مبسوط السرخسي - الجزء الثالث عشر
السرخسي ج 13
[ 1 ] (الجزء الثالث عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب البيوع الفاسدة) قال (وإذا اشترى الرجل عدل زطى أو جراب هروى على أن فيه خمسين ثوبا بألف درهم فوجد فيه تسعة وأربعين ثوبا أو أحدا وخمسين ثوبا فالبيع فاسد) لانه ان وجده أكثر فانما يدخل في البيع العددى المسمى من الثياب وذلك خمسون وهو مجهول لانه وجب على المشترى رد هذه الزيادة وهذه الزيادة مجهولة فيصير الباقي مجهولا وفي مثله لا يجوز البيع مع الجهالة ألا ترى أنه لو اشترى مما في العدل خمسين ثوبا لا يجوز لانها تتفاوت في المالية فالمشترى يطالب بخيار العدل والبائع يعطيه شرار العدل وكل جهالة تفضي إلى المنازعة فهى مفسدة للعقد فان وجده أقل يفسد العقد لجهالة الثمن لان المسمى من الثمن بمقابلة خمسين ثوبا فيقسم ذلك على قيمة الموجود والمعدوم ولا يدري صفة المعدوم أنه كيف كان جيدا أو وسطا أو رديئا وباختلافه تختلف حصة الموجود فيفسد العقد في الموجود لجهالة الثمن فالبيع بالحصة لا ينعقد صحيحا ابتداء فان كان سمى لكل ثوب عشرة دراهم فوجده أحدا وخمسين ثوبا كان فاسدا أيضا لان العاقد يتناول خمسين ثوبا فعليه رد الثوب الزائد وهو مجهول وبجهالته يصير المبيع مجهولا أيضا وان وجده تسعة وأربعين ثوبا وقد قبض أو لم يقبض كان البيع جائزا لان الموجود معلوم والمسمى بمقابلة الموجود من الثمن معلوم فيجوز البيع ويتخير المشترى لتفرق الصفقة عليه بنقصان ثوب مما سمى وله في عدد الخمسين مقصود لا يحصل ذلك بما دونه فيتخير ان شاء أخذ كل ثوب بما سمى وان شاء ترك وأكثر مشائخنا رحمهم يقولون بان هذا الجواب قولهما اما عند أبى حنيفة العقد فاسد كله لانه فسد بعضه بفساد قوى إذ لاسبب لبطلان البيع أقوى من عدم المعقود عليه واستدلو عليه بما ذكر في الزيادات ولو اشترى ثوبين على أنهما هرويان كل واحد منهما بثمن مسمى فوجد أحدهما مرويا فالعقد كله فاسد في قول أبى حنيفة رحمه الله فإذا كان في الموضع الذي كان أحد الثوبين بخلاف جنس ما سمى
[ 3 ] يفسد العقد كله ففى الموضع الذي لم يجد أحد ما سمى أصلا أولى أن يفسد العقد كله وهما في المعنى سواء لان بطلان العقد عند اختلاف الجنس لانه عدم الجنس الذي سمى وقد تعلق العقد به كذا هنا (قال) رضي الله عنه والاصح عندي أن هذا قولهم جميعا لان أبا حنيفة رحمه الله في نظائره هذه المسألة انما يفسد العقد في الكل لوجود العلة المفسدة وهو أنه جعل قبول العقد فيما يفسد فيه العقد شرطا لقبوله في الآخر وهذا لا يوجد هنا فانه ما شرط قبول العقد في المعدوم ولاقصد إيراد العقد على المعدم وانما قصد ايراده على الموجود فقط ولكنه غلط في العدد بخلاف مسألة الزيادات فان هناك جعل قبول العقد في كل واحد من الثوبين شرطا في قبوله في الآخر وهو شرط فاسد وهكذا الجواب في كل عددي يتفاوت نحو مااذا اشترى قطيعا من الغنم على أنها خمسون فوجده أزيد فالجواب علي التقسيم الذي ذكرنا وفي المكيلات إذا اشترى صبرة من حنطة علي أنها خمسون فانه يجوز العقد سواء سمى ثمن كل واحد من القفزان أولم يسم لان القفزان مما لا تتفاوت في نفسها فكانت حصة كل قفيز من الثمن معلومة * وكذلك * الوزينات * وكذلك * في العدديات المتقاربة نحو مااذا اشترى عدل جوز على أنه خمسة الآف فإذا هي أنقص أو أزيد فانه يجوز العقد لما ذكرنا وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدين صفقة واحدة بألف درهم فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما فكذا إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فظاهر لان الحر لايدخل في العقد لان دخول الشئ في العقد بصفة المالية والتقوم وذلك لا يوجد في الحر فلو جاز العقد في العبد انما يجوز بالحصة والبيع بالحصة لا ينعقد ابتداء على الصحة لمعنى الجهالة كما لو قال اشتريت منك هذا العبد بما يخصه من الالف إذا قسم على قيمته وقيمة هذا العبد الآخر لجهالة الثمن كذلك هنا فان كان سمى لكل واحد منهما ثمنا بان قال اشتريتهما بألف كل واحد منهما بخمسمائة فكذلك الجواب عند أبى حنيفة (وقال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله العقد جائز في العبد بما سمى بمقابلته من الثمن * وكذلك * لو اشترى شاتين مسلوختين فإذا أحدهما ميتة أو ذبيحة مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عليها عمدا فان ذلك والميتة سواء عندنا (والجواب) على التفصيل الذي قلنا * وكذلك * إذا اشترى دنين من خل فإذا أحدهما خمر وهذا الجنس نظير ما سبق إذا أسلم كر حنطة في شعير وزيت فطريقهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة وعند تسمية الثمن لكل واحد منهما قد انعدمت العلة المفسدة فيما هو مال متقوم منهما
[ 4 ] وهذا لان أحدهما ينفصل عن الآخر في البيع ابتداء وبفاء فوجود المفسد في أحدهما لا يؤثر في العقد على الآخر لان تأثيره في العقد على الآخر إما باعتبار التبعية وأحدهما ليس بتبع للآخر أو باعتبار أنهما كشئ واحد وليس كذلك فكل واحد منهما ينفصل عن الآخر في العقد ألا ترى انه لو هلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر وذلك فيما إذا كان كل واحد منها عبدا وانما يشترط قبول العقد في أحدهما لقبول العقد في الاخر إذا صح الايجاب فيهما حتى لا يكون المشترى ملحقا الضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما دون الآخر وذلك ينعدم إذا لم يصح الايجاب في أحدهما وصار هذا كما لو اشترى عبدا أو مكاتبا أو مدبرا فالبيع يفسد في المدبر ويبقى العقد على العبد صحيحا * كذلك * هنا وأبو حنيفة يقول البائع لما جمع بينهما في الايجاب فقد شرط في قبول العقد في كل واحد منهما قبول العقد في الاخر بدليل أن المشترى لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر واشتراط قبول العقد في الحر في بيع العبد شرط فاسد والبيع يبطل بالشرط الفاسد (وقولهما) أن هذا عند صحة الايجاب (قلنا) عند صحة الايجاب فيما يكون هذا شرطا صحيحا ونحن انما ندعى الشرط الفاسد وذلك عند فساد الايجاب لان هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لاعتبار وجود المحلية فيهما وقد ذكر الكرخي رجوع أبى يوسف في فصل من هذا الجنس إلى قول أبى حنيفة وهو مسألة الطوق والجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما بينا في الصرف فاستدلوا برجوعه في تلك المسألة على رجوعه في جميع هذه المسائل لان الفرق بينهما لا يتضح فإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشتري جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاز البيع في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم وعند زفر لا يجوز لان الايجاب في المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد لما ثبت لهم من حق العتق وقد جعل ذلك شرطا لقبول العقد في الفرق بينهما فيفسد العقد كما في مسألة الحر وجه قولهما ان كل واحد منهما دخل في العقد لان دخول الآدمى في العقد باعتبار الرق والتقوم وذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بان باع عبدين فاستحق أحدهما فهناك البيع جائز في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الاطلاق بدليل جواز بيع المدبر من نفسه فانه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز وبدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه وكذلك المكاتب فان بيعه من نفسه جائز ولو باعه
[ 5 ] من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين والذي روى في النوادر عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله بخلاف هذا غير معتمد عليه وكذلك بيع أم الولد من نفسها جائز ولو قضي القاضي بجواز بيعها نفذ قضاؤه عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ولم ينفذ عند محمد لان عنده إجماع التابعين رحمهما الله على فساد بيعها يرفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فان هذه المسألة كان مختلفا فيها في الصدر الاول فكان عمر رضى الله عنه يقول بأن بيع أم الولد لا يجوز وعلي رضى الله عنه كان يقول بانه يجوز ثم من بعدهم من السلف رحمهم الله اتفقوا علي أن بيع أم الولد لا يجوز والحاصل أن الاجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لا يرفع وعند محمد يرفع وقضاء القاضي بخلاف الاجماع لا ينفذ وعندهما ليس لاجماع التابعين رحمهم الله من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة رضوان الله عليهم فكان هذا قضاء في فصل مجتهد فيه فإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى نفذ قضاء القاضي فيه وقضاء القاضي لا ينفذ في غير محله عرفنا انه دخل في العقد ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض فيبقى العقد صحيحا في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصة من الثمن وكذلك ان كان عالما بذلك وقت البيع وان لم يكن عالما به وقت البيع ولكن علم بذلك بعد القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام فان خيار تفرق الصفقة بمنزلة خيار العيب فانما يثبت إذا لم يكن معلوما له وإذا نظر إلى ابل أو غنم أو إلى رقيق أو إلى عدل زطي أو جراب هروى فقال قد أخذت كل واحد من هذا بكذا ولم يسم جماعتها فالعقد فاسد عند أبى حنيفة في الكل وعندهما جائز في الكل وهذا لان الاصل عند أبى حنيفة أنه متى أضاف كلمة كل إلى مالا يعلم منتهاه فانما يتناول أدناه وهو الواحد كما لو قال لفلان على كل درهم يلزمه درهم واحد. قال (وإذا أجر داره كل شهر لزم العقد في شهر واحد) عند أبى حنيفة فإذا اشترى صبرة من حنطة كل قفيز بدرهم عند أبى حنيفة يجوز العقد في قفيز واحد وعندهما يجوز في الكل وإذا كفل بنفقة امرأة عن زوجها كل شهر فانما يلزمه ذلك في شهر واحد عند أبى حنيفة وعندهما هو كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوما بالاشارة إليه فأما فيما يعلم جملته بالاشارة فالعقد يتناول الكل كما لو كان معلوم الجملة بالتسمية لان الاشارة أبلغ في التعريف من التسمية إذا عرفنا هذا فنقول هنا الجملة معلومة بالاشارة فيجوز العقد في الكل عندهما ولا جهالة في ثمن كل واحد
[ 6 ] منهما والجهالة التى في جملة الثمن لا تفضي إلى المنازعة فانها ترفع بعد المشار إليه وعند أبى حنيفة لما لم يكن العدد معلوما عند العقد فانما يتناول العقد واحدا من الجملة وبيع شاة من القطيع لا يجوز لانها متفاوتة وإذا كانت العبرة للاشارة فثمن جميع ما أشار إليه مجهول عند العقد وجهالة مقدار الثمن تمنع صحة العقد وما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد يفسد العقد ولا يمكن اعتبار ايجابه في الثاني كشرط الشهود في النكاح وعلى هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز منها بدرهم ولم يسم عدد الجملة الا ان أبا حنيفة (قال) هناك العقد جائز في قفيز واحد فانه إذا اشتري قفيزا من الصبرة جاز بالاجماع فان القفزان لا تتفاوت بخلاف الغنم فان علم مبلغ الجملة بعد الافتراق لا ينقلب العقد جائزا لان المفسد قد تقرر بالافتراق عن المجس قبل ازالته وان كان ذلك قبل أن يفترقا كان العقد استحسانا لان حالة المجلس جعلت كحالة العقد ولكن يتخير المشترى لتنكشف الحالة له الآن فان شاء أخذ الكل بجميع الثمن وان شاء تركه لان مقدار ما يلزمه من الثمن انما يصير معلوما له الآن فيتخير لاجله وكذلك لو اشترى دارا كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان فهو علي هذا الخلاف فعند أبي حنيفة العقد يفسد في الكل لان قيمة الذرعان تتفاوت في مقدم الدار ومؤخرها فلا يمكن تصحيح العقد في ذراع منها وكذلك الثوب والخشب ولو اشترى ذراعا من عشرة أذرع من هذه الدار عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز العقد لان ما سمى عبارة عن عشر الدار بمنزلة قوله سهم من عشرة أسهم أو جزء من عشرة أجزاء وعند أبى حنيفة لا يجوز لان الذراع اسم لموضع معلوم يقع عليه الذراع وذلك يتفاوت موضعه من الدار بخلاف السهم والجزء وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله أنه إذا اشترى ذراعا من هذه الدار بكذا يجوز العقد وان لم يقل من كذا ذراعا ثم يذرع الدار فان كانت عشرة أذرع فله العشر بخلاف ما لو اشترى سهما من الدار ولم يقل من كذا سهما لان تلك الجهالة لا يمكن ازالتها فسهم من سهمين النصف وسهم من عشرة أسهم العشر وفي الذراع يمكن ازالة الجهالة بأن يذرع جميع الدار فيصير الجزء المسمى في العقد معلوما به وإذا اشترى غنما أو بقرا أو عدل زطى كل اثنين منها بعشرة فهو باطل لان ثمن كل واحد غير معلوم فانه يضم إلى كل واحد آخر فيقسم العشر على قيمتهما ولا يعرف كيفية الضم أنه يضم الجيد إلى الجيد أو الرديئ إلى الرديئ أو إلى الوسط فيبقى ثمن كل واحد مجهولا وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة فانه إذا وجد بثوب عيبا بعد القبض
[ 7 ] يرد المعيب خاصة وتتمكن المنازعة بينهما في ثمنه وكذلك إذا هلك أحدهما قبل القبض واستحق أو تقايلا العقد في ثوب واحد فعرفنا أن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة فيفسد العقد بها وإذا اشترى عدل ظى بقيمته فالبيع فاسد لجهالة الثمن عند العقد والقيمة ما تظهر عند تقويم المقومين وذلك مجهول عند العقد ويختلف المقومون في التقويم أيضا ثم ماسميا تفسير العقد الفاسد لان المقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون بالقيمة فقد نصا على ما هو حكم العقد الفاسد وكذلك ان قال بحكمه لان ما يحكم به مجهول الجنس والقدر والصفة ويتمكن بسببه منازعة وله أن يرجع عن تفويض الحكم إليه وان لم يرجع حتى مات أحدهما بطل ماله من الحكم وبقى الثمن مجهولا * وكذلك * لو قال بألف درهم ويحلف يمينه فالبيع فاسد (قيل) معنى هذا ان المشترى كان ساومه بألف فحلف البائع أن لا يبيعه بألف فاشتراه بألف وزيادة بقدر مايبر به البائع في يمينه وتلك الزيادة مجهولة الجنس والقدر والصفة وقيل بل معناه أن البائع كان حنث في يمينه وكان تهمة تكفرة فاشتراه منه بألف وما يكفر به البائع يمينه وهذا أيضا مجهول لان التكفير يكون بالاعتاق تارة وبالكسوة أخرى وبالاطعام تارة وضم المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل وجهالة الثمن مفسدة للبيع وإذا اشتراه بألف درهم الا دينارا أو بمائة دينار الا درهما أو بألف درهم الا قفيز حنطة أو الا شاة فالبيع فاسد لان المستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه فانما يستثنى من المستثنى بالقيمة وطريق معرفة القيمة الحرز والظن فلا يتيقن به وجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه يوضحه أن الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء وما وراء المستثنى من الالف مجهول فالبيع بالثمن المجهول فاسد وان (قال) قد أخذته منك بمثل ما يبيعه الناس كان فاسدا أيضا لان المستثنى مجهول الجنس والقدر والصفة والناس في المبايعة يتفاوتون فمن بين مسامح ومستعصى وإذا فسد البيع فان قبضه وهلك عنده فعليه مثله ان كان من ذوات الامثال وقيمته ان لم يكن من ذوات الامثال لان المقبوض بحكم الشراء الفاسد بمنزلة المغصوب أو المقبوض على سوم الشراء في حكم الضمان ولو قال أخذته منك بمثل ما أخذ به فلان من الثمن فان كان ذلك معلوما عندهما وقت العقد فهو جائز والا كان العقد فاسدا فان علم ذلك قبل أن يتفرقا جاز العقد ويتخير المشترى لان حالة المجلس كحالة العقد ولكن انما يكشف الحال للمشترى إذا علم مقداد ما أخذ به فلان رضاه به قبل ذلك لا يكون تاما فلهذا يتخير بين الاخذ والترك وإذا عقد
[ 8 ] العقد على انه إلى أجل كذا بكذا وبالنقد بكذا أو (قال) إلى شهر بكذا أو الي شهرين بكذا فهو فاسد لانه لم يعاطه على ثمن معلوم ولنهى النبي ﷺ عن شرطين في بيع وهذا هو تفسير الشرطين في بيع ومطلق النهى يوجب الفساد في القعود الشرعية وهذا إذا افترقا على هذا فان كان يتراضيان بينهما ولم يتفرقا حتى قاطعه على ثمن معلوم وأتما العقد عليه فهو جائز لانهما ما افترقا الا بعد تمام شرط صحة العقد. قال (ومن اشترى شيئا فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه ولا يوليه أحدا ولا يشرك فيه) لان التولية تمليك ماملك بمثل ما ملك والاشراك تمليك نصفه بمثل ماملك به والكلام في بيع المبيع قبل القبض في فصول أحدها في الطعام فانه ليس لمشترى الطعام أن يبيعه قبل أن يقبضه لما روى أن النبي ﷺ نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض وكذلك ما سوى الطعام من المنقولات لا يجوز بيعه قبل القبض عندنا (وقال) مالك رضي الله عنه يجوز لان النبي ﷺ خص الطعام بالذكر عند النهى فذلك دليل علي أن الحكم فيما عداه بخلافه والا فليس لهذا التخصيص فائدة وحجتنا ما روى عن النبي ﷺ أنه نهى عن بيع ما لم يقبض (وقال) ﷺ لغياث بن أسد حين وجهه إلى مكة قاضيا وأميرا سر إلى أهل بيت الله وانههم عن بيع ما لم يقبضوا وكلمة ما للتعميم فيما لا يعقل ثم تخصيص الشئ بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه قال الله تعالى (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) وذلك لا يدل علي أنه يجوز ذلك في غير الاشهر الحرم كيف وراوي هذا الحديث ابن عباس رضى الله عنهما (وقال) بعد روايته وأحسب كل شى مثله والكلام في هذه المسألة ينبنى على أصل وهو أن عند مالك فيما سوى الطعام البيع لا يبطل بهلاك المعقود عليه قبل القبض وعندنا يبطل لفوات القبض المستحق بالعقد كما في الطعام فلتوهم الغرر في الملك المطلق للتصرف (قلنا) لا يجوز تصرفه قبل القبض أو لعجزه عن التسليم بحبس البائع اياه لحقه والاجارة في ذلك كله كالبيع وأما الهبة والصدقة في المبيع قبل القبض لا يجوز عند أبى يوسف (وقال) محمد رحمه الله كل تصرف لايتم الا بالقبض فذلك جائز في المبيع قبل القبض إذا سلطه على قبضه فيقبضه لان تمام العقد لا يكون الا بالقبض والمانع زائد عند ذلك بخلاف البيع والاجارة فانه ملزم بنفسه وقاس بهبة الدين من غير من عليه الدين فانه يجوز إذا سلطه علي قبضه بخلاف البيع وأبو يوسف يقول البيع أسرع نقاذا من الهبة بدليل أن الشيوع فيما يقسم
[ 9 ] يمنع تمام الهبة دون البيع ثم بيع المبيع قبل القبض لا يجوز لانه تمليك لعين مالكه في حال قيام الغرر في ملكه فالهبة أولى لان الهبة في استدعاء الملك أقوى من البيع حتى يجوز البيع من المأذون والمكاتب دون الهبة ثم المبيع قبل القبض ليس محل التمليك من غيره ألا ترى أنه لا ينفذ البيع فيه وان أجازه البائع فكان هذا بمنزلة عين مملوله أيضا كالصيد في الهواء وذلك لا يجوز ايجاب البيع والهبة فيه فهذا مثله وأما بيع العقار قبل القبض يجوز في (قول) أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله ولايجوز في قوله الاول وهو قول محمد والشافعي رحمهما الله لعموم النهى عن بيع ما لم يقبض ولنهيه ﷺ عن ربح ما لم يضمن وبيع العقار قبل القبض بأكثر مما اشترى فيه ربح ما لم يضمن والمعنى فيه انه باع المبيع قبل القبض فلا يجوز كما في المنقول وتأثيره أن ملك التصرف يستفاد بالقبض كما أن ملك العين يستفاد بالعقد ثم العقار والمنقول سواء فيما يملك به العين وهو العقد فكذلك فيما يملك به التصرف أو لان السبب وهو البيع لايتم الا بالقبض ولهذا جعل الحادث بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد والملك انما يتأكد بتأكد السبب وفي هذا العقد العقار والمنقول سواء يوضحه أن قبل القبض المبيع مضمون بغيره وهو الثمن والعقار في هذا كالمنقول حتى إذا استحق أو تصور هلاكه فهلك سقط الثمن ولان القدرة على التسليم شرط لجواز البيع في العقار والمنقول جيمعا وذلك بيده أو بيد نائبه ويد البائع الاول ليست بنائبة عن يده فلا تثبت قدرته على التسليم باعتبارها وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بيع العقار قبل القبض في معنى بيع المنقول بعد القبض فيجوز كما يجوز بيع المنقول بعد القبض وانما (قلنا) ذلك لان المطلق للتصرف الملك دون اليد ألا ترى انه لو باع ملكه وهو في يد مودع أو غاصب وهو مقر له بالملك كان البيع جائزا الا أنه إذا بقى في الملك المطلق للتصرف غرر يمكن الاحتراز عنه فذلك يمنع جواز التصرف لنهى النبي ﷺ عن بيع الغرر وفي المنقول قبل القبض في الملك غرر لان بهلاكه ينتقض البيع ويبطل ملك المشترى فإذا قبضه انتفى هذا الغرر ولا يبقى الا معنى الغرر بظهور الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه وفي العقار قبل القبض ليس في ملكه الا غرر الاستحقاق لانه لا يتصور هلاكه وانفساخ البيع به وانتفاء الغرر لعدم تصور سببه أصلا يكون أبلغ من انتفاء الغرر إذا تصور سببه ولم يعمل وانما يتصور الغرر فيه من حيث الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه والدليل عليه ان
[ 10 ] التصرف في الثمن قبل القبض جائز لانه لا غرر في الملك وكذلك التصرف في المهر قبل القبض يجوز عندنا لانعدام الغرر في الملك فان بالهلاك لا يبطل ملكها ولكن على الزوج قيمته لها وأصحاب الشافعي يختلفون في ذلك فمنهم من يقول التسمية تبطل بهلاك الصداق قبل القبض فعلى هذا يقولون لا يجوز التصرف لبقاء الغرر في الملك ومنهم من يقول لا تبطل التسمية وعلى الزوج القيمة وعلى هذا يقولون يجوز التصرف في الصداق قبل القبض فعرفنا ان الاصل ما قلنا والدليل عليه ان التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في المبيع قبل القبض وهو العتق والتزويج وبه يتبين فساد قولهم ان تأكد المالك بتأكد السبب وذلك بالقبض لان العتق في استدعاء ذلك تام في المحل فوق البيع ثم يجوز في المبيع قبل القبض وما يقولون من انه يدخل في ضمان المشترى بالقبض قلنا شرط ثبوت الملك بالتصرف في المحل أصل الملك دون الضمان بدليل جواز التصرف في الموهوب بعد القبض وكذلك القدرة على التسليم كما يثبت بيد غيره إذا لم يمنعه والحديث عام دخله الخصوص لاجماعنا على جواز التصرف في الثمن والصداق قبل القبض ومثل هذا العام يجوز تخصيصه بالقياس فنحمله علي المنقول بدليل ما قلنا والدليل عليه ان حق الشفعة يثبت للشفيع قبل القبض والشفيع يتملك ببدل فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التملك ببدل لما ثبت للشفيع حق الاخذ قبل القبض الا ان حق الشفيع مقدم على حق المشترى فلا يمكن أن يجعل قائما مقامه فلهذا يبطل بأخذه ملك المشترى ويكون عهدته على البائع بخلاف المشترى الثاني يوضحه ان المبيع في مكانه الذي يقبضه فيه يتعين فيجوز تصرفه فيه كما بعد قبضه بالتخلية وبخلاف المنقول فانه لا يدري في أي مكان يقبضه ما لم يقبضه ولا يدخل على شئ لما ذكرنا ان التصرف في المسلم فيه قبل القبض لانا بما قررنا أثبتنا الملك المطلق للتصرف دون سائر الشروط فمن الشرائط في المبيع العينية وجواز السلم رخصة بخلاف القياس ومن الشرائط الكيل فيما اشتراه مكايلة فلا يجوز التصرف فيه قبل أن يكيله وان كان قبضه. قال (رجل باع عبدا آبقا فهو باطل) لنهى النبي ﷺ عن بيع الغرر وعن بيع العبد الآبق ولانه عاجز عن تسليمه والمالية في الآبق ثاوية فهو كالمعدوم حقيقة في المنع من البيع حتى أنه وان عاد من إباقه لايتم ذلك العقد لانه لم يصادف محله بمنزلة مالو باع الطير في الهواء ثم أخذه الا رواية عن محمد فانه يقول الملك والمالية بعد الاباق باق حقيقة والمانع كان هو العجز عن التسليم فإذا زال صار كان لم يكن
[ 11 ] كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه قبل الخصومة. قال (ولو باع جارية كان قد اعتق ما في بطنها أو باعها واستثنى مافى بطنها فهذا فاسد لا يجوز) وقد بينا هذا الفصل في كتاب الهبة. قال (ولو باع عبدا مغصوبا فالبيع موقوف فان جحده الغاصب ولم يكن للمغصوب منه بينة لم يجز البيع) لانه عقد غير مقدور التسليم للعاقد ولان الملك تأوى في حقه وجواز بيعه باعتبار الملك. قال (وان أقر به فان سلمه إليه تم البيع) لان ملكه قائم في المحل باقرار الغاصب والقدرة على التسليم ثابتة حين سلمه الغاصب فان لم يسلمه الغاصب حتى تلف انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد بمنزلة مالو كان في يد البائع فهلك قبل أن يقبضه المشتري فان (قيل) قد وجبت القيمة على الغاصب والمبيع إذا فات وأخلف بدلا يبقى البيع كما لو قبله أجنبي قبل القبض (قلنا) هذا إذا وجب البدل بسبب بعد البيع حتى يجعل قيام البدل كقيام الاصل في ابقاء حكم البيع فيه وهنا القيمة تجب في الغصب السابق على البيع بدليل أنه يعتبر قيمته وقت الغصب ولو تعينا البيع باعتباره كان هذا اثبات حكم البيع في القيمة ابتداء * وكذلك * لو كان العبد رهنا فباعه الراهن وأبا المرتهن أن يجبره لم يجز البيع وهو موقوف لان الراهن عاجز عن التسليم فان حق المرتهن في الحبس لازم ثم في موضع يقول بيع المرهون فاسد وفي موضع يقول جائز والصحيح ما ذكره هنا أنه موقوف وتأويل قوله فاسد يفسده القاضي إذا خوصم فيه وطلب المشترى التسليم إليه ومنع المرتهن ذلك فتأويل قوله جائز إذا اجتازه المرتهن وسلمه إليه وإذا لم يجز المرتهن وفسخه ففيه روايتان ففى احدى الروايتين ينفسخ البيع حتى لو افتكه الراهن فلا سبيل للمشتري عليه لان حق المرتهن بمنزلة الملك ومن باع ملك الغير فان أجازه المالك تم البيع وان فسخ انفسخ فهذا مثله وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه حتى لو صبر المشترى حتى افتكه الراهن كان له أن يأخذه ولفظ الكتاب يدل عليه فانه (قال) بعد إباء المرتهن وهو موقوف وهذا لان المرتهن لاحق له في هذا العقد حتى إذا أجازه كان المشترى متملكا على الراهن لا على المرتهن بخلاف المالك فان هناك إذا أجاز العقد كان المشترى متملكا عليه فكانت له ولاية الفسخ وهنا للمرتهن حق دفع الضرر عن نفسه بالحبس إلى أن يصل إليه دينه وليست له ولاية فسخ العقد انما كان ذلك إلى القاضى إذا خوصم وعجز البائع عن التسليم فانه يفسخ البيع لقطع المنازعة فما لم يوجد ذلك كان البيع موقوفا. قال (رجل باع سمكا محصورا في أجمة فالبيع باطل) وقال ابن أبى ليلى هو جائز إذا كان قد أخذه
[ 12 ] ثم أرسله في الاجمة لان بارساله لا يزول ملكه وان كان لا يتمكن من أخذه الا بالصيد ولكنا نستدل بما روى عن ابن عمر وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما أنهما قالا لا تبيعوا السمك في الماء فانه غرر ثم ان كان لم يأخذه فقد باع ما ليس بمملوك له والتمليك لا يسبق الملك فهو كبيع الطير في الهواء وان كان قد أخذه ثم أرسله فهو آبق في الماء فبيعه كبيع الآبق وأنه لا يقدر على تسليمه الا باكتساب سبب يثبت ابتداء الملك به وهو الاصطياد فكان هذا في معنى الاول. قال (وان كان في وعاء أوجب يقدر عليه بغير صيد فبيعه جائز) عندنا لبقاء ملكه وقدرته على التسليم من غير صيد والمشترى بالخيار إذا رآه وعند الشافعي لا يجوز بيعه وأصله شراء ما لم يره وبيانه يأتي ان شاء الله تعالى. قال (وان كان في بركة يمكن أخذه من غير صيد) فان كان أخذه ثم أرسله فيها فهو كالجب وان لم يأخذه ولكنه دخل مع الماء فان سد موضع دخول الماء حتى صار بحيث لا يقدر على الخروج فقد صار آخذا له بمنزلة مالو وقع في شبكة فيجوز بيعه وان لم يفعل ذلك لم يجز بيعه لانه لا يملك السمك بدخوله في البركة ما لم يأخذه ولم يوجد منه الاخذ لاحقيقة ولا حكما. قال (وإذا اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو غير ذلك فالبيع فاسد) والاصل في هذا الجنس ان من جمع في كلامه بين الاشارة والتسمية فان كان المشار إليه من خلاف جنس المسمى فالبيع باطل لان انعقاد العقد بالتسمية فان ما ينعقد على المسمى وهو معدوم وان كان المشار إليه من جنس المسمى فالبيع جائز لان التسمية تتناول ما وقعت الاشارة إليه فكانت الاشارة من يده مؤيدة للتسمية فينعقد العقد بالمشار إليه وهو مال الا أنه ان كان المشار إليه دون المسمي فللمشترى الخيار لفوات شرطه كما لو اشترط في العبد على أنه كاتب فوجده غير كاتب إذا ثبت هذا فنقول ان كان المشار إليه زجاجا فالبيع فاسد لانعدام المجانسة وان استهلكه المتشرى فعليه قيمته لانه استهلك ملك الغير بغير اذنه وان سمى يقوتا أحمر والمشار إليه أصفر فالبيع جائز وللمشتري الخيار لفوات صفة مشروطة وكذلك لو اشترى ثوبا على انه هروى فإذا هو من صنف آخر فهو فاسد لان الثياب أجناس مختلفة ولو اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية فالبيع فاسد عندنا و (قال) زفر جائز وللمشتري الخيار لان بنى آدم جنس واحد ذكورهم وأناثهم كسائر الحيوان ولو اشترى بقرة علي أنها أنثى فإذا هي ثور كان البيع جائزا وكذلك الابل والبقر والغنم فكما يتفاوت المقصود هنا في بنى آدم بين الذكور والاناث يتفاوت هناك يوضحه
[ 13 ] انه لو اشترى عبدا على أنه تركي فإذا هو رومى أو سندى جاز البيع وبينهما تفاوت فيما هو المقصود وهو المالية وحجتنا في ذلك أن الذكور والاناث من بنى آدم في حكم جنسين لان ما هو المقصود بأحدهما لا يحصل بالآخر فالمقصود بالجارية الاستفراش والاستيلاد وشئ من ذلك لا يحصل بالغلام فكان التفاوت بينهما في المقصود أبلغ من التفاوت بين الحنطة والشعير وبين الهروي والمروى من الثياب وبه فارق سائر الحيوانات لان ما هو المقصود بالعين فيهما لا يتفاوت في الذكور والاناث وذلك اللحم أو الانتفاع من حيث الركوب أو الحمل عليه وانما التفاوت في صفة المقصود لافي أصله فكان جنسا واحدا كذلك ذكر في الاصل والله أعلم (باب البيوع إذا كان فيها شرط) قال (إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به فالبيع فاسد عندنا) وقال ابن أبى ليلى البيع جائز والشرط باطل و (قال) ابن سيرين البيع جائز والشرط صحيح وحكى عن عبد الوارث بن سعيد قال حججت فدخلت بمكة على أبى حنيفة وسألته عن البيع بالشرط (فقال) باطل فخرجت من عنده ودخلت على ابن أبى ليلى وسألته عن ذلك (فقال) البيع جائز والشرط باطل فدخلت على ابن سيرين وسألته عن ذلك (فقال) البيع جائز والشرط جائز فقلت هؤلاء من فقهاء الكوفة وقد اختلفوا على في هذه المسألة كل الاختلاف فعجزني أن أسأل كل واحدا منهم عن حجته فدخلت على أبى حنيفة فأعدت السؤال عليه فأعاد جوابه فقلت ان صاحبيك يخالفانك فقال لا أدرى ما قالا حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله تعالى عنهم أن النبي ﷺ نهى عن بيع وشرط فدخلت على ابن أبى ليلى فقلت له مثل ذلك فقال لا أدرى ما قال (حدثنى) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها لما أرادت أن تشتري بريرة رضى الله عنها أبى مواليها الا بشرط أن يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال صلوات الله عليه سلامه اشترى واشترطي لهم الولاء فان الولاء لمن أعتق ثم خطب رسول الله ﷺ فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق فدخلت علي ابن شبرمة
[ 14 ] وقلت له مثل ذلك فقال لا أدرى ما قالا (حدثنى) محارب بن دثار عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله الانصاري رضى الله تعالى عنهم ان النبي ﷺ اشترى منه ناقة في بعض الغزوات وشرط له ظهرها إلى المدينة والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فانه حديث مشهور ومطلق النهي يوجب فساد المنهى عنه فأما حديث هشام بن عروة فقد (قال) أبو يوسف أوهم هشام بن عروة ما قال رسول الله ﷺ اشترطي لهم الولاء لان هذا أمر بالغرور ولا يظن برسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك ولو صح فتأويله اشترطي الولاء عليهم واللام تذكر بمعنى على قال الله تعالى (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) أو معناه أعلميهم معنى الولاء فالاشتراط في اللغة الاعلام ومنه أشراط الساعة قال القائل فاشرط فيها نفسه وهو معصم * والقى باسباب له وتوكلا أي جعل نفسه علما لذلك الامر وتأويل (حديث) جابر رضي الله تعالى عنه ان ذلك لم يكن شرطا في البيع على أن ما جرى بينهما لم يكن بيعا حقيقة وانما كان ذلك من حسن العشرة والصحبة في السفر والدليل عليه قصة الحديث فان جابرا رضى الله تعالي عنه (قال) كانت لى ناقة ثغال فقامت علي في بعض الطريق فأدركني رسول الله ﷺ (فقال) ما بالك يا جابر فقلت جرى أن لا يكون لى الا ناقة ثغال فنزل رسول الله ﷺ عن راحلته فدعا بماء ورشه في وجه ناقتي ثم قال اركبها فركبتها فجعلت تسبق كل راحلة (الحديث) الا أن قال أتبيعني ناقتك باربعمائة درهم فقلت هي لك يارسول الله ولكن من لي بالحمل إلى المدينة (فقال) ﷺ لك ظهرها إلى المدينة فاشتراها رسول الله ﷺ باربعمائة درهم فلما قدمت المدينة جئت بالناقة إلى باب المسجد ودخلت المسجد (فقال) رسول الله ﷺ أين الناقة قلت بالباب (فقال) صلواة الله عليه جئت لطلب الثمن فسكت فأمر بلالا رضى الله تعالى عنه فأعطاني أربع مائة درهم (فقال) صلي الله عليه وسلم خذها مع الناقة فيما لك بارك الله لك فيهما وبهذا يتبين انه لم يكن بينهما بيع ثم الشرط في البيع على أوجه اما أن يشترط شرطا يقتضه العقد كشرط الملك للمشترى في المبيع أو شرط تسليم الثمن أو تسليم المبيع فالبيع جائز لان هذا بمطلق العقد يثبت فالشرط لا يزيده الا وكادة وان كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر فذلك جائز أيضا كما لو اشترى نعلا وشرا كابشرط أن يحذوه البائع لان الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ولان في النزوع عن
[ 15 ] العادة الظاهرة جرحا بينا وان كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر. قال (فان كان فيه منفعة لاحد المتعاقدين فالبيع فاسد) لان الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط فلهذا فسد به البيع وكذلك ان كان فيه منفعة للمعقود عليه وذلك نحو مابينا انه إذا اشترى عبدا علي أنه لا يبيعه فان العقد يعجبه أن لا تتناوله الايدي وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطل فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين. قال (وان لم يكن فيه منفعة لاحد فالشرط باطل والبيع صحيح) نحو ما إذا اشترى دابة أو ثوبا بشرط أن لا يبيع لانه لا مطالب بهذا الشرط فانه لا منفعة فيه لاحد وكان لغوا والبيع صحيح الا في رواية عن أبى يوسف (قال) يبطل به البيع نص عليه في في آخر المزارعة لان في هذا الشرط ضررا على المشتري من حيث أنه يتعذر عليه التصرف في ملكه والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لاحد المتعاقدين ولكنا نقول لا معتبر بعين الشرط بل بالمطالبة به والمطالبة تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر. قال (وإذا اشترى عبدا على انه يعتقه فالبيع فاسد) وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أن البيع جائز بهذا الشرط وهو قول الشافعي لحديث بريرة رضي الله عنها فانها جاءت الي عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة (قالت) ان شئت عددتها لاهلك واعتقك فرضيت بذلك فاشترتها وأعتقتها وانما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله ﷺ لها ولان الشراء بشرط الاعتاق متعارف بين الناس لان بيع العبد سمة متعارف في الوصايا وغيره وتفسيره البيع بشرط العتق ولان العتق في المبيع قبض حتى إذا أعتق المشترى المبيع قبل القبض صار قابضا والقبض من أحكام العقد فاشتراطه في العقد يلائم العقد ولا يفسده وحجتنا في ذلك نهى النبي ﷺ عن بيع وشرط ولان في هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به في العقد كما لو شرط ان لا يبيع يوضحه انه لو شرط في الجارية ان يستولدها أو في العبد ان يدبره كان العقد فاسدا فإذا كان اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى ودعواه أن هذا الشرط يلائم العقد لا معنى له فان البيع موجب للملك والعتق مبطل له فكيف يكون بينهما ملائمة ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد وبيع العبد لسمة
[ 16 ] لا يكون بشرط العتق بل يكون ذلك وعدا من المشتري ثم البيع بعقد مطلقا وهو تأويل حديث عائشة رضى الله عنها فانها اشترت بريرة رضي الله عنها مطلقا ووعدت لها ان تعتقها لترضى هي بذلك فان بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها فان استهلكه المشتري فعليه قيمته لانه قبضه بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر رد العين وان أعتقه فعليه الثمن المسمى في قول أبى حنيفة استحسانا * وفي قولهما عليه قيمته وهو القياس لانه قبضه بعقد فاسد وقد تعذر رده باعتاقه فيلزمه قيمته كما لو تعذر بيعه أو استهلاكه بوجه آخر يوضحه انه لو اشتراها بشرط التدبير أو الاستيلاد كانت مضمونة عليه بالقيمة إذا تعذر ردها ثان وفي بذلك الشرط فكذا إذا اشترى بشرط العتق اعتبار الحقيقة الحرمة بحقيقة العتق وأبو حنيفة استحسن فقال زال المفسد قبل تقرره فيجب الثمن كما لو اشتراه بأجل مجهول ثم أسقطه قبل مضيه وبيان ذلك أن الحكم بفساد هذا العقد كان لمخافة أن لا يفي المشترى بالعتق وليكون في الاقدام على التصرف في ملكه مختارا غير مجبر عليه وقد زال هذا المعنى حين أقدم على اعتاقه مختارا وحقيقة المعنى فيه أن هذا الشرط لا يلائم العقد بنفسه ولكن يلائم العقد بحكمه لان العتق ينهى الملك فان الملك في بنى آدم ثابت الي العتق فيكون العتق مهينا له وانهاء الشئ يقرره ولهذا لو اشترى عبدا فاعتقه ثم اطلع على عيب به رجع بنقصان العيب بخلاف مااذا باعه والدليل عليه ان شراء القريب اعتاق على معنى انه متمم عليه العتق وهي الملك فكان هذا الشرط ملائما بحكمه للعقد وبصورته غير ملائم لان الانسان لا يجبر علي انهاء ملكه بالعتق وبالشرط يجبر عليه فلا يحكم بفساد العقد علي الثبات ولكنه موقوف فان استهلكه بوجه آخر يتقرر الفساد لوجود صورة الشرط دون الحكم وان أعقته تتقرر صفة الجواز باعتبار الملائمة بحكم العقد وهو انهاء الملك به فيلزمه الثمن المسمى وانما سماه استحسانا لمعنى التوقف فيه في الابتداء ومخالفة صورته معنى بخلاف شرط الاستيلاد والتدبير فالملك به لا ينتهى ومعنى الملائمة باعتبار انهاء الملك به فلهذا تتعين صفة الفساد هناك وفي بالشرط أو لم يف. قال (وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه بصدقة أو علي ان يبيعه بكذا وكذا من الثمن فالبيع في جميع ذلك فاسد) لنهى النبي ﷺ عن بيع وسلف وعن بيعتين في بيعة وكل شئ فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه فهو ضامن لقيمته بالغة ما بلغت لان الضمان الاصلى في البيع ضمان القيمة ولهذا كان المقبوض على سوم المبيع مضمونا بالقيمة
[ 17 ] وقبض الغصب ينوب عن قبض الشراء وانما يتحول من القيمة إلى المسمى عند صحة السبب وتمامه فإذا فسد السبب بقى الضمان الاصلي كما إذا كان البيع بالخيار فان البيع يكون مضمونا على المشترى بالقيمة لعدم تمام السبب. قال (ولو اشترى ثوبا على انه ان لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فالبيع فاسد) في القياس وهو قول زفر * وفي الاستحسان يجوز وهو قول علماؤنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وجه القياس أنه شرط في البيع اقالة معلقة لخطر عدم النقد ولو شرط اقالة مطلقة فسد به العقد فإذا شرط اقالة معلقة أولى أن يفسد به العقد وهذا الشرط ليس في معنى شرط الخيار لان هناك لو سكت حتى مضت المدة تم البيع وهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل البيع وجواز البيع مع شرط الخيار ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه ولكن تركنا هذا القياس لحديث بن عمر رضي الله تعالى عنهما فانه باشر البيع بهذا الشرط وقول الواحد من فقهاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مقدم على القياس عندنا لان قوله بخلاف القياس كروايته عن رسول الله ﷺ فانه لا يظن به أنه قال جزافا والقياس لا يوافق قوله فعرفنا انه قال سماعا ثم هذا الشرط من حيث المقصود كشرط الخيار لانه انما يشترط الخيار ليتروى النظر فيه ويكون مخيرا في الايام الثلاثة بين فسخ العقد وتمامه بهذا الشرط لا يحصل الا هذا المقصود والشرع انما جوز شرط الخيار لهذا المقصود حتى قال (لحيان بن منقد إذا بايعت فقل لاخلا به ولى الخيار ثلاثة أيام. قال (فان اشتراه علي انه لم ينقده إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما) فهذا العقد فاسد عند أبى حنيفة كقوله في شرط الخيار فان عنده شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام يفسد العقد وعند محمد العقد جائز بمنزلة شرط الخيار عنده فانه يجوز شرط الخيار مدة معلومة طالت المدة أو قصرت ولم يذكر في الكتاب قول أبى يوسف وفي بعض نسخ المأذون ذكر قول أبي يوسف كقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وذكر ابن سماعة في نوادره أن هذا قوله الاول فأما قوله الاخير كقول محمد لان هذا في معنى شرط الخيار وقوله كقول محمد في جواز اشتراط الخيار أربعة أيام فكذلك في هذا الشرط وجه قوله الذي ذكره في المأذون أن القياس ماقاله زفر فان هذا الشرط من حيث الحكم ليس نظير شرط الخيار ولكن تركنا القياس في ثلاثة أيام لقول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ففيما زاد علي ذلك نأخذ بالقياس وهذا لان الغرر يزداد بطول المدة وقد يجوز أن يحمل العقد لليسير من الغرر دون الكثير منه ألا ترى أنا نجوز
[ 18 ] شراء أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار فيها ثم لا يجوز ذلك في الاربعة لما ذكرنا. قال (وكل فاسد رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع فهو متاركة للبيع ويبرأ المشتري من ضمانه) لان الرد بسبب فساد البيع مستحق في هذا المحل بعينه شرعا فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق كرد المغصوب والودائع وهذا لانه ممنوع من تمليكه من البائع بسبب مبتدإ مامور برده لفساد البيع ولا معاوضة بين المنهى عنه ويكره المأمور به فيترك جانب المأمور به في رده عليه. قال (وان اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو يخيط الثوب فهو فاسد) لان فيه منفعة لاحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه لانه ان كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو اجارة مشروطة في العقد وان لم يكن بمقابلته شئ من البدل فهو اعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد وكذلك لو اشترى دارا علي أن يسكنها البائع شهرا فهذا اعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد أو هذا شرط أجل في العين والعين لاتقبل الاجل. قال (ولو اشترى شيئا على أن يرهنه بالثمن رهنا أو على أن يعطيه كفيلا بنفسه أو بالثمن فهذا العقد فاسد) والكلام في هذين الفصلين ينقسم على أربعة أقسام أما في شرط الكفيل سواء سمى الكفيل أو لم يسميه فالعقد فاسد إذا كان الكفيل غائبا عن مجلس العقد لانه لا يدري أيكفل أم لا فيفسد العقد لمعنى الغرر ولان جواز هذا العقد يتعلق بقبول الكفيل الكفالة فمتى شرط قبوله إذا كان غائبا عن مجلس العقد لم يجز العقد وان قبله بعد المجلس كالمشتري فان كان الكفيل حاضرا أو حضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز البيع استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر لان الكفالة عقد آخر ليس من حقوق العقد في شئ واشتراط هذا عقد آخر في عقد البيع مفسد للعقد إذا كان فيه منفعة لاحد المتعاقدين وجه الاستحسان أن المقصود بالكفالة التوثق بالثمن في معنى اشتراط زيادة وصف الجودة في الثمن ولو اشترط في البيع ثمنا جيدا كان البيع جائزا ثم تمام هذا العقد بقبول الكفيل فانه بقبوله ينتفى معنى الغرر فإذا وجد ذلك في المجلس كان هذا بمنزلة انتفاء الغرر عند العقد وشرط الحوالة في هذا كشرط الكفالة لانه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري فان الحوالة تحويل ولايكون ذلك الا بعد وجود الثمن في ذمة المشترى بخلاف مالو شرط وجوب الثمن ابتداء على غير المشتري بالعقد فان ذلك ينافي وجوب العقد فكان مفسدا للعقد. قال (وان شرط أن يرهنه بالثمن رهنا فان كان الرهن مجهولا فالعقد فاسد) لان قبول العقد في الرهن لابد
[ 19 ] منه عند هذا الشرط وما يشترط قبول العقد فيه لابد أن يكون معلوما ولكن لو أوفاه الثمن صح العقد لان المفسد قد زال قبل تقريره لان شرط الرهن للاستيفاء وقد استوفاه حقيقة وان شرط أن يرهنه هذا المبتاع بعينه ففى القياس العقد فاسد لما بينا انه شرط عقد في عقد وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لان المقصود بالرهن الاستيفاء، فان موجبه ثبوت يد الاستيفاء وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد ثم الرهن بالثمن للتوثق بالثمن فاشتراط ما يتوثق به كالاشتراط صفة الجودة في الثمن وكذلك ان سمى مكيلا أو موزونا موصوفا بغير عينه وجعله رهنا بالثمن لان قبول ذلك في البيع قبول صحيح ألا ترى انه يصلح أن يكون ثمنا فكذلك يصلح اشتراطه رهنا بالثمن فان أبى المشترى أن يرهنه ما سمى لم يجبر عليه لان تمام الرهن بالقبض ولم يوجد القبض وعلى قول ابن أبى ليلى يجبر عليه لانه ثبت في ضمن عقد لازم فيصير الوفاء به مستحقا كالعدل في الرهن إذا سلطه على البيع كان مجبرا عليه ولا يملك الراهن عزله بخلاف التوكيل بالبيع مقصودا ولكنا نقول عقد الرهن ليس من حقوق البيع فلابد في اتمامه من اتحاد شرط العقد واتمامه بالقبض فما لم يوجد لا يلزم حكم الرهن ألا ترى أن يد الاستيفاء لا تثبت له الا بالقبض فكذا اشتراطه في العقد لا يلزم الا بالقبض ولكن ان أبا المشترى أن يرهنه فللبائع أن يفسخ العقد لان رضاه بالبيع كان بهذا الشرط فبدونه لا يكون راضيا وإذا لم يتم رضاه كان له أن يفسخ. قال (وان باع شيئا من الحيوان واستثنى مافى بطنه فالبيع فاسد) لان ما في البطن لا يجوز ايجاب البيع فيه مقصودا فلا يجوز استثناؤه مقصودا كاليد والرجل وهذا لان الجنين مادام متصلا بالام فهو في حكم الاجزاء ألا تري أنها تقطع بالمقراض عنها واجزاء الحيوان لاتقبل العقد مقصودا ولايكون مقصودا بالاستثناء وهذا لان الجنين في البطن مجهول ولا يدري أذكر هو أم أنثى واحدا أو مثنى فإذا كان المستثنى مجهولا فالمستثنى منه يصير مجهولا أيضا وجهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد وكذلك ان وقع العقد على عدل بر أو أغنام أو نخيل واشترط أن يرد المشتري أحد العينين أو يأخذ البائع احداهن بغير عينها فالبيع فاسد لان المستثنى مجهول وبه يصير المستثنى منه مجهولا أيضا وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة لانها متفاوتة في المالية فيفسد البيع. قال وان اشترى شاة على أنها حامل فالعقد فاسد) لان الحبل في البهائم وهي زيادة مجهولة. فانه لا يدري ان انتفاخ بطنها من ريح أو ولد وان الولد حي أو ميت ذكرا أم أثنى واحدا أو مثنى والمجهول إذا ضم إلى معلوم يصير الكل مجهولا
[ 20 ] وكذلك ان شرط أنها تحلب كذا فالبيع فاسد لانه لا يدري لعل الشرط باطل يعنى ان اشتراط مقدار من البيع ليس في وسع البائع ايجاده ولا طريق إلى معرفته فكان شرطا باطلا فيفسد به العقد. قال (وان شرط أنها حلوب أو لبون لم يذكر هذا الفصل في الاصل) وقد ذكر الكرخي أن هذا مالو شرط أنها تحلب كذا وكذا سواء لان اللبن زيادة مال منفصل ولايكون لبونا حلوبا الا به وتلك الزيادة مجهولة على ما مر فصار كما لو اشترى على أنها حامل وذكر الطحاوي أن هذا شرط وصف مرغوب فيه فلا يفسد العقد به كما لو شرط في العبد أنه كاتب أو خبار ولان هذا يذكر علي سبيل بيان الوصف لاعلي سبيل الشرط لان هذا وصف مرغوب فيه كما إذا اشترى فرسا على أنها هملاج أو اشترى كلبا على انه صائد فانه يجوز كذا هنا وهكذا روي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في الحلوب بخلاف مااذا اشترط أنها تحلب كذا لان الفساد باشترط مقدار لبن في الضرع لا طريق إلى معرفته. قال (وكذلك ان اشترى سمسما أو زيتونا على أن فيهما من الدهن كذا أو اشترى حنطة بشرط أن يطحن منها كذا مختوم دقيق فهذا شرط باطل) لا طريق للبائع إلى معرفته ولا يقدر على الوفاء به فيكون مفسدا للعقد. قال (ولو باع جارية وتبرأ من الحبل وكان بها حبل أو لم يكن فالبيع جائز) لان الحبل في بنات آدم ألا ترى أن للمشترى حق الرد به فانما تبرأ البائع من العيب وذلك غير مفسد للعقد. قال وليست البراءة في هذا كالبهائم قيل معناه كالشرط في البهائم فان الحبل في البهائم زيادة فذكره في العقد شرط زيادة مجهولة) وفي الآدمية عيب فذكره يكون تبريا من العيب ولايكون شرط زيادة مجهولة وقيل معناه إذا ذكر الحبل في الجارية على وجه التبرى عرفنا ان مراده العيب فلا يفسد به العقد وإذا ذكره علي وجه الشرط عرفنا ان مراده شرط زيادة مجهولة فيفسد به العقد وقد ذكر هشام عن محمد رحمهما الله أنه إذا اشترى جارية على أنها حامل فالبيع جائز الا أن يظهر المشترى انه يريدها للطؤرة فيحنئذ يفسد به العقد لعلمنا أنه قصد الحبل بالشرط وهو مجهول وعلى هذا يحكى عن الهندوانى أنه كان يقول أن شرط الحبل إذ وجد من البائع لم يفسد به العقد وأن شرطه المشتري يفسد لان البائع انما يذكر الحبل على وجه بيان العيب عادة والمشترى يذكر علي وجه اشتراط الزيادة. قال (رجل اشتري جارية بجاريتين إلى أجل فالعقد فاسد) لان الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عنما هو مال ولان الجنس بانفراده يحرم النساء فان قبض
[ 21 ] الجارية فذهبت عينها عنده من عمله أو من غير عمله فللبائع أن يأخذها ويضمنه نصف قيمتها لان العين من الآدمى نصفه وفوات النصف في ضمان المشتري كفوات الكل ولو هلكت كان عليه ضمان قيمتها سواء هلكت بفعله أو بغير فعله فكذلك إذا ذهب نصفها وهذا لانها صارت مضمونة بالقبض والاوصاف تضمن بالقبض ألا ترى أنها تضمن بالغصب فان الجارية المغصوبة إذا ذهبت عينها عند الغاصب أخذها المغصوب منه مع نصف قيمتها ولو فقأ عينها غيره فان البائع يأخذها لان فسخ العقد فيها مستحق شرعا فما دامت قائمة كان على البائع أن يأخذها ثم يتخير في نصف قيمتها فان شاء ضمن ذلك الفاقئ وان شاء ضمن المشتري لان بالاخذ ينفسخ العقد فيها ويعود إلى قديم ملك البائع فجناية الفاقئ كانت على ملكه فله أن يضمنه نصف قيمتها وان شاء ضمن المشتري ذلك لانها كانت مضمونة عليه بالقبض بجميع أجزائها فكانت كالمغصوبة في هذا الحكم فان ضمن المشتري يرجع المشتري بذلك على الفاقئ لان ملكه تقرر في ذلك الجزء حين ضمن بدله وهو كالغاصب في ذلك وان ضمن الفاقئ لم يرجع على المشترى بشئ لانه ضمن بجنايته فأما إذا قتلها في يد المشتري قاتل فللبائع أن يضمن المشتري قيمتها ولا سبيل له على القاتل بخلاف المغصوبة فان المغصوبة إذا قتلها انسان في يد الغاصب يتخير المغصوب منه ان شاء ضمن الغاصب قيمتها وان شاء ضمن القاتل بخلاف المشتراة شراء فاسدا في يد المشترى لان المغصوبة على ملك المغصوب منه فالقاتل من القاتل جناية على ملكه فيتخير في التضمين ان شاء ضمن الغاصب بالغصب أو القاتل بالقتل وهنا قد صارت الجارية مملوكة للمشتري بالقبض وبالقتل يتعذر فسخ البيع فيها ولا يعود إلى ملك البائع فلهذا تعين حق البائع في تضمين المشترى وليس له أن يضمن القاتل وفي فقئ العين ما تعذر فسخ العقد فيها وإذا انفسخ العقد فيها بالرد كانت جناية الفاقئ علي ملك البائع فلذلك يتخير البائع ان شاء ضمن القاتل بالقتل وان شاء ضمن المشتري بالقبض كما في الغصب ثم إذا ضمن البائع المشترى قيمتها في القتل كان للمشترى أن يضمن القاتل قيمتها لانه أتلف ملكه فيها بالجناية فكان له أن يضمنه قيمتها. قال (فلو كانت الجارية كما هي غير أنها ولدت ولدين فمات أحدهما أخذ البائع الجارية والولد الباقي) لانها في يده كالمغصوبة مستحقة الرد بزوائدها المتصلة والمنفصلة وهذا لان الولد متولد من العين ووجوب لرد كان حكما متقررا فيها فيسرى إلى الولد ولان ملك الاصل يسرى إلى الولد والثابت للمشتري في الاصل كان ملكا مستحق
[ 22 ] الازالة بالرد على البائع فثبت مثله في الولد وليس له أن يضمنه قيمة الميت بمنزلة ولد المغصوب إذا مات في يد الغاصب من غير صنعه لم يضمن لانعدام الصنع منه فهذا مثله قال (فان كانت الولادة قد نقصتها وفي الولد الثاني وفاء بجيمع ذلك النقصان فلا شئ على المشترى) لرده ما ينجبر به النقصان فان نقصان الولادة ينجير بالولد عندنا وقد بينا ذلك في المغصوبة وكذلك في المشتراة شراء فاسدا والولد الميت صار كان لم يكن فكأنها ولدت ولدا واحدا. قال (وان لم يكن في الولد الباقي وفاء النقصان فعلي المشتري تمام ذلك) لان انجبار النقصان بالولد لصفة المالية وانما ينجبر بقدر مالية الولد وما زاد على ذلك ليس بأزائه ما يجبره فعلى المشترى ضمان ذلك. قال (وان كان الميت مات من فعل المشترى أو منعه بعد طلب البائع حتى مات صار المشتري ضامنا بقيمته يردها مع الام) لان الولد انما لم يكن مضمونا عليه لانعدام الصنع الموجب للضمان فيه وقد وجد ذلك بالاتلاف أو المنع بعد الطلب ثم رد قيمة الولد كرد عينه حتى إذا كان فيها وفي مالية الحى وفاء بالنقصان فلاشئ على المشترى وان لم يكن فيها وفاء بنقصان الولادة فعلى المشترى تمام ذلك لان الانجبار بقدر المالية على ما مر. قال (ولو كانت الام هي الميتة والولدان حيان أخذ البائع الولدين وقيمة الام يوم قبضه المشترى) وهكذا القول في كل بيع فاسد لان حق الاسترداد ثابت للبائع في الولدين فلا يسقط ذلك بهلاك الام كالمغصوبة إذا ولدت ثم ماتت كذلك هنا وان كان ضامنا قيمتها للبائع حين قبضها لانها دخلت في ضمانه بالقبض وتعذر ردها فيجب ضمان قيمتها والولد تبع فلا يقوم مقام الاصل في حق الرد حتى لا يسقط برد الولدين ضمان قيمة الام وان كان في ماليتهما وفاء بذلك بخلاف نقصان الولادة فالفائت هناك وصف هو بيع ثم الخلافة هناك باتحاد السبب فان سبب النقصان والزيادة واحدة وهذا لا يوجد هنا فان موت الام لم يكن بالولادة ولو كان بالولادة فالولادة من حيث أنها موت لا توجب الزيادة ولدا ولذا لاينجبر قدر النقصان بالولدين بعد موت الام حتى يضمن كمال قيمتها لان هنا لا يحتاج إلى جبر النقصان بعد موت الام لان الملك يثبت للمشترى بعد القبض على ما ذكرنا وتقرر القيمة عليه من حين قبضها فإذا مات تبين أن ذلك النقصان حاصل في ملك المشترى فلا تقع الحاجة إلى جبر هذا النقصان بالولد بخلاف مااذا بقيت الام لانه أمكن فسخ العقد فيها بالرد فان ردها عادت إلى قديم ملك البائع فتبين أن النقصان حصل فوقعت الحاجة إلى انجبار النقصان بخلف قائم مقامه وهو الولد فلهذا افترقا. قال (والبيع الفاسد ينعقد موجبا للملك إذا
[ 23 ] اتصل به القبض عندنا وعند الشافعي لا ينعقد للملك وفي الحقيقة هذه المسألة تنبنى على مسألة من أصول الفقه وهو أن النهى عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا فان ذلك موجب النسخ والنهى عن النسخ وعندنا يخرجها من أن تكون مشروعة بمقتضى النهى فان صفة القبح من ضرورة النهى كما أن صفة الجنس من ضرورة الامر والمشروع ما يكون مرضيا والقبيح مالا يكون مرضيا فينعدم أصل العقد لضرورة النهى ومقتضاه ولكنا نقول موجب النهى الانتهاء على وجه يكون المنتهى مختارا فيه كما أن موجب الامر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختارا فيه فان استحقاق الثواب والعقاب ينبنى على ذلك وذلك لا يكون الا بعد تقرر المشروع مشروعا باعتبار هذا الاصل ثم يخرج المقتضى عليه بحسب الامكان أولى من اعلام المقضي بالمقتضى وهذه في أصول الفقه فأما التخريج هنا على الاصل المتفق عليه وهو أن النهى متى كان لمعنى في غير المنهى عنه فانه لا يعدم المشروع كالنهي عن البيع وقت النداء وان كان المنهى عنه بعدمه كالنهي عن بيع المضانين والملاقيح والشافعي يقول في البيوع الفاسدة النهى لمعنى في غير المنهى عنه ولهذا أفسد البيع ويتضح هذا في البيع بالخمر فالبيع مبادلة مال متقوم بمال متقوم والخمر ليس بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد وان قبض فلا ينعقد موجبا حكمه فعرفنا انه غير منعقد في حق حكمه وهو الملك والدليل عليه ان البيع موجب للملك بنفسه ثم الفاسد منه لا يكون موجبا الملك بنفسه فعرفنا انه ليس ينعقد في حكم الملك وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم انعقاد العقد بالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة ولا عقد وان كان منعقدا بصفة الفساد لما منعت ثبت الملك بالبيع قبل القبض فكذلك بعده لان الفساد قائم بعده ولان بالقبض يزداد الفساد والحرمة وكل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط وهذا في معناه لان مع خيار الشرط لايتم الرضا من البائع ومع الفساد كذلك فانه لو صار مملوكا انما يصير مملوكا بالقيمة والبائع لم يرض بهذا ولهذا ثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما ولان هذا عقد معاوضة فالفاسد منه لا ينعقد موجبا للملك كالنكاح وهذا لان الملك مشروع محبوب فيستدعى سببا مرضيا شرعيا بخلاف الكتابة الفاسدة حيث انعقد العقد مع صفة الفساد ففيها معنى المعاوضة واليمين لانه تعليق العتق بشرط الاداء والحرمة لا تمنع صحة التعليق لو كما (قال) ان زنيت فأنت حرة فانما ينزل العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة
[ 24 ] وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الاصل المجمع عليه أن يقول هذا النهى لمعنى في غير المنهي عنه لان البيع ينعقد بالايجاب والقبول في محل قابل له ولا يختل شئ من ذلك بالشرط الفاسد وانعقاد العقد يوجب ركنه من أهله والنهى كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به وكذلك النهى عن الربا للفضل الخالى عن المقابلة وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعقد فيه أصل العقد والعقد لا ينعقد شرعا الا موجبا حكمه لان الاسباب الشرعية تطلب لاحكامها فإذ كانت خالية عن الحكم تكون لغوا ولكن الحكم متصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة فانها عقد تمليك ثم الملك بها يتأخر إلى القبض (قوله) بان البيع يفسد به (قلنا) لان النهى اتصل بوصفه لان الخيار والاجل لو كان جائزا كان عمله في تغيير وصف العقد لافي تغيير أصله فكذلك إذا كان فاسدا يكون عمله في تغيير وصف العقد حتى يصير العقد فاسدا وليس من ضرورة انعدام الوصف انعدام الاصل بل من ضرورته انعقاد الاصل فالصفة لا تكون بدون الموصوف وهكذا نقول في النكاح فانه ينعقد مع الفساد ولهذا يتعلق به وجوب المهر والعدة والنسب عند الدخول الا انه لا يثبت الملك به لان الحكم يثبت بحسب النسب فالعقد الفاسد انما يثبت ملكا حراما وليس في النكاح الا ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فكان من ضرورة الفساد هناك انتفاء الملك وهنا بالبيع الفاسد انما يثبت ملك حرام ولهذا لو كانت جارية لا يحل له وطؤها وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين كالعصير يتخمر يبقي مملوكا وان كان حراما وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وان كانت حراما عليه فاثبتنا الملك لهذا ولكن العقد بصفة الفساد يضعف فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه وهو القبض كعقد التبرع ولانه لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض فان المسمى لا يجب للفساد والضمان لا يجب الا بالقبض فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض وهكذا نقول في البيع بشرط الخيار فانه انعقد مفيدا لحكمه ولكنه تأخر ثبوت الحكم إلى سقوط الخيار على أن ذلك في معنى المعلق بالشرط لانه يقول علي أنى بالخيار والمتعلق بالشرط مقدم قبل الشرط ألا ترى انه تعذر أعمال التعليق في أصل السبب فيجعل عاملا في الحكم وليس من ضرورة الفساد انعدام العقد شرعا كالاحرام يفسد بالجماع ويبقى أصله والطلاق في حالة الحيض حرام شرعا ويكون مفيدا بحكمه والظهار حرام شرعا ثم ينعقد موجبا حكمه والدليل عليه أن المقبوض يصير مضمونا والضمان انما يجب بطريق الجبران أو بالعقد وهنا وجوب الضمان ليس بطريق
[ 25 ] الجبر لانه يقبضه باذن المالك فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد وهكذا نقول في المقبوض على سوم البيع انه مضمون بالعقد ولكن على وجه وهو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق وليس بينهما عقد موجود هنا فعرفنا أن الضمان باعتبار العقد المتحقق وإذا ثبت هذا في البيع مع الشرط الفاسد فكذلك في الربى لان الفساد يكون لمعنى في وصف العقد فان بالفضل يصير البيع رابحا وكذلك في البيع بالخمر فان ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا تنعدم المالية وانما ينعدم التقوم شرعا فان المالية تكون بكون العين منتفعا بها وقد اثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله تعالى (ومنافع للناس) ولانه كان مالا متقوما قبل التحريم وانما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين الا أنه فسد تقدمه شرعا لضرورة وجوب الاجتناب عنه بالنص ولهذا يكون مالا في حق أهل الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد ولكن الخمر لا يملك بالقبض لانه غير متقوم شرعا فيملك بادائه لانعقاد العقد موجبا الملك فيه بخلاف البيع بالميتة والدم فذلك ليس بمال في حق أحد فلانعدام ركن العقد في محله لا ينعقد العقد. قال (ولو كان المشترى أعتق الجارية التى اشتراها بعقد فاسد بعد قبضه اياها أو باعها أو أمهرها أو وهبها وسلمها أو دبرها أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك) لانه تصرف في ملكه وهذا التعليل نص عليه محمد في كتاب الشهادات في نظير هذا قال) لانه مالك رقبتها وهنا (قال) لان البائع سلطه عليها وهو إشارة إلى ما قلنا لان التمليك تسليط على التصرف فصار كما لو سلطه على الاعتاق نصا بأن (قال) أعتقتها ألا ترى أنه ذكر في كتاب الاستحسان إذا اشترى طعاما حل له أن يتناول من ذلك الطعام لان البائع سلطه على ذلك فلما كان في العقد الجائز يعتبر التسليط في حق تناول الطعام فكذا في حق الفاسد ولهذا قلنا أنه لا يحل له أن يطأها لان الوطئ مما لايستباح بصريح التسليط فكذلك لايستباح به دلالة ويعود التصرف باعتبار أصل الملك دون صفة الحل وقد ثبت أصل الملك فيثبت التسليط على التصرف ثم قد تعذر رد عينها فيلزمه رد قيمتها وانما تعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة وما أشبه ذلك لان المشترى شرا فاسدا لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشترى الثاني وحق الله تعالى من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الاول وحق الله تعالى مع حق العبد إذا اجتمعا تقدم حق العبد لاتهاونا بحق الله تعالى ولكن الله تعالى أغنى والعفو منه أرجى بخلاف المشترى من
[ 26 ] الغاصب لانه تعلق به حق المشترى وحق المغصوب منه وكل واحد من الحقين حق العبد فترجح حق المغصوب منه لانه أسبق. قال (وليس عليه في الوطئ مهر وفي كتاب السرب يقول وعليه العقر قبل تأويل المسألة إذا لم يستولدها بالوطئ حتى ردها على البائع فان بردها ينفسخ الملك من الاصل فتبين أن الوطئ صادق ملك الغير فيلزمه العقر بالوطئ وهنا قال استولدها وبالاستيلاد يتقرر ملكه فانما وطئها وهى مملوكة له فلا يلزمه العقد بذلك وقيل ما ذكر هنا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وما ذكر هناك قول محمد وأصله فيما ذكر هشام أنها لو زادت في يد المشترى في بدنها ثم أعتقها فعليه ضمان قيمتها وقت القبض عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد وقت العتق فلما كان محمد ثبت حق البائع في الزيادة ويجعلها مضمونة على المشترى بالاتلاف فكذلك المستوفى بالزيادة في حكم زيادة هي ثمرة ومن أصلها أن الزيادة تكون في يد مضمونة على المشترى بالاتلاف فكذلك المستوفى بالوطئ فلهذا لامهر عليه. (قال) وان رهنها فعليه قيمتها لان عقد الرهن إذا اتصل به القبض يكون لازما في حق الراهن فيثبت به عجزه عن رد العين فلهذا لزمته قيمتها وان افتكها قبل أن يضمنه القاضى قيمتها ردها عليه لان المانع قد زال قبل تحول حق البائع إلى القيمة وكذلك ان عجزت عن الكتابة لان المانع حق المكاتب وقد سقط قبل أن يتحول الحق إلى القيمة فان التحول انما يكون بقضاء القاضي فكذلك ان رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء ردها على البائع لانه يعود إليه قديم ملكه في الوجهين فكذلك ان رد عليه بعيب قبل أن يقضى القاضي عليه بالقيمة فان ذلك كله يمنع قضاء القاضي بالقيمة فان كان ذلك كله بعد قضاء القاضي بالقيمة فقد تم تحول الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك كما لو أبق المغصوب فقضى القاضي بقيمته على الغاصب ثم عاد. قال (ولو كان أجرها فله أن ينقص الاجارة ويردها) لان الاجارة تنفسخ بالاعذار وقيام حق الشرع في الرد لفساد السبب منه أقوى الاعذار فتنفسخ الاجارة ألا نرى أن المشترى لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له أن ينقص الاجارة ليرده فهذا أولى. قال (وان اشترى الرجل شيئا إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء أو إلى جذاذ النخل أو رجوع الحاج فهذا كله باطل) بلغنا نحو ذلك عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في البيع إلى العطاء فان عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تجيز البيع إلى العطاء وابن عباس رضى الله تعالى عنهما كان يفسد ذلك وابن
[ 27 ] أبى ليلى رحمه الله أخذ بقول عائشة رضي الله تعالى عنها (وقال) البيع جائز والمال حال لان العقد لما لم يكن صالحا للاجل الذي ذكره لغي ذكره فأما عائشة كانت تقول وقت خروج العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه الا نادرا فكان هذا بيعا بأجل معلوم ولكنا أخذنا بقول ابن عباس رضى الله عنهما لان العطا فعل العباد قد يتقدم وقد يتأخر بحسب ما يبدوا لهم والآجال بالاوقات دون الافعال قال الله تعالى (قل هي مواقيت للناس والحج) ثم الشرط في البيوع ببدل مؤجل اعلام الاجل كما قال ﷺ في السلم إلى أجل معلوم واعلام الاجل يكون بمالا يتقدم ولا يتأخر من الايام والشهود فأما ما يتقدم ويتأخر من أفعال العباد يكون مجهولا وكذلك الحصاد فانه من أفعالنا وقد يتقدم أو أنه قد يتعجل الحر وقد يتأخر إذا أبطاء البرد والدياس وجذاذ النخل كذلك ورجوع الحاج فعله قد يتقدم وقد يتأخر. قال (فان أبطل المشترى الاجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعد الافتراق عن المجلس جاز البيع) عندنا استحسانا و. قال (زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجوز البيع لانه انعقد فاسدا وتصحيح العقد الفاسد في استقباله كالنكاح بغير شهود لا ينقلب صحيحا بالاشهاد والنكاح إلى أجل لا ينقلب صحيحا باسقاط الاجل ودليل فساد العقد أن المبيع مضمون على المشترى بالقيمة لو هلك في يده وأن كل واحد منهما يتمكن من فسخ العقد بغير رضاء صاحبه وان للبائع أن يسترده بزوائده المتصلة والمنفصلة ولكنا نقول المانع من صحة البيع زال قبل تقرره فيصح البيع كما لو باع فصا في خاتم أو جذعا في سقف ثم نزعه وسلمه إلى المشترى البيع كان صحيحا وتحقيق هذا الكلام ان نفس الاجل غير مفسد للبيع وانما المفسد جهالة وقت الحصاد وذلك غير موجود في الحال فالشتاء ليس زمان الحصاد بيقين ولكنه وصل ذلك الزمان بما قبله في الذكر ولاجله فسد العقد وهذا اتصال يعرض للفصل فإذا أسقطه مجئ أوان الحصاد فقد تحقق الانفصال فبقي العقد صحيحا كما في الجذع فانه عين مال متقوم ولكن لاتصاله بالسقف وللضرر في نزعه كان لا يصح البيع فإذا نزعه زال ذلك المعنى كذا هذا حتى لو جاءه زمان الحصاد وتحقق الاتصال على وجه لا يمكن فصله بتقرر الفساد وهذا بخلاف النكاح بغير شهود لان المفسد هناك انعدام شرط الجواز ولا يزول ذلك بالاشهاد بعد العقد والنكاح إلى أجل متعة والمتعة عقد آخر سوي النكاح وهذا بخلاف البيع إلى هبوب الريح وأمطار السماء لان ذلك ليس بأجل فالاجل ما يكون منتظر الوجود وهبوب الريح وامطار السماء قد يتصل بكلامه
[ 28 ] فعرفنا انه ليس بأجل بل هو شرط فاسد ولاجله فسد العقد وهذا بخلاف ما إذا باع بألف وربطل من خمر فان ذلك العقد ينقلب صحيحا عندنا إذا اتفقا على اسقاط الخمر نص عليه في آخر الصرف الا أن هناك لا ينفرد به البائع لانه تصرف في البدل فلا يتم الا بهما وهنا ينفرد به من له الاجل لانه خالص حقه فيسقط باسقاطه. قال (وان اشترى إلى النيروز أو إلى المهرجان فهو فاسد) أيضا لانه ليس من آجال المسلمين ولانهم لا يعرفون وقت ذلك عادة وان كان معلوما عند المتعاقدين فهو جائز بمنزلة الاهلة لان الشرط اعلام المتعاقدين الاجل بينهما وكذلك إلى الميلاد قبل المراد وقت نتاج البهائم وذلك قد يتقدم وقد يتأخر بمنزلة الحصاد وقبل ولادة امرأة بعينها هي حبلى وقد يتقدم وقد يتأخر وقبل وقت ولادة عيسى عليه السلام وذلك غير معلوم عند المسلمين وكذا إلى صوم النصارى لان المسلمين لا يعرفون وقت ذلك وقد يتقدم وقد يتأخر وكذا إلى فطر النصارى قبل أن يشرعوا في صومهم لان ذلك قد يتقدم وقد يتأخر بحسب شروعهم في الصوم الا أن يكون ذلك معلوما عند المتعاقدين على وجه لايتقدم ولا يتأخر وان اشتراه إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في الصوم جاز لان مدة صومهم معلومة بالايام فإذا شرعوا في الصوم صار وقت فطرهم معلوما. قال (وإذا اشتري شيئا إلى أجلين وتفرقا عن ذلك لم يجز) لنهى النبي ﷺ عن الشرطين في بيع وان ساومه على ذلك ثم قاطعه على احدهما وأمضي البيع عليه جاز ولا بأس بطيلسان كردي بطليسانين حواريين إلى أجل لانهما جنسان باختلاف الصنعة والمقصود وكذا لا بأس بمسح موصلي بمسحين ساريين إلى أجل وكذلك لا بأس بقطيفة يمانية بقطيفتين كرديتين إلى أجل وهذا مبنى على الاصل الذي بينا ان اختلاف الصنعة والمقصود تختلف باختلاف الجنس وان كان الاصل واحدا وحرمة النساء لا تثبت الا باعتبار أحد الوصفين والله أعلم. (باب الاختلاف في البيوع) (قال) رحمه الله إذا اشترى سمنا أو غيره في زق فايزنه ثم جاء بالزق ليرده فقال البائع ليس هذا بزقى وقال المشترى بل هو زقك فالقول قول المشترى مع يمينه) لان الزق امانة في يد المشترى والقول في تعيين الامانة قول الامين وان كان مضمونا في يده كان القول في تعيينه أيضا قوله كالمغصوب ولان حقيقة الاختلاف بينهما في مقدار ما قبض من المعقود
[ 29 ] عليه فان ذلك يختلف باختلاف وزن الزق فالبائع يدعى الزيادة فعليه البينة والمشترى منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه. قال (وان اشترى عبدين فقبض أحدهما ومات عنده ومات الآخر عند البائع ثم اختلافا في قيمة المقبوض وفي قيمة الآخر فالقول قول المشترى مع يمينه) لان حاصل اختلافهما في مقدار ما قبضه المشترى فالبائع يقول قبضت ثلثى المعقود عليه فان قيمة المقبوض ألف وقيمة الآخر خمس مائة والمشترى ينكر ذلك ويقول ما قبضت الا ثلث المعقود عليه فان قيمة المقبوض خمسمائة وقيمة الآخر ألف فالقول قول المشترى مع يمينه لانكاره القبض فيما زاد على الثلث ألا ترى أنه لو اشترى كر حنطة فقبض بعضه وهلك الباقي عند البائع (فقال) المشترى قبضت منك ثلثه و (قال) البائع نصفه كان القول قول المشترى مع يمينه ولو كان المشترى قبض العبدين فمات احدهما عنده وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلافا في قيمة الميت كان القول قول البائع مع يمينه لان المشترى هنا قبض جميع المعقود عليه ثم وقع الاختلاف بينهما في مقدار مارده بالعيب فالمشترى يدعى الزيادة فيه والبائع ينكره فكان القول قول المنكر مع يمينه يوضح الفرق نحن نعلم أن الثمن كله لم يتقرر على المشترى وانما الاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر من الثمن على المشترى فالبائع يدعى في ذلك زيادة والمشترى منكر ردهما اتفقا ان جميع الثمن متقرر على المشترى بالقبض ثم الاختلاف بينهما في مقدار ما سقط عنه بالرد فالمشترى يدعى زيادة في ذلك والبائع منكر فكان القول. قوله مع يمينه ويقسم الثمن على قيمة الذي يريد رده غير معيب وعلى قيمة الميت كما أقر به البائع لان الانقسام على قيمة المبيع كما دخل في العقد وقد دخل في العقد غير معيب ولو أقاما جميعا البينة على قيمة الميت أخذت بينة البائع أيضا لانها مثبتة الزيادة في المشهود به وهو قيمة الميت والمثبت للزيادة من البينتين يترجح. قال (وإذا اختلف البائع والمشترى في الثمن والسلعة قائمة في يد البائع أو المشترى فانهما يتحالفان ويتردان) استحسانا وفي القياس القول قول المشترى لانهما التفقا على أصل البيع وادعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشترى منكر لذلك فالقول قوله معى يمينه لقوله ﷺ واليمين على من أنكر ولكن تركنا القياس بالسنة والمروى في الباب حديثان أحدهما حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ (قال) إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع ويترادان (والثانى) حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال إذا اختلف المتبايعان
[ 30 ] تحالفا وترادا فالحديث صحيح مشهور فيترك كل قياس بمقابلته وكان أبو حازم القاضى يقول ان كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس لان كل واحد منهما يدعى حقا لنفسه على صاحبه فان البائع يدعى زيادة الثمن والمشترى يدعى وجوب تسليم السلعة إليه عند أداء ما أقر به من الثمن فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياسا وان كانت في يد المشترى فالتحالف بخلاف القياس لان المشترى لا يدعى لنفسه على البائع شيئا فان المبيع مسلم إليه باتفاقهما وكان أبو يوسف يقول أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول زفر واحدى الروايتين عن أبى حنيفة لان الشرع جعل القول قول البائع وهو يقتضى الاكتفاء بيمينه وان كان لا يكتفي بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه ولان المقصود من الاستحلاف النكول وبنكوله تنقطع المنازعة بنفسه وبنكول المشترى لا تنقطع المنازعه ولكن يجبر على اداء ما ادعى من الثمن واليمين تقطع المنازعة فيبداء بيمين من يكون نكوله أقرب إلى قطع المنازعة ثم رجع فقال يبدأ بيمين المشترى وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبى حنيفة لانه أظهرهما انكارا واليمين على المنكر ولان أول التسليمين على المشترى وهو تسليم الثمن فأول اليمينين عليه ولهذا قلنا في بيع المقابضة القاضى يبدأ بيمين أيهما شاء لانه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله بدل أو هو قائم مقام الاقرار وان حلفا جميعا معا ذكر في كتاب الدعوى ان قي القياس يكون البيع بينهما بألف درهم لان الزيادة التى ادعاها البائع انتفت بيمين المشترى وقد تصادقا على صحة البيع بينهما فيقضي بالبيع بما وقع عليه الاتفاق من الثمن ولكنا تركنا القياس وقلنا يفسخ البيع بينهما بالسنة وهو قوله ﷺ ويترادان والمراد رد العقد لا رد المقبوض لان ما يكون على ميزان التفاعل يقتضى وجوده من الجانبين وأحد البدلين غير مقبوض وقد بينا في السلم انه انما يفسخ العقد إذا طلب ذلك أحدهما وأيهما أقام البينة أوجب قبول بينته أما البائع فلانه مدعي حقيقة وقد أثبت الزيادة بالبينة وأما المشترى فلانه مدعي صورة لانه يدعى العقد بالف درهم والدعوى صورة تكفى لقبول البينة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأقام البينة وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لما فيها من اثبات الزيادة. قال (وان كانت السلعة قد هلكت في يد المشترى ثم اختلفا في الثمن) فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى القول قول المشترى مع يمينه وعند محمد والشافعي رحمهما الله تعالى يتحالفان ويترادان العقد لظاهر قوله ﷺ إذا اختلفا
[ 31 ] المتبايعان وترادا ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة قائمة بعينها لان ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا وان كانت السلعة قائمة لان عند ذلك يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة فإذا كان تحري التحالف مع امكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الامكان أولى ولان التحالف عند قيام السلعة انما يصار إليه لان كل واحد منهما يدعى عقدا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بالفين ألا ترى أن شاهدى البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لاتقبل الشهادة والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما باقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل واحد منهما يدعى عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا أو قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن فانهما يتحالفان ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد هلاكه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله ﷺ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والبائع هو المدعى والمشترى منكر فكان القول قوله مع اليمين فاما المشترى لا يدعي لنفسه شيئا على البائع لان المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله ﷺ إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا وقوله والسلعة قائمة مذكور على وجه الشرط لاعلى وجه البينة لان قوله إذا اختلفا المتبايعان شرط وقوله والسلعة قائمة بعينها معطوف على الشرط فكان شرطا لان موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به الا ماكان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة لان عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فانه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ الا ترى انه لا ينفسخ بالاقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا لان الفسخ لايراد الا على ما ورد عليه العقد والمعقود عليه فات لا إلى بدل فان القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشترى والفسخ على غير محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فان أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز
[ 32 ] الفسخ بالاقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وكذلك إذا قبل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهى قائمة مقام العين في امكان فسخ العقد عليها لان القيمة الواجبة قبل القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ولا معنى لقوله ان كل واحد منهما يدعى عقدا آخر فان العقد لا يختلف باختلاف الثمن ألا تر ان الوكيل بالبيع بالف يبيع بالفين وان البيع بألف قد يصير بالفين بالزيادة في الثمن والبيع بالفين يصير بالف عند خط بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن انما يمنع قبول الشاهدة لا لاختلاف العقد بل لان المدعي يكذب أحدهما وقبوله بينة المشترى عند الانفراد لانه مدعي صورة لا معنى وذلك يكفى لقبول بينته ولكن لا يتوجه به اليمين على خصمه كالمودعى يدعى رد الوديعة فلا يتوجه اليمين على خصمه وان كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه ان المشترى لو كان جارية حل للمشترى وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجبا اختلاف العقد لما حل له وطؤها كما لو ادعي أحدهما البيع والآخر الهبة ولهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله انهما إذا حلفا يبقى العقد بلا ثمن لانه لو كان هكذا لما حل له وطؤها ولان القاضى انما يفسخ البيع عند طلب أحدهما وما لم يفسخ حل للمشترى وطؤها ولو فسد البيع بالتحالف لما حل له وطؤها ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما والحديث المطلق فيه ما يدل على قيام السلعة وهو لفظ التراد لانه ان كان المراد رد المأخوذ حسا وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وان كان المراد العقد فقد بينا أن الفسخ انما يتأتى عند قيام السلعة مع ان المطلق والمقيد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا ورد فالمطلق محمول على المقيد. قال (وان كان البائع قد مات واختلفت ورثة مع المشترى في الثمن فالقول قوله ورثة البائع) ان كان المبيع في أيديهم ويجرى التحالف بالاتفاق استحسانا لانهم قائمون مقام البائع حتى يطالبون بالثمن ويطالبون بتسليم المبيع وذلك بحكم العقد فإذا ثبت في حقهم عرفنا أنهم صاروا كالبائع وان كان المشترى قد قبض المبيع فالقول قوله مع يمينه في قول أبى حنيفة وأبى يوسف وعند محمد يتحالفان ويتردان وكذلك ان مات المشترى وبقى البائع فان كانت السلعة لم تقبض جرى التحالف استحسانا لان ورثة المشترى قاموا مقامه في وثوق العقد فانه يثبت لهم حق المطالبة بتسليم المبيع وان كانت السلعة مقبوضة فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله القول قول ورثة المشترى وعند محمد يتحالفان ويترادن وكذلك إذا ماتا جميعا ثم وقع الاختلاف بين الورثة في الثمن فان كانت السلعة
[ 33 ] مقبوضة فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لا يتحالفان وعند محمد يتحالفان وان لم تكن مقبوضة يتحالفان بالاجماع وهذا بناء على الفصل الاول فان الوارث يخلف الميت كما أن القيمة تخلف العين فكما أثبت محمد رحمه الله حكم التحالف والفسخ عند هلاك السلعة باعتبار ما يخلفها وهي القيمة فكذلك أثبت حكم التحالف عند موت العاقد باعتبار من يخلفه وهو الوارث إذا كانت السلعة قائمة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله فرقا في الاصل بين هلاك السلعة قبل القبض إلى ما يخلفها وهو القيمة بان قتل قبل القبض ثم اختلفا في الثمن وبين هلاكها بعد القبض في حكم التحالف فكذلك في موت العاقد فرقا بين ما قبل القبض وبين ما بعده لان هذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص وصاحب الشرع اعتبر اختلاف المتبايعين وقيام السلعة فقبل القبض وارث البائع في معنى البائع حكما لانه مطالب بتسليم السلعة فيمكن اثبات حكم التحالف فيه بالنص فاما بعد القبض وارث البائع ليس ببائع حقيقة ولا حكما فلم يكن هذا في معنى المنصوص عليه فيؤخذ فيه بالقياس وكذلك وارث المشترى على هذا ولا يقال الوارث يقوم مقام المورث في الاقالة والرد بالعيب فكذلك في الفسخ بالتحالف لان صحة ذلك منه باعتبار الخلافة في الملك لافي العقد ألا ترى ان الموكل يملك الاقالة والرد بالعيب باعتبار الملك وان لم يكن هو عاقدا حقيقة ولا حكما. قال (وان كانت السلعة في يد المشترى وقد ازدادت خيرا ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشترى) في قول أبى حنيفة وأبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى يتحالفا فيفسخ العقد على العين لان الزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات عند محمد ولهذا قال لايمنع بنصف الصداق في الطلاق وعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة تمنع الفسخ كما تمنع بنصف الصداق عندهما وإذا تعذر الفسخ امتنع التحالف لانه لا يفسخ العقد الا فيما ورد عليه العقد والزيادة الحادثة بعد القبض لم يرد عليها العقد ولا القبض المستحق بالعقد فلا يمكن فسخ العقد فيها فيمتنع الفسخ في الاصل لاجلها كالموهوبة إذا زات في بديها خير لا يملك الواهب الرجوع فيها بعد ذلك لهذا المعنى انه تعذر فسخ العقد عليه بهلاكه العبد في الزيادة فيتعذر في الاصل لان الزيادة لا تنفصل عن الاصل وعند محمد تعذر الفسخ في جميع المعقود عليه بهلاكه لايمنع التحالف ففى البعض أولي وقد ذكر في المأذون أنهما لو تبايعا عند الجارية وقبض الجارية وازدادت في بدنها ثم هلك العبد قبل القبض أو وجد به المشترى عيبا فرده فانه يسترد الجارية بزيادتها فهو
[ 34 ] دليل محمد في ان الزيادة المتصلة لا تمنع الفسخ عن العين وقيل هو قول محمد خاصة وبعد التسليم الفرق بينهما ان هناك سبب الفسخ قد تقرر وهو هلاك العين قبل القبض أو رده بالعيب وبتقرر السبب يثبت الحكم ضرورة في محله وهو أصل الجارية ومن ضرورة ثبوت حكم الفسخ فيها ثبوته في الزيادة لان الزيادة المتصلة بيع محض وثبوت الحكم في البيع بثبوته في الاصل وهنا سبب الفسخ التحالف ولم يتقرر لما بينا أن هذا ليس في معنى المنصوص من كل وجه فيمتنع التحالف بطريق القياس فيه ومن ضرورته أن يجعل القول قول المشترى مع يمينه. قال (وان كانت الزيادة المتصلة غير متولدة في الاصل كالضبغ في الثوب والسمن في السويق) فكذلك الجواب في حكم التحالف إنه على الاختلاف الا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة هنا أو المثل لان هذه الزيادة ليست من عين المعقود عليه فلا يثبت فيها حكم العقد. قال (وان كانت الزيادة منفصلة فإن كانت متولدة من العين كالجارية إذا ولدت أو جنى عليها فأخذ المشترى أرشها فحكم التحالف على الاختلاف الذي قلنا) إلا ان عند محمد يفسخ العقد على القيمة لان الزيادة المنفصلة المتولدة من العين تمنع الفسخ بالرد في العيب عنده فكذلك بالتحالف فتكون الجارية كالهالكة وعند الشافعي رضى الله عنه الزيادة المنفصلة لا تمنع الرد بالعيب فلا تمنع فسخ العقد على العين بالتحالف ولكنها ترد ويسلم الولد للمشترى وان كانت الزيادة المنفصلة غير متولدة كالكسب والعلة فانها لا تمنع التحالف وفسخ العقد على العين بالاتفاق كما لايمنع الفسخ بالاقالة والرد بالعيب وان انتقصت السلعة عند المشترى بعيب دخلها فالقول قول المشترى أيضا لا أن يرضي البائع أن يأخذها ناقصة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لان حدوث العيب في يد المشترى يمنع الرد بالعيب والاقالة الا أن يرضى به البائع فكذلك البيع انفسخ بالتحالف وعند محمد يتحالفان ثم يفسخ العقد على الغير ان رضي به البائع وان أبى فعلى المشترى رد القيمة كما لو كانت هالكة. قال (وان اختلفا في الثمن وقد خرجت السلعة من ملك المشترى فهو على الخلاف) الذي بينا فيما إذا هلكت السلعة وكذلك ان كانت قد رجعت إليه لوجه غير الذي خرجت به من يده لان هذا ملك حادث فاختلاف أسباب الملك كاختلاف الاعيان فكما لا يجرى التحالف باعتبار رجوع عين آخر إليه فكذلك باعتبار رجوع هذه العين بسبب مستقل. قال (وان كان البائع باعها من رجلين فباع أحدهما نصيبه من شريكه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشترى) الذي باع نصيبه لزوال ملكه
[ 35 ] المستفاد من جهة البائع ويجعل في حقه كأنهما باعا ويتحالفان على حصة الآخر لقيام ملكه في النصف الذي استفاده من جهة البائع وقيل هذا قول أبى يوسف فاما عند أبى حنيفة لا يجرى التحالف الا أن يرضى البائع لان أصله ان تعذر الرد في نصيب أحدهما يمنع الفسخ في نصيب الآخر بسبب العيب أو الخيار على ما نبينه في بابه ان شاء الله تعالى فيكون القول قولهما في الكل الا أن يرضى البائع به فحينئذ يتحالفان على حصة الآخر وعند محمد التحالف يجرى في الكل ثم في حصة الذي باع يفسخ العقد على القيمة وفي حصة الذي لم يبع يفسخ العقد على العين. قال (وإذا اختلفا البائع والمشترى في الاجل فالقول قول البائع ولا يتحالفان) عندنا و (قال) زفر والشافعي رحمهما الله تعالى يتحالفان لان هذا في معنى الاختلاف في مقدار مالية الثمن فان المؤجل أنقص من الحال في المالية ولكنا نقول اختلفا في مدة ملحقه بالعقد شرطا فيكون القول قول من ينكرها ولا يجرى التحالف كما لو اختلفا في خيار الشرط وهذا لان حكم التحالف عرف بالنص وانما ورد النص عند الاختلاف فيما يتم به العقد والاجل وراء ما يتم به العقد فلم يكن في معنى المنصوص فأخذنا فيه بالقياس وجعلنا القول قول البائع سواء أنكر زيادة الاجل أو أنكر أصل الاجل وفرق بين هذا وبين الاجل في باب السلم فان هناك القول قول من يدعى الاجل عند أبى حنيفة وهنا القول قول من ينكر الاجل من قبل ان هناك الاجل من شرائط صحة العقد فاقراره بالعقد اقرار به وبما هو من شرائط العقد فإذا أنكر الاجل بعد ذلك فقد رجع عن الاقرار بعد ما أقر به فلا يصدق فأما هنا الاجل ليس من شرائط العقد ولامن مقتضياته لان العقد يقتضى أيضا الثمن والمعقود عليه في المجلس فالمشترى يدعى عليه التأخير وهو منكر فكان القول قول المنكر. قال (وان اتفقا على الاجل واختلفا في نصيبه فالقول قول المشترى) لان الاجل حقه وهو منكر استيفاء حقه. قال (وان قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشترى بعتنيها مع هذا الوصيف بخمسين دينارا وأقاما البينة فهما جميعا للمشترى) بمائة دينار وتقبل البينتان جميعا ويقضى بالعقدين لان كل واحد منهما يثبت زيادة في حقه فبينة كل واحد منهما على ما أثبت من الزيادة في حقه مقبولة وقيل هذا قول أبى حنيفة الآخر فأما في قوله الاول وهو قول زفر يقضي بهما للمشترى بمائة وخمسة وعشرين دينارا إذا استوت قيمتهما وقد قررنا هذا في نظير هذه المسألة في شرح الاجارات. قال (ولو قال البائع بعتك هذه الجارية لعبدك هذا وقال المشترى اشتريتها
[ 36 ] منك بمائة دينار واقاما البينة لزمه البيع بالعبد وتقبل بينة البائع دون المشترى) لان حق المشترى في الجارية ثابت باتفاقهما وانما الاختلاف في حق البائع فبينته على حقه أولي بالقبول ولانه يثبت بينته الحق لنفسه في العبد والمشترى ينفى ذلك والبينات للاثبات لا للنفي. قال (وإذا اشترى عبدا بثوبين وتقابضا ثم استحق العبد أو وجد به عيبا فرده وقد هلك أحد الثوبين فانه يأخذ الباقي وقيمة الهالك) لان العقد انفسخ باستحقاق العبد أو رده بالعيب فعلى قابض الثوبين ردهما لانه قبضهما بحكم العقد وهو في القائم فيهما القادر على رد العين وفي الهالك عاجز عن رد العين فيلزمه رد قيمته وكذلك لو هلكا فعليه رد قيمتهما لانه تعذر رد العين مع تقرر السبب الموجب للرد فتجب القيمة كالمغصوب والقول في القيمة قول الذي كانا في يديه لان القيمة دين في ذمته فالقول في بيان مقداره قوله. قال (ولو كان الثمن جارية فولدت من غير السيد ثم استحق العبد كان لصاحب الجارية أن يأخذها وولدها) لان باستحقاق العبد يبطل العقد من الاصل فتكون الجارية في يد القابض بمنزلة المقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب ردها بزوائدها وان كان قد دخلها عيب ينقصها أخذ معا النقصان أيضا كما في المشتراة شراء فاسدا وهذا لانها مضمونة بالقبض والاوصاف تضمن بالتناول. قال (ولو كان الذي الجارية في يده أعتقها نفذ عتقه فيها) لانها مملوكة له فان بدل المستحق مملوك عند القبض بمنزلة المشتراة شراء فاسدا وعليه رد قيمتها مع الولد ان كانت ولدته قبل العتق لتعذر رد عينها بنفوذ العتق فيها. قال (ولو وجد العبد حرا كان عتق البائع في الجارية باطلا لان بدل الحر لا يملك بالعقد) فان الحر ليس بمال والبيع مبادلة مال بمال فعند انعدام المالية في أحد البدلين لا ينعقد البيع أصلا وبدون انعقاد البيع لا يثبت الملك بالقبض كما في المشتراة بميتة أو دم. قال (ولو اشترى العبد بثوبين وقبض العبد ثم هلك الثوبان قبل أن يقبضهما فعليه رد العبد) لفساد العقد بفوات القبض المستحق بالعقد فان أعتقه أو باعه قبل هلاك الثوبين أو بعده قبل أن يقضي القاضي بينهما بشئ فهو جائز لانه أعتق ملكه أما قبل هلاك الثوبين فلا اشكال وبعد هلاكهما وان فسد العقد فقد بقى الملك ببقاء القبض لان فساد العقد لايمنع ثبوت الملك بالقبض ابتداء فلا يمنع بقاؤه بطريق الاولي ثم عليه قيمته لتعذر رد العين بعدما فسد السبب فيه ولو تقابضا ثم استحق أحد الثوبين فقال الذي كان عنده الثوبان استحق أعلاهما ثمنا وقال الذي باعهما بل أستحق أرخصهما ثمنا فالقول قول المشترى في الثوبين مع يمينه لانهما تصادقا
[ 37 ] على انه لم يسلم لبائع الثوبين جميع العبد حين استحق أحد الثوبين وانما الاختلاف بينهما في مقدار ما يثبت لبائع الثوبين من العبد وهو يدعى زيادة في ذلك فعليه أن يثبتها بالبينة وان لم يكن لهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه. قال (وان قال البائع بعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم وقال المشترى بل هذه الجارية بخمسين دينارا فهنا كل واحد منهما مدعى ومنكر حقيقة) لانه يدعي كل واحد منهما العقد في عين آخر فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وان أقاما البينة قضى بالبيع فيهما جميعا بألف وخمسين دينارا وقد بينا هذا في باب السلم وان قال المشترى ابتعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم ونفدت الثمن وقال البائع ما بعتك هذا العبد انما بعتك جارية بهذه الالف وقبضت الثمن ودفعتها اليك فكل واحد منهما يحلف على دعوى صاحبه فان حلف البائع رد عليه العبد لان العقد قد انتفى بيمينه فيه وقد أقر ذو اليد انه كان مملوكا له في الاصل وإذا حلف الذي كان في يديه العبد ما اشترى الجارية فعلى بائعها رد الالف عليه وان قامت لهما بينة قضى بالبينتين وعلى المشترى أداء ألف أخرى. قال (رجل اشترى عدل زطى وأقر أنه زطي ولم يره وقبضه ثم جاء بعد ذلك يرده فقال وجدته كرابيس لم يصدق والثمن له لازم) لانه مناقض في دعواه والمناقض لاقول له ولان بسبب خيار الرؤية انما يتمكن من الفسخ إذا أحضر المعقود عليه والذي أحضره كرابيس والمعقود عليه زطى يزعمه فلا يتمكن من فسخ العقد على غير المعقود عليه بخيار الرؤية وان قال لاأدرى أزطى هو ام لا ولكني أخذته على قولك فانظر ثم جاء يرده فقال وجدته كرابيس كان مصدقا في ذلك مع يمينه لان المشترى ينفرد بفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط وإذا انفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط بقي المقبوض في يده ملك البائع فالقول قوله في تعيينه ضامنا كان أو أمينا وهذا لانه غير مناقض في كلامه هنا بل منكر لقبض الزطى فالقول قوله مع يمينه وفي الاول هو مناقض في كلامه لانه أقر بقبض المعقود عليه وهو الزطى فلا يقبل منه قوله بخلاف قوله ذلك. قال (ولو اشترى ثوبا فقال البائع هو هروى وقال المشترى لاأدرى وقد رآه ولكني أخذته على ما يقول ثم جاء يرده وقال وجدته يهوديا لم يصدق) لانه كان قد رأى المعقود عليه فليس له فيه خيار الرؤية بعد ذلك بقى دعواه حق الرد لنفسه على البائع في هذه العين والبائع منكر لذلك فلا يقبل قوله كما ادعى المشترى العيب بالمعقود عليه الا بحجة. قال (وإذا نظر إلى العدل مطويا ولم ينشره ثم اشتراه فليس له أن يرده الا بعيب) لانه
[ 38 ] قد رأى طرفا من كل ثوب ورؤية جزء من المعقود عليه كرؤية الكل في اسقاط خيار الرؤية الا أن يكون في طى الثوب ما هو مقصود كالطراز والعلم فحينئذ لا يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع لان مالية المعقود عليه تختلف باختلاف المقصود والمقصود بالرؤية العلم بمقدار المالية. قال (وإذا اشترى خادمة على أنها خراسانية فوجدها سندية كان له أن يردها فهذا بمنزلة هذا العيب فيها) لان العبيد جنس واحد لاتحاد الاصل وتقارب المقصود الا أن الخراسانيات أكثر مالية من السنديات فانما فات زيادة صفة مشروطة وذلك بمنزلة العيب في اثبات حق الرد كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسن ذلك العمل والله أعلم بالصواب. (باب الخيار في البيع) (قال) رحمه الله بلغنا عن رسول الله ﷺ انه قال من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين ثلاثة أيام) وفي رواية يخير النظرين ففيه دليل جواز اشتراط الخيار في البيع والمراد خيار الشرط ولهذا قدره بثلاثة أيام وذكر التحفيل لبيان السبب الداعي إلى شرط الخيار والمحفلة التى اجتمع اللبن في ضرعها والمحفل هو المجمع واجتماع اللبنين في ضرعها قد يكون لغزارة اللبن وقد يكون بتحصيل البائع بان يسد ضرعها حتى يجتمع اللبن في ضرعها فلا يتين احدهما عن الآخر للمشترى الا بالنظر مدة وذلك ثلاثة أيام لانه إذا حلبها في اليوم الاول لا يتبين له شئ وكذلك في اليوم الثاني فلعل النقصان تعارض فإذا حلبها في اليوم الثالث وكان مثل اليوم الثاني علم أن لبنها هذا القدر وأن الزيادة في اليوم الاول كان للتحفيل فيحتاج إلى أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام حتى يدفع الغرور به عن نفسه فجوز له الشرع ذلك وجعله يؤخر النظرين ثلاثة أيام وأما إذا اشتراها بغير شرط خيار فليس له أن يردها بسبب التحفيل عندنا و (قال) الشافعي رحمه الله له أن يردها ويرد معها صاعا من تمر لاجل اللبن وكذلك لو اشترى ناقة فوجدها مصراة وهى التى سد البائع ضرعها حتى اجتمع اللبن فيه فصار ضرعها كالصراة وهى (الحوض) فليس له أن يردها والتصرية ليست بعيب عندنا و (قال) الشافعي رحمه الله له أن يردها بسبب التصرية والتحفيل وكذلك لو سود أنامل العبد حتى ظنه المشترى كاتبا أو ألبسه ثياب الخبازين حتى ظنه خبازا وعن أبى يوسف في الشاة المحفلة أخذ بالحديث وأقول يردها وفيما سوى ذلك أخذنا بالقياس واستدل الشافعي بالحديث وهو
[ 39 ] حديث صحيح مشهور وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ (قال) من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين إلى ثلاثة أيام ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها ورد معها صاعا من تمر وبعد ما صح الحديث فكل قياس متروك بمقابلته مع أن الحديث موافق للاصول لانه أثبت الخيار لغرور كان من البائع والتدليس والغرور يثبت للمشترى حق الرجوع كما لو اشترى صبرة حنطة فوجد في وسطها دكانا أو اشترى قفة من الثمار فوجد في أسفلها حشيشا ثم ذكر الايام الثالثة ليس للتوقيت في خيار العيب بل لبيان المدة التى يظهر فيها العيب وأما رد التمر لمكان اللبن فلان ما كان موجودا عند العقد من اللبن قد أتلفه المشترى أو فسد في يده ولا يعلم مقداره ليرد مثله فأمره برد التمر مكانه للتحرز عن الربا فالقوت فيهم كان هو التمر واللبن فهذا أقام أحدهما مقام الآخر واكثر ما فيه ان هذا مخالف للقياس فيجعل كالمسكوت عنه فيبقى أول الحديث ممعولا به واختلف أصحاب الشافعي فيما إذا سقى الدابة وعلفها حتى ظنها المشترى حاملا فمنهم من يقول له حق الرد إذا تبين أنها ليست بحامل للتدليس والغرور ومنهم من يقول ليس له حق الرد هنا لان اكتساب سبب هذا الغرور يجعل كالشرط فيما يجوز اشتراطه وشرط الحبل في بيع الدابة لا يجوز فلا يجعل ذلك كالمشروط وأما شرط كون الناقة لبونا والعبد كاتبا أو خبازا يجوز فيجعل البائع انما اكتسب من السبب كالشارط ذلك للمشترى وحجتنا في ذلك ان مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع وبقلة اللبن لا تنعدم صفة السلامة لان اللبن ثمرة وبعدمها لا تنعدم صفة السلامة فبقلتها أولي وإذا ثبت صفة السلامة انتفى العيب ضرورة ولايجوز أن يثبت الخيار للغرور لان المشترى مغتر لا مغرور فان ظنها عزيزة اللبن بالبناء على شئ مثبتة فان انتفاخ الضرع قد يكون بكثرة اللبن في الضرع وقد يكون بالتحفيل وعلى ما ظهر من عادات الناس احتمال التحفيل فيه أظهر فيكون هو مغترا في تباطنه على المحتمل والمحتمل لا يكون حجة وقد كان متمكنا من أن يسأل البائع ليبنى على النص الذي سمع منه فحين لم يفعل كان مغترا ولئن كان مغرورا فلا يمكن أن يجعل هذا الشرط غزارة اللبن عندنا لان اشتراط ذلك مفسد للبيع كشرط الحمل فاكثر ما في الباب أن يجعل ذلك بمنزلة جبر يجبره البائع أنها عزيزة اللبن من غير أن يجعل ذلك مشروطا في العقد والغرور بالخبر لا يثبت حق الرجوع على الغار كمن أخبر انسانا بأمن الطريق فسلكها فأخذ اللصوص متاعه وانما
[ 40 ] يثبت للمغرور حق الرجوع إذا كان مشروطا في عقد الضمان ولم يوجد ذلك بخلاف الصبرة فقد شرط له أن جميع الصبرة حنطة وان جميع ما في القفة عنب فإذا وجده بخلاف ما شرط كان له حق الرد لذلك فأما الحديث (قلنا) من مذهبنا انه انما يقبل من أحاديت أبى هريرة رضى الله تعالى عنه مالا يخالف القياس فأما ما خالف القياس الصحيح فالقياس مقدم عليه لانه ظهر تساهله في باب الرواية وقد رد ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بعض رواياته بالقياس نحو حديث الوضوء من حمل الجنازة فقال أيلزمنا الوضوء عن حمل عيدان يابسة ونحو الوضوء مما مسته النار حيث (قال) لو توضأت بما سخن كنت أتوضأ منه وهذا الحديث مخالف للكتاب والسنة والاصول من وجوه (أحدهما) ان ضمان المتلفات يتقدر بالمثل بالكتاب والسنة وفيما لامثل له بالقيمة فان كان اللبن من ذوات الامثال فالواجب المثل والقول قول من عليه في بيان المقدار وان لم يكن من ذوات الامثال فالواجب هو القيمة فاما ايجاب التمر مكان اللبن مخالف لما ثبت بالكتاب والسنة وفيه تسوية بين قليل اللبن وكثيره فيما يجب مكانه وهذا مخالف للاصول لان الاصل انه إذا قل المتلف قل الضمان وإذا كثر المتلف كثر الضمان وهنا الواجب صاع من التمر قل اللبن أو كثر وهو مخالف للاصول من وجه آخر من حيث ان فيه توقيت خيار العيب فوجب رده لذلك ثم يحمله عن تأويل وان بعد للتحرز عن الرد فنقول يحتمل انه اشتراها على أنها عزيزة اللبن فكان العقد فاسدا بالشرط فأمره رسول الله ﷺ بردها مع ما حلب من لبنها لان المشتراة شراء فاسدا ترد بزوائدها وقد كان المشترى أكل اللبن فدعاهما إلى الصلح ورد مكان اللبن صاعا من تمر بطريق الصلح فظن الراوى أنه ألزمه ذلك وقد يقع مثل هذا لمن قل فهمه من الرواة ولهذا لم يرو الحديث أحد من كبار الصحابة المشهورين بالفقه رضوان الله تعالى عليهم. قال (وبلغنا عن رسول الله ﷺ أنه جعل رجلا من الأنصار بالخيار في كل بيع يشتريه بثلاثة أيام) واسم هذا الرجل حبان ابن منقد وأبوه منقد بن عمر فالاختلاف في اسمه روى الحديث باللفظ الذي ذكرنا وقد كان يعين في البياعات لمأمومة أصابت رأسه فقال له رسول الله ﷺ إذا بايعت فقل لاخلا به ولى الخيار ثلاثة أيام وكان ألثغ باللام فكان يقول لاحزابه ففى الحديث دليل جواز البيع مع شرط الخيار والقياس يأبى ذلك لان شرط الخيار تعلق العقد وعقود المعاوضات لا تحتمل التعليق
[ 41 ] ويبقى مقتضى العقد وهو اللزوم وموجبه وهو الملك ولكنا نقول تركنا هذا القياس للحديث ولحاجة الناس إلى ذلك * فالبيع عقد معاينة والمقصود به الاسترباح ولا يمكنه تحصيل ذلك الا أن يرى النظر فيه ويريه بعض أصدقائه ليحتاج لاجل ذلك إلى شرط الخيار فإذا كان يجوز بعض العقود لحاجة الناس كالاجارة ونحوها فشرط الخيار في العقد أولى ثم أصل العقد لا يتعلق بالشرط لان الخيار صفة في العقد يقال بيع بات وبيع بخيار وبالصفة لا يتعلق أصل الموصوف وانما يدخل الخيار في الحكم فيجعله في معنى المعلق بالشرط لان الشرط لا يخلو السبب عن الحكم الا ان يتصل الحكم به فقد يجوز أن يتأخر الحكم عنه لمؤخر كما يتأخر وجوب تسليم الثمن بشرط الاجل ثم خيار الشرط يتقدر بثلاثة أيام وما دونها ولايجوز أكثر من ذلك في قول أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وقد (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وابن أبى ليلا يجوز إذا كانت المدة معلومة طالت أو قصرت لقوله ﷺ المسلمون عند شروطهم فإذا شرط الخيار شهرا وجب الوفاء به لظاهر الحديث وعن عمر رضى الله تعالى عنه انه أجاز الخيار لرجل في ناقة شهرين والمعنى فيه أن هذا مدة ملحقه بالعقد شرطا فلا تتقدر بالثلث كالاجل وهذا لان ما زاد على الثلث كالثلث في المعنى الذي لاجله جوزنا شرط الخيار ثم يعتبر هذا الخيار بخيار العيب والرؤية أو بنفس هذا العقد على عقد الكفالة فكما يجوز اشتراط الخيار هناك أكثر من ثلاثة أيام فكذلك يجوز هنا وأبو حنيفة استدل بالحديث فان النبي ﷺ قدر الخيار بثلاثة أيام والتقدير الشرعي إما أن يكون لمنع الزيادة والنقصان أو لمنع أحدهما وهذا التقدير ليس لمنع النقصان فاشتراط الخيار دون ثلاثة أيام يجوز فعرفنا أنه لمنع الزيادة إذ لو تمنع الزيادة لم يبق لهذا التقدير فائدة وما نص عليه صاحب الشرع من التقدير لا يجوز اخلاؤه عن الفائدة لانه ماكان بحارق في بيان الاحكام ثم بسبب اشتراط الخيار يتمكن معنى الغرر وبزيادة المدة يزداد الغرر وقد كان القياس أن لا يجوز اشتراط الخيار في البيع أصلا وهو قياس يسده الاثر لانه ﷺ نهى عن بيع الغرر الا أنا تركنا القياس في مدة الثلاثة لو رود الاثر فيه وجواز العقد مع القليل من الغرر لا يدل على الجواز عند كثرة الغرر وبه فارق الطفالة لانها تحتمل الغرر والخطر ألا ترى انه يجوز تعليق أصل الطفالة بان يقول مالك على فلان فهو علي وبه فارق خيار العيب والرؤية لانه لا يتمكن الغرر بسببه وفي حديث عمر
[ 42 ] رضى الله تعالى عنه أنه أجاز الخيار وليس فيه بيان خيار الشرط ولعل المراد خيار الرؤية والعيب وأنه اجاز الرؤية بعد الشهرين وكما أن النبي ﷺ (قال) المسلمون عند شروطهم فقد (قال) أيضا كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ثم جواز شرط الخيار لحاجة وهذه الحاجة ترفع بثلاثة أيام ففيما رآه لحاجة وان شرط الخيار أربعة أيام فسد البيع في قول أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى فان أسقط من له الخيار خياره قبل مجئ اليوم الرابع صح العقد. عند أبى حنيفة ولم يصح عند زفر وهو بناء على مابينا من الشراء بثمن إلى الحصاد وهذا لان شرط الخيار غير مفسد للعقد وانما المفسد وصل الخيار في اليوم الرابع بالايام الثلاثة وهو يعرض الفصل الخيار في اليوم الرابع بالايام الثلاثة وهو يعرض الفصل قبل مجئ اليوم الرابع فإذا فصل بالاسقاط صار كأن لم يكن فأما إذا جاء اليوم الرابع قبل اسقاط الخيار فقد تقرر المفسد باتصال جزء من اليوم الرابع بالايام الثلاثة على وجه لا يقبل الفصل لان عمل الاسقاط فيما بقى لافيما مضى فلهذا يتقرر الفساد به. قال (وان كان الخيار للمشترى ثلاثة أيام فمات قبل أن يختار فقد انقطع خياره ولزم البيع) وكذلك ان كان الخيار للبائع فمات البائع أو كان الخيار لهما جميعا فماتا فقد لزم البيع وأجمعوا انه إذا مات من عليه الخيار فان الخيار باق ولا يورث خيار الشرط عندنا و (قال) الشافعي يورث ويقوم وارث من له الخيار مقامه في التصرف بحكم الخيار لان هذا حق لازم ثبت في عقد بيع فيخلف الوارث فيه المورث كما في ملك المبيع والثمن وحق الكفالة والرهن بخلاف خيار القبول فانه غير لازم ولا ثابت في بيع منعقد وبخلاف الاجل فانه ليس بثابت في البيع ولكنه صفة الدين ثم الارث فيما ينتفع به الوارث أو المورث ولا منفعة لواحد منهما في ابقاء الاجل فان ذمة الميت مرتهنة بالدين ما لم يقض عنه فلا تبسط يد الوارث في التركة لقيام الدين على المورث فأما في توريث الخيار فيه منفعة للوارث وللمورث جميعا فان الضرر والعين يدفع به وربما يقولون هذا خيار ثابت في عين مبيعة فيخلف الوارث المورث فيه كخيار العيب ولان البدل الذي من جانب من له الخيار يبقى على ملكه ما بقى خياره والوارث يخالف المورث فيما كان مملوكا له فإذا كان الملك باقيا للبائع في المبيع إلى وقت موته انتقل إلى وارثه ولا يبطل العقد بهذا الانتقال فمن ضرورة انتقال الملك إلى الوارث مع بقاء العقد انتقال الخيار إليه ليقوم الوارث مقام المورث في التصرف بحكمه وحجتنا ما (قال) في الكتاب أن البيع منعقد مع الخيار وقد كان الخيار مشيئته
[ 43 ] في رده ولا يتحول بالموت مشيئته إلى غيره لان ارادته ومشيئته صفة فلا يحتمل الانتقال منه إلى غيره وانما يورث ما يحتمل الانتقال إلى الوارث فأما مالا يحتمل الانتقال إلى الوارث لا يورث كملكه في منكوحته وأم ولده وكذلك العقد لا ينتقل إلى الوارث لانه انما يورث ماكان قائما والعقد قول قد مضى ولا يتصور انتقاله إلى الوارث وانما يملك الوارث الاقالة لقيامه مقام المورث في الملك لا في العقد فان الملك يثبت ولاية الاقالة * ألا ترى أن اقالة الموكل مع البائع صحيحة والعاقد هو الوكيل دون الموكل وانما يخلفه في الملك الباقي بعد موته ولما انقطع خياره بالموت صارت العين مملوكة للمشترى ووارث البائع لا يخلفه في ملك العين وهذا لان البيع سبب موجب للملك والخيار مانع فإذا سقط صار كأن لم يكن ولهذا ملك المشترى المعقود عليه بزوائده المتصلة والمنفصلة فأما خيار العيب لا يقول بانه يورث ولكن سبب لخيار يتقرر في حق الوارث وهو استحقاق المطالبة بتسليم الجزء الفائت لان ذلك جزء من المال مستحق للمشترى بالعقد فإذا طالب البائع بتسليمه وعجز عن التسليم فسخ العقد لاجله وقد وجد هذا المعنى في حق الوارث لانه يخلف المشترى في ملك ذلك الجزء * ألا ترى أن الخيار قد يثبت ابتداء للوارث وان لم يكن ثابتا للمورث بأن يتغيب المبيع في يد البائع بعد موت المشترى قبل أن يقبضه الوارث بخلاف خيار الشرط فان السبب وهو الشرط لا يوجد في حق الوارث ولا يمكن التوريث له فيه ولان المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه لان الخيار يشترط للفسخ لا للاجازة وهو مالك للفسخ في حق نفسه بدون شرط الخيار فانما يشترط الخيار ليفسخ العقد في حق صاحبه والمسلط على التصرف في حق الغير لا يقوم وارثه مقامه بعد موته كالوكيل بالبيع إذا مات بخلاف خيار العيب فالمقصود هناك ليس هو الفسخ ولكن المطالبة بتسليم ما هو المستحق بالعقد حتى إذا تعذر الرد بالعيب رجع بحصة البيع من الثمن والوارث يخلف المورث فيما هو مال ولان هذه مدة ملحقة بالعقد شرطا فلا تبقى بعد موت من هي له كالاجل فانه حق لمن عليه الدين قبل من له الدين فيبطل لموته ولا معنى لقوله بأن الاجل صفة الدين لان الدين حق المطالب والاجل حق المطلوب فكيف يكون صفة للدين وفي ابقاء الاجل فائدة فربما لا يكون في تركته مابديه ثم يصير عند حلول الاجل فيها وفاء بالدين يتم بغير السعر أو يتصرف الوارث في التركة لانه انما لا يبسط في التركة يده إذا حل الاجل فاما إذا بقى الاجل قام الوارث مقام المورث في
[ 44 ] التصرف في التركة ومع هذا لم يبق الاجل فكذلك الخيار وكذلك إذا سكت من له الخيار حتى مضت الثلاثة أو ذهب عقله أو أغمى عليه أو ارتد فقتل أو مات لانه عجز عن التصرف بحكم الخيار وقد تقرر ذلك بمضي المدة فلزم البيع وهذا لان الخيار المؤقت لا يبقى بعد مضى الوقت والبيع في الاصل لازم وانما الخيار كان مانعا من اللزوم فبأى وجه سقط صار كأن لم يكن. قال (وان كان الخيار للمشترى فهلكت السلعة في يده لزمه الثمن وانقطع الخيار) لانه عجز عن التصرف بحكم الخيار حين أشرفت السلعة على الهلاك فانها قد تعينت بذلك وليس له أن يردها بحكم الخيار الا كما قبضها فإذا عجز عن ذلك سقط خياره وتم البيع وتقرر عليه الثمن لكونه قابضا للمبيع وكذلك ان أصاب السلعة عيب عنده بفعله أو بفعل أجنبي أو بآفة سماوية أو بفعل المبيع بنفسه لانه عجز عن رده كما قبض بأى وجه تغيب عنده يسقط خياره وكذلك ان كانت جارية فوطئها لان الوطئ لا يحل الافي ملك مستقر فاقدامه على وطئها من أدل الدلائل على الرضا باستقرار ملكه فيها وذلك لا يكون الا بعد سقوط الخيار وكذلك ان عرضها البيع لانه انما يعرضها على للبيع ليبيعها والبيع تصرف منه بحكم الملك ولايكون ذلك الا بعد اسقاط الخيار ورضاه يقرر ملكه فيها وكذلك لو قال * قد رضيتها لانه بالرضى يسقط حقه في الرد ولا يلزم البائع شئ فالمبيع لازم في جانب البائع وهو راض بتمامه ولو لم يكن شئ من ذلك ولكنه اختار ردها على البائع بغير محضر منه فليس ذلك بشئ وله أن يرضى بعد ذلك ما لم يعلم البائع بفسخه في الايام الثلاثة فان علم بعد ذلك تم الفسخ وليس للمشترى أن يرضى به بعد ذلك وان لم يعلم بفسخه حتى مضت الايام الثلاثة بطل ذلك الفسخ وتم البيع في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف الاول ثم رجع فقال رده جائز بغير محضر من البائع وبغير علمه لان تصرفه يلاقى خالص حقه فيكون نافذا كالزوج إذا طلق امرأته ثم راجعها بغير علمها والمعتقة إذا اختارت نفسها بغير علم الزوج كان اختيارها صحيحا وبيان الوصف ان الخيار خالص حق من له الخيار ولهذا لا يشترط رضا الآخر في تصرف من له الخيار بحكم الخيار فكذلك لا يشترط حضوره واعتبر الفسخ بالاجازة وتقرير كلامه من وجهين (أحدهما) أن المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه والمسلط على التصرف ينفذ تصرفه بغير محضر من المسلط كما ينفذ تصرف الوكيل بغير محضر من الموكل (والثاني) أن الخيار شرط ليدفع به الضرر عن نفسه فلو لم يكن متمكنا من الفسخ بغير
[ 45 ] محضر من صاحبه يفوت مقصوده لان الآخر يخفى شخصه حتى تمضى مدة الخيار فيلزمه العقد شاء أو أبى ولهذا سقط اعتبار رضاه فكذلك يسقط اعتبار حضوره وهذا بخلاف خيار العيب فانه غير موقت فلو شرطنا حضور البائع فيه للفسخ لا يتضرر به المشترى من حيث سقوط خياره بمضي المدة ثم هناك المشتري غير مسلط على الفسخ وانما له حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت فإذا تحقق عجز البائع عنه تمكن من الفسخ فلا يتحقق عجزه الا بمحضر منه وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى (قالا) انه بالفسخ يلزم غيره حقا فلا يبطل تصرفه في حق ذلك الغير ما لم يعلم به كالموكل إذا عزل الوكيل حال غيبة لا يثبت حكم العزل في حقه ما لم يعلم به وبيان الوصف أن العقد منعقد مع الخيار وبالفسخ ارتفع الانعقاد في حق الآخر وحكم الفسخ ضد حكم العقد فعرفنا ان بتصرفه يلزمه غيره حقا وتأثيره أنه لا يتمكن صاحبه من العمل بموجب الفسخ إذا لم يعلم به ولا يثبت حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به كما في خطاب الشرع * يقرره أن البائع لا يطلب لسلعته مشتريا آخر بناء على ان البيع قد تم بمضي المدة فإذا جاء المشترى بعد ذلك فاخبره انه كان فسخ القعد فلو ثبت حكم الفسخ في حقه لتضرر البائع به وهذا ضرر يلحقه بتصرف المشترى وإذا لم يثبت حكم الفسخ قبل علمه في حقه فالمشترى وان تضرر ولكن هذا ضرر يحلقه لامن جهة البائع بل لعجز المشترى عن اتحاد شرط صحة الفسخ وهو بمنزلة خيار لرد بالعيب قبل القبض وهذا بخلاف الاجارة فانه لا يلزم البائع باجارته شئ وهو نظير الرضي بالعيب من المشتري فانه يصح بغير علم البائع لانه لا يلزمه شئ ولان العقد بشرط الخيار يصير غير لازم في حق من له الخيار فيلتحق بالعقود التى هي غير لازمة كالوكالات والشركات والمضاربات وهو لا يملك فسخ هذه العقود بغير علم من صاحبه وان كان يملك فسخها بغير رضا صاحبه * وتقرير هذا الكلام من وجهين (أحدهما) أن تصرف المشروط له الخيار لا ينعقد في حق صاحبه بتسليطه اياه على ذلك وكيف يقال هو مسلط على الفسخ من جهة صاحبه وصاحبه لا يملك الفسخ ولكن انما يتمكن من الفسخ لان العقد غير لازم في حقه وبانعدام صفة اللزوم يتمكن من الفسخ بغير رضا صاحبه ولكن انما يتمكن من الفسخ بغير علمه كما في الوكالات والشركات والمضاربات وهذا بخلاف الوكيل حيث يتصرف بغير علم الموكل لان الوكيل مسلط على التصرف من جهة الموكل بتسليطه اياه على التصرف
[ 46 ] فوق علمه به * يوضحه ان اشتراط الخيار في العقود التى هي غير لازمة كالوكالة والشركة والمضاربة لا يجوز ولو كان اشتراط الخيار ليتمكن به من الفسخ بغير علم صاحبه يصح في هذه العقود لكونه محتاجا إليه فحيث لم يصح عرفنا أن موجب الخيار دفع صفة اللزوم فيسقط وليس هذا كالطلاق فان الزوج بايقاع الطلاق لا يلزمها شئ انما يرفع الحل الثابت له وكذلك في الرجعة لا يلزمها شئ لان النكاح باق بعد الطلاق الرجعى على حاله وقيل في خيار المعتقة ان فسخها لا ينفذ الا بمحضر من الزوج فلا يسلم على هذا وبعد التسليم هناك ثبوت الخيار لدفع زيادة الملك لان ملك الزوج يزداد بحرمتها ودفعها زيادة الملك يكون امتناعا من الالتزام لا الزام الغير شيئا ولا يتمكن من الامتناع من هذا الالتزام الا برفع أصل النكاح فثبت لها ولاية رفع النكاح لضرورة حاجتها إلى دفع الزيادة عن نفسها ويوضحه انها مسلطة بتخير الشرع اياها بقوله ﷺ ملكت بضعك فاختارى فيجعل كأن الزوج خيرها فلهذا صح اختيارها بغير محضر منه وهنا من له الخيار غير مسلط على الفسخ من جهة صاحبه كما قررنا. قال (وان اختارت ردها عليه فعليه أو الاجارة بقلبه كان باطلا أيهما كان صاحب الخيار) لان ما يكون بالقلب فهو نية والنية بدون العمل لا تثبت الفسخ ولا الاجارة كما لا ينعقد أصل العقد منها والاصل فيه قوله ﷺ ان الله تعالى تجاوز لامتي عن ما حدثت به أنفسهم ما لم يعلموا أو يتكلموا. قال (ولو كان الخيار للبائع فما ثبت في يد المشترى فعليه قيمتها) وقال ابن أبى ليلى هو أمين فيها لانه قبضها باذن صاحبها ووجوب ضمان القيمة باعتبار تفويت شئ على صاحبها وذلك غير موجود وان كان القبض برضاه ولاكنا نقول البائع ما رضى بقبضه الا بجهة العقد والمقبوض بجهة العقد يكون مضمونا بالقيمة كالمقبوض على سوم البيع وهذا لان الضمان الاصلي الثابت بالعقد هو القيمة وانما يتحول منه إلى الثمن عند تمام الرضا ولم يوجد ذلك حين شرط البائع الخيار لنفسه فيبقى الضمان الاصلي وهذا بخلاف مااذا كان الخيار للمشترى لان هناك لما أشرف على الهلاك سقط خياره بعجزه عن الرد كما قبضه فيتم البيع وهو قائم فلزمه الثمن المسمى وهنا وان أشرف على الهلاك فخيار البائع لم يسقط لانه لم يعجز عن التصرف بحكم الخيار فلو لزم البيع فيه انما يلزم بعد موته وذلك لا يجوز فكان مضمونا بالقيمة كذلك. قال (ولو كانت جارية فاعتقها البائع أو دبرها أو وطأها أو قبلها من شهوة أو
[ 47 ] كاتبها أو رهنها وسلمها أو وهبها وسلمها أو أجرها وسلم أو لم يسلم فهذا كله نقض للبيع * فأما العتق والتدبير والكتابة فلانه خرج المحل بتصرفه عن أن يكون محلا لابتداء البيع ولاثبات حكم البيع فيه ومن ضرورته انفساخ العقد وأما الوطئ والتقبيل فدليل الرضا بتقرر ملكه ولايكون ذلك الا بعد انفساخ البيع لان هذا تصرف لا يحل الا في الملك فلو لم ينفسخ البيع به لكان إذا جاز البيع بعد هذا ملك المشترى المبيع من وقت العقد بزوائده فتبين ان وطأه في غير الملك وذلك لا يحل فاما بالهبة والتسليم فلانه أزال ملكه عن العين وبالرهن والتسليم أوجب للغير فيه حقا وبالاجارة يوجب للغير فيه حقا وذلك يمنعه من الزام البيع ولهذا شرط التسليم في الرهن لان حق المرتهن لا يثبت بدون القبض ولم يشترط ذلك في الاجارة لانه يلزم بنفسه ثم ففسخ العقد بهذا الاسباب صحيح بغير محضر من المشترى لان ثبوت الفسخ بطريق الحكم لا بقصد التصرف إلى ذلك فلا يتوقف على العلم كالموكل إذا اعتق العبد الذي وكل ببيعه ينعزل الوكيل وان لم يعلمه بخلاف مااذا عزله قصدا ولو اختار البائع رد المبيع بغير محضر من المشترى فلا يتوقف على العلم كالموكل فهو على الخلاف الذي بينا وان اختار لزوم البيع والمشترى غائب فهو جائز لانه لا يلزم المشترى بتصرفه ما لم يلتزم فالبيع لازم في جانب المشترى وانما يسقط البائع حق نفسه في الفسخ بالاجارة وذلك صحيح منه بعد غيبة المشترى فليس له بعد ذلك أن ينقضه كما لو لم يكن في البيع خيار لواحد منهما. قال (وإذا اشترط أحد المتبائعين الخيار لانسان من أهله أو من غيرهم فهو جائز عندنا بمنزلة اشتراطه لنفسه و (قال) زفر لا يجوز البيع بهذا لشرط لان خلاف ما يقتضيه العقد فان خيار الشرط من حقوق العقد وحقوق العقد تثبت للعاقد فاشتراطه لغير العاقد خلاف مقتضي العقد فيكون مفسدا للعقد ولان هذا يتعلق بانفساخ العقد وإبرامه بفعل الغير والبيع لا يحتمل ذلك واعتبر خيار الشرط بخيار العيب والرؤية فان ذلك لا يثبت لغير العاقد فكذلك هذا وحجتنا في ذلك أن هذا في معنى اشتراط الخيار لنفسه منه لانه يجعل الغير نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار ولايكون ذلك الا بعد ثبوت الخيار له ولهذا اثبتنا الخيار للشارط بهذا اللفظ ولو شرط الخيار لنفسه ثم وكل الغير بالتصرف بحكمه استقام ذلك وهذا لان جواز اشتراط الخيار للحاجة إلى دفع العين وقد يشترى الانسان شيئا وهو غير مهتد فيه فيحتاج إلى شرط الخيار لمن يكون مهتديا
[ 48 ] فيه من صديق أو قريب حتى ينظر إليه فللحاجة إلى ذلك جعلناه كاشتراط الخيار لنفسه. قال (وإذا هلكت السلعة في يد البائع وله الخيار أو للمشترى فلا ضمان على المشترى فقد بطل البيع) لفوات القبض المستحق بالعقد كما لو كان البيع باتا وان كان في البيع خيار للبائع أو للمشتري فجاء به المشترى ليرده فقال البائع ليس هو الذي بعتك فالقول قول المشترى فيه لانه ينفرد بالفسخ بخياره فيبقى ملك البائع في يده والقول في تعينه قوله أمينا كان أو ضامنا لان المشتري قابض والاصل أن القول قول القابض في المقبوض أمينا كان أو ضمينا كما في الغاصب وكذلك ان كان غير مقبوض وأراد البائع أن يلزمه فقال المشترى ليس هذا الذي بعتني فالقول قول المشترى مع يمينه ولا يلزمه البيع الا أن تقوم عليه بينة أنه هو المبيع فيلزمه ان لم يكن له خيار وان كان له خيار رده ان شاء لان البيع إذا كان فيه شرط الخيار للبائع فهو في حكم الملك كالمعلق بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وكان الزام المبيع اياه بمنزلة ابتداء التمليك من هذا الوجه والبائع يدعى ثبوت حق التمليك له في هذه العين والمشترى منكر دعواه ولو أنكر العقد أصلا كان القول قوله فكذلك هنا * يوضحه ان البائع لا يملك بحكم خياره الزام البيع الا إذا كان المبيع قائما في يده وقوله في تعيين المبيع ليس بحجة على المشترى في ايجاد الشرط وبدون التعيين لا يملك ايجاب البيع فيه فحال البائع الآن كحال المشترى إذا ادعى الرد بالعيب بعد القبض في أنه لا يقبل قوله في تعيين المبيع وبدون التعيين لا يتمكن من رده بالعيب بعد القبض. قال (وان شرط المشتري الخيار لغيره ثم آن زمن الخيار رد المبيع بمحضر من البائع جاز البيع) لانه قائم مقام المشتري في التصرف بحكم الخيار وكذلك لو كان المشترى هو الذي رده لما بينا أن شرط الخيار لغيره اشتراط منه لنفسه * وان قال المشترى قد أجرته * وقال الذي له الخيار قد رددته فان سبق أحدهما فان تصرف السابق منهما أولى إذا كان ردا كان أو اجازة لان برد السابق منهما انفسخ العقد والمنفسخ لا تلحقه الاجازة وباجازة السابق منهما انبرم العقد وبعد انبرامه لا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخه ولو وجد الامر ان معا فالفسخ أولي لان الفسخ يرد على الاجازة والاجازة لاترد على الفسخ فيترجح الفسخ باعتبار أنه عامل لاحقا كان أو سابقا كنكاح الحرة والامة إذا اجتمعا يقدم نكاح الحرة * وكذلك لو كان البائع شرط الخيار لبعض أهله * فقال قد أوجبت البيع * وقال الذي له الخيار لا أرضى فهو جائز وقد أشار في بعض نسخ البيوع إلى أنه إذا أجاز
[ 49 ] أحدهما وفسخ الآخر فما فعله العاقد أولى فمسخا كان أو اجازة لان العاقد يتصرف بحكم ملكه والآخر بحكم النيابة عنه * وفقه هذا الكلام ان الحاجة إلى الثابت للتصرف عند امتناع المنوب عنه عن التصرف بنفسه وذلك ينعدم إذا اقترن تصرفه بتصرف النائب ولكن الاول أصح وقد فسره في المأذون أن الفسخ أولى لما بينا ولان الخيار مشروط بالفسخ لا للاجازة والفاسخ منهما يتصرف بحكم الخيار تصرفا شرع الخيار لاجله فكان تصرفه أولى. قال (وإذا كان الخيار للبائع أو للمشترى فالتقيا فتناقضا البيع ثم هلك عند المشترى قبل أن يقبضه البائع فعلى المشترى الثمن ان كان له الخيار والقيمة ان كان الخيار للبائع) لان تمام الفسخ بالرد على البائع كما ان استحكام البيع بالقبض ثم هلاك المعقود عليه بعد العقد قبل القبض يبطل العقد فكذلك هلاكه بعد الفسخ قبل الرد وإذا بطل الفسخ عاد إلى ملك المشترى وهو في يده هلك فيهلك مضمونا عليه بالثمن إذا كان الخيار للمشترى وإذا كان الخيار للبائع يكون مضمونا عليه بالقيمة لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وبالفسخ يرتفع العقد وبالهلاك في يد المشترى يرتفع الفسخ فيبقى الحال بعد الفسخ كالحال قبله وقبل الفسخ لو هلك في يد المشترى لا يكون مضمونا عليه بالقيمة لانه مقبوض بجهة العقد فصار كالمقبوض على سوم الشراء وهذا لان الفسخ بحكم الخيار يحتمل الفسخ في نفسه حتى لو تفاسخا ثم تراضيا على فسخ الفسخ وعلى اعادة العقد بينهما جاز فينفسخ الفسخ بهلاك محله قبل حصول المقصود به وبعد الفسخ لا يجوز فيه عقد عتق المشترى ولا شئ من عقوده * أما إذا كان الخيار للبائع فظاهر لان العقد على ملكه نفذ فكيف يجوز فيه عتق المشترى وكذلك إذا كان الخيار للمشترى لانه بفسخ المشترى يعود العبد إلى ملك البائع ولكن يجوز فيه عتق البائع لانه عاد إلى ملك البائع بمنزلة البيع بعد العقد قبل التسليم لما ذكرنا قال (وإذا اشترى الرجل عدل زطى برأس ماله ولم يعلم ما هو فالبيع فاسد) لجهالة الثمن عند العقد فان أخبره بذلك فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه وقد بينا أن مراده إذا أخبر بذلك في المجلس فان حال المجلس كحال العقد * وكذلك ان اشترى برقمه فهو فاسد فان أخبره برقمه فهو بالخيار ليكشف الحال له لان البيع انما يظهر كونه رابحا أو خاسرا في حقه إذا علم بالثمن فصار كما لو اشترى شيئا لم يره ثم رآه كذلك ههنا. قال (وان استهلكه المشترى قبل أن يجيزه فعليه القيمة) لانه في يده بحكم عقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر الرد وبعد الاستهلاك لا يمكن
[ 50 ] تصحيح العقد فيه باعدام رأس ماله لانعدام المحل فان تصحيح العقد بازالة المفسد نظير الاجازة في البيع الموقوف فكما لا ينفذ البيع بالاجازة الا عند قيام المحل فكذلك لا يصح باقامة المفسد بعد هلاك المحل. قال (وإذا كان البائع والمشترى جميعا بالخيار لم يتم البيع باجازة أحدهما حتى يجتمعا عليه) لان الذي أجاز منهما اسقط الخيار فصار كما لو لم يشترط الخيار لنفسه في الابتداء فيبقى خيار الآخر وبقاء خيار الآخر يكفى للمنع من انبرم العقد. قال (وقد بينا أنه إذا اشترى عبدا على انه ان لم ينفد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما انه جائز) استحسانا فرع عليه * وقال فان أعتقه ثم لم ينقد الثمن حتى مضت ثلاثة أيام فالعتق جائز وعليه الثمن لان هذا في معنى اشتراط خيار المشترى لنفسه وخيار المشترى لايمنع نفوذ عتقه عندهما لانه مالك وعند أبى حنيفة رضى الله عنه خيار المشترى يمنع دخوله في ملكه ولا يمنع نفوذ العتق لانه متمكن من اسقاط خياره بتصرفه فإذا سقط خياره تقرر عليه الثمن المسمى نقده في الايام الثلاثة أو لم ينقده ولان امتناعه من آداء الثمن في آخر جزء من الايام الثلاثة بمنزلة فسخ البيع لانه نفى البيع عن ذلك بقوله فلا بيع بينا وبعد الاعتاق هو لا يملك الفسخ فنقده الثمن وعدم نقده في الحكم سواء. قال (وان كان المشترى اثنين وهما بالخيار فاختار أحدهما رده والآخر امساكه فليس لواحد منهما أن يرد حصته دون الآخر) في قول أبى حنيفة رضى الله عنه (وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى له ذلك * وكذلك الخلاف في الرد بخيار الرؤية وخيار العيب بأن اشتريا شيئا لم يرياه ثم رأياه فأراد أحدهما أن يرده فليس له ذلك عنده * وعندهما له ذلك وكذلك إذا اشتريا شيئا فوجد أحدهما به عيبا فأراد أن يرده فهو على الاختلاف وهما يقولان الراد منهما يرد ما اشترى كما اشترى فيتمكن من ذلك وان لم يساعد، الآخر عليه كما لو كان العقد في صفقتين * وتحقيقه ان الرد يلاقي ملك المشترى والمبيع في ملك المشتريين متفرق فصار نصيب كل واحد منهما كعقد على حدة وبه فارق القبول لان القبول يلاقى ملك البائع والقبض يلاقى يد البائع وهو مجتمع في ملكه ويده فلا يكون لاحدهما أن يفرقه عليه وهو نظير الشفعة فان للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لان أخذه يلاقى ملك المشترى ولو كان البائع اثنين والمشترى واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين لهذا المعنى لان أخذه يلاقى ملك المشترى وملك المشترى مجتمع لانه واحد وان كان البائع اثنين
[ 51 ] وكل واحد منهما شرط الخيار لنفسه ليكون متخيرا مستبدا بالتصرف فيما يرجع إلى دفع الضرر عنه ولو لم يكن له حق الفسخ إذا لم يساعده الآخر على ذلك فات عليه مقصوده وربما يكون في الاجازة لاحدهما ضرر وللآخر نظر فكما لا يكون للفاسخ أن يلزم شريكه ضرر تصرفه بالفسخ فكذلك لا يكون للمجيز أن يلزم شريكه ضرر تصرفه للاجازة * يوضحه أن الراد منهما ما ثبت له الخيار الا في نصفه ولو اشترى العبد كله على انه بالخيار في نصفه كان له أن يرد النصف بحكم الخيار * فإذا اشترى النصف وما ثبت له الخيار الا في نصفه فهو أولى * وأبو حنيفة يقول ان الراد منهما يرد نصيبه بعيب لم يكن ذلك عند البائع وليس له حق الرد بعيب حادث بسبب الخيار كما لو تعيب في يده وهذا لانه بالرد يدفع الضرر عن نفسه ولكن يلحق الضرر بغيره وليس أن يلحق الضرر بغيره * وبيان الوصف أن المبيع خرج من ملك البائع جملة فإذا رد أحدهما النصف فانما يرد النصف معيبا بعيب الشركة فان الشركة فيما يضره التبعيض عيب فاحش ولهذا يرد الصداق به والرجوع في معرفة العيب إلى العرف فالاشقاص في العادة لا يشترى بمثل ما يشترى به في الاشخاص * فعرفنا انه يتضرر البائع بالرد عليه والبائع أوجب العقد لهما جملة وذلك لم يكن منه رضا بعيب التبعيض بدليل انه لا يملك أحدهما القبول دون الآخر ولو قبلا ثم نقد أحدهما حصته من الثمن لا يملك قبض حصته من المبيع ولو كان البائع راضيا بعيب التبعيض لملك ذلك أحدهما وان كان الملك واليد في جانب البائع مجتمعا لوجود الرضا منه بذلك ولكن كان راضيا بعيب التبعيض فانما يرضى به في ملك الغير وذلك لا يدل على أنه رضى به في ملك نفسه * الا ترى ان المشترى لو زوج المبيعة ثم وجد بها عيبا لا يردها لانها تعيبت بعيب النكاح وقد سلطه البائع على تزويجها وذلك أقوى من الرضي بتصرفه ولكن انما يرضى به في ملك الغير لافى ملك نفسه ولا يقال بأن هذا العيب حدث في يد البائع لان تصرف الملك ثبت بالعقد قبل القبض لانه وان حدث في يد البائع فانما حدث بفعل المشترى والمشترى إذا عيب المعقود عليه في يد البائع لم يكن له أن يرده بحكم خياره الا أن هذا العيب يعرض الزوال بأن يساعده في الرد على الرد وإذا انعدم ذلك ظهر عمله في المنع من الرد ولا معنى لما قالا ان في امتناع الرد ضررا على الراد لان هذا ضرر يلحقه بعجزه عن ايجاد شرط الرد لا يتصرف من الغير ولان مراعاة جانب البائع أولى لان البائع يتضرر بتصرف الراد
[ 52 ] والراد لا يتضرر بتصرف باشره البائع ثم هذا في الرد بالعيب يتضح فان في مراعاة جانب المشترى ابطال حق البائع وليس في مراعاة جانب البائع ابطال حق المشترى لانه يرجع بحصة العيب من الثمن فلهذا كان اعتبار جانب البائع أولى وليس هذا كما لو شرط الخيار في نصفه فالبائع هناك رضى بعيب التبعيض حين شرط الخيار في النصف مع علمه أن الخيار يشترط للفسخ وهنا ما رضى بذلك لانه شرط الخيار في الكل وانما ثبوت الخيار لكل واحد منهما في النصف بمقتضى قوله وملكه لا ينتقص من البائع على ذلك وهو نظير مالو أوجب البيع في النصف صح قبول المشترى في ذلك النصف وإذا أوجب البيع لهما في الكل لا يصح قبول أحدهما في النصف. قال (وان اشترى شيئا على أنه بالخيار إلى الغد أو إلى الليل أو إلى الظهر فله الغد كله والليل كله ووقت الظهر كله) في قول أبى حنيفة (وقال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى له الخيار إلى طلوع الفجر أو إلى أن تغيب الشمس أو إلى أن تزول الشمس ولا تدخل الغاية في الخيار عندهما لان الغاية حد والحد لايدخل في المحدود كما لو * قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لايدخل الحائطان في البيع وهذا لان الحد غاية ومن حكم الغاية أن يكون ما بعده بخلاف ما قبله لكن هذا انما يتحقق فيما يكون بعضه متصلا بالبعض كما في المساحات والاوقات وهي مسئلتنا فاما في الاعداد لا يتحقق هذا لانه ليس بينهما اتصال ليكون حدا فلهذا جعلنا المعتبر هناك أكثر الاعداد ذكرا حتى إذا قال لامرأته أنت طالق من واحدة إلى ثلاث تطلق ثلاثا وإذا قال لفلان على من درهم إلى عشرة يلزمه عشرة فاما الاوقات يتصل بعضها ببعض فيتحقق فيها معنى الغاية بيان ذلك في قوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ومن حيث الاحكام إذا باع بثمن مؤجل إلى رمضان أو أجر داره إلى رمضان أو حلف لا يكلم فلانا إلى رمضان لايدخل الحد فاما الموافق في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) فانما عرفنا دخولها بفعل النبي ﷺ حين توضأ فادار الماء على مرافقه وبه يتبين ان إلى بمعنى مع ولكنه نوع من المجاز لا يحمل الكلام عيه الاعند قيام الدليل عليه ولابي حنيفة في المسألة حرفان (أحدهما) ان البدل الذي في جانب من له الخيار باق على ملكه سواء كان الخيار للبائع أو للمشترى والملك الثابت له بيقين لا يزال بالشك وإذا كانت الغاية تدخل في الكلام وفي بعض المواضع ولا تدخل في بعض المواضع فلو لم تدخل الغاية كان فيه ازالة ملكه بالشك * يوضحه أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بالشرط وهو سقوط
[ 53 ] الخيار فما لم يتيقن بوجود الشرط لا يثبت ما علق به وفي موضع الغاية شك وعليه تخريج المسائل لابي حنيفة فان في وقوع التطليقة الثالثة شك وفي وجوب الدرهم العاشر في ذمته شك وفي مسألة الاجل البيع موجب ملك اليمين والاجل مانع من توجه المطالبة والمانع بالشك لا يثبت وفي الاجارة ملك الرقبة سبب لحدوث المنفعة على ملكه الا إذا ثبت الحق فيه لغيره وبالشك لا يثبت الحق للغير فتحدث المنفعة على ملك المؤاجر فسبب ملك الرقبة وفي اليمين اباحة الكلام أصل فلا تثبت الحرمة والمنع بالشك والاصل فراغ ذمته عن الكفارة فلا يشغلها بالشك في موضع الغاية والحرف (الآخر) أن في كل موضع تكون الغاية لمد الحكم إلى موضع الغاية لا تدخل الغاية كما في الصوم لو * قال ثم أتموا الصيام إلى الليل اقتضى صوم ساعة فقوله إلى الليل لمد الحكم إلى موضع الغاية وفي كل موضع ذكر الغاية لاخراج ما وراءها يبقى موضع الغاية داخلا كما في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) لان مطلق الايدى في الطهارة يتناول الحارجة إلى الآباط ولهذا فهمت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم باطلاق الايدي في التيمم الايدي إلى الآباط فكان ذكر الغاية لاخراج ما وراءها فيبقي موضع الغاية داخلا هنا ولو شرط الخيار مطلقا يثبت الخيار مؤبدا ولهذا فسد العقد فكان ذكر الغاية لاخراج ما وراءها فيبقى موضع الغاية داخلا وفي مسألة الاجل ذكر الغاية لمد الحكم إلى موضع الغاية لان الاجل للترقية فمطلق الاسم يتناول أدنى ما يحصل به الترقية * وكذلك في الاجارة فانها عقد تمليك المنفعة بعوض فمطلقها لا يوجب الا أدنى ما يتناوله الاسم وذلك مجهول ولاجل الجهالة يفسد العقد فكان ذكر الغاية لبيان مقدار المعقود عليه وذلك لمد الحكم إلى موضع الغاية ولكن يدخل فصل اليمين على هذه الطريقة * وقد روى الحسن عن أبى حنيفة ان في اليمين تدخل الغاية فيأخذ في اليمين على هذه الطريقة بتلك الرواية. قال (وإذا اشترى شيئا لغيره بأمره واشترط الخيار له فقال البائع رضى الآمر وهو غائب لم يصدق على ذلك) لان البيع غير لازم للخيار المشروط للآمر والبائع يدعى لزومه ولو ادعي أصل البيع لم يصدق على ذلك الا بحجة * فكذلك إذا ادعى صفة اللزوم ولا يمين على المشترى في ذلك لانه لا يدعي عليه الرضا وانما يدعيه على الآمر فلو استحلف المشترى على ذلك كان بطريق النيابة عن الآمر ولانيابة في اليمين ولانه لا يمين له في هذه الدعوى على الآمر لو كان حاضرا فإذا لم يتوجه اليمين على من يدعى عليه الرضا فعلى وكيله أولى وانما لم يتوجه اليمين على الآمر لانه لا خصومة بين
[ 54 ] البائع والآمر فان العقد لم يجر بينهما والاستحلاف ينبنى على الدعوى والخصومة ولانه لو كان على الامر يمين لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الآمر فيحلف كما في الوكيل بالرد بالعيب إذا ادعى البائع الرضا على الموكل لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الموكل فيحلف وهنا للوكيل أن يرده بغير يمين لان اشتراط الخيار للامر اشتراط منه لنفسه وما لم يظهر المسقط لنفسه بخياره فهو متمكن من الرد فعرفنا ان بهذه الدعوى لا يتوجه اليمين على أحد وإذا أقام البائع البينة ان الآمر قد رضى فالبيع لازم للآمر لانه أثبت ما ادعى من صفة اللزوم بالبينة والثابت بالبينة كالثابت معاينة والوكيل خصم في اثبات ذلك عليه لانه نائب عن الموكل والاثبات بالبينة على الثابت صحيح ولان العقد جرى بينهما فيكون هو خصما في اثبات صفته عليه * ألا ترى انه لو كان شرط الخيار لنفسه كان خصما في اثبات الرضي عليه فكذلك إذا شرطه للآمر وان لم يقم البينة وصدقه المشترى فيه * وقال الآمر في الثلث بحضرة البائع قد أبطلت لزم البيع المشترى لان اقرار المشترى حجة عليه دون الآمر وقد أقر بلزوم العقد برضا الآمر فيجعل ما أقر به في حقه كالثابت بالبينة فلا يتمكن من الرد على البائع بعد ذلك وهو في حق الآمر كالمعدوم فإذا (قال) في الايام الثلاثة بمحضر من البائع قد أبطلت البيع فقد أقر بما يملك انشاءه فلا تمكن التهمة في اقراره بخلاف مااذا قال ذلك بعد مضي المدة لانه أقر بما لا يملك انشاءه وما يلزم البيع وهو مضى الايام قبل ظهور الفسخ معلوم فلا يصدق فيما يدعى من الفسخ في المدة * يوضحه ان اقرار الوكيل برضا الآمر بمنزلة مباشرته للعقد في الابتداء بغير خيار ولو أمره بأن يشترى بشرط الخيار له فاشترى ولم يشترط الخيار لزمه دون الآمر فكذلك إذا أقر برضا الآمر بعد ما شرط الخيار. قال (وإذا اشترى عدلا على انه زطى فيه خمسون ثوبا كل ثوب بكذا أو جماعته بكذا أو شرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام فأن أراد أن يرد بعضه دون بعض لم يكن له ذلك) لان خيار الشرط يمنع تمام الصفقة ألا ترى ان البدل الذي من جانب من له الخيار لا يخرج عن ملكه فهو برد البعض يفرق صفة مجتمعة على البائع قبل التمام فليس له ذلك كما لو قبل العقد في الابتداء في البعض دون البعض فكذلك ما اشتراه صفقة واحدة من المكيل والموزون والعروض والحيوان وما يضره التبعيض ومالايضره في ذلك سواء لان في تفريق الصفقة قبل التمام ضررا فان من عادة الناس ضم الجيد إلى الرديئ لترويج الرديئ بثمن الجيد والمشروط له الخيار
[ 55 ] يدفع الضرر عن نفسه ولا يملك الحاق الضرر بصاحبه. قال (ولو اشترى ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر جاز العقد) عندنا استحسانا وكذلك هذا في ثلاثة أثواب وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد و (قال) زفر رحمه الله ما زاد على الثلاث وما دون الثلاث فيه سواء فالعقد فاسد وهو القياس في الثلاثة والاثنين لان المبيع مجهول فان المبيع أحد الثياب وهى متفاوتة في نفسها وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة العقد * ألا ترى انه لو لم يسم لكل ثوب ثمنا كان العقد فاسدا لجهالة المبيع وكذلك لو لم يشترط الخيار لنفسه كان العقد فاسدا فكذلك إذا اشترط الخيار لان شرط الخيار يزيد في معنى الغرور ولا يزيله * وجه الاستحسان ان هذا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لانه شرط الخيار لنفسه وبحكم خياره يستند بالتعتين والجهالة التى لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد كما إذا اشترى قفيزا من الصبرة بخلاف مااذا لم يشترط الخيار لنفسه فالجهالة هناك تفضي إلى المنازعة وبخلاف مااذا لم يسم لكل ثوب ثمنا لان هناك ثمن ما يتناوله العقد مجهول فانما فسد العقد لجهالة الثمن ثم الجهالة التى تتمكن بسبب عدم تعيين الثمن معتبر بالقدر الذي يتمكن بسبب شرط الخيار وذلك يتحمل في الثلث وما دونه ولا يتحمل في الزيادة على ذلك فكذا هذا اعتبارا للمحل بالزمان وهذا لان احتمال هذه الجهالة لاجل الحاجة * فقد يتشرى الانسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضي البائع بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة وهذه الحاجة مقصورة على الثلاث لان كل نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة جيد ووسط ورديئ فإذا حمل الثلاثة إلى أهله ثم المقصود فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه كما فعلنا ذلك في شرط الخيار تم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام وهو الصحيح لان هذا خيار ثبت بالشرط فلابد فيه من اعلام المدة وان أطلق ذلك في غير هذا الموضع من الكتب. قال (فان هلك أحدهما أو دخله عيب لزمه ثلثه ويرد الباقي وهو فيه أمين لانه عجز عن رد الهالك منهما بحكم الخيار فيتعين البيع فيه) وهذا لانه حين أشرف على الهلاك فقد ثبت في يده وعجز عن رده كما قبضه فيلزمه البيع فيه ثم يكون هالكا على ملكه فإذا تعين البيع في الهالك كان هو أمينا في الآخر لانه قبضهما باذن البائع على أن يكون المبيع أحدهما دون الآخر فكان أحدهما بغير عينه مبيعا والآخر
[ 56 ] أمانة لانه ما قبض الآخر للشراء فإذا تعيين البيع في أحدهما تعيين البيع في الهالك كان أمينا في الآخر لانه قبضهما باذن البائع على أن يكون تعين الآخر للامانة وفرق بين هذا وبين مااذا طلق احدى امرأتيه أو أعتق أحد عبديه ثم مات أحدهما تتعين الباقية للطلاق دون الهالكة وهنا تتعين الهالكة للبيع (قال) على القمى لافرق بين المسئلتين في الحاصل لان في الفصلين ما يهلك على ملكه أما الثوب فلانه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي للرد وفي الطلاق كذلك يهلك الهاكلة على ملكه حتى تتعين الباقية للطلاق الا ان الصحيح ما ذكرنا ووجه الفرق أن الثوب لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلا للرد لانه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى فبتعين العقد فيه وتعين الباقي للرد ضرورة فأما في الطلاق والعتاق حين أشرفت على الهلاك لم يتعين محلا لوقوع الطلاق عليها فلو وقع الطلاق عليها انما يقع بعد الموت والطلاق لا يقع بعد الموت فتتعين الباقية للطلاق وهذا بخلاف مااذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك احدهما عنده فانه لايرد الباقي لان العقد يتناولهما جميعا * ألا ترى أنه يملك * العقد فيهما فبعد ما تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الآخر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وهنا العقد يتناول أحدهما * ألا ترى انه لا يملك اتمام العقد فيهما فعد ما هلك احدهما وتعيب كان له رد الباقي. قال (وان هلكا معا فعليه نصف ثمن كل واحد منهما ان كان الثمن متفقا أو مختلفا) لان أحدهما بغير عينه مبيع لزمه ثمنه بالهلاك في يده والآخر أمانة وليس أحدهما لتعينه مبيعا بأولى من الاخر لان حالهما قبل الهلاك سواء فبعد الهلاك لا يتحقق تعيين البيع في احدهما فللمعارضة قلنا فيستبع حكم الامانة وحكم البيع فيهما فيكون هو أمينا في نصف كل واحد منهما مشتريا نصف كل واحد منهما ولان كل واحد من الثمنين يلزمه من وجه دون وجه فلهذا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما. قال (وان كانا قائمين باعيانهما وأراد ردهما فله ذلك لانه أمين احدهما فرده بحكم الامانة وفي الآخر مشترى قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده فان اختار أحدهما لزمه ثمنه) لانه عين البيع فيه والتزمه باختياره فيلزمه ثمنه وكان في الآخر أمينا فان ضاع عنده بعد ذلك لم يكن عليه فيه ضمان لما ذكرنا. قال (وإذا اشترى جاريتين احداهما بالف والاخرى بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الاخرى فاعتقهما في كلمة واحدة فانه يخير فايتهما اختار وقع العتق عليها ويرد الاخرى) لان عتقه نفذ في احديهما وهى المشتراة
[ 57 ] منهما فان اعتقاق المشترى في المشتراة بشرط الخيار له صحيح فيسقط الخيار فيها والاخرى كانت أمانة عنده فاعتاقه اياها باطل فإذا عرفنا نفوذ العتق منه في احديهما بغير عينها كان البيان في ذلك إليه لان الابهام كان منه فإذا عين احديهما تعينت هي للعتق ورد الاخرى كما لو كانتا مملوكتين له فاعتق احديهما بغير عينها. قال (ولو لم يعتقها ولكن حدث بهما عيب ولا يدري أيهما أول فقال المشترى حدث العيب بالتى قيمتها خمسمائة أولا فالقول قوله) لانه كان الخيار له وكان متمكنا من تعيين البيع فيها فإذا زعم أن البيع تعين فيها بأن تعينت في يده أولا وجب قبوله في ذلك ويرد الاخرى ونصف قيمة عينها في القياس لانهما لو هلكتا معا لزمه نصف بدل كل واحدة منهما فإذا تعينتا فقد فات جزء من كل واحدة منهما في الجملة والجزء معتبر بالجملة ثم كل واحد منهما يتردد بين الضمان والامانة فللترد كان نصف ما فات من كل واحد منهما في ضمان المشترى وقوله في تعين المبيع مقبول ولكن في اسقاط ما لزمه من ضمان العيب في الاخرى غير مقبول فلهذا يرد نصف قيمة عينها وفي الاستحسان لايرد شيئا من حصة عينها لان من ضرورة تعيين احديهما للبيع تعيين الاخرى للامانة وتعيين الامانة في يد الامين لا يوجب عليه شيئا من الضمان وهذا لان بالقبض ما لزمه الا ضمان ثمن واحدة منهما * ألا ترى انهما لو هلكتا لم يلزمه الانصف ثمن كل واحدة منهما وقد وجب عليه كمال ثمن احديهما وهى التى عينها للمبيع فلا يلزمه مع ذلك شئ من قيمة الاخرى. قال (وان حدث العيب بهما معا رد أيتهما شاء وأمسك الاخرى بخلاف مااذا هلكتا) لان الهالك ليس بمحل لابتداء البيع فيه فلا يكون محلا لتعيين البيع فيه والمعيب محل لابتداء البيع فيه فيكون محلا لتعيين البيع فيه أيضا فلهذا يبقى خياره بعد ماتعينتا معا إذ ليست احداهما بتعيين البيع فيها بالاولى من الاخرى ولكن ليس له أن يردهما بخلاف ما قبل التعييب لان العقد قد لزمه في المبيعة منهما بالتعيب وسقط خيار الشرط فيها فلهذا لا يتمكن من ردهما وإذا رد احديهما في القياس يرد معها نصف قيمة العيب وفي الاستحسان ليس عليه ذلك كما في الفصل الاول. قال (وان حدث باحديهما عيب آخر بعد ذلك لزمه البيع) لان العيب الاول لما لم يؤثر في التعيين لاستوائهما فيه كان كالمعدوم فكأنه ما تعيب الا احداهما الآن وذلك موجب تعيين البيع لعجزه عن ردها كما قبضها * وكذلك لو ماتت احداهما أو جنى عليها المشترى لزمته ورد الاخرى لان العيب الاول
[ 58 ] صار كالمعدوم ولو ماتت احداهما في يده أو جنى عليها قبل التعيب لزمه البيع فيها ويرد الاخرى فهذا مثله وان أعتق البائع التي اختار المشترى لم يعتق لان باختيار المشترى تعين البيع فيها فانما أعتق البائع مالا يملكه وان أعتقهما جميعا عتقت التي ترد عليه منهما لان عتقه نفذ في احديهما فان احديهما مبيعة خارجة عن ملكه وان كان للمشتري فيها خيار فلا ينفذ عتقه فيها والاخرى أمانة وهي باقية على ملكه فينفذ عتقه فيها الا أن باعتاقه لا يسقط الخيار الثابت للمشترى لان البائع غير متمكن من اسقاط خياره فيقال للمشتري اختر أيتهما شئت فإذا اختار احديهما تعينت الاخرى للرد فينفذ عتق البائع فيها. قال (وان اختار ردهما جميعا فعتق البائع انما ينفذ في احديهما) لان احديهما ما كانت مملوكة له حين أعتق فلا ينفذ عتقه فيها وان عادت إليه بعد ذلك وإذا نفذ عتقه في احديهما بغير عينها كان البيان فيه إلى البائع. قال (ولو لم يعتق واحد من الموليين شيئا منهما ولكن المشترى وطأهما فحبلتا ثم مات قبل أن يبين أيتهما اختار فان عرفت الموطؤة أولا فهى أم ولده) لان إقدامه على وطئها تعيين للبيع فيها واسقاط للخيار فان الوطئ لا يحل الا في الملك فاقدامه عليه دليل تقريره الملك فيها * ألا ترى ماروى عن النبي ﷺ انه لما خير بريرة رضى الله تعالى عنها (قال) لها ان وطئك زوجك فلا خيار لك فقد جعل تمكينها نفسها من الزوج مسقطا لخيارها وإذا تعين بيعه فيها وقد استولدها كان عليه ثمنها وهي أم ولد له ويرد الاخرى وولدها على البائع ولا يثبت نسبه من المشترى لانه ليس له في الاخرى ملك ولا شبهة ملك وعليه عقرها * وهذا لان الحد قد سقط بالشبهة صورة العقد والوطئ في غير الملك لا ينفك عن حد أو عقر فإذا سقط الحد لزمه عقرها وان لم يعلم أيتهما وطئت أولا فالقول قول ورثته لانهم قائمون مقامه وهو لو بين الموطوءة أولا منهما وجب قبول بيانه * فكذلك بيان ورثته بعده وهذا. لان ثمن الموطوءة أولا وجب على الوارث قضاؤه من التركة والقول قوله في بيان ما لزمه ثمنه فانهم ان قالوا لا نعلم لزم المشترى نصف ثمن كل واحدة منهما ونصف عقرها لانه ليست احداهما بتعيين البيع فيها بأولى من الاخرى فيتبع البيع فيهما ويلزمه نصف ثمن كل واحدة منهما وقد لزمه عقر احديهما بالوطئ وليست احداهما بذلك بأولي من الاخرى فلزمه نصف عقد كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع لان المبيعة منهما أم ولده وقد عتقت بموته وليست احداهما بذلك بأولى من الاخرى
[ 59 ] فلهذا يعتق نصف كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع لان حكم أمية الولد لا يثبت فيما هو ملك البائع منهما * وكذلك يعتق أحد الولدين على المشترى وليس احداهما بذلك بأولى من الآخر فيعتق نصف كل واحد منهما ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته للبائع ولا يثبت نسب كل واحد منهما لان من ثبت نسبه من المشترى منهما مجهول وانما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت في المجهول. قال (وإذا وطئها المشترى والبائع جميعا فادعى هو والمشترى ولديهما جميعا فالقول قول المشترى في التي وطئها أولا وهى أم ولده والولد ولده) لان خيار البيان كان للمشترى دون البائع فالمصير إلى قوله بالتعيين أولى من المصير إلى قول البائع ثم عليه عقر الاخرى لانه وطئها وهي مملوكة للبائع والاخرى وولدها للبائع ويثبت نسب ولدها من البائع لانه ظهر أنه استولدها في ملكه وعلى البائع عقر أم ولد المشترى لاقراره بانه وطئها وقد سقط الحد عنه بالشبهة فلزمه العقر فيجعل العقر بالعقر قصاصا ويترادان الفضل ان كان فيه فضل وان مات البائع والمشترى قبل البيان فالقول قول ورثة المشترى لانهم قائمون مقامه ولان الثمن يلزمهم فان لم يعلموا لم يثبت نسب واحد من الولدين لا من البائع ولا من المشترى لان الثابت نسبه من كل واحد منهما مجهول والامتان وولدهما أحرار لان كل واحدة منهما أم ولد لاحدهما وقد عتقت بموت مولاها والولدان كذلك وعلى المشترى نصف ثمن كل واحد منهما لاجل التعارض والتساوي فان كل واحد من الثمنين يلزمه في حال دون حال وعليه نصف عقر كل واحد منهما وعلى البائع كذلك نصف عقر كل واحد منهما وهذا قصاص لانه لا فائدة في القبض والرد ولا الجاريتين والولدين بين البائع والمشترى لان كل واحدة عتقت منهما جميعا. قال (وإذا اختلف البائع والمشترى في اشتراط الخيار فالقول قول الذي ينفيه منهما) لانه متمسك بمقتضى العقد وهو اللزوم ولان الخيار مانع لا يثبت الا بالشرط فالمدعى منهما يدعى شرطا زائدا والآخر ينكر. فالقول قول المنكر كما في دعوى الاجل وان اختلفا في مقداره فالقول قول المقر باقصر الوقتين لان الثابت من الخيار ما وقع الاتفاق عليه واختلافهما في الزيادة على ذلك في هذا الفصل كاختلافهما في أصل الخيار في
[ 60 ] الفصل الاول وان اختلفا في مضيه. فالقول قول الذي ينكر مضيه لانهما تصادقا على ثبوت الخيار ثم ادعى أحدهما سقوطه بمضي المدة فلا يقبل قوله الا بحجة كما في الاجل ولان البيع حادث فانما يحال بحدوثه إلى أقرب الاوقات والذي يدعى مضى الخيار يسند البيع إلى ما قبل هذه الساعة بثلاثة أيام فلا يصدق في ذلك الا بحجة وإذا لم يصدق فانما يظهر البيع بينهما في الحال فلا يكون مضى مدة الخيار الا بمضي أيامها. قال (ولو كان المبيع دارا وكان للبائع فيها خيار لم يكن فيها شفعة) لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فانه لايتم رضاه بالسبب مع شرط الخيار وخروج المبيع عن ملكه يعتمد تمام الرضا به ووجوب الشفعة يعتمد انقطاع حق البائع لان الشفعة لدفع ضرر سوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يكون الا بعد انقطاع حق البائع. قال (وإذا كان الخيار للمشترى فللشفيع فيها الشفعة) لان حق البائع قد انقطع فقد تم البيع من جهته ووجوب الشفعة تعتمد لثبوت الملك للمشترى * ألا ترى أنه لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان. وقال المشترى ما اشتريتها كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولان المشترى قد صار أحق بها ملكا أو تصرفا فيتحقق ضرر سوء مجاورة الجار الحادث فكان للشفيع أن يدفع ذلك بالآخر. قال (وإذا قال الرجل للرجل اذهب بهذه السلعة فانظر إليها اليوم فان رضتها فهى لك بالف درهم. أو قال ان رضيتها اليوم فهي لك بالف درهم فهو جائز) على ما اشترطا استحسانا وفي القياس هو باطل وهو قول زفر رحمه الله * وجه القياس انه صرح بتعليق الايجاب بشرط الرضا وايجاب البيع لا يحتمل التعليق بالشرط كما لو. قال ان تكلمت فهى لك بكذا * ووجه الاستحسان انهما أتيا بمعنى شرط الخيار يوما والمعتبر والمقصود هو المعنى فكأنه قال بعت منك على أنك بالخيار إلى الليل وهذا لان حمل كلامه على الصحة واجب ما أمكن والتقديم والتأخير في الكلام محتمل وتصحيح الكلام بالتقديم والتأخير طريق في الشرع فكأنه قال هي لك بألف فان رضيتها اليوم والا فردها على. قال (وإذا كان المشترى بالخيار فاستخدم الجارية فهو على خياره ثلاثة أيام) لانه انما يشترط الخيار في شراء الرقيق لهذا حتى يستخدمه في المدة فينظر أيوافقه أولا. وكذلك ان ركب الدابة ينظر إلى سيرها أو لبس القميص ينظر إلى قده عليه فهو على خياره لانه لايعرف مقصوده الا بالامتحان ولاجله يشتط الخيار والامتحان في الدابة بالركوب والسير وفي الثوب باللبس فان لبس بعد ذلك ثانيا فهذا منه رضا لان معنى الاختيار قد تم
[ 61 ] باللبس الاول فالثاني يكون اختيارا. وكذلك ان سافر على الدابة فقد رضيها لان الاختيار لا يكون بالسفر على الدابة ولا يفعل ذلك الا في الملك عادة فان الانسان لا يسافر بدابة الغير عادة من غير كراء. وكذلك إذا سكن الدار فهو على خياره وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإذا كان ساكنا في الدار قبل الشراء فاستدام السكنى بعد الشراء لا يسقط خياره فان انتقل إليها وسكنها بعد الشراء سقط خياره لانه لا يكون ذلك اختيارا عادة بل يكون رضا بتقرر الملك. قال (وإذا قبل جارية بشهوة ونظر إلى فرجها بشوة فهو رضا) لان هذا الفعل لا يحل الا في الملك فاقدامه عليه دليل الرضي فتقرر ملكه فيها بمنزلة الغشيان. قال (وان كانت الجارية هي التى نظرت إلى فرجه أو قبلته أو مسته بشهوة فأقر المشترى أنها فعلت ذلك بشهوة لزمته الجارية أيضا وحرمت عليه أمها وابنتها) وكذلك هذا في الرجعة وهذا قول أبى يوسف وقاسه على قول أبى حنيفة رحمهما الله يعنى في الرجعة وأما في قول محمد فلا يكون ما صنعت الجارية بالمشترى رضى منه لانه لم يصنع شيئا والخيار من المشترى انما يسقط باعتبار صنع أو يوجد دليل الرضا منه وصنعها به لا يكون دليل الرضا من المشترى بها وانما هو دليل رضا بكون المشترى مولى لها ولو صرحت بذلك أو أسقطت الخيار كان ذلك لغوا منها وليس هذا نظير مالو جنت على نفسها لان سقوط خيار المشترى هناك بعجزه عن ردها كما قبضها لا لفعلها * ألا ترى أنها وان تعيبت من غير فعل أحد سقط خياره أيضا * وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن فعلها به في الحكم كفعله بها بدليل الوطئ فانه لو كان نائما فاستدخلت فرجه فرجها سقط خياره كما لو فعل بها. فكذلك دواعى الوطئ * ألا ترى ان في حرمة المصاهرة يسوى بين الوطئ ودواعيه وبين فعلها به وفعله بها وهذا لان الفعل غير مسقط الخيار بنفسه بل بحكمه وهو أنه لا يحل الا في الملك والحل باعتبار الملك يثبت من الجانبين فكما يسقط الخيار باعتبار هذا المعنى عند فعله بها * فكذلك عند فعلها به وبعد قيام الدليل الحكمى لا يبقى خياره وان انعدم رضاه كما لو تعيبت في يده بفعله أو بغير فعله وكما عجز هناك عن ردها كما قبض فقد عجز هنا عن ذلك لانه إذا كان اشتراها من أبيه فقد اشتراها وهي حلال للاب وبعد هذا الفعل يردها وهى حرام عليه فيمتنع الرد كذلك والدليل عليه الرجعة فان المرأة إذا صرحت بالرجعة لم يصح ذلك منها ثم جعل فعلها به في حكم ثبوت الرجعة كفعله بها فهذا مثله (قال) أبو يوسف رحمه الله وهذا في الخيار أقبح
[ 62 ] ولكن الكل قياس واحد يريد ان ملك الحل بسبب النكاح مشترك بين الزوجين ولا شركة بين المشترى والجارية في حقوق عقد الشراء والملك الثابت ولكن الكل قياس واحد من الوجه الذي قررنا وانما يسقط اقرار المشترى انها فعلت ذلك من شهوة لان قول الامة غير مقبول في اسقاط خياره واقرار المشترى بذلك حجة عليه * ألا ترى أن في حرمة أمها وابنتها عليه يعتبر اقرار المشترى بذلك * فكذلك في سقوط خياره وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنها ان اختلست ذلك منه وهو كاره لم يسقط خياره وان مكنها من ذلك حينئذ يسقط خياره لوجود دليل الرضا منه لتمكنها من تقبيله أو مسه بشهوة. قال (وإذا باع الوكيل خادما واشترط الخيار للآمر بأمره. فقال البائع يعنى الوكيل قد رضى الآمر. وقال الا آمر ما رضيت فالقول قول الآمر مع يمينه أنه ما رضى لانه في أصل التوكيل استثنى الرضا حيث أمره باشتراط الخيار له ولهذا لو باعه ولم يشترط الخيار له لم ينفذ بيعه فعند ذلك الوكيل يدعى عليه أنه ما عرف انه استثناه لنفسه والآمر ينكر. فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو أنكر أصل الامر بالبيع. قال (وان اختلف الآمر والمشترى في الخادم وقد فسخ الآمر العقد بخياره فقال الآمر ليست هذه بخادمي. وقال المشترى هي الخادم التى اشتريت منك. فالقول قول المشترى) لان الآمر لما فسخ العقد بخياره فالخادم ملكه في يد المشترى والقول في تعيين الملك قول ذى اليد أمينا كان أو ضامنا كالغاصب. قال (وإذا لم يكن للخيار وقت فلصاحب الخيار أن يختار في الثلاث فان مضت الثلاث قبل أن يختار البيع فالبيع فاسد) في قول أبى حنيفة و (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز ان اختار بعد الثلاث و (قال) زفر لا يجوز وان اختاره في الايام الثلاث وهو بناء على ما تقدم ان عند أبى حنيفة اشتراط الخيار لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ومطلق اشتراط الخيار يقتضى التأبيد * ألا ترى أن ما لايتوقت من الخيار كخيار العيب فانه يثبت على التأبيد ثم الاسقاط انما يعمل في المستقبل دون الماضي فإذا سقط قبل مضى الايام الثلاثة عمل اسقاطه في المستقبل وما مضى غير مناف لصحة العقد فكان العقد صحيحا عنده. وإذا سقط بعد مجئ اليوم الرابع فما مضي كاف لافساد العقد واسقاطه غير ممكن. وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى مامضي غير معلوم في نفسه وهو غير مناف لصحة العقد وعلى قول زفر العقد متى فسد لا طريق لتصحيحه الا الاستقبال ومشايخنا رحمهم الله تعالى مختلفون في الحكم في هذا العقد في
[ 63 ] الابتداء. فمنهم من يقول هو فاسد ثم ينقلب صحيحا باسقاط الخيار * والا وجه أن يقول الحال فيه مراعى وهو عقد غير منبرم في الحال لان تأثير الخيار في المنع من انبرام العقد لا في افساد العقد وانما المفسد هو الخيار في اليوم الرابع وذلك لا يتصور الا بعد مضي الايام الثلاثة ما لم يتقرر عليه الفساد لا يتعين عليه صفة الفساد للعقد ويستوى ان أسقط المشترى خياره في الايام الثلاثة أو أعتقه أو مات في يده أو تعيب في انه يسقط خياره في المستقبل باعتراض هذه المعاني ويجب عليه الثمن المسمى. ذكره الكرخي في جامعه الصغير وبهذا يتبين أن العقد غير محكوم بفساده قبل مجئ اليوم الرابع. قال (وإذا اشترى عبدين أحدهما بألف والآخر بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فمات فقال البائع مات الذي بألف درهم قبل. وقال المشترى لابل مات الذي بخمسمائة قبل) وكان أبو يوسف يقول أولا لم يصدق واحد منهما على ما قال ويحلف المشترى ما يعلم انه مات الذي بألف أول مرة ويحلف البائع ما يعلم انه مات الذي بخمسمائة أولا فأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه فان حلفا لزمهما نصف ثمن كل واحد منهما ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك. فقال القول قول المشترى الا أن يقيم البائع البينة وهو قول محمد * وجه قوله الاول ان كل واحد منهما يدعى على صاحبه العقد في مجلس آخر فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه كما لو. قال بعت منك هذا العبد بألف. وقال المشترى انما اشتريت منك هذا العبد الآخر بخمسمائة وقد بينا فيما سبق ان كل واحد منهما في هذا الفصل مدع ومنكر حقيقة فالهلاك لايمنع جريان التحالف وانما يحلف كل واحد منهما على العلم لانه استحلاف على ما ليس من صنعه وهو الموت أولا فإذا حلفا فقد انتفا دعوى كل واحد منهما بيمين صاحبه وقد علمنا يقينا بلزوم البيع في احدهما ووجوب ثمنه عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فيلزمه نصف ثمن كل واحد منهما أو لم يعلم التاريخ بين موتيهما يجعل كأنهما ماتا معا فيتسع حكم البيع والامانة فيهما * ووجه قوله الآخر ان حاصل الاختلاف في مقدار ما وجب للبائع على المشترى من الثمن فالبائع يدعى الزيادة فعليه أن يقيم البينة على ذلك والمشترى منكر لتلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه وليس هذا على أصل محمد نظير اختلاف المتبايعين في الثمن بعد هلاك السلعة لان هناك كل واحد منهما يدعى عقدا آخر فالبيع بألف غير البيع بألفين على ما بينا وهنا هما صادقان على العقد بالثمن المسمى في كل واحد منهما وانما يختلفان في مقدار ما لزم المشترى من
[ 64 ] الثمن المسمى فالقول قوله لانكاره الزيادة وان قامت لهما بينة لزمه ألف درهم لان بينة البائع تثبت الزيادة. وكذلك لو حدث بهما جميعا عيب فاختلفا في الذي أصابه العيب أولا وأقاما البينة فالبينة بينة البائع لاثبات الزيادة في حقه قبل المشترى. قال (وإذا اشترى عبدا على ان البائع بالخيار ثلاثة أيام فقطعت يده عند المشترى فالبائع بالخيار ان شاء ألزمه البيع وأخذ منه الثمن وان شاء أخذ منه عبده) لان التعيب حصل في ضمان المشترى وذلك لا ينافي خيار البائع ومحل الاجازة بعد القطع قائم فيبقى على خياره فان اختار أخذ العبد يخير في نصف القيمة بين أن يرجع به على الجاني أو على المشترى لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فالجناية من القاطع حصلت على ملكه ولكن في ضمان المشترى بالقبض فيكون له الخيار في التضمين كالعبد المغصوب إذا قطعت يده عند الغاصب فإذا اختار اتباع القاطع لم يرجع القاطع على المشترى لان القاطع ضمن بجنايته وان اختار اتباع المشترى فللمشترى أن يرجع به على القاطع لان ذلك الضمان تقرر عليه بجناية القاطع فيرجع به عليه كالغاصب وان كان البائع هو الذي قطع يده فهذا منه رد للبيع وليس له أن يلزمه البيع بعد ذلك لان اليد من الآدمى نصفه فهو قد استرد نصفه بقوله وفي الاسترداد بحكم الخيار العقد لا يتجزى وفسخه البيع في النصف بالاسترداد يكون فسخا في الكل فلهذا لم يكن له أن يلزمه البيع بعد ذلك. قال (وان اشترى جارية على انه بالخيار فيها ثلاثة أيام فولدت عنده فقد انقطع خياره) لانها تعينت بالولادة وكذلك لو وطئها هو أو غيره بفجور أو غير ذلك لان وطأه إياها دليل الرضا ووطئ الغير اياها بالفجور تعييب لها * وقد بينا ان حدوث العيب في ضمان المشترى مسقط لخياره المستوفي بالحكم في حكم جزء من آخر العين لان المستوفى بالوطئ ما يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا يثبت مؤيدا واستيفاء جزء من العين مسقط لخياره سواء كان المستوفى هو أو غيره. قال (مسلم اشترى من مسلم عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم ارتد المشترى في الثلاثة والعياذ بالله فله أن يرد العبد ولا يوجب عليه الاسلام ولا الكفر شيئا) لان مشيئته لا تنقطع بردته ثم عندهما خياره لايمنع دخول العبد في ملكه فرده بالخيار بمنزلة الاخراج عن ملكه وذلك صحيح من المرتد عندهما. وعند أبى حنيفة خياره يمنع دخول العبد في ملكه فهو بالرد يمتنع من التملك الا أن يملك غيره شيئا وردته لا تمنعه من ذلك ثم لا خلاف بين
[ 65 ] أصحابنا رحمهم الله ان البدل الذي من جانب المشروط له الخيار لا يخرج عن ملكه * وللشافعي فيه ثلاثة أقوال في قول مثل هذا وفي قول يخرج ويدخل في ملك الآخر لان العقد منعقد مع شرط الخيار فيثبت حكمه وهو الملك إذا الخيار لا ينافي ذلك كخيار العيب. وفي قول آخر يقول انه إذا أسقط الخيار تبين انه كان خارجا من ملكه إلى ملك صاحبه من وقت العقد بناء على أصله أن الخيار ما يقع بعدما انعقد السبب موجبا للملك فإذا زال بسقوط الخيار تبين ان الملك كان ثابتا من وقت السبب * ووجه قولنا ان العين لا نخرج من ملكه بطريق التجارة الا بعد تمام رضاه وباشتراط الخيار ينعدم رضاه به والسبب بدون الشرط لا يكون عاملا في الحكم كاليمين بالطلاق فانه سبب لوقوع الطلاق عند وجود الشرط فما لم يوجد الشرط لا يثبت الحكم به وعند وجود الشرط لا يتبين أن الحكم كان ثابتا قبله كما في حكم الطلاق وهذا معنى ما يقول أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بسقوط الخيار وانما تثبت حقيقة الملك عند سقوط الخيار ولهذا لو كان المشترى أعتقه قبل ذلك لم ينفذ عتقه الا أن السبب المنعقد في الاصل يسرى إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة لكونها محلا له فعند وجود الشرط كما يثبت الحكم في الاصل يثبت في الزوائد وأما البدل الذي من جانب الآخر على قول أبى حنيفة رضى الله عنه يخرج في ملكه ولا يدخل في ملك المشروط له الخيار وعندهما يدخل في ملك المشروط له الخيار لان البيع لازم في جانب من لاخيار له فيتوفر على البدل الذي في جانبه حكم البيع اللازم وهو الانتقال من ملك أحدهما إلى ملك الآخر ولهذا خرج من ملكه ولو لم يدخل في ملك صاحبه بقي مملوكا بلا مالك وذلك لا يجوز وليس من حكم العقد الخروج عن الملك من غير دخول في ملك الغير * والدليل عليه ان المبيع إذا كان دارا والخيار للمشترى فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له حق الشفعة ولو لم يصير مالكا لها لما استحق بها الشفعة كخيار السكنى وأبو حنيفة رضى الله عنه يقول من شرط الخيار لنفسه فقد استثنى الرضا فيما هو حكم العقد ودخول بدل صاحبه في مكه من حكم العقد كما أن خروج البدل الذي من جانبه عن ملكه من حكم العقد فإذا لم يثبت أحدهما لانعدام الشرط. فكذلك الآخر لمعنيين (أحدهما انه لو دخل العوض في ملكه بحكم العقد ولم يخرج المعوض عن ملكه اجتمع البدلان في ملك رجل واحد بحكم المعاوضة مع كونها بمحل النقل وذلك لا يجوز و (الثاني) انه لو دخل في ملكه من غير أن يخرج
[ 66 ] البدل الآخر عن ملكه كان مالكا بغير عوض وليس هذا بموجب البيع ان ثبت الملك به بغير عوض وإذا ثبت الملك له بغير عوض فلا يجوز أن يجب عليه العوض بعد ذلك اذن يكون ذلك عوضا يلزمه عن ملك نفسه * فالحاصل انهما بينا مذهبهما على اعتبار حال البدل وأبو حنيفة رضى الله عنه بنى مذهبه على اعتبار حال العاقد وأن الذي شرط الخيار لما استثنى الرضا لم يثبت حكم العقد أصلا في حقه لا في البدل الذي من جانبه ولا في البدل الذي من جانب صاحبه واعتبار هذا الجانب أولي لما قررنا ووجوب الشفعة للمشترى بها لانه صار أحق بها تصرفا لانه ملكها بمنزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنب داره يجب له الشفعة لهذا المعنى ولهذا لو أعتقه المشترى نفذ عتقه لانه صار أحق بالتصرف فيه واقدامه على الاعتاق اسقاط منه لخياره * ويتفرع على الاصل الذى بينا مسائل. منها أن من اشترى قريبه على أنه بالخيار ثبت خياره عند أبى حنيفة رضى الله عنه ولم يعتق عليه لانه لم يملكه وعندهما عتق عليه لانه قد ملكه ولاخيار له فيه وكذلك لو قال ان ملكت هذا العبد فهو حر فاشتراه على انه بالخيار بخلاف ما إذا قال ان اشتريته فهو حر لان عند وجود الشرط يصير كالمنشئ للعتق فإذا كان الشرط هو الشراء يجعل بعد الشراء كأنه أعتقه فلهذا يعتق عندهم جميعا وعلى هذا لو اشترى زوجته على انه بالخيار ثلاثة أيام لا يفسد النكاح عند أبى حنيفة ولو وطئها في المدة كان الوطئ بحكم النكاح ولا يمنعه من ردها بخياره. وعندهما يفسد النكاح ولو وطئها في المدة لم يكن له أن يردها بحكم خياره. ومنها أن المسلم إذا اشترى عصيرا على انه بالخيار ثلاثة أيام فقبضه فتخمر في يده فعلى قولهما يسقط خياره لانه قد صار مالكا فلا يتمكن من رده بعد التخمر وعند أبى حنيفة رضى الله عنه لم يكن مالكا فيفسد البيع بالتخمر لانه لو لم يفسد البيع لكان متملكا باسقاط الخيار بعد ما تخمر. وذلك لا يجوز وقيل في هذا الموضع تتغير العين من صفة إلى صفة في ضمان المشترى فينبغي أن يسقط الخيار عندهم جميعا وانما هذا للاختلاف في ذمى اشترى من ذمى خمرا على ان المشترى بالخيار وقبضها ثم أسلم. فعندهما يسقط خياره لانه كان مالكا فلا يردها بعد اسلامه. وعند أبى حنيفة يبطل البيع لانه لم يكن مالكا ولو لم يبطل البيع يتملكها عند اسقاط الخيار بحكم العقد بعد اسلامه وذلك لا يجوز. ومنها ان من اشترى جارية على انه بالخيار وقبضها ثم ردها بحكم الخيار فعند أبى حنيفة رضى الله عنه لا يجب على البائع استبراء جديد لانه لم
[ 67 ] يدخل في ملك غيره عنده وعندهما يجب ولو حاضت عند المشترى في مدة الخيار ثم أسقط خياره عند أبى حنيفة رضى الله عنه لا يجتزى بتلك الحيضة من الاستبراء وعندهما يجتزى بها ومنها العبد المأذون إذا اشترى عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأبرأه البائع من الثمن ثم أراد رده بخياره فله ذلك عند أبى حنيفة لانه لم يكن مالكا له فهو بالرد يمتنع من تملكه. وعندهما كان مالكا فلو رده بعد ما أبرأه عن الثمن يخرج العبد عن ملكه بغير عوض والعبد المأذون لا يملك ذلك. قال (نصراني اشترى من نصراني خمرا فلم يقبضها حتى أسلم أحدهما إما البائع أو المشترى فلا بيع بينهما) استحسانا وفي القياس يبقى البيع بينهما صحيحا لان المشترى ملك الخمر بنفس العقد والاسلام لا يمنعه من قبضها * ألا ترى انه لو كانت خمرا مغصوبة له في يد غيره كان له أن يقبضها بعد الاسلام فكذلك في البيع * وجه الاستحسان ان الاسلام يمنع القبض هنا لان هذا القبض مشابه بالعقد من حيث أنه يتأكد به ملك العين ويستفاد به ملك التصرف فكما ان الاسلام من أحدهما يمنع ابتداء العقد على الخمر فكذلك يمنع القبض بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد يوضحه ان الطارئ بعد العقد قبل القبض من الزوائد يجعل كالموجود عند العقد حكما. فكذلك الطارئ من اسلام أحدهما يجعل كالموجود عند العقد. وكذلك السلم في الخمر يعين إذا أسلم نصراني إلى نصراني في خمر يجوز فان أسلم أحدهما قبل قبض الخمر فهو على هذا القياس والاستحسان وعن أبى يوسف انه (قال) في السلم أخذ بالاستحسان وفي مبيع العين أخذنا بالقياس لان القبض بحكم السلم يوجب الملك في غير المقبوض وهو نظير العقد في أن اسلام أحد المتعاقدين يمنع العقد على الخمر فأما في بيع العين القبض ناقل للضمان وليس بموجب ملك العين فهو بمنزلة استرداد المغصوب. قال (وان كان المشترى قبض الخمر ولم يرد الثمن حتى أسلما أو أسلم أحدهما فالبيع ماض والثمن عليه) لان حكم العقد ينتهى في الحرام بالقبض والاسلام الطارئ لا يؤثر في المنع من قبض الثمن * يقرره أن الاسلام إذا طرأ فانه يلاقى الحرمة القائمة بالرد والماضية بالعفو كنزول آية الربا على ما نص الله تعالى عليه بقوله (وذروا ما بقى من الربا) أي ما بقى غير مقبوض فعرفنا أن الاسلام المحرم إذا طرأ لا يتعرض للمقبوض. قال (وإذا اشترى الرجل عبدين بالف درهم على ان أحدهما له لازم وهو في الآخر بالخيار فهو فاسد) لان الذي لزمه العقد فيه منهما مجهول والزام العقد في المجهول لا يجوز. وكذلك ان سمى لكل واحد منهما ثمنا فان لم
[ 68 ] يبين الذي لزمه العقد فيه منهما فهذا فاسد أيضا لما قلنا وان بين ذلك فحينئذ يجوز لان الذي لزمه العقد فيه معلوم وثمنه مسمى معلوم والذي له الخيار فيه معلوم فكأن العقد كان في صفقتين متفرقتين فان اشترى أحدهما بعينه في صفقة واحدة على انه بالخيار فيه والاخر في صفقة من غير خيار ولو لم يكن الذي لزمه العقد فيه معيبا وقبضهما وماتا في يده فهو ضامن لقيمتهما لانه قبضهما بحكم الشراء الفاسد فكل واحد منهما يكون مضمونا عليه بالقيمة والله أعلم بالصواب. (باب الخيار بغير الشرط) (قال) رحمه الله وإذا اشترى الرجل جراب هروى أو زيتا في زق أو حنطة في جوالق فلم ير شيئا من ذلك فهو بالخيار إذا رآه عندنا و (قال) الشافعي رحمه الله ان لم يكن جنس المبيع معلوما للمشترى فالعقد باطل قولا واحدا وان كان جنس المبيع معلوما فله فيه قولان احتج في ذلك بنهي النبي ﷺ عن بيع الغرر والغرر ما يكون مستورا لعاقبة وذلك وجود فيما لم يره وبنهيه ﷺ عن بيع ما ليس عند الانسان والمراد ما ليس بحاضر مرئيا للمشترى لاجماعنا على ان المشترى إذا كان رآه فالعقد جائز وان لم يكن حاضرا عند العقد لانه لم يعرف من المعقود عليه الا الاسم فلا يجوز البيع كما لو قال بعت منك عبدا ولم يشر إليه ولا إلى مكانه ومعنى هذا الكلام ان جميع أوصاف المعقود عليه مجهولة وطريق معرفتها الرؤية دون الخبر * ألا ترى أن العقد لا يلزم قبل الرؤية مع سلامة المعقود عليه والرضا بلزومه ولو كان الوصف طريقا للاعلام هنا لكان العقد يلزم باعتباره * يوضحه ان المقصود هو المالية ومقدار المالية لا يصير معلوما الا بالرؤية فالجهل بمقدار المالية قبل الرؤية بمنزلة انعدام المالية في افساد العقد كبيع الآبق فان المالية في الآبق قائمة حقيقة ولكن لا يتوصل إليه للبعد عن اليد فيجعل ذلك كفوات المالية في المنع من جواز البيع ولهذا لا يجوز بيع الجنين في بطن وبيع اللبن في الضرع ولان البيع نوعان بيع عين وبيع دين وطريق معرفة المبيع فيما هو دين الوصف يعنى المسلم فيه وفي ما هو عين المشاهدة ثم ما هو الطريقة لمعرفة المعقود عليه في بيع الدين وهو الوصف إذا تراخى عن حالة العقد لم يجز العقد فكذلك ما هو الطريق للمعرفة في بيع العين وهو الرؤية
[ 69 ] إذا تأخر عن حالة العقد لا يجوز العقد. وحجتنا في ذلك ما روى في المشاهير أن النبي ﷺ (قال) من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه والهاء في قوله لم يره كناية فينصرف إلى المكنى السابق وهو الشئ المشترى والمراد خيار لا يثبت الابعد تقدم الشراء وذلك الخيار بين فسخ العقد والزامه دون خيار الشراء ابتداء وتصريحه باثبات هذا الخيار له تنصيص على جواز شرائه وهذا الحديث رواه عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما وعطاء والحسن البصري وسلمة بن المجير رحمهم الله تعالى مرسلا عن النبي ﷺ لشهرته والمعنى فيه ان المبيع معلوم العين مقدور التسليم فيجوز بيعه كالمرئي وبيان الوصف انه مشار إلى عينه فان الخلاف في جارية قائمة بين يديه مبيعة فلا شك ان عينها معلومة بالاشارة إليها. وكذلك ان أشار إلى مكانها وليس في ذلك المكان مسمى بذلك الاسم غيرها فاما كونها جارية وكونها مملوكة فلا طريق إلى معرفة ذلك الاخير التابع له فانها وان رفعت النقاب لا يعلم ذلك الا بقول البائع وقد اخبرته وهذا لان خبر الواحد في المعاملات يوجب العلم من حيث الظاهر ولهذا من علم شيئا مملوكا لانسان ثم رآه في يد غيره يبعه ويزعم انه اشتراه من الاول أو انه وكله ببيعه جاز له ان يشترى منه بناء على خبره فانما نفى تقدم رؤيه وجهها الجهل بصفات الوجه وجواز العقد وفساده لا ينبنى على ذلك لان الجهل ببعض أوصافها لا يكون أكثر تأثيرا من فوات بعض الاوصاف بان كانت محترقة الوجه أو معيبة بعيب آخر وذلك لايمنع جواز العقد وان كان يمنع لزوم العقد فكذلك الجهل لبعض الاوصاف * ألا ترى ان عدم المعقود عليه يمنع العقد والجهل بالمعقود عليه في بعض المواضع لايمنع العقد وهو انه إذا باع قفيزا من الصبرة فان عين المعقود عليه مجهول وجاز العقد فدل ان تأثير العدم فوق تأثير الجهل * يوضحه ان الجهالة انما تفسد العقد إذا كانت تفضى إلى المنازعة كما في شاة من القطيع فاما إذا لم تفض إلى المنازعة لا تفسد البيع كبيع القفيز من الصبرة وجهالة الاوصاف بسبب عدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة بعدما صار معلوم العين وانما تأثير هذه الجهالة في انعدام تمام الرضا به وذلك شرط انبرام العقد لاشرط جوازه * ألا ترى أن البيع يجوز مع خيار الشرط ولا يلزم لانعدام تمام الرضا. وكذلك في العيب الا ان هناك السبب المانع من تمام الرضا شرط الخيار منه وهو محتمل للاسقاط فإذ أسقطه تم الرضا في العيب والسبب بثبوت الحق المطالبة بالجزء الفائت وهو محتمل
[ 70 ] للاسقاط فإذا أسقطه تم الرضاء به وهنا السبب هو الجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك لا ينعدم الا بالرؤية فلهذا لا يسقط خياره وان أسقطه قبل الرؤية * والدليل عليه ان جهالة العين كما تمنع جواز البيع تمنع جواز النكاح حتى لو. قال زوجتك احدى ابنتى أو زوجتك احدى أمتى لم يصح النكاح ثم عدم الرؤية لا تمنع صحة النكاح فعرفنا أنه لا يوجب جهالة العين الا ان في النكاح العقد يلزم لان لزومه لا يعتمد تمام الرضا ولهذا لزم مع اشتراط الخيار والعيب بخلاف البيع وعليه نقيس لعلة ان هذا عقد معاوضة فعدم رؤية المعقود عليه لا تمنع جوازه كالنكاح ولانه ليس في هذا أكثر من ان ما هو المقصود بالعقد مسترر بغيره وهذا لا يمنع جواز الشراء كما إذا اشترى جوزا أو بيضا أو اشترى قفاعا في كوز يجوز فالمقصود بالعقد مسترر بغيره * يوضحه أن الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع اللوز الرطب والجوز الرطب في قشرين ويجوز بيع اليابس منهما لانه في قشر واحد وفي الوجهين المقصود وهو اللب دون القشر وهو مسترر بما ليس بمقصود وهذا بخلاف السلم لان جهالة الوصف هناك تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم ولان العقد يرد على الاوصاف في باب السلم فان الدين وصف في الذمة والبدل بمقابلتها فإذا لم يذكر عند العقد لم يجز العقد لانعدام المعقود عليه وبيع الآبق انما لا يجوز للعجز عن التسليم لا لعدم المالية ولهذا جوزنا هبته من ابنه الصغير. وبيعه ممن في يده. وبيع الجنين في البطن انما لا يجوز لانعدام المالية فيه مقصودا فانه في البطن جزء من أجزاء الام * ألا ترى انه لا يحتمل التزويج مقصودا. فكذلك البيع بخلاف ما نحن فيه وتأويل النهى عن بيع ما ليس عند الانسان بيع ما ليس في ملكه بدليل قصة الحديث فان حكيم بن حزام رضى الله عنه (قال) يارسول الله ان الرجل يطلب منى سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاستحدثها فاستجيدها فاشتريها فأسلمها إليه (فقال) ﷺ لاتبع ما ليس عندك والنهى عن بيع الغرر ينصرف إلى مالا يكون معلوم العين إذا عرفنا هذا فنقول هنا فصلان. (أحدهما) البائع إذا لم ير المبيع قط بأن ورث شيئا فباعه قبل الرؤية فالبيع جائز عندنا. وكان أبو حنيفة رضى الله عنه أولا يقول له الخيار ثم رجع و (قال) لاخيار له و (قال) الشافعي لا يجوز بيعه قولا واحدا والدليل على جوازه ما روى ان عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه باع أرضا كانت له بالبصرة من طلحة رضى الله تعالى عنه فقيل لطلحة انك قد عينت (فقال)
[ 71 ] الخيار لى لانى اشتريت ما لم أره فذكر ذلك لعثمان رضى الله تعالى عنه فقال لى الخيار لانى بعت ما لم أره فحكما جبير بن مطعم رضى الله تعالى عنه في ذلك فقضي بالخيار لطلحة رضى الله تعالى عنه فقد اتفقوا على جواز الشرط ولهذا رجع أبو حنيفة حين بلغه الحديث و (قال) لاخيار للبائع وهذا لان تمام رضاه باعتبار علمه بما يدخل في ملكه لا بما يخرج عن ملكه والمبيع يخرج عن ملك البائع وانما يدخل في ملكه الثمن وهو طريق اعلامه التسمية دون الرؤية. فاما إذا كان البائع قد رأى المعقود عليه ولم يره المشترى فهو على الخلاف الذي قلنا وبعد العقد قبل الرؤية للمشترى أن يفسخ العقد لان تمكنه من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم وما لم يتم الرضا به لا يكون العقد لازما فكان له أن يفسخ العقد قبل الرؤية وليس له أن يلزم العقد قبل الرؤية لان اللزوم يعتمد تمام الرضا وانما يتم رضاه إذا علم بالاوصاف التى هي مقصوده وانما يصير ذلك معلوما بالرؤية وهذا بخلاف خيار العيب فان العلم بالاوصاف قبل رؤية موضع العيب يثبت على الوجه الذي اقتضاه العقد وهو صفة السلامة فانما يثبت خيار العيب لثبوت حق المطالبة له بتسليم الجزء الفائت وذلك يحتمل الاسقاط فلهذا صح الابراء قبل رؤية العيب * يوضحه أن في الرضا قبل الرؤية هنا ابطال حكم ثبت بالنص وهو الخيار للمشترى عند رؤية المعقود عليه لانه يراه بعد ذلك ولاخيار له وليس له في الفسخ ابطال حكم ثابت بالنص لانه يوجد رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار وقد أثبت الشرع الخيار عند رؤية المعقود عليه بخلاف الفسخ قبل الرؤية لان بالفسخ خرج من أن يكون معقودا عليه فلا يوجد بعد ذلك رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار ثم يشترط لاسقاط الخيار هنا الرؤية التي توجب اعلام ما هو المقصود وذلك في بنى آدم برؤية الوجه وفي الدواب برؤية وجهها وكفلها ومؤخرها فيما يروى عن أبى يوسف وفى الغنم يحتاج مع ذلك إلى الجنس وفيما يكون المقصود منه اللبن يحتاج إلى رؤية الضرع وفيما يعلم بالذوق والشم يحتاج إلى ذلك أيضا لان العلم بما هو المقصود انما يحصل به فلا يسقط خياره ما لم يرض بعد العلم بما هو المقصود صريحا أو دلالة وليس للخيار في هذا وقت. لان الحديث ورد بخيار مطلق للمشترى فالتوقيت فيه زيادة على النص ولان هذا في معنى خيار العيب وذلك لايتوقت إلا أن خيار العيب يجوز الصلح عنه على مال. بخلاف خيار الرؤية لان الحق هناك في الجزء الفائت والاصطلاح يكون على رد حصة الجزء الفائت من الثمن ولهذا لو تعذر
[ 72 ] الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهنا الخيار للجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك ليس بمال فلا يجوز الصلح عنه على مال كخيار الشرط. ولهذا قلنا ان خيار العيب يورث. لان الوارث يقوم مقام المورث فيما هو مال وخيار الرؤية لا يورث كخيار الشرط. قال (فان رأى بعض الثياب فهو فيما بقى منها بالخيار) لان الثياب تتفاوت فلا يستدل برؤية بعضها على رؤية البعض وإذا أراد الرد فليس له أن يرد ما لم يره خاصة ولكن يرد الكل أو يمسك الكل لان خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة كخيار الشرط فان كل واحد منهما يمنع اللزوم لعدم تمام الرضا فكما ان من له خيار الشرط لا يتمكن من تفريق الصفقة قبل التمام بلزوم العقد. فكذلك من له خيار الرؤية ويستوى في ذلك ما قبل القبض وما بعد القبض لان الصفقة انما تتم بالقبض باعتبار تمام الرضا ولايكون ذلك قبل الرؤية بخلاف خيار العيب فهناك الصفقة تتم بالقبض لتمام الرضا به على ما هو مقتضى العقد وهو صفة السلامة. قال (ولو تعذر رد البعض الهالك في يد المشترى قبل الرؤية فليس له أن يرد ما بقى) لانه تعذر عليه رد الهالك وليس له أن يفرق الصفقة في الرد قبل التمام فمن ضرورة تعذر الرد في الهالك تعذر الرد فيما بقى الا في رواية عن أبى يوسف (قال) له أن يرد ما بقى لانه لو صرح بالزام العقد قبل الرؤية لم يسقط خياره فبهلاك البعض أولى أن لا يسقط خياره فيما بقى ولكنه قبل الهلاك باختياره رد البعض هو فاسد للاضرار بالبائع فيرد عليه قصده. وذلك لا يوجد بعد الهلاك فيتمكن من رد ما بقى وكذلك كل حيوان أو عرض. فأما السمن والزيت والحنطة فلا خيار له إذا اشتراها بعد رؤية بعضها لان المكيل أو الموزون من جنس واحد لا يتفاوت فبرؤية البعض تصير صفة ما بقى منه معلوما والاصل ان كل ما يعرض بالنموذج فرؤية جزء منه يكفى لاسقاط الخيار فيه ومالا يعرض بالنموذج فلابد من رؤية كل واحد منهما لاسقاط الخيار وفيما يعرض بالنموذج انما يلزم العقد إذا كان ما لم يره مثل ما رأه أو أجود مما رآى. فان كان أدنى مما رأى فله الخيار لانه انما رضى بالصفة التى رآى فإذا تغير لم يتم الرضا به وان اختلفا. فقال المشترى قد تغير و. قال البائع لم يتغير فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المشترى البينة لان دعواه التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنزلة دعوى العيب في المشترى ولو ادعى عيبا بالمبيع فعليه أن يثبت ذلك بالبينة والقول قول البائع مع يمينه ان لم يكن له بينة فهذا مثله. قال (وإذا رأى متاعا مطويا ولم يقسه ولم ينشره فاشتراه على ذلك فلا خيار له) لان في الثوب الواحد يستدل
[ 73 ] برؤية طرف منه على ما بقى فلا تتفاوت أطراف الثوب الواحد الا يسيرا وذلك غير معتبر ولان رؤية كل جزء منه يتعذر. قالوا وهذا إذا لم يكن في طى الثوب ما هو المقصود فان كان في طى الثوب ما هو مقصود كالعلم لم يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع يعنى موضع العلم لان المالية تتفاوت بجنسه وهو نظير النظر إلى وجه الآدمى فانه وان رأى سائر المواضع من جسده لا يسقط خياره ما لم ير وجهه. قال (ولو كان رآه قبل الشراء ثم اشتراه فلا خيار له الا أن يكون قد تغير عن الحال الذي رآه عليه وان ادعى المشترى التغير فالقول قول البائع مع يمينه) لانكاره وعلى المشترى البينة وهذا إذا كانت المدة قريبة يعلم انه لا يتغير في مثل تلك المدة فاما إذا تطاولت المدة فالقول قول المشترى. أرأيت لو كانت جارية شابة ثم اشتراها بعد عشرين سنة فزعم البائع انها لم تتغير أكان يصدق على ذلك فهذا مما يعرفه كل عاقل فالظاهر يشهد فيه للمشترى فالقول قوله. قال (وإذا اشترى شيئا ثم أرسل رسولا يقبضه فهو بالخيار إذا رآه ورؤية الرسول وقبضه لا يلزمه المتاع) لان المقصود علم العاقد بأوصاف المعقود عليه ليتم رضاه وذلك لا يحصل برؤية الرسول فاثر ما فيه ان قبض رسوله كقبضه بنفسه ولو قبض بنفسه قبل الرؤية كان بالخيار إذا رآه فكذلك إذا أرسل رسولا فقبضه له فاما ذا وكل وكيلا بقبضه فرآه الوكيل وقبضه لم يكن للموكل فيه خيار بعد ذلك في قول أبى حنيفة رضى الله عنه و (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله له لخيار إذا رآه لان القبض فعل والرسول والوكيل فيه سواء وكل واحد منهما مأمور باحراز العين والحمل إليه والنقل إلى ضمانه بفعله ثم خياره لا يسقط برؤية الرسول. فكذلك برؤية الوكيل وكيف يسقط خياره برؤيته وهو لو أسقط الخيار نصا لم يصح ذلك منه لانه لم يوكله به. فكذلك إذا قبض بعد الرؤية وقاسا بخيار الشرط والعيب فانه لا يسقط بقبض الوكيل ورضاه به. فكذلك خيار الرؤية وأبو حنيفة رضى الله عنه يقول التوكيل بمطلق القبض يثبت للوكيل ولانه إتمام القبض كالتوكيل بمطلق العقد يثبت للوكيل ولان اتمامه وتمام القبض لا يكون الا بعد تمام الصفقة والصفقة لا تتم مع بقاء خيار الرؤية فيضمن التوكيل بالقبض أنابة الوكيل مناب نفسه في الرؤية المسقطة لخياره بخلاف الرسول فان الرسول ليس إليه الا تبليغ الرسالة فأما اتمام ما أرسل به ليس إليه كالرسول بالعقد ليس إليه من القبض والتسليم شئ والدليل على الفرق بين الوكالة والرسالة ان الله تعالى أثبت صفة الرسالة لنبيه ﷺ وبقى الوكالة بقوله تعالى (قل لست عليكم بوكيل) وهذا بخلاف خيار العيب
[ 74 ] فان بقاءه لايمنع تمام الصفقة والقبض ولهذا ملك بعد القبض رد المعيب خاصة * يوضحه ان خيار العيب لثبوت حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت وذلك للموكل والوكيل لا يملك اسقاطه لانه فوض إليه الاستيفاء دون الاسقاط فأما خيار الشرط فقد منعه بعض أصحابنا رحمهم الله والاصح هو التسليم والفرق بينهما أنا نجعل في الموضعين فعل الوكيل كفعل الموكل والموكل لو قبض بنفسه بعد الرؤية سقط به خياره. فكذلك قبض الوكيل ولم يسقط خيار الشرط بقبض الوكيل بحال وهذا لان من شرط الخيار استثنى رضاه نصا فلابد لسقوط خياره من اسقاطه أو اسقاط نائبه والوكيل ليس بنائب عنه في اسقاط حصة الذي استثناه لنفسه أو يقول سقوط خيار الرؤية من حقوق العقد لان الرؤية تكون عند القبض عادة والوكيل بالشئ فيما هو من حقوقه كالمباشر لنفسه بمنزلة الوكيل بالعقد بخلاف خيار الشرط فاسقاطه لا يكون عند القبض والرؤية بل بالتأمل فيه بعد مدة بعيدة ولان الوكيل بقبض المبيع بمنزلة الوكيل بالعقد لان القبض مشابه بالعقد من حيث انه يستفاد به ملك التصرف ثم رؤية الوكيل بالعقد تجعل كرؤية الموكل. فكذلك رؤية الوكيل بالقبض بخلاف خيار العيب فرضاء الوكيل بالعيب لا يكون ملزما الموكل. ألا ترى انه بعد الشراء لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به الوكيل وأبى الموكل أن يرضى به فله أن لا يرضى بخلاف خيار الشرط فالوكيل بالعقد لا يملك اسقاط خيار الشرط الذي استثناه الامر لنفسه نحو مااذا أمره بأن يشترط له الخيار. فكذلك الوكيل بالقبض لا يملك اسقاطه. قال (وإذا اشترى عدل رظى لم يره ثم باع منه ثوبا ثم نظر إلى ما بقى فلم يرض به لم يكن له أن يرده الا من عيب يجده فيه) لانه تعذر الرد فيما باع وليس له أن يفرق الصفقة في الرد بخيار الرؤية فإذا عاد إلى ملك البائع ما باع بسبب فهو فسخ من كل وجه فله أن يرد الكل بخيار الرؤية لزوال المانع الا في رواية على بن الجعد رحمه الله عن أبى يوسف انه يقول خيار الرؤية كخيار الشرط فلا يعود بعد ما سقط وان عاد إلى قديم ملكه وان كان باعه على أنه بالخيار فان كان بعد الرؤية فهو دليل الرضا منه فيسقط خياره وان كان قبل الرؤية فهو على خياره لانه لم يتعذر عليه رد الكل بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لاسقطنا بايجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون أقوى من تصريحه باسقاط خيار الرؤية ولو صرح بذلك لم يسقط خياره قبل الرؤية. فكذلك إذا باعه على أنه بالخيار فان كان بعد الرؤية فهو دليل الرضى منه فسقط خياره وان كان قبل الرؤية
[ 75 ] فهو على خياره لان لم يتعذر عليه رد الكل بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لاسطقنا بايجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون أقوى من تصريحه باسقاط خيار الرؤية. ولو صرح بذلك لم يسقط خياره قبل الرؤية. فكذلك إذا باعه على انه بالخيار. وكذلك لو قطع ثوبا منه وألبسه حتى تغير فقد تعذر عليه رد هذا الثوب كما قبضه وليس له أن يرد ما بقى لما فيه من تفريق الصفقة قبل التمام. قال (وإذا اشترى عدل رظى بثمن واحد أو كل ثوب بعشرة أو كر حنطة أو خادمين فحدث في شئ من ذلك عيب قبل أن يقبضه أو كان العيب فيه فعلم به فليس له الا أن يرده كله أو يأخذه كله) لما في رد البعض من تفريق الصفقة قبل التمام ولان الرد بالعيب قبل القبض بمنزلة الرد بخيار الشرط وخيار الرؤية ولهذا ينفرد الراد به من غير قضاء ولا رضاء وهذا لانه لاحصة من الثمن قبل القبض فهو مجرد خيار يثبت له ليدفع به الضرر عن نفسه لاحصة للجزء الفائت من المثمن قبل القبض لانه وصف فلا يمكن من الحاق الضرر بالبائع في تفريق الصفقة عليه ولكن يرد الكل أو يمسك الكل والحادث من العيب قبل القبض كالموجود عند العقد لان المبيع في ضمان البائع ولو هلك كان هلاكه على البائع. فكذلك إذا فات جزء منه ولان الزيادة التى تحدث في العين قبل القبض لما جعلت في حكم الموجود عند العقد. فكذلك النقصان الحادث في العين قبل القبض. وكذلك لو قبض احدهما دون الآخر لان تمام الصفقة تعلق بالقبض فلا يثبت الا بعد قبض لجميع كسقوط حق البائع في الجنس لما تعلق بوصول الثمن إليه فما لم يقبض جميع الثمن بقي حقه في الجنس فيستوى في ظاهر الرواية ان وجد العيب بالمقبوض فله أن يرده خاصة وان وجد بالذي لم يقبض فليس له الا أن يردهما لانه يجعل في حكم ما وجد به العيب كان الآخر بصفته وأما إذا علم بالعيب بعد ما قبضهما فله أن يرد المعيب خاصة وقد لزمه البيع في الآخر بحصته من الثمن الا على قول زفر فانه يقول يردهما ان شاء لان ضم الجيد إلى الرديئ عادة ظاهرة في البيع فلو رد الرديئ بالعيب خاصة تضرر به البائع فلدفع الضرر عنه اما أن يردهما أو يمسكهما كما في الرد بخيار الشرط والرؤية ولكنا نقول حق المشترى بعد القبض في المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولاجله يتمكن من الرد ولهذا إذا تعذر الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهذا المعنى تقتصر على العيب فلا يتعدى حكم الرد إلى محل آخر وهذا لان الصفقة تتم بالقبض لوجود تمام الرضا من المشترى عند صفة السلامة كما أوجبه العقد وبه فارق خيار الشرط والرؤية فالمانع من تمام الصفقة هناك
[ 76 ] عدم الرضا للجهل بأوصاف المعقود عليه أو بشرط الخيار وهذا باق وفي رد أحدهما تفريق الصفقة قبل التمام فلهذا لا يتمكن منه. وأما ما كان من مكيل أو موزون من ضرب واحد فليس له الا أن يرد كله أو يمسك كله لان الكل في الحكم واحد * ألا ترى أن الكل تسمى باسم واحد وهو الكر فالشئ الواحد لايرد بعضه بالعيب دون البعض * يوضحه انه إذا ميز المعيب ازداد عيبه فالمعيب من الحنطة عند الاختلاط بما ليس بمعيب لا يتبين فيه من العيب ما يتبين إذا ميز عما ليس بمعيب والمشترى لا يتمكن من الرد بعيب أكثر مما خرج من ضمان البائع وبعض المتأخرين رحمهم الله تعالى يقولون هذا إذا كان الكل في وعاء واحد فاما إذا كان في وعائيين فوجد ما في أحد الوعائين معيبا فله أن يرد ذلك بالعيب ان شاء بمنزلة الثوبين والجنسين كالنحطة والشعير لانه يرده على الوجه الذي خرج من ضمان البائع والا ظهر في الجنس الواحد بصفة واحدة انه كشئ واحد سواء كان في وعاء واحد أو في وعائين فاما أن يرد الكل أو يمسك الكل. قال (وإذا اشترى ثوبين أو عبدين بثمن واحد وقبضهما ثم استحق أحدهما فالآخر له لازم لان الاستحقاق لايمنع تمام الصفقة بالقبض فان العقد حق العاقد فتمامه يستدعى تمام الرضا من العاقد به وبالاستحقاق ينعدم رضا المالك لارضا العاقد ولهذا قلنا في الصرف ورأس مال السلم لو أجاز المستحق بعد ما افترقا يبقي العقد صحيحا فإذا عرفنا تمام الصفقة بالقبض قلنا يرجع بثمن المستحق لان ذلك لم يسلم له والبيع لازم له في الآخر لانه سالم واستحاق أحدهما لا يمكن نقصانا في الآخر وان استحق أحدهما قبل القبض فله الخيار في الآخر ليفرق الصفقة عليه قبل التمام وكذلك لو قبض أحدهما ولم يقبض الآخر حتى استحق المقبوض أو لذى لم يقبض فله الخيار في الباقي لما بينا أن تمام الصفقة يقبض جميع ما يتناوله العقد فما بقى شئ منه غير مقبوض لا تكون الصفقة تامة ولو كان ثوب واحد أو عبد أو شئ مما لا يتبعض فاستحق بعضه قبل القبض أو بعده فله أن يرد ما بقى بعيب الشركة فالتجار يعدون الشركة فيما يضره التبعيض عيبا فاحشا. قال (وإذا اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فاستحق بعضه قبل القبض أو وجده ناقصا فله أن يترك ما بقى) لتفرق الصفقة عليه قبل التمام وان استحق البعض بعد القبض فلا خيار له فيما بقى لان هذا لا يضره التبعيض وباستحقاق البعض لايتعيب ما بقى وقد تمت الصفقة بالقبض. قال (ولو اشترى دارا فنظر إلى ظاهرها خارجا منها ولم يدخلها فليس له أن يردهها الا بعيب) عندنا و (قال) زفر له أن يردها
[ 77 ] وقيل هذا الجواب بناء على دورهم بالكوفة فانها تختلف بالسعة والضيق وفيما وراء ذلك يكون بصفة واحدة وهذا يصير معلوما بالنظر إلى جدرانها من خارج. فاما في ديارنا مالية الدور تختلف بقلة المرافق وكثرتها وذلك لا يصير معلوما الا بالنظر إليها من داخل فالجواب على ما (قال) زفر ومن حقق الخلاف في المسألة فحجة زفر هنا الذي ذكرنا الجواب. وحجتنا ان النظر إلى كل جزء من أجزائها متعذر فانه يتعذر عليه أو ينظر إلى ما تحت السور والى مابين الحيطان من الجذوع والاسطوانات وإذا سقط شرط رؤية الكل للتعذر أقمنا رؤية جزء منها مقام رؤية الجميع تيسيرا. قال (والاعمى في كل ما اشترى إذا لم يقلب ولم يجس بالخيار) فإذا قلب أوجس فهو بمنزلة النظر من الصحيح ولاخيار له الا أن يجد به عيبا والكلام في فصول (أحدها) جواز العقد عندنا من الاعمي بيعا كان أو شراء و (قال) الشافعي رحمه الله ان كان بصيرا فعمى. فكذلك الجواب وان كان أكمه فلا يجوز بيعه وشراؤه أصلا لانه لايعرف لون الاشياء وصفتها وهذا غلط منه فالناس تعارفوا معاملة العميان من غير نكير منكر وتعامل الناس من غير نكير منكر أصل في الشرع ثم من أصله ان من لا يملك أن يشترى بنفسه لا يملك أن يأمر غيره به فإذا احتاج الاعمى إلى مأكول ولا يتمكن من ان يشتري أو يوكل به مات جوعا وفيه من القبح ما لا يخفى فإذا ثبت جواز شرائه (قلنا) ان كان المشترى مما يعرف بالجس أو الذوق فهو كالبصير في ذلك وان كان مما تعرف صفته بالجس كما تعرف بالرؤية فالمس فيه كالرؤية من البصير حتى لو لمسه. وقال رضيت به يسقط خياره ومالا يمكن معرفته كالعقارات فانه يوصف له بابلغ ما يمكن فإذا. قال قد رضيت سقط خياره لان ذكر الوصف يقام مقام الرؤية في موضع من المواضع كما في عقد السلم والمقصود رفع العين عنه وذلك يحصل بذكر الوصف وان كان بالرؤية أتم وعن أبى يوسف رحمه الله (قال) تعاد إلى ذلك الموضع فإذا كان بحيث لو كان بصيرا رأى. فقال قد رضيت سقط خياره وجعل هذا كتحريك الشفتين من الاخرس فانه يقام مقام عبارة الناطق في التكبير والقراءة لان الممكن ذلك القدر و (قال) الحسن ابن زياد يوكل بصيرا بالقبض حتى يرى البصير له فيقبض وهذا أشبه بقول أبى حنيفة فالوكيل بالقبض عنده يجعل في الرؤية كالموكل وقال بعض ائمة بلخ رحمهم الله يمس الحيطان والاشجار فإذا قال قد رضيت يسقط خياره لان الاعمى إذا كان زكيا يقف على مقصوده في ذلك بالمس و (حكى) ان أعمى اشترى أرضا. فقال قيدوني إليها ففادوه فجعل يمس الارض حتى
[ 78 ] انتهي إلى موضع منها فقال أموضع كدس هذا فقالوا لا فقال هذا الارض لا تصلح لانها لا تكسوا نفسها فكيف تكسوني فكان كما قال فإذا كان الاعمى بهذه الصفة فرضى بها بعد ما مسها سقط خياره والله أعلم بالصواب (باب المرابحة) (قال) رحمه الله وإذا اشترى شيئا بنسيئة فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين انه اشتراه بنسيئة) لان بيع المرابحة بيع أمانة تنفى عنه كل تهمة وجناية ويتحرز فيه من كل كذب وفي معاريض الكلام شبهة فلا يجوز استعمالها في بيع المرابحة ثم الانسان في العادة يشترى الشئئ بالنسيئة بأكثر مما يشترى بالنقد فإذا أطلق الاخبار بالشراء فانما يفهم السامع من الشراء بالنقد فكان من هذا الوجه كالمخبر باكثر مما اشترى به وذلك جناية في بيع المرابحة * يوضحه أن المؤجل نقص في المالية من الحال ولهذا حرم الشرع النساء عند وجود أحد الوصفين للفضل الخالى عن المقابلة حكما فإذا باعه وكتم ذلك فالمشترى بالخيار إذا علم للتدليس الموجود من البائع وهذا لان المشترى انما التزم ربحا بناء على خبره انه اشتراه لنفسه بكذا من الثمن فلو علم انه اشتراه بالنسيئة لم يرغب في شرائه بالنقد بذلك القدر من الثمن فضلا من أن يعطيه على ذلك ربحا فللحاجته إلى دفع الضرر اثبتنا له الخيار كما إذا وجد المعقود عليه دون ما شرط البائع فان كان هذا قد استهلك المبيع فالمبيع له لازم وليس له أن يرد الباقي منه ولا يرجع في شئ من الثمن لانه تعذر رده ومجرد الخيار إذا سقط لتعذر الرد بسببه لا يرجع بشئ بمنزلة خيار الرؤية والشرط و (روى) عن محمد انه يرد قيمة المبيع ويرجع بالثمن ان شاء وهو صحيح على أصله فانه جوز فسخ العقد بسبب التحالف على القيمة بعد هلاك السلعة وجعل رد القيمة عند تعذر رد العين كرد العين فكان ذلك باعتبار معنى في الثمن فهذا مثله والمعنى في الكل تحقق الحاجة إلى دفع الضرر عن المشترى وهذا بخلاف خيار العيب على ظاهر الرواية فالمستحق للمشترى هناك المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولهذا يرجع بحصة العيب من الثمن إذا تعذر الرد وهنا الثابت له مجرد الخيار والخيار ليس بمال. وكذلك ان استهلك بعضه فليس له أن يرد الباقي منه لما فيه من تفريق الصفقة على البائع ولا يرجع في شئ من الثمن لما قلنا ان المبيع سلم له كما استحقه بالعقد وان لم يكن الاجل مشروطا وانما كان متعادا كما هو الرسم بين الباعة أن
[ 79 ] يودى المشترى الثمن منجما في كل أسبوع نجما فقد اختلف مشائخنا رحمهم الله تعالى في هذا الفصل (قال) بعضهم له أن يبيعه مرابحة من غير بيان لان الثمن حال وبأن سامحه البائع واستوفي الثمن منه منجما لا يخرج من أن يكون حالا. ومنهم من يقول المعروف كالمشروط بالنص ولو كان الاجل مشروطا لم يكن له أن يبيعه مرابحة من غير بيان. فكذلك إذا كان متعارفا ألا ترى ان الورثة في بعض الاشياء تستحق بالعرف وتجعل كالمشروط فهذا قياسه. قال (وإذا اشترى خادما فاعورت أو ثوبا أو طعاما فأصابه عيب عند المشترى بغير فعل أحد فله أن يبيعه مرابحة على جميع الثمن من غير بيان) و. قال زفر ليس له ذلك ما لم يبين لان المشترى لو علم انه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلتزم له على ذلك ربحا ما لم يبين بعد ما تعيب وهذا مذهب الشافعي أيضا بناء على مذهبه ان للاوصاف من الثمن حصة وان التعيب بآفة سماوية وبصنع العباد فيه سواء ولكنا نقول بأن المشترى غير حابس شيئا من المعقود عليه فيكون له ان ببيعه مرابحة كما لو تغير السعر وهذا لان الفائت وصف فيكون تبعا لا يقابله شئ من البدل إذا فات بغير صنع أحد وانما البدل بمقابلة الاصل وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة أرأيت لو اصفر الثوب أو توسخ أو نكس كان له أن يمنعه من المرابحة وفي نوادر هشام ذكر عن محمد رحمه الله (قال) هذا إذا نقصه العيب شيئا يسيرا فان نقصه العيب قدر مالا يتغابن الناس فيه لم يبعه مرابحة. قال (وكذلك ان تعيب بفعل المبيع بنفسه) لان ذلك هدرا وان تعيب بفعل المشترى فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين لانه حابس لجزء من المبيع بما أحدث فيه من العيب وما يكون بيعا إذا صار مقصودا بالتناول كان له من الثمن حصة كالبائع إذا أتلف شيئا من أوصاف المعقود عليه يسقط حصته من الثمن بخلاف ما إذا تعيب بغير فعل. وكذلك ان عيبه أجنبي بأمر المشترى أو بغير أمره فان فعله بأمر المشترى كفعل المشترى بنفسه وبغير أمره جناة موجبة ضمان النقصان عليه فيكون المشترى حابسا بدل جزء من المعقود عليه. وذلك يمنعه من أن يبيعه مرابحة حتى يبين فان باعه ولم يبين كان للمشترى رده إذا علم به وان كان قد استهلك شيئا منه لم يكن له رد الباقي ولا الرجوع بشئ من الثمن فان لم يصبه عيب ولكنه أصاب من علة الدابة أو الدار أو الخادم شيئا فله أن يبيع المشترى مرابحة على ثمنه لان العلة ليست بمتولدة من العين فلا يكون حابسا شيئا من المعقود عليه باعتبارها ولان العلة بدل المنفعة واستيفاء المنفعة لا تمنعه من بيعها مرابحة وهذا لانه أنفق عليها بازاء ما نال
[ 80 ] من المنفعة. قال (وإذا ولدت الجارية أو السأئة أو أثمر النخيل فلا بأس ببيع الاصل مع الزيادة مرابحة) لانه لم يحبس شيئا من المعقود عليه وان نقصتها الولادة فهو نقصان بغير فعل أحد وبازائه ما يجبره وهو الولد وفي مثل هذا النقصان كان له أن يبيعه مرابحة وان لم يكن بازاء النقصان ما يجبره فإذا كان بازائه ما يجبره أولى فان استهلك المشترى الزيادة لم يبع الاصل مرابحة حتى يبين ما أصاب من ذلك لان ما استهلك متولد من العين ولو استهلك جزء من عينها لم يبعها مرابحة بغير بيان. فكذا إذا استهلك ما تولد من العين. قال (وكذلك البان الغنم واصوافها وسمونها إذا أصاب من ذلك شيئا فلا يبيع الاصل مرابحة حتى يبين ما أصاب منها) لان ما أصاب في حكم جزء من عينها. وعند الشافعي رحمه الله له أن يبيعها مرابحة بناء على مذهبه ان الزيادة المنفصلة وان كانت متولدة من العين فهى بمنزلة الغلة حتى لايمنع رد الاصل بالعيب وسيأتي بيانه في باب العيوب ان شاء الله تعالى. قال (فان كان أنفق عليها ما يساوى ذلك في علفها وما يصلحها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة من غير بيان لان حصول الزيادة باعتبار ما أنفق عليها من ماله والغنم مقابل بالغرم ولان في بيع المرابحة يعتبر عرف التجار ومن عاداتهم إذا اتفقوا بقدر ما أصابوا من الزيادة لا يعدون ذلك خيانة في بيع المرابحة وان هلكت هذه الزيادة من غير أن ينتفع بها المشترى فله أن يبيعها مرابحة ولا يبين وان كان قد نقصت الاصول لان النقصان حصل بغير صنع أحد. قال (وإذا اشترى متاعا فله أن يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة والكراء ويقول قام علي بكذا ولا يقول اشتريته بكذا فانه كذب) وهذا لان عرف التجار معتبر في بيع المرابحة فما جرى العرف بالحاقه برأس المال يكون له أن يلحقه به ومالا فلا أو يقول ما أثر في المبيع فتزداد به ماليته صورة أو معنى فله أن يلحق ما أتفق فيه برأس المال والقصارة والخياطة وصف في العين تزداد به المالية والكراء. كذلك معنا لان مالية ماله حمل ومؤنة تختلف باختلاف الامكنة فنقله من مكان إلى مكان لا يكون الا بكرى ولكنه بعد الحاق ذلك برأس المال لو قال اشتريته بكذا يكون كذبا فانه ما اشتراه بذلك فإذا قال قام على بكذا فهو صادق في ذلك لان الشئ انما يقوم عليه بما يغرم فيه وقد غرم فيه القدر المسمى وان كان في عقود متفرقة ولم يحمل عليه ما أنفق على نفسه في سفره من طعام ولا كراء ولا مؤنة لانعدام العرف فيه ظاهرا ولان
[ 81 ] بما أنفق على نفسه لا تزداد مالية البيع صورة ولا معنى وأما الرقيق فله أن يلحق بهم طعامهم وكسوتهم بالمعروف ثم يقول قاموا على بكذا للعرف الظاهر في ذلك ولان في هذه النفقة اصلاح مالية الرقيق فان بقاءهم على هيئتهم لا يكون بدون الانفاق بالمعروف. قال (وإذا اشترى طعاما فأكل نصفه فله أن يبيع النصف الباقي مرابحة على نصف الثمن. وكذلك كل مكيل أو موزون إذا كان صنفا واحدا) لانه مما لا يتفاوت بحصة كل جزء منه من الثمن يكون معلوما وبيع المرابحة على ذلك يبنى وان كان مختلفا لابيع الباقي منه مرابحة لان انقسام الثمن على الاجناس المختلفة باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحرز والظن فلم يكن حصة كل جنس من الثمن معلوم يقينا ليبيعه مرابحة عليه. وكذلك الثوب الواحد إذا ذهب نصفه أو احترق أو أحرقه انسان أو باعه أو وهبه فلا يبيع النصف الباقي مرابحة على الثمن الاول لان المسمى لا ينقسم على ذرعان الثوب باعتبار الاجزاء والذرع صفة في الثوب وانقسام الثمن لا يكون على الاوصاف فقد تتفاوت أطراف الثوب الواحد إذا ذهب نصفه * ألا ترى انه يشترى ذراع من أحد جانبيه بثمن لا يشترى بمثله من جانب آخر بخلاف القفزان من الصبرة الواحدة وهكذا الثوبان إذا اشتراهما صفقة واحدة فلا يبيع أحدهما مرابحة دون الآخر فان انقسام الثمن عليهما باعتبار القيمة. وكذلك ان اشترى عدل زطى بألف درهم وان كان أخذ كل ثوب بعشرة دراهم فله أن يبيع كل ثوب منها مرابحة على عشرة في (قول) أبى حنيفة وأبى يوسف و (قال) محمد رحمه الله تعالى لا يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين أنه اشتراه مع غيره لان من عادات التجار ضم الجيد إلى الرديئ وبيعهما بثمن واحد مع التفضل فيرغب المشترى في شراء الرديئ لماله من المقصود في الجيد ويرغب البائع في بيع الجيد لماله من المقصود في ترويج الرديئ فلو جوزنا له أن يبيع أحدهما مرابحة من غير بيان لامسك الجيد وباع الرديئ مرابحة وإذا علم منه المشترى انه كان معه في العقد أجود منه لم يعطه ربحا على ما سمى فيه من الثمن فلاجل هذا العرف استحسن محمد و (قال) لا يبيعه مرابحة حتى يبين والقياس ما قال. فان حصة كل واحد منهما من الثمن مسمى معلوم فله أن يبيعه مرابحة كما لو كان في عقدين ومثل هذا العرف الذي اعتبره محمد يوجد في العقدين أيضا فقد يسامح الانسان لمن يعامله في ثمن جيد من الترويج عليه رديئا بعده بثمن مثل ذلك الثمن ثم لم يعتبر ذلك لان اعتبار العادة عند عدم النص فأما عند وجود النص فلا يعتبر بالعادة. فكذلك هنا بعد التنصيص على ثمن كل واحد منهما
[ 82 ] لا يعتبر بالعادة. قال (وإذا اشترى متاعا بحنطة أو شعير أو شئ مما يكال أو يوزن فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على ذلك) لان بيع المرابحة تمليك بثمن ماملك به من ربح ضمه إليه في بيعه فإذا كان الثمن مما له مثل في جنسه تتحقق هذا المعنى فيه فله أن يبيعه مرابحة عليه. قال (وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم فباعه بخمسة عشر درهما ثم اشتراه بعشرة فلا يبيعه مرابحة حتى يطرح ربحه الاول من رأس المال) في قول أبى حنيفة و (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ببيعه مرابحة على عشرة دراهم لانه شراء مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح أو وصية * ألا ترى انه لو كان أصله هبة أو ميراثا أو وصية فباعه ثم اشتراه كان له ان ببيعه مرابحة على الثمن الآخر ولا يعتبر بما كان قبله كذا هذا وهذا لان بالشراء الثاني يتجدد له ملك غير الاول لان ثبوت الحكم بثبوت سببه فإذا كان السبب متجددا فالملك الثابت به كذلك واختلاف أسباب الملك بمنزلة اختلاف العين ولو كان للمشترى في المرة الثانية عين آخر باعه مرابحة على ما اشتراه به وقاس بما لو استفاد في المرة الثانية زيادة من العين فان ذلك لا يمنعه من بيع المرابحة في الشراء الثاني. فكذلك إذا استفاد ربحا قبل الشراء الثاني وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما استفاد من الربح انما يؤكد حقه فيه بالشراء الثاني لان قبل شرائه كان حقه فيه يعرض السقوط بان يرد عليه بعيب والمؤكد في بعض المواضع كالموجب فكأنه استفاد ذلك بالعقد الثاني وبه فارق الزيادة المتولدة من العين فتأكد حقه فيها لم يكن بالعقد الثاني ولان مبنى بيع المرابحة على ضم المعقود بعضها إلى بعض * ألا ترى انما انفق في القصارة والقتل والخياطة يلحق برأس المال فإذا كان يضم بعض العقود إلى بعض فيما يوجب زيادة في الثمن فلان يضم المعقود إلى بعض فينظر إلى حاصل ما غرم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع مرابحة فيما يوجب النقصان من الثمن أولى فان هذا إلى الاحتياط أقرب ولكن ضم العقود عند اتحاد جنسها فاما عند الاختلاف فلا * ألا ترى انه لو استعان بخياط حتى خاطه لم يلحق بسببه شيئا من رأس المال. وكذلك إذا كان العقد الاول هبة أو صدقة لا يضم أحدهما إلى الآخر لان أحد العقدين تبرع والاخر تجارة فاما إذا اتحد جنس العقود يضم بعضها إلى بعض فينظر إلى حاصل ما عزم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع مرابحة على ما بقى ان شاء وفي هذه المسألة قد غرم عشرين درهما في دفعتين وعاد إليه خمسة عشر درهما فيبيعه مرابحته على خمسة. قال (ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة
[ 83 ] لم يبيعه مرابحة عند أبى حنيفة أصلا) لانه رجع إليه مثل ما غرم فيه فلم يبق له فيه رأس المال ليبيعه مرابحة عليه ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بوصيف أو بدابة ثم اشتراه بعشرة كان له ان يبيعه مرابحة على عشرة لان ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيه فلا يمكن طرحه الا باعتبار القيمة ولا مدخل لذلك في بيع المرابحة ولان الربح لا يظهر ما لم يعد إليه رأس ماله وإذا كان ما عاد إليه من عين جنس ما غرم فيه لا يظهر ربحه فيه فلهذا كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن الثاني. وإذا اشترى نصف عبد بمائة درهم واشترى آخر نصفه بمائتي درهم ثم باعاه مرابحة أو وضيعة أو تولية فالثمن بينهما أثلاثا بخلاف مالو باعه مساومة فان في بيع المساومة المسمى بمقابلة الملك ولهذا يستوي فيه المشترى والموهوب وملكهما في العبد سواء بخلاف المرابحة والوضيعة والتولية فان الثمن الثاني مبنى على الاول في هذه العقود لان التولية تمليك لما ملك والوصيفة بنقصان شئ يسمى عما ملكت به والمرابحة بزيادة معدومة على ما ملكت به ولهذا اختصت هذه العقود بالمشترى دون الموهوب فإذا أثبت أن الثمن الثاني مبنى على الثمن الاول وقد كان الثمن الاول أثلاثا فيقسم الثمن الثاني بينهما كذلك والاصل في جواز هذه العقود ماروى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه اشترى بعيرين عند قصد الهجرة (فقال) له رسول الله ﷺ ولنى أحدهما (فقال) هو لك بغير شئ (فقال) صلوات الله عليه أما بغير شئ فلا. قال (وإذا أنفق على عبده في تعليم عمل من الاعمال دراهم لم يلحقه برأس المال) لانه ليس فيه عرف ظاهر. وكذلك الشعر والغناء العربية وأجر تعليم القرآن والحساب حتى لو كان في شئ من ذلك عرف ظاهر في موضع بالحاقه برأس المال كان له أن يلحقه به لان زيادة المالية باعتبار معنى من المتعلم وهو الذهن والزكاء بما أنفق على المعلم فلم يكن ما أنفق موجبا زيادة في مالية العين وعلى هذا أجر الطيب والرابص والبيطار والراعي وجعل الآبق والحجام والخباز لا يلحق شئ من ذلك برأس المال لما قلنا وأما أجر سائق الغنم الذي يسوقها من بلد إلى بلد يلحق برأس المال للعرف الظاهر فيه ولان هذا بمنزلة الكراء فيما له حمل ومؤنة. وكذلك أجرة السمسار فقد جرى العرف بالحاقه برأس المال فهو كأجرة القصار وأجرة الراعى ليس نظير أجرة سائق الغنم لان الراعى لا يستحق الاجر بالنقل ولا يعمل الراعى بل يحفظ الغنم فهو كاجرة البيت الذي تحفظ فيه الغنم. وكذلك جعل الآبق ليس نظير أجر سائق الغنم لان الاباق نادر وفي الحاق شئ برأس المال العرف الظاهر
[ 84 ] وذلك لا يوجد في النادر. قال (وإذا باع المتاع مرابحة ثم حط البائع الاول منه شيأ من الثمن فانه يحط ذلك من المشترى الآخر وحصة من الربح ولو كان ولاية حط ذلك) عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما الله لا يحط عن الثاني شئ بهذا السبب وأصل المسألة ان الزيادة في الثمن والمثمن ثبتت على سبيل الالتحاق بالاصل عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما الله هو هبة مبتدأة لا تتم الا بالتسليم ويستوى ان كانت الزيادة من العاقد أو من أجنبي آخر. وكذلك حط بعض الثمن عندنا يلتحق بأصل العقد ويصير كأن العقد بقى عقد على مافى حق الشفيع والمولى. وعند زفر والشافعي رحمهما الله هو بر مبتدأ في حق من حط عنه خاصة. وحجتهما في ذلك ان الثمن لا يستحق بالعقد الاعوضا والمبيع كله صار مملوكا للمشترى بالعقد الاول فيبقى ملكه ما بقى ذلك العقد ومع بقاء ملكه في المبيع لا يمكن ايجاب الزيادة عليه عوضا إذ يلتزم العوض عن ملك نفسه. وذلك لا يجوز كالمودع يشترى الوديعة من المودع وهذا في حق الاجنبي أظهر فانه لا يملك شيأ من المبيع فكيف يلتزم الثمن بمقابلة مالا يملكه ولا يمكنه اثبات الزيادة في وقت العقد فان المبيع لو كان هالكا في الحال أو كانت جارية فاعتقها المشترى أو دبرها لم تثبت الزيادة في الثمن. وكذلك في الصداق الزيادة لاتتنصف بالطلاق قبل الدخول فلو ثبتت من وقت العقد لكان حكمها حكم المسمى فإذا ثبت هذا في الزيادة فكذلك في الحط لان الثمن كله إذا صار مستحقا بالعقد فلا يخرج البعض من أن يكون ثمنا الا بفسخ العقد في ذلك القدر والفسخ لا يكون في أحد العوضين دون الآخر مع أن الثمن معقود به وفسخ العقد في المعقود عليه دون المعقود به وقاسا حط البعض بحط الجميع فكما ان ذلك لا يثبت في حق المولى والشفيع فكذلك حط البعض وحجتنا في ذلك قوله تعالى (ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) أي من فريضة بعد الفريضة فذلك تنصيص على ان حكم الزيادة المفروضة بعد العقد كحكم المفروض في العقد الا فيما قام الدليل عليه وقد قام الدليل على أنه لا ينتصف الطلاق قبل الدخول الا ما تأكد بالتسمية في أصل العقد بالنص ففيما سوى ذلك حكم الزيادة حكم الاصل والمعنى فيه انهما غيرا العقد بتراضيهما من وصف إلى وصف مشروع له فيصح ذلك ويجعل ذلك كالمذكور في أصل العقد كما لو كان البيع لخيار لهما فاسقط الخيار أو بغير الخيار فشرطا الخيار لهما أولا حدهما وبيان الوصف انهما يجعلان الخاسر عدلا بالزيادة في الثمن أو العدل رابحا والرابح عدلا أو خاسرا
[ 85 ] بالحط وهذا وصف مشروع في البيوع والبيوع أنواع منه خاسر ورابح وعدل فعرفنا انهما قصدا تعبيره إلى وصف مشروع وتأثيره ان العقد قائم بينهما بملكان التصرف فيه رفعا وابقاء فيملكان التصرف فيه بالتغيير من وصف إلى وصف لان التصرف في صفة الشئ أهون من التصرف في أصله فإذا كان باتفاقهما يملكان التصرف في أصل العقد ففى صفته أولى فاما قوله أنه يلتزم العوض عن ملكه (قلنا) قيام العقد بقيام المعقود عليه والمعقود عليه قائم في يد المشترى على وجه يجوز الاعتياض عنه فيصح منه التزام العوض بمقابلته أيضا لان الانسان انما لا يلتزم العوض عما هو ملوك له أصلا ومقصودا فأما ربحا فقد يلتزم العوض وهذا لان الارباح في حكم الصلاة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من الثلث ولانه بيع والعوض بمقابلة الاصل دون البيع * ألا ترى أن اطراف المبيع يستحق بالمعاوضة تبعا ولا يقابلها شئ من الثمن بل العوض بمقابلة الاصل يعنى عن اعتبار العوض بمقابلة البيع. فكذلك الزيادة بعد هلاك المعقود عليه وقد روى في غير الاصول عن ابى حنيفة ان الزيادة تصح كما يصح الحط بطريق التغيير لاصل العقد. وفي ظاهر الرواية لا تثبت الزيادة لان المعقود عليه لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه ولا يمكن اثبات الزيادة عوضا وكذلك بعد العتاق والتدبير لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه وهذا لانه لابد لاثبات الزيادة عوضا من اعتبار الحال ثم الاستناد إلى وقت العقد وقد تعذر اثباتها في الحال فلا يظهر فيها حكم الاستناد كما قلنا في البيع الموقوف انه لابد من قيام المعقود عليه عند الاجارة ليثبت الملك مستندا إلى وقت العقد وبالاتفاق في البيع يشترط الخيار على البائع وعلى هذا إن كانت الزيادة من الأجنبي وضمنها لانه التزمها عوضا وهذا الالتزام صحيح منه فان لم يملك بمقابلته شيئا كما لو خالع امرأته مع اجنبي على مال وضمنه الأجنبي أو تصالح مع اجنبي من الدين على مال وضمنه صح الصلح وان لم يملك الملتزم بمقابلته شيئا وعلى هذا الحط الا أن عمل الحط في اخراج قدر المحطوط من أن يكون ثمنا فالشرط فيه قيام الثمن لا قيام المعقود عليه والثمن باق فثبت الحط على سبيل الالتحاق بأصل العقد وقد بينا أنه مغير لوصف العقد وليس بفاسخ للعقد حتى يقال الفسخ في الثمن لا يكون والدليل عليه الحط بسبب العيب والحط في مجلس العقد على أحد قولى الشافعي فانه يثبت ملتحقا بأصل العقد لما قلنا بخلاف حط الجميع فانه مغير لوصف العقد لان الانسان لا يكون مغبونا بجميع الثمن ولو التحق بأصل العقد
[ 86 ] فاما أن يفسد به العقد لانه يبقى بيعا بلا ثمن وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك أو يصير ذلك العقد هبة وقد كان قصدهما التجارة في البيع دون الهبة فاما حط البعض لو التحق باصل العقد تحقق به مقصودهما وهو التغير. قال (وإذا باع المتاع مرابحة فخانه فيه فالمشترى بالخيار إذا اطلع عليه ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك وان استهلك المتاع أو بعضه فالثمن كله لازم له) في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله و (قال) أبو يوسف وابن أبى ليلى رحمهما الله يحط عنه الخيانة وحصتها من الربح على كل حال ولاخيار له في ذلك وان خان في التولية فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله يحط عنه مقدار الخيانة وعند محمد هو بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك فابو يوسف يقول في المرابحة والتولية جميعا يحط عنه مقدار الخيانة وحصتها من الربح لان العقد الثاني في حق الثمن بناء على الاول وقدر الخيانة لم يكن ثمنا في العقد الاول فلا يمكن اثباته في العقد الثاني كما في الشفيع فان المشترى إذا خان الشفيع لا يثبت مقدار الخيانة في حقه فانه يأخذ بمثل الثمن الاول فلا يمكن اثباته في العقد الثاني كما في الشفيع وهذا لان السبب الثاني لما أضافه إلى السبب الاول فانما يؤثر في ايجاب مثل ما وجب بالسبب الاول الا مقدار ما زاد فيه من الربح ففيما وراء ذلك لا يثبت وبدون السبب لا يثبت الحكم والدليل عليه أنه لو خرج البعض من أن يكون ثمنا في العقد الاول بالحط يخرج ذلك من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فإذا ثبت انه لم يكن ثمنا فيه أولى ومحمد يقول فيهما جميعا لا يحط الثمن عن المشترى الثاني لانهما باشرا عقدا باختيارهما بثمن سمياه فينعقد بجميع ذلك الثمن كما لو باعاه مساومة وهذا لان انعقاد سبب الثاني يعتمد التراضي منهما ولا يتم رضا المشترى الاول إذا لم يجب له جميع الثمن المسمى بخلاف الاخذ بالشفعة فلا معتبر برضا المشترى هناك ثم حق الاخذ للشفيع بالثمن الاول مستحق على المشترى على وجه لا يمكن ابطاله ولا نعتبره وبالخيانة قصد تغيره فيرد عليه قصده وهنا البيع مرابحة أو تولية لم يكن مستحقا على المشترى الاول فهو في تسمية ما سمى غير قاصد ابطال ما هو مستحق عليه ولكنه يدلس والتدليس يثبت للمشترى الخيار كتدليس العيوب وهذا بخلاف الحط بعد العقد لان الاستحقاق يثبت للمشترى الثاني بمثل الثمن الاول وثم رضى المشترى الاول به فما خرج من أن يكون ثمنا في العقد الاول يخرج من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فكان المشترى الثاني بعد ما تم استحقاقه بمنزلة الشفيع وأبو حنيفة يفرق بين التولية والمرابحة من وجهين (أحدهما)
[ 87 ] أن التولية بناء على السبب الاول من كل وجه فلا يثبت فيه ما لم يكن ثابتا في العقد الاول كالاقالة لما كانت فسخا عند الاول فما لم يكن ثابتا في العقد لا يمكن اثباته في الاقالة فاما المرابحة فليست تبنى على العقد الاول من كل وجه وان ثبتت عليه من وجه وهو العيار في الثمن * ألا ترى انهما سميا فيه ما لم يكن مسمى في العقد الاول فيه يتبين انه سبب مبتدأ باشراه باختيارهما فينعقد بالثمن المسمى * فيه يقرره انه لا حاجة في التولية إلى ذكر الثمن وتسمية مقدار خيانة فيه فيكون لغوا أيضا وفي المرابحة لابد من تسمية الثمن وتعيين قدر الربح فكان انعقادها بالتسمية الثانية فينفقد بجيمع ماسميا فيها وفرق آخران في اثبات الخيانة في التولية تغير العقد عن موضوع ما صرحا به لان به يصير البيع مرابحة لاتولية وقد صرحا بالتولية وكان ذلك منهما نفيا لمقدار الخيانة. فاما في المرابحة لو أثبتنا جميع المسمى لا يتغير به العقد عن موضوع ما صرحا به فاما صرحا ببيع المرابحة وهو مرابحة الا ان الربح فيه أكثر مما ظنه المشترى والبائع دلس بتسمية بعض ربحه رأس المال فكان ذلك مثبتا الخيار للمشترى وإذا سقط خياره بهلاك المبيع في يده لزمه جميع الثمن المسمى. قال (وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم فليس له ان يبيع منه ذراعا مرابحة لما بينا أن الثمن ينقسم على ذراعان الثوب باعتبار الاجزاء وله ان يبيع نصفه أو ثلثه مرابحة) لان ثمن النصف معلوم يقينا وهذا لان النصف جزء شائع فلا يتفاوت والذراع اسم لموضع معين يقع عليه الذراع وذلك مختلف في الثوب. قال (ولو اشترى نصف عبد بمائة درهم ثم اشترى النصف الآخر بمائتي درهم فله أن يبيع أي النصفين شاء مرابحة على ما اشتراه) لانه يملك كل نصف بعقد على حدة فيجعل كل نصف بمنزلة عبد على حدة وان شاء باع كله على ثلثمائة درهم مرابحة لان العبد قام عليه في العقدين جميعا بثلثمائة وبيع المرابحة بيع بما قام عليه. قال (ولو اشترى عبدا بألف درهم فوهب له البائع الثمن كله فله ان يبيعه مرابحة على الالف ولو وهب له بعض الثمن أو حط عنه بعضه باعه مرابحة على ما بقى) للفرق الذي بينا بينهما في حكم الالتحاق باصل العقد وان باعه بالثمن عرضا أو أعطاه به رهنا فهلك الرهن كان له ان يبيع العبد مرابحة على ألف درهم لانه صار قابضا لهذا الثمن بهذا الطريق فكأنه قضاه مشاهدة ولانه يبيعه مرابحة على ما يملك وانما يملك المسمى عند الشراء * ألا ترى انه قبل أن ينقد الثن له ان يبيعه مرابحة. قال (ولو اشترى ثوبا بعشرة دراهم جياد فنقدها زيوفا وتجوز البائع عنه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة جياد) لانه يتملكه
[ 88 ] بالجياد وبما نقد من الزيوف صار قاضيا لما عليه بدليل جواز ذلك في السلم والصرف. وكذلك ان اشتراه بعشرة نقد فلم ينقده الثمن شهرا فله ان يبيعه مرابحة على العشرة النقد لانه يملك بالنقد وبان لم يطالبه البائع بالثمن شهرا لا يخرج الثمن من أن يكون نقدا فلم يجعل تجوز البائع بالزيوف وتركه المطالبة بالثمن مدة بمنزلة الحط لان هناك القدر المحطوط يلتحق باصل العقد فيكون مغيرا الوصف وهنا يترك المطالبة بالثمن زمانا لا يلتحق شئ باصل العقد. وكذلك بالتجوز بالزيوف لان الوصف تبع للاصل فإذا لم يخرج شئ من أصل العشرة من أن يكون ثمنا لا يمكن اخراج الوصف من ذلك لئلا يصير البيع مقصودا فيما هو بيع فيه وذلك ممتنع. قال (فان وهب الثوب المشترى بعشرة لانسان ثم رجع فيه فله ان يبيعه مرابحة على عشرة). لان بالرجوع يعود العين إلى قديم ملكه سواء رجع بقضاء أو بغير قضاء وقد بينا هذا في الهبة. وكذلك ان باعه فرد عليه بعيب أو فساد بيع أو خيار أو اقالة فله أن يبيعه مرابحة على عشرة لانه ان عاد إليه بسبب هو فسخ من كل وجه فقد عاد إليه قديم ملكه وان عاد إليه بسبب هو متردد كالاقالة فاكثر ما فيه أنه بمنزلة عقد جديد وقد تملك فيه الثوب بعشرة فيبعه مرابحة عليه ولو تم البيع فيه رجع إليه بميراث أو هبة لم يكن له ان يبيعه مرابحة لانه ما عاد إليه الملك المستفاد بالشراء الاول فان ملك الوارث ينبنى على ملك المورث فانما يبقى له ماكان لمورثه فيبيعه مرابحة على ما اشتراه مورثه به لو باعه مرابحة وليس له ذلك لان المالكية قد تحددت له وان كان الملك هو الذي كان لمورثه واما في الهبة فقد يثبت له ملك جديد بسبب التبرع فلا يكون له ان يبيعه مرابحة. قال (وإذا اشترى شيئا من أبيه أو أمه أو ولده أو مكاتبه أو عبده أو اشترى العبد أو المكاتب من مولاه بثمن قد قام على البائع باقل منه لم يكن له ان يبيعه مرابحة الا بالذي قام على البائع في العبد والمكاتب بالاتفاق) لان بيع المرابحة على ما يتيقن بخروجه في ملكه بمقابلة هذا العين وهو المدفوع إلى البائع الاول فاما الربح الذي حصل لعبده لم يخرج من ملكه لان كسب العبد لمولاه وما حصل لمكاتبه من وجه كان له أيضا فللمولى حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك حقيقة الملك لعجزه ولان تهمة المسامحة تتمكن فالانسان يسامح في المعاملة مع عبده ومكاتبه لعلمه انه لا يتعذر عنه ما يحصل لهما وبيع المرابحة بيع أمانة ينفى عنه كل تهمة وخيانة فاما في غير المماليك من الآباء والاولاد والازواج والزوجات. فكذلك الجواب عند ابي حنيفة و (قال) أبو يوسف
[ 89 ] ومحمد رحمهما الله له ان يبيعه مرابحة على ما اشتراه به من هؤلاء لتباين الاملاك بينهما إذ ليس لكل واحد منهما في ملك صاحبه ملك ولا حق ملك فهما في ذلك كالاخوين وأبو حنيفة رضى الله عنه يقول ما يحصله المرء لهؤلاء بمنزلة ما يحصل لنفسه من وجه ولهذا لاتقبل شهادته لهؤلاء فبأعتبار هذا الوجه صاروا في حقه كالعبد والمكاتب ولان مسامحة بعض هؤلاء مع البعض في المعاملة أمر ظاهر وبيع المرابحة يؤخذ فيه بالاحتياط فلا يبيعه مرابحة الا على القدر الذي يتيقن بالالتزام فيه لا على وجه المسامحة. وذلك أقل الثمنين كما في العبد والمكاتب. قال (وإذا اشترى ثوبا بثوب قد قام عليه الاول بعشرة دراهم فليس له ان يبيعه مرابحة على العشرة) لانه ملك هذا الثوب بالعقد الثاني فالعوض ماكان مذكورا فيه ولامثل للثوب من جنسه فلهذا لا يبيعه مرابحة على ما اشترى به ولا على الثمن الاول لانه ما التزم ذلك عوضا عن هذا الثوب قال (وإذا اشترى الرجلان عدل زطى بألف درهم فاقتسماه فليس لواحد منهما ان يبيع نصيبه مرابحة) لان القسمة فيما تتفاوت يتمكن فيها معنى المعاوضة من حيث ان كل واحد منهما يأخذ نصف ما يصيبه بقديم ملكه ونصفه عوضا عما ترك لصاحبه فيمنعه ذلك من البيع مرابحة * يوضحه انا لا نتيقن بان ما يصيبه بالقسمة هو النصف وانما يعرف ذلك بطريق الحزر وقبل القسمة لو ميزا بعض الثياب وأرادا بيع ذلك مرابحة على ما يخصها من الثمن لم يملكا ذلك. فكذلك بعد القسمة وبه فارق المكيل والموزون. قال (وإذا اشترى عبدا به عيب قد دلس عليه فلما علم به رضى فله ان يبيعه مرابحة) لانه اشتراه بالثمن الذي يبعه مرابحة عليه وسبب العين يثبت له الخيار فاسقاطه لا يمنعه من البيع مرابحة كما لو كان فيه خيار الشرط أو رؤية فاسقط. وكذلك لو اشتراه مرابحة فخانه صاحبه فيه كان له ان يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما بينا ان الثابت له بسبب هذه الخيانة الخيار فقط قال (وإذا ولى رحل رجلا بيعا بما قام عليه ثم اطلع على انه أخذه بأقل من ذلك بشهادة شهود أو باقرار البائع الاوسط أو بنكوله عن اليمين فيه وقد ادعاه المشترى الآخر) فانه يرجع عليه بالفضل وتم له البيع وقد بينا الخلاف في هذه المسألة وانما الشبهة في حرف وهو انه سمع دعوى المشترى الاخر أن الثمن الاول كان أقل مما سمى في التولية منه حتى سمع بينته على ذلك واستحلفه على ذلك خصمه يقضى عليه بنكوله من اصحابنا رحمهم الله من يقول هو مناقض في هذه الدعوى والمناقض لا قول له ولا طريق لظهور ذلك إلا اقرار البائع الا وسط به ومنهم
[ 90 ] من يقول بل دعوى الخيانة من المشترى الآخر بمنزلة دعوى العيب أو بمنزلة دعوى الحط ولو ادعى شيئا من ذلك فأقام البينة قبلت بينته وإذا لم يكن له بينة يستحلف خصمه. فكذلك هنا وان كان المولي قد باعه مرابحة قبل أن يرجع على البائع الاول بشئ ثم رجع عليه بقدر الخيانة يرد ذلك القدر وربحه على المشترى منه بمنزلة ما لو حط بائعه عنه بعض الثمن. قال (وإذا اشترى شيئا من شريك له شركة عنان فلا بأس بأن يبيعه مرابحة) لانهما فيما ليس من شركتهما كسائر الاجانب ولهذا قبلت شهادة كل واحد منهما لصاحبه فان كان للاول فيه حصة فليس له أن يبيعه حصة نفسه مرابحة إلا على ما اشتراه به لانه يملك حصته بالعقد الاول وانما يملك على شريكه بالعقد الثاني حصته فبيع كل حصته مرابحة على ما اشتراه به. قال (وان كانت خادم لشريك مفاوض للخدمة فاشتراها شريكه منه للخدمة ثم بدأ له أن يبيعها مرابحة فله ذلك) لان هذا ليس من شركتهما وكل واحد منهما من صاحبه فيه كأجنبي آخر وكل شئ كان لاحدهما خاصة فالحكم فيه كذلك وكل شئ كان بينهما فلا يبيعه واحد منهما مرابحة إذا اشتراه من صاحبه الا على الاصل الاول لان العقد الثاني غير معتبر فان قبله كانت العين مشتركة بينهما شركة مفاوضة. فكذلك بعده بخلاف ما يشترى أحد شريكي العنان من صاحبه للشركة لان ذلك شراء معتبر فانه يدخل في شركتهما ما لم يكن داخلا الا ان البائع في حصة نفسه انما يبيعه مرابحة على أقل الثمنين وهو ما اشتراه به لانه متيقن بخروج ذلك القدر عن ملكه قال (عبد بين اثنين قام عليهما بمائة دينار فربح أحدهما صاحبه في حصته دينارا فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على مائة دينار ودينار) لانه يملك جميع العبد بهذا القدر وفي شركة الملك شراء أحدهما من صاحبه كشرائه من أجنبي آخر. قال (وإذا اشترى الرجل متاعا ثم رقمه باكثر من ثمنه ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز) ولكن لا ينبغى أن يقول قام على بكذا ولا أخذته بكذا فان ذلك كذب والكذب لا رخصة فيه ولكن يقول رقمه بكذا وأنا أبيعه مرابحة على ذلك وعن أبى يوسف (قال) هذا إذا كان المشترى ممن يعلم عادة التجار انهم يرقمون السلع باكثر مما يشترون به فان كان لا يعلم ذلك فهذه خيانة وللمشترى حق الرد به إذا علم وهذا منه احتياط وقد كان يبالغ في الاحتياط في باب المرابحة حتى (قال) إذا اشترى شيئا باكثر من ثمنه مما لا يتغابن الناس في مثله وهو يعلم ذلك فليس له أن يبيعه مرابحة من غير بيان وكذلك لو اشترى بالدين ممن عليه الدين شيئا وهو لا يشترى ذلك الشئ بمثل ذلك
[ 91 ] الثمن من غيره فليس له أن يبيعه مرابحة وان كان يشترى بمثل ذلك الثمن من غير غريمه فله أن يبيعه مرابحة سواء أخذه بلفظة الشراء أو بلفظة الصلح وفى ظاهر الرواية يفرق بين الصلح والشراء فنقول مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق ومبنى الشراء على الاستقصاء والمماكسة ولو كان أصل الثوب له بميراث أو هبة أو وصية فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة كان جائزا أيضا لانه ما أخبر المشترى بشئ هو كذب وانما (قال) قيمته كذا أو رقمه كذا وهو صادق في ذلك فان صار المشترى مغبونا فيه فذلك من قبل جهله. قال (وإذا باع الرجل المتاع بربح ده يازده أو بربح أحد عشر) فكذلك سواء ان كان المشترى قد علم بالثمن قبل عقده البيع وليس أن يرده لان مقدار الثمن وربحه معلوم له عند العقد وان لم يكن عالما بالثمن فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه ليكشف الحال له حين يعلم بمقدار الثمن وكذلك ان باعه له برقمه فللمشترى الخيار إذا علم بالرقم لما بينا قال وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ثم باعه بوضيعة ده يازده عن الثمن فان الثمن يكون تسعة دراهم وجزء من احدى عشر جزءا من درهم ولو باعه بربح ده يازدة كان الربح درهما ثم إذا باعه بوضيعة ده يازدة لم يجعل الوضيعة درهما ففى الحقيقة لافرق بينهما فانه إذا باعه بربح ده يازدة كان الثمن أحد عشر درهما فالربح جزأ من احدى عشر جزءا من الثمن وذلك بأن تضرب العشرة في احدى عشر فتكون مائة وعشرة فمقدار الوضيعة جزءا من احدى عشر جزء وذلك عشرة أجزاء يبقى مائة جزء وكل احدى عشر جزءا درهم وذلك تسعة دراهم وجزءا من احدى عشر جزءا من درهم. قال (وإذا اشترى ثوبا بخمسة دراهم واشترى آخر ثوبا بستة دراهم ثم باعاهما بصفقة واحدة مرابحة ومواضعة فالثمن بينهما على قدر رأس ماليهما) لان الثمن الثاني في هذا النوع من البيع مبنى على الثمن الاول. قال (ولو ولى المشترى رجلا ثم حط البائع الاول عنه جميع الثمن فانه لا يحط عن الآخر شئ) لان حط الكل مبتدأ غيره ملتحق بأصل العقد فلا يثبت في حق المولى والله أعلم. (باب العيوب في البيوع) (قال) رحمه الله وإذا برئ البائع إلى المشترى عند عقده البيع من كل عيب فهو جائز وان لم يسم العيوب عندنا) و (قال) الشافعي شرط البراءة عن العيوب المجهولة باطل الا أن يكون
[ 92 ] عيبا في باطن الحيوان فله في ذلك قولان وفي البيع بشرط البراءة من كل عيب له قولان في أحد القولين البيع. فاسد وفي القول الآخر البيع صحيح والشرط باطل واحتج بنهي النبي ﷺ عن بيع الغرر وهذا بيع غرر لانه لا يدرى ان المعقود عليه على أي صفة هو ولان هذا شرط يمنع موجب العقد لان موجب المعاوضة استحقاق صفة السلامة وهذا الشرط يمنع من ذلك فهو نظير شرط يمنع الملك ولان البائع يلتزم تسليم المجهول لانه يلتزم تسليمه على الصفة التى عليها البيع. وذلك غير معلوم عند المتعاقدين والتزام تسليم المجهول بالبيع لا يصح كبيع ثوب من العدل أو شاة من القطيع بخلاف مااذا سمى العيب أو ابرأه المشترى فان ما يلتزم تسليمه بالعقد بعد تسيمة العيب معلوم ومالا يمكن اعلامه نحو عود الجراحة أو يلحق الجرح باعلامه نحو ما يكون في باطن الحيوان يسقط اعتباره للتعذر * والدليل على الفرق بين المسمى وغير المسمى ان المشترى لو عرض على انسان و (قال) اشتره فانه لاعيب به ثم وجد به عيبا كان له ان يخاصم فيه بائعه وبمثله لو قال اشتره فانه ليس بآبق ثم وجد به عيب الاباق لم يكن له أن يخاصم فيه بائعه وحجتنا في ذلك ما روى ان زيد بن ثابت رضى الله عنه ابتاع مملوكا من عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بشرط البراءة من كل عيب ثم طعن فيه بعيب فاختصما إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فحلفه بالله لقد بعته وما به عيب يعلمه وكتمته فنكل عن اليمين فرده عليه فقد اتفقوا على جواز البيع بهذا الشرط وانما اختلفوا في صحة الشرط فيستدل باتفاقهم على جواز البيع وبقول النبي ﷺ المسلمون عند شروطهم على صحة الشرط والكلام في شرط صحة البراءة من كل عيب ينبنى على صحة الابراء عن الحقوق المجهولة فالشافعى لا يجوز ذلك وقد قام الدليل على جوازه لنا في ذلك حديث على رضى الله عنه حين بعثه رسول الله ﷺ ليصالح بنى جذيمة فواداهم حتى ميلغة الكلب وبقى في يديه مال فقال هذا لكم مالا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله ﷺ فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فسر فهذا دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة والمعنى فيه ان هذا إسقاط حق لا يحتاج فيه إلى التسليم فيصح في المجهول كالطلاق والعتاق وتأثيره ان نفس الجهالة لا تمنع صحة لالتزام ولكن جهالة تفضى إلى تمكن المنازعة ألا ترى ان التمليكين يصح في هذا وهذا أضيق من الاسقطات ثم الجهالة التى لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة التمليك كجهالة القفيز من الصبرة فلان لايمنع صحة الاسقاط أولى فالسقوط يكون متلاشيا
[ 93 ] لا يحتاج فيه إلى التسليم والجهالة التى لا تفضي إلى المنازعة أولى ولا معنى لقول من يقول ان الايجاب في المجهول في معنى التعليق بشرط البيان فما لا يحتمل التعليق بالشرط لا يصح ايجابه في المجهول لان الشرط داخل على نفس السبب حتى يجعله في حكم تصرف آخر هو يمين والجهالة تدخل على حكم السبب فإذا كانت تفضى إلى المنازعة يتعذر اثبات الحكم مع الجهالة وإذا كانت لا تفضي إلى المنازعة لا تتعذر فلا يمنع صحته إذا ثبت صحة هذا الشرط ثبت جواز العقد معه لان هذا الشرط يقرر مقتضى العقد ومقتضى العقد اللزوم والعقد بهذا الشرط يلزم سليما كان المبيع أو معيبا ثم البائع بهذا الشرط يمتنع من التزام ما لا يقدر على تسليمه لان عند اطلاق العقد يلتزم تسليم المبيع بصفة السلامة وإذا كان معيبا فهو عاجز عن تسليمه سليما وعند هذا الشرط يلتزم التسليم على الصفة التى عليها المبيع وهو قادر على تسليمه بتلك الصفة والقدرة على التسليم شرط جواز العقد لا ان يكون موجبا فساد العقد ثم لا يتمكن جهالة في المبيع بهذا الشرط لانه مشار إليه معلوم بالاشارة إلى عينه والى مكانه وليس مقصوده من هذا الشرط الاقرار بالعيوب به فلا يجتمع كل عيب في عيب واحد وانما يقصد بذكر هذا الشرط التزام البيع والتزام التسليم على وجه يقدر عليه وهذا من الحكمة. ولهذا قلنا ان المشترى بقوله لاعيب به لا يصير مقرا باسقاط العيوب عنه بل قصده من ذلك ترويج السلعة بخلاف قوله ليس بآبق ففى تخصيصه هذا العيب بالذكر ما يدل على ان مراده نفى هذا العيب عنه ولئن تمكنت جهالة في وصف المعقود عليه بهذا الشرط فهى جهالة لا تفضي إلى المنازعة فلا يؤثر في العقد كجهالة مقدار العيب المسمى. وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقول لا تصح البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشترى وقد جرت المسألة بينه وبين أبى حنيفة في مجلس الدوانيقي فقال له أبو حنيفة أرأيت لو ان بعض حرم أمير المؤمنين باع عبدا برأس ذكره برص أكان يلزمها ان يرد ذلك المشترى ومازال به حتى أفحمه وضحك الخليفة مما صنع به فإذا عرفنا جواز العقد لهذا الشرط (قلنا) تدخل فيه البراءة من كل عيب موجود به وقت العقد فان حدث به عيب آخر بعد البيع قبل التسليم فهو داخل في هذه البراءة أيضا في قول أبى حنيفة رضى الله عنه وهو الظاهر من قول أبى يوسف رحمه الله و (قال) محمد وزفر والحسن رحمهم الله لا تدخل البراءة عن العيب الحادث في هذا الشرط وهو رواية عن أبى يوسف لان ذلك مجهول لا يدرى أيحدث أم لا وأى مقدار يحدث ولو صرح بالتبري من
[ 94 ] العيب الذي يحدث قبل القبض فسد به العقد ولو دخل في هذا الشرط لفسد العقد به أيضا فابو يوسف رحمه الله يقول العيب الحادث قبل القبض لما جعل كالموجود عند العقد في ثبوت حق الرد فكذلك يجعل كالموجود عند العقد في دخوله في شرط البراءة من كل عيب وهذا لان مقصود البائع اثبات صفة اللزوم للعقد والامتناع من التزام ما لا يقدر على تسليمه وفي هذا لافرق بين العيب الموجود والحادث قبل القبض ولا رواية عن أبى يوسف فيما إذا نص على البراءة عن العيب الحادث وقيل ذلك صحيح عندنا باعتبار انه يقيم السبب وهو العقد مقام نفس العقد الموجب للرد في صحة الاسقاط ولئن سلمنا فنقول هنا ظاهر لفظه يتناول العيوب الموجودة ثم يدخل فيه ما يحدث قبل القبض تبعا لان ذلك يرجع إلى تقرير مقصودهما وقد يدخل في التصرف تبعا مالايجوز أن يكون مقصودا بذلك التصرف كالشرب في بيع الارض والمنقولات في وقف القربة ولو كان شرط البراءة من كل عيب به فهذا يفسد العيب الموجود فلا يتناول الحادث بالاتفاق وان اختلفا في عيب (فقال) المشترى أنه حدث بعد العقد وقال) البائع بل كان موجودا عند العقد فان كان شرط البراءة من كل عيب فالقول قول المشترى وان كان شرط البراءة من كل عيب فعلى قول محمد القول في ذلك قول البائع وعند زفر القول قول المشترى لانه هو المسقط لحقه فالقول في بيان ما أسقط قوله كما في الفصل الاول ومحمد يقول قد ظهر المسقط مطلقا فالمشترى إذا ادعى خروج شئ بعينه من ذلك المطلق لا يقبل قوله في ذلك الا بحجة كما لو أبرأه عن كل حق له عليه ثم اختلفا في دين انه كان موجودا وقت الابراء أو حدث بعده فانه يجعل القول قول من يدعى دخوله في البراءة المطلقة لهذا المعنى بخلاف ما إذا شرط البراءة من كل عيب به لان المسقط هنا ما ظهر إلا مقيدا بوصف فإذا أنكر المشترى في عيب عينه انه مادخل في ذلك الايجاب المقيد وجب المصير إلى قوله كما في البراءة المقيدة بمكان أو زمان. قال (وإذا شهد شاهدان على البراءة من كل عيب في خادم ثم اشتراها أحد الشاهدين بغير براءة فوجد بها عيبا كان له أن يردها) لان البراءة من كل عيب لا تتضمن الاقرار بوجود كل عيب فيها فلا يكون الشاهد راضيا بعيب فيها بعد تلك الشهادة وكذا لو شهدا على البراءة من الاباق ثم اشتراها أحدهما فوجدها آبق فله أن يردها لان الاباق مذكور في البراءة مطلقا غير مضاف إليها فلا يكون ذلك اقرارا من الشاهد ولا من المشترى بوجود ذلك فيها بمنزلة البراءة من كل عيب ولو شهدا انه تبرأ
[ 95 ] من إباقها ثم اشتراها أحد الشاهدين فوجدها آبقة فليس له أن يردها لان الاباق هنا مضاف إليها بحرف الكتابة وتخصيصه من بين سائر العيوب بالاضافة إليها يكون اخبار بوجوده فيها فالشاهد أقدم على شراءها وهو عالم بعيبها فلا يكون له أن يردها بالعيب. قال (وإذا اشترى جارية ولم يتبرء البائع من عيوبها فوطئها المشترى ثم وجد بها عيبا فليس له أن يردها بالعيب عندنا بكرا كانت أو ثيبا عندما اشتراها) و (قال) الشافعي رحمه الله ان كانت بكرا فكذلك الجواب وان كانت ثيبا فله أن يردها بالعيب ولا يغرم للوطئ شيئا و (قال) ابن أبى ليلى يردها بكرا كانت أو ثيبا ويرد معها عقرها وعقرها عشر قيمتها ان كانت بكرا أو نصف عشر قيمتها ان كانت ثيبا وجه قول الشافعي انه قادر على ردها كما قبضها فله أن يردها كما قبل الوطئ وهذا لان الوطئ في الثيب لا يوجب نقصانا في عينها حقيقة ولا حكما وانما استوفى منها محض منفعة فهو كما لو استخدمها ثم اطلع على عيب بها بل اولى فان الاستخدام يعيبها والوطئ يمنعها بخلاف مااذا كانت بكرا فالوطئ هناك يفوت جزء منها فان صفة البكارة في الجارية بمنزلة جزء من عين هو مال متقوم ولهذا استحق بالبيع شرطا * والدليل على الفرق ان المشترى بعد ما وطئ البكر ليس له أن يبيعها مرابحة من غير بيان وفي الثيب له أن يبيعها مرابحة بعد الوطئ من غير بيان. وكذلك لو كانت ذات زوج فوطئها الزوج عند المشترى فان كانت بكرا ليس للمشترى أن يردها بعيب النكاح بعد ذلك وان كانت ثيبا فله ذلك. وكذلك البائع إذا وطئ المبيعة قبل القبض فان كانت ثيبا لم يسقط شيئا من الثمن ولا يتخير المشترى به في قول أبى حنيفة بخلاف مااذا كانت بكرا وبهذه الفصول يتبين ان الوطئ في الثيب بمنزلة الاستخدام وكما ان الوطئ لا يحل الافي الملك فالاجبار على الخدمة لا تحل الافي الملك ثم لا يمنع نسبة الرد بالعيب * وحجتنا في ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقد قال على وابن مسعود رضى الله عنهما لا يردها بعد الوطئ و (قال) عمر وزيد بن ثابت رضى الله عنهما يردها ويرد معها عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف عشر قيمتها ان كانت ثيبا فقد اتفقوا على ان الوطئ لا يسلم للمشترى مجانا فمن قال يردها ولا يرد معها شيئا فقد خالف أقاويل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكفى باجماعهم حجة عليه ثم انهم كانوا مجمعين على ان الوطئ بمنزلة الجنانة الا انه كان من مذهب عمر وزيد رضوان الله عليهما ان المشترى إذا جنى عليها ثم علم بعيب يردها ويرد معها الارش ففى الوطئ اجابا نحو ذلك وعلي وابن مسعود رضى الله
[ 96 ] عنهما كان يقولان لا يردها بعد الجناية فكذلك بعد الوطئ وبالاجماع بيننا وبين الشافعي الجناية تمنع الرد. فكذلك الوطئ وهو المعنى الفقهى في المسألة ان الوطئ يسلك فيه مسلك الجناية فيمنع الرد بمنزلة الجناية عليها بنفسها * والدليل على اثبات هذا الوصف اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كما بينا * والدليل على ان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين فان المستوفي بالوطئ ما يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا لا يملك العقد الامؤبدا والدليل عليه ان استيفاءه في غير الملك لا يخلو عن عقوبة أو غرامة واستيفاء المنفعة تنفك عن ذلك وان المستوفى بالوطئ مصون عن الابتدال حتى لا يجوز استيفاؤه بالبدل بدون الملك والمصون من الآدمى نفسه واجزاؤه لا منافعه والمنفعة تتبدل من الآدمى كما تتبدل من غيره فإذا ثبت انه في حكم جزء من العين فاستيفاؤه كاستيفاء جزءه بالجناية. وذلك يمنعه من الرد بالعيب والدليل عليه ما إذا كانت بكرا تقرر ما قلنا ان الرد بالعيب فسخ للعقد من الاصل ولهذا لو كان موهوبا كان للواهب أن يرجع فيه ولو كان مبيعا كان للبائع أن يرده على بائعه ولو لم يتعذر ردها بالعيب لاجل الوطئ لكان إذا ردها ويفسخ العقد من الاصل تبين أن وطأه اياها كان في غير الملك والوطئ لا يحل الا في الملك فللتحرز عن الوطئ الحرام قلنا لا يردها والوطئ في غير الملك بمنزلة تناول جزء من العين حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وبهذا فارق حكم بيع المرابحة لانه لا يتبين بالبيع مرابحة ان وطأه إياها كان في غير الملك ولان ذلك في حكم جزء من العين أيضا ولكن هو جزء وهو ثمرة لما لم يتمكن به نقصان في العين وذلك لايمنع بيع المرابحة عندنا فانه لو تناول لبن الشاة واعلفها بقدره كان له أن يبيعا مرابحة وهذا بخلاف وطئ الزوج إياها عند المشترى لان ذلك حصل بتسليط البائع وايجابه له بالنكاح فيجعل كفعل البائع بنفسه بخلاف مااذا كانت بكرا فانه بالنكاح يوجب الوطئ للزوج لاصفة البكارة فيصير أصل الوقت مضافا إلى البائع ولكن بزوال صفة البكارة لا يصير مضافا إلى البائع فكأنها ذهبت إلى المشترى من غير صنع أحد أو بصنع انسان بأصبع أو خشبة. وذلك يمنع المشترى من ردها وكذلك وطئ البائع قبل التسليم فثبوت الخيار للمشترى وسقوط شئ من الثمن إذا كانت بكرا باعتبار صفة البكارة دون الوطئ وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء هو ثمرة كما بينا. وذلك لا يوجب الخيار للمشترى كتناول الثمار واللبن الا ان ذلك مال متقوم فيقابله جزء من الثمن إذا صار مقصودا يتناول البيع وهذا الجزء ليس بمال
[ 97 ] متقوم ألا ترى انه يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح ليس بمال فلا يقابله شئ من الثمن ثم المبيعة قبل التسليم في ضمان البائع وفي حكم الوطئ انما تصير مملوكة للمشترى بالقبض فان الوطئ تصرف وملك التصرف يثبت للمشترى بالقبض ولهذا لايجتزأ بالحيضة التى توجد قبل القبض من استبراء المشترى فلهذا لم يوجب العقد على البائع إذا وطئها وسنقرر لابي حنيفة الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا بخلاف الاستخدام فالمنفعة ليست في حكم جزء من العين ولكنها أعراض تحدث شيئا فشيئا وهو يتبدل ويجوز استيفاؤها في عين الملك واستيفاؤها بخلو عن عقوبة أو غرامة فاكثر ما فيه انه يتبين بالرد انه استخدمها في غير ملكه وذلك لا يوجب عليه شيئا فلهذا لايمنع الرد بسبب الاستخدام بخلاف الوطئ إذا ثبت انه لا يمكنه ردها بالعيب قلنا يرجع بحصة العيب من الثمن لان الجزء الفائت صار مستحقا بالعقد للمشترى وقد تعذر تسليمه إليه فيرد حصة من الثمن لانه صار مقصودا بالمنع فيكون له حصة من الثمن فطريق معرفة ذلك ان يقومها وبها العيب ويقومها ولاعيب بها فان كان تفاوت مابين القيمتين العشر رجع بعشر الثمن وان كان نصف العشر رجع بنصف عشر الثمن الا ان يقول البائع ردها على فأنا أرضى بذلك فحينئذ يردها لان المانع من الرد حقه وقد زال حين رضى به * ولو لم يطأها ولكن حدث بها عيب عند المشترى ووجد بها عيب لم يردها عندنا وقال ابن أبى ليلى يردها ويرد معها نقصان العيب الحادث عنده لان رد البدل عند تعذر رد العين بمنزلة رد العين ولكنا نقول حق الرد للمشترى انما ثبت لدفع الضرر عن نفسه وانما يدفع الضرر عن نفسه بطريق لا يلحق الضرر فيه بالبائع وبعد ما تعيب عنده لوردها كان في ذلك الحاق الضرر بالبائع ولايقال لابد من الحاق الضرر باحدهما فيترجح جانب المشترى في دفع الضرر عنه لان البائع دلس له العيب والمتشرى صار مغرورا من جهته وهذا لان الشرع ينظر لهما جميعا والضرر عن المشترى يندفع إذا أثبتنا له حق الرجوع بحصة العيب من الثمن فان لم يندفع فذلك لعجزه عن الرد كما قبض لا لتصرف يباشره البائع ولو رده تضرر البائع بتصرف يباشره المشترى وهو ردها عليه فكان مراعاة جانب البائع أولى من هذا الوجه وإذا لم يردها رجع بنقصان العيب من الثمن كما بينا إلا ان يرضى البائع بان يردها عليه لان المانع من الرد حق البائع وقد رضي بالتزام هذا الضرر * قال (فان باعها المشترى بعد ما رأى العيب بها وقد وطئها
[ 98 ] أو تعيبت عنده لم يكن له ان يرجع على البائع) بنقصان عيبها لان البائع يقول أنا أقبلها فإنما تعذر الرد ببيع المشترى اياها بعد العلم بالعيب وذلك يمنعه من الرجوع بحصة العيب والاصل في جنس هذا أن في كل موضع يجوز ردها برضا البائع فإذا باعها المشترى لم يكن له أن يرجع بنقصان عيبها وفي كل موضع لم يكن له ان يردها وان رضي البائع فبيعه إياها لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب لان تعذر الرد هنا بمعنى حكمي دون بيع المشترى اياها وفي الاول انما تعذر الرد ببيع المشترى إياها فكأنه حبسها عنده وأراد الرجوع بنقصان العيب وعلى هذا لو اشترى ثوبا فقطعه ولم يخطه حتى رأى به العيب ثم باعه لم يكن له أن يرجع بنقصان العيب لان بعد القطع يجوز رده إذا رضى به البائع وإنما تعذر الرد ببيع المشترى إياه ولو قطعه وخاطه ثم رأى به العيب فباعه كان له ان يرجع بنقصان العيب لان الرد كان متعذرا قبل البيع وان رضى به البائع بصفة الخياطة التى أحدث المشترى فيه وكذلك لو اشترى ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران ثم وجد به عيبا فباعه رجع بنقصان العيب لان الرد كان متعذرا قبل البيع للزيادة الحادثة في الثوب من ملك المشترى ولو صبغه اسود فكذلك الجواب عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان السواد عندهما زيادة وعند أبى حنيفة السواد نقصان كالقطع فانما تعذر الرد ببيعه اياه فلا يرجع بنقصان العيب وقد ذكرنا هذا في كتاب الغصب * قال (ولو وطئها غير المشترى بزنا لم يردها المشترى بالعيب لحدوث العيب بها عنده بالزنا فالزنا عيب في الجارية ولكنه يرجع بنقصان العيب الا أن يقول البائع ردها على وهذا بخلاف مااذا جنى عليها أجنبي فالجناية توجب الارش والارش زيادة منفصلة متولدة من العين حكما وذلك يمنع ردها بالعيب عندنا وان رضى البائع بذلك على ما يذكره وأما الزنا فلا يوجب إلا الحد ووازن الارش النكاح فان المشترى لو زوجها فوطئها الزوج أو لم يطأها ثم وجد بها عيبا لم يكن له أن يردها به لمكان المهر الذي وجب بالنكاح للمشترى وكذلك لو وطئت بالشبهة وأخذ المشترى العقد لم يردها بالعيب بعد ذلك وان رضى البائع به ولكن يرجع بنقصان العيب لان الرد قد تعذر فيدفع الضرر عن المشترى برد حصة العيب من الثمن عليه وكل عيب وجده المشترى في السلعة فعرضها بعد ما رأه على بيع أو اطئها أو قبلها أو لمسها بشهوة أو أجرها أو رهنها أو كاتبها فذلك رضا منه بالعيب وليس له ان يردها ولا يرجع بنقصان عيبها لانه يعرضها على البيع لحاجته إلى ثمنها وذلك دليل الرضا منه بسقوط حقه من
[ 99 ] الثمن المدفوع إلى البائع ودليل الرضا كصريح الرضا وأما الوطئ ودواعيه فلا يحل الا في الملك المتقرر فاقدامه عليه دليل الرضا بتقرر ملكه فيها ولو وجد ذلك قبل العلم بالعيب امتنع ردها بالعيب كان هذا في القياس رضا فبعد العلم بالعيب أولى الا أن قبل العلم بالعيب لم يصر هو راضيا بالعيب فيرجع بالنقصان وبعد العلم بالعيب يصير هو بالاقدام على هذا الفعل راضيا بالعيب ولا يرجع بالنقصان وأما الاجارة والرهن فلانه أوجب هذا التصرف للغير فيها حقا لازما وذلك يعجزه عن ردها فالاقدام عليه دليل الرضا بالعيب والكتابة توجب لها حقا لازما في نفسها وذلك يعجزه عن ردها فالاقدام عليه دليل الرضا بالعيب ودليل الرضا فيما يسقط الخيار كصريح الرضا * قال (ولو استخدمها بعد العلم بالعيب كان هذا في القياس رضا) لانه يستخدمها لملكه فيها فالاقدام عليه دليل الرضا ويتقرر ملكه وفي الاستحسان هذا لا يكون رضا بالعيب لان الناس قد يتوسعون في الاستخدام فقد يستخدم الانسان ملك غيره بأمره وبغير أمره وانما يستخدمها للاختبار انها مع هذا العيب هل تصلح لخدمته ام لا فكان ذلك اختبار الا ختيارا ولو كان ثوبا فلبسه فهو رضا منه لانه تصرف بحكم الملك وقلما يفعله الانسان في ملك غيره فيكون ذلك منه دليل الرضا فيتقرر ملكه وكذلك ان كانت دابة فركبها غير أنى استحسن إذا ركب الدابة ليعلفها أو ليسقيها أو ليردها ان لا يكون هذا رضا منه لانه يحتاج في ردها إلى سوقها وربما لاتنقاد له ما لم يركبها وكذلك في سقيها وعلفها فالركوب لاجله لا يكون دليل الرضا منه وانما دليل الرضا أن يركبها في حاجة نفسه أو يسافر عليها * قال (وإذا ولدت الجارية عند الرجل أو وطئها ثم باعها وكتم ذلك فليس للمشترى أن يردها) لان هذا ليس بعيب لازم لان العيب ما يعده التجار عيبا أو يؤثر نقصانا في المالية وصفة الثيوبة لا يعدها التجار عيبا فالجواري عليها في أغلب أحوالهن والبكارة صفة زائدة لا تستحق الا بالشرط والولادة كذلك فالنقصان الممكن فيها بسببها يزول بمضي المدة وبعد زواله لا أثر له في مالية العين فلا يعده التجار عيبا وفي كتاب المضاربة يقول الجارية إذا ولدت فهذا فيها عيب لازم أبدا فللمشترى ان يردها إذا علم بذلك لانه يدخل عليها بالولادة كسر لا يرتفع ويظهر ذلك في عكن بطنها ولا بأس بأن يبيعها مرابحة بعدما وطئها ان لم يكن الوطئ نقصها لان المعتبر في بيع المرابحة عرف التجار وهم لا يعدون هذا من الخيانة ولان المستوفي بالوطئ ليس بمال وبيع المرابحة يلاقي
[ 100 ] ماليتها فاستيفاء ما ليس بمال منها إذا كان لا يوجب النقصان في ماليتها لا يعتبر في بيع المرابحة بخلاف مااذا كانت بكرا فان الوطئ في هذه الحالة يؤثر نقصانا في ماليتها والنقصان فيها إذا كان بفعل المشترى فذلك يمنعه من أن يبيعها مرابحة * قال (وإذا اشترى جارية فأعتقها أو دبرها أو ولدت له ثم وجد بها عيبا فليس له ان يردها) لبطلان ملكه فيها وخروجها من أن يكون محلا للنقل من ملك إلى ملك وفي القياس ليس له أن يرجع بنقصان العيب لان تعذر الرد كان بفعل المشترى فهو كما لو قبلها وهذا لانه لما اكتسب سببا يتعذر الرد فيه كان حابسا لها حكما فكأنها في يده يحبسها ويريد الرجوع بنقصان العيب وفي الاستحسان يرجع بنقصان عيبها لان ملكه تقرر فيها بما صنع أما التدبير والاستيلاد فلا يزيل الملك ولكنها تخرج من أن تكون محل النقل من ملك إلى ملك وأما العتق فهو منه للملك لان الملك في الآدمى إلى وقت العتق والشئ ينتهى بمضي مدته والمنتهى متقرر في نفسه ولهذا قلنا يثبت الولاء بالعتق والولاء أثر من آثار الملك فبقاؤه كبقاء أصل الملك فمتى تعذر الرد مع بقاء الملك المستفاد بالشراء حقيقة أو حكما يرجع بنقصان العيب لانه استحق ذلك الملك بصفة السلامة كما لو تعيب في يده * يوضحه أنها لو ماتت عنده رجع بنقصان العيب لانه بالموت تنتهى مدة حياته والملك فيها باعتبارها فكذلك بالعتق ينتهى الرق والمالية فيها باعتبارها * وأما إذا قتلها فقد روي عن أبى يوسف انه يرجع بنقصان العيب أيضا لان القتل موت بأجل فكأنها ماتت حتف أنفها وفي ظاهر الرواية قال لا يرجع بعد القتل بنقصان العيب لان القتل فعل مضمون لو باشره في ملك الغير كان موجبا للضمان عليه وانما استفاد البراءة عن الضمان هنا لملكه فيها وذلك في معنى عوض سلم له فكأنه باعها بخلاف العتق فانه ليس بفعل موجب للضمان على الانسان في ملك الغير على الاطلاق لان عتقه في ملك الغير لا ينفذ ومن أحد الشريكين وان نفذ فلا يتعلق به الضمان مطلقا حتى إذا كان معسرا لم يضمن شيأ فهو لم يستفد عوضا عن ملكه حقيقة وحكما وكذلك ان ماتت لانه لم يوجد منه فعل مضمون فيها أما إذا باعها ثم علم بالعيب فيها لم يرجع بنقصان العيب لانه لو خاصم انما يخاصم في عيب ملك الغير ولانه نال العوض حيث باعها بصفة السلامة ولان البيع والتسليم فعل مضمن في ملك الغير فهو بمنزلة القتل والهبة والصدقة في هذا كالبيع لانه أوجب الملك فيها باختياره فيكون قاطعا ملكه الذي استفاده من جهة