسه ولو كان ابن المضارب كما زعم رب المال فقد اشتراه لنفسه باعتبار الفضل فيه فلهذا ضمن لرب المال رأس ماله فيه وهو مملوك للمضارب لانه أقر بحريته باقراره بنسبه لرب المال (ألا ترى) أن رب المال لو صدقه في ذلك يثبت نسبه منه ولم يعتق فرب المال شهد عليه بالعتق في ملكه وبشهادته لا تتم الحجة ولو كان اشترى بها عبدا يساوى ألفا فقال رب المال للمضارب هو ابنك وقال المضارب كذبت فالعبد على المضاربة بحاله لانه وان كان هو ابن المضارب فقد صار مشتريا له على المضاربة إذ لافضل فيه على رأس المال وانما بقى اقرار رب المال بنسبه للمضارب وقد كذبه في ذلك فلم يثبت النسب منه فان زادت قيمته حتى صارت ألفى درهم عتق ويسعى في قيمته بينهما أرباعا لان رب المال أقر بما لا يحتمل الفسخ فيصير
[ 166 ] كالمجدد لاقراره بعدما زادت قيمته وقد صار الربع منه مملوكا للمضارب ففى زعم رب المال أن الرق فيه قد فسد بملك المضارب جزأ منه فلهذا عتق ويسعى في قيمته بينهما ارباعا وان كان المضارب صدقه ولا فضل في الغلام فهو ابنه مملوك له في المضاربة بمنزلة ما لو اشترى ابنه المعروف ولا فضل فيه على رأس المال فان لم يبعه حتى بلغت قيمته ألفى درهم عتق وسعى في ثلاثة ارباع قيمته لرب المال لان الربع منه صار مملوكا للمضارب فيعتق عليه لثبوت نسبه منه ولكن هذا العتق حصل منه حكما لظهور الزيادة من غير صنع للمضارب فيه فلا يكون ضامنا لرب المال شيئا ولكن العبد يسعى في حصة رب المال باعتبار رأس المال وحصته من الربح وذلك ثلاثة أرباعه ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفين فقال المضارب هو ابني وقال رب المال كذبت ثبت نسبه من المضارب لانه مالك له بعد مقدار حصته من الربح وذلك يكفى لصحة دعواه النسب فيه ثم هذه دعوى تحرير لان أصل العلوق به ما كان في ملكه فيكون بمنزلة الاعتاق ولو أعتقه المضارب عتق نصيبه ورب المال في نصيبه بالخيار ان كان المضارب موسرا بين الاعتاق والاستسعاء والتضمين وان كان معسرا فله الخيار بين الاعتاق والاستسعاء والولاء بينهما ارباعا لان ثلاثة ارباعه عتقت على رب المال حين أعتقه أو استسعاء وربعه عتق من جهة المضارب ولو كان رب المال صدقه في ذلك عتق على المضارب ويضمن المضارب رأس المال لانهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه وان لم يصدقه ولكنه ادعى ثبوته بعد ذلك فهو ابن المضارب يعتق عليه ويضمن رأس المال لانهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه فانه ان كان ابن رب المال كما زعم فقد اشتراه المضارب لنفسه وان كان ابن المضارب فكذلك وإذا كان مشتريا لنفسه ترجحت دعواه بالسبق وبالملك فيعتق عليه ويضمن رب المال ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفا فقال المضارب هو ابني وكذبه رب المال لم يثبت نسبه وهو على حاله في المضاربة لانه مشتر له على المضاربة بمنزلة ابنه المعروف ولاملك له فيه لتصح دعواه باعتباره مع تكذيب رب المال فلهذا لم يثبت نسبه منه فان صارت قيمته ألفين عتق ربعه وثبت نسبه من المضارب لان بظهور الفضل صار هو مالكا لربعه وهو كالمجدد لدعوى النسب لان النسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته فيثبت نسبه منه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال ولا ضمان على المضارب فيه لان العتق حصل حكما بظهور الفضل في قيمته من غير صنع للمضارب فيه ولو كان صدقه رب المال وقيمته ألف ثبت نسبه منه وهو على المضاربة لانه
[ 167 ] مملوك لرب المال وقد أقر بنسبه للمضارب فيثبت نسبه منه وهو على المضاربة بمنزلة ابنه المعروف فان صارت قيمته ألفين عتق ربعه لان المضارب صار مالكا ربعه وهو ثابت النسب منه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال ولو زادت قيمته حتى صارت ألفين قبل دعوى المضارب ثم ادعي انه ابنه وكذبه رب المال ثبت نسبه منه لانه مالك لربعه حين ادعى نسبه ويكون هذا بمنزلة اعتاق ربعه فيخير رب المال بين أن يضمن المضارب ثلاثة أرباع قيمته وبين الاستسعاء والاعتاق ان كان موسرا وإذا ضمن المضارب لم يرجع المضارب بها على الغلام لانه ملك بالضمان ثلاثة أرباعه فعتق عليه لثبوت نسبه منه وإذا اختار الاستسعاء أو الاعتاق فلرب المال ثلاثة أرباع ولائه لان ثلاثة ارباعه عتقت من قبله ولو كان رب المال صدقه فلا ضمان له على المضارب وله أن يستسعى الغلام أو يعتقه لانهما تصادقا على انه عتق على المضارب ربعه حكما عند ظهور الفضل فيه فهو بمنزلة ابن معروف له ولو لم تزد قيمته على ألف فقال المضارب هو ابني وقال رب المال كذبت ولكنه ابني فهو ابن رب المال حر من ماله لانه في الظاهر مشترى على المضاربة وهو مملوك لرب المال كله فتصح دعواه لمصادفته ملكه ويعتق من ماله ولا ضمان على المضارب فيه لان رب المال يدعى عليه أنه ضامن رأس ماله مشترى الابن لنفسه ولا يصدق في ذلك الا بحجة وان لم يدعه واحد منهما حتى صارت قيمته ألفين فقال المضارب هو ابني وقال رب المال كذبت ولكنه ابني فهو ابن المضارب لانه حين ادعى نسبه كان مالكا لربعه فثبت نسبه منه ثم رب المال ادعى نسبه منه بعد ذلك وهو ثابت النسب فلا يثبت نسبه منه وقد عتق منهما جميعا والولاء بينهما أرباعا ولا ضمان على واحد منهما لصاحبه لان رب المال يدعى أنه لا سعاية له على العبد وانه حر كله باقرار المضارب وان حقه في تضمين المضارب رأس ماله وهو غير مصدق في التضمين الا بحجة ولكن كل واحد منهما يصير كالمعتق بحصته منه أما المضارب فلا اشكال فيه ورب المال بدعواه النسب يصير كالمعتق لنصيبه لان من ادعى نسب مملوكه وهو معروف النسب من الغير يكون ذلك بمنزلة الاعتاق منه فلهذا كان الولاء بينهما ارباعا ولو كان العبد يساوى ألفين يوم اشتراه ونقد ثمنه فقال رب المال هو ابني وكذبه المضارب ثبت نسبه من رب المال وعتق ثلاثة ارباع العبد بدعواه اياه والمضارب بالخيار في الربع كما وصفنا في رب المال لان رب المال صار بمنزلة المعتق له فان دعوى التحرير كالاعتاق ولو لم يكذبه المضارب ولكن صدقه فالغلام ابن لرب المال وعبد للمضارب
[ 168 ] ويضمن المضارب رأس مال رب المال لانهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه فيكون عبدا له ولكن نقد ثمنه من مال المضاربة فيصير ضامنا لرب المال ولو لم يصدقه المضارب ولكنه قال كذبت بل هو ابني فهو ابن المضارب حر من ماله لانهما تصادقا ان المضارب اشتراه لنفسه وقد ادعى نسبه فهو حر من ماله ويضمن رأس المال لرب المال ولو كان يساوى ألفا فقال رب المال هو ابني وكذبه المضارب فهو ابنه حر من ماله لانه مالك لجميعه في الظاهر وقد أقر بنسبه ولو صدقه المضارب كان ابن رب المال وهو عبد للمضارب لانهما تصادقا أن المضارب اشتراه لنفسه وقد أقر بنسبه لرب المال فثبت نسبه منه ويكون عبدا للمضارب وهو ضامن رأس المال لرب المال ولو لم يصدقه المضارب ولكنه قال كذبت ولكنه ابني فهو ابن رب المال حر من قبله لانه هو المالك له في الظاهر وقد ادعى نسبه فيثبت نسبه منه ويعتق عليه ولا ضمان على واحد لصاحبه لان المضارب ما كان يملك منه شيأ فلا يضمن رب المال له شيأ من قيمته ولو لم يقولا ذلك حتى صارت قيمته ألفى درهم فقال رب المال هو ابني وقال المضارب كذبت ثبت نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه لاقراره بنسبه والمضارب بالخيار في الربع لانه مالك حصته من الربح ورب المال صار كالمعتق فيتخير المضارب في نصيبه كما بينا ولو صدقه المضارب بما قال فهو ابن رب المال وهو عبد للمضارب لتصادقهما على أن المضارب اشتراه لنفسه ويكون ضامنا لرب المال رأس ماله ولو لم يصدقه رب المال ولكنه قال كذبت بل هو ابني فالغلام ابن رب المال لانه سبق بالدعوى فيثبت نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه من قبله ثم المضارب ادعى نسبه وهو ثابت النسب من رب المال فلا يثبت نسبه منه ولكنه صار كالمعتق لنصيبة فلا ضمان لواحد منهما على صاحبه وكان ولاؤه بينهما ارباعا * (باب ضياع مال المضاربة قبل الشراء أو بعده) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها شيأ ثم ضاعت الالف قبل أن ينقدها المضارب البائع فان المضارب يرجع بمثلها على رب المال لان رأس المال كان أمانة في يده بعد الشراء كما قبله فهلك من مال رب المال ولم يبطل الشراء بهلاك الالف والمضارب عامل لرب المال في هذا الشراء فيرجع عليه بما لحقه من العهدة فلهذا يرجع بالف أخرى على رب المال فيدفعها إلى البائع فان قبضها من رب المال فلم
[ 169 ] يدفعها إلى البائع حتى ضاع رجع بمثلها أيضا وكذلك كل ما ضاع مما يقبضه قبل أن ينقده البائع كان ما يقبضه من رب المال يكون أمانة في يد المضارب (ألا ترى) أن عند حصول الربح يحصل جميع رأس المال وهو ما قبضه في المرات كلها ورأس المال يكون أمانة في يد المضارب فلهذا يرجع مرة بعد أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع بخلاف الو كيل فانه إذا رجع بالثمن على الموكل مرة بعد البيع لم يرجع مرة أخرى لان بالشراء يجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الموكل فيصير الوكيل بالقبض من الموكل مقتضيا دين نفسه فيكون المقبوض مضمونا عليه وهنا قبض المضارب لا يكون اقتضاء لدين وجب له كيف يكون كذلك والمقبوض رأس مال المضاربة وهو في قبض رأس مال المضاربة عامل لرب المال ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا يساوى ألفين فقبضه وباعه بالفين ثم اشترى بالالفين جارية ولم ينقد الالفين حتى ضاعا فان المضارب يرجع على رب المال بألف وخمسائة ويغرم من ماله خمسمائة لان المضارب في شراء ربع الجارية عامل لنفسه باعتبار حصته من الربح فلا يرجع بما يلحقه من العهدة في ذلك الربع على رب المال وفي شراء ثلاثة ارباعها كان عاملا لرب المال فيرجع عليه بالعهدة في ذلك القدر فإذا دفع الالفين إلى البائع وقبض الجارية فباعها بخمسة آلاف درهم فله ربع ثمنها وهو حصة ما اشترى لنفسه شئ ونقد الثمن من ماله وثلاثة ارباع ثمنها من مال المضاربة فيأخذ منها رب المال رأس ماله ألفين وخمسمائة لانه غرم ذلك مرتين وقد بينا ان جميع ما يأخذ المضارب من المال يكون رأس ماله والربح لا يظهر الا بعد وصول رأس المال إلى رب المال فإذا أخذ جميع رأس ماله كان الباقي ربحا على الشرط ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف فضاعت قبل أن يشترى بها شيأ فقد بطلت المضاربة لفوات محلها بخلاف ما إذا ضاعت بعد الشراء بها لان حكم المضاربة بالشراء تحول إلى المشترى فهلاك الالف بعد ذلك لا يفوت محل المضاربة وان اشترى بالالف جارية فضاعت الالف فقال رب المال ضاعت قبل أن يشترى بها وقال المضارب بعد ما اشتريت بها فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى لنفسه حق الرجوع على رب المال بالف في ذمته ورب المال ينكر ذلك. فان قيل هلاك ذلك المال عارض ورب المال يدعى فيه سبق تاريخ والمضارب ينكره. قلنا هذا متعارض فالمضارب يدعى سبق التاريخ في شراء الجارية على هلاك المال ورب المال ينكره فعند التعارض كان الترجيح فيما قلنا لان كون هلاك المال محالا به
[ 170 ] على أقرب الاوقات نوع من الظاهر وبالظاهر يرفع الاستحقاق ولا يثبت الاستحقاق وحاجة المضارب إلى استحقاق الرجوع على رب المال فان أقام رب المال البينة انها ضاعت قبل ان يشترى بها وأقام المضارب البينة انه اشترى بها قبل أن يضيع فالبينة بينه المضارب لانه يثبت الاستحقاق لنفسه ببينة ورب المال ينفى ذلك ولو لم يهلك الالف ولم ينقدها في ثمن الجارية ولكنه اشترى بها جاريه أخرى على المضاربة وقال أبيعها فأنقد الثمن الاول فانما اشترى الجارية الاخيرة لنفسه ولا تكون من المضاربة لان ما في يده من المال مستحق في ثمن الجارية الاولى فقد اشترى الاخرى وليس في يده من مال المضاربة شئ من ثمنها فلو نفذ شراؤه على المضاربة كان هذا استدانة منه على المضاربة والمضارب بمطلق المضاربة لا يملك الاستدانة ولو اشترى بالجارية التى قبض جارية أخرى جاز وكانت على المضاربة لما بينا أن حكم المضاربة تحول بالشراء من الالف إلى الجارية فانما أضاف العقد الثاني إلى مال المضاربة والمضارب كما يملك البيع والشراء بالنقد يملك ذلك بالعرض فلهذا كانت الاخرى على المضاربة (ألا ترى) أن ثمنها لا يصير دينا على المضارب في هذا الفصل وفي الفصل الاول ثمن الجارية الاخرى دين على المضاربة فلو نفذ شراؤه على المضاربة لصار عليه دين ألفا درهم في ثمن المشترى للمضاربة ورأس مال المضاربة ألف درهم فكأنه اشترى جارية أو جاريتين بالالفين ابتداء ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة فاشترى جارية بالف درهم ولم يقل بهذه الالف وقال أردت بذلك المضاربة فالقول قوله لان المأخوذ عليه الشراء للمضاربة لا اضافة العقد إلى ألف المضاربة فان النقود لا تتعين في العقود بالتعيين وإذا لم يتيعن الالف لم يبق في التعيين فائدة فيكتفى ببينته للمضاربة كما في حق الوكيل وما في ضميره لا يعرف الا من جهته فيقبل قوله فيه ولو اشتراها بالف درهم نسيئة سنة يريد بها المضاربة جاز على المضاربة ايضا لان في يده من المال مثل ما اشترى به والشراء بالنسيئة وبالنقد من صنيع التجار فيملك المضارب النوعين جميعا بمطلق العقد فان قبضها فاشترى بها شيأ فهو على المضاربة لان حكم المضاربة تحول إلى الجارية المشتراة فانما أضاف الشراء الثاني إلى مال المضاربة ولو لم يشتر بالجارية ولكنه اشترى بالالف التى في يده كان مشتريا لنفسه لان حكم المضاربة تحول إلى الجارية المشتراة فلما أضاف الشراء الثاني إلى ألف المضاربة فقد أضافه إلى غير محل المضاربة فكان مشتريا لنفسه ولان الالف صارت مستحقة عليه في ثمن الجارية الاولى عند حل الاجل فلو صار مشتريا الاخرى على المضاربة
[ 171 ] لكان ذلك منه استدانة وإذا اشترى بالف المضاربة حنطة أو غيرها ثم اشترى بما في يديه عبدا بالف درهم وهو يريد ان يبيع بعض ما في يده وينقد الالف وفى يده وفاء بالالف وفضل فهو مشتر لنفسه لان الذى في يده غير ما اشترى به يعنى ان حكم المضاربة تحول إلى الحنطة وهى تتعين في العقد بالتعيين فإذا اشترى بالدراهم فقد اشترى بغير مال المضاربة فكان مشتريا لنفسه إذ لو جاز شراؤه بالدراهم على المضاربة كان في معنى الاستدانة منه ولو اشترى بالالف حنطة ثم اشترى جارية بكر حنطة وسط نسيئه شهر وهو يريد أن يكون على المضاربة وفى يده حنطة مثل ما اشترى به أو أكثر فهذا جائز على المضاربة لانه اشترى بجنس ما في يده من مال المضاربة وله في ترك الا ضافة إلى العين غرض صحيح وهو ثبوت الاجل في ثمن المشترى لان العين لا تقبل الاجل ولا فرق في حق رب المال بين أن يشترى بتلك الحنطة بعينها وبين أن يشترى بمثلها من حنطة وسط (ألا ترى) انه عند حلول الاجل يملك ايفاء الثمن بغير ما في يده من مال المضاربة فلهذا نفذ شراؤه على المضاربة وإذا كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسين دينارا وقبضها وصرف الدراهم فنقدها البائع فالقياس فيه أن يكون مشتريا لنفسه وهو قول زفر رحمه الله ولكن استحسن علماؤنا الثلاثة رحمهم الله وقالوا هو مشتر للمضاربة وكذلك لو كانت المضاربة دنانير فاشترى عليها بدراهم فصرفها ونقد الدراهم وجه القياس في الفصلين انه اشتري بجنس آخر غير ما في يده من مال المضاربة لان الدراهم والدنانير جنسان حقيقة وحكما ولهذا لا يحرم التفاضل بينهما فكان هذا بمنزلة ما لو اشترى بالحنطة والمال في يده دراهم أو دنانير (ألا ترى) انه لا يملك ايفاء الثمن من مال المضاربة الا بالمبادلة أو رضا البائع به كما في المكيل والموزون ووجه الاستحسان أن الدراهم والدنانير جنسان صورة ولكنهما جنس واحد معنى ومقصود الان المعنى المطلوب بهما الثمنية والمقصود هو الرواج والنفاق وهما في ذلك كشئ واحد وكذلك في حكم المضاربة هما كشئ واحد تصح المضاربة بهما بخلاف سائر الاموال فان الشراء بها يكون شراء محضا بثمن في ذمة المشترى ويسر عليه إذ ما يلزمه من أحد النوعين في ذمته بالآخر الذى في يده لان الانسان في مصارفة احدهما بالآخر لا يحتاج إلى مؤنة كثيرة فهى بمنزلة مالو كانت المضاربة دراهم بخية لها فضل في الصرف فاشترى المضارب بالف درهم غلة البلد جارية وصرف الدراهم بالدنانير ثم صرفها بدراهم غلة البلد وأعطاها البائع فذلك جائز استحسانا وزفر رحمه الله يخالف
[ 172 ] في هذا الفصل أيضا ولكن من عادة محمد رحمه الله الاستشهاد بالمختلف على المختلف لا يضاح الكلام وكذلك لو دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى بخمسين دينارا منها جارية وقبضها ثم اشترى بها وبدراهم أو فلوس طعاما يأكله فان ذلك من المضاربة ولا فرق بين ان يشتري طعاما بالدنانير أو بالدراهم أو بالفلوس بخلاف ما إذا اشترى بشئ آخر وهذا في الفلوس بناء على الرواية التى قلنا ان المضاربة بالفلوس يصح وهو كالنقود في الصلاحية لرأس مال المضاربة ولو كان الذى في يده من المضاربة سوى هذه الثلاثة الاصناف ثم اشترى عليها بدراهم أو دنانير أو فلوس أو صنف آخر غير ما في يده كان مشتريا لنفسه لانه لا مجانسة بين ما في يده من مال المضاربة وبين ما اشترى به في الصورة والمعنى المقصود فلهذا كان مشتريا لنفسه وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفين فقبضها ولم ينقد الدراهم حتى باع الجارية بالفى درهم وقبض الالفين ثم هلكت الدراهم قبل أن ينقد الثمن وهلكت الجارية مع ما في يده معا فعلى رب المال أن يؤدى ألفا أخرى مكان الالف الاولى التى اشترى بها الجارية فيدفعها المضارب إلى الذى باعه الجارية ويغرم رب المال أيضا ألفا وخمسمائة فيدفعها إلى المضارب فيؤديها المضارب مع خمسمائة من ماله إلى مشترى الجارية لان الالف الاولى كانت أمانة في يد المضارب قد هلكت وكان المضارب في شراء الجارية عاملا لرب المال فيرجع عليه بألف أخرى ليؤدي منها ثمنها به حين باع الجارية وقبض ثمنها كان هو في ثلاثة ارباعها عاملا لرب المال وكان في الربع عاملا لنفسه وهو مقدار حصته من الربح وبهلاك الجارية قبل التسليم انفسخ البيع فيجب عليه رد المقبوض من الثمن وقد هلكت في يده فيرجع على رب المال بمقدار ما كان عملة فيه لرب المال وذلك ألف وخمسمائة ويغرم من مال نفسه مقدار ماكان عمله فيه لنفسه وذلك خمسمائة فان هلكت الدراهم الاولى أولا ثم هلكت الدراهم المقبوضة والجارية بعد ذلك فالثلائة الآلاف كلها على رب المال لان الدراهم الاولى حين هلكت استوجب المضارب الرجوع بمثلها على رب المال وكان ذلك دينا لحق المضارب ويصير رأس مال رب المال به ألفى درهم (ألا ترى) انه ان استوفى من رب المال ألفا أخرى ثم تصرف في ثمن الجارية وربح يحصل رأس ماله ألفا درهم أولا فيتبين انه لا ربح فيما في يده وانه في بيع جميع الجارية وقبض الثمن عامل لرب المال فيرجع عليه بالعهدة في جميعه * يوضحه ان ألفا من الالفين المقبوضة وجب دفعها إلى بائع
[ 173 ] الجارية والالف الاخرى مشغولة برأس المال فظهر أنه لا ربح فيها والمضارب انما يغرم من ماله شيئا باعتبار حصته من الربح ولو هلكت الجارية أولا ثم هلك المال الاول والآخر معا فعلى رب المال ألفان وخمسمائة وعلى الضارب خمسمائة وهذا وهلاك المال كله معا سواء لان بهلاك الجارية لا يزداد رأس مال المضاربة ولا يلحق المضارب دين فلا يخرج المضارب من أن يكون عاملا لنفسه في قبض ربع ثمن الجارية وكذلك ان هلكت الجارية اولا ثم هلك المال الآخر ثم هلك المال الاول فهذا وما لو هلك المالان بعد هلا ك الجارية معا سواء لاستواء الفصلين في المعنى وإذا كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسمائة وكر حنطة وسط فقبض الجارية وهلكت الدراهم عند الضارب فالمضارب مشتر للجارية لنفسه وعليه ثمنها لانه ليس في يده جنس ما اشترى من مال المضاربة صورة ولا معنى فيكون شراؤه للمضاربة استدانة عليها وهو لا يملك ذلك ولا ضمان عليه في المضاربة لانه اشترى الجارية لنفسه بثمن في ذمته وهذا التصرف منه لا يمس مال المضاربة وهو انما يصير مخالفا ضامنا إذا تصرف في مال المضاربة على خلاف ما أمر به فإذا لم يمس تصرفة مال المضاربة لا يكون ضامنا ولو كان اشتراها بخمسين دينارا فقبضها ولم ينقد الثمن حتى ضاعت الدراهم رجع على رب المال بخمسين دينارا استحسانا لما بينا أن المجالسة بين ما اشترى به وبين ما في يده من مال المضاربة موجود معنى فصار مشتريا للمضاربة وقد هلكت الدراهم في يده بصفة الامانة فير جع على رب المال بما اشترى به الجارية وذلك خمسون دينارا فيعطها بائع الجارية فإذا باعها بعد ذلك بثلاثة آلاف أو أقل أو أكثر استوفى رب المال رأس ماله ألف درهم وخمسين دينارا والباقى ربح بينهما وكذلك لو كان رأس المال نقدا ثبت المال فاشترى الجارية بألف غلة ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفا فقبض الجارية ولم ينقد الدراهم حتى باعها بالفين فقبضهما ولم يدفع الجارية حتى اشترى بالالفين جارية تساوى ألفين فقبضها ولم يدفع الدراهم فهلكت الدراهم كلها والجاريتان جميعا فعلى المضارب أن يؤدى إليهم خمسة آلاف إلى بائع الجارية الاولى ثمنها ألف درهم ويرد على مشترى الجارية الاولى ما قبض منه من ثمنها وذلك ألف درهم بانفساخ البيع فيها بالهلاك قبل التسليم وإلى بائع الجارية الثانية ألفى درهم ثمنها لانه حين قبضها دخلت في ضمانه وتقرر عليه جميع الثمن بقبضها ثم يرجع على رب المال من هذه الجملة باربعة آلاف درهم ألف ثمن الجارية الاولى وألف وخمسمائة مما قبض
[ 174 ] من ثمن الجارية الاولى بعد بيعها لانه في قبض الالفين كان عاملا لرب المال في ثلاثة ارباعها وذلك ألف وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح وكذلك في شراء الجارية الثانية وقبضها كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعها وذلك ألف وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح فلهذا يغرم ألفا من ماله ويرجع على رب المال باربعة آلاف ولو هلكت الالف الاولى ثم هلك ما بقى معا يرجع بجميع الخمسة آلاف على رب المال لان هلاك الالف الاولى لحق المضاربة دين بقدر ألف وصار رأس مال المضاربة ألفى درهم للطريقين اللذين بيناهما فتبين انه في بيع جميع الجارية وقبض ثمنها كان عاملا لرب المال وكذلك في شراء الجارية الثانية فلهذا يرجع بالكل على رب المال ولو هلكت الجارية الاخيرة أولا ثم هلك ما بقى معا رجع على رب المال باربعة آلاف درهم لان بهلاك الجارية الاخيرة لا يلحق مال المضاربة دين فلا يخرج المضارب من أن يكون عاملا لنفسه في الربع وكذلك لو هلكت الجارية الاولى أولا أو هلكت الالفان أولا ثم هلك ما بقى فهذا وما لو هلك الكل معا في المعنى سواء ولو دفع إليه الالف مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفا وقبضها ولم ينقد الثمن ثم اشترى بالجارية عبدا يساوى ألفين وقبضه ولم يدفع الجارية ثم اشترى بالعبد جراب هروى يساوى ثلاثة آلاف درهم وقبضه ولم يدفع العبد فهلكت هذه الاشياء كلها ورأس مال الاول معا فعلى المضارب ستته آلاف درهم ألف ثمن الجارية الاولى وألفان قيمة العبد لانه اشتراه بالجارية وقد انفسخ البيع بهلاك الجارية قبل التسليم وتعذر عليه رد العبد بهلاكه في يده فعليه رد قيمته والثلاثه آلاف قيمة الجراب لانه اشترى الجراب بالعبد وقد انفسخ العقد بهلاك العبد قبل التسليم وتعذر عليه رد الجراب بهلا كه في يده فيغرم قيمته ثلاثة آلاف درهم ويرجع على رب المال من ذلك باربعة آلاف وخمسمائة لانه في شراء العبد كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعه وذلك ألف وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح فيرجع عليه بألف وخمسمائة من قيمة العبد الاول وفي شراء الجراب كان عاملا لنفسه في الثلث لان الثلث مشغول منه برأس المال والثلثان ربح بينهما نصفين فكان عاملا لنفسه في شراء الجراب في الثلث فحاصل ما استقر على المضارب ربع قيمة العبد وثلث قيمة الجراب وذلك ألف وخمسمائة فيرجع على رب المال بما سوى ذلك ولو هلك رأس المال أولا ثم هلك ما سواه معا رجع المضارب على
[ 175 ] رب المال بخمسة آلاف وخمسمائة لانه حين هلك رأس المال أولا فقد لحق مال المضاربة دين ألف درهم وصار رأس المال ألفين فهو في شراء جميع العبد عامل لرب المال وأما في شراء الجراب فهو عامل لنفسه في السدس باعتبار حصته من الربح وفيما سوى ذلك عامل لرب المال فيغرم من ماله قيمة سدس الجراب وهو خمسمائة ويرجع بما سوى ذلك على رب المال ولو هلك الجراب أولا ثم هلك ما بقي معا رجع على رب المال بأربعة آلاف وخمسمائة لانه لهلاك الجراب لا يلحق مال المضاربة دين يوجب زيادة في رأس المال وكذلك لو هلك العبد أولا ثم هلك ما بقى رجع على رب المال بأربعه آلاف وسبعمائة وخمسين لان الجارية لو هلكت أولا انفسخ البيع في العبد ووجب على المضارب قيمة العبد لانه أتلف العبد حين باعه بالجراب وقيمة العبد ألفا درهم فلما وجبت عليه قيمته كان في القيمة فضل ألف درهم على رأس المال فذلك ربح بينهما فعليه غرم حصته من ذلك وهو خمسمائة وذلك ربعه فقد استوجب الرجوع على رب المال بالف وخمسمائة من قيمة العبد وبالالف الاولى ثم كان مشتريا ربع الجراب لنفسه فعليه قيمة ذلك عند انفساخ البيع فيه وذلك سبعمائة وخمسون فحاصل ما عليه من الغرم في ماله ألف ومأئتان وخمسون وعلى رب المال ثلاثة ارباع قيمة الجراب لان رأس ماله في الجراب ألفان وخمسمائة وقيمته ثلاثة ارباع الجراب دون رأس ماله فظهر أنه لا ربح فيها فلهذا رجع عليه بثلاثة أرباع قيمة الجراب وذلك ألفان ومائتان وخمسون مع الالفين والخمسمائة فيكون جملة ذلك أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين (ألا ترى) أنه لو لم يملك غير الجارية وغرما قيمة العبد ارباعا ثم باع الجراب بثلاثة آلاف درهم أخذ المضارب ربعها لنفسه واحتاج رب المال إلى الالفين وخمسمائة من بقية ثمن الجارية ولا وفاء فيه فيأخذ ما بقي فقط وبهذا تبين أنه لا ربح له في الجراب ولو اشترى بالالف جارية تساوي ألفا فقبضها ثم اشترى بالجارية جاريتين تساوي كل واحدة منهما ألفا فقبضهما ثم هلكت الجواري ورأس المال الاول معا فعلى المضارب ثمن الجارية الاولى ألف درهم وألفان قيمة الجاريتين لان البيع قد انفسخ فيهما بهلاك الجارية قبل التسليم وقد تعذر عليه ردها فيرد قيمتها ويرجع بجميع ذلك على رب المال لان كل واحدة من الجاريتين كانت مشغولة برأس المال إذ لا فضل في قيمة كل واحدة منهما على رأس المال وقد بينا أنه تعتبر كل واحدة منهما على حدة ولهذا لو أعتق المضارب واحدة منهما لم ينفذ عتقه فكان هو عاملا لرب المال في جميع كل واحدة
[ 176 ] منهما بخلاف ما لو كان اشترى بالجارية الاولى جارية تساوي ألفين وقبضها فهلكت الجاريتان ورأس المال معا فان على المضارب ثلاثة آلاف درهم ألف ثمن الجارية الاولى وألفان قيمة الجارية الثانية ويرجع على رب المال بألفين وخمسمائة لان في قيمة الجارية الثانية فضلا على رأس المال بقدر الالف فكان المضارب في ربعها عاملا لنفسه فيغرم ربع قيمتها من ماله وكذلك لو هلكت احدى الجاريتين أولا ثم هلك ما بقي معا لان الجارية الاولى ان هلكت أولا فبهلاكها ينتقض البيع ولم يلحق رأس المال دين لان الواجب رد الجارية الاولى وان هلكت الاخرى أولا لم ينتقض البيع بهلاكها لان المضارب قابض لها ولو هلكت الالف الاولى أولا ثم هلك ما بقي معا رجع بالثلاثة آلاف كلها على رب المال لان بهلاك الالف الاول لحق رأس المال دين ألف درهم فظهر أنه في شراء الجارية الثانية عامل لرب المال في جميعها اذلا فضل في قيمتها على رأس المال ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفا وقبضها ثم باعها بألفى درهم وقبض الثمن ولم يدفع الجارية ثم اشترى بالالفين وبالالف الاولى وهى في يديه جارية تساوى أربعة آلاف وقبضها ثم دفع رأس المال الاول إلى صاحب الجارية الاولى ودفع الالفين إلى الذى اشترى منه الجارية الاخيرة فان عيه غرام ألف درهم من ماله للذى اشترى منه الجارية الاخيرة لانه اشتراها منه بثلاثة آلاف درهم الفان منها في المضاربة وهما الالفان الاخريان وألف منها على نفسه لان الالف الاولى مستحقة عليه في ثمن الجارية الاولى فشراؤه بها مرة اخرى بكون استدانة على المضاربة وهو لا يملك ذلك فصار مشتريا ثلث الجارية الاخيرة لنفسه فعليه ثمنها وثلثاها على المضاربة فان لم ينقد الالف الاولى حتى هلك وباع الجارية الاخيرة بستة آلاف درهم كان له من ثمنها الفا درهم حصة ثلثها الذي كان اشترى لنفسه ويكون أربعة آلاف درهم على المضاربة يؤدى منها ألف درهم إلى الذى اشترى الاول منه ثم يأخذ رب المال رأس ماله ألف درهم من الباقي وما بقى وهو الفا درهم ربح بينهما على الشرط فان كان المضارب لم ينقد الالفين اللتين اشترى بهما الجارية الاخيرة حتى ضاعت والمسألة بحالها فانه يؤدى ذلك أيضا من ثلثى الجارية الاخيرة ولا يبقى فيه ربح لان ثلثى ثمنها أربعة آلاف وقد دفع ألفا من ذلك إلى بائع الجارية الاولى وألفين إلى بائع الجارية الاخيرة وألف يأخذه رب المال بحساب رأس ماله ولو اشترى وباع بالالف المضاربة حتى صار في يده ألفا درهم فاشترى بها جارية وقبضها ثم باعها بأربعة
[ 177 ] آلاف درهم نسيئة منه وقيمتها يوم باعها ألف درهم أو أكثر أو أقل فدفعها إلى المشترى ثم هلكت الالفان الاوليان قبل أن ينقد الثمن بائع الجارية الاولى فانه يرجع بألف وخمسمائة على رب المال فيؤديها مع خمسمائة من ماله إلى بائع الجارية لانه في شراء ربع الجارية كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح في مال المضاربة فإذا خرجت الاربعة آلاف كان للمضارب ربعها من غير المضاربة لانه لما استقر عليه ربع ثمنها فقد ظهر أنه كان مشتريا ربعها لنفسه من غير المضاربة ويأخذ رب المال من الثلاثة الارباع رأس ماله الفين وخمسمائة لانه غرم هذا المقدار في دفعتين والباقى ربح بينهما ولو اشترى بألف المضاربة جارية قيمتها أكثر من ألف درهم ونقد الدراهم ثم باعها بجارية تساوى الفا فقبضها ثم هلكت الجاريتان جميعا فعلى المضارب قيمة الجارية الاخيرة لانفساخ البيع فيها بهلاك ما يقابلها قبل التسليم ويرجع بها على رب المال لانه لا فضل في قيمتها على رأس المال فكان هو في شرائها عاملا لرب المال في الكل ولا ينظر إلى الفضل فيما اشترى به في هذه الجارية لان الواجب عليه قيمة الجارية ولا فضل فيها ولو عمل بالمضاربة حتى صارت ألفى درهم ثم اشترى بها جارية قيمتها أقل من الفين وقبضها فهلك ذلك كله عنده معا فعلى المضارب ألفا درهم ثمن الجارية لانه تقرر عليه بقبضها وهلاكها في يده ويرجع على رب المال بثلاثة ارباعها لان الربع من ذلك حصته من الربح فيكون عاملا لنفسه في ذلك ولا ينظر إلى قيمة الجارية هنا لان الثمن هو الواجب دون قيمتها بخلاف الاول ولو عمل بالمضاربة حتى صارت أربعة آلاف ألفان منها دين والفان عين في يده فاشترى بهاتين الالفين جارية فلم يقبضها حتى هلكت الالفان فانه يرجع بثلاثة ارباعها على رب المال لان رأس المال في هاتين الالفين ألف درهم فان الدين والعين في معنى جنسين وقد بينا أنه يعتبر جميع رأس المال في كل جنس كأنه ليس معه غيره (ألا ترى) أن الدين لو توى كان رأس المال كله في الالفين فعرفنا أن ربحه في الالفين بقدر الربع فكان هو عاملا لنفسه في الشراء بربعها ولرب المال في الشراء بثلاثة ارباعها ويرجع على رب المال بألف وخمسمائة وإذا أخذا الجارية كان له ربعها من غير المضاربة لانه أدى ربع ثمنها من مال نفسه فان هلكت الجارية في يده ثم خرج الدين بعد ذلك كان كله لرب المال لانه دون رأس المال فرأس ماله ألفان وخمسمائة ولا يرجع المضارب في هاتين الالفين بشئ لانه صار له ربع الجارية باعتبار ما فقد وقد هلكت الجارية في يده فقدر الربع منها هلك في ضمانه (ألا ترى) انها لو لم تهلك وباعها
[ 178 ] بعشرة آلاف كان له ربع ثمنها من غير المضاربة فلهذا لا يرجع بشئ مما نقد من مال نفسه في الدين الذى خرج * (باب المضارب يأمره رب المال بالاستدانة على المضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يستدين على المال فهو جائز لان الاستدانة شراء بالنسيئة قال الله تعالى إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فا كتبوه فقد وكله بالشراء بالنسيئة على أن يكون المشترى بينهما نصفين ولو وكله بالشراء بالنسيئة على أن يكون المشترى كله للموكل جاز فكذلك النصف فان اشترى بالمضاربة غلاما ثم اشترى على المضاربة جارية بالف درهم دينا وقبضها ثم باعها بألفى درهم فقبض المال ثم هلك ما قبض ولم يدفع ما باع وما كان عنده فان المضارب يلحقه نصف ثمن الجارية ويكون على رب المال نصف ثمنها لانه فيما استدان كان مشتريا نصفه لنفسه ونصفه لرب المال على المضاربة فان الشرط بينهما في المضاربة المناصفة ولا تكون المناصفة في الربح في المشترى بالنسيئة الا بعد أن يكون المشترى بينهما نصفين وقد قررنا هذا في كتاب الشركة في شركة الوجوه فإذا ثبت انه اشترى نصفها لنفسه كان عليه نصف ثمنها ونصف ثمنها كان على رب المال لانه اشترى نصفها له بامره ولو لم تهلك الجارية كانت بينهما نصفين يؤديان من ثمنها ما عليه من الثمن والباقى عليهما نصفان فان لم يبع المضارب الجارية ولكنه أعتقها ولا فضل فيها على رأس المال فعتقه جائز في نصفها لانه ملك نصفها بالشراء لنفسه فهى بمنزلة جارية بين رجلين أعتقها أحدهما وهذا بخلاف العبد المشترك بالمضاربة فانه مملوك لرب المال إذا لم يكن فيه فضل على رأس المال فلا ينفذ عتق المضارب فيه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة وأمره أن يستدين على المال على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما للمضارب ثلثاه ولرب المال ثلثه فاشترى المضارب بالالف جارية تساوى ألفين ثم اشترى على المضاربة غلاما بالف درهم يساوى ألفين فباعهما جميعا باربعة آلاف فان ثمن الجارية يستوفى منه رب المال رأس ماله وما بقي فهو ربح بينهما على ما اشترطا ثلثاه للمضارب وثلثه لرب المال وأما ثمن الغلام فيؤدى منه ثمنه والباقى بينهما نصفان لان الامر بالا ستدانة كان مطلقا فالمشترى بالدين يكون مشتركا بينهما نصفين ومع المناصفة بينهما في المشترى لا يصح شرط التفاوت في الربح (ألا ترى) ان رجلين لو اشتركا
[ 179 ] بغير مال على أن يشتريا بالدين ويبيعا فما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما اثلاثا فاشتريا وباعا وربحا كان الربح بينهما نصفين فاشتراطهما الثلثين والثلث في الربح يكون لغوا لانه لو صح ذلك استحق أحدهما جزأ من ربح ما ضمنه صاحبه وذلك لا يجوز فكذلك المضارب إذا أمره رب المال أن يستدين على المضاربة وشرط الثلث والثلثين في الربح لا في أصل الاستدانة فان كان أمره أن يستدين على المال على ان ما اشترى بالدين من شئ فلرب المال ثلثه وللمضارب ثلثاه على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فاشترى المضارب بالمضاربة جارية تساوى ألفين واشترى على المضاربة جارية بألف دينا تساوى ألفين فباعهما باربعة آلاف درهم فحصة جارية المضاربة يأخذ منه رب المال رأس ماله ألف درهم والباقى بينهما نصفان على ما اشترطا وثمن الجارية المشتراة بالدين بينهما اثلاثا على قدر ملكيهما لانه انما وكله بالا ستدانة على أن يكون ثلث ما يستدين لرب المال وثلثاه للمضارب فيكون الثمن بينهما على قدر ذلك واشتراط المناصفة في الربح في هذا يكون باطلا لان أحدهما يشترط لنفسه ربح ما قد ضمنه صاحبه وذلك باطل ولو دفع إليه الا لف مضاربة على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما كذلك أيضا فاشترى بالمضاربة جارية تساوى ألفين ثم اشترى على المضاربة جارية بالف دينار تساوى ألفين فباعهما باربعة آلاف فاما حصة المضاربة فتكون بينما على شرطهما بعد ما يستوفى رب المال رأس ماله وحصة الجارية المشتراة بالدين بينهما لان ضمانها عليهما نصفين لاطلاق الامر بالا ستدانة فاشتراط كون الربح بينهما اثلاثا بعد المساواة في المضمان يكون باطلا وكذلك لو كان أمره أن يستدين على رب المال لان قوله استدن على المضاربة وقوله استدن على سواء في المعنى وما استدان سواء كان بقدر مال المضاربة أو أقل أو أكثر فهو بينهما نصفان فربحه ووضيعته بينهما نصفان حتى لو هلك المشتراة بالدين كان ضمان ثمنها عليهما نصفين ولو كان أمره أن يستدين على نفسه كان ما اشتراه المضارب بالدين له خاصة دون رب المال لانه في الاستدانة على نفسه يستغني عن أمر رب المال فكان وجود أمره فيه وعدمه سواء بخلاف ما إذا أمره أن يستدين على المال أو على رب المال لانه في الاستدانة على رب المال أو على المال لا يستغنى عن أمر رب المال فلا بد من اعتبار أمره في ذلك وأمره بالاستدانة على المال كامره بالاستدانة على رب المال لان ملك المال لرب المال والمال محل لقضاء الواجب لا للوجوب فيه فالواجب يكون على رب المال ثم أمره
[ 180 ] بالا ستدانة عليه مطلقا يقتضى الشركة بينهما فيما يستدين ولا تكون هذه الشركة بطريق المضاربة لان المضاربة لا تصح الا برأس مال عين فكانت هذه الشركة في معنى شركة الوجوه فيكون المشترى مشتركا بينهما نصفين فلا يصح منهما شرط التفاوت في الربح مع مساوتهما في الملك في المشترى ولو كان أمره أن يستدين على المال أو على رب المال فاشترى بالمضاربة جارية ثم استقرض المضارب ألف درهم على الضاربة واشترى بها جارية فهو مشتر لنفسه خاصة والقرض عليه خاصة منهم من يقول ان الاستدانة هو الشراء بالنسيئة والاستقراض غيره فلا يدخل في مطلق الامر بالا ستدانة والا صح أن يقول الامر بالاستقراض باطل (ألا ترى) انه لو أمر رجلا أن يستقرض له ألفا من فلان فاستقرضها كما أمره كان الالف للمستقرض دون الآمر وهذا لان القرض مضمون بالمثل في ذمة المستقرض وإذا كان البدل في ذمته كان المستقرض مملوكا له وهو غير محتاج في ذلك إلى أمر الآمر وما كان الامر بالاستقراض الا نظير الامر بالتكدى وهو باطل وما يحصل للمتكدي يكون له دون الآمر إذا ثبت هذا فقول ما استقرضه المضارب يكون مملوكا له فإذا اشترى به جارية فقد أضاف العقد إلى ملك نفسه فكان مشتريا الجارية لنفسه ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل في ذلك برأيه وأمره أن يستدين على المال فاشترى بالف ثيابا فاسلمها إلى صباغ يصبغها صفرا بمائة درهم ووصف له شيئا معروفا فصبغها ثم ان المضارب باع الثياب مرابحة بالفى درهم فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم ويؤدى المضارب أجر الصباغ مائة درهم وما بقى من الربح قسم على أحد عشر سهما عشرة أسهم من ذلك حصة المضاربة بينهما أثلاثا على الشرط وسهم حصة المائة التى بينهما نصفان لانه لما أمره أن يعمل برأيه فقد ملك به خلط مال المضاربة بمال آخر والصبغ عين مال قائم في الثوب وهو في الصبغ مستدين بامره فلا يصير مخالفا بخلط ما استدان بمال المضاربة ثم الثمن في بيع المرابحة يكون مقسوما على الثمن الاول وقد كان ثمن ثياب المضاربة ألف درهم وثمن الصبغ مائة درهم فيحصل من ثمن الباقي رأس مال المضاربة لرب المال ويعطى المائة ثمن الصبغ والباقى ربح فيكون مقسوما على أحد عشر سهما عشرة من ذلك حصة ربح مال المضاربة فيكون بينهما اثلاثا على الشرط وسهم من ذلك ربح ما استدان فيكون بينهما نصفين لا ستواء ملكيهما فيما استدان ولو كان باع الثياب مساومة قسم الثمن على قيمة الثياب وعلى ما زاد الصبغ فيها لان في بيع
[ 181 ] المساومة الثمن بمقابلة الملك والملك الذى تناوله البيع أصل الثياب والصبغ القائم فيها فيقسم الثمن جملة على قيمة الثياب غير مصبوغة وعلى ما زاد الصبغ فيها فما يخص قيمة الثياب فهو مال المضاربة يعطى منه رب المال رأس ماله ويقسم الباقي بينهما أثلاثا على الشرط وما أصاب قيمة الصبغ يعطى منه أجر الصباغ مائة درهم والباقى بينهما نصفان لانه ربح حصة الاستدانة ولو اشترى المضارب بالف المضاربة ثيابا واستقرض على المال مائة درهم فاشترى بها زعفرانا فصبغ به الثياب ثم باعها مرابحة على مال المضاربة وعلى ما استقرض بألفى درهم فانها تقسم على أحد عشر سهما عشرة أسهم منها مال المضاربة على شرطهما وسهم للمضارب خاصة لان ما استقرض كان على نفسه خاصة وما اشترى به من الزعفران مملوك له الا انه لا يصير مخالفا إذا صبغ الثياب بها لانه أمره أن يعمل في المال برأيه والثمن في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الاول فيكون على أحد عشر سهما عشرة أسهم حصة مال المضاربة وسهم حصة الصبغ وهو للمضارب خاصة فيكون بدله له ولو باعها مساومة قسم الثمن على قيمة الثياب وعلى ما زاد الصبغ في الثياب فما أصاب قيمة الثياب كان على المضاربة وما أصاب قيمة الصبغ كان للمضارب وكان عليه اداء القرض لان في بيع المساومة الثمن بمقابلة الملك فانما يقسم على قدر الملك ولو كان اشترى الزعفران بمائة درهم نسيئة فصبغ الثياب به كان هذا والذى كان استأجر الصباغ بمائة ليصبغها سواء في جميع ما ذكرنا لان شراء الزعفران بالنسيئة استدانة فينفذ على رب المال وعلى المستدين ويكون الصبغ مشتركا بينهما نصفين فهو ومسألة استئجار الصباغ لنصفها سواء ولو خرج المضارب بالمال إلى مصر فاشترى بها كلها ثيابا ثم استكرى عليه بغالا بمائة درهم فحمله إلى مصره فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة لان الكراء مما جرى الرسم به بين التجار بالحاقه برأس المال وقد بينا في البيوع ان ما جرى العرف به بين التجار في الحاقه برأس المال فله أن يلحقه به في بيع المرابحة وعلى هذا أجر السمسار فان باعه مرابحة بالفى درهم كانت حصة المضارب من ذلك من كل أحد عشر سهما عشرة أسهم بينهما على شرطهما وحصة الكراء سهم واحد بينهما نصفان لان الثمن في بيع المرابحة مقسوم على رأس المال الاول وذلك ألف درهم التى غرمها في شراء الثياب والمائة التى غرمها في الكراء فإذا جعلت كل مائة سهما كان على أحد عشر سهما سهم من ذلك حصة الكراء وهو استدانة فيكون بينهما نصفين ولو باعها مساومة كان جميع الثمن في المضاربة على الشرط بيهما لان الثمن في بيع
[ 182 ] المساومة بمقابلة الملك والملك الذى تناوله البيع الثياب دون منفعة الحمل من مصر إلى مصر وقد كان جميع الثياب على المضاربة فيكون الثمن كله في المضاربة على الشرط بينهما بخلاف ما تقدم من مسألة الصبغ لان الصبغ عين مال قائم في الثوب يتناوله البيع ثم غرم الكراء على المضارب ورب المال نصفان لان المضارب كان مستدينا فيها بامر رب المال ففعله كفعلهما جميعا فلهذا كان غرم الكل عليهما نصفين ولو لم يكن استكرى به ولكنه استقرض مائة درهم فاستكرى بها باعيانها دواب يحمل على كل دابة كذا وكذا ثوبا فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله وان لم ينص عليه في الكتاب وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ببيع الثياب مرابحة على ألف درهم ولا يدخل في ذلك حصة الكراء وأصل المسألة فيما إذا اكترى دواب للثياب بمائة من مال نفسه لان ما استقرض له خاصة ثم وجه قولهما انه متطوع فيما أدى من مال نفسه في الكراء ولو تطوع انسان آخر بحمل الثياب على دوابه لم يكن للمضارب أن يلحق ذلك برأس المال فكذلك إذا تطوع المضارب به وأبو حنيفة رحمه الله يقول المضارب في حمل الثياب كالمالك لانه محتاج إلى ذلك لتحصيل حصة الربح والمالك لو استكري دواب للثياب المشتراة بماله كان له أن يلحق ذلك برأس المال في بيع المرابحة فكذلك للمضارب أن يلحق الكراء برأس المال فيبيعها مرابحة على ألف ومائة فان باعها بالفين كانت عشرة أسهم من أحد عشر سهما من ذلك حصة المضاربة على شرطهما وسهم واحد للمضارب خاصة وان باعها مساومة كان الثمن كله مضاربة لان الثمن بمقابلة الثياب هنا والثياب كلها مال المضاربة وضمان الكراء في مال المضاربة خاصة لانه هو المستقرض فعليه ضمان ما استقرضه فان قال المضارب لرب المال انما استكريت الدواب لك تحمل ثيابك وقال رب المال انما استكريت بمالك لنفسك ثم حملت ثيابي عليها فالقول قول رب المال لانه استكرى بالمائة التى استقرض بعينها وملك المائة للمضارب فاضافته العقد إلى مال نفسه دليل على انه استكراها لنفسه ولو لم يامره أن يعمل في المضاربة برأيه فاشترى بها كلها ثيابا تساوى ألف درهم ثم اشترى من عنده عصفرا بمائة درهم فصبغها فهو ضامن للثياب لان ما اشترى من الصبغ له وقد خلط مال المضاربة به حين صبغ الثياب والمضارب بمطلق العقد لا يملك الخلط فيصير به غاصبا ضامنا وصاحب المال بالخيار ان شاء أخذ ثيابه وأعطاه ما زاد العصفر في ثيابه وان شاء ضمنه ثيابه غير مصبوغة ألف درهم فأخذها منه فكانت الثياب للمضارب بمنزلة ما لو غصب ثوبا فصبغه فان
[ 183 ] لم يختر شيأ من ذلك حتى باع المضارب المتاع بالفى درهم جاز بيعه لان عقد المضاربة باق بينهما ببقاء المال وان صار مخالفا ونفوذ بيع المضارب باعتبار الوكالة ووجوب الضمان عليه لا ينفى جواز بيعه بحكم الوكالة فيقسم الثمن على قيمة الثياب وما زاد الصبغ فيها فما أصاب زيادة الصبغ فهو للمضارب لانه بدل ملكه وما أصاب الثياب فهو بينهما على شرطهما لانه بدل مال المضاربة فان هلك الثمن من المضارب بعد ما قبضه فلا ضمان عليه فيه لانه ببيع الثياب خرج من أن يكون مخالفا والاختلاط الذى في الثمن حكمي وبه لا يكون المضارب مخالفا ضامنا فان كانت الثياب حين اشتراها المضارب تساوي ألفى درهم فصبغها بعصفر من عنده فان شاء رب المال ضمنه ثلاثة ارباع قيمة الثياب وسلم الثياب للمضارب وان شاء أخذ ثلاثة ارباع الثياب وأعطى المضارب ما زاد الصبغ في ثلاثة ارباعها لانه في مقدار الربع عامل لنفسه باصبغ فان مقدار حصته من الربح مملوك له في الثياب وفي ثلاثة ارباعها هو مخالف لعمله في مال رب المال بالخلط من غير أمره فتكون ثلاثة ارباع الثياب في هذا الفصل نظير جميع الثياب في الفصل الاول في حكم الضمان والخيار فان لم يختر شيأ حتى باعها المضارب جاز بيعه لبقاء عقد المضاربة بينهما بعد الصبغ وكان للمضارب حصة الصبغ من الثمن والباقى مضاربة بينهما على شرطهما ولو أن المضارب لم يصبغ الثياب ولكن قصرها بمائة درهم من عنده وذلك يزيد فيها أو ينقص منها فلا ضمان عليه في ذلك ان زادت أو نقصت لانه لم يخلط بها شيأ من ماله وهو انما يصير ضامنا بالخلط لا بعمل القصارة (ألا ترى) انه لو كان في يده فضل من مال المضاربة كان له أن يقصر الثياب به ولا يكون مضمونا عليه ان زادت أو نقصت فكذلك إذا قصرها بمال نفسه بخلاف الصبغ فانه عين مال قائم في الثوب فيصير بخلط مال المضاربة بماله ضامنا هناك فان باعها بربح أو وضيعة فهو على المضاربة لانه متبرع فيما غرم من مال نفسه في قصارتها قيل هذا على قولهما فأما عند أبى حنيفة فينبغي أن يكون الجواب في هذا كالجواب في مسألة الكراء لان مؤنة القصارة جرى الرسم بالحاقها برأس المال بمنزلة الكراء وكذلك لو اشترى بها ثيابا تساوى ألفا فصبغها أسود فهذا والقصارة سواء لان السسواد نقصان وليس بزيادة ولا ضمان على المضارب في ذلك لانه لم يخلط مالا من عنده بالمضاربة (ألا ترى) انه لا قيمة للسواد في الثياب ولا يضمن النقصان الذى دخل في الثياب لانه بمطلق عقد المضاربة يملك أن يصبغ الثياب بالسواد (ألا ترى) انه لو كان
[ 184 ] فضل في يده من مال المضاربة فصبغ الثياب بها سوادا لم يضمن وقيل هذا قول أبى حنيفة رحمه الله فأما على قولهما فالسواد كالصفرة والحمرة وقد بينا ذلك في كتاب الغصب والاصح ان هذا في ثياب ينقص السواد من قيمتها فأما في ثياب يزيد السواد في قيمتها فهو بمنزلة مالو صبغها أصفر أو أحمر ولو كان أمره أن يعمل في المضاربة برأيه فاشترى بها ثيابا ثم صبغها بعصر من عنده فهو شريك في الثياب بما زاد العصفر فيها لانه يملك الخلط عند تفويض الامر في المضاربة إلى رأيه على العموم فلا ضمان عليه في ذلك وأصل الثياب على المضاربة والصبغ فيه ملك للمضارب خاصة وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث وأمره أن يستدين على المال فاشترى بها وبثلاثة آلاف درهم جارية تساوي خمسة آلاف درهم فقبضها وباعها بخمسة آلاف درهم وقبض الدراهم فهلكت المضاربة الاولى والجارية وثمنها في يد المضارب فعلى المضارب تسعة آلاف أربعة آلاف لبائع الجارية لانه قبضها وهلكت في يده وخمسة آلاف لمشترى الجارية لان بهلاكها قبل التسليم انفسخ البيع فيها فعليه رد المقبوض من الثمن ثم يرجع على رب المال بخمسة آلاف وخمسمائة واحد وأربعين درهما وثلثي درهم وعلى المضارب في ماله بثلاثة آلاف واربعمائة وثمانية وخمسين وثلث لانه حين اشتراها اشتراها بأربعة آلاف فألف منها مال المضاربة وثلاثة آلاف كانت دينا عليهما نصفين نصف ذلك على المضارب وهو ألف وخمسمائة ثم باع الجارية بخمسة آلاف درهم فيكون هو في قبض الثمن عاملا لنفسه في مقدار ألف وخسمائة وحصتها من الربح وذلك في الحاصل ثلاثة أثمان خمسة آلاف مقداره ألف وثمانمائة وخسمة وسبعون وخمسة أثمان هذه الخسمة الآلاف كانت على المضاربة مقدار ذلك ثلاثة آلاف ومائة وخمسة وعشرون حصة ألف المضاربة من ذلك ألف ومائتان وخسمون فتبين أن الربح في مال المضاربة مائتان وخمسون وللمضارب ثلث ذلك وثلثه ثلاثة وثمانون ثلث فإذا ضممت ذلك إلى ألف وثمانمائة وخمسة وسبعين يكون جملة ذلك ألفا وتسعمائة وثمانية وخمسين وثلثا فإذا ضممت إليه أيضا ألفا وخسمائة يكون ذلك ثلاثة آلاف واربعمائة وثمانية وخمسين وثلثا هذا حاصل ما على المضارب وما زادا على ذلك إلى تمام تسعة آلاف كله على رب المال وذلك خمسة آلاف وخمسائة واحد وأربعون وثلثا درهم وإذا جمعت حاصل ما وجب عليه متفرقا بلغ هذا المقدار فان هلكت الالف المضاربة أولا ثم هلكت الجارية والخمسة آلاف بعد ذلك معا والمسألة على حالها فانه يؤدى تسعة آلاف درهم كما بينا ويرجع على رب المال بخمسة آلاف وستمائة وخمسة
[ 185 ] وعشرين درهما لان الالف الاولى حين هلكت فقد لحق رب المال في المضاربة ألف درهم دين وصارت المضاربة لا ربح فيها فلم يبق على المضارب الا حصته من الدين وربحها فأما حصة المضارب من الرابح وذلك ثلاثة وثمانون وثلث كما بيناه في المسألة الاولى فيتحول غرم ذلك إلى رب المال مع ما عليه من خمسة آلاف وخمسمائة واحد وأربعين وثلثين فيكون جميع ما عليه خسمة آلاف وستمائة وخسمة وشعرين درهما والله اعلم * (باب الشهادة في المضاربة) * (قال رحمه الله) وإذا أقر رب المال للمضارب بسدس الربح وقال المضارب لي نصف الربح وأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه شرط له ثلث الربح وشهد الآخر أنه شرط له نصف الربح فالشهادة باطلة في قياس قول أبى حنيفة لانه يشترط الموافقة بين الشهادتين لفظا ولم يوجد والثلث غير النصف وإذا بطلت الشهادة كان للمضارب ما أقربه رب المال وهو السدس وفى قول أبى يوسف ومحمد الشهادة جائزة على ثلث الربح للمضارب لانهما يعتبران الموافقة بين الشهادتين معنى وقد اتفقا على مقدار الثلث فالشاهد بالنصف شاهد بالثلث وزيادة فيقضى القاضى له بثلث الربح ويبطل ما زاد على ذلك إلى تمام النصف لان الشاهد به واحد ولو كان ادعى المضارب نصف الربح فشهد له شاهد على نصف الربح وشهد له شاهد آخر ان رب المال شرط له ثلثى الربح فالشهادة باطلة عند أبى حنيفة وعندهما لان المضارب يكذب أحد شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه بخلاف الاول فهناك المضارب يدعي الاكثر فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولو قال رب المال دفعته اليك بضاعة وادعي المضارب انه شرط له مائتي درهم من الربح فالقول قول رب المال مع يمينه لان المضارب يدعي عليه أجر المثل في ذمته ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه وان أقام المضارب شاهدين فشهد أحدهما انه شرط له مائتي درهم وشهدا الآخر أنه شرط له مائة درهم ففى قول أبى حنيفة الربح كله لرب المال ولا شئ للمضارب على رب المال من أجر ولا غيره لان الشاهدين اختلفا في المشهود به لفظا فتبطل الشهادة أصلا وعندهما له أجر مثله فيما عمل لانهما اتفقا على شرط المائة معنى فيوجب قبول شهادتهما على ذلك فكان للمضارب أجر مثله لفساد عقد المضاربة ولو ادعي المضارب أنه شرط مائتين وخمسين وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة فله أجر مثله عندهم
[ 186 ] جميعا لاتفاق الشاهدين على المائة لفظا ومعنى وان كان المضارب يدعي المائة لم تقبل الشهادة لانه مكذب أحد شاهديه فيما يشهد به من الزيادة على المائة ولو دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة فعملا بها وربحا ربحا فادعى أحدهما انه شرط لهما نصف الربح وادعى الآخر أنه شرط لهما الثلث وادعي رب المال أنه شرط لهما مائة درهم من الربح فالقول قول رب المال لان المضارب يستحق الربح على رب المال بالشرط فهما يدعيان عليه استحقاق جزء من الربح ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه فان أقاما شاهدين فشهد أحدهما بنصف الربح والآخر بثلث الربح ففى قياس قول أبى حنيفة لا تقبل هذه الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به لفظا ويكون للمضاربين أجر مثلهما فيما عملا لان رب المال أقر لهما بذلك فيأخذان ذلك منه من الوجه الذي يدعيانه وعندهما الشهادة جائزة للمضارب الذي الدعي نصف الربح ويكون له من الربح سدسه لانه مدع للاكثر فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولكن الشهادة تقبل له في مقدار ما اتفق الشاهدان عليه معنى وهو سدس الربح وللاخر أجر مثله لانه صار مكذبا أحد شاهديه وهو الذى شهد له باكثر مما ادعاه فإذا بطلت شهادتهما له كان له أجر مثله كما أقر به رب المال ومن كتاب المضاربة الصغيرة قال وإذا اشترى المضارب بالمال وهو ألف درهم خادما ثم هلكت الالف فيرجع بمثلها على رب المال ونقدها ثم باع الخادم بثلاثة آلاف درهم فاشترى بها متاعا فهلكت قبل أن ينقدها فانه يرجع على رب المال بالفين وخمسائة ويؤدى من عنده خمسمائة لانه حين رجع بمثل الالف التى هلكت على رب المال فقد لحق رب المال في المضاربة دين ألف درهم وصار رأس ماله ألفين فلما باع الغلام بثلاثة آلاف فالفان من ذلك مشغولان برأس المال وألف ربح بينهما نصفان فحين اشترى بها متاعا كان هو في الشراء بحصته من الربح عاملا لنفسه وذلك خمسمائة فيغرم ذلك من ماله وفى مقدار رأس المال وحصة رب المال من الربح عامل له فيرجع عليه بذلك وهو ألفان وخمسائة فان باع المتاع بعد ذلك بعشرة آلاف كان للمضارب سدس الثمن لان سدس المتاع كان مملوكا فقد نقد ثمنه من مال نفسه فيكون سدس الثمن له من غير المضاربة وخسمة اسداس الثمن على المضاربة يستوفى منها رب المال ما غرم في المرات وذلك أربعة آلاف وخسمائة والباقى ربح بينهما وقال أبو يوسف إذا عمل الوصي بمال اليتيم فوضع أو ربح فقال عملت به مضاربة فهو مصدق في حال الوضيعة لانه ليس مسلطا على التصرف فيما في يده من مال اليتيم وهو
[ 187 ] بمقابلته ينكر وجوب الضمان عليه فالقول قوله في ذلك ولا يصدق في حال الربح حتى يشهد قبل العمل انه يعمل به مضاربة لان الربح نماء المال فيكون مملوكا لليتيم بملك المال والوصي يدعى استحقاق بعض الربح لنفسه والقول قول الامين في براءته عن الضمان لا في استحقاق الامانة لنفسه الا أن يشهد قبل العمل فيحنئذ يكون هذا اقرارا بما منه يملك استئنافه على ما بينا ان للوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة فيعمل به ولو قال اسقرضته لم يصدق وان كان فيه ربح حتى يشهد قبل العمل لان ما حصل من الربح مستحق لليتيم بملكه أصل المال في الظاهر فالوصى يدعى استحقاق ذلك عليه لنفسه فلا يقبل قوله في ذلك وان أشهد قبل العمل فقد علمنا أنه في التصرف عامل لنفسه ضامن لمال الصبى لانه ليس له أن يستقرض مال اليتيم لنفسه ولكن الفاسد من القرض معتبر بالصحيح فيكون الربح الحاصل بعمل له وان كانت فيه وضيعة فهو ضامن لها وان لم يشهد قبل العمل لانه في قوله استقرضه أقر لليتيم على نفسه بالضمان وفي مقدار الوضيعة واقراره على نفسه حجة وكذلك لو دفعه إلى رجل فعمل به ثم قال دفعته قرضا ليعمل به وصدقه ذلك الرجل فهو يقر له باستحقاق الربح واقراره في مال اليتيم ليس بحجة وان قال مضاربة لليتيم أو بضاعة له وصدقه الرجل وفيه وضيعة فلا ضمان عليهما لان في تصادقهما انتفاء الضمان عن العامل لا اثبات الاستحقاق له في شئ من مال اليتيم وللوصي هذه الولاية فانه يودع مال اليتيم ويبضعه وان كان فيه ربح فهو لليتيم كله الا أن يشهد على ما صنع من ذلك قبل أن يعمل به لان الصبي صار مستحقا لجميع الربح بملكه أصل المال فاقرار الوصي بجزء منه للعامل يكون اقرارا في مال اليتيم لغيره وذلك غير مقبول عن الوصي وكل هذا يسعه فيما بينه وبين الذى يعمل على ما قال ان كان صادقا لان الله تعالى مطلع على ضميرهما عالم بما كان منهما الا أن القاضى لا يقبل قوله الا ببينة لان القاضى مأمور باتباع الظاهر وأصله في الوصي إذا عرف وجوب الدين على الميت فانه يسعه فيما بينه وبين ربه أن يقضي دينه من التركة ولكن ان علم به القاضي ضمنه إذا لم يكن لصاحب الدين بينة على حقه فهذا قياسه والله أعلم بالصواب (تم الجزء الثاني والعشرون من كتاب المبسوط للامام السرخسي الحنفي رحمه الله) (ويليه الجزء الثالث والعشرون * وأوله كتاب المزارعة)
[ 188 ]
- (فهرست الجزء الثاني والعشرون من كتاب المبسوط) * * (للامام السرخسى الحنفي رحمه الله) * 2 باب الغصب في الرهن 9 باب جناية الرهن في الحفر 17 كتاب المضاربة 29 باب اشتراط بعض الربح لغيرهما 33 باب المضاربة بالعروض 38 باب ما يجوز للمضارب في المضاربة 48 باب شراء المضارب وبيعه 62 باب نفقة المضارب 73 باب المرابحة في المضاربة 81 باب المضارب ببيع المال ثم يشتر به لنفسه باقل من ذلك 83 باب عمل رب المال مع المضارب 79 باب الاختلاف بين المضارب ورب المال 98 باب المضارب يدفع المال مضاربة 105 باب قسمة رب المال والمضارب 109 باب عتق المضارب ودعواه الحط 118 باب جناية العبد في المضاربة والجناية عليه 122 باب ما يجوز للمضارب أن بفعله ومالا يجوز 125 باب مضاربة أهل الكفر 131 باب الشركة في المضاربة 140 باب اقرار المضارب بالمضاربة في المرض 145 باب الشفعة في المضاربة 149 باب الشروط في المضاربة 153 باب المرابحة بين المضارب ورب المال 157 باب ضمان المضارب 158 باب المرابحة في المضاربة بين المضاربين 163 باب دعوى المضارب ورب المال 168 باب ضياع مال المضاربة قبل الشراء أو بعده 178 باب المضارب يأمره رب المال بالاستدانة على المضاربة 185 باب الشهادة في المضاربة * (تمت) *