مبسوط السرخسي - الجزء الثالث عشر2
[ 101 ]
البايع فكان كالبيع ثم هذا فعل مضمون في ملك الغير فإنما استفاد البراءة عن الضمان باعتبار ملكه فيها * قال (ولو باع منها بعضا لم يكن له ان يرد ما بقي عندنا وقال ابن أبى ليلى له ذلك إلا ان يشاء البائع أن يرد عليه نقصان العيب) لانه يتمكن من رد ما بقي ولكنه معيب بعيب الشركة ولو تعيب في يده بعيب آخر كان له ان يرجع بنقصان العيب الا ان يشاء البائع ان يقبلها معيبة فهذا مثله ولكنا نقول عجز عن رد الباقي على الوجه الذي قبض لانه قبض غير معيب وانما حدث عيب الشركة عنده وذلك يمنعه من الرد وسبب هذا كان بيع النصف ومتى كان تعذر الرد بسبب البيع فليس له ان يرجع بشئ من نقصان العيب كما لو باع الكل وعند زفر له أن يرجع بنقصان العيب في النصف الذي لم يبع اعتبارا للبعض بالكل إذا لم يبع ولو كاتبها فالكتابة نظير البيع من حيث انه يوجب لها حقا بعوض يستوجبه المولي عليها فلا يرجع بنقصان العيب بعد ذلك وكذلك لو أعتقها بمال فيما رواه أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله لانه أزال ملكه عنها بعوض فهو كما لو باعها وفي رواية أخرى يرجع بنقصان العيب لان العتق منه للرق سواء كان بعوض أو بغير عوض ألا ترى انه يثبت به الولاء في الموضعين جميعا ولو قتلها أجنبي لم يرجع بنقصان العيب على البائع لانه أخذ العوض من القاتل فكان ذلك بمنزلة عوض سلم له بالبيع وكذلك لو كان ثوبا فاحرقه أجنبي أو طعاما فأكله لانه قد سلم للمشترى العوض من جهته وكذلك ان كان المشترى هو الذي أحرقه لانه قد استفاد البراءة عن الضمان بسبب ملكه * قال (ولو لبس الثوب حتى تخرق أو أكل الطعام ثم علم بالعيب لم يرجع بشئ في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرجع بنقصان العيب من الثمن استحسانا) لانه صنع بالمبيع ما يشترى لاجله ويعتاد فعله به فلا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب كما لو أعتق العبد وأبو حنيفة يقول تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فلا يرجع بنقصان العيب كالاحراق والقتل وهذا لان اللبس والاكل موجب للضمان عليه في ملك الغير وانما استفاد البراءة باعتبار ملكه في المحل فذلك بمنزلة عوض سلم إليه وكما ان الاكل واللبس مقصودان بالشراء فالمبيع مقصود بالشراء ثم لا يعتبر ذلك المعنى في اثبات حق الرجوع له بنقصان العيب لسلامة العوض له فكذلك الاكل وان أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذلك الجواب عند أبى حنيفة بمنزلة مالو باع البعض لان الطعام في الحكم كشئ واحد
[ 102 ] فلا يرد بعضه بالعيب دون البعض وعن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله روايتان فيما إذا أكل البعض في احدى الروايتين يرجع بنقصان العيب في الكل لان الطعام في حكم شئ واحد يرد بعضه بالعيب وأكل الكل عندهما لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب فأكل البعض أولى وفي الرواية الاخرى يرد ما بقى لان هذا مما لا يضره التبعيض وهو قادر على الرد كما قبضه ويرجع بنقصان العيب فيما أكله وبعد بيع البعض عنهما روايتان أيضا ففى احدى الروايتين لا يرجع بشئ كما هو قول أبى حنيفة لان الطعام في حكم شئ واحد فبيع البعض فيه كبيع الكل وفي الرواية الاخرى يرد ما بقى لانه لا يضره التبعيض ولكنه لا يرجع بنقصان العيب فيما إذا باع اعتبارا للبعض بالكل * قال (وإذا طحن الحنطة أو لت السويق ثم علم بعيب به كان له ان يرجع بنقصان العيب) لان الملك المستفاد له بالشراء باق وانما تعذر الرد لمكان الزيادة التى هي غير متولدة من العين بمنزلة الثوب إذا قطعه وخاطه أو صبغه فله أن يرجع بنقصان العيب * قال (وإذا اشترى خفين أو نعلين أو مصراعي باب فوجد في احداهما عيبا فله ان يردهما جميعا) لانهما في الصورة شيئان وفي المنفعة والمعنى كشئ واحد فانه لا يتأتى الانتفاع المقصود باحداهما دون الاخرى والمعتبر هو المعنى وفي الشئ الواحد وجود العيب بجزء منه ممكن من رد الكل لانه لو رد المعيب خاصة لعاد إلى البائع بعيب حادث إذ التفريق بينهما يمنع الانتفاع وذلك عيب في كل واحد منهما فان كان قد باع الذي ليس به عيب لم يكن له ان يرد ما بقى ولا يرجع بشئ كما في الشئ الواحد حقيقة إذا باع بعضه أما إذا اشترى ثوبين أو عبدين وقبضهما ثم وجد باحدهما عيبا رد المعيب خاصة عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر له ان يردهما جميعا وليس له أن يرد احدهما لان الصفقة واحدة وضم الجيد إلى الرديئ عادة معروفة ولو رد المعيب تضرر البائع بذلك فليس له ذلك الا أن يردهما جميعا كما في الفصل الاول ألا ترى انه في الرد بخيار الشرط والرؤية ليس له ان يفرق بينهما وكذلك في الرد بالعيب قبل القبض فكذلك بعد القبض ولكنا نقول الصفقة قد تمت بالقبض لان العيب لايمنع تمام الصفقة ثم علة الرد العيب وذلك وجد في احدهما والحكم انما يثبت بحسب العلة ألا ترى أنه لو استحق احدهما بعد القبض لم يتخير في الآخر فكذلك إذا وجد العيب في احدهما بخلاف
[ 103 ] النعلين فهناك لو استحق احدهما كان له ان يرد الآخر لاتصال أحدهما بالآخر انتفاعا وبخلاف خيار الشرط والرؤية لان ذلك يمنع تمام الصفقة بالقبض وكذلك خيار العيب قبل القبض لان الصفقة لا تتم قبل القبض وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز ثم ان تضرر البائع هنا من الوجه الذي ذكره زفر فكذلك من قبل تدليسه فلا يعتبر في حق المشترى وليس من ضرورة ثبوت الخيار له في احدهما ثبوته في الآخر كما لو سمى لكل واحد منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه في احدهما بعينه * قال (وإذا اشترى عبدا ثم باعه فرد عليه بعيب بغير قضاء قاض فليس له ان يرده على بائعه بالعيب) لان هذا بمنزلة الاقالة فانه حصل بتراضيهما والاقالة في حق البائع الاول بمنزلة بيع مبتدإ فلم يعد إليه الملك المستفاد من جهة البائع الاول في حقه فلهذا لا يخاصمه في عينه * قال (ولو قبله بقضاء قاض ببينة قامت عليه أو باباء اليمين أو باقرار عند القاضى انه باعه والعيب به وهو لا يعلم به كان له ان يرده على الاول ان كان له على العيب بينة والا استحلفه) لان الرد عليه بقضاء القاضي فسخ فان للقاضى ولاية الفسخ بسبب العيب دون ابتداء البيع فيعود إليه الملك المستفاد من جهة البائع فهو على خصومته في العيب معه بمنزلة ما لو وهبه ثم رجع في الهبة إلا أن في الرجوع في الهبة القضاء وغير القضاء سواء بخلاف الرد بالعيب وقد قررنا هذا الفرق في كتاب الهبة * قال (ولو اشترى جارية ولها زوج أو عبدا وله امرأة فله أن يردهما بالعيب) لان النكاح مما يعده التجار عيبا في الغلام والجارية جميعا ولان المقصود بملك الجارية الاستفراش وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة الغير وفي العبد بسبب النكاح يلزمه نفقة امرأته وذلك ينقص من ماليته فلهذا كان النكاح عيبا فيهما جميعا وإذا اشترى شاة أو بقرة فحلبها وشرب اللبن ثم علم بعيبها لم يكن له أن يردها بالعيب ولكنه يرجع بنقصان العيب عندنا وقال الشافعي يردها بالعيب بجميع الثمن والاصل أن الزيادة نوعان متصلة ومنفصلة والمتصلة نوعان زيادة غير متولدة من العين كالصبغ في الثوب والسمن والعسل في السويق وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق لمراعاة حق المشترى في مالية الزيادة والزيادة المتصلة التي هي متولدة من الاصل كالسمن وانجلاء البياض من العين وثياب اللبس لايمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لانه لا معتبر بها في عقود المعاوضات ألا ترى انها إذا حدثت قبل القبض لا يتغير حكم انقسام الثمن بسببها وقيل
[ 104 ] على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هذه الزيادة تمنع الرد بالعيب وعند محمد لا تمنع على قياس مسألة التحالف وقد تقدم بيانها وأما الزيادة المنفصلة فهى نوعان عين متولدة من الاصل كالكسب والغلة فلا تمنع الرد بالعيب ولكن الزيادة تسلم للمشترى به ورد الاثر عن رسول الله ﷺ انه قال الخراج بالضمان ثم الكسب والغلة بدل المنفعة وسلامة المنفعة للمشترى لا تمنع رد الاصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك سلامة بدل المنفعة * وأما الزيادة المنفصلة التى هي متولدة من الاصل كاللبن والثمار والولد والعقد إذا وطئت الجارية بالشبهة والارش إذا جنى عليها بعد ما قبضها المشترى فهو يمنع رد الاصل بالعيب عندنا وعند الشافعي لايمنع ولكن يرد الاصل بجميع الثمن والزيادة تسلم للمشترى لان هذه زيادة تملك بسبب ملك الاصل فلا يمنع رد الاصل بالعيب كالكسب والغلة وتأثيره انه لا يقابل هذه الزيادة شئ من الثمن لانها لم تكن موجودة لا عند العقد ولاعند القبض فكان جميع الثمن بمقابلة الاصل ألا ترى ان هذه الزيادة إذا هلكت من غير صنع أحد كان له أن يرد الاصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك إذا كانت قائمة في يد المشترى أو استهلكها أو غيره وبهذا يتبين ان هذه الزيادة ليست بمبيعة لان المبيع ما يقابله الثمن فلو صارت هذه الزيادة مبيعة لقابلها شئ من الثمن كما قلتم في الزيادة الحادثة قبل القبض إذا قبضها المشترى مع الاصل والدليل عليه أنه لايرد هذه الزيادة بعيب إذا وجد بها فلو صارت مبيعة لثبت فيها حكم الرد بالعيب ويجوز فسخ سبب الملك في الاصل مع بقاء الزيادة سالمة للمتملك كالموهوبة إذا زادت زيادة منفصلة ثم رجع الواهب فيها تبقى الزيادة سالمة للموهوب له (وحجتنا) في ذلك ان تملك المشترى في هذه الزيادة تملك مبيع فلو رد الاصل بجميع الثمن لبقيت الزيادة له مبيعا بلا ثمن وذلك ربا وبيان هذا انه لاسبيل لملك الزيادة سوى التولد من الاصل وانما يسرى إليها الملك الثابت في الاصل وملكه في الاصل ملك مبيع لان هذا الملك يثبت له بالشراء وما ثبت فهو باق من غير دليل منفى حتى يقوم الدليل والدليل عليه ان باعتبار قيام ذلك الملك التصرف في العقد بالاقالة وإذا ثبت ان ملكه في الاصل ملك مبيع فذلك الملك يسرى إلى الزيادة لان المتولد من عين الشئ يكون بصفته ألا ترى ان ولد المكاتبة وولد أم الولد من غير السيد يكون الملك فيه بصفة الملك في الاصل وبه
[ 105 ] فارق الكسب والعلة لانه ملكه بسبب مبتدإ وما سرى إليه ملك الاصل ألا ترى ان كسب المكاتب لا يثبت فيه حكم الكتابة فإذا ثبت أن هذه الزيادة في حكم المبيع قلنا ليس بمقابلتها شئ من الثمن لانها بيع محض والثمن بمقابلة الاصل دون البيع كاطراف المبيع لا يقابلها شئ من الثمن الا ان يصير مقصودا بالتناول فكذلك الزيادة ان حدثت قبل القبض ثم قبضها المشترى مع الاصل صارت مقصودة بالتناول فيقابلها جزء من الثمن ومن ضرورة ذلك استحقاق صفة السلامة فيها فإذا وجد بها عيبا كان له أن يردها بذلك وقبل القبض لما كان لا يقابلها شئ من الثمن كان ردها مقصودا ولكن يردها مع الاصل تبعا واما الزيادة الحادثة بعد القبض فلم تصر مقصودة بالتناول والقبض بحكم العقد فلا يقابلها ثمن فلهذا لا يكون له أن يردها ولا يرد الاصل دونها بجميع الثمن لانها تبقى مبيعة سالمة للمشترى بغير عوض والربا ليس الا هذا ولهذا لا يملك ردها وان رضي البائع لان تعذر الرد لحق الشرع ولهذا رجع بالنقصان وان باعها بعد العلم بالعيب لان الرد ممتنع لمكان الزيادة سواء رضي البائع بذلك أم لم يرض ولايقال قبل رد الاصل الزيادة تسلم للمشترى مبيعا بلا ثمن فكذلك بعد رد الاصل لان قبل رد الاصل الزيادة تبع فتكون الزيادة بمقابلة الاصل يعنى عن اعتبار الثمن بمقابلة المبيع فإذا تعذر رد الاصل بالعيب فقد انفسخ العقد فيه فالزيادة بعد ذلك لا تكون تبعا للاصل وإذا صارت مقصودة ولا يقابلها ثمن كانت ربا ولهذا يرد الاصل بالعيب بعد هلاك الزيادة لان المانع زيادة كانت تبقي للمشترى مبيعا بلا ثمن وقد انعدم ذلك إذا هلك من غير صنع أحد وان استهلكها أجنبي غرم بدلها فسلامة البدل للمشترى كسلامة الاصل وان كان المشترى هو الذي استهلكها فلانه حابس لها باستهلاكه أو لانه استفاد البراءة عن الضمان بملكه فيها وذلك بمعنى عوض سلم إليه منها فمنفعة ذلك من ردها بالعيب بخلاف الموهوبة لان بعد الرجوع في الاصل هناك الزيادة تبقى للموهوب له بغير عوض والاصل كان سالما له موهوبا بغير عوض ولم يكن له ذلك ربا فكذلك الزيادة وهذا لان حكم الربا انما يثبت في المعاوضات دون التبرعات * قال (وإذا اشترى عبدا فوجده مخنثا أو سارقا أو كافرا له ان يرده) والاصل ان مطلق العقد يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب لما روى أن النبي ﷺ اشترى من العداء بن خالد عبدا وكتب في عهدته هذا ما اشترى محمد رسول الله من
[ 106 ] العداء بن خالد بن هودة عبدا لاداء ولاغائلة ولاخبثة بيع المسلم من المسلم ففى هذا تنصيص على ان البيع يقتضى سلامة المبيع عن العيب وتفسير الداء فيما رواه الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله المرض في الجوف والكبد قال المرض ما يكون في سائر البدن والداء ما يكون في الجوف والكبد والرئة وفيما روى عن أبى يوسف قال الداء المرض والغائلة لا تكون من قبل الافعال كالاباق والسرقة والخبثة هو الاستحقاق وقيل الجنون ثم المرجع في معرفة العيوب إلى عرف التجار وفي كل شئ انما يرجع إلى أهل تلك الصنعة فما يعدونه عيبا فهو عيب يرد به أو ما ينقص المالية فهو عيب لان المقصود بالبيع الاسترباح وذلك بالمالية فما ينقص المالية فهو يمكن خللا في المقصود وذلك عيب يرد به وإذا وجد العبد مخنثا فهذا مما يعده التجار عيبا فيمكن نقصانا في ماليته وفيما هو المقصود بملك العبد وهو الاستعمال في الاعمال الشاقة وكذلك ان وجده سارقا فان ذلك يخل بمقصوده لانه لا يمكنه استخدامه اذلا يأتمنه على ماله ويشق عليه حفظ ماله عليه آناء الليل والنهار وان سرق مال الغير يقطع بسببه وكذلك ان وجده كافرا كان له أن يرده اذلا عيب تبلغ درجته درجة الكفر وهذا لانه ربما يحتاج إلى استخدامه في الامور الدينية نحو اتخاذ الماء لطهوره وحمل المصحف إليه والكافر نجس لايؤدي الامانة في الامور الدينية ولو اشتراه بشرط انه كافر فوجده مسلما لم يكن له ان يرده عندنا وقال الشافعي له أن يرده لانه وجده بخلاف شرطه وله في هذا الشرط غرض فربما قصده ان يستخدمه في المحقرات من الامور ولا يستخير من نفسه أن يستخدم المسلم في مثله فإذا فات عليه مقصوده يمكن من رده وأصحابنا رحمهم الله قالوا الكفر عيب فذكره في العقد لا يكون على وجه الشرط بل على وجه التبرى من العيب فكأنه اشتراه على انه معيب فإذا هو سليم وهذا لانه وجد أزيد مما شرط وثبوت حق الرد لدفع الضرر عن نفسه فإذا وجده أزيد مما شرط فلا حاجة إلى دفع الضرر عن نفسه باثبات حق الرد له * قال (وان وجد الغلام زانيا لم يكن له أن يرده بالعيب عندنا وقال الشافعي له ان يرده) لان عيب الزنا كعيب السرقة أو فوقه ألا ترى ان في الجارية كل واحد منهما عيب فكذلك في الغلام ولكنا نقول اشتراه على انه فحل فوجده أفحل ثم الذي به ليس الا تمنى الزنا فان تمنى الزنا معدوم في حقه فان فعل الزنا لا يتهيأ للعبد الا بمال ولا مال له بخلاف الجارية ثم المقصود من العبد
[ 107 ] الاستخدام في أمور خارج البيت وزناه لا يخل بمقصود المولي وأما في الجارية فالمقصود هو الاستفراش وزناها يخل بهذا المقصود فانها تلوث عليه فراشه وقيل في الغلام إذا صار ذك عادة له بحيث لا يصبر عنه فله ان يرده لانه يتمكن الخلل في مقصوده فكلما يوجهه في حاجته ذهب في متابعة هواه فهو كالسرقة فانها تخل بالاستخدام من الوجه الذي قلنا وكذلك ان وجد العبد ولد زنا لم يكن له أن يرده لان هذا لا يخل بمقصوده من الاستخدام ولان أكثر المماليك بهذه الصفة لا تعرف انسابهم فاما الجارية إذا كانت ولد زنا فله أن يردها لان ذلك يخل بمقصوده منها وهو الاستيلاد فان ولده يعير بامه إذا كانت ولد زنا وعلى هذا الغلام إذا لم يكن مختونا أو الجارية إذا لم تكن مخفوضة ففى الحلية من دار الحرب هذا لا يكون عيبا لانا لا نعلم انهم لا يفعلون ذلك وفي المولد لا يكون عيبا في الصغير أيضا ويكون عيبا بعد البلوغ لان المولد في دار الاسلام لا يترك كذلك حتى يبلغ والتجار يعدون ذلك عيبا في المولد * قال (والثؤلول عيب إذا كان ينقص الثمن وان كان لا ينقصه فليس بعيب) لانه لا يخل بالمقصود فيعتبر نقصان المالية بسببه والخال كذلك فقد يكون الخال رتبة لا تنقص من المالية وهو ما إذا كان على الخد وقد يشينه إذا كان على رأس الارنبة وذلك ينقص من المالية فلهذا يعتبر فيه أن ينقصه من الثمن * قال (والصهوبة في الشعر عيب) لان التجار يعدونه عيبا وكذلك الشمط فان الشمط في أوانه من الهرم والهرم عيب وفي غير أوانه ومن داء في الباطن وهو عيب ثم اللون المستوى للشعر السواد فما سوى ذلك إذا كان ينقص من الثمن ويعده التجار عيبا ثبت به حق الرد قال والبخر عيب في الجارية وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون من داء وهو نتن الفم وهذا يخل بما هو المقصود من الجارية وهو الاستفراش ولا يخل بما هو المقصود من الغلام لانه يستخدمه بالبعد من نفسه الا أن يكون من داء فالداء نفسه عيب * (قال) والذفر كذلك وهو نتن الابط وهو يخل بالمقصود من الجارية دون الغلام الا أن يكون فاحشا لا يكون في الناس مثله فهذا يكون لداء في البدن وهو ينقص الثمن قال والبجر عيب وهو انتفاخ تحت السرة وبه سمى بعض الناس ابجر وهو يكون لداء في البدن ويعده التجار عيبا والادرة عيب وهى عظم الخصيتين وانما يكون ذلك لداء في البدن وفي بعض النسخ الآذن عيب وهو الذي يسيل من منخره الماء ومنه قول القائل.
[ 108 ] وترى الذنين على مناخرهم يوم الهياج كمارن النمل وذلك يستقذر منه ولايكون الا لداء في الدماغ واليسر عيب وهو الذي يعمل بيساره ولا يستطيع ان يعمل بيمينه الا أن يكون اعسر يسر وهو الاضبط الذي يعمل باليدين وقد كان عمر رضي الله عنه بهذه الصفة فحينئذ يكون زيادة وليس بعيب * قال (والعشي عيب) وهو ضعف في البصر حتى لا يبصر من شدة الظلمة أو شدة الضوء ومنه يسمى الاعشي * والعسم عيب وهو يبوسة وتشنج في الاعصاب منه أصل العرج والسن السوداء عيب لانه لا ينتفع به وهو يشين صاحبه والسواد في السن دليل موت السن عند من يقول في السن حياة وكذلك السن الساقطة عيب ضرسا كان أو غيره لانه ينقص من الثمن ويعده التجار عيبا ثم سقوط السن فيما لا يبدو منها كالطواحين ينقص من المنفعة وفيما يبدو منها كالضواحك وفي الاصل كالنواجذ ينقص من الجمال ولهذا وجب الارش إذا قلع من الغير وأفسد المنبت * قال (والظفر الاسود عيب إذا كان ينقص الثمن) لانه ينقص من الجمال والسواد في الظفر دليل موته كما في السن وانما يشترط هذه الزيادة لان ذلك قد لا ينقص من الثمن فيمن هو اسود اللون كالحبشي وانما ينقص فيمن هو أبيض اللون كالاتراك وإذا كان بحيث لا ينقص الثمن لا يثبت حق الرد به * والاباق مرة واحدة عيب من الصغير مادام صغيرا فإذا بلغ فليس ذلك بعيب الا أن يأبق بعد الكبر وهذا إذا كان بحيث يميز أما في الصغير جدا فهذا لا يكون عيبا لانه يضل ولايأبق والاباق يكون عن قصد منه وهو ليس من أهله ولكنه لا يهتدى إلى بيت مولاه فيضل كالدابة فاما إذا كان مميزا فالاباق والقصد إلى ذلك يتحقق منه وهو عيب فيه ما لم يبلغ فإذا بلغ زال ذلك وان أبق بعد البلوغ مرة فهو عيب لازم أبدا والسرقة كذلك * قال (والبول في الفراش كذلك في حق الصغير جدا لا يكون عيبا) لانه يكون من أمثاله عادة * وأما الجنون إذا وجد مرة فهو عيب لازم أبدا سواء وجد في حالة الصغر أو بعد البلوغ والفرق أن سبب الجنون واحد لا يختلف بالصغر والكبر وهو آفة في العقل فإذا وجد مرة فأثره يبقي فيه ما عاش وذلك يظهر في حماليق عينيه بمعرفة أهل البصر فيه وأما سبب الاباق والسرقة والبول في الفرش في حالة الصغر فمخالف لسبب هذه العيوب بعد البلوغ لان الاباق في الصغر سببه سوء الادب وحب اللعب وسببه بعد البلوغ التمرد وقلة المبالاة بالمولى وكذلك السرقة
[ 109 ] سببها قبل البلوغ قلة التأمل في عواقب الامور بسبب الصغر وبعد البلوغ سببها التمرد ولهذا لا يجب بها على الصبي ما يجب على البالغ وسبب البول في الفراش قبل البلوغ استرخاء في المثانة بسبب الصغر وسببه بعد البلوغ آفة في الآلة الماسكة فإذا وجد في حالة الصغر فهو عيب مادام صغيرا فإذا بلغ زال ذلك السبب فزال الحكم أيضا فإذا وجد بعد البلوغ فهو عيب لازم أبدا لان التجار يعدونه عيبا فهو ينقص من المالية والاباق سوى المالية فيه حكما فكان من أفحش العيوب * (قال والحبل في بنات آدم عيب) لانه ينقص المالية ويخل بالمقصود وليس بعيب في البهائم لانه يزيد في المالية * قال (والقرن عيب) وهو عظم في المأتى يمنع الوصول إليها وبه قضى شريح رحمه الله قال اقعدوها فان أصاب الارض فهو عيب * والرتق عيب وهو لحم في المأتى يمنع وصول الواطئ إليها * والعفل عيب وهو ان يكون في المأتى شبه الكيس لا يتلذذ الواطئ بوطئها وهذا كله يخل بالمقصود * قال (والبرص عيب) وهو معلوم يعده التجار عيبا فينقص من المالية * قال (والجذام عيب) وهو قبيح تحت الجلد يوجد نتنه من بعد وربما تنقطع الاعضاء به وهو أفحش العيوب قال ﷺ فر من المجذوم فرارك من الاسد * قال (والفتق عيب) وهو ريح في المثانة ربما يهيج بالمرء فيقتله ولايكون ذلك الا لداء في البدن * قال (والسلعة عيب) وهو القروح التى تكون في العتق ويسمى بالفارسية خوك وذلك لا يكون الا لداء في بدنه وربما يتلف بسببه وكل شئ ينقص الثمن في الرقيق والدواب فهو عيب لان المقصود في البيع الاسترباح فما ينقص من الثمن يكون خللا في المقصود * قال (والكى عيب) لانه انما يعفل ذلك لداء في البدن الا أن يكون سمة في بعض الدواب فان كان من ذلك شئ لا يعده التجار عيبا لايرد به قال (والفدع عيب) وهو في الكف زيغ في الرسغ بينه وبين الساعد وفي القدم كذلك زيغ بينه وبين عظم الساق وفي الفرس هو التواء الرسغ عن عرضه الوحشى وهو الجانب الايمن * قال (والفحج عيب) وهو في الفرس تباعد مابين الكعبين والا فحج من الآدمى الذي تتدانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتنفحج ساقاه * والدحس عيب وهو ورم يكون في اطراف حافر الفرس * قال (والصكك عيب) وهو ان يصطك ركتباه قال أبو عمر وأبو عبيد رحمهم الله الصكك في الرجلين في الكعبين * قال (والحنف عيب) وهو اقبال كل واحد من الابهامين إلى صاحبه وذلك ينقص من قوة المشى وقال ابن الاعرابي الاحنف الذي يمشى على ظهر قدميه * قال
[ 110 ] والصدف عيب وهو التواء في أصل العنق * قال (والشدق عيب) وهو وسع مفرط في الفم وفيه الحديث نهى رسول الله ﷺ عن التشدق في الكلام وهو مما يعده التجار عيبا ثم العيوب التى يطعن المشترى بها أنواع أربعة نوع منها يكون ظاهرا في موضع يراه القاضي وغيره ولا تسمع الخصومة في ذلك ما لم يره العيب لان قيام العيب عند الخصومة شرط لتوجه الخصومة وحقيقة معرفة ذلك بالمعرفة ممكن فإذا رآه القاضي فان كان عيبا لا يحدث مثله في مثل تلك المدة وقد علم القاضي وجوده عند البائع فيقضى بالرد إلا أن يدعى البائع أن المشترى علم به عند العقد ورضى به فحينئذ يحلف المشترى على ذلك ثم يرده وان كان شيئا مما يحدث مثله في مثل تلك المدة فالقول قول البائع ان العيب لم يكن عنده لان الحوادث انما يحال بحدوثها على أقرب الاوقات ومن ادعى تاريخا سابقا فعليه ان يثبته بالبينة فان أقام المشترى البينة على ان العيب كان عند البائع قضي بالرد وان لم يكن له بينة يحلف البائع ألبتة بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب وانما يذكر التسليم لجواز أن يكون العيب حدث بعد العقد قبل التسليم الا أنهم قالوا النظر للمشترى ينعدم إذا استحلفه بهذه الصفة فان العيب لو كان حادثا بعد العقد وقبل التسليم كان للمشترى حق الرد والبائع بار في يمينه بان العيب لم يكن موجودا عند العقد فالاحوط ان يحلفه بالله لقد سلمه بحكم هذا العقد إليه ولم يكن به هذا العيب قال الشيخ الامام عندي الاول أصح لان البائع ينفى العيب عند البيع وعند التسليم ولايكون بارا في يمينه إذا لم يكن العيب منتفيا في الحالين جميعا وانما يستحلف على الثبات لان استحلافه على فعل نفسه وهو التسليم كما لو التزمه بالعقد فان نكل عن اليمين فنكوله كاقراره وان حلف انقطعت المنازعة بينهما * ونوع من ذلك عيب لا يعرفه الا الاطباء فعلى القاضى ان يريه مسلمين عدلين من الاطباء لان علم ذلك عندهم وانما يرجع إلى معرفة كل شئ إلى من له بصر في ذلك الباب كما في معرفة القيمة والاصل فيه قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ولابد من العدد في ذلك لانه قول ملزم كالشهادة فإذا قالا العيب موجود فيه وقالا هو ممالا يحدث في مثل هذه المدة حكم بالرد بقولهما وان قالا قد يحدث ذلك حينئذ يحلف البائع كما بينا في الفصل الاول الا ان يقيم المشترى البينة على اقرار البائع أن العيب كان عنده * ونوع منه لا يعرفه الا النساء بان يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال فالقاضي
[ 111 ] يريها النساء لان النبي ﷺ أجاز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال والمرأة الواحدة تكفى لذلك بعد أن تكون حرة مسلمة فان كانتا اثنتين فهو أحوط وهذه المسألة معروفة في الطلاق والشهادات فان أخبرت بوجود العيب توجهت الخصومة لظهور السبب في الحال بقولها ولكن لا يثبت الرد بقول النساء وان كان ذلك مما لا يحدث في مثل تلك المدة لان هذه الزيادة يمكن الوقوف عليها لامن جهة النساء فلا يعتبر قول النساء فيها ولان شهادة النساء حجة ضعيفة لا يفصل الحكم بها ما لم تتأيد بمؤيد وذلك بنكول البائع فيستحلف حتى إذا انضم نكول البائع إلى شهادة النساء فسخ البيع وعن أبى يوسف انه يقضى بالرد بقول النساء لان شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه وقاس بالعنين إذا ثبتت البكارة بقول النساء بعد مضي السنة فانه يفرق بينهما وقد بينا الفرق بين الفصلين في كتاب النكاح وعن محمد قال ان كانت الخصومة قبل القبض يفسخ العقد بقول النساء وان كان بعد القبض لا يفسخ لان الحاجة إلى نقل الضمان من المشترى إلى البائع وشهادة النساء في ذلك ليست بحجة تامة * ونوع من ذلك ما هو حكمي كالاباق والسرقة والبول في الفراش فان القاضى لا يسمع خصومة المشترى في ذلك ما لم تقم البينة على وجود العيب عنده لان قيام العيب في الحال شرط لتوجه الخصومة ولا طريق لمعرفة ذلك الا بالبينة فان طلب المشترى يمين البائع على وجود ذلك العيب عنده فقد ذكر في الجامع أن على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يستحلف البائع بالله ما يعلم انه أبق عند المشترى أو سرق أو بال في الفراش وقد بينا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع الكبير وان يثبت وجود العيب عند المشترى فان كان اشتراه وقبضه وهو صغير والخصومة بعد البلوغ لم تسمع الخصومة في ذلك لان العيب الذي كان عند البائع قد زال وهذا عيب حادث عند المشترى قال (وان كان الخصومة في الصغر أو كان الشراء بعد البلوغ فالآن تسمع خصومة المشترى ويحتاج إلى اقامة البينة على الذي كان أبق عنده بعد ما بلغ قبل شرائه فان لم يكن له بينة يستحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه المشترى وما أبق ولاسرق ولا بال في الفراش منذ بلغ مبلغ الرجال وهذا استحلاف على الثبات لانه على التسليم الذي التزمه واليمين الاولى على العلم لانها على فعل الغير وفي ظاهر الرواية الجنون كذلك الا ان في الجنون يستحلف بالله لقد باعه وسلمه وماجن قط لما بينا ان الجنون إذا وجد مرة في
[ 112 ] الصغر أو الكبر فهو عيب لازم أبدا وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله قالوا في الجنون لا يشترط عوده عند المشترى لتوجه الخصومة لان أثر ذلك الذي كان قائم فيه على مابينا فالجنون بعد انقلاعه يعقب أثرا يظهر ذلك في حماليق عينيه وذلك يكفى لتوجه الخصومة بخلاف الابقاق والسرقة والبول في الفراش فانه ليس لما قد كان أثر في العين فلابد من عوده عند المشترى لتوجه الخصومة * قال (وان طلب البائع يمين المشترى بالله ما رضى بالعيب منذ علم به ولاعرضه على بيع حلفه على ذلك) لانه ادعى عليه مالو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه لرجاء نكوله * (قال والعزل عيب) وهو أن يعزل ذنبه في أحد الجانبين وذلك يكون عادة لا خلقة وانما يفعل ذلك إذا راث وربما يحول الذنب من جانب إلى جانب حتى يلطخ وركيه بالروث وذلك ليتقذر ويعد عيبا يرد به * قال (والمشش عيب) وهو شئ يشخص في وظيفه حتى يكون له حجم ليس له صلابة العظم قال الوظيف مستدق الساق قال (والحرد عيب) وهو كل ما حدث في عرقو به من تزيد أو انتفاخ عصب قال (والزوائد عيب) وهو اطراف عصب يتفرق عند العجانة وينقطع عندها ويلصق بها * والحرن عيب فمنهم من يقول الخزر وهو ضيق مفرط في العين والاظهر هو الحرن فانه ذكر في جملة عيوب الفرس وهو أن لا تنقاد للراكب عند العطف والسير وهو نوع من الجمح والجمح عيب يخل بالمقصود وخلع الرأس عيب * وهو ان يكون به حيلة يخلع رأسه من العذار وان شد عليه وهو مما يعد عيبا وربما بطل سببه وبل المخلاة عيب إذا كان ينقص الثمن وهو ان يسيل لعاب الفرس على وجه تبتل المحلاة به إذا جعلت على رأسه وفيها علفه وقيل ان يأخذ المخلاة بشفتيه فيرمى بها وهذا نوع من الجمح فهو عيب إذا كان ينقص الثمن والمهقوع عيب والهقعة دائرة في عرض زوره يعد عيبا ويتشاءم به ومنه يقال اتق الخيل الهقوع * والانتشار عيب وهو انتفاخ العصب عند الاتعاب والعصب الذي ينشر هي العجانة وتحرك السطا كانتشار العصب غير أن الفرس لانتشار العصب أشد احتمالا منه لتحرك السطا * والغرب عيب وهو ورم في الماق وربما يسيل منه شئ حتى قال محمد إذا كان ذلك سائلا فصاحبه في حكم الطهارة كصاحب الجرح السائل * والشتر عيب وهو انقلاب في الاجفان وبه كان يسمى الاشتر وهذا يمكن ضعفا في البصر * والحول عيب فانه يمكن ضعفا في البصر حتى يرى الاحول الشئ الواحد شيئين والحوص والفتل عيب وهو نوع من الحول إلا أنه إذا كان يمل إنسان
[ 113 ] العين إلى الجانب المقدم يسمى فتلا وإذا كان إلى الجانب المؤخر فهو الحوص * والطفر عيب وهو بياض يبدو في إنسان العين يسمى بالفارسية باحسه وذلك يمكن ضعفا في البصر وربما يمنع البصر أصلا * والشعر في جوف العين يكون عيبا لانه يضعف البصر * والجرب عيب سواء كان في العين أو في غير العين لان الجرب في العين يمكن ضعفا في البصر وفي غير العين يكون لداء في البدن * وكذلك الماء في العين عيب لانه يضعف البصر * وريح السبل عيب فانه يضعف البصر وربما يذهب به * والسعال القديم عيب إذا كان من داء اما القدر المعتاد منه فلا يعد عيبا فإذا كان قديما فذلك من داء في البدن والداء نفسه عيب * والاستحاضة عيب لان الاستحاضة لداء في البدن ثم سيلان الدم إذا كان مستداما فربما يصيبها ويقتلها * والتى يرتفع حيضها زمانا عيب لان ذلك لا يكون الا من داء في البدن ومنه يكون مواد المرض للمرأة فان الرطوبة إذا كانت تسيل منها في وقتها تكون صحيحة البدن وإذا لم تسل اصفر لونها ولانها إذا كانت لا تحيض فانها لا تحبل أيضا فعرفنا انه يخل بما هو المقصود منها * وإذا اشترى عبدا عليه دين لم يعلم به ثم علم بذلك فله ان يرده لان قيام الدين عليه مما يعده التجار عيبا وتكون ماليته مشغولة بحق الغرماء فهو عيب حكمي كعيب النكاح الا أن يقضى عنه البائع دينه أو يبرئه الغرماء منه فبذلك يزول العيب وزوال العيب قبل الخصومة يسقط حق المشترى في الرد اما إذا علم بالدين ثم اشتراه هل له أن يرده عند محمد لا استدلالا بسائر العيوب وعند أبى يوسف له أن يرده كما إذا كان مستحقا وهو عالم به له أن يرده كذلك هنا * وإذا اشترى جارية فوجدها محرمة فليس ذلك بعيب لان له أن يحللها عندنا وقال زفر ليس له أن يحللها ولكنه يردها بالعيب لانها دخلت في ملكه وهي بهذه الصفة فلا يكون له أن يحللها كما لو اشتراها وهى منكوحة لا يكون له أن يفسخ النكاح ولكنه يردها بالعيب ولكنا نقول المشترى قائم فيها مقام البائع وقد كان للبائع أن يحللها فإذا كانت أحرمت بغير اذنه حللها من غير كراهة وإذا كانت أحرمت باذنه فله أن يحللها وان كان ذلك مكروها لما فيه من خلف الوعد فكذلك المشترى ولايكره ذلك للمشترى لان خلف الوعد لا يوجد منه بهذا وبه فارق النكاح فهناك لم يكن للبائع أن يفرق بينهما بعد صحة النكاح فكذلك للمشترى وهذا لان لزوم النكاح لحق الزوج وقد كان مقدما على حق المشترى فاما
[ 114 ] لزوم الاحرام فلحق الشرع وحق الآدمى في المحل مقدم فلهذا كان للمشترى ان يحللها وإذا تمكن من ازالة العيب فليس له أن يردها به * وان كانت في عدة من زوج فان كان الطلاق رجعيا وله أن يردها كان النكاح قائما والزوج يستند بالرجعة الا إذا انقضت العدة قبل الخصومة فحينئذ لا يردها لزوال العيب * وان كانت العدة من طلاق بائن أو موت فليس هذا بعيب لان هذا مما لا يعده التجار عيبا فالعيب هو النكاح وقد انقطع والحرمة بهذا السبب نظير الحرمة بسبب الحيض كما أن ذلك لا يكون عيبا فهذا مثله * وإذا وجد بالجارية عيبا فاراد أن يردها فقال البائع ما هذه بجاريتي فالقول قوله مع يمينه لان العيب لا يمنع تمام القبض والرد بحكمه لا ينفرد المشترى به من غير قضاء ولا رضا فالمشترى يدعى ثبوت حق الرد له في هذا المحل والبائع ينكر والقول قوله مع يمينه بخلاف ما سبق من خيار الشرط والرؤية * وان اشتراها على انها بكر فقال وجدتها ثيبا لا يصدق على ذلك الا ببينة لان البكارة في النساء أصل فالمشترى يدعى عارضا ليثبت لنفسه حق الرد به فهو بمنزلة دعوى العيب فلا يصدق عليه الا ببينة * قال وإذا اشترى جوزا أو بيضا فوجده فاسدا كله وقد كسره فله أن يرده ويأخذ الثمن كله أما البيض فالفاسد منه ليس بمال متقوم إذ هو غير منتفع به ولاقيمة لقشره فتبين ان أصل البيع كان باطلا وأما الجوز فالمقصود منه اللب دون القشر ولا قيمة لقشره في المواضع التى يكثر فيها الحطب وفي المواضع التى يندر فيه الحطب فان كان لقشرة قيمة لكن مالية الجوز قبل الكسر باعتبار اللب دون القشر فإذا كان حادثا أو منتن اللب لا يصلح للانتفاع به فكان البيع باطلا فأما إذا كان قليل اللب أو اسود اللب فهذا بمنزلة العيب فإذا وجده كذلك بعد الكسر رجع بنقصان العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي يرده وكذلك البطيخ والقرع والفاكهة إذا وجدها فاسدة كلها بعد ما يكسرها فان كانت لاتساوى شيئا رجع بجميع الثمن لانه تبين بطلان البيع وان كانت بحيث يأكلها بعض الناس أو تصلح لعلف الدواب يرجع بحصة العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي له ان يرده لانه لا يتمكن من الرد الا بعد العلم بالعيب ولا طريق له إلى معرفة العيب سوى الكسر ولا يصير ذلك مانعا حقه في الرد وهذا لان دفع الضرر عن المشترى واجب بحسب الامكان والبائع هو الذي سلطه على الكسر فكأنه فعل ذلك بنفسه ولكنا نقول الكسر عيب حادث بفعل المشترى
[ 115 ] وذلك يمنعه من الرد كما لو تعيب المبيع بعيب آخر وهذا لان الرد لدفع الضرر عن المشترى وانما يتمكن منه على وجه لا يلحق الضرر بالبائع ثم مراعاة جانب البائع أولى فان حق المشترى لا يبطل أصلا ولكن يرجع بنقصان العيب من الثمن والضرر الذي يلحق البائع بالرد لا يمكن دفعه بعوض فلهذا رجحنا جانبه وهذا إذا وجد الكل فاسدا فان وجد البعض بهذه الصفة فالكلام في حصة ذلك كالكل إذا وجده فاسدا الا ان في الجوز إذا كان الفاسد منه مقدارا مالا يخلو الجوز منه عادة كالواحدة والاثنتين في كل مائة فليس له ان يخاصم البائع لاجله لانه عند الاقدام على الشراء راض به على الوجه المعتاد والجوز في العادة لا يخلو عن هذا فلا يخاصم فيه لاجل ذلك * قال وإذا اشترى عبدا قد حل دمه بقصاص أو ردة فقتل عند المشترى رجع على البائع بالثمن كله في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقوم حلال الدم وحرام الدم فيرجع بتفاوت مابين القيمتين من الثمن لان العبد بعدما حل دمه مال متقوم وحل الدم عيب فيه * ومن اشترى شيئا معيبا وتعذر عليه رده بعد ما قبضه رجع بحصة العيب من الثمن كما لو كان زانيا فجلد عند المشترى ومات وبيان الوصف أن بيع حلال الدم صحيح وبالقبض ينتقل إلى ضمان المشترى بدليل أنه لو مات كان الثمن متقررا على المشترى ولو تصرف فيه المشترى نفذ تصرفه فيه ولو كان عالما حين اشتراه أنه حلال الدم لم يرجع بشئ فعرفنا أن حل الدم عيب فيه (يوضحه) ان البيع يرد على محل غير مستحق بسبب حل الدم فالمستحق به النفس وانما يملك بالبيع المالية ومحل الدم لا يعدم المالية ولا يصير يستحقه وانما تلفت المالية باستيفاء القتل وذلك فعل أنشأه المستوفى باختياره بعد ما دخل المبيع في ضمان المشترى بخلاف ما إذا استحق المبيع بملك أو حق رهن أو دين لان المستحق هناك ما تناوله البيع فينقص به قبض المشترى من الاصل وفي الكتاب استدل بما لو اشترى حاملا وقبضها فولدت وماتت في نفاسها لم يرجع بجميع الثمن وان كان أصل السبب في يد البائع وعذركم أن الغالب في الولادة السلامة يشكل على أصل أبى حنيفة بالجارية المغصوبة إذا حبلت ثم ردها الغاصب فماتت في نفاسها يرجع المغصوب منه على الغاصب بقيمتها وفي هذا الفرق نوع تناقض وأبو حنيفة يقول زالت يد المشترى عن المبيع لسبب كانت الازالة مستحقة في يد البائع فيرجع بالثمن كما لو استحقه مالك أو مرتهن أو صاحب دين وهذا لان الازالة
[ 116 ] لما كانت مستحقة قبل قبض المشترى ينتقض بها قبض المشتري من الاصل فكأنه لم يقبضه وانما قلنا ذلك لان القتل بسبب الردة مستحق لا يجوز تركه وبسبب القصاص مستحق في حق من عليه الا ان ينشئ من هو له عفوا باختياره والبيع وان كان يرد على المالية ولكن استحقاق النفس بسبب القتل والقتل متلف للمالية في هذا المحل فكان في معنى علة العلة وعلة العلة تقام مقام العلة في الحكم فمن هذا الوجه المستحق كانه المالية ولاتصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية والنفسية مستحقة بالسبب الذي كان عند البائع فيجعل ذلك بمنزلة استحقاق المالية لان ما لا ينفصل عن الشئ بحال فكأنه هو ولاتصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية الا ان استحقاق النفسية في حكم الاستيفاء فقط وانعقاد البيع صحيحا وراء ذلك وإذا مات في يد المشترى فلم يتم الاستحقاق في حكم الاستيفاء فلهذا هلك في ضمان المشترى وإذا قبل فقد تم ذلك الاستحقاق ولا يبعد أن يظهر الاستحقاق في حكم الاستيفاء دون غيره كملك الزوج في زوجته وملك من له القصاص في نفس من عليه القصاص لا يظهر الا في الاستيفاء حتى إذا وطئت المنكوحة بالشبهة كان المهر لها وإذا قتل من عليه القصاص إنسان فالدية تكون لورثته دون من له القصاص وهذا بخلاف الزنا وزنا العبد لا يصير نفسه مستحقة وانما المستحق عليه ضرب مؤلم واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل وإذا اشتراه وهو يعلم محل دمه ففى أصح الروايتين عن أبى حنيفة يرجع بالثمن أيضا إذا قتل عنده لان هذا بمنزلة الاستحقاق وفي الرواية الاخرى لا يرجع لان حل الدم من وجه كالاستحقاق ومن وجه كالعيب حتى لايمنع صحة المبيع فلشبهه بالاستحقاق قلنا عند الجهل به يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب قلنا لا يرجع عند العلم بشئ لانه انما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشترى وقد اندفع حين علم به وأما الحامل فهناك السبب الذي كان عند البائع يوجب انفصال الولد لاموت الام بل الغالب عند الولادة السلامة فهو نظير الزانى إذا جلد وليس هذا كالغصب لان الواجب على الغاصب فسخ فعله وهو ان يرد المغصوب كما غصب ولم يوجد ذلك حين ردها حاملا وهنا الواجب على البائع تسليم المبيع كما أوجبه العقد وقد وجد ذلك ثم ان تلف بسبب كان الهلاك مستحقا به عند البائع ينتقض قبض المشترى فيه وان لم يكن مستحقا لا ينتقض قبضه فيه وعلى هذا الاصل لو كان العبد سارقا فقطعت يده عند
[ 117 ] المشترى رجع بحصة العيب من الثمن عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بان يقوم سارقا وغير سارق وعند أبى حنيفة يرجع بنصف الثمن لان قطع اليد كان مستحقا عليه بسبب كان عند البائع واليد من الآدمى نصفه فينتقض قبض المشترى في النصف فيكون المشترى بالخيار ان شاء رجع بنصف الثمن وان شاء رد ما بقى ويرجع بجميع الثمن على البائع كما لو قطعت يده عند البائع * وان مات العبد من ذلك قبل ان يرده لم يرجع الا في نصف الثمن لان النفس ما كانت مستحقة في يد البائع ألا ترى ان على الامام أن يتحرز عن السراية بان لا يقطع في البرد الشديد ولافي الحر الشديد وأن يحسم بعد القطع فقبض المشترى لا ينتقض في النصف الباقي وان سرى * قال وان اشترى جارية وعبدا فزوجهما ثم وجد بهما عيبا لم يكن له أن يردهما لان النكاح فيهما عيب حادث عنده فان أبانها ولم يكن دخل بها كان له ان يردهما لزوال العيب الحادث عنده ولم يجب المهر بهذا النكاح فان المولى لا يستوجب على عبده دينا * قال وإذا شهد شاهد أنه اشترى هذا العبد وهذا العيب به وشهد آخر على اقرار البائع به لم تجز الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به فاحدهما يشهد بقول والآخر بعيب معاين وليس على واحد من الامرين شهادة شاهدين * ولو باع عبده من نفسه بجارية ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها ويأخذ منه قيمة نفسه في قول أبى حنيفة الآخر وهو قول أبى يوسف رحمهما الله وكان يقول أو لا يرجع بقيمة الجارية وهو قول محمد وكذلك لو ماتت قبل أن يقبضها المولى واستحقت وكذلك لو حدث بها عيب عند المولى حتى تعذر ردها بالعيب ففى قوله الآخر يرجع بحصة العيب من قيمة العبد وفي قوله الاول من قيمة الجارية * وجه قوله الاول ان هذا مبادلة مال بما ليس بمال فعند الاستحقاق والرد بالعيب يكون رجوعه بقيمة ما هو بدل له كما في النكاح والخلع والصلح من دم العمد إذا استحق البدل وكان بعينه رجع بقيمته وبيان الوصف أن الذي من جهة المولى في هذا العقد الاعتاق فان بيع العبد من نفسه اعتاق وذلك ليس بمال والدليل عليه أن الحيوان يثبت دينا في الذمة بمقابلته فان العبد يعتق على ملك المولى حتى يكون الولاء له وان الوكيل من جانب المولى في هذا العقد لا يكون له قبض البدل ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد انه لا يملك الرجوع عنه * والاجل إلى الحصاد ونحوه يثبت في بدله وان البدل لايرد الا بالعيب الفاحش عرفنا
[ 118 ] أنه في حكم مبادلة مال بما ليس بمال وتأثيره وهو أن استحقاق الجارية لوردها بالعيب لا ينفسخ العقد فكيف ينفسخ وقد عتق العبد فإذا لم ينفسخ فقد تعذر تسليم الجارية مع قيام السبب الموجب للتسليم فتجب قيمتها واستدل بالكتابة فانه لو كاتبه على جارية بغير عينها فاداها وعتق ثم وجد المولى بها عيبا ردها وأخذ مثلها صحيحة فان حدث بها عيب عند المولى رجع بنقصان العيب من قيمة الجارية وكذلك في بيع العبد من نفسه بجارية * ووجه قوله الآخر أن المولى أزال عن ملكه ما لا بازاء مال فإذا لم يسلم ما بذل له رجع بقيمة ما بذل كما لو باعه من فرسه بجارية فعتق على القريب ثم استحقت الجارية رجع المولى بقيمة العبد * وبيان الوصف أن يقول تصرف المولى باعتبار ملكه وليس له في العبد الا ملك المالية الا أن ازالة ملك المالية إذا لم تكن إلى مالك يكون موجبا عتق العبد فاما تصرف المولى من حيث الازالة فتلاقى ملكه وملكه ملك المالية * وتحقيق هذا الكلام ان في حق ما يسلم للعبد في هذا في معنى مبادلة المال بما ليس بمال لان الذى سلم للعبد العتق وهو ليس بمال وفيما يزيله المولى عن ملكه هذا مبادلة المال بالمال فعند الاستحقاق والرد بالعيب مراعاة جانب المولى أولى لان الحاجة في دفع الضرر عن المولى فاما العتق فسالم للعبد بكل حال ولان العتق للعبد يبنى على ازالة المولى ملكه فيعتبر ما هو الاصل وباعتباره هذا مبادلة مال بمال ألا ترى أنه إذا أعتق عبدا على خمر يجب على العبد قيمة نفسه وما كان ذلك الا بالطريق الذي قلنا فكذلك إذا استحق البدل أو هلك قبل التسليم وقوله ان السبب لم ينفسخ على احدى الطريقتين يقول في حق المولى قد انفسخ السبب ولان في حقه مبادلة المال بالمال ولكن يتعذر عليه استرداد العبد لنفوذ العتق فيجب رد قيمته كالمدبر إذا مات المولى وعليه دين مستغرق أو قتله مولاه تبطل وصيته ولكن يتعذر رده إلى الرق فيجب عليه السعاية في قيمته وعلى الطريق الآخر يقول لا ينفسخ السبب ولكن لم يسلم للمولى العوض فيرجع بمثله ومثل الجارية بحكم هذا العقد ما هو عوضها وهو مالية العبد فانما يرجع بقيمة العبد بهذا بخلاف النكاح فان عوض الصداق هناك ليس بمال متقوم ليكون الرجوع بماليته فلهذا صرنا إلى قيمة الصداق هناك وفى الكتاب قيل الجواب قول محمد فان من عادته الاستشهاد بالمختلف لايضاح الكلام ولئن سلمنا فنقول بدل الكتابة ليس بمقابلة رقبة المكاتب بل بمقابلة ما يسلم للمكاتب
[ 119 ] لعقد الكتابة وهو كونه أحق بنفسه ومكاسبه وذلك ليس بمال فلهذا كان الحكم فيه بمنزلة الحكم في النكاح وهنا بدل الجارية مالية العبد في حق المولى فإذا لم يسلم له الجارية كان رجوعه بمالية العبد وهو قيمته وإذا باع رجل جارية رجل بأمره ثم خوصم في عيب فقتلها بغير قضاء قاض فانها تلزم البائع دون الآمر لان هذا بمنزلة الاقالة في انه يعتمد تراضيهما فالاقالة في حق الموكل كالبيع الجديد فكان الوكيل اشتراها ابتداء قال الا أن يعلم أن مثله لا يحدث فيلزم الآمر لانا تيقنا بوجود العيب عند الآمر وانما لم يشتغل الوكيل بالخصومة لانه لم ير فيها فائدة وفي كتاب الوكالة والمأذون قال لا يلزم الآمر على كل حال وهو الاصح لما قلنا ان هذا بمنزلة الاقالة وفي هذا المعنى لافرق بين العيب الذي يحدث مثله أو لا يحدث وان أبى البائع أن يقبلها فخاصمه المشترى إلى القاضي فأقر عنده بالعيب كان اقراره عند القاضي وعند غيره سواء لا يلزم الامر الا في عيب لا يحدث مثله * ومعنى هذا الكلام أن في العيب الذي لا يحدث مثله رد القاضي باقرار الوكيل وبالبينة سواء في انه يلزم الآمر لان الرد بقضاء القاضي فسخ وقد تيقنا بوجود سببه عند الآمر وان كان العيب يحدث مثله فاقرار الوكيل لا يكون حجة على الآمر ولكن يحتاج إلى أن يثبت على الآمر بالبينة أن العيب كان عنده ليردها عليه وان لم يكن له بينة فعلى الآمر اليمين على ذلك وان ردها القاضى على الوكيل ببينة أقامها المشتري فالبينة حجة على الآمر فيلزم الآمر فان ردها باباء اليمين من الوكيل فانها تلزم الآمر عندنا * وقال زفر هذا والاقرار سواء لان النكول بدل عن الاقرار وهو بمنزلة البدل فلا يكون حجة على الآمر ولكن الوكيل على خصومته مع الآمر كما في الاقرار. ألا ترى أن المشترى لو باع الجارية من غيره ثم ردت عليه بعيب بنكوله جعل هذا وما لو ردت عليه باقراره سواء في حق البائع الاول فكذلك في حق الوكيل ولكنا نقول الوكيل مضطر في هذا النكول لانه لا يمكن ان يحلف كاذبا إذا كان عالما بالعيب وانما اضطر إلى ذلك في عمل باشره للآمر فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بخلاف ما إذا أقر فانه غير مضطر إلى الاقرار لانه يمكنه ان يسكت حتى يعرض عليه الثمن ويقضي عليه بالنكول فيكون هو في الاقرار مختارا لا مضطرا وبخلاف المشترى الاول فانه مضطر في النكول ولكن في عمل باشره لنفسه فلا يرجع بعهدة عمله على غيره فان أنكر الآمر أن تكون الجارية التى باعها فالقول
[ 120 ] قوله مع يمينه لان الوكيل يدعى لنفسه حق الرجوع على الآمر بما يلحق من العهدة في هذا المحل والموكل منكر فالقول قوله مع يمينه الا أن يقيم البائع البينة انها هي الجارية التى باعها فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وإذا اشترى الرجل جارية لرجل بامره ثم وجد بها عيبا فله أن يردها بالعيب قبل أن يدفعها إلى الآمر من غير أمر الآمر عندنا * وقال ابن أبى ليلى ليس له ذلك لانها مملوكة للآمر فلا يملك اخراجها عن ملكه بغير أمره ولانها أمانة في يد الوكيل ويد الامين كيد صاحبها ولو كان سلمها إلى الآمر لم يردها بالعيب الا بأمره * وجه قولنا ان الرد بالعيب من حقوق العقد ولهذا اختص به الوكيل والعاقد في حقوق العقد مستبد به وان كان قد عقده لغيره ولانه في الحقوق كالعاقد لنفسه ألا ترى أن في الرد بخيار الشرط والرؤية لا تحتاج إلى استطلاع رأى الآمر فكذلك في الرد بخيار العيب بخلاف ما بعد التسليم إلى الآمر لانه لا يتمكن من ردها الا باعادتها إلى يده وليس له ولاية اثبات اليد عليها بغير رضا الآمر بعد ما سلمها إليه فاما قبل التسليم فهو لا يحتاج إلى ذلك ألا ترى ان المضارب يرد ما اشترى بالعيب وان كان رب المال غائبا والعبد المأذون يرد ما اشترى بالعيب وان كان مولاه غائبا فان ادعى البائع ان الآمر قد رضي بالعيب فطلب يمين الآمر أو يمين المأمور ما رضي بذلك الآمر لم يكن على واحد منهما في ذلك يمين عندنا * وقال ابن أبى ليلي لا يردها الوكيل ولا المضارب حتى يحضر الآمر أو رب المال فيحلف ما رضي بالعيب لان رضا الآمر ورب المال يسقط حق الوكيل في الرد بدليل أن البائع لو أقام البينة على ذلك وأقر به الوكيل لم يكن له أن يردها فإذا ادعى البائع سببا مسقطا لحقه في الرد استحق اليمين على من يدعي ذلك عليه كما لو ادعى الوكيل أنه قد رضى به * وجه قولنا أنه لا يمين على الوكيل في هذه الدعوى لانه لا يدعى البائع عليه الرضا فلو استحلف كان بطريق النيابة ولانيابة في اليمين ولا يمين على الآمر لان الاستحلاف يترتب على دعوى وخصومة ولم يجر بين البائع والآمر معاملة فلا يكون هو خصما له في دعوى الرضا بخلاف ما إذا أقام البينة فان الوكيل خصم للبائع وان كان نائبا عن الآمر واثبات الحق بالبينة على خصم هو ثابت صحيح وإذا أقر الوكيل فرضا الآمر باقراره لا يثبت ولكن اقراره حجة عليه وقد زعم أنه لا خصومة له مع البائع في هذا العيب فباعتبار زعمه تنقطع الخصومة * ولو أقر الوكيل على نفسه انه رضى بهذا العيب فذلك منه صحيح في حق
[ 121 ] نفسه دون الآمر كما لو أقر أن الآمر رضى بالعيب فالجارية تلزمه الا أن يقر الآمر بذلك أو تقوم بينة على ذلك أو يرضى بما رضى به الوكيل * قال وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضى أحدهما فهو على الخلاف الذي ذكرنا في خيار الرؤية والشرط وقول ابن أبى ليلى كقول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في أن له ذلك * قال وإذا اشترى عبدا بجارية وتقابضا ثم وجد بالعبد عيبا ومات عنده فانه يرجع بحصة العيب من الجارية فيقوم العبد صحيحا ويقوم وبه العيب فان كان ذلك ينقصه العشر رجع بعشر الجارية لان بدل العبد الجارية ألا ترى أنه لو كان قائما بعينه رده وأخذ الجارية والرجوع بحصة العيب من البدل يكون وكذلك الحيوان والعروض كلها إذا استحق أحد العوضين أو رد بالعيب فقد انفسخ العقد فيرجع بالبدل ان كان قائما وبقيمته ان كان هالكا لانه تعذر استرداده مع قيام السبب الموجب للرد وكذلك ما يكال أو يوزن ان كان بعينه فان فوات القبض فيه مبطل للعقد كما في العروض * ولو أقر المشترى به لانسان ولم يقم عليه بينة لم يرجع على البائع بشئ لان اقراره حجة في حقه دون البائع فهو في حق البائع متلف للسلعة باقراره وان استحق ببينة فقال البائع ليس هو عبدي الذي بعتك فالقول قوله مع يمينه لانه ينكر البيع في هذا العبد ولو أنكر جريان البيع بينهما أصلا كان القول قوله مع يمينه وكان على المشترى اثبات العقد بالبينة فكذلك إذا أنكر العقد في هذا المحل * قال وإذا اشترى خادما بكر حنطة وليس الكر عنده لم يجز لانه ان عين الكر وهو ملك غيره فهذا بيع ما ليس عند الانسان وان لم يعين فهو مجهول الصفة وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة فان قال بكر حنطة جيدة أو وسط ففى القياس لا يجوز هذا أيضا لانه في جانب الكر بائع وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز الا بشرائط السلم لما روى عن النبي ﷺ أنه نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لما روى عن النبي ﷺ انه اشترى جزورا بكري تمر ثم استقرضه فأعطاه اياه ولان المكيل أو الموزون إذا لم يكن بعينه فهو يثبت في الذمة ثمنا فكان شراء بثمن ليس عنده وذلك صحيح كالشراء بالدراهم والدليل على أنه ثمن جواز الاستبدال به قبل القبض والاستبدال بالمبيع قبل القبض لا يجوز عينا كان أو دينا فان وجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الكر ردها وأخذ كرا مثل كره * وكذلك لو كان ذلك الكر عند البائع بعينه كان له أن يرد كرا مثله لان
[ 122 ] ألا ترى أن البيع يستدعى محلا هو مال متقوم كالشراء فنفوذ بيعه دليل على أنه مال متقوم في حقه * وفي تصحيح البيع اظهار سلطان مالكيته ولم يكن في عينه من معنى الاستذلال شئ حتى يؤمر به شرعا فكذلك في تصحيح الشراء اثبات سلطان الملكية ولايكون في عينه من معنى الاذلال شئ وبهذا يتبين أن النهى ليس لمعنى في عين الشراء بل لمعنى في قصده وهو الاستخدام قهرا بملك اليمين ولا يمنع صحة الشراء كالنهي عن الشراء وقت النداء ولهذا ندب الولد إلى شراء أبيه مع أنه ممنوع من اذلاله لانه لا يقصد بشرائه الاستخدام ولو كان اثبات الملك بطريق الشراء عينه اذلالا لكان القريب ممنوعا عنه في قريبه لان كل طاعة لا تصل إليها الا بمعصية لا يجوز الاقدام عليها ثم تحقيق هذا الكلام أن بالشراء لاتتبدل صفة المحل لانه كان مملوكا قبل شرائه وبقى مملوكا بعد شرائه وانما تتحول الاضافة من المسلم إلى الكافر وهى اضافة مشروعة ألا ترى أنه يرث الكافر العبد المسلم وبالارث تتجدد الاضافة في حق الوارث ولكن لا يتبدل وصف المحل فلا يكون عينه اذلالا بخلاف الاسترقاق فبه تتبدل صفة المحل فيصير مملوكا بعد ان كان مالكا والمملوكية إذا قوبلت بالمالكية كانت المملوكية في غاية الذل والهوان وهذا غير مشروع للكافر على المسلم وكذلك النكاح لان بعقد النكاح يتجدد ثبوت المملوكية في المحل وكان ينبغى أن لا يثبت للمسلم على المسلمة الا أن لضرورة الحاجة إلى قضاء الشهوة واقامة النسل أثبت الشرع ذلك للمسلم على المسلمة فيبقى في حق الكافر اذلالا فلا يكون مشروعا للكافر على المسلمة ألا ترى أن ملك النكاح يبقى للكافر على المسلمة لانه ليس في ابقاء الملك تبديل صفة المحل فصار الشراء هنا في معنى الاذلال بمنزلة البقاء في ملك النكاح. يوضحه ان المحلية للنكاح باعتبار صفة المحل ولهذا لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية والمرتدة والاخت من الرضاعة والمسلمة ليست بمتحللة في حق الكافر فلانعدام المحل لا ينعقد النكاح ولكن يبقي لان فوات المحل عارض على شرف الزوال فيمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء كالفوات بسبب العدة وكذلك القبض الذي يتم به العقد ليس فيه معنى الاذلال لان ذلك يحصل بالتخلية وليس هذا نظير المحرم يشتري صيدا لان الصيد في حق المحرم محرم العين قال الله تعالى وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما فلم يكن مالا متقوما كالخمر في حق المسلم * ولهذا لا يجوز بيعه
[ 123 ] انه اشترى على ما ليس في ضمانه ونهى رسول الله ﷺ عن ربح ما لم يضمن وبيان ذلك ان الثمن لايدخل في ضمانه قبل القبض فإذا عاد إليه الملك الذي زل عنه بعينه وقى له بعض الثمن فهذا ربح حصل لا على ضمانه ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا اشتراه بمثل الثمن الاول أو أكثر فالربح هناك يحصل للمشترى والمبيع قد دخل في ضمانه ولا كذلك فيما إذا باعه من غيره لانه لا يحصل للمشترى هناك ربح الا على ضمانه وكذلك إذا اشتراه البائع الاول من المشترى الثاني لانه لم يعد إليه الملك المستفاد من جهته لان اختلاف أسباب الملك بمنزلة اختلاف أسباب الاعيان وقد قررنا هذا * وكذلك لو دخل في المبيع عيب ثم اشتراه البائع بأقل من الثمن الاول لان الملك لم يعد إليه على الهيئة التى خرج عن ملكه فلا يتحقق فيه ربح ما لم يضمن ولكن يجعل النقصان بمقابلة الجزء والذي احتبس عند المشترى سواء كان النقصان بقدر ذلك أو دونه حتى إذا كان النقصان نقصان السعر فهو غير معتبر في العقود لانه فتور في رغبات الناس فيه وليس فيه فوات جزء من العين فباعتباره لا يجوز شراؤه باقل من الثمن الاول * وكذلك لو اشتراه بجنس آخر غير جنس الثمن الاول فذلك جائز لان الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس فالفضل انما يظهر في التقويم والبيع لا يوجب ذلك بخلاف مااذا اشتراه بجنس الثمن الاول والفضل يظهر هناك من غير تقويم * ولو كان العقد الاول بالدراهم فاشتراه بالدنانير وقيمتها أقل من الثمن الاول فهو جائز في القياس وهو قول زفر لان الدراهم والدنانير جنسان بدليل انه لا يجرى الربا بينهما وفي الاستحسان هذا لا يجوز وهو مذهبنا لانهما جنسان صورة وجنس واحد معنى فالمقصود منهما واحد وهو الثمنية ولهذا جعلا في أغلب الاحكام كجنس واحد فباعتبار انهما جنسان صورة يصح هذا العقد وباعتبار انهما جنس واحد معنى لا يجوز هذا العقد وعند اجتماع المعنى الموجب للحل والموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة بقوله ﷺ ما اجتمع الحرام والحلال في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال ولان ثبوت هذه الحرمة لا حل الربا وباب الربا مبنى على الاحتياط * وكذلك لو اشتراه مملوك البائع الاول عبده أو مكاتبه بأقل من الثمن الاول لان تصرف المملوك لمالكه من وجه فكسب العبد لمولاه وللمولى في كسب مكاتبه حق الملك فهو كشراء البائع بنفسه لمكان حقه في المقصود بالعقدين وان اشتراه ولده أو والده أو زوجته فكذلك في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
[ 124 ] يجوز لان الاملاك بينهما متباينة فليس للولد في مال الوالد ملك ولاحق ملك فهو قياس ما لو اشترى أخوه وأبو حنيفة يقول ان كل واحد منهما يجعل بمنزلة صاحبه فيما يرجع إلى ملك العين ألا ترى ان شهادة أحدهما لصاحبه تجعل كشهادته لنفسه فكذلك شراء ابن البائع وأبيه كشراء البائع بنفسه وهو نظير الخلاف الذي سبق أن الوكيل بالبيع عند أبى حنيفة لا يبيع ممن لا تجوز شهادته له كما لا يبيع من نفسه ومملوكه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز بيعه منه كما يجوز من أخيه وغيره من القرابات * قال وان اشترى وكيل البائع بأقل من الثمن الاول جاز في قول أبى حنيفة ولايجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء على ما تقدم ان المسلم إذا وكل ذميا بشراء خمر له أو بيعها عند أبى حنيفة يجوز وينزل الوكيل في ذلك منزلة العاقد لنفسه فكذلك هنا الوكيل عنده كالعاقد لنفسه ثم الملك ينتقل إلى الموكل حكما فهو كما لو اشتراه لنفسه ثم مات فورثه البائع منه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هناك يعتبر حال الموكل ويجعل عقد الوكيل له كعقده لنفسه فهنا أيضا يجعل كذلك والموكل هنا بائع لا يجوز شراؤه بأقل من الثمن الاول فكذلك شراء الوكيل له الا أن أبا يوسف يسوى بين الفصلين ويقول هناك التوكيل باطل والوكيل يصير في الشراء عاقدا لنفسه فهنا أيضا يصير الوكيل مشتريا لنفسه شراء صحيحا ومحمد يفرق بينهما فيقول هناك الوكيل يصير مشتريا لنفسه وهنا يصير مشتريا للموكل شراء فاسدا حتى يصير بقبض الوكيل مضمونا بالقيمة على الموكل لان المسلم ليس من أهل العقد على الخمر حتى لو اشترى الخمر لنفسه لا يملك وان قبض فكذلك توكيله بالشراء باطل اما البائع هنا فمن أهل مباشرة هذا العقد حتى لو اشتراه بنفسه انعقد شراؤه فاسدا فكذلك إذا وكل غيره فيه لان التوكيل بالشراء الفاسد صحيح كالتوكيل بالشراء إلى الحصاد والدياس وبعد صحة الوكالة شراء الوكيل كشراء الموكل وقبض الوكيل للموكل فيصير مضمونا عليه بالقيمة ولكن أبو يوسف يقول متى أمكن تصحيح العقد لا يجوز إفساده إذ لا معارضة بين الفاسد والصحيح وهنا لو جعلناه مشتريا لنفسه كان الشراء صحيحا ولو جعلناه مشتريا للآمر كان الشراء فاسدا فينبغي أن يجعل مشتريا لنفسه شراء صحيحا وفيه شبهة على مذهب أبى حنيفة فانه قال ان البائع أو ابنه لا يشتريه لنفسه وما تحصل للبائع من الملك بشراء
[ 125 ] الوكيل فوق ما تحصل بشراء ابنه لنفسه وان جعل هذا نظير مسألة الخمر في الوكالة فكذلك ينبغى أن يجعل في شراء ابن البائع ومملوك البائع فان المسلم إذا كان له عبد مكاتب أو عبد مأذون كافر فاشترى خمرا جاز شراؤه * وذلك لو كان له أب كافر فاشترى خمرا يجوز شراؤه فمن هذا لوجه يشكل مذهب أبى حنيفة * قال الشيخ الامام الاصح عندي في ازالة هذا الاشكال أن المنع هنا لاجل العقد لا لاجل المعقود عليه بدليل ان أحد العقدين لو كان هبة كان كل واحد من العقدين صحيحا وكل من له الحق في العقدين جميعا لا يجوز منه الشراء كالبائع وليس للوكيل حق في العقد الاول فلهذا صح منه العقد الثاني وان كان حكمه يثبت للبائع فاما الاب والابن فلهما حق في العقدين فنزلا منزلة البائع في ذلك بخلاف مسألة الخمر فهناك المنع لانعدام صفة المالية والتقوم في الخمر وانما يعتبر ذلك في حق العاقد خاصة فإذا كان العاقد كافرا صح العقد سواء ثبت به حق الملك أو حقيقة الملك أو شبهة الملك لمسلم لان ذلك يثبت بطريق الحكم * قال ولو كان البائع والمشترى وكيلين في البيع الاول لم يجز للبائع أن يشترى باقل من الثمن الاول قبل النقد لا من المشترى ولامن موكله لان هذا المنع باعتبار العقد والعاقد لغيره في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك ليس لموكل البائع ان يشتريه من المشترى ولا من موكله لان وكيله انما باع له فهو بمنزلة بيعه بنفسه في المنع من الشراء ألا ترى أن من باع أو بيع له لا يثبت له حق الاخذ بالشفعة فكذلك لا يجوز شراؤه باقل من الثمن الاول قبل النقد وهذا لان الربح لا على ضمانه الذي يحصل له * قال وإذا باع بألف درهم نسيئة سنة ثم اشتراه بألف درهم بنسيئة سنتين قبل قبض الثمن لم يجز لان هذا في معنى شراء ما باع باقل مما باع فان الزيادة في الاجل تمكن نقصانا في مالية الثمن ألا ترى أن أصل الاجل يمكن نقصانا في المالية حتى يكون المؤجل أنقص من الحال ولهذا يثبت ربا النسأ شرعا فكذلك بزيادة الاجل يزداد النقصان في المالية فان زاد على الثمن درهما أو أكثر جاز لان الزائد في الثمن الثاني بمقابلة النقصان المتمكن بزيادة الاجل فينعدم النقصان به معنى والممتنع شراء ما باع بأقل مما باع فإذا لم يعلم أن الثمن الثاني أقل من الثمن الاول كان الشراء جائزا * قال وإذا باع الرجل طعاما بدراهم فلا بأس بأن يشتري بالثمن قبل أن يقبضه من المشترى ما بداله من العروض أو الطعام يدا بيد سواء كان أكثر من طعامه أو أقل إذا لم يكن طعامه بعينه لان
[ 126 ] الثمن دين لا يستحق قبضه في المجلس ويجوز الابراء عنه فيجوز الاستبدال به أيضا كبدل العروض والاصل في جواز الاستبدال بالثمن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث سأل رسول الله ﷺ فقال انى أبيع الابل بالنقيع وربما ابيعه بالدراهم وآخذ مكانها دنانير فقال ﷺ لا بأس ان افترقتما وليس بينكما عمل * قال وإذا كان لرجل على رجل دين إلى أجل وهو من ثمن مبيع فحط عنه شيئا على ان يعجل له ما بقى فلا خير فيه ولكن يرد ما أخذ والمال كله إلى أجله وهو مذهب عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يجوز ذلك ولسنا نأخذ بقوله لان هذا مقابلة الاجل بالدراهم ومقابلة الاجل بالدراهم ربا ألا ترى ان في الدين الحال لو زاده في المال ليؤجله لم يجز فكذلك في المؤجل إذا حط عنه البعض ليعجل له ما بقى والذي روى أن النبي ﷺ لما أجلى بنى النضير فقالوا ان لنا ديونا على الناس فقال ﷺ ضعوا وتعجلوا فتأويل ذلك ضعوا وتعجلوا من غير شرط أو كان ذلك قبل نزول حرمة الربا وهذا بخلاف المولى إذا صالح مع مكاتبه من الالف المؤجلة على خمسمائة على أن يعجلها له فذلك يجوز لان المكاتب ملكه ولاربا بين المملوك وسيده فما فيه شبهة الربا لا يعتبر بين المملوك والسيد وان كان يعتبر حقيقة الربا بينهما حتى لا يجوز بيع الدرهم بالدرهمين بينهما * يوضحه أن المولى يقصد بالكتابة الرفق بالمكاتب فكذلك في حط بعض البدل مقصوده الرفق به لا مبادلة الاجل بالدراهم وكذا لو زاده في بدل الكتابة ليزيده في الاجل جاز وينعدم هذا المعنى فيما بين الحرين * قال وإذا باع عبدا بنسيئة فباعه المشترى من رجل أو رهنه أو أوصى له به ثم اشتراه البائع من ذلك الرجل بأقل من الثمن الاول جاز لان هذا ملك متجدد ثبت للثاني بسبب جديد فهو كعين آخر يشتريه بأقل من الثمن الاول منه وفرق بين الموصى له وبين الوارث فان البائع لو اشتراه من وارث المشترى بأقل من الثمن الاول لا يجوز ذلك لان الوراثة خلافة وانما ينتقل إلى الوارث الملك الذي كان للمورث ولهذا يرده بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه ويجوز إقالة الوارث مع البائع * أما الموصى له فثبت له ملك بسبب متجدد ولهذا لا يرده بالعيب ولا يقبل العقد مع بائع الموصي ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي فلهذا جاز شراؤه منه بأقل من الثمن الاول وفرق بين ما إذا اشتراه له وارث البائع من المشترى بعد
[ 127 ] موت البائع وبين ما إذا اشتراه البائع من وارث المشترى وأبو يوسف يسوى بين الفصلين ويقول لا يجوز فيهما لان وارث البائع يقوم مقامه بعده كوارث المشترى ووجه الفرق على ظاهر الرواية ان الوارث يقوم مقام المورث فيما كان للمورث * وقد كان الملك في المبيع للمشترى فيخلفه وارثه فيه وما كان ملكه للوارث فيخلفه وارثه في ذلك ولكن هذا ملك يحصل لوارث البائع باكتسابه وهو ليس بخلف عن البائع في ذلك فيجعل شراؤه بعد موت البائع كشرائه في حياة البائع * قال وان اشتراه البائع من المشترى مع عبد آخر بثمن حصته منه أقل من الثمن الذي باعه لم يجز الشراء فيه كما لو اشتراه وحده بأقل من الثمن الاول ويجوز في العبد الاخر بحصته لانه لا مفسد للعقد في حصة العبد الآخر * وقد بينا عذر أبى حنيفة في الخلافيات أن هذا فساد ضعيف خفى ولهذا خفى على زيد بن أرقم رضى الله عنه فلا يعدو حكمه محله بخلاف مااذا كان الفساد ظاهرا بسبب الربا أو غيره ولايقال ينبغى ان يجعل بمقابلة ما باع مثل الثمن الاول احتيالا لتصحيح العقد لان هذا الوجه غير متعين للتصحيح فانه وان جعل بمقابلة أكثر من الاول يجوز العقد أيضا ولايقال قد جعل قبول العقد في ذلك شرطا لقبول العقد في الآخر وهو شرط فاسد فينبغي أن يفسد به العقد في الثاني كما هو مذهب أبى حنيفة في نظائر هذا لان قبول العقد في ذلك العبد ليس بشرط فاسد. ألا ترى أن ثمنه لو كان مثل الثمن الاول أو خلاف جنس الثمن الاول كان صحيحا وانما الفساد لاجل الربح الحاصل لا على ضمانه وهذا المعنى يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى إلى العقد في العبد الثاني * وان اشتراه البائع مع رجل آخر جاز شراء الأجنبي في نصفه كما يجوز شراؤه في الكل إذا اشتراه لنفسه واعتبار البعض بالكل اعتبار صحيح * وان كانت جارية فولدت عند المشترى ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الاول جاز ان كانت الولادة نقصتها كما لو دخلها عيب آخر عند المشترى بسبب آخر ولا يجوز ان لم ينقصها لان مادخل في ملك المشترى على هيئته كما كان فإذا اشتراها البائع بأقل من الثمن الاول يحصل له ربح لا على ضمانه * قال واذ اشترى الرجل جارية فولدت عنده لاقل من ستة أشهر من يوم شتراها فادعى البائع الولد وكذبه المشتري في ذلك لم تصح دعواه في القياس وهو قول زفر وصحت دعوته في الاستحسان وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله
[ 128 ] وجه القياس فيه أن البائع بهذه الدعوى يسعى في نقص ما تم به فلا يقبل ذلك منه كما لو زعم انه كان أعتقها قبل البيع وكما لو جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وكما لو مات الولد أو أعتق المشترى الولد ثم ادعى نسبه وهذا لانه مناقض في كلامه فاقدامه على بيعها اقرار منه أنها ليست بأم ولد له فإذا زعم بعد ذلك ان الولد ولده وانها أم ولد له كان مناقضا في ذلك والدليل عليه أن البائع لو ادعى نسب هذا الولد لم تصح دعواه باتفاق فلو جعل الحال بعد بيعها كالحال قبله في دعوى البائع فكذلك ينبغى ان يجعل في دعوى أبيه. وجه الاستحسان أنا تيقنا أن العلوق حصل في ملكه لان أدنى مدة الحبل ستة أشهر فلما وضعته لاقل من ستة أشهر عرفنا أن العلوق كان حاصلا قبل البيع وحصول العلوق في ملكه يثبت له حق استحقاق النسب بالدعوى وحق استلحاق النسب لا يحتمل الفسخ بحقيقة النسب فلا يبطل ذلك بالبيع وإذا لم يبطل كانت دعواه بعد البيع كدعواه قبله وهذا لان الشئ لا ينقضه ما هو دونه ونما ينقضه ما هو مثله أو فوقه والملك الثابت للمشتري دون حق استلحاق النسب للبائع فهذا يحتمل لرفع وذلك لا يحتمل فلا ينتقض به بخلاف ما إذا وضعته لستة أشهر فصاعدا فانا لا نتيقن هناك بحصول العلوق في ملك البائع وثبوت حق استلحاق النسب له والملك للمشترى متيقن به ولمتيقن به أقوى مما لا يتيقن فيه وبخلاف مااذا أعتق المشترى الولد لان ولاءه يثبت للمشترى بالعتق والولاء لا يحتمل النقض لحق استلحاق النسب فنتقض به ماكان من حق استلحاق النسب لان هذا مثله أو فوقه بخلاف مااذا مات الولد لان حق استلحاق النسب لمنفعة الولد وحاجته إلى النسب وهو بالموت قد استغنى عن ذلك وهو بخلاف ما لو ادعاه أبو البائع لانه بمجرد حصول العلوق في ملك البائع لا يثبت لابنه حق استلحاق النسب الا بشرط وهو ولاية نقلها إلى نفسه ألا ترى أن حق الدعوى لا يثبت للجد حال حياة الاب ويثبت له بعد موت الاب لان ولايته بعد موت الاب وهذا الشرط لا يوجد فيه بعد البيع لانها صارت مملوكة للمشترى فليس للاب ولاية نقلها إلى نفسه بالدعوى فلهذا تصح دعواه ثم التناقض لايمنع صحة استلحاق النسب ألا ترى أن الملا عن إذا اكذب نفسه يثبت النسب منه وهو مناقض في ذلك وهو لخفاء اثر العلوق قد يظن في الابتداء أنها لم تعلق منه فيبيعها ثم يتبين أنها علقت منه فيستدرك ذلك بدعوى النسب وحكم الحاكم باللعان وقطع النسب أقوى منه في بيعه إياها فإذا
[ 129 ] جاز ابطال حكم الحاكم بدعوى النسب وان كان هو ساعيا في نقض ماتم به فلان يجوز ابطال البيع أولى * وان ادعاه المشترى أولا ثم ادعاه البائع لم تصح دعوى البائع لان نسبه قد ثبت من المشتري فاستغنى به الولد عن النسب ولان النسب الذي يثبت من المشترى لا يحمل النقض فهو أقوى من الولاء الثابت له بالعتق * وقد بينا أن اعتبار الولاء يبطل حق الاستلحاق الثابت للبائع فاعتبار النسب أولى وان ادعياه معا فانه يثبت نسبه من البائع وتصير أم ولد للبائع وينتقض البيع فيها عندنا * وقال إبراهيم النخعي يثبت نسبه من المشترى لان للمشترى فيها حقية الملك وللبائع حق الملك وصاحب حقية الملك يترجح في الدعوى كما لو ولدت جارية رجل فادعى الولد هو وأبوه صحة دعوى المولى دون أبيه لهذا المعنى ولكنا نقول دعوى البائع سابقة معنى لانها تستند إلى وقت العلوق فان العلوق حصل في ملكه ودعوى المشترى لا تستند إلى تلك الحالة لانه يملكها بعد ذلك ولو سبق البائع بالدعوى كان النسب ثابتا منه فكذلك إذا سبقت معنى بخلاف مسألة الاب لان دعوى كل واحد منهما هناك تستند إلى ما تستند إليه دعوى الآخر الا أن شرط دعوى الاب نقلها إليه ولا يمكن اتحاد هذا الشرط إذا اقترنت دعوى المولى بدعواه * يوضح ما قلنا ان دعوى المشترى دعوى التحرير لان العلوق لم يكن حاصلا في ملكه ودعوى التحرير كالاعتاق اما دعوى البائع فدعوى استيلاء ولان العلوق كان في ملكه فيجعل هذا بمنزلة مالو ادعاه البائع وأعتقه المشترى معا فتكون دعوى البائع أولى * وأما إذا ولدته لاكثر من ستة أشهر فادعياه معا فدعوى المشترى أولى لانا لم نتيقن بحصول العلوق في ملك البائع هنا ولو انفرد بالدعوى لم يصح إذا لم يصدقه المشتري فإذا اقترنت دعوى المشترى بدعوى البائع فأولى ان لا تصح دعوى البائع * قال ولو أعتق المشترى الام ثم ادعى البائع الولد وقد جاءت به لاقل من ستة أشهر فنسبه يثبت من البائع لانه يحتاج إلى النسب فحل له بعد عتق الام ولكن لا ينقض عتق المشترى في الام للولاء الذي لم يثبت له عليها وهو مما لا يحتمل النقض وقد يجوز ان يثبت نسب الولد * وان كانت لا تثبت حق أمية الولد للام كما في ولد المغرور * وهذا بخلاف مالو أعتق الولد فان هناك دعوى البائع لا تصح في حق الام لان الولد هو المقصود والام تبع فإذا لم يمكن تصحيح دعواه فيما هو الاصل لا يشتغل بتصحيحه في البيع * فأما حق الام في الاستيلاد فبيع
[ 130 ] وتعذر ثبوت الحكم في البيع لايمنع ثبوت الحكم في الاصل فلهذا يثبت نسب الولد منه ويقسم الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فيرد البائع حصة الابن من الثمن وانما كان لهذا الولد حصة من الثمن وان انفصل بعد القبض لانه صار مقصودا بنقض العقد فيه فيكون بمنزلة الولد المقصود بالقبض فيكون له حصة من الثمن ولذك لو كانت ولدت قبل أن يبيعها ثم ادعى النسب بعد ما باعها فهذا وما سبق سواء * ولو اشتراها ثم باعها ثم ادعى المشترى الاول نسب الولد لم تصح دعواه لان أصل العلوق لم يكن في ملكه فدعواه فيه كدعوى التحرير ولا يعمل بعد زوال الملك ولو ادعاه البائع الاول صحت دعواه لان العلوق كان في ملكه والبيع الثاني في احتمال النقض كالاول فباعتبار الدعوى ينقض العقدان جميعا * ولو ولدت عنده ولدين في بطن واحد ثم باع أحدهما وأعتقه المشترى ثم ادعى البائع الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه لحاجتهما إلى النسب وبقي أحد الولدين في ملكه على حاله ثم ينتقض عتق المشترى في الولد الآخر حكما لانهما توأم خلقا من ماء واحد فمن ضرورة حرية الاصل لاحدهما حرية الاصل للآخر ومن ضرورة ثبوت حرية الاصل فيه انتقاض العتق والولاء الثابت للمشترى بخلاف ما سبق فيما إذا أعتق المشترى الام لانه ليس من ضرورة ثبوت النسب وحرية الاصل للولد انتقاض عتق المشترى في الام * يوضحه ان هناك لو نقض عتق المشترى عادت أم ولد للبائع فيطؤها بالملك بعد ماحكم بحريتها وذلك لا يجوز اما هنا لو نقضنا عتق المشترى في الولد أثبتنا فيه ما هو أقوى وهو حرية الاصل فهذا هو الفرق بينهما والله أعلم. (باب بيوع أهل الذمة) قال وإذا اشترى الذمي مملوكا مسلما صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى من مسلم أو ذمى جاز شراؤه في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله * وقال الشافعي لا يجوز شراؤه لقول الله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وفي اثبات الملك للكافر على المسلم سبب يكسبه اثبات أقوى السبيل له عليه. والمعنى فيه أن الكافر لايقر على تحصيل مقصود هذا العقد لحرمة الاسلام فلا يصح استدامته كنكاح المسلمة وبيان الوصف أن المقصود استدامة الملك ولهذا لا يصح البيع الا مؤبدا وهو ممنوع من استدامة الملك على المسلم لانه يجبر
[ 131 ] على بيعه فإذا لم يصح منه استدامة الملك على المسلم لا يصح مباشرة سبب الملك الدليل عليه أن اسلام المملوك مع كفر المالك يمنع استدامة الملك إذا طرأ فيمتنع ثبوت الملك إذا اقترن بالسبب كما في النكاح * وهذا لان الكافر ممنوع من استذلال المسلم وفي اثبات الملك له عليه استذلال المسلم ولهذا لا يسترق الكافر المسلم فكذلك لا يشتريه لان الثابت بالشراء له ملك متجدد بتجدد سببه * ولهذا لايرد بالعيب على بائعه فيكون هذا في المعنى كالاسترقاق * بخلاف الارث فانه يبقى للوارث الملك الذي كان للمورث * ولهذا يرث المسلم الخمر ولا يملك الخمر بالشراء * وبخلاف البيع لانه بالبيع يزول ملكه وذله على المسلم واكتساب سبب ازالة الذل غير ممنوع منه نما الممنوع منه اكتساب سبب الذل * وهذا النهى لمعنى في المنهى عنه فيكون مفسدا للعقد ألا ترى أن الكافر يطلق امرأته المسلمة ولا يصح عقد النكاح من الكافر على المسلمة * وهذا بخلاف الولد يشترى والده يجوز وان كان الولد ممنوعا عن اذلال والده لان بالشراء هناك تتم علة العتق فيتخلص به عن ذل الرق والامور بعواقبها فباعتبار المآل يصير هذا الشراء اكراما لا اذلالا ولهذا قلنا الابن الكافر إذا اشترى أباه المسلم يجوز وكذلك إذا قال الكافر لمسلم أعتق عبدك هذا على ألف درهم يجوز ويتملكه الكافر ثم يعتق عليه وهو نظير الفصد فهو جرح لا يجوز الاقدام عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء والذي يحقق ما قلنا انه بالشراء يتمكن من قبضه وفي اثبات اليد للكافر على المسلم على وجه يستفيد به ملك التصرف معنى الذل ولا يوجد ذلك في حق من يعتق عليه وان قلتم انه يمتنع من قبضه فيقول مالايتأتى فيه القبض بحكم الشراء لا يجوز شراؤه كالعبد الآبق وهذا لان فوات القبض إذا طرأ بهلاك المعقود عليه قبل التسليم كان مبطلا للعقد فإذا اقترن بالعقد منع انعقاد العقد والدليل عليه المحرم إذا اشترى طيبا لا يملكه لانه ممنوع من اثبات اليد عليه وكذا على الصيد لاحرامه فلا يملكه بالشراء كما لا يملكه بالاصطياد فكذلك الكافر في العبد المسلم. وحجتنا في ذلك العمومات المجوزة للبيع من الكتاب والسنة. والمعنى فيه ان الكافر يملك بيع عبده المسلم فيملك شراءه كالمسلم * وهذا لان صحة التصرف باعتبار أهلية التصرف وكون المحل قابلا للتصرف وما يصير به أهلا للتصرف يستوى فيه الكافر والمسلم * وانما يكون المحل محلا للتصرف لكونه مالا متقوما والعبد المسلم مال متقوم في حق المسلم والكافر جميعا
[ 132 ] حال المشتري مع البائع عند الفسخ كحال البائع معه عند العقد وقد كان للبائع على المشتري كرفي ذمته يعطيه المشتري من أي موضع شاء فكذلك البائع يفعله عند الفسخ * وكل ما يكال أو يوزن أو يعد في هذا الحكم سواء لما قلنا * قال ولو اشترى جارية بثوب ليس عنده لم يجز لان الثياب لا تثبت دينا في الذمة الا موصوفة ومؤجلة ولم يوجد ذلك وان كان الثوب بعينه فوجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الثوب ردها وأخذ قيمة الثوب لان الثوب ليس من ذوات الامثال وقد لزمه رد عينه حين رد عليه الجارية فإذا تعذر رده بالاستهلاك يلزمه قيمته كما في المغصوب * وإذا باع رجل شيئا بنقد أو بنسيئة فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز وان اشتراه باقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنا رحمهم الله استحسانا وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي لان ملك المشترى قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأى مقدار من الثمن باعه كما لو باعه من غير البائع ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك فكذلك إذا باعه منه بثمن يسير ولانه لو باعه من انسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الاول بأقل من الثمن الاول جاز فكذلك إذا باعه المشترى منه الا انا استحسنا لحديث عائشة رضى الله عنها فان امرأة دخلت عليها وقالت نى بعت من زيد بن أرقم جارية لى بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الاجل فقالت عائشة رضى الله عنها بئسما ماشريت وبئسما اشتريت الغى زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله ﷺ ان لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذرا فتلت قوله تعالى فمن جاءه. موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فهذا دليل على ان فساد هذا العقد كان معروفا بينهم وانها سمعته من رسول الله ﷺ لان أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد فعرفنا أن ذلك كالمسموع من رسول الله ﷺ واعتذار زيد رضى الله عنه إليها دليل على ذلك لان في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحدهم إلى صاحبه فيها ولايجوز أن يقال انما ألحقت الوعيد به للاجل إلى العطاء فان مذهب عائشة رضى الله عنها جواز البيع إلى العطاء وقد كرهت العقد الثاني بقولها بئسما اشتريت وليس فيه هذا المعنى عرفنا أنها انما كرهت لما قلنا وانما كرهت العقد الاول لانهما يطرقان به إلى الثاني والمعنى فيه
[ 133 ] عندنا فكذلك شراؤه فانما بطل ذلك التصرف لانعدام المحل بخلاف ما نحن فيه ولسنا نقول بأنه لايقر على مقصود هذا العقد بل يقر على مقصوده إذا أسلم ثم موجب الشراء اثبات الملك * فاما استدامة الملك فليس من موجبات العقد ولا يمنع صحة الشراء لكونه ممنوعا من استدامة الملك فيه كالمسلم يشترى عبدا مرتدا فيصح شراؤه وان كان ممنوعا من استدامة الملك فيه وعند التأمل في تصحيح هذا الشراء اظهار ذل الكافر دون المسلم لان العبد المسلم يتسلط به على الكافر فيخاصمه ويجره إلى باب القاضي ويجبره على بيعه شاء أو أبى ولهذا يتبين ان هذا النوع من التصرف لم يدخل تحت قوله ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا مع ان المراد بالآية أحكام الآخرة بدليل قوله تعالى فالله يحكم بينكم يوم القيامة وعلى هذا الخلاف الكافر إذا اشترى مصحفا لا يصح الشراء عند الشافعي لانه يستخف به فيرجع ذلك إلى اذلال المسلمين وعندنا يصح شراؤه لانه ليس في عين الشراء من اذلال المسلمين شئ وكلامنا في هذا الفصل أظهر فالكافر لا يستخف بالمصحف لانه يعتقد انه كلام فصيح وحكمه بالغة وان كان لا يعتقد انه كلام الله عزوجل فلا يستخف به ثم يجبر على بيع العبد من المسلمين لانه لو ترك في ملكه استخدمه قهرا بملك اليمين وفيه ذل فيجبر على ازالة هذا الذل وذلك ببيعه من المسلمين ولا يترك ليبيعه من كافر آخر وان كان لو باعه جاز ولكن المقصود لا يحصل به فلا يمكن منه وكذلك يجبر على بيع المصحف لانه لا يعظمه كما يجب تعظيمه * وإذا ترك في ملكه يمسه وهو نجس وقال الله تعالى انما المشركون نجس وقال الله تعالى في القرآن لا يمسه الا المطهرون * فلهذا يجبر على بيعه من المسلمين وكذلك ان أسلم مملوك الذمي فانه يجبر على بيعه من المسلمين وذلك بعد ان يعرض عليه الاسلام فلعله يسلم فيترك العبد في ملكه فان أبى ذلك أجبر على بيعه كالكافر إذا أسلمت امرأته يعرض عليه الاسلام فان أبى فرق بينهما الا أن ملك النكاح ليس بمال متقوم فيجوز ازالته مجانا عند اباية الاسلام وملك اليمين مال متقوم محترم بعقد الذمة فلا يجوز ابطاله عليه بالعتق مجانا ولابد من ازالة ملكه عن المسلم فيجبر على بيعه بقيمته ليستوفى المالية ويحصل المقصود وان كان للذمي عبد وامرأة له أمة قد ولدت منه فاسلم العبد وولده منها صغير فانه يجبر على بيع العبد وولده لان الولد الصغير يصير مسلما باسلام أبيه فيجبر على بيعه * وان كان ذلك
[ 134 ] تفريقا بينه وبين أمه لان هذا تفريق بحق وجب فيه فهو كما لو جنى الابن الصغير جناية فدفع بها أو لزمه دين فبيع فيه يجوز ذلك * وان كان فيه تفريق بين الولد والام ولكن لما كان بحق لزم ذلك في الولد خاصة واستقام ذلك فهذا مثله * وعن أبى يوسف أن في كل موضع يجب بيع الولد تباع الام معه لانه لاضرورة في التفريق بينهما إذا كان كل واحد منهما محلا للبيع * قال وإذا أسلم العبد وهو بين مسلم وكافر أجبر الكافر على بيع حصته منه اعتبارا للبعض بالكل وان أسلم عبد الذمي فكاتبه جازت الكتابة لان ملكه فيه باق بعد اسلامه ونفوذ عقد الكتابة منه باعتبار ملكه ثم ما هو المقصود يحصل بالكتابة في الحال وهو ازالة ذله منه لانه يصير بمنزلة الحر في حق اليد والمكاسب ولا يبقى له ولاية الاستخدام عليه قهرا بملك اليمين وربما يؤدي بدل الكتابة فيعتق ويتم المقصود به فان عجز أجبر على بيعه لان الكتابة انفسخت حين تحقق عجزه فظهر الحكم الذي كان قبل الكتابة وهو الاجبار على البيع * وان لم يكاتبه ولكنه رهنه عند مسلم أو كافر أجبر المولى على بيعه لان المقصود بعقد الرهن لم يحصل فالراهن يستخدم المرهون باذن المرتهن والمرتهن باذن الراهن ثم بعد الرهن هو محل للبيع فيبقى فيه حكمه وهو الاجبار على البيع * فاما بعد الكتابة فلا يكون محلا للبيع ما بقيت الكتابة وإذا بيع المرهون فيكون ثمنه رهنا مكانه لان عقد الرهن قد صح باعتبار ملكه في المحل فيتحول حكمه إلى بدله كما إذا قبل المرهون وأخذ المرتهن قيمته وكذلك لو آجره من مسلم أو كافر فالمقصود وهو ازالة اليد عن المسلم لا يحصل بالاجارة بل يتحقق فيه معنى الاذلال ويبقى هو محلا للبيع بعد الاجارة فيجبر على بيعه ثم تبطل به الاجارة بخلاف الرهن * ألا ترى ان المؤجر إذا باع المؤاجر برضا المستأجر بطلت الاجارة والراهن إذا باع المرهون برضا المرتهن كان الثمن رهنا * ولو كان رهنه أو أجره وهو كافر ثم أسلم في يد المرتهن أو لمستأجر أجبرته على بيعه ولم أتركه يكون في ملك الكافر وهو مسلم كما بينا أن الاذلال هنا يتقرر إذا ترك في ملكه فيجب ازالته بالاجبار على بيعه * وان كانت جارية فدبرها أو استولدها قبل الاسلام أو بعده جعلت عليها ان تسعى في قيمتها لان بيعها متعذر لما يقر فيها من حق العتق فيجب اخراجها عن ملك الكافر بالاستسعاء في قيمتها وهى بمنزلة المكاتبة مادامت تسعى وعند زفر هي حرة والسعاية دين عليها وعند الشافعي يجبر
[ 135 ] على بيع المدبرة وأم الولد بخارج وقد تقدم بيان هذا في كتاب العتاق * وإذا باع الكافر عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم العبد فهو على خياره لان اسلامه لايمنع ابتداء البيع ولا يمنع بقاءه بطريق الاولى * فان نقض البيع أجبر على بيعه لان الاول صار كان لم يكن * وان أمضاه لكافر مثله أجزأه وأجبر ذلك الكافر على بيعه كما لو باعه منه ابتداء بعد ما أسلم العبد وكذلك ان كان الخيار للمشترى فان فسخ العقد أجبر على بيعه إذا كان كافرا وان أمضى العقد والمشترى مسلم فهو سالم له * قال وإذا اشترى الكافر عبدا مسلما شراء فاسدا وقبضه فانه يجبر على رده على البائع سواء كان البائع مسلما أو كافرا ثم يجبر البائع على بيعه ان كان كافرا لان فسخ البيع الفاسد مستحق شرعا ولا يفوت به ما يثبت من الحق للعبد باسلامه فان البائع يجبر على بيعه إذا كان كافرا ومع امكان استيفاء الحقين لا يجوز ترك احدهما فان كان البائع غائبا فرفع العبد المشترى إلى القاضى أجبره على البيع ان كان شراء يجوز في مثله البيع منه لانه مالك له وقد تعذر فسخ العقد الفاسد لغيبة البائع ولايجوز أن يترك المسلم في ملك الكافر فيجبر على بيعه * وهذا لان في التأخير إلى أن يحضر البائع اضرارا بالعبد وابقاء له في ذل الكافر وذلك ممتنع في الشرع. وان كان شراء لا يجوز في مثله البيع فهو غير مالك له ولا يمكن اجباره على بيعه ولكنه ملك الغير. مضمون في يده أو أمانة بمنزلة المغصوب أو الوديعة * مسلم اشترى عبدا مسلما من كافر شراء فاسدا أجبرته على رده على الكافر لفساد العقد ثم يجبر الكافر على بيعه لان استيفاء الحقين ممكن وان كان الكافر غائبا فهو على حاله عند المسلم لانه ليس في ابقاء المسلم في ملك المسلم معنى الاذلال ولو أن مسلما وهب عبدا مسلما لكافر أو تصدق به عليه جاز وأجبر الكافر على بيعه كما لو ملكه بسبب آخر. ولو أراد المسلم أن يرجع في هبته كان له ذلك ما لم يبعه الكافر أو بعوض المسلم منه والكافر في حكم الهبة بمنزلة المسلم وكذلك لو كان الكافر هو الواهب للعبد المسلم من المسلم ثم رجع في هبته كان له ذلك لان حقه في الرجوع كان ثابتا ما لم يصل إليه العوض فلا يبطل باسلام العبد ولكن إذا رجع فيه أجبر على بيعه * وإذا أسلم عبد النصراني فأجبره القاضي على بيعه فباعه ثم استحقه نصراني آخر ببينة مسلمين وقد أعتقه المشترى فان عتقه باطل لان بالاستحقاق قد ظهر ان المشترى لم يملك وان عتقه لم ينفذ لان بائعه لم يكن مالكا فيأخذه المستحق ويجبر على بيعه ولايقال ينبغى أن ينفذ
[ 136 ] البيع باجبار القاضي عليه في حق المستحق إذا كان نصرانيا لان القاضي انما أجبر عليه المالك الظاهر له حين أبى أن يسلم فلا يتعدى ذلك إلى المستحق لانه لم يكن ظاهرا يومئذ ولعله يسلم لو عرض عليه الاسلام * ولو ان نصرانية تحت مسلم لها مملوك مسلم فأجبرت على بيعه فباعته من زوجها واشتراه زوجها لولد له صغير فذلك جائز لان المقصود قد حصل وهو ازالة ذل الكافر عن المسلم بخروجه من ملكها * قال ولو ان يتامى من النصارى أسلم عبد لهم أجبروا على بيعه لتقرر السبب وهو ملك الكافر في العبد المسلم فان كان لهم وصي باعه الوصي لانه قائم مقامهم في البيع الذي ليس بمستحق ففى البيع المستحق أولى * وان لم يكن لهم وصي جعل القاضي لهم وصيا فباعه لهم لانه إذا جاز للقاضي نصب الوصي نظرا منه لليتامى فلان يجوز ذلك منه نظرا لليتامى ومراعاة لحرمة الاسلام أولى * قال وإذا كان للمسلم عبد نصراني تاجر فاشترى عبدا نصرانيا فاسلم ولادين على العبد التاجر لم أجبره على بيعه لان كسب العبد الذي لادين عليه مملوك لمولاه وهو مسلم وان كان عليه دين أجبرته على بيعه لان المولى لا يملك من كسبه ما لم يقض عنه الدين كالأجنبي والعبد هو المستبد بالتصرف وهو نصراني فيجبر على بيعه كمكاتب نصراني لمسلم أسلم عبده * قال وإذا اشترى النصراني عبدا مسلما فوجد به عيبا فقال ارده تركته حتى يرده لانه يستوفى بالرد حقه ويدفع به الضرر عن نفسه وأكثر ما فيه أن يكون رده اياه بمنزلة البيع منه وذلك صحيح * وان وكل وكيلا يخاصم عنه في العيب جاز حتى يبلغ اليمين بالله ما رأي ولارضى فإذا بلغ ذلك لم يستطع رده حتى يحضر الموكل فيحلف وفي هذا الحكم يستوى الكافر والمسلم ثم في ظاهر الرواية القاضي يحلف المشترى بهذه الصفة ما رأى ولا رضى طلب البائع ذلك أو لم يطلب * ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول لا يحلف الا بطلب البائع لانه نصب لفصل الخصومة لا لانشائها ولكنا نقول هو مأمور بان يصون قضاءه عن أسباب الخطأ وليس كل خصم يهتدى إلى ذلك ليسأل أو يتجاسر على ذلك مع حشمة القاضي فيحتاط القاضي بذلك ويحلفه بالله ما رأى العيب ولا رضى به * وفي موضع آخر قال ولا عرضه على بيع ثم يقضى بالرد فان أقر الوكيل عند القاضى أن المشترى قد رضى بالعيب جاز ذلك على المشترى وان وكل البائع وكيلا بالخصومة فاقرار وكيله عليه جائز في مجلس القاضى لانه قائم مقام الموكل في جواب الخصم
[ 137 ] ولا يحلف لوكيل لان النيابة في اليمين لاتجزئ ولكن يحضر الموكل فيحلف بالله لقد باعه وما هذا به وقد قررنا هذا في كتاب العيوب * قال ولايجوز بين أهل الذمة شئ من بيوع الصرف والسلم وغيرهما الاما يجوز بين أهل الاسلام ماخلا الخمر والخنزير فانى أجيز ذلك بينهم وأستحسن ذلك لانهما أموال متقومة في حقهم والاثر الذي جاء فيه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث قال ولو هم بيعها وخذوا العشر من أثمانها وقد تقدم بيان هذا الفصل في كتاب الغصب وأوضحنا الفرق بين الربا والتصرف في الخمر والخنزير باعتبار أن ذلك مستثنى من عقد الذمة ونذكر هنا حرفا آخر للفرق بينهما فنقول لما بقى الخمر والخنزير مالا متقوما في حقهم فلو لم نجز تصرفهم فيهما بالبيع والشراء لم تظهر فائدة المالية والتقوم فيكون اضرارا بهم ولو منعناهم عن عقود الربا لادى ذلك إلى ابطال فائدة المالية والتقوم لانهم قد لا يتمكنون من التصرف في ذلك المحل الا بطريق الربا * قال ولا يحل للمسلم بيع الخمر ولا أكل ثمنها بلغنا ذلك عن رسول الله ﷺ وفيه حديثان * أحدهما قوله ﷺ لعن الله في الخمر عشرة وذكر في الجملة بائعها * والثاني قوله ﷺ ان الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها * وفي حديث آخر قال ﷺ لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها وان الله تعالى إذا حرم شيئا حرم بيعه وأكل ثمنه وبهذه الآثار تبين ان الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم فلا يجوز بيعه إياها * قال وإذا اشترى المسلم عصيرا فلم يقبضه حتى صار خمرا فالبيع فاسد لانه تعذر قبضه بعد التخمر وبالقبض يتأكد الملك المستفاد بالعقد ويستفاد بملك التصرف وكما لا يجوز ابتداء العقد على الخمر من المسلم فكذلك لا يجوز قبض الخمر بحكم العقد فان صارت خلا قبل أن يترافعا إلى السلطان فالمشتري بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله أما عند محمد فالبيع باطل هكذا ذكر الكرخي لان العقد فسد بالتخمر فلا يمكن تصحيحه على الخل الا بالاستقبال وهذا لان التخمر قبل القبض كالموجود عند العقد * ولو اشترى المسلم خمرا فتخللت لا يصح العقد * وجه قولهما ان أصل العقد كان صحيحا ثم بالتخمر فات القبض المستحق بالعقد العارض على شرف الزوال وهو انعدام المالية والتقوم فإذا زال صار كأن لم يكن كما لو أبق المبيع قبل القبض ثم عاد من اباقه الا أن المشترى هنا مخير لتغيير صفة المبيع وهو في ضمان البائع ولهذا لو
[ 138 ] خاصمه فيها قبل أن يصير خلا فابطل القاضي البيع ثم صارت خلا بعد ذلك لم يكن له عليها سبيل لان العقد انفسخ بقضاء القاضي كما في الاباق إذا عاد بعد ما فسخ القاضي البيع بينهما. وبه فارق ما لو كانت خمرا في الابتداء فان هناك البيع ما انعقد صحيحا * ألا ترى أنه لو باع العبد وهو آبق ثم رجع من اباقه لم يصح البيع * وعلى هذا النصراني لو اشترى من نصراني خمرا ثم صارت خلا ثم أسلما فالمشتري بالخيار ان شاء أخذ وان شاء ترك لتغير صفة المبيع وان أسلما ثم صارت خلا فهو على هذا الخلاف الذي ذكرنا ثم ذكر مسألة اقراض النصراني نصرانيا خمرا وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الغصب * قال وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم المشترى قبل أن يختار وقد قبض كان البيع باطلا في قول أبى حنيفة ويتم البيع في قول صاحبيه بناء على اختلافهما في وقوع الملك للمشترى مع اشتراط الخيار وقد تقدم بيانه بفصوله. ولو كان الخيار للبائع فأسلما أو أسلم البائع بطل البيع لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فلا يمكن من اخراجه عن ملكه بالاجازة بعد اسلامه وان أسلم المشترى وقد قبض ما اشترى لم يفسد البيع لان البيع قد تم من قبله والبائع على خياره فان أجاز البيع ملك المشترى الخمر حكما من غير عقد باشره بعد اسلامه واسلامه لا يمنعه من ذلك * وإذا ارتهن نصراني من نصراني خمرا بدين له عليه فاسلم المرتهن بطل الرهن لان المقصود بالرهن الاستيفاء ولا يتم ذلك الا بهلاك الرهن فالاسلام الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود يجعل بمنزلة المقترن بالعقد فان كان المرتهن هو الذي أسلم بقى مضمونا عليه حتى إذا هلك هلك على الراهن لان خمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم بالغصب فكذلك بالقبض بحكم الرهن فان كان الراهن هو الذي أسلم ثم هلك الرهن لم ينتقص من حق المرتهن شئ لان خمر المسلم لا تكون مضمونة على الذمي بالغصب فكذلك بالقبض بحكم الرهن وهذا لانعدام المالية والتقوم في حق المالك هنا بخلاف الاول * قال وإذا وكل المسلم نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبى حنيفة لان العاقد نصراني ولم يجز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل * وإذا كان للذمي عبدان أخوان لم أكره له أن يفرق بينهما في البيع لان ما فيه من الشرك أعظم من التفريق يعنى أن المنع من التفريق لحق الشرع والكفار لا يخاطبون من حقوق الشرع بما هو أعظم من كراهة التفريق نحو العبادات فكذلك لا يظهر في حقهم حكم كراهة التفريق
[ 139 ] في البيع والله أعلم. (باب بيوع ذوى الارحام) قال ليس ينبغى للرجل أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع ولا في الهبة ولا في الصدقة ولا في الوصية إذا كان صغيرا لما روي أن زيد بن حارثة رضى الله عنه قدم بسبايا فخرج رسول الله ﷺ يتصفحهم فرأى جارية والهة فسأل رسول الله ﷺ عن شأنها فقال زيد رضي الله عنه احتجنا إلى نفقة فبعنا ولدها فقال ﷺ أدرك أدرك لا توله والدة بولدها * وقال النبي ﷺ من فرق بين والدة وولدها فرق الله تعالى بينه وبين الجنة وفي رواية فرق الله تعالى بينه وبين احبته يوم القيامة وكذلك كل ذى رحم محرم * والحاصل انه إذا اجتمع في ملكه شخصان بينهما قرابة محرمة للنكاح وهما صغيران أو احدهما صغير فليس له ان يفرق بينهما في الاخراج عن ملكه بالبيع عندنا وقال الشافعي في الوالدين والمولودين كذلك وفيما سوى ذلك لا بأس بالتفريق بناء على مذهبه في عتق احدهما على الآخر عند دخوله في ملكه. وحجتنا في ذلك ما روي ان رسول الله ﷺ وهب لعلى كرم الله وجه اخوين صغيرين ثم لقيه بعد ذلك فقال ما فعل الغلامان فقال بعت احدهما فقال ادرك ادرك. والمعنى فيه ان الصغير يستأنس بالكبير والكبير يشفق على الصغير ويقوم بحوائجه ففى التفريق بينهما ايحاشهما وترك الترحم عليهما وقد قال النبي ﷺ من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا والكافر والمسلم في ذلك سواء لاستوائهما في الشفقة التى تنبنى على القرابة ثم تمتد هذه الكراهة إلى البلوغ عندنا وقال الشافعي إلى أن يستغنى الصغير عن الكبير في التربية. واعتمادنا في ذلك ما ذكره الدار قطني في مسنده بالاسناد عن رسول الله ﷺ انه قال لا تجمعوا عليهم بين السبي والتفريق ما لم يبلغ الغلام وتحض الجارية وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله إذا راهق الصغير ورضيا ان يفرق بينهما فلا بأس بالتفريق بينهما لان كل واحد منهما من اهل النظر لنفسه وربما يريان مصلحة في ذلك فلا بأس بالتفريق عند ذلك برضاهما فأما بعد البلوغ فلا بأس بالتفريق بينهما لان كل واحد منهما يقوم بحوائجه وربما لا يستأنس بعضهم ببعض بل يستوحش بعضهم من بعض إذا اجتمعوا في ملك رجل واحد حتى يؤدي إلى قطيعة الرحم ولهذا حرم
[ 140 ] الجمع بين الاختين نكاحا ولو كان مملوك لرجل وولده الصغير مملوك لابن الرجل وهو صغير في حجره كان له ان يفرق بينهما بالبيع لانهما ما اجتمعا في ملك رجل واحد والاب في التصرف في ملك ولده قائم مقام الولد لو كان بالغا وكذلك ان كان كل واحد منهما لولد من أولاده * ولو اشتراهما جميعا لنفسه فوجد باحدهما عيبا كان له ان يرده ويمسك الباقي وعن أبى يوسف قال يردهما أو يمسكهما لان في معنى كراهة التفريق بينهما أنها كشخص واحد وقاس بما لو اشترى مصراعي باب فوجد باحدهما عيب كان له أن يردهما أو يمسكهما. وجه ظاهر الرواية ان المثبت لحق الرد له هو العيب وهو مقصور على المعيب حقيقة وحكما ولا يتمكن من رد الآخر بعد تمام الصفقة ثم هذا تفريق بحق مستحق في احدهما فيجوز كالدفع بالجناية والبيع بالدين ولو كان له من كل واحد منهما شقص لم أكره له ان يبيع شقصه من أحدهما دون الآخر لانهما ما اجتمعا في ملكه وكراهة التفريق بناء على اجتماعهما في ملكه * ولو كانا مملوكين له فباع أحدهما دون الآخر كان مسيئا والبيع جائز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف أستحسن ابطال البيع في الوالدين والمولودين ولا أبطله في الاخوين وهو قول الشافعي * وروي الحسن عن أبى يوسف رحمهما الله ان البيع في جميع ذلك باطل لما روينا أن النبي ﷺ قال لعلي رضي الله عنه أدرك أدرك وقال ﷺ ذلك لزيد بن حارثة رضي الله عنه وانما يتمكن من الادراك بالاسترداد لفساد البيع ففى احدى الروايتين فيهما جميعا قال البيع فاسد * وفي الرواية الاخرى فرق لقوة الولادة وضعف القرابة المتجردة عن الولادة * وحمل قوله ﷺ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أدرك أدرك علي طلب الاقالة أو بيع الاخر ممن باع منه أحدهما وهو تأويل الحديثين عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله والقياس لهما فان النهى عن بيع احدهما لمعنى في غير البيع غير متصل بالبيع وهو الوحشة وذلك ليس من البيع في شئ والنهى متى كان لمعنى في غير المنهى عنه لا يفسد البيع كالنهي عن البيع وقت النداء * قال ولا بأس بأن يكاتب أحدهما دون الآخر لان عقد الكتابة مآله العتق فهو كالاعتاق ولا بأس بأن يعتق احدهما فكذلك يكاتبه لانه لا تفريق بينهما في هذا التصرف بل يزداد الاستئناس ويمكن الكبير من القيام بحوائج الصغير إذا كوتب أو اعتق وربما يتمكن من شرائه بعد ذلك فيعتق عليه
[ 141 ] وكذلك لا بأس بأن يبيع احدهما نسمة للعتق ويمسك الآخر وعن محمد انه يكره له ذلك وهذا لان بيع نسمة ليس ببيع بشرط العتق فان البيع بهذا الشرط لا يجوز ولكنه ميعاد بينهما فربما يفى به المشترى وربما لا يفي فيبقى التفريق بينهما متحققا في الحال * وجه ظاهر الرواية ان الظاهر من حال من يشتري النسمة للعتق الوفاء بما يعد وانما ينبنى الحكم على الظاهر ما لم يتبين خلافه فبيع أحدهما نسمة كبيعه من قريبه ليعتق عليه وذلك غير مكروه * قال وإذا اجتمع في ملكه أختان فدبر احداهما أو استولدها والاخرى صغيرة لم أكره له بيع الصغيرة وكذلك ان كاتب احداهما لان كراهة التفريق عند تمكنه من بيعها فان عند ذلك يكون التفريق محالا على اختياره وهنا هو غير متمكن من بيع احداهما فيجوز له بيع الاخرى. وعن أبى يوسف ان في التدبير والاستيلاد ليس له أن يبيع الاخرى لان ملكه في المدبرة وأم الولد مطلق فيتحقق اجتماعهما في ملكه فيكره التفريق وفي الكتابة لا يكره لان ملكه في المكاتب ثابت من وجه دون وجه فلم يجتمعا في ملك مطلق له فلا بأس بأن يبيع احداهما * قال وإذا كان أحد المملوكين له والآخر لزوجته أو لمكاتبه فلا بأس بالتفريق بينهما لانهما ما اجتمعا في ملك رجل واحد ولانه غير متمكن من بيعهما من واحد إذ ليس له حق التصرف في كسب مكاتبه وملك زوجته وكذلك ان كانت احداهما لعبد له تاجر وعليه دين لانه غير متمكن من بيعها فان تصرفه في كسب العبد المديون لا ينفذ * وعن أبى حنيفة هو لا يملك كسبه فلم يجتمعا في ملكه وان لم يكن على العبد دين فليس له أن يفرق بينهما لانهما اجتمعا في ملكه وهو متمكن من بيعهما * وان كانت احداهما لمضاربه فلا بأس بأن يبيع المضارب ما عنده منهما لان المضارب غير مالك لهما ولاهو متمكن من بيعهما فله ان يبيع ماكان عنده منهما * قال وإذا كان للرجل أمة فباعها على ان له الخيار ثلاثة أيام ثم اشترى ابنها كرهت له ان يوجب البيع في الامة لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فقد اجتمعا في ملكه وهو متمكن من أن لا يفرق بينهما بان يفسخ البيع فيها ثم يبيعهما معا فإذا أوجب البيع في الامة كان مفرقا بينهما باختياره وذلك مكروه وكذلك ان سكت حتى مضت المدة لان سكوته عن الفسخ إلى مضى المدة كاختياره امضاء البيع * وان كان الخيار للمشترى فلا بأس بأن يستوجبها لان الامة خرجت من ملك البائع مع خيار المشترى فلم يجتمعا في
[ 142 ] ملك رجل واحد * ولو كان عنده ابن لها فاختار ردها لم يكن بذلك بأس * أما عند أبى حنيفة فلانهما لم يجتمعا في ملكه فان خيار المشتري يمنع وقوع الملك له وعندهما لان هذا التفريق لحق له في احداهما فكان بمنزلة الرد بخيار العيب * قال ويكره للمكاتب والعبد التاجر من التفريق ما يكره للحر لانهما مخاطبان * وفي التمكن من بيعهما معا بمنزلة الحرين وكراهة التفريق لحق الشرع فيستوى فيه المملوك والحر ولايكره التفريق من ذي محرم من غير النسب كالرضاع والمصاهرة لحديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما أن رجلا سأله فقال أبيع جارية لى قد أرضعت ولدى فقال قل من يشترى أم ولدى وهذا لان الرضاع والمصاهرة بمنزلة النسب في حرمة النكاح خاصة * وأما الاحكام المتعلقة بالقرابة سوى الحرمة لا يثبت شئ منها بالرضاع والمصاهرة * قال ولا بأس بالتفريق بين المملوكين الزوجين لانه لا قرابة بينهما وعلى ذلك تنبنى كراهية التفريق * قال وإذا اجتمع أخوان في ملك رجل لا ينبغى له ان يبيع أحدهما من ابن صغير له في عياله لان هذا تفريق بينهما في البيع والملك ولو جاز هذا لجاز الذي باعه من ابنه الصغير بعد ذلك فيتحقق التفريق بهذا الطريق فإذا دخل الحربى دار الاسلام بغلامين أخوين صغيرين بامان فاراد أن يبيع احدهما فلا بأس بشرائه منه * وان كان فيه تفريق لانى ان لم أشتره منه لاعاده إلى دار الحرب ويتمكن من ذلك فشراؤه منه أقرب إلى النظر من مراعاة التفريق ولو كان قد اشتراهما في دار الاسلام كرهت للمسلم ان يشتري منه أحدهما لانه يجبر على بيعهما ولا يمكن ان يدخل بهما في دار الحرب لانه اشتراهما من أهل الاسلام أو من أهل الذمة وهو ان لم يكن مخاطبا بحرمة التفريق فالمسلم المشتري مخاطب بالتحرز عن اكتساب سبب التفريق الا أن يكون اشتراهما في دار الاسلام من حربى مستأمن فلا بأس حينئذ بشراء أحدهما منه لانه غير مجبر على بيعهما بل هو ممكن من أن يدخلهما دار الحرب كما كان البائع متمكنا من ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا اجتمع في ملكه مع الصغير كبيران * والجواب في ذلك ان الكبيرين إذا استويا في القرابة من الصغير وكان ذلك من جهة واحدة كالاخوين والخالين والعمين فلا بأس بان يبيع أحد الكبيرين استحسانا * وفي القياس يكره ذلك وهو رواية عن أبى يوسف لان الصغير يستأنس بكل واحد منهما وكل واحد منهما في حقه كالمنفرد به * وفي الاستحسان قال هذا
[ 143 ] يمنع لحق الصغير وحقه مراعى إذا ترك معه أحد الكبيرين فانه يستأنس به ويقوم الكبير بحوائجه فلا بأس ببيع الآخر وان كانت قرابتهما إليه من جهتين كالاب والام فليس له ان يفرق بينهما وبينه ولا يبيع واحدا منهما لان كل واحد منهما له نوع شفقة ليس للآخر وله بكل واحد منهما نوع استئناس لا يحصل ذلك بالآخر فان كان أحدهما أبعد والآخر أقرب إليه في القرابة كالام مع الجد في ظاهر الرواية لا بأس ببيع الابعد ويمسك الاقرب مع الصغير لان مقصود الصغير يحصل إذا أمسك الاقرب معه وشفقة الاقرب عليه أظهر والقرابة البعيدة عند المقابلة بالقريبة تكون البعيدة كالمعدومة * وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله انه يكره له ان يبيع واحدا منهما لانه يستأنس بكل واحد منهما نوع استئناس كما إذا استويا في الدرجة (باب بيع الامة الحامل) قال رضى الله عنه اعلم أنه اورد هذا الباب في كتاب الدعوى وقد بينا شرح مسائله هناك وهو بكتاب الدعوى أشبه وقد بينا بعض المسائل فيما تقدم هنا أيضا فمما زاد على ما تقدم بيانه ان الجارية المبيعة إذا ولدت ولدين احدهما لاقل من ستة أشهر والآخر لاكثر من ستة أشهر فادعاهما البائع فانه يرد البيع لانا تيقنا حصول العلوق بالتى ولدت لاقل من ستة أشهر في ملكه وهما توام فمن ضرورة التيقن بعلوق أحدهما في ملكه التيقن بعلوق الآخر فهو كما لو ولدتهما لاقل من ستة أشهر وقد بينا ان بعد موت الولد لا تصح دعوى البائع وان كان الولد خلف ولدا بخلاف ولد الملاعنة فانه إذا مات عن ولد ثم اكذب الملاعن نفسه فانه يثبت النسب منه وهذا لان نسب ولد الملاعنة كان ثابتا من الزوج بالفراش وبقى بعد اللعان موقوفا على حقه حتى لا تنفذ دعوة الغير فيه فيظهر ذلك بالاكذاب إذا كان مقيدا وتقام حاجة ولده إلى ذلك مقام حاجته فاما نسب ولد الجارية المبيعة فلم يكن ثابتا منه قبل الدعوى وانما تصح دعواه لحاجة الولد إلى النسب وقد استغنى عن ذلك بالموت فلا يمكن اقامة ولده مقامه في اثبات نسبه ابتداء فلهذا لا تصح دعواه وان كان في يده صبي لا ينطق فزعم انه عبده ثم اعتقه ثم زعم انه ابنه فهو غير مصدق في ذلك في القياس لانه مناقض في كلامه ويصدق في الاستحسان ويثبت نسبه منه لان الانسان قد يشتبه عليه هذا
[ 144 ] في الابتداء ثم يتبين له في الانتهاء فيريد ان يتدارك وقد بينا ان لخفاء امر العلوق يعذر في التناقض فيه ثم لا منافاة بين الولاء الثابت له عليه وبين النسب الا ترى انه يشتري ابنه فيعتق عليه ويجتمع له ولاؤه ونسبه ولو كان عبدا كبيرا اعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله لم تجز دعوته الا ان يصدقه لانه بالعتق صار في يد نفسه فالتحق بسائر الاحرار فالدعوى من المولى بعد ذلك ومن غيره سواء لا تنفذ الا بتصديقه بخلاف الصغير الذي لا يعبر عن نفسه لانه في يد مولاه إذ هو ليس بمحل أن يعبر عن نفسه * قال في الكتاب أستحسن في الصغير كما أستحسن في المدبر يكون بين اثنين إذا جا آى بولد فادعاه أحدهما وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب العتاق * قال وإذا ولدت الامة ولدين في بطن واحد فباع المولى الام مع أحدهما ثم ادعى المشترى الذي اشترى فان نسبه يثبت منه لانه ادعى مملوكه في حال حاجته إلى النسب ثم يثبت منه نسب الذي عند البائع لانه توأم ومن ضرورة ثبوت نسب احدهما منه ثبوت نسب الآخر وهو عند البائع على حاله لان العلوق لم يكن في ملك المشترى فدعواه دعوى التحرير والتوأم ينفصل احدهما عن الآخر في التحرير كما لو اعتق أحدهما وان كان البائع ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه وانتقض البيع في الآخر وان كان اعتقه المشترى لان أصل العلوق كان في ملك البائع فدعواه توجب حرية الاصل الذي بقي عنده والتوأمان خلقا من ماء واحد ولا يفصل احدهما عن الآخر في حرية الاصل وقد بينا أنه يجوز نقض عتق المشترى لضرورة اثبات حرية الاصل له * قال وإذا باع أمة حاملا فخاف المشترى ان يدعى البائع حملها واراد ان يتحرز عن ذلك فانه يشهد عليه أن هذا الحمل من عبد له كان زوجا لها وليس هذا بتعليم للكذب ولا أمر به فانه لا رخصة في الكذب ولكنه بيان لحكم ان البائع ان أقر بذلك كيف يكون الحكم فيه وقد بينا بقية هذه المسألة في كتاب الاعتاق أن المقر له ان صدقه أو لم يظهر منه تصديق ولا تكذيب فليس للبائع أن يدعيه لنفسه وان كذبه فكذلك عند ابى حنيفة لان لاقراره حكمين اخراج نفسه عن نسب هذا الولد واثبات من المقر له فانما يبطل بتكذيب المقر له ما كان من حقه فاما ما هو من خالص حق المقر فان اقراره فيه لا يبطل بتكذيب المقر له خصوصا فيما لا يحتمل الابطال وعند ابى يوسف ومحمد رحمهما الله الاقرار بتكذيب المقر له يبطل من أصله فله ان يدعيه لنفسه بعد ذلك وقاسا النسب بالولاء فان من اشترى جارية ثم زعم ان البائع كان
[ 145 ] اعتقها فكذبه البائع كان له ان يدعي ولاءها لنفسه بعد ذلك الا ان أبا حنيفة يفرق بينهما فيقول الولاء قابل للتحول من شخص إلى شخص الا ترى أن ولاء الولد يثبت لمولى الام إذا كان الاب عبدا فإذا عتق الاب تحول ولاؤه إليه والنسب لا يحتمل التحول من شخص إلى شخص فعند ما أخرج نفسه من نسب هذا الولد لا يصح دعواه لنفسه * قال أمة بين اثنين باع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم ولدت لاقل من ستة أشهر فادعاه البائع صحت دعواه وبطل البيع فيكون هذا كحكم الجارية المشتركة استولدها احدهما ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما وبطل البيع لان العلوق حصل في ملكيهما جميعا ولو دعاه البائع وأعتقه المشترى فدعوى البائع تستند إلى وقت العلوق ويثبت به حرية الاصل للولد فيكون عتق المشترى فيه باطلا ولو باع أحدهما نصيبه من رجل وهى حامل فادعى المشترى الحبل وادعاه البائع والذي لم يبع فان ولدت لاقل من ستة أشهر فالبيع باطل ويثبت نسبه من البائع ومن شريكه لان دعواهما تستند إلى وقت العلوق فالعلوق حصل في ملكهما ويأخذ المشتري مانقد من الثمن ويرد على الذي لم يبع نصف العقد لاقراره بالوطئ * قال الحاكم أبو الفضل قوله ويرد على الذي لم يبع نصف العقد ليس بسديد والصواب أن يرد جميع العقد على الشريكين جميعا وهكذا في رواية أبى سليمان لان اقراره بوطئها لابد أن يكون سابقا على الشراء وقد حصل ذلك في ضمن دعوى النسب فيكون عليه جميع العقد للشريكين * وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر ثبت نسبه من المشترى ومن الذي لم يبع لانا لم نتيقن بحصول العلوق قبل البيع فلا يصح دعوى البائع ولكن على البائع نصف العقد للذي لم يبع لانه أقر بوطئها وذلك يلزمه نصف العقد للذي لم يبع سواء كان وطؤه اياها قبل البيع أو بعد البيع بشبهة وليس للبائع على المشترى عقد لانه ما أقر بوطئها قبل شرائه وانما زعم أنه وطئها بعد شرائه في ضمن دعوى النسب فلهذا لا يغرم له شيئا من العقد والله أعلم (باب الاستبراء) قال رضى الله عنه الاصل في وجوب الاستبراء قول النبي ﷺ في سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبر أن بحيضة وهذا خطاب للموالي فيفيد وجوب الاستبراء على المولى فانه إذا قيل لا تضرب فلانا يكون
[ 146 ] ذلك نهيا للضارب عن الضرب لا خطابا للمضروب والمعنى في المسبية حدوث ملك الحل فيها لمن وقعت في سهمه بسبب ملك الرقبة فبهذه العلة يتعدى الحكم من المنصوص عليه إلى غير المنصوص عليه وهى المشتراة أو الموهوبة. ووجوب الاستبراء في المشتراة مروى عن على وابن عمر رضى الله عنهما. والحكمة في ذلك تعرف براءة الرحم وصيانة ماء نفسه عن الخلط بماء غيره والتحرز عن أن يصير ماؤه ساقيا زرع غيره ولكن الحكم يثبت بثبوت علته ولهذا قلنا إذا اشتراها من امرأة أو صبى باعها أبوه أو اشتراها وهى بكر أو اشتراها من مملوك لزمه الاستبراء لوجود العلة الموجبة وهى حدوث ملك الحل بسبب الرقبة وعن أبى يوسف قال إذا تيقن فراغ رحمها من ماء البائع فليس عليه فيها استبراء واجب لان الاستبراء كاسمه تبين فراغ الرحم وقاس بالمطلقة قبل الدخول أنه لا يلزمها العدة لان المقصود من العدة في حال الدخول تبين فراغ الرحم ولكنا نقول هذه حكمة الاستبراء والحكم متعلق بالعلة لا بالحكمة ثم اشتغال رحمها بالماء عند الشراء لا يمكن معرفته حقيقة فيتعلق الحكم شرعا بالعيب الظاهر وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فدار الحكم معه وجودا وعدما للتيسير على الناس وكذلك لا يقبلها ولا يباشرها ولا ينظر منها إلى عورة حتى يستبرئها لان من الجائز أنها حملت من البائع وان البيع فيها باطل وهذه التصرفات لا تحل الا في الملك كالوطئ ولان الوطئ حرام في مدة الاستبراء وهذا من دواعي الوطئ فيحرم بحرمة الوطئ كما إذا ظاهر من امرأته لما حرم عليه وطؤها حرم عليه دواعيه بخلاف الحيض فان المحرم بسبب الحيض استعمال الاذى كما وقعت إليه الاشارة بالنص ولا يوجد ذلك في التقبيل والمس ثم الدواعى هناك لاتوقعه في ارتكاب الحرام لنفرة في طبعه عنها بسبب الاذى والدواعي هنا موقعة في ارتكاب الحرام وهو الوطئ لانه راغب فيها غاية الرغبة ما لم يحصل مقصودة منها فان كانت لا تحيض من صغر أو كبر فاستبراؤها بشهر لان الشهر قائم مقام الحيض والطهر شرعا فكل شهر يشتمل على حيض وطهر عادة ألا ترى أن الله تعالى أقام ثلاثة أشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام ثلاثة قروء في العدة ومدة الاستبراء ثلث مدة العدة فيتقدر بشهر وان كانت حاملا فاستبراؤها بوضع الحمل للنص كما روينا ولان مدة الحمل لا تحتمل التحرى لتعذر الاستبراء ببعضها فإذا وجب اعتبار جزء منها وجب اعتبار الكل والمقصود تبين فراغ الرحم ولا يحصل شئ من هذا المقصود قبل الوضع بل يزداد معنى الاشتغال بمضي
[ 147 ] بعض المدة فلهذا قدرنا الاستبراء في حقها بوضع الحمل وإذا ارتفع حيضها وهى ممن تحيض تركها حتى إذا استبان له أنها ليست بحامل وقع عليها لان المقصود تبين فراغ الرحم من ماء البائع ليتقين بصحة البيع ووقوع الملك للمشترى فيها وقد حصل ذلك إذا مضي من المدة مالو كانت حبلى لظهر ذلك بها وليس في ذلك تقدير بشئ فيما يروى عن أبى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله الا أن مشايخنا رحمهم الله قالوا يتبين ذلك بشهرين أو بثلاثة أشهر وكان محمد رحمه الله يقول أولا يستبرئها باربعة أشهر وعشر اعتبارا بأكثر العدة وهي عدة الوفاة في حق الحرة ثم رجع وقال يستبرئها بشهرين وخمسة أيام لان أطول مدة العدة في حق الامة هذا فإذا كان بأقوى السببين وهو النكاح لا يجب على الامة الاعتداد الا بهذه المدة ففى أضعف السببين وهو الملك أولى ان لا يجب في استبرائها زيادة على هذه المدة. وقال زفر يستبرئها بحولين أكثر مدة الحمل وكان أبو مطيع البلخي يقول يستبرئها بتسعة أشهر لانها مدة الحبل في النساء عادة قال والاول أصح لان نصب المقادير بالرأى لا يكون وليس في ذلك نص ولو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث أو جناية وجبت عليه أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة * وكذلك لو كان له في جارية شقص فملك الباقي منها بوجه من الوجوه لان حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة يكون بعد ملكه جيمع رقبتها فعند ذلك يلزمه الاستبراء وهذا لان ملك بعض الرقبة بمنزلة بعض العلة وثبوت الحكم عند كمال العلة وأما ببعض العلة فلا يثبت شئ من الحكم قال وإذا اشتراها وهى حائض لم يحتسب بتلك الحيضة عليه وأن يستبرئها بحيضة أخرى وعن أبى يوسف انها كما طهرت من هذه الحيضة فله أن يطأها لتبين فراغ رحمها بناء على أصله ولكنا نقول الشرع ألزمه الاستبراء بحيضة والحيضة لاتتجزأ وقد تعذر الاحتساب من الاستبراء بما مضي منها قبل الشراء فلا يحتسب بجميعها منه كما لو طلق امرأته في حالة الحيض لا يحتسب بهذه الحيضة من العدة ولانه كان يحتسب بما بقي من الحيضة بعد الشراء من الاستبراء فعليه اكمالها من حيضة أخرى فإذا وجب جزء من الحيضة الثانية وجبت كلها وكذلك ان كانت حاضت حيضة مستقبلة بعد الشراء قبل القبض لم يحتسب بتلك الحيضة من الاستبراء الا على رواية ابى يوسف رحمه الله فانه يقول تبين فراغ الرحم يحصل بالحيضة التى توجد في يد البائع كما يحصل بالحيضة التى توجد في يد المشترى ولكنا نقول ملك الوطئ بسبب ملك الرقبة
[ 148 ] انما يستفيده المشترى بالقبض لان الوطئ تصرف وملك التصرف يحصل للمشترى بالقبض فالحيضة التى توجد قبل هذا لا يحتسب بها ولكن الموجود بعد العقد قبل القبض كالمقترن بالعقد والموجود قبله بمنزلة الزوائد الحادثة والتخمر في العصير وكذلك ان وضعت على يدى عدل حتى ينقد الثمن فحاضت عنده لان يد العدل فيها كيد البائع ألا ترى أنها لو هلكت انفسخ البيع وهلكت من مال البائع * قال وإذا باع جارية ولم يسلمها حتى تاركه المشترى البيع فيها ففى القياس على البائع أن يستبرئها بحيضة. وذكر أبو يوسف في الامالى أن أبا حنيفة كان يقول أولا بالقياس ثم رجع إلى الاستحسان فقال ليس عليه ان يستبرئها وهو قول ابى يوسف ومحمد رحمهما الله. وجه القياس أنها بالبيع خرجت عن ملكه ثم عادت إليه بالاقالة فقد حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة وهي العلة الموجبة للاستبراء ووجه الاستحسان انها في ضمان ملكه ما بقيت يده عليها بدليل انها لو هلكت هلكت على ملكه فيجعل بقاؤه فيها كبقاء الملك فاما إذا سلمها إلى المشترى ثم تقايلا فعلى البائع أن يستبرئها في ظاهر الرواية لانها خرجت من ملكه ويده وثبت ملك الحل فيها لغيره وهو المشترى فإذا عادت إليه لزمه استبراء جديد كما لو استبرأها ابتداء بخلاف ما قبل التسليم وعن أبى يوسف قال إذا لم يكن البائع فارق المشترى حتى تقايلا فليس عليه فيها استبراء لانه تيقن بفراغ رحمها من ماء غيره * قال وإذا اشترى جارية لا تحيض فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت بطل الاستبراء بالايام لان الشهر بدل عن الحيض واكمال البدل بالاصل غير ممكن ولكن القدرة على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل يسقط اعتبار البدل كالمعتدة بالاشهر إذا حاضت وإذا حاضت عند المشترى حيضة ثم وجد بها عيبا فردها لم يقر بها البائع حتى تحيض عنده حيضة لانها عادت إليه بعد ما حدث ملك الحل فيها لغيره بسبب ملك الرقبة فعليه أن يستبرئها سواء كان عودها إليه بسبب هو فسخ أو بمنزلة عقد جديد. وكذلك لو باع شقصا منها ثم استقاله البيع فيها أو اشتراها لان بيع البعض كبيع الكل في زوال ملك الحل في حق البائع وفي الوجهين تجدد الحل بعد زوال ملكه ويده فلزمه استبراء جديد * قال وإذا رجعت الآبقة اوردت المغصوبة أو فكت المرهونة أو ردت عليه المؤجرة للخدمة قبل انقضاء العدة فليس عليه أن يستبرئها لان ملك الحل ما زال عنه بما عرض من الاسباب فان سببه ملك الرقبة ولم يختل ملك الرقبة بهذه الاسباب فبارتفاعها لا يتجدد ملك الحل له وكذلك لو كاتب أمته
[ 149 ] ثم عجزت فليس عليه ان يستبرئها عندنا وقال الشافعي عليه ان يستبرئها لانها بالكتابة صارت كالخارجة عن ملكه حتى يغرم بوطئها العقد لها ويغرم الارش لها لو جنى عليها يوضحه انها صارت بمنزلة الحرة يدا فتكون مملوكة له من وجه دون وجه فهو كما لو باع نصفها ثم اشترى الباقي والدليل عليه انه لو زوجها من انسان ثم فارقها الزوج وجب عليه أن يستبرئها لان ملك المنفعة زال عنه بالتزويج فكذلك بالكتابة * وجه قولنا أنها بعد الكتابة باقية على ملكه فقد قال ﷺ المكاتب عبد ما بقى عليه درهم والعبد يكون مملوكا لمولاه فكيف يقال زال ملكه وانحل وانما كاتبه ليعتق على ملكه الا ان بعقد الكتابة يثبت لها ملك اليد في منافعها ومكاسبها وملك الحل لا ينبنى على ذلك وانما ينبنى على ملك الرقبة وبسبب الكتابة لا يختل ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء وانما يغرم الارش والعقد لان ذلك بمنزلة الكسب وقد جعلها أحق بكسبها فإذا عجزت فانما تقرر له الملك الذي كان باقيا فلم يحدث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء فاما الزوجة إذا فارقها زوجها فان كانت الفرقة بسبب يوجب عليها العدة فالعدة اقوى من الاستبراء وهو حق النكاح لاحق ملك اليمين وان طلقها الزوج قبل الدخول ففيه روايتان اشار اليهما في هذا الكتاب في احدى الرايتين يلزمه الاستبراء لانها حلت لغيره فإذا حلت له كان ذلك حلا متجددا وفي الكتابة ما حلت لغيره حتى يجعل ذلك حلا متجددا له وفي الرواية الاخرى ليس له أن يستبرئها وهو الاصح لانه لو لزمه الاستبراء لكان ذلك بسبب ملك النكاح الثابت للزوج والوظيفة في النكاح العدة دون الاستبراء فإذا لم يجب عند الطلاق قبل الدخول ما هو وظيفة النكاح فلان لا يجب أولى الا ترى ان المطلقة قبل الدخول إذا كانت حرة كان لها أن تتزوج عقيب الطلاق ويطؤها زوجها بالنكاح فكذلك للمولى أن يطأ أمته بعد الطلاق بالملك ولو وهبها لولد له صغير ذكر أو أنثى ثم اشتراها لنفسه منه كان عليه ان يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب تجدد ملك الرقبة و لو باعها على أنه بالخيار ثم نقض البيع لم يكن عليه ان يستبرئها لانه لم يحدث ملك الحل له لانها باقية على ملكه والحل الذي كان له باق في مدة خياره فبفسخ البيع لم يتجدد له ملك الحل فان كان الخيار للمشترى فردها بعد القبض فليس على البائع ان يسبرئها في قول أبى حنيفة لان المشترى لم يملكها مع بقاء خياره عنده وعند ابى يوسف ومحمد رحمهما الله عليه ان يستبرئها لان المشترى قد ملكها ثم ردها بخيار الشرط كردها بخيار
[ 150 ] العيب والرؤية بعد القبض وإذا قبضها المشترى على شراء فاسد ثم ردها القاضي على البائع بفساد البيع فعليه ان يستبرئها لان المشترى ملك رقبتها بالقبض فيحدث الحل للبائع بما عاد إليه من الملك * قال وإذا غصب جارية فباعها من رجل وقبضها المشترى فوطئها ثم خاصم مولاها الاول فقضى القاضى له بها فعليه ان يستبرئها بحيضة استحانا وفي القياس لا يلزمه الاستبراء لان المشتري من الغاصب غاصب كالاول وقد بينا أن المغصوب منه إذا استرد المغصوبة فليس عليه فيها استبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها لانها حلت المشترى حين اشتراها ومعنى هذا الكلام ان المشترى ماكان يعلم ان البائع غاصب وانما قدم على شرائها باعتبار ان البائع مالك فيثبت له الحل من حيث الظاهر وان لم يثبت له الحل فيها باطنا فلثبوت الحل له ظاهرا قلنا إذا وطئها ثم استردها البائع كان عليه ان يستبرئها ولعدم ثبوت الحل فيها باطنا قلنا إذا لم يطأها فليس على البائع استبراء وهذا لان الوطئ بشبهة النكاح في حكم العدة بمنزلة الوطئ بحقيقة النكاح فكذلك الوطئ بشبهة ملك اليمين بمنزلة الوطئ بحقيقة الملك في حق وجوب الاستبراء على المالك وان كان المشترى يعلم ان البائع غاصب فليس على المولى ان يستبرئها إذا استردها لان الحل للمشترى لم يثبت فيها ظاهرا ولا باطنا ألا ترى انه لا يثبت نسب الولد منه هنا وان ادعى ذلك بعد ما وطئها وفي الاول يثبت نسب الولد منه وسقوط الحد عنه باعتبار صورة العقد الموقوف لا بثبوت الحل له فيها فلا يجب على المالك لاجل ذلك استبراء كما لو لم يطأها المشترى * قال وإذا زوج الرجل أمته وطلقها الزوج قبل الدخول كان للمولى ان يقر بها بعد ما يستبرئها بحيضة هذا في احدى الروايتين في هذه المسألة وقد بينا وجه الروايتين. وان كان تزوجت بغير اذنه ففرق بينهما قبل الدخول لم يكن عليه أن يستبرئها لانها ما حلت لغيره والامة لا تملك أن تزوج نفسها بغير اذن مولاها وان فرق بينهما بعد الدخول لم يكن له أن يقر بها حتى تنقضي عدتها لانه دخل بها بنكاح فاسد فيجب عليها العدة بسببه والعدة أقوى من الاستبراء * قال وإذا وطئ جارية ولده ولم تعلق منه ثم اشتراها فعليه أن يستبرئها لان ملك الحل له فيها حدث بالشراء ووطؤه اياها قبل الشراء كان حراما وارتكاب المحرم لايمنع وجوب الاستبراء إذا تقرر سببه وكذلك ان اشترى جارية من أبيه أو أمة مكاتبة فعليه ان يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة * قال وان اشتراها من عبد تاجر له فلا استبراء عليه ان
[ 151 ] كانت قد حاضت حيضة بعد ما اشتراها العبد ولادين عليه لان المولى ملك رقبتها من وقت شراء العبد وقد حاضت بعد ذلك حيضة فيكفيه ذلك عن الاستبراء كما لو اشترها له وكيله فحاضت في يد الوكيل حيضة وان كان على العبد دين يحيط برقبته وبما في يده فكذلك الجواب عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان عندهما دين العبد لايمنع ملك المولى في كسبه ولهذا لو أعتقها جاز عتقه فاما عند أبى حنيفة فالقياس كذلك لان العبد ليس أهلا أن يثبت له عليها ملك الحل بسبب ملك الرقبة ولا يثبت ذلك للغرماء أيضا بسبب دينهم والمولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فإذا حاضت بعد ما صار المولى أحق بها يجتزئ بتلك الحيضة من الاستبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها بعد ما يشتريها من العبد لان قبل الشراء كان لا يملك رقبتها عنده حتى إذا أعتقها لم ينفذ عتقه فانما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة حين اشتراها فعليه أن يستبرئها * قال وان وهب جاريته لرجل وسلمها ثم رجع في الهبة فعليه أن يستبرئها لانها حلت للموهوب له فتجدد للواهب ملك الحل فيها بالرجوع بعد ما حلت لغيره وكذلك إذا أصاب المأسورة قبل القسمة أو بعدها لان العد وقد كانوا ملكوها بالاحراز. ألا ترى أنهم لو أسلموا عليها كانت لهم فتجدد له فيها ملك الحل حين استردها وان ابقت إلى دار الحرب فأخذوها فكذلك الجواب عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لانهم ملكوها وعند أبى حنيفة رحمه الله الآبق إذا دخل دار الحرب لا يملك بالاخذ فإذا ردت على المولى بغير شئ فهى باقية على ملكه كما كانت فلا يلزمه أن يستبرئها * قال وإذا باع أم ولده أو مدبرته وقبضها المشترى ثم ردها عليه فليس عليه أن يستبرئها لان المشترى لم يملكها فان حق الحرية الثابتة فيها كحقيقة الحرية في المنع من تملكها بالشراء. ألا ترى انها لو كانت امرأته لم يفسد نكاحها ولو أعتقها لم يجز عتقه فيها ولو ولدت عند المشترى لم يثبت نسب الولد من المشترى وان ادعاه فإذا لم يثبت فيها ملك الحل لغيره لا يلزمه استبراء جديد * قال وإذا أراد الرجل أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فليس ينبغى له أن يبيعها حتى يستبرئها بحيضة هكذا روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وهذا الاستبراء في حق البائع مستحب عندنا وقال مالك واجب لانه يخرجها عن ملكه بعد وجوب السبب الشاغل لرحمها بمائه وهو الوطئ فهو نظير ما لو طلق امرأته بعد الدخول فهناك العدة واجبة لا مستحبة فكذلك الاستبراء هنا
[ 152 ] وان كان عند الشراء يجب عليه الاستبراء لتوهم سبب اشتغال الرحم فلان يجب عند البيع وقد تقرر بسبب اشتغال رحمها أولى ولكنا نقول الاستبراء في ملك اليمين نظير العدة في النكاح ثم وجوب العدة يختص بأحد الطرفين فكذلك وجوب الاستبراء عند حدوث الملك فلو أوجبنا عليه الاستبراء عند ازالة الملك لاوجبنا عليه الاستبراء في الطرفين جميعا يوضحه ان الاستبراء على المولى لصيانة ماء نفسه من أن يسقى به زرع غيره وانما يتحقق هذا عند الشراء فاما عند البيع فلا يتحقق هذا في حق البائع ومعنى صيانة مائه يحصل بايجاب الاستبراء على المشترى الا أنه لا يأمن أن لا يستبرئها المشترى فيستحب له أن يستبرئها احتياطا وإذا فعل ذلك ثم باعها فليس للمشترى أن يجتزئ بذلك الا في رواية شاذة عن أبى يوسف بناء على أصله في أن تبين فراغ رحمها يحصل به ولكنا نقول حدث ملك الحل فيها للمشترى بالشراء فعليه أن يستبرئها ولو أراد البائع أن يزوجها لم يكن له أن يزوجها حتى يستبرئها ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول لا فرق بين البيع والتزويج بل في الموضعين جميعا يستحب للمولى أن يستبرئها من غير أن يكون واجبا عليه ألا ترى أنه لو زوجها قبل أن يستبرئها جاز كما لو باعها قبل أن يستبرئها والاظهر ان عليه أن يستبرئها ان أراد أن يزوجها بعد ما وطئها صيانة لمائه لانه لا يجب على الزوج أن يستبرئها ليحصل معنى الصيانة له بخلاف البيع فهناك يجب على المشترى ان يستبرئها فيحصل معنى الصيانة وان زوجها قبل أن يستبرئها جاز لان وجوب الاستبراء على المولى لا على الامة ولا يمنع صحة تزويجها والاحسن للزوج أن لا يقربها حتى تحيض حيضة وليس ذلك بواجب عليه في القضاء وفي الجامع الصغير قال للزوج ان يطأها قبل أن يستبرئها عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها كى لا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لان ذلك حرام * قال ﷺ لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة في طهر واحد وجه قولهما ان الاستبراء وظيفة ملك اليمين كما أن العدة وظيفة ملك النكاح فكما لا ينقل وظيفة النكاح إلى ملك اليمين فكذلك لا ينقل وظيفة ملك اليمين إلى النكاح وكذلك ان أراد أن يزوج أم ولده أو مدبرته فهي في ذلك كالامة * قال وإذا زنت أمة الرجل فليس عليه أن يستبرئها بحيضة لانه لا حرمة لماء الزنا والشرع ما جعل للزاني الا الحجر وليس في الزنا استبراء ولا عدة * وقال زفر عليه ان يستبرئها بحيضة صيانة لماء نفسه عن الخلط
[ 153 ] بماء غير وفي الجامع الصغير ذكر عن محمد قال أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة فان حبلت من الزنا لم يقربها حتى تضع حملها لانه لو وطئها كان ساقيا ماءه زرع غيره وقال عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره * قال أمة بين رجلين باع أحدهما كلها وسلم الاخر البيع بعد ما حاضت عند المشترى حيضة فعليه أن يستبرئها بعد جواز البيع كله لان ملك الحل لا يثبت له ما لم يملك جميع رقبتها وذلك بعد اجازة البيع. وكذلك لو باع أمة رجل بغير اذنه فقبضها المشترى وحاضت عنده حيضة ثم أجاز المولى البيع كان عليه أن يستبرئها لان ملك الحل انما يثبت له بعد اجازة المالك البيع عندنا وأصل المسألة أن بيع الفضولي يتوقف على اجازة المالك عندنا ويجعل اجازته في الانتهاء كالاذن في الابتداء وعند الشافعي لا يتوقف بل يلغو بيع مال الغير بغير إذن المالك وكذلك كل ماله مجيز حال وقوعه من العقود والفسوخ والنكاح والطلاق فهو على هذا الخلاف. واحتج الشافعي بنهي النبي ﷺ عن بيع ما ليس عند الانسان ومطلق النهى يوجب فساد المنهى عنه والفاسد من العقود عنده غير مشروع ونهى رسول الله ﷺ عن بيع ما لم يقبض فكون بيع ما يقبض ولم يملك منهيا عنه أولى والمعنى فيه ان تصرفه صادف محلا لا ولاية له على ذلك المحل فيلغو كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء فانه لا ينعقد وان أخذه بعد ذلك وهذا لان انعقاد العقد يستدعى محلا ويختص بمحل للعاقد عليه ولاية فإذا انعدمت الولاية على المحل ينزل ذلك منزلة انعدام الاهلية في المتصرف عند العقد وذلك يوجب الغاءه كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته يلغو ذلك ولا ينعقد وان أجازه بعد البلوغ فكذلك هذا وهذا بخلاف قول المشتري قبل ايجاب البائع قد اشتريت منك بكذا فان ذلك تصرف في ذمة نفسه بالتزام الثمن إذا أوجب البائع البيع وهو محل ولايته. والدليل عليه ان المشتري إذا باع المبيع قبل القبض ثم قبضه لا ينفذ ذلك البيع وكذلك لو اجازه البائع لانعدام ولاية العاقد على المحل يدا وكذلك لو باع الآبق ثم رجع من اباقه لم ينفذ ذلك البيع فإذا انعدمت ولايته ملكا ويدا على المحل أولى وكذلك لو باع مال الغير ثم اشتراه من المالك أو ورثه يبطل البيع ولا ينفذ فإذا لم يجز أن ينفذ هذا العقد من جهة العاقد باعتبار ملكه فلان لا ينفذ من جهة غيره باجازته أولى. وحجتنا في ذلك ماروى أن النبي ﷺ دفع إلى حكيم بن حزام
[ 154 ] دينارا وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله ﷺ فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه بارك الله لك في صفقتك فاما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به فقد باع ما اشترى له بغير أمره ثم أجاز رسول الله ﷺ بيعه ولايجوز أن يقال كان هو وكيلا مطلقا بالبيع والشراء لان هذا شئ لا يمكن اثباته بغير نقل ولو كان لنقل على سبيل المدح له فالمنقول أمره أن يشترى له أضحية وبهذا لا يصير وكيلا بمطلق التصرف ودفع رسول الله ﷺ دينارا إلى عروة البارقي رضي الله عنه وأمره أن يشتري أضحية فاشترى بالدينار شاتين ثم باع احداهما بدينار وجاء بالاخرى مع الدينار إلى النبي ﷺ فجوز عليه الصلاة والسلام ذلك ودعا له بالخير ولو لم يكن البيع موقوفا على اجازته لامره بالاسترداد. والمعنى فيه ان هذا تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو كما لو حصل من المالك وكالوصية بالمال ممن عليه الدين وبأكثر من الثلث ممن لادين عليه وهذا لان التصرف كلام وهو فعل اللسان فحده ما هو حد سائر الافعال وتحقيق الفعل ينتقل من فاعل في محل ينفعل فيه فهذا يكون حد التصرف باللسان وإذا صدر من أهله في محله تحقق به وجوده ثم قد يمتنع نفوذه شرعا لمانع فيتوقف على زوال ذلك المانع وبالاجارة يزول المانع وهو عدم رضا المالك به و بيان الاهلية في التصرف أن التصرف كلام والاهلية للكلام حقيقة بالتميز واعتباره شرعا بالخطاب وبيان المحلية أن البيع تمليك مال بمال فالمحل انما يكون محلا بكونه مالا متقوما وبانعدام الملك للعاقد في المحل لا تنعدم المالية والتقوم ألا ترى أنه لو باعه باذن المالك جاز وما ليس بمحل فبالاذن لا يصير محلا ولو باعه المالك بنفسه جاز والمحلية لا تختلف بكون المتصرف مالكا أو غير مالك فإذا قبل اعتبار التصرف شرعا لحكمه لا لعينه والمراد بالاسباب الشرعية أحكامها واشتراط الملك في المحل لاجل الحكم فالتمليك لا يتحقق الا من المالك فإذا لم يكن المتصرف مالكا لغا تصرفه لانعدام حكمه ففى الجواب عن هذا السؤال طريقان أحدهما أن نقول لا نسلم أن الحكم لا يثبت لهذا التصرف بل يثبت حكم يليق بالسبب فانه يثبت بالسبب الموقوف ملك الموقوف كما يثبت بالسبب البات ملك بات ولهذا لو أعتق المشترى ثم أجاز المالك البيع نفذ عتقه وهذا لانه لاضرر على المالك في اثبات ملك موقوف بهذا السبب كما لا ضرر عليه في انعقاد السبب وإنما الضرر في زوال ملكه وبالملك الموقوف لا يزول ملكه
[ 155 ] البات والثاني ان السبب انما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعا فاما إذا تأخر عنه الحكم فلا لان الحكم تارة يتصل بالسبب وتارة يتأخر كما في البيع بشرط الخيار وهنا الحكم يتأخر إلى اجازة المالك ولا ينعدم أصلا لان انعدام الحكم في الحال لرفع الضرر عن المالك وفي تأخير الحكم إلى وجود الاجازة توفر المنفعة عليه فانه إذا صار مستندا بالنظر ان شاء اجاز البيع وان شاء ابطله فيكون فيه محض منفعة له فلهذا انعقد السبب في الحال على أن يجعل اجازته في الانتهاء كاذنه في الابتداء بخلاف بيع الطير في الهواء والسمك في الماء فهناك لغا العقد لانعدام محله والمحل غير مملوك أصلا ولا يكون قابلا للتمليك وكذلك طلاق الصبي امرأته انما لغا لانعدام الاهلية في المتصرف فان اعتبار عقل الصبي وتميزه لتوفير المنفعة عليه وما يتمحض ضررا ينعدم فيه هذا المعنى ولا يجعل أهلا باعتباره ودليل أن الطلاق يتمحض ضررا أن الولى لا يملك عليه هذا التصرف وإنما لغا لانعدام حكمه أصلا فامرأة الصبي ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها بالايقاع ألا ترى انه لا يقع عليها باذن الولى ولا بايقاعه فاما مال الغير فمحل الحكم البيع حتى يثبته فيه حكم البيع عند اذن المالك أو مباشرته بنفسه وهذا بخلاف بيع الآبق والمبيع قبل القبض فان ذلك لا يصير لغوا بل ينعقد فاسدا لانعدام شرط الصحة وهو قدرة العاقد على تسليم المعقود عليه وبخلاف ما إذا اشترى العاقد ما باعه لان حكم ذلك السبب لا يمكن اثباته باعتبار الملك الحادث له فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت العقد وإنما يتأتى ذلك باعتبار ملك من كان مالكا وقت العقد وقد زال ذلك بازالته فلو نفذ باعتبار الملك الحادث نفذ مقصورا على الحال وحكم السبب ليس هذا فاما عند الاجازة فيثبت الملك للمشتري من وقت العقد ولهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة وهذا هو تأويل النهى عن بيع ما ليس عند الانسان ان المراد إذا باعه ثم اشتراه وأراد تسليمه بحكم ذلك العقد بدليل قصة الحديث فان حكيم بن حزام رضي الله عنه قال يارسول الله ان الرجل ليأتيني فيطلب منى سلعة ليست عندي فابيعها منه ثم أدخل السوق فاشتريها فاسلمها فقال ﷺ لاتبع ما ليس عندك إذا عرفنا هذا في بيان مسألة الاستبراء فالملك النافذ للمشترى لا يكون الا بعد الاجازة والحل يبنى على ذلك ولا يحتسب بالحيضة التى توجد قبل الاجازة من الاستبراء فتلك دون الحيضة الموجودة في يد البائع بعد تمام البيع فإذا كان لا يحتسب بها من الاستبراء فهذا أولى ولو كان البائع هو المالك لها فسلمها وحاضت
[ 156 ] بعد ما قبضها المشترى قبل ان يتفرقا عن مجلس العقد فانه يحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء عندنا خلافا للشافعي وهو بناء على خيار المجلس فان عندنا البيع يلزم بنفسه ويتم الملك للمشترى بالقبض وليس لواحد منهما ان ينفرد بالفسخ قبل الافتراق عن المجلس ولابعده وعند الشافعي خيار المجلس ثابت لكل واحد منهما فما لم يفترقا فكل واحد منهما ينفرد بالفسخ الا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر ويرضي به صاحبه وله في وقوع الملك للمشترى قولان. واحتج بحديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ولا يكونا متبايعين إلا بعد الايجاب والقبول وقد نص على اثبات الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا والمراد التفرق عن المجلس بدليل ما ذكره في رواية أخرى المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه وراوي الحديث ابن عمر رضى الله عنهما وقد فهم منه الافتراق عن المجلس على ما يروى انه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشي هنية والمعنى فيه أن هذا عقد تمليك المال فلا يلزم بنفسه ما لم ينضم إليه ما يتأيد به كعقد الهبة فانه لا يوجب الملك بنفسه ما لم ينضم إليه القبض وتأثيره أن المال مبتذل تكثر المعاملة فيه ويقع العقد عليه بعينه من غير نظر وروية والمقصود به الاسترباح ولا يحصل هذا المقصود الا بعد نظر وروية فاثبت الشرع الخيار لكل واحد منهما به ماداما في المجلس ليتحقق به ما هو المقصود لكل واحد منهما بخلاف النكاح فانه في العادة لا يقع بغتة وانما يكون بعد تقدم الخطبة والمراودة ثم إنما تقدر هذا الخيار بالمجلس لان حال المجلس جعل كحالة العقد ألا ترى أن في الصرف والسلم القبض الموجود في المجلس كالقبض المقترن بالعقد ثم حالة العقد وهو ما بعد الايجاب قبل القبول يثبت الخيار لكل واحد منهما فكذلك يثبت ماداما في المجلس إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر فيستدل بهذا اللفظ على تمام النظر والروية فيسقط به الخيار. وحجتنا في ذلك قوله ﷺ المسلمون عند شروطهم وقد شرط امضاء العقد بينهما فيلزمهما الوفاء بظاهر الحديث وقال عمر رضى الله عنه البيع صفقة أو خيار والصفقة هي النافذة اللازمة فتبين ان البيع نوعان لازم وغير لازم بشرط الخيار فيه فمن قال بأن الخيار يثبت في كل بيع فقد خالف هذا الحديث والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يوجب اللزوم بنفسه كالنكاح وتأثير هذا الكلام ان العقد يتقوى بصفة المعاوضة وإنما يظهر فوته في حكمه حتى لا ينفرد
[ 157 ] أحدهما برفعه وبه فارق التبرع فهو ضعيف لخلوه عن العوض ولهذا لا يثبت الحكم به الا بالقبض ثم لزوم هذه المعاوضة تعتمد تمام الرضا من المتعاقدين وبه يلزم بعد المجلس فكذلك في المجلس لانه لا أثر لبقائهما في المجلس في المنع من تمام الرضا والدليل عليه أن لو قال أحدهما لصاحبه اختر فانه يلزم العقد مع بقائهما في المجلس لوجود الرضا وايجاب العقد مطلقا أدل على الرضا من هذه الكلمة ثم الشرع مكن كل واحد منهما من دفع العين عن نفسه بشرط الخيار فإذا لم يفعل فهو الذي ترك النظر لنفسه ومن لم ينظر لنفسه لا ينظر له ثم الفسخ ضد العقد فما هو المقصود بالعقد لا يحصل بالفسخ بل هو متعين في إمضاء العقد فهذا يقتضى أن لا يثبت حق الفسخ لواحد منهما بحال الا أن الشرع مكن كل واحد منهما من اشتراط الخيار لنفسه ليتمكن به من الفسخ إذا ظهر أن منفعته فيه فإذا لم يشترط الخيار عرفنا أنه إنما قصد تحصيل ما هو المطلوب بالعقد وهو الملك في البدل وفي لزوم العقد بنفسه يحصل هذا المقصود لا تفويته فاما الحديث فرواية مالك رحمه الله ومن مذهبه أنه لا يثبت خيار المجلس وفتوى الراوى بخلاف الحديث دليل ضعفه ثم المراد بالحديث ان صح المتساومان فان حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمقابلين والمناظرين وبه نقول ان لكل واحد من المتساومين الخيار أو المراد بالتفرق التفرق بالقول دون المكان يعنى أنهما جميعا بالخيار ان شاآ فسخا البيع بالاقالة ما لم يتفرق رأيهما في ذلك وذكر أبو يوسف في الامالى ان تأويل هذا الحديث إذا قال لغيره بعنى هذه السلعة بكذا فيقول الآخر بعت وبه يتأول ان يعد هذا الكلام قبل قول المشترى اشتريت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن ذلك المجلس وهذا صحيح فهما متبايعان في هذه الحالة لوجود التكلم بالبيع منهما وعلى أصل الشافعي بهذا اللفظ ينعقد البيع بينهما ثم يثبت الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا عن المجلس إن شاء قال المشترى اشتريت حتى يتم البيع وان شاء رجع البائع أو قام من المجلس قبل أن يقول المشترى اشتريت * قال وإذا ارتدت أمة لرجل ثم تابت لم يكن عليه أن يستبرئها لانها لم تخرج عن ملكه ولم تحل لغيره إنما حرمت عليه تعارض الردة ثم زال ذلك بالتوبة فهو بمنزلة مالو حرمت عليه بالحيض * قال وإذا اشترى أمة لها زوج ولم يدخل بها وطلقها قبل أن يقبضها المشترى فعلى المشترى أن يستبرئها لان وقت وجوب الاستبراء على المشترى وقت القبض وهي فارغة عن حق الغير عند القبض
[ 158 ] فوجود النكاح عند العقد وعدمه سواء وان طلقها الزوج بعد ما قبضها المشترى فليس عليه أن يستبرئها لانه حين قبضها لم يلزمه الاستبراء لكونها مشغولة بحق الزوج فحقه يمنع ثبوت ملك الحل له بملك الرقبة وإذا لم يلزمه الاستبراء عند القبض لا يلزمه بعد ذلك لانه لو لزمه الاستبراء إنما يلزمه بالطلاق قبل الدخول والطلاق لا يوجب الاستبراء وهذه هي الرواية الاخرى في ان الزوج إذا طلقها قبل الدخول لا يجب على المولى به الاستبراء ولو استبرأها وقبضها ثم زوجها فان مات عنها زوجها واعتدت عدة الوفاة ولم تحض ولا بأس بأن يطأها لما بينا أن العدة أقوي من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم الاستبراء وان طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض عنده لم يطأها المشترى حتى يستبرئها بحيضة لان الاستبراء قد وجب هنا حين قبضها وهى فارغة وبالطلاق قبل الدخول ارتفع النكاح لا إلى أثر فيظهر ماكان من الحكم قبل النكاح والطلاق وهو الاستبراء الواجب على المشترى وان كانت قد حاضت حيضة عند الزوج قبل الطلاق أجزأت تلك الحيضة عن الاستبراء لانها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء على المشترى بالقبض وبتلك الحيضة يتبين فراغ رحمها من ماء البائع فيجتزئ بها من الاستبراء لانها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء بالقبض وفي كتاب الحيل قال ان زوجها المشتري عبدا له قبل أن يقبضها ثم قبضها ثم طلقها العبد قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض فللمشترى أن يطأها من غير استبراء وهو صحيح فتزويجه اياها قبل القبض صحيح كالاعتاق لان النكاح لايمنع صحته بسبب الغرر أو أن وجوب الاستبراء بعد القبض وقد قبضها وهى مشغولة بالنكاح فلم يلزمه الاستبراء عند ذلك ولا بالطلاق بعد ذلك وهذه هي الحيلة لاسقاط الاستبراء في حق من كان تحته حرة لانه لا يمكنه أن يتزوجها بنفسه وان لم يكن تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزمه الاستبراء لان بالنكاح يثبت له عليها الفراش فإنما اشتراها وهي فراشه وقيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء الغير شرعا ثم الحل لم يتجدد له بملك الرقبة لانها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك ولا بأس بالاحتيال لاسقاط الاستبراء بهذه الصفة إذا علم أن البائع لم يكن وطئها في هذا الطهر وفي قول أبى يوسف وقال محمد يكره ذلك وهو نظير ما تقدم من الحيلة لاسقاط الزكاة فعند أبى يوسف هو يمتنع من التزام حكم مخافة أن لا يتمكن من الوفاء به إذا لزمه ومحمد يقول الفرار من الاحكام الشرعية ليس من
[ 159 ] أخلاق المؤمنين فيكره له اكتساب سبب الفرار وهكذا الخلاف في الحيلة لاسقاط الشفعة والله أعلم (باب الاستبراء في الاختين) قال وإذا وطئ الرجل أمة ثم اشترى اختها كان له أن يطأ الاولى وليس له أن يطأ الثانية لانه إذا وطئ الثانية يصير جامعا بين الاختين وطئا بملك اليمين وذلك لا يحل لظاهر قوله تعالى وأن تجمعوا بين الاختين وكان في هذا الفصل اختلاف بين عثمان وعلي رضى الله عنهما فكان عثمان رضي الله عنه يقول أحلتهما آية يعنى قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وحرمتهما آية يعنى قوله تعالى وأن تجمعوا بين الاختين فكان يتوقف فيه وكان علي رضي الله عنه يرجح آية التحريم لانه ان كان المراد الجمع بينهما وطأ فهو نص خاص وان كان المراد الجمع بينهما نكاحا فالنكاح سبب مشروع للوطئ فحرمة الجمع بينهما نكاحا دليل على حرمة الجمع بينهما وطئا واخذنا بقول علي رضي الله عنه احتياطا لتغليب الحرمة على الحل والاباحة ولذا قال ﷺ ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الاغلب الحرام الحلال * وإن لم يكن وطئ الاولى حتى اشترى الثانية أو اشتراهما معا فله أن يطأ أيتهما شاء لان كل واحدة منهما مملوكة له وبوطئ احداهما لا يصير مرتكبا لما هو المحرم وهو الجمع بينهما وطئا فله أن يطأ ايتهما شاء فان وطئ إحداهما لم يكن له أن يطأ الاخرى لانه لو وطئ الاخرى صار جامعا بينهما وطئا فان وطئهما جميعا أو قبلهما أو نظر إلى فرجيهما بشهوة فقد أساء بارتكاب الجمع المحرم فكما يحرم الجمع بينهما في دواعى الوطئ والتقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة من جملة الدواعى كالنكاح ولهذا تثبت به حرمة المصاهرة كما تثبت بالوطئ ثم ليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم على نفسه إحداهما ببيع أو نكاح أو تبرع لانه إذا أراد أن يطأ احداهما والآخرة موطوءته ولهذا لو كانت موطوأته على الخصوص لم يكن له أن يطأ اختها بالملك حتى يحرمها على نفسه فكذلك هذا الحكم بعد ما وطئهما فان زوج احداهما فله أن يطأ الباقية منهما لان المنكوحة صارت فراشا للزوج وبثبوت الفراش الصحيح للزوج ينعدم أثر وطئ المولى حكما ولهذا لو جاءت بالولد بعد ذلك لا يثبت النسب من المولى وان ادعاه فيكون هذا بمنزلة الطلاق قبل الدخول ولو طلق احدى الاختين قبل الدخول كان له أن يتزوج بالاخرى من ساعته فهنا أيضا له أن
[ 160 ] يجامع الاخرى غير انى لا أحب له أن يجامعها حتى تحيض اختها حيضة لقوله ﷺ لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم اختين وكذلك الزوج يستحب له أن لا يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة لقوله ﷺ لا ينبغى لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد فان طلقها الزوج وانقضت عدتها لم ينبغ للمولى ان يطأ واحدة منهما حتى يزوج احداهما أو يبيع لان حق الزوج يسقط عنها بالطلاق ولم يبق له أثر بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل التزويج وكذلك لو باع احداهما وسلم ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم إحداهما على نفسه هكذا روى عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا لانهما اجتمعا في ملكه وكل واحدة منهما موطوءته فكانت هذه الحالة كحاله قبل البيع في المنع * قال وإذا ارتدت إحداهما عن الاسلام والعياذ بالله لم يحل له أن يطأ الاخرى لان المرتدة في ملكه بعد ولم يثبت فيها حل لغيره وحرمتها عليه بالردة كحرمتها بالحيض وكذلك الرهن والاجارة والتدبير فمباشرته في احداهما لا يخرجها عن ملكه ولا يحرمها عليه ولا يحل له أن يطأ الاخرى باعتباره وكذلك ان لحق احداهما دين أو جناية فانها لم تخرج من ملكه ما لم تدفع أو تبع فإذا دفعت أو بيعت في الدين فقد خرجت من ملكه وحل له وطئ الاخرى عند ذلك * قال ولو كاتب احداهما أو اعتق بعضها فقضي عليها بالسعاية أو لم يقض حل له أن يطأ الاخرى أما في معتقة البعض فهو غير مشكل لان ملكه زال عنها بقدر ما أعتق وزوال ملكه عن بعضها في حكم الحرمة كزوال ملكه عن جميعها وفي الكتابة الجواب مشكل فقد ذكرنا في الباب المتقدم انها بالكتابة لا تخرج عن ملك المولى حتى لا يلزمه استبراء جديد بعد العجز ولم يحل فرجها لغيره وكان ينبغى أن لا يحل له وطئ الاخرى ولكن قال ملك المولى يزول بالكتابة ولهذا يلزمه العقد بوطئها وجعل وطئه اياها وطئا في غير ملك حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة فتجب الغرامة فيجعل زوال ملك الحل عنها بالكتابة كزوله بتزويجها أو ببيع بعضها فيحل له أن يطأ الاخرى وكذلك لو وهب احداهما أو وهب شقصا منها وسلم فهو والبيع سواء وكذلك لو أسرها العدو واحرزوها بدارهم لانهم ملكوها بالاحراز * ولو أبقت إليهم لم يحل له وطئ الباقية في قول أبى حنيفة لانهم لم يملكوا الآبق بالاخذ فهى باقية على ملكه وعند أبى يوسف
[ 161 ] ومحمد رحمهما الله إذا أخذوها ملكوها بالاحراز فيحل له وطئ الاخرى * قال ولو زوج احداهما نكاحا فاسدا فوطئها زوجها ثم فرق بينهما فله أن يطأ اختها لان العدة وجبت على التي زوجها والعدة بمنزلة النكاح في حرمتها بها على المولى فيحل له أن يطأ اختها وان كانت عند الزوج لم يفرق بينهما ولم يدخل بها أو فرق بينهما قبل الدخول لم يكن له أن يقرب الاخت لان النكاح الفاسد لا يحرمها على المولى ولا يثبت للزوج عليها فراش فوجوده وعدمه سواء وان باع احداهما بيعا فاسدا وقبضها المشترى حل له وطئ الاخرى لان المشترى ملكها بالقبض وان كان لا يحل له وطؤها لفساد البيع وبخروج احداهما عن ملكه يحل له وطئ الاخرى لان المشترى ملكها بالقبض فان ترادا البيع فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم احداهما عليه فان باع التى لم يبع لم يقرب التى ردت عليه حتى يستبرئها بحيضة لخروجها عن يده وملكه بالتسليم بحكم البيع الفاسد * قال وإذا تزوج اخت جاريته التى وطئها لم يقرب واحدة منهما حتى يملك فرج أمته غيره لان التى تزوجها صارت فراشا له بنفس النكاح حتى لو جاءت بالولد يثبت النسب منه فكانت كالموطوءة حكما فلهذا لا يقرب أمته ولا يقرب المنكوحة لانه وطئ أختها بالملك فيصير بهذا الفعل جامعا بين الاختين وطئا وذلك حرام وقال مالك له أن يطأ أمته كما كان يطؤها قبل النكاح وجعل نكاحه اختها بمنزلة شرائه اختها والفرق بينهما ما ذكرنا فانها بنفس الشراء ما صارت فراشا له حتى لو جاءت بالولد لا يثبت النسب. ولو اشترى أخت امرأته وهى أمة كان له أن يطأ الاولى وهى المنكوحة لان الثانية بنفس الشراء ما صارت فراشا له ويستوى ان كان وطئ المنكوحة أو لم يطأها لان بالنكاح صارت فراشا له والتحقت بالموطوءة. ولو اشترى عمة امته التى وطئها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها من نسب أو رضاع فهو بمنزلة شراء الاخت لان الجمع بين هاتين في النكاح حرام فكذلك يحرم الجمع بينهما وطئا بملك اليمين * قال وإذا اشترى جارية وقبضها وعليها عدة من زوج من طلاق أو وفاة يوم أو أكثر من ذلك فليس عليه بعد مضي تلك المدة استبراء استحسانا لان العدة من حقوق النكاح فتعمل عمل أصل النكاح في المنع من وجوب الاستبراء ولو كانت منكوحة عند القبض بالشراء لم يجب على المشترى فيها استبراء فكذلك إذا كانت معتدة ألا ترى انها لو كانت حاملا فولدت بعدما قبضها المشترى لم يلزمه استبراء آخر فكذلك إذا انقضت عدتها بغير ولد * قال وإذا اشترى جارية لها زوج
[ 162 ] وقبضها ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقد كان البائع وطئها قبل أن يزوجها لم ينبغ للمشترى أن يقربها حتى تحيض حيضة استحسانا لانه لو قربها أدى إلى اجتماع الرجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وقيل هنا الاستبراء مستحب لا واجب كما يستحب للزوج أن يستبرئها قبل أن يطأها إذا علم ان المولى وطئها في هذا الطهر فكذلك حال المشتري بعد طلاق الزوج مثله وقيل بل في حق المشترى الاستبراء واجب وهو احدى الروايتين في أن الطلاق قبل الدخول يوجب الاستبراء على المشترى فان كانت قد حاضت حيضة بعد وطئ البائع فلا بأس بان يقربها المشترى ولا يستبرئها فبهذا تبين أن المنع في الفصل الاول لكيلا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لا لوجوب الاستبراء على المشترى عند الطلاق * قال وإذا اشترى المكاتب جارية وقبضها فحاضت عنده ثم عتق حل له أن يطأها لان المكاتب في حكم ملك التصرف بمنزلة الحر وبالشراء يثبت له حق الملك فتأكد ذلك بالعتق وبالحيضة التى توجد في يده بعد ذلك يتبين له فراغ رحمها من ماء الغير فيحتسب بها من استبرائه * قال ألا ترى أن مولاه إذا اشتراها منه قبل أن يعتق كان عليه ان يستبرئها بحيضة يعنى أن المولى في كسب مكاتبه كالاجنبي والمعتبر ملك المكاتب فيها قبل العجز لاملك المولى فان عجز المكاتب لم يطأها المولى حتى يستبرئها بحيضة لان المولى انما ملكها بعد عجز المكاتب وهذا لان ملك الحل بمنزلة ملك التصرف والمكاتب هو المستبد بالتصرف في ملكه قبل العجز وانما يملك المولى التصرف بعد عجز المكاتب فيلزمه استبراء جديد ألا ترى أن المشتراة قبل القبض إذا حاضت ثم قبضها يلزمه استبراء جديد وان كان هو قبل القبض مالكا رقبتها فهذا أولى فان كانت أم المكاتب أو ابنته لم يكن على المولى أن يستبرئها لانها تتكاتب عليه وكل من دخل في كتابته فهو مملوك المولى حتى ينفذ عتقه فيه كما ينفذ في المكاتبة فكما أن المكاتبة إذا عجزت لا يجب على المولى أن يستبرئها فكذلك لا يجب عليه الاستبراء متى صارت مكاتبة معه ولو كانت اخت المكاتب أو ذات رحم محرم منه فكذلك الجواب عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لانها قد تكاتبت عليه وعند أبى حنيفة لا يتكاتب ما سوى الوالدين والمولودين فيجب على المولى فيها الاستبراء بعد العجز كما في الاجنبية ألا ترى أن المولي لو أعتقها لم ينفذ عتقه فيها عنده ولا يمتنع عليه بيعها * قال ولو اشترى النصراني جارية فليس عليه أن يستبرئها لان ما فيه من الشرك أعظم من ترك الاستبراء معناه ان وجوب الاستبراء لحق الشرع والكافر لا يخاطب
[ 163 ] بما هو أهم من الاستبراء كالعبادات فان أسلم قبل أن يطأها وقبل أن تحيض حيضة ففى القياس ليس عليه أن يستبرئها لان أو ان وجوب الاستبراء عند القبض ولم يلزمه عند ذلك فلا يجب من بعد كما لو كانت منكوحة أو معتدة حين قبضها وفي الاستحسان عليه أن يستبرئها بحيضة لان وقت الاستبراء من حين يقبضها إلى أن تحيض حيضة فإذا أسلم وقد بقى شئ من وقت الاستبراء يجعل ذلك لوجود الاسلام في أول الوقت كالكافر إذا أسلم في آخر وقت الصلاة يلزمه تلك الصلاة لهذا المعنى فان وطئها قبل اسلامه ثم أسلم لم يكن عليه أن يستبرئها لان وقت الاستبراء ما قبل الوطئ لانه يستبرئ رحمها من ماء غيره لا من ماء نفسه وبعد الوطئ لو استبرأها انما يستبرئها من ماء نفسه * قال وإذا اشترى جارية مجوسية فحاضت عنده حيضة ثم أسلمت حل له أن يطأها لان تلك الحيضة وجدت بعد تمام الملك له فيها فيجتزئ بها من الاستبراء وكذلك ان كانت محرمة فحاضت في احرامها ثم حلت * قال وإذا اشترى جارية هي اخت البائع من الرضاع أو كانت حراما عليه بوجه من الوجوه فعلى المشترى أن يستبرئها لانه حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة فهو كما لو اشتراها من امرأة * قال وان اشترى جارية فلم يقبضها حتى ردها بخيار أو عيب فليس على البائع أن يستبرئها لانها لم تخرج من ضمان ملكه حين عادت إليه والله أعلم (باب آخر من الخيار) قال وإذا رأى الرجل عند رجل جارية فساومه عليها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك متنقبة فاشتراها بثمن مسمى ولم يعلم انها تلك الجارية ولم يقع بينهما منطق يستدل به أنه قد عرفها فهو بالخيار إذا كشف نقابها وهذا بمنزلة من اشترى شيئا لم يره لان الرؤية السابقة لم تفد له العلم باوصاف المعقود عليه لما لم يعلم أنها تلك الجارية وثبوت خيار الرؤية للجهل بأوصاف المعقود عليه فانما يسقط خياره برؤية تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فما لم يفده بأوصاف المعقود عليه فوجوده كعدمه أرأيت لو رآها عنده ثم رآها متنقبة عند آخر ولا يعلم انها تلك الجارية فاشتراها أما كان له الخيار إذا كشفت نقابها فكذلك إذا اشتراها من الاول * قال ولو نظر إلى جراب هروى فقلبه ثم ان صاحب الجراب قطع منه ثوبا ثم أخبره انه قطع منه ثوبا ولم يره اياه ثانية حتى اشتراه فهو بالخيار إذا رآه لان الثياب عدد متفاوت ولذا لا يجوز
[ 164 ] شراء ثوب من الجراب بغير عينه فإذا لم يكن ما قطع منه معلوما عند المشترى لم يكن ما يتناوله العقد أيضا معلوم الوصف عنده فثبت له الخيار عند الرؤية. ألا ترى انه لو اشترى الجراب الا ثوبا منها بغير عينه لم يجز الشراء فكذلك إذا كان لا يعلم ما قطع البائع منها بعد رؤيته فلعله قطع أجودها والمشترى يظن أنه قطع أردأها فلهذا كان له الخيار إذا رآه * قال ولو عرض رجل على رجل ثوبين فلم يشترهما ثم لف احدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم أيهما هو فهو بالخيار إذا رآه لان الرؤية المتقدمة لا تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فلعل المشترى يظن انه أجودهما وهو اردؤهما ولو أتاه بالثوبين جميعا وقد لف كل واحد منهما في منديل فقال هذان الثوبان اللذان قد عرضت عليك أمس فقال أخذت هذا لاحدهما بعشرين درهما وهذا بعشرة في صفقتين أو صفقة ولم يرهما في هذه المدة فأوجبهما له فهو بالخيار لانه لما خالف بينهما في الثمن فما هو المقصود لا يحصل له ما لم يعلم بأوصاف كل واحد منهما بعينه لجواز ان يظن أن الذي اشتراه بعشرين درهما أجودهما والذي اشتراه بعشرة اردؤهما والحال بخلاف ذلك فربما يهلك أحدهما أو يجد به عيبا يحتاج إلى رده فلا يندفع الغبن عنه ما لم يعرف كل واحد منهما بعينه. ولو قال قد أخذت كل واحد منهما بعشرة أو بعشرين جاز ذلك ولا خيار له لانه أخذهما صفقة واحدة ولم يفصل احدهما في الثمن وقد كانا معلومى الوصف عنده بالرؤية المتقدمة فلاجله لا يثبت له خيار الرؤية فيهما * قال رجل اشترى ثوبا ولم يره حتى رهنه أو أجره يوما أو باعه والمشترى بالخيار فهذا اختيار منه له وليس له أن يرده لانه أوجب للغير فيه حقا لازما وذلك بعجزه عن الرد فان البيع بشرط الخيار للمشترى لازم في جانب البائع واكتسابه ما يعجزه عن الرد مسقط لخياره حكما كما لو كان المبيع عبدا فدبره أو باعه. والبائع بالخيار فنقض البيع كان له أن يرده لان خيار البائع يمنع زوال ملكه والبيع بهذه الصفة لا يعجزه عن الرد فلا يكون مسقطا لخياره وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله انه يسقط خياره بهذا البيع وقيل تلك الرواية اصح لان البيع بشرط الخيار للبائع أقوى في اسقاط الخيار من العرض على المبيع ولو عرضه على البيع سقط خياره فإذا باعه بشرط الخيار أولى ووجه ظاهر الرواية أن البيع تصرف من جهة القول فإذا كان بحيث لا يعجزه عن الرد لا يكون اسقاطا لخياره حكما ولكنه بمنزلة اسقاط خيار الرؤية بالقول قصدا وذلك لا يصح قبل الرؤية فكذلك ايجاب البيع بشرط الخيار له * قال ولو اشترى عبدا لم يره
[ 165 ] فكاتبه ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار وكذلك خيار الشرط في ذلك لان عقد اكتساب لازم في جانب المولى وهو يعجزه عن الرد بحكم الخيار فمباشرته تتضمن سقوط خياره حكما فخيار الشرط والرؤية في ذلك سواء ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده بخيار الرؤية والشرط لان الحمى عنده بمنزلة عيب حادث وذلك غير مسقط لخياره وانما يمنعه عن الرد بغير رضا البائع لدفع الضرر عن البائع فإذا اقلعت الحمى عنه فقد زال معنى الضرر فكان هو على خياره في الرد بخلاف ما تقدم فان عجزه عن الرد هناك لايجابه حقا لازما للغير فيه وذلك مسقط لخياره حكما ولو أشهد على نقض البيع في الثلاثة بحضرة البائع والعبد محموم وله خيار الشرط ثم ذهبت الحمى قبل مضى الثلاثة ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاثة الايام كان له أن يرده بذلك الرد لان نقضه البيع بحضرة البائع صحيح في حقه وانما امتنع ثبوت حكمه في حق البائع لدفع الضرر عنه فإذا ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة فقد انعدم معنى الضرر فتم البيع في حق البائع أيضا فلهذا كان له أن يرده بعد مضي الايام الثلاثة وهذا لان الحمى حين ذهبت مع بقاء مدة الخيار تجعل المشترى كالمجدد للفسخ في هذه الحالة لانه مصر على الفسخ الذي كان منه كانه جدده بعد زوال المانع. ولو تمادت به الحمى عشرة أيام ليس له بذلك الرد ولا بغيره لان مدة الخيار ذهبت والمانع قائم فبطل حكم الرد لاستغراق المانع في جميع المدة ولانه حين أقلعت الحمى عنه يصير كالمجدد للفسخ وهولا يملك الرد به بعد مضى مدة الخيار وانما يملك ذلك في مدة الخيار ولو خاصمه في الثلاثة إلى القاضى فرده المشتري وأبى البائع أن يقبله وهو محموم فان القاضى يجيز البيع ويبطل الرد لانه يرده بعيب حادث عنده وانما كان تمكنه من الرد بحكم الخيار له لدفع الضرر عن نفسه لا لالحاق الضرر بالبائع فإذا أدى ذلك إلى الاضرار بالبائع أبطل القاضي رده ولزمه البيع بقضاء القاضي فان صح العقد في الثلاث لم يكن له أن يرده لان الزام القاضى اياه أقوى من التزامه اسقاط الخيار ولو أسقط خياره لم يكن له أن يرده بعد ذلك فإذا ألزمه القاضي كان أولى وكذلك هذا في خيار الرؤية لان قضاء القاضى ببطلان رده مسقط لخياره حكما وذلك حاصل قبل الرؤية وهذا بخلاف الرجوع في الهبة فان الموهوب له إذا بنى في الدار الموهوبة ثم رجع الواهب فأبطل القاضى رجوعه ثم رفع الموهوب له بناءه كان للواهب أن يرجع فيها لان حق الواهب في الرجوع لا يحتمل الاسقاط حتى لو اسقطه بنفسه كان اسقاطه باطلا
[ 166 ] فالقاضي انما يمنع رجوعه بقضائه لاجل البناء لا أن يسقط حقه في الرجوع فإذا زال المانع كان له ان يرجع وهنا القاضى مسقط لخياره لان خياره محتمل للسقوط فبعد ما سقط خياره بقضاء القاضى لا يمكن من الرد بحكمه * قال ولو اشهد على رده في الثلاثة بحضرة البائع وهو صحيح ثم حم قبل ان يقبضه البائع ثم اقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة في الثلاثة أو بعدها فهو لازم للبائع ولاخيار له فيه لان المشتري فسخ البيع وهو صحيح فعاد فسخه إلى ذلك البائع ثم بحدوث العيب في ضمان المشترى يثبت للبائع الخيار فإذا أقلعت الحمى فقد زال ذلك العيب وسقط ما كان من الخيار للبائع كما لو حدث بالمبيع عيب في يد البائع ثم زال العيب قبل أن يقبضه المشترى كان لازما للمشترى ولاخيار له فيه فهذا مثله وكذلك خيار الرؤية ولو خاصمه والحمى به فابطل القاضى الرد وألزم المشترى العبد فليس له أن يرده بعد ذلك لان ذلك الفسخ بطل بقضاء القاضى بمنزلة البيع إذا أبطله القاضى للعيب الحادث عند البائع ثم زال العيب * قال ولو جرح العبد عند المشترى جرحا له ارش أو جرحه هو أو كانت أمة فوطئها هو أو غيره لم يكن له ان يردها بخيار الرؤية ولا بخيار الشرط اما إذا جرحها هو فلان اقدامه على ذلك الفعل اكتساب منه للسبب المسقط لخياره لانه يعجزه عن ردها كما قبضها وان جرحها غيره فلما حدث من الزيادة المنفصلة وهو الارش وكذلك ان وطئها غيره فان وطئها هو فاقدامه على الوطئ يكون رضا منه بتقرر ملكه فيها وذلك مسقط لخياره وكذلك إذا ولدت ولدا فمات ولدها أو لم يمت لم يكن له أن يردها بخيار الرؤية ولا بخيار الشرط أما إذا بقي الولد فللزيادة المنفصلة وأما إذا مات الولد فللنقصان الحادث في يده بالولادة ولو كانت دابة أو شاة فولدت لم يكن له أن يردها لا بخيار الشرط ولا بخيار الرؤية للزيادة المنفصلة وكذلك لو قتل ولدها هو أو غيره لانه بالقتل حابس للزيادة فكأنها قائمة في يده وإذا كان القاتل غيره فقد وجب على القاتل قيمة الولد وبقاء قيمته في يده كبقاء عينه ولو مات موتا كان له أن يردها لان الزيادة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كان لم تكن والولادة لاتمكن عيبا فيها فان الولادة في البهائم لا تكون نقصانا فلهذا كان له أن يردها * قال ولو أن البائع جرحها عند المشتري أو قتلها وجب البيع على المشترى وعلى البائع القيمة في خيار الشرط والرؤية أما في القتل فلان المشترى عجز عن ردها بعد ما قتلت وقد صار البائع منها كاجنبي آخر فكما أنه لو قتلها أجنبي آخر يسقط خيار المشتري ويكون له على القاتل قيمتها
[ 167 ] فكذلك إذا قتلها البائع وأما إذا جرحها البائع عند المشترى فكذلك الجواب في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الاول وهو القياس وفي قول أبى يوسف الآخر للمشترى أن يردها بخياره ذكر قوله في كتاب الشرب وذكر محمد بن سماعة في نوادره في خيار الشرط والرؤية وخيار العيب جميعا وجه قوله ان الخيار مستحق للمشترى على البائع ومن عليه الحق لا يملك اكتساب سبب اسقاط الحق المستحق عليه الا بطريق الابقاء. يوضحه أن حدوث العيب في يد المشترى انما يمنع الرد لدفع الضرر عن البائع ولا يتحقق ذلك في جناية البائع عليه لانه راض بفعله ولانه يجعل مستردا لذلك الجزء لجنايته ولما بقى برد المشتري عليه فيعود إليه حكما كما خرج من يده بخلاف مااذا كان الجاني غيره. وجه قولهما أن البيع لازم في جانب البائع وهو بعد التسليم فيها كأجنبي آخر بدليل مسألة القتل ولو كان الجاني أجنبيا آخر فوجد الارش لم يتمكن المشترى بعد ذلك من ردها فكذلك إذا كان هو البائع ولا يملك اسقاط خيار المشتري فالاجنبي لا يملك اسقاط خياره والبائع انما رضي بالنقصان الحادث بجنايته في ملك المشترى فلا يكون راضيا به في ملك نفسه ولو جعل جنايته استردادا في ذلك الجزء لكان قتله استردادا في الكل وهذا لان البيع لازم من جهته فلا يتمكن هو من الاسترداد ولو استودعها المشترى البائع بعد ما قبضها فماتت عند البائع قبل أن يرضى المشترى ففى خيار الرؤية هي من مال المشتري وعليه الثمن لانها مملوكة للمشترى أمانة في يد البائع فهلاكها في يد الامين كهلاكها في يد المشتري وفي خيار الشرط كذلك الجواب عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان خيار الشرط عندهما لايمنع ملك المشترى وعند أبى حنيفة في القياس كذلك لان البيع لازم في جانب البائع والمبيع خارج من ملكه فايداع المشترى اياه كايداعه أجنبيا آخر فإذا هلك في يده هلك من مال المشتري وفي الاستحسان يهلك من مال البائع لان خيار المشتري يمنع ملكه عند أبى حنيفة فتسليمه اياها إلى البائع لا يكون ايداعا فيه ملك نفسه ولكنه فسخ للقبض فكأنها هلكت في يد البائع قبل أن يقبضها المشترى فيهلك من مال البائع (باب بيع النخل وفيه ثمر أو لم يكن فيه ثمر) قال وإذا اشترى الرجل أرضا ونخلا بألف درهم والارض تساوى ألفا والنخل يساوى
[ 168 ] ألفا فأثمر النخل بعد ذلك في يد البائع مرة أو مرتين كل مرة تساوى الثمرة الفا فأكله البائع كله ثم جاء المشترى يطلب بيعه فالاصل في تخريج هذه المسألة أن الثمار الحادثة زيادة في الارض والنخل في قول أبى حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الاول رحمهم الله وفي قوله الآخر هو زيادة في النخل خاصة وبه قوله الآخر ان الثمار يخرجه النخيل دون الارض فيكون زيادة فيهما يقسم الثمن على قيمة الارض والنخل أولا ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار بمنزلة مالو اشترى جاريتين فولدت احداهما قبل القبض ثم قبضهما فانه يقسم الثمن على قيمة الجاريتين أولا ثم ما أصاب التى ولدت يقسم على قيمتها وقيمة ولدها يوم يقبض المشترى الولد لهذا المعنى ان الولد انفصل عنها فتكون زيادة فيها خاصة وجه قولهما ان النخيل في هذا البيع بيع بدليل أنها تدخل في البيع من غير ذكر والبيع لا يقع له فتكون الثمار الحادثة زيادة في الاصل بمنزلة مالو اشترى جارية فولدت ابنة قبل القبض ثم كبرت الابنة وولدت ولدا فيجعل الولد الثاني زيادة في الجارية حتى يقسم الثمن على قيمتها وقيمة الولدين لان الابنة تابعة في العقد فلا يكون ولدها تبعا لها فهذا مثله والثمار في الصورة يخرجها النخيل وفي المعنى زيادة في الارض لان النخيل تتشرب بعروقها من الارض ألا ترى ان بقوة الارض تزداد الثمار جودة فعرفنا أن من حيث المعنى الاصل هو الارض للثمار وللنخيل جميعا فلهذا يقسم الثمن على قيمة الكل قسمة واحدة ثم يعتبر في القسمة قيمة الثمار حين أكلها البائع لانها عند ذلك صارت مقصودة فالزيادة الحادثة انما تصير لها خاصة من الثمن إذا صارت مقصودة بالتناول ألا ترى ان المشتري إذا قبضها يعتبر في الانقسام قيمتها وقت القبض فكذا إذا أكلها البائع فان كانت أثمرت مرة واحدة فأكلها البائع وقيمتها ألف درهم انقسم الثمن أثلاثا ثلثه بازاء الارض وثلثه بازاء النخيل وثلثه بازاء الثمار ويسقط عن المشترى حصة الثمار من الثمن ويأخذ الارض والنخيل بثلثي الثمن وفي قول أبى يوسف الآخر يقسم الثمن أولا على قيمة الارض والنخيل نصفين ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار نصفين فيسقط عن المشترى ربع الثمن ويأخذ الارض والنخيل بثلاثة أرباع الثمن وان كانت أثمرت النخيل مرتين أخذ المشترى الارض والنخيل بنصف الثمن لان القيم لما استوت فحصة ما تناول البائع من الثمار نصف الثمن الاول * وقال أبو يوسف يأخذ بثلثي الثمن لان نصف الثمن بمقابلة الارض والنصف الذي يقابله النخيل يقسم
[ 169 ] أثلاثا ثلثه يسقط عن المشترى بتناول البائع الثمار مرتين وثلث النصف حصة النخيل يتقرر على المشترى مع حصة الارض فيأخذها بثلثي الثمن وان كانت أثمرت ثلاث مرات أخذ الارض والنخيل بخمسي الثمن وسقط عنه ثلاثة أخماس الثمن حصة لثمن ثلاث مرات وعند أبى يوسف يأخذ الارض والنخيل بخمسة أثمان الثمن نصف الثمن حصة الارض وربع النصف الآخر حصة النخل ويسقط عن المشترى ثلاثة أثمان الثمن وان أثمرت أربع مرات فعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله يأخذ الارض والنخيل بثلث الثمن لان الثمن ينقسم على ستة أسهم حصة الارض والنخل سهمان وهو الثلث وعند أبى يوسف يأخذهما بثلاثة اخماس الثمن نصف الثمن حصة الارض وخمس النصف الآخر حصة النخل فذلك ستة أجزاء من عشرة من جميع الثمن وان أثمرت خمس مرات أخذ الارض والنخل عندهما سبع الثمن لان القسمة على الاسباع عندهما فيسقط حصة الثمار خمسة أسباع الثمن ويأخذ الارض والنخل بسبعة أجزاء من اثنى عشر جزأ من الثمن حصة الارض نصف الثمن وحصة النخل سدس النصف الباقي وفي جميع ذلك الخيار للمشتري ان شاء أخذ الارض والنخل وان شاء فسخ البيع فيهما وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فأما عند أبى حنيفة فلا خيار للمشترى في ذلك وانما نص على الاختلاف في الباب الذي بعد هذا في الولد الحادث قبل القبض إذا أتلفه البائع ولافرق بين الولد في الشاة وبين الثمار. وجه قولهما أن الزيادة الحادثة قبل القبض لما صارت مقصودة تتناول البائع وكان لها حصة من الثمن فالتحقت بالموجود عند العقد ولو كانت موجودة فأتلفها البائع ثبت الخيار للمشترى فيما بقي لتفرق الصفقة عليه قبل الثمار فكذلك هنا وأبو حنيفة يقول المشترى عند القبض رضى بأخذ الارض والنخيل بجميع الثمن فهو بأخذهما ببعض الثمن أرضي وثبوت الخيار لتمكن الخلل في رضا المشتري فإذا علمنا تمام الرضا منه هنا فلا معنى لاثبات الخيار له. يوضحه أن هذه الزيادة لو هلكت من غير صنع البائع أخذ المشترى الارض والنخل بجميع الثمن ولاخيار له ولان يلزم الارض والنخل ببعض الثمن عند اتلاف البائع الثمار كان أولى بخلاف الموجود عند العقد فانه لو هلك من غير صنع البائع يخير المشتري فكذلك بصنع البائع وبهذا يتبين أن تفريق الصفقة انما يحصل بهلاك الموجود عند العقد لا بهلاك الحادث بعد القبض فان كان في النخل ثمرة تساوى ألفا يوم اشترى الارض والنخل وقد اشتراهما معا فان الثمار لا تدخل
[ 170 ] في البيع الا بالذكر لانه يعرض الفضل فهو والموضوعة في الارض سواء بخلاف النخيل فانها تابعة للارض كالبناء فيدخل في البيع من غير ذكر فإذا أكلها البائع ثم أثمرت بعد ذلك مرارا فاكله البائع فالاصل في تخريج هذه المسألة أن ثلث الثمن يسقط من المشتري بأكل البائع الثمار الموجودة لان الثمار الحادثة بعد ذلك ليست بزيادة في الثمار الموجودة وهى مقصودة لا تدخل في العقد الا بالذكر فيقسم الثمن أولا على قيمة الارض وعلى قيمة النخل وقيمة الثمار الموجودة وقت العقد وقد استوت القيم فتقسم أثلاثا ويسقط عن المشترى ثلث الثمن حصة الثمار الموجودة وأما ثلثا الثمن حصة الارض والنخيل في هذه المسألة فبمنزلة جميع الثمن في المسألة الاولى في حكم الانقسام على قيمتها وقيمة ما أكل البائع من الثمار الحادثة على نحو ما خرجنا في المسألة الاولى قال فان كانت الثمرة التى حدثت بعد البيع لم يأكلها البائع ولكن أصابتها آفة من السماء فذهبت بها ونقصت تلك النخل فالمشترى بالخيار ان شاء أخذها بجميع الثمن وان شاء تركها لان الثمار الحادثة لما فاتت من غير صنع أحد لم يكن لها حصة من الثمن وصارت كان لم تكن فنفى النقصان المتمكن فيتخير المشترى لاجل ذلك وان لم ينقص النخل لم يكن للمشترى في البيع خيار وهو لازم له بجميع الثمن لان الثمار الحادثة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كان لم تكن وأما الثمار الموجودة عند العقد فسواء هلكت بغير صنع أحد أو تناولها البائع سقط عن المشترى حصتها من الثمن لانها كانت مقصودة بالعقد وقد فات القبض المستحق بهلاكها فينفسخ البيع فيها ويسقط عن المشترى حصتها من الثمن وله الخيار في أخذ الارض والنخل سواء هلكت من صنع أحد أو تناولها البائع لتفرق الصفقة عليه قبل التمام بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فهلكت احداهما قبل القبض والله أعلم (باب جناية البائع والمشترى على المبيع قبل القبض) قال رجل اشترى من رجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع البائع يده فالمشترى بالخيار ان شاء أخذ العبد بنصف الثمن وان شاء تركه لان المبيع تغير في ضمان البائع وتعيب بصنعه فتفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام بفوات النصف فان اليد من الآدمى نصفه وذلك مثبت الخيار له فان اختار فسخ العقد سقط عنه جميع الثمن وان اختار أخذ الاقطع فعليه
[ 171 ] نصف الثمن عندنا. وقال الشافعي عليه جميع الثمن ويضمن البائع نصف القيمة. وكذلك لو قتله البائع قبل القبض سقط الثمن عن المشترى عندنا وعند الشافعي يغرم البائع القيمة إذا اختار المشترى امضاء العقد لان المبيع صار مملوكا للمشترى بالعقد قبل القبض والقاطع في الجناية عليه كأجنبي آخر وباعتبار أن اليد للبائع يثبت له حق الفسخ وبهذا لا يخرج من أن يكون مضمونا عليه بالقيمة إذا جنى عليه كالمرهون إذا جنى عليه المرتهن. وحجتنا في ذلك ان المبيع مضمون بالثمن على البائع وضمان الثمن مع ضمان القيمة لا يلتقتان وهذا لانه لو وجب بالجناية ضمان القيمة على البائع لزمه تسليمها بحكم العقد ولايجوز أن يجب على البائع القيمة في ذمته على وجه يلزمه تسليمها بحكم العقد ولان المبيع في ضمان ملك البائع حتى لو هلك كان هلاكه على ملكه فينزل ذلك منزلة المملوك له حقيقة في المبيع من وجوب ضمان القيمة عليه بالجناية كما لو كانا في مجلس العقد أو كان البائع شرط الخيار لنفسه فإذا لم يلزمه ضمان القيمة سقط عنه من الثمن حصة ما أتلفه بجنايته لان ذلك صار مقصودا بالتناول فيقابله حصة من الثمن وقد فات القبض المستحق فيه باستهلاك البائع فينفسخ العقد فيه في ذلك القدر وان كانت يد العبد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء تركه لتغير المعقود عليه في ضمان البائع فان اختار الاخذ فعليه جميع الثمن هنا بخلاف الاول والشافعي يسوى بينهما فيقول في الموضعين جميعا على البائع ضمان نصف القيمة لان المبيع في ضمانه قبل التسليم فلا فرق بين ان يفوت جزء منه بفعل الضامن أو بغير فعله كالمغصوب وقاس بما لو اشترى عبدين فتلف احدهما قبل القبض بفعل البائع أو بغير فعله كان الجواب في ذلك سواء فهذا مثله ولكنا نقول الطرف من العبيد وصف ألا ترى انه يدخل في البيع تبعا من غير ذكر ولايجوز استثناؤه من العقد واسم العبد لا يتغير بفواته وبقائه والبيع يلاقى العين والثمن يكون بمقابلة الاصل دون الوصف فإذا كان الفائت وصفا قلنا ان فات بغير صنع أحد فقد فات تبعا لا مقصودا فلا يقابله شئ من الثمن وان فات بجناية البائع فقد صار مقصودا بالجنس وفسخ العقد فيه فيقابله بعض الثمن لا محالة بخلاف العبدين وكل واحد منهما هناك يدخل في العقد مقصودا يوضحه ان الوصف لا يفرد بالعقد فلا يفرد بضمان العقد أيضا والثابت ببقاء يد البائع ضمان العقد فلا يظهر ذلك في الوصف إذا فات من غير صنعه بخلاف المغصوب فهو مضمون بالتناول والوصف يفرد بالتناول
[ 172 ] فيفرد أيضا بضمان التناول وكذلك ان كان البائع هو الذي جنى عليه فسقوط حصته من الثمن هنا باعتبار تناول البائع اياه وحبسه اياه والوصف يفرد بذلك وكذلك ان قطع العبد يد نفسه فهو كما لو شلت يده بغير فعل أحد لان فعله بنفسه هدر وان قطع أجنبي يد العبد فالمشترى بالخيار فان اختار امضاء العقد فعليه جميع الثمن واتبع القاطع بنصف القيمة لان جناية القاطع على ملكه والقيمة الواجبة عليه تقوم مقام الفائت فباعتبارها يبقى جميع الثمن على المشترى وهذا الان وجوب ضمان القيمة على الجاني ليس بحكم العقد بل بسبب الجناية ألا ترى أنه يبقى عليه وان فسخ المشتري العقد بالرد بخلاف ما إذا كان الجاني هو البائع فانه لو لزمه ضمان القيمة انما يلزمه بحكم العقد ألا ترى أنه لا يبقى بعد فسخ العقد بالرد فلا يجوز استحقاق القيمة في الذمة بحكم البيع فإذا أخذ من القاطع نصف القيمة تصدق بما زاد على نصف القيمة على نصف الثمن لان هذا ربح حصل في ضمان غيره لاعلى ضمانه ونهى رسول الله ﷺ عن ربح ما لم يضمن وعند الشافعي لا يلزمه التصدق بشئ وأصل الخلاف في القتل فان العبد المبيع لو قتله أجنبي وقيمته ألفا درهم وقد اشتراه بألف درهم فاختار المشترى امضاء العقد وأخذ القيمة من القاتل فعليه أن يتصدق بالفضل عندنا لانه ربح حصل لا على ضمانه ولان القبض له مشابهة بالعقد من حيث انه يستفاد به ملك التصرف ومبادلة الالف بالالفين ربا فقبض الالفين بحكم العقد بمقابلة الالف يتمكن من شبهة الربا فيلزمه التصدق وعند الشافعي لا يلزمه ذلك لان حكم الربا عنده انما يثبت باعتبار الشرط في العقد فإذا لم يكن مشروطا في العقد لا يتمكن باعتباره الربا والمشترى إنما يعطى الثمن بمقابلة العبد لا بمقابلة القيمة وإنما استوفي القيمة باعتبار أنه بدل ملكه فهو كما لو قتل بعد قبضه وان اختار المشترى فسخ البيع فان البائع يتبع الجاني بنصف القيمة أيضا لان العقد انفسخ برد المشتري من الاصل فيبقى جناية القاطع على ملك البائع ورجعه عليه بنصف القيمة ويتصدق أيضا بما زاد من نصف القيمة على نصف الثمن لان أصل الجناية حصل لا على ملك البائع وان كان باعتبار المال يجعل كالحاصل على ملكه وتأثير الملك في سلامة الربح أكثر من تأثير الضمان فإذا كان يلزمه التصدق بالربح الحاصل على ملكه دون ضمان فلان يلزمه التصدق بالربح الحاصل لاعلى ملكه أولى ولو كان المشتري هو الذي قطع يد العبد صار قابضا لجميع العبد لانه أتلف نصفه بقطع اليد وفي الاتلاف قبض وزيادة وغير ما بقى بفعله والمشتري بصنع معين للمعقود
[ 173 ] عليه يصير قابضا يوضحه انه لو تخلي به كان قابضا له وبقطع يده يكون متخليا بما بقى منه وزيادة فان هلك العبد في يد البائع من القطع أو من غيره قبل أن يمنعه البائع من المشترى فعلى المشتري جميع الثمن لانه صار قابضا لجميع العبد وبالقبض يتحول المبيع إلى ضمانه فإذا هلك قبل أن يمنعه البائع كان هالكا في ضمان المشتري فيتقرر عليه جميع الثمن سواء هلك بسراية القطع أو بسبب آخر وان كان البائع منعه ثم مات من القطع فعلى المشترى جميع الثمن أيضا لان القطع إذا اتصلت به السراية فهو قتل حكما ومنع البائع اياه لا يقطع السراية عن الجناية لان هذا المنع لا يتبدل المالك والمستحق إنما يفوت يد المشترى وإذا كان حكم الجناية يثبت بدون يده فلان يبقى بدون يده أولى وان مات من غير القطع فعلى المشترى نصف الثمن لان البائع لما منع الباقي بالثمن فقد صار مستردا له بحق فاسخا لقبض المشترى فيه ولو قبضه المشترى حقيقة قبل نقد الثمن فاسترده البائع وحبسه بالثمن انتقض به حكم المشترى فكذلك إذا صار قابضا لما بقى منه باعتبار الجناية وإذا انفسخ قبض المشترى فيه كان هالكا في ضمان البائع فسقط حصته من الثمن وهو النصف فاما نصف الثمن فقد تقرر على المشتري بقطع اليد لان اليد من الآدمى نصفه ولا يتصور الاسترداد في الجزء الفائت فان قطع البائع أولا يده ثم قطع المشتري رجله من خلاف ثم برئ منهما جميعا فالعبد لازم للمشترى بنصف الثمن ولاخيار له فيه لان البائع بقطع اليد فوت نصفه فسقط نصف الثمن وثبت الخيار للمشترى بنصف الثمن فلما قطع المشترى رجله فقد صار مسقطا لخياره لانه قابض لجميع ما بقى متلف لبعضه ومجرد قبضه بعد العلم بالعيب يسقط خياره فقبضه مع الاتلاف أولى أن يكون مسقطا لخياره ولو كان المشترى هو الذي قطع يده أولا ثم قطع البائع رجله من خلاف فبرئ منهما كان المشترى بالخيار ان شاء أخذ العبد وأعطى ثلاثة أرباع الثمن وان شاء تركه وعليه نصف الثمن لان بقطع اليد تقرر على المشترى نصف الثمن ثم البائع بقطع الرجل بعد ذلك صار مفوتا قبض المشتري في الباقي متلفا لنصف ما بقى فيسقط عن المشترى نصف ما بقى من الثمن وهو ربع جميع الثمن ويثبت له الخيار فيما بقى من العبد لانه تغير المقعود عليه في ضمان البائع بفعله ولم يوجد من المشترى بعد ذلك ما يكون دليل الرضا منه فان شاء فسخ العقد فيما بقى منه وعليه نصف الثمن بقطع اليد وان شاء أخذ ما بقى وعليه نصف الثمن بقطع اليد وربعه بمقابلة ما بقى من العبد ولو كان المشترى نقد الثمن ولم يقبض
[ 174 ] العبد حتى قطع المشتري يده ثم قطع البائع رجله من خلاف فبرئ منهما فالعبد للمشتري ولاخيار له فيه لان المشتري صار قابضا لجميع العبد باتلاف النصف بقطع اليد ثم بقطع البائع رجله لا ينتقض قبض المشتري في شئ لان الثمن قد سلم للبائع وليس له بعد استيفاء الثمن حق نقض قبض المشترى فلهذا لا يجعل قطعه الرجل ناقضا قبض المشتري بخلاف ما تقدم في البائع. هناك لم يستوف الثمن وله ان ينقض قبض المشترى ما لم يصل إليه الثمن وإذا بقى حكم قبض المشترى كان البائع في قطع الرجل كاجنبي آخر فعليه نصف قيمة قطع اليد وعلى المشترى جميع الثمن لبقاء حكم قبضه في جميع العبد ولاخيار للمشتري لان المعقود عليه انما تغير لعدم تمام قبض المشترى * قال ولو كان البائع أولا قطع يده ثم قطع المشترى رجله فالعبد لازم للمشتري بنصف الثمن لان بقطع البائع يده يسقط نصف الثمن ويتخير المشتري الا أن خياره يسقط بقطعه رجله فكان العبد لازما له بنصف الثمن ويرجع على البائع بنصف الثمن الذي أعطاه * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشترى رجله من خلاف فمات من ذلك كله في يد البائع فعلى المشترى ثلاثة أثمان الثمن لان البائع بقطع اليد صار متلفا نصفه ثم المشترى بقطع رجله صار متلفا نصف ما بقى وهو الربع تلف بسراية الجنايتين فنصفه يكون هالكا بسراية جناية البائع وانما تعتبر السراية في الحكم بأصل الجناية وحكم أصل جناية البائع سقوط الثمن بحصة ما تلف به فكذلك حكم سراية جنايته وحكم أصل جناية المشترى تقرر الثمن عليه فكذلك حكم ما تلف بسراية جنايته فيحتاج إلى حساب تقسم ربعه نصفين وذلك ثمانية فقد تلف بأصل جناية البائع أربعة وبسراية جنايته سهم فلهذا سقط عن المشترى خمسة أثمان الثمن وتلف بجناية المشترى سهمان وبالسراية سهم فعليه ثلاثة أثمان الثمن. فان قيل فاين ذهب قولكم ان المشتري بجناية يصير قابضا لما أتلف ولما بقى منه. قلنا هو كذلك ولكن للبائع حق الاسترداد فيما بقى ما لم يصل إليه الثمن فيكون مستردا لما تلف بسراية جنايته لان تأثير سراية جنايته فوق تأثير حبسه وقد بينا أنه لو حبسه بعد جناية المشترى انتقض به قبض المشترى إلا فيما تلف بسراية جناية المشتري فلان ينتقض حكم قبض المشترى فيما تلف بسراية جناية البائع كان أولى ولو كان المشترى هو الذي قطع يده أولا ثم قطع البائع رجله من خلاف فمات من ذلك فعلى المشترى خمسة أثمان الثمن وبطل عنه ثلاثة أثمان الثمن لانه
[ 175 ] تلف بجناية المشترى النصف وهو أربعة من ثمانية وبسراية جنايته سهم فيلزمه خمسة أثمان الثمن وتلف بجناية البائع سهمان وبسراية جنايته سهم فكما انتقض قبض المشترى فيما تلف بجناية البائع فكذلك ينقض فيما تلف بسراية جنايته فلهذا سقط عنه ثلاثة أثمان الثمن وان كان الثمن منقودا والمشترى هو البادئ بالجناية فعليه جميع الثمن لانه بقطع اليد صار قابضا لجميع العبد ولم ينتقض قبضه في شئ بجناية البائع لان لاحق للبائع في نقض قبضه بعد وصول الثمن إليه فلهذا كان عليه جميع الثمن وعلى البائع ثلاثة أثمان قيمته صحيحا لانه تلف بأصل جنايته نصف ما بقى منه وهو ربع العبد وبسراية جنايته ربع ما بقى منه وذلك ثلاثة أثمان جميع العبد فيلزمه ثلاثة أثمان قيمته صحيحا والبائع في هذه الحالة كاجنبي آخر فان كان البائع هو البادئ بالقطع رد البائع على المشترى نصف الثمن الذي أعطاه لانه بقطع اليد أتلف نصفه قبل أن يصير المشترى قابضا له فينفسخ البيع في ذلك النصف ويجب عليه رد نصف الثمن ثم المشترى بقطع الرجل صار قابضا جميع ما بقى قبضا تاما فيتقرر عليه نصف الثمن إلا أن نصف ما بقى تلف بجناية المشتري والنصف بسراية الجنايتين فما تلف بسراية جناية البائع وهو الثمن فعلى البائع حصة ذلك من قيمة العبد لان التالف بسراية الجناية كالتالف بأصل الجناية ولو تلف بجنايته بعدما تم قبض المشترى فيه كان الواجب عليه ضمان القيمة فكذلك ما تلف بسراية جنايته فلهذا ألزمه ثمن قيمة العبد للمشترى. فان قيل قد قلتم ان للقبض مشابهة بالعقد وإذا كان بأصل العقد بعد الجناية ينقطع حكم السراية فان قطع يد عبد نفسه ثم باعه فكذلك بقبض المشتري بعد جناية البائع ينبغى أن ينقطع حكم السراية. قلنا عيب المبيع لا تقطع حكم السراية ولكن تبدل المستحق سبب للبيع هو القاطع للسراية لان المستحق هو المالك وقد انتقل إلى ملك المشترى بالبيع وهذا المعنى لا يوجد في القبض وبه لا يتبدل المالك والمستحق فان قيل معنى التبدل هنا يحصل حكما أيضا فان ما تلف بأصل الجناية قبل القبض يتلف على ملك البائع وما تلف بسراية جنايته يتلف على ملك المشترى ويتبين ذلك بالموجب فان باعتبار ما تلف بجناية البائع سقط الثمن عن المشتري وباعتبار ما تلف بجنايته يجب القيمة على البائع قلنا لا كذلك بل العبد بنفس العقد صار مملوكا للمشترى فجناية البائع تصادف ملك المشترى وهو سبب لضمان المتلف للمشتري عليه الا أن قبض المشترى يفوت فيما تلف بأصل جنايته ومن ضرورة فوات قبضه انفساخ البيع فيه فيسقط حصته من الثمن
[ 176 ] بذلك فأما ما تلف بسراية فلم يفت قبض المشترى فيه فلهذا كان مضمونا بالقيمة على البائع وتبين بهذا ان اختلاف الحكم لاجل فوت قبض المشترى لان حكم السراية مخالف لحكم أصل العقد في حكم الضمان وهذا هو الجواب عن الاشكال الذي يرد على أبى حنيفة في مسألة سراية القصاص ان القطع مع السراية لا يكون قتلا من أصله إذا كان حكم أصل الفعل مخالفا لحكم السراية بدليل هذه المسألة ولو كان المشترى حين اشتراه نقد الثمن أو لم ينقده حتى قطع البائع يده ثم قبضه المشترى باذن البائع أو بغير اذنه فمات في يد المشترى من جناية البائع عليه بطل على المشترى نصف الثمن بقطع البائع يده ولا ضمان على البائع فيما هلك في يد المشترى بجناية البائع لان المشترى باقدامه على القبض صار راضيا بما بقى منه وذلك قاطع لحكم سراية جناية البائع بمنزلة الرد فلهذا كان على المشترى نصف الثمن ولان القبض مشابه بالعقد ولو اشتراه بعد قطع البائع يده انقطع به حكم السراية لان المشترى صار راضيا بقبضه بحكم الشراء فكذلك في هذا الموضع ولا يشبه قبض المشترى في هذا الوجه قبضه في الوجه الاول بالجناية عليه أو بعيب يحدثه فيه وكل شئ يحدثه من جناية البائع بعدما يحدث المشتري فيه جناية فان كان الثمن غير منقود بطل عن المشتري من الثمن بحساب ما هلك منه بجناية البائع وإذا كان الثمن منقودا فعلى البائع فيه القيمة وإذا كان القبض بعد جناية البائع باخذ المشتري اياه فلا ضمان على البائع فيما هلك من جنايته في يد المشترى من القيمة ولا يبطل عنه شئ من الثمن باعتباره لان القبض بالجناية حكمي فانما يظهر أثره فيما تلف به ولا تنقطع السراية التى انعقد سببها بجناية البائع فاما القبض بالاخذ فحتى يظهر في جميع ما بقي من العبد وله مشابهة بالعقد فينقطع به حكم سراية جناية البائع وهذا لان بالقبض حسا يجعل راضيا بما بقى من العبد بعد جناية البائع وبالجناية لا يكون راضيا بتقرر ملكه فيما بقى بل هو متلف فانما ينقطع حكم سراية جناية البائع فيما يتلف بجناية المشترى أو بسراية جنايته ضرورة ألا ترى أن رجلا لو قطع يد عبده ثم غصبه منه غاصب فمات في يده من جناية المولى كان على الغاصب قيمته يوم غصبه ولو لم يغصبه ولكنه جنى عليه فمات العبد من الجنايتين كان على الجاني ضمان ما تلف بجنايته وسراية جنايته ولو لم يكن عليه ضمان ما تلف بسراية جناية المالك فيه يتضح ما سبق من الفرق بين القبض حسا وبين القبض بحكم الجناية قال وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل فلم ينقده الثمن حتى قبض بغير
[ 177 ] اذن البائع فقطع البائع يده في يد المشترى ولم يأخذه حتى مات العبد من قطع اليد أو غير ذلك في يد المشترى فان كان مات من قطع اليد فقد بطل البيع ولا شئ على المشتري فيه لان حق البائع في الحبس لم يسقط بقبض المشترى اياه بغير اذنه والسراية إذا اتصلت بالجناية كانت قتلا من أصله فكان البائع قتله في هذه الحالة في يد المشترى فيصير مستردا له ينفسخ العقد فيه فيسقط الثمن عن المشترى وإذا مات من غير قطعه فعلى المشترى نصف الثمن لان البائع إنما صار مستردا لنصفه بقطع اليد فانما انتقض قبض المشتري في ذلك النصف وبقى النصف الآخر هالكا في ضمان المشترى وهذا بخلاف ما تقدم إذا قطع المشترى يده في يد البائع ثم هلك لامن ذلك القطع ولم يحدث البائع فيه منعا فعلى المشترى جميع الثمن ويجعل قابضا لجميع المعقود عليه باتلاف نصفه وهنا لم يجعل البائع مستردا لجميع العبد باتلاف نصفه لان في الوجهين جميعا بقطع اليد يتمكن من قبض ما بقى منه فيجعل بمنزلة التخلي به والمشترى بالتخلية يصير قابضا فبالجناية أيضا يصير قابضا والبائع بالتخلي بالمبيع لا يصير مستردا فكذلك بالجناية لا يصير مستردا لما بقى منه وهذا لان الملك للمشترى والملك ممكن له من القبض فيمكن أن يجعل قابضا للبعض بالاتلاف ولما بقى منه بالتخلي به لكونه مملوكا له فاما البائع فليس بمالك وانما حقه في الحبس باعتباره يده. ألا ترى أنه لو سلم المعقود عليه لم يكن له بعد ذلك أن يحبسه فكذلك استرداده لا يظهر إلا فيما ظهر فيه عمله بيده وذلك فيما يتلف بجنايته أو بسراية جنايته وإذا اشتراه ولم ينقده الثمن حتى أحدث المشترى فيه عيبا ينقصه من الثمن فهذا بمنزلة قطعه يده في أنه بصير قابض لجميعه ويتقرر عليه جميع الثمن ان تلف بعد ذلك بآفة سماوية. ولو باعه المشترى بعد ما أحدث فيه وقبضه الذي اشتراه منه كان بيعه جائزا وبه تبين انه صار قابضا لجميع العبد بما أحدث وهو إشارة إلى ما ذكرنا أنه مالك للعبد والملك مطلقه له حق القبض والتصرف * قال وإذا اشترى جارية فلم يقبضها حتى زوجها رجلا كان النكاح جائزا لان ولاية التزويج تثبت بملك الرقبة والملك حصل للمشتري بنفس العقد والتزويج من التصرفات التى لا يمتنع صحتها لاجل الغرر. ألا ترى أن تزويج الآبقة والرضيعة يجوز فكان التزويج نظير العتق واعتاق المشترى قبل القبض صحيح فكذلك تزويجه ولهذا يجوز من الراهن تزويج الجارية المرهونة كما ينفذ عتقه ثم في القياس يصير المشترى قابضا بنفس التزويج وهو رواية عن أبى يوسف حتى إذا هلكت بعد ذلك فهو من مال المشترى لان التزويج عيب فيها والمشترى إذا
[ 178 ] عيب المعقود عليه يصير به قابضا أو يجعل التزويج كالاعتاق أو التدبير فكما يصير المشترى قابضا بذلك فكذلك بالتزويج ولكنه استحسن فقال لا يكون قابضا لها بنفس التزويج حتى إذا هلكت فهى من مال البائع لانه لم يتصل من المشترى فعل بها وانما التزويج عيب من طريق الحكم على معنى انه تقل رغائب الناس فيها وينتقص لاجله الثمن فهو في معنى نقصان السعر أو التزويج لما كان عيبا من طريق الحكم فهو نظير الاقرار عليه بالدين والمشترى لو أقر عليها بدين لا يصير قابضا لها بخلاف العيب الحسي فذلك باعتبار فعل يتصل من المشترى بعينها وهو اتلاف لجزء من عينها فاما إن يصير قابضا لما بقي بالتخلي بها أو لان المشترى لا يتمكن من قبض البعض دون البعض فمن ضرورة كونه قابضا لما أتلف أن يكون قابضا لما بقى منه وبه يفرق بين قبض المشترى واسترداد البائع فالبائع يملك استرداد البعض ليحبسه بالثمن دون القبض فلا يجعل بتفويت البعض مسترد لما بقى وهذا بخلاف الاعتاق لانه انهاء للملك واتلاف للمالية ولهذا يثبت به الولاء فمن ضرورته أن يصير قابضا والتدبير نظير العتق في الاستحقاق الولاء وثبوت حق الحرية للمدبرة فان وطئها الزوج ثم ماتت بعد ذلك ماتت من مال المشترى ان نقصها الوطئ أو لم ينقصها لان الزوج انما وطئها بتسليط المشترى اياه على ذلك فيكون فعله كفعل المشترى ولو كان المشترى هو الذي وطئها بنفسه ثم ماتت فعليه جميع ثمنها لانه بالوطئ قد تخلى بها والوطئ بمنزلة اتلاف جزء منها فكذلك إذا وطئها الزوج بتسيط المشتري وان كان البائع منعها من المشترى بعد وطئ المشترى أو لزوج اياها ولم ينقصها الوطئ شيئا ثم ماتت فلا شئ على المشترى من الثمن ولامن العقر لان البائع صار مستردا لها بحبسه اياها بالثمن ومنع المشترى منها ولم يتلف بالوطئ شيئا من ماليتها لان المستوفى بالوطئ وان كان في حكم جزء من عينها فذلك جزء ليس بمال والثمن بمقابلة ما هو مال فلهذا لا يتقرر على المشترى شئ من الثمن ولاعقر عليه لانه وطئها في ملكه ووطئ الانسان في ملك نفسه لا يلزمه العقر وان كانت بكرا أو كان الوطئ نقصها لم ينظر إلى العقر ولكن ينظر إلى ما ينقصها الوطئ فيكون عليه حصة من الثمن لانه فات جزء من ماليتها بفعل المشترى فيتقرر عليه حصة ذلك من الثمن كما لو فقأ المشترى عينها ثم استردها البائع فهلكت وهذا لان البكارة في حكم جزء من المالية ولهذا يصير مستحقا بالبيع إذا اشترط فبوطئ المشترى ان
[ 179 ] كانت بكرا يفوت جزء من المالية وقد بينا أن الوصف الذي هو مال يقابله حصة من الثمن إذا صار مقصودا بالتناول وإذا كان البائع هو الواطئ لم ينظر إلى العقر ولكنه ينظر إلى النقصان فان كان لم ينقصها شيئا أخذها المشترى بجميع الثمن وان كان نقصها شيئا حط عنه حصة النقصان وأخذها بما بقى من الثمن في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا لم ينقصها الوطئ يقسم الثمن على العقر والقيمة فيسقط حصة العقر من الثمن عن المشترى فان نقصها الوطئ ينظر إلى الاكثر من العقر ومن النقصان فيقسم الثمن عليه وعلى قيمتها ويبطل على المشترى حصة ذلك الثمن ويأخذها بحصة القيمة من الثمن لانها بالعقر صارت مملوكة للمشترى فوطئ البائع حصل في ملك الغير والوطئ في ملك الغير لا ينفك عن حد أو عقر وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر ولكن لا يمكن استيفاء العقر من البائع لانها في ضمانه بالثمن فيعتبر العقر لاسقاط حصته من الثمن وهذا لان الوطئ في ملك الغير بمنزلة الجناية فكما ان جناية البائع عليها قبل التسليم تعتبر في اسقاط حصة من الثمن لا في ايجاب الضمان فكذلك وطؤه اياها إلا أنها إذا كانت بكرا فالممكن هنا اعتبار معنى نقصان البكارة والعقر بسبب الوطئ ولكن يتعذر الجمع بينهما بسبب فعل واحد فيدخل الاقل في الاكثر ويعتبر الانقسام على القيمة وعلى الاكثر منهما وأبو حنيفة رحمه الله يقول الجارية قبل التسليم في ضمان البائع وقد جعل ذلك في حكم ضمان الفعل بمنزلة حقيقة الملك ألا ترى أنه لا يلزمه بالجناية ارش ولا بالوطئ عقر يستوفى منه فكما ان وطأه اياه لو حصل في حال قيام ملكه فيها لم يكن موجبا للعقر أصلا فكذلك إذا حصل في ضمان ملكه وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين كما قال ولكنه جزء ليس بمال فإذا لم يكن نقصانا في ماليتها والثمن بمقابلة المالية لا يمكن اسقاط شئ من الثمن باعتباره وبه فارق الجناية فانه يمكنه نقصانا في المالية نقول انه يسقط بحصة ذلك النقصان من الثمن يوضحه أن الجارية في حكم الوطئ انما تصير مملوكة للمشترى بالقبض وقبل القبض هي كالمملوكة للبائع في حكم ضمان الوطئ ولهذا لا يحتسب بالحيضة التى توجد في يد البائع من استبراء المشترى وأن المشترى لو زوجها ثم قبضها لم يكن عليه أن يستبرئها إذا طلقها الزوج فوطئ البائع اياها قبل التسليم من هذا الوجه بمنزلة وطئه اياها قبل البيع وبهذا الطريق قال أبو حنيفة لاخيار للمشترى أيضا بمنزلة مالو وطئها البائع قبل
[ 180 ] القبض ولم ينقصها الوطئ ثم علم المشترى بذلك لم يكن له فيها خيار وان كانت بكرا فنقصها الوطئ ثبت الخيار للمشترى لفوات جزء من المالية بمنزلة ما لو ذهبت البكارة من غير صنع أحد. يوضحه ان المستوفى بالوطئ في حكم جزء هو ثمرة لانه من حيث الصورة استيفاء منفعة والمنفعة تحدث شيئا فشيئا فاتلاف البائع جزأ مما هو ثمرة لا يثبت الخيار للمشتري عند أبى حنيفة إذا لم يتمكن نقصان في مالية العين كاتلاف ولد الشاة وثمرة الاشجار فإذا لم يمكن نقصانا في العين ثبت الخيار للمشترى لاجله كما لو ولدت الجارية فأتلف البائع ولدها وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله فيما إذا كانت بكرا تخريجا هو (الطمث)؟؟ من هذا فقال ينظر إلى نقصان البكارة والعقر أيقسم الثمن أولا على نقصان البكارة وعلى قيمتها فيسقط نقصان البكارة من الثمن ثم يقسم ما بقى من الثمن على قيمتها وعلى ما بقى من العقر فسقط حصة العقر من الثمن وبيانه إذا اشتراها بمائة وقيمتها مائة ونقصان البكارة عشرون والعقر أربعون فانه يسقط أولا باعتبار نقصان البكارة عشرين درهما ثم يقسم ما بقى من الثمن وذلك ثمانون درهما على قيمتها وهى ثمانون وعلى ما بقى من العقر وهو عشرون فيقسم أخماسا بأن يجعل كل عشرين سهما فيسقط عنه خمس ما بقى وذلك ستة عشر درهما وانما يأخذها بما بقى وذلك أربعة وستون درهما * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم فلم يقبضه ولم ينقد الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشترى وأجنبي رجله من خلاف فعلى المشترى ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن حصة جنايته وجناية الاجنبي ويبطل عنه جناية البائع أربعة أثمان الثمن وثلثا ثلث الثمن لان البائع بقطع اليد أتلف نصفه والمشتري مع الاجنبي بقطع الرجل أتلف نصف ما بقى ثم ما بقى وهو الربع تلف بجناية ثلثه فيكون ثلث ذلك الربع هالكا بجناية كل واحد منهم وأصل السهام من ثمانية ثم انكسر بالاثلاث فيضرب ثمانية في ثلاثة فيكون أربعة وعشرون ثم انكسر بالانصاف لان ما تلف بجناية المشترى والاجنبي يكون نصفين بينهما فتضعف أربعة وعشرون للكسر بالانصاف فيكون ثمانية وأربعين التألف بجناية البائع أربعة وعشرون وبسراية جنايته أربعة فذلك ثمانية وعشرون وذلك أربعة أثمان العبد وثلثا ثمنه لان سهام العبد ثمانية وأربعون كل ثمن ستة فأربعة وعشرون أربعة أثمان وأربعة ثلثا الثمن وجنايته موجبه سقوط الثمن فلهذا سقط أربعة أثمان الثمن وثلثا الثمن ويتقرر على المشترى ثلاثة أثمان الثمن وثلث الثمن حصة ما تلف بجنايته وحصة
[ 181 ] ما تلف بجناية الاجنبي لان الاجنبي ضامن للقيمة فيبقى البيع فيما تلف بجناية الاجنبي تبعا لبدله والتالف بجنايتهما وسراية جنايتهما في الحاصل عشرون وذلك ثلاثة أثمان العبد وثلث ثمنه ويرجع المشترى على الاجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمنها لان التالف بجناية الاجنبي نصف العشرين وهو عشرة وذلك ثمن العبد وثلثا ثمنه فيرجع المشترى عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة ولا يتصدق بشئ منه وان كان فيه فضل على حصة من الثمن لان المشترى بجنايته يصير قابضا وجناية الاجنبي اقترنت بجناية المشترى ووجوب القيمة عليه بعد الجناية فعرفنا ان الوجوب على الاجنبي بعد قبض المشترى فكان ذلك ربحا على ملكه وضمانه ولو كان البائع والاجنبي هما اللذان قطعا اليد أولا ثم قطع المشترى رجله من خلاف فمات من ذلك كله فهو على ما ذكرنا من التخريج يرتفع سهام العبد إلى ثمانية وأربعين والفائت بجناية البائع والاجنبي أربعة وعشرون وبسراية جنايتهما ثمانية وذلك اثنان وثلاثون بينهما نصفان فيكون الفائت بفعل كل واحد منهما ستة عشر وبجناية المشترى اثنى عشر وبسراية جنايته أربعة فذلك ستة عشر فاما ما تلف بفعل البائع فيسقط ثمنه عن المشترى وذلك ثمنا الثمن وثلثا ثمنه كل ثمن ستة وما سوى ذلك قيمته واجبة على المشتري أما حصة ما تلف بجنايته فغير مشكل وكذلك حصة ما تلف بجناية الاجنبي لانه قد وجب عليه بدله وهو القيمة فعرفنا أنه يقرر على المشترى خمسة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن ويرجع المشترى على الاجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة فيكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين لان الجناية على طرف المملوك إذا اتصلت بالنفس تتحملها العاقلة وكما ان بدل النفس كله يكون مؤجلا في ثلاث سنين فكذلك كل جزء من بدل النفس فعرفنا انها على الاجنبي وذلك ثمنا القيمة وثلثا ثمنها يؤخذ من عاقلته في ثلاث سنين في كل سنة ثلث ذلك فإذا قبض المشترى ذلك فانه يقابل مقدار ربع القيمة بربع الثمن فان كان فيه فضل تصدق بالفضل لان مقدر الربع وجب بأصل جناية الاجنبي وقد كان ذلك قبل قبض المشترى فهذا ربح حصل لافي ضمانه فيتصدق به بالفضل وأما ثلثا ثمن القيمة فهو سالم للمشترى لا يتصدق بشئ منه لان وجوب ذلك على المشترى بسراية جنايته وقد كان ذلك بعد ما صار المشترى قابضا له بالجناية فهو ربح حصل في ضمانه ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا فلم يقبضه حتى قطع أجنبي يده ثم قبضه على ذلك ورضيه فمات في يده من جناية الاجنبي عليه فعلى عاقلة الاجنبي قيمة
[ 182 ] العبد في ثلاث سنين فإذا قبضها وفيها فضل تصدق بنصف الفضل لان ذلك ربح ما لم يضمن واليد قطعت قبل دخول العبد في ضمانه ولا يتصدق بنصف الفضل لان السراية كانت بعد دخول العبد في ضمان المشترى بالقبض * قال ولو قطع المشترى وأجنبي يده معا ثم قطع البائع رجله من خلاف فمات من ذلك كله فالمشتري بالخيار لوجود الجناية من البائع بعد جناية المشترى فقد انتقص قبض المشترى فيما تلف بجناية البائع وصار ذلك كجنايته قبل قبض المشترى وذلك يثبت الخيار للمشتري للتغير ولم يوجد بعده من المشترى ما يكون دليل الرضا منه فلهذا يخير بين فسخ البيع وامضائه فان اختار البيع فعليه من الثمن خمسة أثمانه وثلث ثمنه وسقط عنه ثمنا الثمن وثلثا ثمنه حصة ما تلف بجناية البائع وبسراية جنايته وقد بينا على التخريج الاول ان التالف بجناية البائع اثنا عشر من ثمانية وأربعين وبسراية جنايته أربعة فذلك ستة عشر وهو ثمنا العبد وثلثا ثمنه ثم يرجع المشترى على الاجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة لان التالف بجنايتهما أربعة وعشرون وسراية جنايتهما ثمانية فيكون اثنين وثلاثين نصف ذلك على الاجنبي وذلك ستة عشر فلهذا يرجع عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة ولا يتصدق بالفضل ان كان في ذلك لان جناية الاجنبي كانت مع قبض المشترى على مابينا ان المشترى بجنايته يصير قابضا وان اختار المشترى نقض البيع لزمه من الثمن حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته وذلك ثمنا الثمن وثلثا ثمن الثمن ويسقط عنه ما سوى ذلك لانفساخ البيع فيه ويرجع البائع على الاجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة لانه ظهر ان جناية الاجنبي حصلت على ملك البائع حين انفسخ البيع فما تلف بجنايته وسراية جنايته يقابل ذلك بما يخصه من الثمن فان كان فيه فضل يتصدق بالفضل لانه ربح حصل لا على ملكه لما بينا أن أصل الجناية لم تكن على ملكه * قال وإذا اشترى الرجل من الرجلين عبدا بالف درهم فلم ينقدهما الثمن حتى قطع أحد البائعين يد العبد ثم قطع الآخر رجله من خلاف ثم فقأ المشترى احدى عينيه فمات من ذلك كله في يد البائعين فالمشترى مختار للبيع بجنايته بعد جناية البائعين لان جنايتهما أوجبت الخيار له ولكن جنايته بعد جنايتهما تكون دليل الرضا منه والاسقاط لخياره فيكون عليه من الثمن للقاطع الاول ثمن الثمن وخمسة أسداس ثمن الثمن لان للقاطع الثاني ثمنا الثمن وخمسة أسداس الثمن لان القاطع الاول بجنايته اتلف النصف وذلك أربعة وعشرون من ثمانية وأربعين والقاطع الثاني بجنايته أتلف نصف ما بقى
[ 183 ] وذلك اثنا عشر ثم المشترى بفق ء العين أتلف نصف ما بقي وهو ستة وما بقى وهو ستة تلف بثلاث جنايات فيكون على كل واحد منهم ثلث ذلك فكان حاصل ما تلف بجناية القاطع الاول وسراية جنايته ستة وعشرون نصف ذلك مما باع هو ونصف مما باع شريكه ففى حصة ما باع هو يسقط من الثمن وذلك ثلاثة عشر وكل ثمن ستة فالثلاثة عشر تكون ثمن الثمن وسدس الثمن وقد كان للقاطع الاول أربعة أثمان الثمن فإذا سقط ثمناه وسدس ثمنه بقى له ثمن الثمن وخمسة أسداس ثمنه فلهذا يغرم المشترى له ذلك والتالف بجناية القاطع الثاني وسراية جنايته أربعة عشر نصف ذلك مما باعه هو فيسقط بحصته من الثمن ونصفه فيما باع شريكه كالأجنبي فعرفنا ان الساقط من حقه ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن بقي له ثمنا الثمن وخمسة أسداس ثمن الثمن فيغرم له المشترى ذلك ثم يرجع المشترى على القاطع الاول بثمني القيمة وسدس ثمن القيمة وذلك ثلاثة عشر سهما من ثمانية وأربعين سهما حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه شريكه لانه في الجناية على ذلك كأجنبي آخر فيلزمه القيمة ويكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين وعلى عاقلة القاطع الثاني ثمن قيمة العبد وسدس ثمن قيمة حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه القاطع الاول وذلك سبعة أسهم ويكون ذلك في ثلاث سنين لانه جزء من بدل النفس فيكون في حكم التأجيل يعتبر الجميع بدل النفس ويتصدق المشترى بما زاد من ذلك كله على ما غرم من الثمن الافضل سدس ثمن قيمة العبد على ماكان بمقابلته من الثمن فان ذلك يطيب له لان ما وجب بأصل جناية كل واحد من البائعين انما وجب قبل قبض المشترى فيلزمه التصدق بالفضل فيه وأما ما تلف بسراية جناية كل واحد منهما فانما تلف بعد ما صار المشترى قابضا له فيطيب له الفضل في ذلك القدر * قال وإذا اشترى الرجلان من رجل عبدا فلم ينقده الثمن حتى قطع أحد المشتريين يده ثم قطع الآخر رجله من خلاف فمات العبد من ذلك كله فالبيع لازم للمشتريين بالثمن كله لان المبيع تلف بفعلهما وذلك قبض منهما وزيادة ويرجع القاطع الاول على القاطع الثاني بثمن القيمة ونصف ثمن قيمته ويرجع القاطع الثاني على القاطع الاول بثمن قيمته ونصف من قيمته فيكون ذلك على عاقلة كل واحد منهما في ثلاث سنين لان القاطع الاول بجنايته أتلف النصف والقاطع الثاني اتلف نصف ما بقى ثم تلف ما بقى بسراية جنايتهما فيكون نصفه على كل واحد منهما
[ 184 ] فحاصل ما تلف بجناية القاطع الاول أربعة وعشرون وسراية جنايته ستة فذلك ثلاثون نصف ذلك مما اشتراه هو ونصفه مما اشتراه صاحبه فيجب عليه قيمة ذلك لصاحبه وذلك خمسة عشر سهما وخمسة عشر من ثمانية وأربعين ثمناه ونصف ثمنه فلهذا يجب على عاقلة القاطع الاول ثمنا القيمة ونصف ثمنها والتالف بجناية القاطع الثاني وبسراية جنايته ثمانية عشر نصفه مما اشتراه صاحبه وهو تسعه وذلك ثمن ونصف ثمن فلهذا يجب على عاقلة القاطع الثاني ثمن القيمة ونصف ثمن القيمة فان كان البائع فقأ عينه بعد جنايتهما فمات من ذلك كله فللمشتريين الخيار لوجود الجناية من البائع ولم يوجد بعدها منهما ما يكون دليل الرضا فان اختار انقض البيع فللبائع على القاطع الاول ثمنا الثمن وسدس ثمنه وعلى الثاني ثمن الثمن وسدس ثمنه لان التالف بجناية القاطع الاول أربعة وعشرون وبسراية جنايته سهمان ثلث ما بقى بعد جناية البائع فذلك ستة وعشرون نصف ذلك ثلاثة عشر مما اشتراه هو فيقرر عليه حصة من الثمن وذلك ثمنا الثمن وسدس ثمنه ونصف ذلك مما اشتراه شريكه فقد انفسخ البيع فيه بفسخه فيغرم للبائع ثمني القيمة وسدس ثمن القيمة لانه فيما اشترى شريكه كالاجنبي والتالف بجناية القاطع الثاني اثنا عشر وبسراية جنايته سهمان نصف ذلك وهو سبعة مما اشتراه فلزمه حصة من الثمن وهو ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن ونصفه مما اشتراه شريكه فينفسخ البيع فيه بفسخه ويغرم للبائع حصة من القيمة وذلك ثمن القيمة وسدس ثمنها فان اختار امضاء البيع كان على كل واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه لانه انما سقط من الثمن ما تلف بجناية البائع وسراية جنايته والتالف بجنايته ستة وبسراية جنايته سهمان فذلك ثمن وثلث ثمن والباقى عليهما من الثمن ستة أثمان الثمن وثلثا ثمن على كل واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه ويرجع القاطع الثاني على الاول بثمني القيمة وسدس ثمنها لما بينا ان التالف بفعله مما اشتراه القاطع الثاني ثلاثة عشر سهما فيلزمه قيمة ذلك وذلك ثمنا القيمة وسدس ثمنها لانه تلف بفعل الثاني مما اشتراه الاول سبعة أسهم وذلك ثمن وسدس ثمن فلا تقع المقاصة بينهما فيه لان ما يجب على كل واحد منهما من ذلك يكون على عاقلته في ثلاث سنين فلا تقع المقاصة فيه مع اختلاف من يجب عليه * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشترى يده الاخرى أو قطع رجله التي في جانب اليد المقطوعة فمات من ذلك كله فقد بطل على المشترى بقطع البائع يد العبد نصف الثمن لان اليد من الآدمى
[ 185 ] نصفه ثم ينظر إلى ما نقص العبد من جناية المشترى عليه في قطع يده أو رجله بخلاف ما سبق وهو مااذا قطع رجله من خلاف لان فعله هناك ليس باستهلاك فانه غير مفوت لجنس المنفعة فلهذا يجعل التالف بفعله نصف ما بقى وهنا فعله استهلاك حكما لانه ان قطع اليد الاخرى فقد فوت منفعة البطش وتفويت منفعة الجنس يكون استهلاكا من طريق الحكم ولهذا لا يستحق ذلك في السرقة ولايجوز اعتاق مقطوع اليدين في الكفارة فان قطع الرجل التي من جانب اليد المقطوعة فقد فوت عليه منفعة المشي لانه لا يمكنه أن يمشي بعصا بخلاف ما إذا قطع الرجل من خلاف فعرفنا أن هذا استهلاك وان النقصان فيه أكثر فلهذا اعتبرنا النقصان فان كانت هذه الجناية نقصته أربعة أخماس ما بقى بأن كانت قيمته بعد قطع اليد ألف درهم وتراجعت قيمته بجناية المشترى إلى مائتي درهم فقد تقرر على المشترى أربعة أخماس نصف الثمن ثم الباقي وهو خمس النصف تلف بجنايتهما فيكون نصف ذلك على المشترى فصار حاصل ما على المشترى من الثمن أربعة أعشار الثمن ونصف عشر الثمن وسقط عنه بجناية البائع وسراية جنايته خمسة أعشار ونصف عشر * قال فان بدا المشترى فقطع يده ثم قطع البائع رجله من خلاف ثم مات من غير ذلك ولم يحدث البائع فيه منعا فعلى المشترى ثلاثة أرباع الثمن لانه بقطع اليد صار قابضا لجميع العبد ثم انما ينتقص حكم قبضه فيما تلف بفعل البائع خاصة والتالف بفعل البائع نصف ما بقى منه وهو ربع العبد فيسقط عن المشتري ربع الثمن ويلزمه ثلاثة أرباع الثمن نصف الثمن حصة ما تلف بجنايته وربع الثمن حصة ما بقى من العبد لان حكم قبض المشترى بقى فيه وقد تلف لا بسراية جناية البائع فيتقرر ثمنه على المشترى ولو لم يمت البعد وبرأ كأن المشترى بالخيار لان حكم قبضه انتقض فيما تلف بجناية البائع وذلك يثبت الخيار للمشترى ولم يوجد منه بعد ذلك ما يدل على الرضا فكان على خياره ان شاء أخذه وأعطاه ثلاثة أرباع الثمن نصف الثمن حصة ما تلف بقطعه اليد وربع الثمن حصة الباقي من العبد وان شاء تركه وأعطى نصف الثمن بقطعه اليد ولو أراد المشترى أخذه فمنعه البائع حتى يعطيه ثلاثة أرباع الثمن فمات في يده من غير جنايتهما فليس على المشترى الا نصف الثمن لان حكم قبضه انتقص فيما بقى حين منعه البائع فانما تلف ما بقى في ضمان البائع فلهذا لا يجب على المشترى من الثمن الا حصة اليد وذلك نصف الثمن والله أعلم
[ 186 ] (باب زيادة المبيع ونقصانه قبل القبض) قال وإذا اشتري الرجل جارية بالف درهم وقيمتها ألف درهم فولدت عند البائع بنتا تساوى ألف درهم ونقصت الولادة الام فالمشترى بالخيار ان شاء أخذهما بجميع الثمن وان شاء تركهما لانها تعيبت في ضمان البائع والعيب الحادث قبل القبض فيها يجعل كالمقترن بالعقد ونقصان الولادة وان كان منجبرا بالولد فالخيار يثبت للتغير كما لو قطعت يدها وأخذ البائع الارش فان اختار المشترى أخذهما فلم يأخذهما حتى ولدت البنت بنتا تساوى ألفا وقد نقصتها الولادة فالمشترى أيضا بالخيار لان الزيادة الحادثة قبل القبض كالموجودة عند العقد حتى يصير بمقابلتها حصة من الثمن إذا قبضت وأنه يثبت للمشترى فيها حق القبض كما يثبت في الاصل فكما أنه يستحق سلامة الاصل عن العيب ويثبت له الخيار إذا لم يسلم فكذلك يثبت الخيار للنقصان المتمكن في الزيادة بسبب الولادة لانه انما رضى بنقصانها على أن يسلم له الزيادة سليمة عن النقصان فإذا لم يسلم كان هو على خياره فإذا زادت الوسطى حتى صارت تساوى ألفين فقبضهن جميعها والام قد رجعت قيمتها إلى خمسمائة ثم وجد بالام عيبا ردها بربع الثمن وهذا لان الوسطى والسفلى كلاهما زيادة في الام فان الوسطى تبع الام في العقد ولاتبع للتبع فإذا لم يمكن جعل السفلى تبعا للوسطى جعلناهما كولدين للام ثم الاصل في قسمة الثمن انه يعتبر قيمة الام وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض لان الزيادة انما تصير مقصودة بالقبض وانما يكون لها حصة من الثمن إذا صارت مقصودة فاما البيع فلا حصة له من الثمن ما لم يصر مقصودا كأطراف المبيع وقيمة الام عند العقد ألف درهم وقيمة الوسطى عند القبض ألفان وقيمة السفلي ألف فجعلنا كل ألف سهما وإذا جعلنا كل ألف سهما انقسم الثمن على أربعة أسهم سهم بازاء الام فيردها بذلك إذا وجد العيب بها وسهمان بازاء الوسطى فيردها بالعيب بنصف الثمن وسهم بازاء السفلى فيردها بالعيب بربع الثمن لان كل واحدة منهن لما صارت مقصودة بالقبض التحقت بالموجود عند العقد في استحقاق المشترى صفة السلامة فيها وعند وجود العيب انما يرد المعيب خاصة بعد القبض وقد بينا هذا فيما سبق * قال وإذا اشتري أمتين بألف درهم قيمة احداهما خمسمائة وقيمة الاخرى ألف درهم فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم أعورت التى كانت تساوى
[ 187 ] ألفا فاختار المشترى أخذ ذلك كله بالثمن فقبضهن جميعا ودفع الثمن ثم وجد بالعوراء عيبا وقيمتها خمسمائة ردها بثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان ولد كل واحدة منهما يتبعها فيما يخصها من الثمن والانقسام أولا على قيمة الامتين لانهما مقصودتان بالعقد وولد كل واحدة منهما زيادة فيها دون الاخرى فيقسم الثمن على قيمة الجاريتين وقت العقد وقيمة العوراء وقت العقد ألف درهم وقيمة الاخرى خمسمائة فكان ثلثا الثمن حصة العوراء ثم ينقسم حصتها من الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وذلك ألف فانقسم نصفان نصفه حصة ولدها ونصفه حصة العوراء وذلك ثلث الالف فبذلك يردها بالعيب ولو وجد العيب بالامة الاخرى ردها بمائة واحد عشر درهما وتسع درهم لان حصتها ثلث الثمن فانقسم ذلك على قيمتها وقت العقد وهو خمسمائة وقيمة ولدها وقت القبض وهو ألف درهم فيردها بذلك * قال وإذا اشترى شاة فولدت قبل القبض فليس للمشترى أن يترك البيع لان الولادة زيادة في البهائم فلا يتمكن بها نقصان في الاصل فالمشتري يجبر على قبضها لانه لما كان راضيا بلزوم العقد قبل حدوث الزيادة فهو راض بلزومه بعد حدوثها فان وجد بالام عيبا قبل القبض فهو بالخيار ان شاء أخذهما بجميع الثمن وان شاء تركهما جميعا وليس له أن يأخذ احداهما دون الاخرى لان الزيادة قبل القبض تبع في العقد لاحصة لها من الثمن وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل ولانه لو رد الاصل وحدها ردها بجميع الثمن إذ لاحصة للولد ما لم يصر مقصودا بالقبض وبعد ماردها بجميع الثمن لو بقى العقد في الولد أخذه بغير شئ فيكون فضلا خاليا عن المقابلة مستحقا بالتبع مقبوضا به وهو الربا بعينه وان وجد بالولد عيبا فلا خيار له فيه وهما لازمان له لان بوجود العيب يظهر فوات جزء من الولد ولو مات الولد قبل القبض أخذ الام بجميع الثمن ولاخيار له فيها فكذلك إذا فات جزء من الولد وهذا لان الزيادة لما فاتت من غير صنع أحد صارت كان لم تكن وقبل حدوثها كان العقد لازما له في الاصل بجميع الثمن فكذلك بعد فواتها وهذا بخلاف مااذا وجد العيب بالولد بعدما قبضهما لان الولد بالقبض صار مقصودا فصار له حصة من الثمن فباعتبار العوض بمقابلته يستحق المشترى صفة السلامة فيه فإذا وجد المشترى به عيبا رده فاما قبل القبض فلا حصة له من الثمن واستحقاق صفة السلامة عن العيب باعتبار العوض ألا ترى انه لا يستحق ذلك في الموهوب وان كان البائع هو الذي
[ 188 ] قتل الولد فقد صار الولد مقصودا باتلاف البائع اياه ولو صار مقصودا بقبض المشترى اياه كان له حصة من الثمن فكذلك إذا صار مقصودا باتلاف البائع وقد قررنا هذا في طرف المبيع انه إذا فات من غير صنع أحد لا يسقط شئ من الثمن وإذا أتلفه البائع يسقط حصته من الثمن فكذلك هذا في الولد الذي هو تبع فيقسم الثمن على قيمة الام وقت البيع وعلى قيمة الولد يوم قتله البائع فما أصاب الولد بطل عن المشترى وأخذ الام بما بقى ولاخيار له في ذلك عند أبى حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله له الخيار وهذه هي الخلافية التى ذكرناها في الثمار وتنصيصه على الخلاف هنا يكون تنصيصا ثمة إذ لافرق بينهما * قال وإذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم واحدى عينيها بيضاء وقيمتها ألف درهم فولدت ولدا يساوى ألفا ثم ذهب البياض من عينها فصارت تساوي ألفين ثم أن البائع ضرب العين التى كانت في الاصل صحيحة فابيضت ورجعت قيمتها إلى ألف درهم وبياض العين ينقصها أربعة أخماس القيمة الاولى لو كانت العين الاولي بيضاء على حالها فانى لست ألتفت إلى الزيادة لكى انظر كم كان ينقصها البياض لو كان بياض العين الاولى على حاله فإذا كان ينقصها أربعة أخماس القيمة الاولى وذلك ثمانمائة درهم فالمشترى بالخيار ان شاء أخذها بستة أعشار الثمن وان شاء تركها اما ثبوت الخيار فلانها تغيرت في ضمان البائع بفعله ثم ذهاب البياض عن العين الاولى زيادة متصلة ولا معتبر بالزيادة المتصلة في عقود المعاوضات لما بينا أن المعتبر في الانقسام قيمتها وقت العقد فوجود هذه الزيادة كعدمها ولو لم يذهب البياض عن عينها حتى ضرب البائع العين الصحيحة فابيضت فانه يتعبر فيه النقصان فيها لانها عميت بفعله وذلك استهلاك حكما فيكون المعتبر فيه النقصان فلهذا قال ينظر إلى ما نقصها القيمة الاولى ثم الثمن ينقسم على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وهما سواء فانقسم نصفان نصف الثمن حصة الولد ونصفه حصة الام فإذا كان النقصان أربعة أخماس القيمة الاولى سقط عن المشترى أربعة أخماس النصف وتبين أن جميع الثمن صار على عشرة أسهم نصفه وهو خمسة حصة الولد وسهم واحد حصة ما بقى من الام فإذا قبضهما ثم وجد بالام عيبا ردها بحصتها من الثمن وهو سدس ما أخذهما به ولو وجد العيب بالولد رده بحصته وهو خمسه أسداس ما أخذهما به ولو لم يكن البائع ضرب العين الصحيحة ولكنه ضرب العين التى كان بها البياض بعد ما ذهب البياض فعاد إلى الحالة الاولى فالمشترى بالخيار في
[ 189 ] قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء أخذهما بثلثي الثمن وان شاء تركهما ولان ذهاب البياض كان زيادة متصلة فقد انفصلت بفعل البائع فهى كزيادة متصلة أتلفها البائع بان ولدت ولدا آخر قيمته ألف فقتله البائع ولو كان كذلك لكان يقسم الثمن على قيمة الام وقت العقد وقيمة الولد من حين يصير كل واحد منهما مقصودا والقيمة سواء فيقسم الثلث أثلاثا وحصة ما أتلف البائع ثلث الثمن فيسقط ذلك عن المشتري ويتخير فيما بقى عندهما وعند أبى حنيفة لاخيار له بمنزلة الزيادة المنفصلة في البهائم إذا أتلفها البائع لان تلك الزيادة لا تمكن نقصانا في الاصل وهذه الزيادة مثل تلك فان كان أخذهما ثم وجد باحداهما عيبا رده بنصف ما أخذهما به لما بينا أن حصة كل واحد منهما ثلث الثمن وهذا بخلاف الاول وهو ما إذا كانت جناية البائع على العين الصحيحة لان الزيادة هناك لم تزايل البدن فلا معتبر بها وهنا الزيادة زايلت البدن بصنع البائع فوجب اعتبارها * قال وإذا اشترى جارية بألف وقيمتها ألف واحدى عينيها بيضاء فذهب البياض فصارت تساوى الفين ثم ان عبدا لاجنبي ضرب تلك العين فعاد بياضها ودفعه مولاه وقيمته خمسمائة درهم فأخذهما المشترى بجميع الثمن ثم انه وجد بالعبد عيبا فانه يرد بثلث الثمن لان العبد المدفوع بالعين قائم مقامها وذهاب البياض عن تلك العين كان زيادة متصلة وقد انفصلت فيجعل كولد ولدته الجارية وانما ينقسم الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض فكذلك يعتبر قيمة العبد المدفوع في الانقسام وقت القبض بحكم العقد لاوقت الدفع بالجناية لان ذلك ليس من حكم العقد في شئ وقيمته وقت القبض خمسمائة فانقسم الثمن أثلاثا ثلثه بازاء العبد يرده بذلك ان وجد به عيبا وثلثاه بازاء الجارية ان وجد العيب بها يردها بذلك وان كان المشترى لم يقبض العبد حتى زاد في يد البائع فصار يساوى ألف درهم ثم قبضهما المشترى فوجد باحداهما عيبا رده بنصف الثمن لما بينا ان المعتبر قيمة العبد وقت القبض بحكم العقد وهى مساوية لقيمة الامة وقت العقد فانقسم الثمن عليهما نصفين * قال وإذا اشترى جارية تساوى ألفا ففقأ البائع عينها ثم ولدت بعد الفق ء ولدا يساوى ألفا أخذهما المشترى بنصف الثمن لان البائع لما فقأ عينها فقد سقط عن المشترى نصف الثمن لان العين من الآدمى نصفه ثم لما ولدت انقسم ما بقى من الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فان كان الفق ء بعد الولادة أخذهما ان شاء بثلاثة أرباع الثمن لانها حين ولدت وهى صحيحة فقد انقسم جميع الثمن على قيمتها وقيمة الولد
[ 190 ] بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت القبض وقد بقى فظهر أن نصف الثمن كان بمقابلة الولد ونصفه حصة الام فلما فقأ البائع العين فانما يسقط نصف حصتها من الثمن وذلك ربع الثمن فاما إذا كان الفق ء قبل الولادة فقد كان جميع الثمن فيها حين فقأ البائع عينها فلهذا يسقط نصف الثمن * قال ولا يشبه الرهن في هذا البيع يعنى في الرهن في هذه الصورة لافرق بين الولادة قبل ذهاب العين وبين الولادة بعد ذهاب العين ويكون الساقط ربع الدين في الموضعين جميعا وبالولادة بعد ذهاب العين هناك يعود بعض ماكان ساقطا وفي البيع لا يعود والفرق بينهما أن سقوط الثمن بفق ء البائع العين انما كان بطريق انفساخ العقد فيما أتلفه البائع والبيع بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وأما في الرهن فسقوط الدين بطريق المرتهن صار مستوفيا والاستيفاء بقرر الدين ولا يسقطه فإذا حدثت الزيادة فقد حدثت في حال قيام الدين كله لكونه منتهيا بالاستيفاء فلهذا يعود باعتبار أن الزيادة بعض ماكان ساقطا وتجعل الزيادة الحادثة بعد ذهاب العين كالزيادة قبل ذهاب العين ألا ترى انه لو اشترى شاة فماتت قبل القبض ثم دبغ البائع جلدها لا يعود العقد في حصة الجلد. ولو أن الشاة المرهونة ماتت وحكم بسقوط الدين ثم دبغ المرتهن جلدها عاد من الدين ما يخص الجلد وكان الفرق ما ذكرنا وتحقيقه من حيث المعنى أن الفسخ ضد ما هو مقصود بالعقد فانما يسقط بعض الثمن عن المشترى بما هو ضد المقصود بالعقد فلا يجعل العقد فيه كالقائم حكما وأما سقوط الدين بهلاك بعض المرهون فيحقق ما هو المقصود بالعقد لان المقصود بعقد الرهن الاستيقاء أو انما يتم ذلك بهلاك الرهن فلهذا يجعل كان العقد في الكل قائم حكما حين حدثت الزيادة فيسقط نصف ما يخص الام وذلك ربع الدين ثم الرهن والبيع يفترقان من وجه آخر وهو أن في البيع إذا ذهبت العين من غير صنع أحد لا يسقط شئ من الثمن وفي الرهن بذهاب العين من غير صنع أحد يسقط نصف الدين لان ضمان الرهن يثبت بالقبض والاوصاف تصير مضمونة بالقبض وإذا فاتت من غير صنع أحد وذلك كأوصاف المغصوبة وفي البيع الضمان بالعقد فإذا فاتت من غير صنع أحد قلنا لا يسقط شئ من الثمن بفواتها * قال وإذا اشترى جارية بألف درهم تساوى ألفا وهى بيضاء احدى العينين ففقأ البائع العين الباقية فصارت تساوى مائة درهم أخذها المشترى بمائة درهم ان شاء لان فعل البائع استهلاك لها حكما ويعتبر نقصان القيمة فيما يسقط من الثمن به فإذا لم يأخذها حتى ذهب
[ 191 ] بياض عينها الاولى فصارت تساوي ألفا فالمشترى على خياره ان شاء أخذها بمائة درهم وان شاء تركها لان ذهاب البياض عن العين الاخرى زيادة متصلة ولا معتبر بها في حكم البيع فان ضرب عبد هذه العين التى برئت فعاد بياضها فمولى العبد بالخيار ان شاء دفعه بالجناية وان شاء فداه بأرش الجناية وهو ثمانمائة درهم فان دفعه وقيمته خمسمائة درهم أخذها المشترى بمائتي درهم لما بينا أن العقد انفسخ في أربعة أخماسها بفق ء البائع عينها وكما لا يعود شئ من ذلك بولد تلده فكذلك لا يعود بالعبد المدفوع بالجناية لانه قائم مقام الزيادة المتصلة وقد صارت منفصلة فهو كولد ولدته فلهذا يأخذهما المشترى بمائتي درهم ان شاء فان قبضهما فوجد بالجارية عيبا ردها بسبعى الثمن الذى نقد وهو مائتا درهم وان وجد بالعبد عيبا رده بخمسة أسباعه لان ما بقى من الثمن وهو مائتا درهم انقسم على قيمة ما بقي منها وذلك مائتان وعلى قيمة العبد وقت القبض وهو خمسمائة درهم فإذا جعلت كل مائة سهما كانت القسمة أسباعا خمسة أسباعه حصة العبد فيرده به وسبعاه حصة الجارية فيردها بذلك وانما اعتبرنا في الانقسام قيمة ما بقى منها ولم نعتبر قيمتها وقت العقد لان العقد قد انفسخ في أربعة أخماسها وانما يعتبر في الاتقسام قيمة ما بقى حكم العقد فيه لاقيمة ما انفسخ العقد فيه ولو كان البائع لم يفقأ عينها حتى ذهب بياض عينها فصارت تساوي ألف درهم ثم ان عبدا ضرب العين التى برئت فعاد بياضها ثم ان البائع فقأ العين الباقية فصارت تساوى مائتي درهم فمولي العبد بالخيار ان شاء دفعه وان شاء فداه بألف درهم لان الفداء يكون بارش الجناية وارش الجناية هنا ألف درهم فقد كانت قيمتها عند الجناية ألفي درهم فمات بذهاب العين نصفها وتراجعت قيمتها إلى ألف درهم فان دفعه وقيمته خمسمائة أخذها المشترى ان شاء بخمسى الثمن وثلث خمس الثمن ويبطل عنه بفق ء البائع عين الجارية خمسا الثمن وثلثا خمس الثمن لان العبد مدفوع بما فوته من الزيادة المتصلة فهو بمنزلة ولد ولدته يساوى خمسمائة وعند ظهوره جميع العقد فيها قائم فانقسم الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة العبد وقت القبض أثلاثا ثلثه بازاء العبد وثلثاه بازاء الجارية ثم بفق ء البائع عينها سقط أربعة أخماس ما فيها وبقى الخمس فإذا أردت تصحيح ذلك فالسبيل أن تضرب ثلاثة في خمسة فتكون خمسة عشر حصة الام من ذلك عشرة والساقط ثمانية من هذه العشرة وثمانية من خمسة عشر خمساه وثلثاه خمسه لان كل خمس ثلاثة فخمساه ستة وثلثا خمسه سهمان
[ 192 ] فيسقط ذلك عن المشترى ويأخذهما بما بقى وهو سبعة من خمسة عشر وذلك خمساه وثلث خمسه والله أعلم (باب قبض المشترى باذن البائع أو بغير اذنه) قال وإذا اشتري الرجل من الرجل عبدا بألف درهم حالة فليس للمشتري أن يقبض العبد حتى يعطى الثمن عندنا وهو أحد أقاويل الشافعي وقال في قول على البائع تسليم المبيع أولا لان ملك المشترى ثبت بالعقد في العين وملك البائع دينا في ذمة المشترى والملك في العين أقوى ووجوب التسليم بحكم الملك وفي قول آخر يسلم كل واحد منهما بيد ويقبض بيد لان قبضه لمعاوضة التسوية فكما اقترن ثبوت الملك لاحدهما بثبوت الملك للاخر فكذلك القبض كما في بيع المقابضة ولكنا نقول قصة المعاوضة التسوية وقد عين البائع حق المشترى في المبيع فعلى البائع أن يعين حق البائع في الثمن ولا يتعين الثمن الا بالقبض فلهذا كان أول التسليمين على المشترى بخلاف بيع المقابضة فهناك حق كل واحد منهما متعين وهذا هو الجواب عن قوله ان ملك المشترى أقوى فانا انما نوجب عليه تسليم الثمن أولا لهذا المعنى وهو أنه لما يقوى ملكه في المبيع فعليه أن يسوى جانب البائع في ملك الثمن بجانب نفسه ولايكون ذلك إلا بالتسليم وكذلك نقده الثمن الا درهما لان سقوط حق البائع في الجنس متعلق بوصول الثمن إليه فما لم يصل إليه جميع الثمن لايتم الشرط ويبقى حق البائع في الحبس الا أن يكون الثمن مؤجلا فحينئذ ليس للبائع أن يحبس المبيع قبل حلول الاجل ولابعده لان قبل حلول الاجل ليس له أن يطالب بالثمن وانما يحبس المبيع بما له أن يطالبه من الثمن وأما بعد حلول الاجل فلان حق الحبس لم يثبت له بأصل العقد فلا يثبت بعد ذلك تبعا بهذا الحق ماكان له من استحقاق اليد قبل البيع فإذا لم يبق ذلك بعد العقد لا يثبت ابتداء بحلول الاجل وذكر هاشم عن محمد رحمهما الله في نوادره أنه إذا أجله في الثمن شهرا ثم لم يسلم البائع المبيع إلى المشترى حتى مضى شهر فعلى قول أبى حنيفة ان كان الاجل شهرا بعينه فيمضيه بحل الثمن وان كان شهرا بغير عينه فعلى البائع أن يسلم المبيع وليس له أن يطالب بالثمن حتى يمضى شهر بعد التسليم وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يطالب بالثمن في الوجهين جميعا لان مطلق الشهر في الاجل ينصرف إلى الشهر
[ 193 ] الذي يعقب العقد عيناه أو لم يعيناه كما في الاجارات والايمان هذا هو القياس الظاهر وما ذهب إليه أبو حنيفة نوع استحسان بناء على مقصودهما فالمقصود أن يتصرف المشترى في المبيع في الشهر ويؤدى الثمن عند مضيه ويستفصل لنفسه ولا يحصل هذا المقصود إذا لم يسلم المبيع إليه فلهذا قال في الشهر المطلق يكون ابتداؤه من حين يسلم إليه المبيع فان نقد المشترى الثمن وهو حال ولم يقبض المبيع حتى وجد البائع الدراهم زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فللبائع ان يمنع المشترى من قبض العبد حتى يعطيه الثمن مثل شرطه لان الرد بهذه الاسباب ينقض القبض من الاصل فيلتحق بما لم ينقد الثمن وكذلك لو وجد بعض الثمن بهذه الصفة وان كان ذلك درهما واحدا لان القبض قد انتقض في ذلك المردود فكأنه لم يقبض ذلك القدر وان كان المشترى قبض العبد من البائع باذنه ثم ان البائع وجد الثمن أو بعضه على ما وصفنا فان كان الذي وجد ستوقا أو رصاصا كان له أن يأخذ العبد حتى يدفع إليه المشترى مكان الذي وجد من ذلك جيادا على ما شرطه لان المقبوض ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به في الصرف والسلم لم يجز وانما لم يسلم البائع المبيع إليه على أن المقبوض ثمن فإذا تبين انه لم يكن ثمنا لم يكن هو راضيا بالتسليم فكان المشتري قبضه بغير اذنه وكذلك ان استحق المقبوض من يده لان المستحق وان كان من جنس الدراهم ولكن البائع انما رضى بالتسليم بشرط ان يسلم له المقبوض فإذا لم يسلم كان هو على حقه في الحبس وان كان وجد الثمن أو بعضه زيوفا أو نبهرجة استبدلها من المشترى لان المستحق له بمطلق التسمية الدراهم الجياد فان المعاملات عرفا بين الناس بالجياد وبمطلق عقد المعاوضة تستحق صفة السلامة عن العيب والزيافة عيب في الدراهم فكان له أن يستبدل الزيوف بالجياد وليس له أن يسترد العبد فيحبسه بالثمن عندنا * وقال زفر له ذلك وهو رواية عن أبى يوسف لانه انما سلم المبيع على ان المقبوض من الثمن حقه وقد تبين انه لم يكن حقا له لان حقه في الجياد والمقبوض زيوف والثمن دين في الذمة فيختلف باختلاف الاوصاف وإذا لم يكن المقبوض حقه لم يتم رضاه بالتسليم فهو والستوق سواء. يوضحه ان الرد بالعيب الزيافة ينقض القبض من الاصل ولهذا ينفرد به الراد ويرجع بموجب العقد لا بموجب تسليم الثمن مرتين فلا يتمكن من الرجوع بموجب العقد ما لم ينتقض القبض من الاصل وإذا انتقض عاد حقه في المجلس كما كان قبل استيفاء الثمن. وجه قولنا أنه سلم المبيع قبل قبض الثمن فصح
[ 194 ] تسليمه وبعد صحة التسليم لا يعود حق البائع في الحبس لان من ضرورة صحة التسليم سقوط حقه في الحبس والمسقط يكون مثلا شيئا لا يتصور عوده لهذا قلنا لو أعار المبيع من المشتري أو أودعه منه سقط حقه في الحبس وكذلك لو أجله في الثمن سقط حقه في الحبس ثم لا يعود بحلول الاجل وبيان لوصف أن الزيوف والتبهرجة من جنس الدراهم الا ان بها عيبا والعيب بالشئ لا يبدل جنسه ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم جاز وكان مستوفيا لا مستبدلا فكان البائع بقبضها قابضا للثمن وتسليم المبيع بعد قبض الثمن صحيح ثم بالرد ينتقض قبضه من الاصل كما قال ولكن في الحكم الذي يحتمل النقض بعد الثبوت دون مالا يحتمل ذلك ألا ترى أن المولى إذا قبض بدل الكتابة فوجده زيوفا فرده لا يبطل العتق وكذلك لو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى حقه فاستوفي حقه ثم وجد المقبوض زيوفا فرده لا يبطل به حكم البر في اليمين فقد بينا ان حق البائع في الحبس بعد ما سقط لا يتصور عوده فلا يعود بانتقاض القبض بالرد أيضا بخلاف الستوق والرصاص فهناك يتبين انه لم يقبض الثمن وان تسليمه لم يكن صحيحا وبخلاف المستحق لان قبض المستحق موقوف على اجازة المستحق فالتسليم الذي ينبنى عليه يكون موقوفا أيضا ولايكون صحيحا مطلقا وان لم يرتجع البائع من المشترى العبد ولم يجد في الثمن شيئا مما ذكرنا حتى باع المشترى العبد أو وهبه وسلمه أو رهنه وسلمه أو أجره ثم وجد البائع في الثمن بعض ما ذكرنا فجميع ما صنع المشترى في العبد جائز لا يقدر البائع على رده ولا سبيل له على العبد لان المشترى تصرف فيه بعد القبض وانما تصرف فيه بتسليط البائع فالبيع والتسليم تسليط له على التصرف ألا ترى ان في البيع الفاسد لا يتمكن البائع من نقض تصرفه فلما حصل بتسليط صحيح كان أولى ولو كان المشترى قبض العبد بغير اذنه ثم صنع فيه بعض ما ذكرنا ثم وجد البائع بعض الثمن على ما ذكرنا كان له أن ينقض جميع ما صنع المشترى فيه ويسترده حتى يوفيه المشترى الثمن لان تصرف المشترى حصل لا بتسليط من البائع فالقبض منه كان بغير اذن وذلك لا يسقط حق البائع في الحبس ولما ظهر ان الثمن كان على ما وصفنا فقد ظهر أن حق البائع باق في الحبس لم يسقط حكما بوصول حقه ولا أسقطه باختياره بتسليم المبيع إلى المشترى فكان له أن ينقض جميع ما تصرف فيه المشترى إذا كان محتملا للقبض بان كان البائع لما علم بقبض المشترى العبد سلم ذلك ورضى به والمسألة على حالها كان هذا مثل اذنه له في القبض لانه أجاز قبضه في الانتهاء وتأثير اجازته
[ 195 ] في اسقاط حقه كتأثير اذنه في الابتداء * قال ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوى ألفا فقبضه المرتهن ثم قضاه لراهن دراهمه ولم يقبض الرهن حتى وجد المرتهن الدراهم أو بعضها زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فاعلم أن الجواب في الرهن في جميع ما ذكرنا كالجواب في البيع لان المرهون محبوس بالدين كما أن المبيع محبوس بالثمن الا في خصلة واحدة وهى ما إذا وجد المرتهن المقبوض زيوفا فرده وقد كان الراهن قبض الرهن باذنه فللمرتهن أن يسترده ويحبسه بالدين بخلاف البيع وزفر يستدل في الخلافية به والفرق أن تسليم المرتهن العين إلى الراهن ليس بمسقط حقه في الحبس وان كان صحيحا في نفسه ألا ترى أنه لو سلم المرهون إلى الراهن على طريق العارية أو الوديعة كان له أن يسترده فكذلك إذا سلمه بعد قبض الزيوف فانما المسقط لحقه كمال وصول حقه إليه ولم يوجد بخلاف المبيع فالتسليم الصحيح من البائع مسقط حقه في الحبس وهذا لان الثابت للمرتهن بعقد الرهن بدل الاستيفاء فيبقى حقه ما لم يستوف حقه وقد تبين أنه لم يستوف حقه ألا ترى أن مع التأجيل في الدين يكون له أن يحبس الرهن فأما في البيع فحق الحبس للبائع باعتبار توجه المطالبة له بالثمن حتى لو أجله في الثمن لم يبق حقه في الحبس وبعد قبض الزيوف ليس له حق المطالبة بالثمن ما لم يرد المقبوض فلهذا سقط حقه في الحبس إذا سلم المبيع قبل أن يرد المقبوض * قال وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى وكل رجلا يقبضه فقبضه الوكيل بغير أمر البائع ولم ينقد البائع الثمن فهلك العبد في يد الوكيل فللبائع أن يضمن الوكيل قيمة العبد فيكون في يده حتى يعطيه المشترى الثمن لان بالبيع المبيع صار مملوكا للمشترى ولكنه محبوس في يد البائع ما لم يصل إليه الثمن فقبض الوكيل في حق البائع جناية بمنزلة الغصب ولو غصبه منه غاصب فهلك في يده كان للبائع أن يضمنه القيمة وهذا نظير المرهون إذا قبضه وكيل الراهن بغير رضا المرتهن فهلك في يده يكون ضامنا حقا للمرتهن وهذا بخلاف مالو كان المشترى قبضه بنفسه فهلك عنده فانه لا يكون ضامنا للقيمة لان قبض المشترى يقرر عليه ضمان الثمن فلا يوجب عليه ضمان القيمة إذ لا يجوز أن يجتمع الضمانان على واحد بسبب قبض واحد فاما قبض الوكيل فلا يوجب عليه ضمان الثمن فيكون موجبا ضمان القيمة لحق البائع ثم استرداد البائع القيمة منه كاسترداد العبد لو كان باقيا إذ القيمة تقوم مقام العين وانما سميت قيمة لقيامها مقام العين
[ 196 ] فإذا أعطاه الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل لان الوكيل في حق المشترى كان أمينا ممتثلا لامره وانما كان ضمان القيمة عليه لحق البائع فإذا سقط حقه رجعت القيمة إلى الوكيل كما لو أوفى المشترى الثمن قبل أن يضمن البائع الوكيل ولو نويت القيمة عند البائع سقط الثمن عن المشترى لان استرداد القيمة كاسترداد العين ولو استرد العين فهلك عنده انفسخ البيع وسقط الثمن فكذلك إذا استرد القيمة ثم يتبع الوكيل المشترى في القيمة لانه في القبض كان عاملا له بأمره وقد لحقه فيه ضمان فيرجع به عليه ولو كان المشترى أعتق المبيع قبل القبض لم يكن عليه ضمان القيمة لان اعتاقه اياه بمنزلة القبض ولو قبضه فهلك في يده لم يكن عليه ضمان القيمة فكذلك إذا أعتقه ولو كان الوكيل هو الذي قبض العبد باذن المشترى ثم أعتقه المشترى فهذا وموت العبد في يد الوكيل سواء في حق البائع لانه تعذر عليه استرداده بهذا السبب فهو كتعذر الاسترداد بالموت في يده وهذا لان أمر المشترى الوكيل بالقبض غير معتبر في حقه لانه لا يملك قبضه بنفسه لحق البائع في الحبس فكذلك لا يملك أن يأمر غيره به * قال ولو أن المشترى أمر رجلا بعتق العبد وهو في يد البائع فاعتقه المأمور ففى قول أبى يوسف الاول هذا وأمره بالقبض سواء في جميع ما ذكرنا من التفريع لان اعتاق المبيع بمنزلة القبض فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ألا ترى ان المشترى لو باشره بنفسه كان ذلك بمنزلة قبضه فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ثم رجع وقال لا ضمان على الوكيل في هذا الفصل ولكن يرجع البائع على المشترى بالثمن وهو قول محمد وهو رواية عن أبى حنيفة ووجه ذلك ان الوكيل بالاعتاق معبر عن المشترى فيكون ذلك كاعتاق المشترى بنفسه وذلك يقرر عليه الثمن فلا يوجب ضمان القيمة كما لو أعتقه بنفسه وتقرير هذا انه بكلمة الاعتاق إذا جعله مقصورا عليه لا يحصل به الاتلاف ولا يبطل به حق البائع وانما يحصل به الاتلاف إذا انتقلت عبارته إلى المشترى ألا ترى أنه لو اعتقه بغير اذن المشترى كان اعتاقه باطلا ولا يجب على المعتق له ضمان وإذا نقلنا عبارته إلى المشترى كان هذا مقررا للثمن عليه فلا يكون موجبا ضمان القيمة فاما القبض ففعل محسوس يوجب الحكم على القابض إذا جعل مقصورا عليه ألا ترى انه لو قبضه بغير اذن المشترى كان موجبا عليه ضمانه فكذلك إذا قبضه باذنه لانه لا معتبر باذنه في حق البائع وإذا اقتصر حكم القبض على القابض في حق البائع كان هو ضامنا للقيمة ولو
[ 197 ] اعتق المشترى المبيع قبل القبض وهو معسر فليس البائع أن يستسعى العبد في شئ رجع أبو يوسف عن هذا وقال له أن يستسعى العبد في الاقل من قيمته ومن الثمن وذكر هذا القول في نوادر هشام وجعله قياس المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر ووجه الفرق بينهما على ظاهر الرواية أن بعقد الرهن يتسبت للمرتهن حق الاستيفاء من مالية الرهن وتلك المالية احتبست عند العبد باعتاق الراهن اياه فكان له أن يستسعى العبد إذا تعذر عليه الوصول إلى حقه لعسرة الراهن فاما البائع فما كان له حق استيفاء الثمن من مالية المبيع ولكن كان له ملك العين واليد فازال ملك العين بالبيع وبقى له اليد إلى أن يصل إليه الثمن وباعتاق المشترى العبد فات محله ومجرد اليد ليس يقوم على العبد فلا يستسعيه لاجل ذلك. يوضحه ان حق البائع في الحبس ضعيف ولهذا يسقط باعارة المبيع من المشترى بخلاف حق المرتهن ثم يعود تصرف المشترى بتسليط البائع اياه على ذلك فيمتنع هذا التسليط بثبوت حقه في استسعاء البعد بخلاف تصرف الراهن في المرهون فان لم يعتقه المشتري ولكنه أفلس بالثمن فان لم يكن لبائع سلم المبيع إليه فله ان يحبسه إلى أن يستوفى الثمن وان كان سلم المبيع إليه فله أن يسترده ولكنه أسوة غرماء المشتري فيه وليس له أن يفسخ البيع عندنا وقال الشافعي إذا أفلس المشترى بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع ان كان سلمه بفسخ العقد ويعيده إلى ملكه ويؤيده حديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال أيما رجل أفلس بالثمن فوجد رجل متاعه عنده بعينه فهو أحق به والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يقتضى التسوية بين المتعاقدين ثم لو تعذر على المشترى قبض المبيع بالاباق ثبت للمشتري حق الفسخ فكذلك إذا تعذر على البائع قبض الثمن لافلاس المشترى وكما أن المالية في الآبق كالثاوى حكما فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثاوى حكما لاستبداد طريق لوصول إليه ولافرق بين المبيع والثمن الا من حيث ان الثمن دين والمبيع عين وكما ان تعذر القبض في العين يثبت حق الحبس فكذلك تعذر القبض في الدين ألا ترى أن المسلم فيه دين فإذا تعذر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس يثبت لرب السلم حق الفسخ فكذلك الثمن ولا فرق بينهما سوي ان الثمن مفقود والمسلم به والمسلم فيه معقود عليه ولكن حق الفسخ يثبت بتعذر قبض المعقود به كما ثبت بتعذر قبض المعقود عليه ألا ترى ان المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة تمكن المولى من فسخ العقد وبدل الكتابة معقود به كالثمن والدليل عليه
[ 198 ] أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع ان من اشترى بفلوس شيئا فكسدت قبل القبض بطل العقد لان الثمن فلوس رائجة فإذا كسدت الفلوس فقد هلك الثمن وما ينقص العقد بهلاك إذا تعذر قبضه ثبت للعاقد حق الفسخ كالمبيع. وحجتنا في ذلك قوله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والمشترى حين أفلس بالثمن قد استحق النظرة شرعا ولو أجله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مضى الاجل فإذا صار منظرا بانظار الله تعالى أولى أن يتمكن البائع من فسخ العقد وأما الحديث الذي استدلوا به فقد ذكر الخصاص باسناده أن النبي ﷺ قال ايما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو في ماله بين غرمائه أو قال فهو اسوة غرمائه فيه وتأويل الرواية الاخرى ان المشترى كان قد قبضه بغير اذن البائع أو مع شرط الخيار للبائع وبه نقول ان في هذا الموضع للبائع حق الاسترداد والمعنى فيه ان لم يتعين على البائع شرط عقده فلا يتمكن من فسخ العقد كما لو كان المشترى مليا وبيان ذلك ان موجب العقد ملك اليمين فان اليمين يجب بالعقد ويملك به وانما يملك بالعقد دينا في الذمة وبقاء الدين ببقاء محله والذمة بعد الافلاس على ما كانت عليه قبل الافلاس محل صالح لوجوب الدين عليه فاما حق الاستيفاء فثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد ألا ترى انه يجوز اسقاطه بالابراء وبالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز اسقاطه بالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز اسقاطه بالاستبدال كما في البيع عينا كان أو دينا فعرفنا ان حق قبض الثمن له بحكم الملك لا ان يكون موجب العقد فبتعذره لا يتغير شرط العقد والدليل على هذا أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد فلو كان تسليم الثمن يستحق بالعقد لكانت القدرة على تسليمه شرطا لجواز العقد كما في جانب المبيع فانه إذا كان عينا لا يجوز العقد إلا ان يكون مقدور التسليم للبائع وان كان دينا كالتسليم لا يجوز العقد الا على وجه تثبت القدرة على التسليم به للعاقد وهو الاجل ولما جاز الشراء بالدرهم حالا وان لم يكن في ملكه عرفنا ان وجوب تسليم الثمن ليس من حكم العقد وبهذا الحرف يستدل في المسألة ابتداء فان العجز عن تسليم الثمن إذا طرأ بالافلاس لا يكون أقوى من العجز عن تسليم الثمن إذا اقترن بالعقد والمفلس إذا اشترى شيئا والبائع يعلم انه مفلس صح العقد ولزم فبالافلاس الطارئ لان لا ترتفع صفة اللزوم أولى بخلاف جانب المبيع فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لا باق العبد لا يجوز فان رضى به المشترى فكذلك
[ 199 ] إذا طرأ العجز فانه يثبت للمشترى حق الفسخ فان قيل كيف يستقيم هذا وقد قلتم ان أول التسليمين على المشترى فلو لم يكن تسليم الثمن مستحقا بالعقد لم يتأخر حقه في قبض المبيع الا ان يؤدى الثمن قلنا وجوب أول التسليمين عليه لتحقيق معنى التسوية بينهما لان ذلك موجب العقد على ما قررنا ان العقد عقد تمليك فيقتضى التسوية بين المتعاقدين في الملك وقد حصل الملك لكل واحد منهما بالعقد الا ان الملك في العين أكمل منه في الدين فعلى المشترى تسليم الثمن أولا ليتقوى به ملك البائع فكان ذلك من حكم الملك لا ان يكون موجب العقد ولئن سلمنا انه من حكم العقد لاقتضى التسوية ولكن هذا المعنى قد انعدم بتسليم البائع لما بيع طوعا فهو كما لو انعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقي له بعد ذلك حق فسخ البيع وان تعذر عليه استيفاء الثمن لافلاس المشترى وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت لانه تغير هناك موجب العقد فيتغير فموجب العقد ملك فلوس هي ثمن وبعد الكساد لا يبقي له في ذمة المشترى فلوس بهذه الصفة فاما بعد افلاس المشترى فيبقى الثمن في ذمته مملوكا للبائع كما استحقه بالعقد وهذا بخلاف الكتابة لان هناك يعجز المكاتب بغير موجب العقد فموجب ملك إذا طرأ العجز فانه يثبت للمشترى حق الفسخ فان قيل كيف يستقيم هذا وقد قلتم ان أول التسليمين على المشترى فلو لم يكن تسليم الثمن مستحقا بالعقد لم يتأخر حقه في قبض المبيع الا ان يؤدى الثمن قلنا وجوب أول التسليمين عليه لتحقيق معنى التسوية بينهما لان ذلك موجب العقد على ما قررنا ان العقد عقد تمليك فيقتضى التسوية بين المتعاقدين في الملك وقد حصل الملك لكل واحد منهما بالعقد الا ان الملك في العين أكمل منه في الدين فعلى المشترى تسليم الثمن أولا ليتقوى به ملك البائع فكان ذلك من حكم الملك لا ان يكون موجب العقد ولئن سلمنا انه من حكم العقد لاقتضى التسوية ولكن هذا المعنى قد انعدم بتسليم البائع لما بيع طوعا فهو كما لو انعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقي له بعد ذلك حق فسخ البيع وان تعذر عليه استيفاء الثمن لافلاس المشترى وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت لانه تغير هناك موجب العقد فيتغير فموجب العقد ملك فلوس هي ثمن وبعد الكساد لا يبقي له في ذمة المشترى فلوس بهذه الصفة فاما بعد افلاس المشترى فيبقى الثمن في ذمته مملوكا للبائع كما استحقه بالعقد وهذا بخلاف الكتابة لان هناك يعجز المكاتب بغير موجب العقد فموجب ملك المولى بدل الكتابة عند حلول الاجل ولا يملكه إلا بالقبض لان المكاتب عبد له والمولى لا يستوجب دينا في ذمد عبده ولهذا لو كفل له انسان ببدل الكتابة عن المكاتب لم تصح الكفالة وللمكاتب أن يعجز نفسه فإذا لم يكن له ذلك دينا حقيقة قلنا الملك للمولى انما يثبت بالقبض وإذا عجز المكاتب عن الاداء فقد تغير ما هو موجب العقد عليه فلهذا يمكن من فسخ العقد وهنا بافلاس المشترى لا يتغير ملك البائع في الثمن فانه مملوك دينا في ذمة المشتري ولسنا نسلم أن الدين في ذمة المفلس ثاو فان المديون إذا كان مقرا بالدين فهو قائم حقيقة وحكما مفلسا كان أو مليا ولهذا قال أبو حنيفة يجب على صاحب الدين الزكاة بمعنى إذا قبضه فإذا لم يتغير موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد والله أعلم (تم الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر) (وأوله كتاب الصرف)