انتقل إلى المحتوى

مبسوط السرخسي - الجزء الأول

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 1

[ 1 ] (الجزء الاول من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم (قال الشيخ) الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله ونور ضريحه وهو في الحبس بأوزجند إملاء (الحمد) لله بارئ النسم. ومحيى الرمم ومجزل القسم. مبدع البدائع. وشارع الشرائع. دينا رضيا. ونورا مضيا. لتكليف المحجوجين. ووعد المؤتمرين. ووأد المعتدين. بينة للعالمين. على لسان سيد المرسلين. وامام المتقين. خاتم النبيين. سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الانبياء والمرسلين (وبعد) فان أقوى الفرائض بعد الايمان بالله تعالى طلب العلم كما جاء في الحديث عن النبي أنه قال طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة والعلم ميراث النبوة كما جاء في الحديث أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر * والعلم علمان علم التوحيد والصفات وعلم الفقه والشرائع * فالاصل في علم التوحيد التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة كما كان عليه الصحابة والتابعون والسلف والصالحون رضوان الله عليهم أجمعين الذين أخفاهم التراب. وآثارهم بتصانيفهم باقية في هذا الباب. وقد عزمت على جمع أقاويلهم في تأليف هذا الكتاب تذكرة لاولى الالباب * وأما علم الفقه والشرائع فهو الخير الكثير كما قال الله عزوجل ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه الحكمة معرفة الاحكام من الحلال والحرام * وقد ندب الله تعالى إلى ذلك بقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فقد جعل ولاية الانذار والدعوة للفقهاء. وهذه درجة الانبياء. تركوها ميراثا للعلماء. كما قال عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الانبياء. وبعد انقطاع النبوة. هذه الدرجة أعلى النهاية في القوة. وهو معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام من يرد الله به خيرا يفقهه

[ 3 ] في الدين وقال عليه الصلاة والسلام خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا ولهذا اشتغل به أعلام الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم (وأول) من فرع فيه وألف وصنف سراج الامة أبو حنيفة رحمة الله عليه بتوفيق من الله عزوجل خصه به واتفاق من أصحاب اجتمعوا له كأبى يوسف يعقوب بن إبراهيم بن خنيس الانصاري رحمه الله تعالى المقدم في علم الاخبار. والحسن بن زياد اللؤلؤي المقدم في السؤال والتفريع. وزفر بن الهذيل رحمه الله ابن قيس بن سليم بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عمرو المقدم في القياس. ومحمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى المقدم في الفطنة وعلم الاعراب والنحو والحساب * هذا مع أنه ولد في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ولقى منهم جماعة كأنس ابن مالك وعامر بن الطفيل وعبد الله بن خبر الزبيدى رضوان الله عليهم أجمعين * ونشأ في زمن التابعين رحمهم الله وتفقه وأفتى معهم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام خير القرون قرنى الذين أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد ويحلف قبل أن يستحلف * فمن فرع ودون العلم في زمن شهد رسول الله لاهله بالخير والصدق كان مصيبا مقدما كيف وقد أقر له الخصوم بذلك حتى قال الشافعي رضى الله عنه الناس كلهم عيال على أبى حنيفة رحمه الله في الفقه (وبلغ) ابن سريج رحمه الله وكان مقدما من أصحاب الشافعي رحمه الله أن رجلا يقع في أبى حنيفة رحمه الله فدعاه وقال يا هذا أتقع في رجل سلم له جميع الامة ثلاثة أرباع العلم وهو لا يسلم لهم الربع قال وكيف ذلك قال الفقه سؤال وجواب وهو الذى تفرد بوضع الاسئلة فسلم له نصف العلم ثم اجاب عن الكل وخصومه لا يقولون انه أخطأ في الكل فإذا جعلت ما وافقوه مقابلا بما خالفوه فيه سلم له ثلاثة أرباع العلم وبقى الربع بينه وبين سائر الناس فتاب الرجل عن مقالته (ومن) فرغ نفسه لتصنيف ما فرعه أبو حنيفة رحمه الله محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله فانه جمع المبسوط لترغيب المتعلمين والتيسير عليهم ببسط الالفاظ وتكرار المسائل في الكتب ليحفظوها شاؤا أو أبوا إلى أن رأى الحاكم الشهيد أبو الفضل محمد بن أحمد المروزى رحمه الله اعراضا من بعض المتعلمين عن قراءة المبسوط لبسط في الالفاظ وتكرار في المسائل فرأى الصواب في تأليف المختصر بذكر معاني كتب محمد ابن الحسن رحمه الله المبسوطة فيه وحذف المكرر من مسائلة ترغيبا للمقتبسين ونعم ما صنع

[ 4 ] (قال الشيخ الامام) رحمه الله تعالى ثم انى رأيت في زماني بعض الاعراض عن الفقه من الطالبين لاسباب. فمنها قصور الهمم لبعضهم حتى اكتفوا بالخلافيات من المسائل الطوال. ومنها ترك النصيحة من بعض المدرسين بالتطويل عليهم بالنكات الطردية التى لافقه تحتها. ومنها تطويل بعض المتكلمين بذكر ألفاظ الفلاسفة في شرح معاني الفقه وخلط حدود كلامهم بها (فرأيت) الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب وقد انضم إلى ذلك سؤال بعض الخواص من أصحابي زمن حبسي. حين ساعدوني لانسى. أن أملى عليهم ذلك فأجبتهم إليه (وأسأل) الله تعالى التوفيق للصواب. والعصمة عن الخطأ وما يوجب العقاب. وأن يجعل ما نويت فيما أمليت سببا لخلاصي في الدنيا ونجاتي في الآخرة انه قريب مجيب (ثم انه بدأ بكتاب الصلاة) لان الصلاة من أقوى الاركان بعد الايمان بالله تعالى قال الله تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وقال عليه الصلاة والسلام الصلاة عماد الدين فمن أراد نصب خيمة بدأ بنصب العماد والصلاة من أعلى معالم الدين ما خلت عنها شريعة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد سمعت شيخنا الامام الاستاذ شمس الائمة الحلواني رحمه الله تعالى يقول في تأويل قوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى أي لانى ذكرتها في كل كتاب منزل على لسان كل نبى مرسل وفى قوله عزوجل ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ما يدل على وكادتها. فحين وقعت بها البداية. دل على أنها في القوة بأعلى النهاية. وفي اسم الصلاة ما يدل على أنها ثانية الايمان فالمصلى في اللغة هو التالى للسابق في الخيل قال القائل ولا بدلى من أن أكون مصليا * إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق وفي رواية * أما كنت ترضى أن أكون مصليا * والصلاة في اللغة عبارة عن الدعاء والثناء قال الله تعالى وصلى عليهم ان صلاتك سكن لهم أي دعاءك وقال القائل وقابلها الريح في دنها * وصلى على دنها وارتسم أي دعا وأثنى على دنها * وفى الشريعة عبارة عن أركان مخصوصة كان فيها الدعاء أو لم يكن

[ 5 ] فالاسم شرعى ليس فيه معنى اللغة فالدلائل من الكتاب والسنة على فرضيتها مشهورة يكثر تعدادها (ثم بدأ بتعليم الوضوء) فقال (إذا أراد الرجل الصلاة فليتوضأ) وهذا لان الوضوء مفتاح الصلاة قال مفتاح الصلاة الطهور ومن أراد دخول بيت مغلق بدأ بطلب المفتاح وانما فعل محمد رحمه الله ذلك اقتداء بكتاب الله تعالى فانه امام المتقين قال الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم فاقتدى بالكتاب في البداية بالوضوء لهذا وفى ترك الاستثناء هاهنا وذكره في الحج كما قال الله لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين وفي اضمار الحدث فانه مضمر في الكتاب ومعنى قوله إذا قمتم إلى الصلاة من منامكم أو وأنتم محدثون هذا هو المذهب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله فأما على قول اصحاب الظواهر فلا اضمار في الآية * والوضوء فرض سببه القيام إلى الصلاة فكل من قام إليها فعليه ان يتوضأ وهذا فاسد لما روى أن النبي كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح أو يوم الخندق صلى الخمس بوضوء واحد فقال له عمر رضى الله عنه رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله من قبل فقال عمدا فعلت يا عمر كى لا تحرجوا فقياس مذهبهم يوجب أن من جلس فتوضأ ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر فلا يزال كذلك مشغولا بالوضوء لا يتفرغ للصلاة وفساد هذا لا يخفى على أحد * قال (وكيفية الوضوء أن يبدأ فيغسل يديه ثلاثا) لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده ولانه انما يطهر أعضاءه بيديه فلا بد من أن يطهرهما أولا بالغسل حتى يحصل بهما التطهير * ثم الوضوء على الوجه الذى ذكره محمد رحمة الله عليه في الكتاب رواه حمران عن أبان عن عثمان رضى الله عنه أنه توضأ بالمقاعد ثم قال من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله فهذا وضوءه وذكر أهل الحديث أنه مسح برأسه وأذنيه ثلاثا (قال) أبو داود في سننه والصحيح من حديث عثمان رضى الله تعالى عنه أنه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة وعلم أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه الناس الوضوء على منبر رسول الله بهذه الصفة ورواه عبد خير عن على رضى الله عنه أنه توضأ في رحبة الكوفة بعد صلاة الفجر بهذه الصفة ثم قال من سره أن ينظر إلى وضوء

[ 6 ] رسول الله فلينظر إلى وضوئي هذا واختلفت الروايات في حديثه في المسح بالرأس فروى ثلاثا وروى مرة فبهذه الآثار أخذ علماؤنا رحمهم الله وقالوا الافضل أن يتمضمض ثلاثا ثم يستنشق ثلاثا (وقال) الشافعي رضى الله عنه الافضل ان يتمضمض ويستنشق بكف ماء واحد لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد وله تأويلان عندنا. أحدهما أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما فعل في غسل الوجه. والثانى أنه فعلهما باليد اليمنى فيكون ردا على قول من يقول يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى لان الانف موضع الاذى كموضع الاستنجاء * قال (ثم يغسل وجهه ثلاثا) وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى الاذنين لان الوجه اسم لما يواجه الناظر إليه غير أن ادخال الماء في العينين ليس بشرط لان العين شحم لا يقبل الماء وفيه حرج أيضا فمن تكلف له من الصحابة رضوان الله عليهم كف بصره في آخر عمره كابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم والرجل الامرد والملتحي والمرأة في ذلك سواء الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله قال في حق الملتحى لا يلزمه ايصال الماء إلى البياض الذى بين العذار وبين شحمة الاذن هذه العبارة أصح فان الشيخ الامام رحمه الله جعل العذار اسما لذلك البياض وليس كذلك بل العذار اسم لموضع نبات الشعر وهو غير البياض الذى بين الاذن ومنبت الشعر قال لان البشرة التى نبت عليها الشعر لا يجب ايصال الماء إليها فما هو أبعد أولى لكن الصحيح من المذهب أنه يجب امرار الماء على ذلك الموضع لان الموضع الذى نبت عليه الشعر قد استتر بالشعر فانتقل الفرض منه إلى ظاهر الشعر فأما العذار الذى لم ينبت عليه الشعر فالامرد والملتحي فيه سواء ويجب ايصال الماء إليه بصفة الغسل وانه لا يحصل الا بتسييل الماء عليه * وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله أن في المغسولات إذا بله بالماء سقط به الفرض وهذا فاسد لانه حد المسح فأما الغسل فهو تسييل الماء على العين وازالة الدرن عن العين قال القائل فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها * واذ هي تذرى دمعها بالانامل (ثم يغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا) وانما لم يقل يديه لانه في الابتداء قد غسل يديه ثلاثا وانما بقى غسل الذراعين إلى المرفقين والمرفق يدخل في فرض الغسل عندنا وكذلك الكعبان وقال زفر رحمه الله لايدخل لانه غاية في كتاب الله تعالى والغاية حد فلا يدخل تحت

[ 7 ] المحدود اعتبارا بالممسوحات واستدلالا بقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل والذى يروى أن النبي غسل المرافق فمحمول على اكمال السنة دون اقامة الفرض * ولنا أن من الغايات ما يدخل ويكون حرف إلى فيه بمعنى مع قال الله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي مع أموالكم فكان هذا مجملا في كتاب الله بينه رسول الله بفعله فانه توضأ وأدار الماء على مرافقه ولم ينقل عنه ترك غسل المرافق في شئ من الوضوء فلو كان ذلك جائزا لفعله مرة تعليما للجواز. ثم ان الاصل أن ذكر الغاية متى كان لمد الحكم إلى موضع الغاية لم يدخل فيه الغاية كما في الصوم فانه لو قال ثم أتموا الصيام اقتضى صوم ساعة ومتى كان ذكر الغاية لاخراج ما وراء الغاية يبقى موضع الغاية داخلا وهاهنا ذكر الغاية لاخراج ما وراء الغاية فانه لو قال وأيديكم اقتضى غسل اليدين الي الآباط كما فهمت الصحابة رضوان الله عليهم ذلك في آية التيمم في الابتداء فذكر الغاية لاخراج ما وراء الغاية فيبقى المرفق داخلا (ثم يمسح برأسه وأذنيه مرة واحدة) وتمام السنة في أن يستوعب جميع الرأس بالمسح كما رواه عبد الله بن زيد أن النبي مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر والبداية على ما ذكره هشام عن محمد من الهامة إلى الجبين ثم منه إلى القفا والذى عليه عامة العلماء رحمهم الله البداية من مقدم الرأس كما في المغسولات البداية من أول العضو * والمسنون في المسح مرة واحدة بماء واحد عندنا وفى المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله ثلاث مرات بماء واحد (وقال) الشافعي رضى الله تعالى عنه السنة أن يمسح ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ذكره في شرح المجرد لابن شجاع رحمه الله ووجهه الحديث المشهور أن النبي توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلى فينصرف هذا اللفظ إلى الممسوح والمغسول جميعا ولانه ركن هو أصل في الطهارة بالماء فيكون التكرار فيه مسنونا كالمغسولات بخلاف المسح بالخف فانه ليس بأصل وبخلاف التيمم فانه ليس بطهارة بالماء ويلحقه الحرج في تكرار استعمال التراب من حيث تلويث الوجه وذلك الحرج معدوم في الطهارة بالماء (ولنا) حديث البراء بن عازب رضى الله تعالى عنه فانه قال لاصحابه في مرضه انى مفارقكم عن قريب أفلا أعلمكم وضوء رسول الله فقالوا نعم فتوضأ ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة

[ 8 ] وانما كان ينقل في مثل هذه الحالة ما واظب عليه رسول الله . ثم هذا ممسوح في الطهارة فلا يكون التكرار فيه مسنونا كالمسح بالخف والتيمم. وتأثيره أن الاستيعاب في الممسوح بالماء ليس بفرض حتى يجوز الاكتفاء بمسح بعض الرأس. وبالمرة الواحدة مع الاستيعاب يحصل اقامة السنة والفريضة فلا حاجة إلى التكرار بخلاف المغسولات فان الاستيعاب فيها فرض فلابد من التكرار ليحصل به اقامة السنة ومعنى الحرج متحقق هاهنا ففى تكرار بل الرأس بالماء افساد العمامة ولهذا اكتفي في الرأس بالمسح عن الغسل. ووجه رواية المجرد حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء أن النبي توضأ ومسح برأسه وأذنيه ثلاث مرات بماء واحد والكلام في مسح الاذنين مع الرأس يأتي بيانه في موضعه من الكتاب * قال (ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا) ومن الناس من قال وظيفة الطهارة في الرجل المسح وقال الحسن البصري رحمه الله المضرور يتخير بين المسح والغسل وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال نزل القرآن بغسلين ومسحين يريد به القراءة بالكسر في قوله تعالى وأرجلكم إلى الكعبين فانه معطوف على الرأس وكذلك القراءة بالنصب عطف على الرأس من حيث المحل فان الرأس محله من الاعراب النصب وانما صار مخفوضا بدخول حرف الجر وهو كقول القائل معاوى اننا بشر فاسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا (ولنا) أن النبي واظب على غسل الرجلين وبه أمر من علمه الوضوء ورأى رجلا يلوح عقبه فقال ويل للاعقاب من النار وفى رواية ويل للعراقيب من النار وكذلك القراءة بالنصب تنصيص علي الامر بالغسل وانه عطف على اليد لان العطف على المحل لا يجوز في موضع يؤدي إلى الالتباس انما ذلك في موضع لا يؤدي إلى الاشتباه كما في البيت والقراءة بالخفض عطف على الايدى أيضا وانما صار مخفوضا بالمجاورة كما يقال جحر ضب خرب وماء شن بارد أي خرب وبارد (فان قيل) الاتباع بالمجاورة مع حرف العطف لم تتكم به العرب (قلنا) لا كذلك بل جوزوا الاتباع في الفعل مع حرف العطف قال القائل * علفتها تبنا وماء باردا * والماء لا يعلف ولكنه اتباع للمجاورة وكذلك في الاعراب قال جرير فهل أنت ان ماتت أتانك راحل * إلى آل بسطام بن قيس فحاطب

[ 9 ] أي فخاطب جوز الاتباع مع حرف العطف وهو الفاء * وأما الكعب فهو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق وهو المفهوم في اللسان إذا قيل ضرب كعب فلان وقال عليه الصلاة والسلام الصقوا الكعاب بالكعاب في الصلاة وفى قوله إلى الكعبين دليل على هذا لان ما يوحد من خلق الانسان يذكر تثنيته بعبارة الجمع كما قال تعالى ان تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي قلباكما وما كان مثنى يذكر تثنيته بعبارة التثنية فلما قال إلى الكعبين عرفنا أنه مثنى في كل رجل وذلك العظم الناتئ. وروى هشام عن محمد رحمه الله أنه قال المفصل الذى في وسط القدم عند معقد الشراك ووجهه أن الكعب اسم للمفصل ومنه كعوب الرمح أي مفاصله والذى في وسط القدم مفصل وهو المتيقن به وهذا سهو من هشام لم يرد محمد رحمه الله تعالى تفسير الكعب بهذا في الطهارة وانما أراد في المحرم إذا لم يجد نعلين انه يقطع خفيه أسفل من الكعبين وفسر الكعب بهذا فأما في الطهارة فلا شك انه العظم الناتئ كما فسره في الزيادات فان توضأ مثنى مثنى أجزأه وان توضأ مرة سابغة أجزأه وتفسير السبوغ التمام وهو أن يمر الماء على كل جزء من المغسولات جاء في حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي توضأ فغسل وجهه ثلاثا وذراعيه مرتين. وعبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان كثيرا ما يتوضأ مرة مرة. والاصل فيه ما رواه ابن عمر رضى الله عنه أن النبي توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة الا به ثم توضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الاجر مرتين ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلى ووضوء خليل الله إبراهيم عليه السلام فمن زاد أو نقص فقد تعدى وظلم أي زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها أو زاد على الحد المحدود أو نقص عنه أو زاد على الثلاث معتقدا ان كمال السنة لا يحصل بالثلاث فأما إذا زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو بنية وضوء آخر فلا بأس به لان الوضوء على الوضوء نور على نور يوم القيامة وقد أمر بترك ما يريبه إلى مالا يريبه. ولم يذكر الا ستنجاء بالماء هنا لان مقصوده تعليم الوضوء عند القيام من المنام وليس فيه استنجاء ولان الاستنجاء بالماء بعد الانقاء بالحجر ليس من السنن الراتبة * وكان الحسن البصري رحمه الله يقول ان هذا شئ أحدث بعد انقضاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم وربما قال هو طهور النساء والمذهب أنه ليس من السنن الراتبة بل لاكتساب زيادة الفضيلة جاء في

[ 10 ] الحديث أنه لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال عليه الصلاة والسلام لاهل قباء ما هذه الطهرة التى خصصتم بها فقالوا انا كنا نتبع الاحجار الماء فقال هو ذاك. ولم يذكر فيه مسح الرقبة. وبعض مشايخنا يقول انه ليس من أعمال الوضوء والاصح أنه مستحسن في الوضوء. قال ابن عمر رضى الله عنهما امسحوا رقابكم قبل أن تغل بالنار. ولم يذكر تحريك الخاتم ولا نزعه * وذكر أبو سليمان عن محمد رحمه الله أن نزع الخاتم في الوضوء ليس بشئ والحاصل أنه ان كان واسعا يدخله الماء فلا حاجه إلى النزع والتحريك وان كان ضيقا لايدخل الماء تحته فلا بد من تحريكه. وفى التيمم لابد من نزعه ولو لم يفعل لا تجزئه صلاته * ثم سنن الوضوء وأدابه فرقها محمد رحمه الله تعالى في الكتاب فنذكر كل فصل في موضعه ان شاء الله تعالى تحرزا عن التطويل (كيفية الدخول في الصلاة) قال (إذا أراد الرجل الدخول في الصلاة كبر ورفع يديه حذاء أذنيه) وظن بعض أصحابنا رحمهم الله أنه لم يذكر النية وليس كما ظنوا فان ارادة الدخول في الصلاة هي النية والنية لابد منها لقوله عليه الصلاة والسلام ان الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقال عليه الصلاة والسلام الاعمال بالنيات والنية معرفة بالقلب أي صلاة يصلى وحكى عن الشافعي رحمه الله أنه قال مع هذا في الفرائض يحتاج إلى نية الفرض وهذا بعيد فانه إذا نوى الظهر فقد نوى الفرض فالظهر لا يكون الا فرضا فان كان منفردا أو إماما فحاجته إلى نية ماهية الصلاة. وان كان مقتديا احتاج مع ذلك إلى نية الاقتداء وان نوى صلاة الامام جاز عنهما. وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله يحتاج إلى نية الكعبة أيضا. والصحيح أن استقباله إلى جهة الكعبة يغنيه عن نيتها. والافضل أن تكون نيته مقارنة للتكبير فان نوى قبله حين توضأ ولم يشتغل بعده بعمل بقطع نيته جاز عندنا وهو محفوظ عن أبى يوسف ومحمد جميعا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله قال الحاجة إلى النية ليكون عمله عن عزيمة واخلاص وذلك عند الشروع فيها ونحن هكذا نقول ولكن يجوز تقديم النية ويجعل ما قدم من النية إذا لم يقطعه بعمل كالقائم عند الشروع حكما كما في الصوم. وكان محمد بن سليمان البلخي يقول إذا كان عند الشروع بحيث لو سئل أي صلاة يصلى أمكنه أن يجيب على البديهة من غير تفكر فهو نية كاملة تامة والتكلم بالنية لا معتبر به فان

[ 11 ] فعله ليجتمع عزيمة قلبه فهو حسن * وأما التكبير فلا بد منه للشروع في الصلاة الا على قول أبى بكر الاصم واسماعيل بن علية فانهما يقولان يصير شارعا بمجرد النية. والاذكار عندهما كالتكبير والقراءة (1) ونية الصلاة ليست من الواجبات قالا لان مبنى الصلاة على الافعال لا على الاذكار ألا ترى أن العاجز عن الاذكار القادر على الافعال يلزمه الصلاة بخلاف العاجز عن الافعال القادر على الاذكار * ولنا قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى أي ذكر اسم الله عند افتتاح الصلاة وظاهر قوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى يبين أن المقصود ذكر الله تعالى على وجه التعظيم فيبعد أن يقال ما هو المقصود لا يكون واجبا وهذا المعنى فان الصلاة تعظيم بجميع الاعضاء وأشرف الاعضاء اللسان فلا بد من أن يتعلق به شئ من أركان الصلاة. وقال عليه الصلاة والسلام وتحريمها التكبير فدل أن بدونه لا يصير شارعا وتحريمة الصلاة تتناول اللسان ألا ترى أن الكلام مفسد للصلاة ولو لم يتناوله التحريم لم يكن مفسدا كالنظر بالعين ومبنى الصلاة على الافعال دون الكف فكل ما يتناوله التحريم يتعلق به شئ من أركان الصلاة * فأما رفع اليدين عند التكبير فهو سنة لان النبي عليه الصلاة والسلام علم الاعرابي الصلاة ولم يذكر له رفع اليد لانه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليد عند التكبير فدل أنه سنة والمروى عن أبى يوسف رحمه الله أنه ينبغى أن يقرن التكبير برفع اليدين والذى عليه أكثر مشايخنا أنه يرفع يديه أولا فإذا استقرتا في موضع المحاذاة كبر لان في فعله وقوله معنى النفى والاثبات فانه برفع اليد ينفي الكبرياء عن غير الله تعالى وبالتكبير يثبته لله تعالى فيكون النفى مقدما على الاثبات كما في كلمة الشهادة. ولا يتكلف للتفريق بين الاصابع عند رفع اليد والذى روى عن النبي أنه كبر ناشرا اصابعه معناه ناشرا عن طيها بأن لم يجعله مثنيا بضم الاصابع إلى الكف * والمسنون عندنا أن يرفع يديه حتى يحاذي ابهاماه شحمتي أذنيه ورؤس أصابعه فروع أذنيه وهو قول أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه وعند الشافعي رحمه الله المسنون أن يرفع يديه إلى منكبيه وهو قول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما واحتج بحديث أبى حميد الساعدي رضى الله عنه انه كان في عشرة من أصحابه فقال الا اخبركم بصلاة رسول الله فقالوا نعم فقال كان رسول الله

(1) قوله والقراءة الخ لعله لا القراءة ونية الصلاة اه‍ مصححه

[ 12 ] إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه * ولنا حديث وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه أن النبي كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه والمصير إلى هذا أولى لان فيه اثبات الزيادة. وتأويل حديثهم أنه كان عند العذر في زمن البرد حين كانت أيديهم تحت ثيابهم. والمعنى ان خلف الامام أعمى وأصم فأمر بالجهر بالتكبير ليسمع الاعمى وبرفع اليدين ليرى الاصم فيعلم دخوله في الصلاة وهذا المقصود انما يحصل إذا رفع يديه إلى أذنيه * وكان طاوس رحمه الله يرفع يديه فوق رأسه ولا نأخذ بهذا لما روى أن النبي رأى رجلا قد شخص ببصره إلى السماء ورفع يديه فوق رأسه فقال له عليه الصلاة والسلام غض بصرك فانك لن تراه وكف يدك فانك لن تناله. ولا يطأطئ رأسه عند التكبير ذكره في كتاب الصلاة للحسن بن زياد رحمه الله وقال فيه التزاوج بين القدمين في القيام أفضل من أن ينصبهما نصبا. ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. جاء عن الضحاك رحمه الله في تفسير قوله تعالى فسبح بحمد ربك حين تقوم انه قول المصلى عند الافتتاح سبحانك اللهم وبحمدك وروى هذا الذكر عن رسول الله عمر وعلى وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهم أنه كان يقوله عند افتتاح الصلاة ولم يذكر وجل ثناؤك لانه لم ينقل في المشاهير. وذكر محمد رحمه الله في كتاب الحج عن أهل المدينة ويقول المصلى أيضا وجل ثناؤك وعن أبى يوسف في الامالي قال أحب الي أن يزيد في الافتتاح وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين لحديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبي كان يقول عند افتتاح الصلاة وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا إلى آخره والشافعي رضى الله تعالى عنه يقول بهذا ويزيد عليه أيضا ما رواه علي رضى الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال اللهم انى ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي مغفرة من عندك وتب على انك أنت التواب الرحيم وفى بعض الروايات اللهم أنت الملك لا اله الا انت ربى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوءلك بنعمتك وأبوء لك بذنبى فاغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب الا أنت واهدنى لاحسن الاخلاق انه لا يهدى لاحسنها الا أنت واصرف عنى سيئها فانه لا

[ 13 ] يصرف عنى سيئها الا انت أنابك ولك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب اليك فتأويل هذا كله عندنا أنه كان في التهجد بالليل والامر فيه واسع فأما في الفرائض فانه لا يزيد على ما اشتهر فيه الاثر. ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه لما روى أن أبا الدرداء رضى الله تعالى عنه قام ليصلى فقال له النبي تعوذ بالله من شياطين الانس والجن. والذين نقلوا صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ذكروا تعوذه بعد الافتتاح قبل القراءة ولان من أراد قراءة القرآن ينبغى له أن يتعوذ لقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وأصحاب الظواهر أخذوا بظاهر الآية وقالوا نتعوذ بعد القراءة لان الفاء للتعقيب ولكن هذا ليس بصحيح لان هذه الفاء عندنا للحال كما يقال إذا دخلت على السلطان فتأهب أي إذا أردت الدخول عليه فتأهب فكذا معنى الآية إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ. بيانه في حديث الافك أن النبي لما كشف الرداء عن وجهه فقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم الايات. وبظاهر الآية قال عطاء الاستعاذة تجب عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وهو مخالف لاجماع السلف فقد كانوا مجمعين على أنه سنة * وبين القراء اختلاف في صفة التعوذ فاختيار أبى عمرو وعاصم وابن كثير رحمهم الله اعوذ بالله من الشيطان الرجيم زاد حفص من طريق هبيرة أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان واختيار نافع وابن عامر والكسائي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم واختيار حمزة الزيات أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو قول محمد بن سيرين وبكل ذلك ورد الاثر. وانما يتعوذ المصلى في نفسه إماما كان أو منفردا لان الجهر بالتعوذ لم ينقل عن رسول الله ولو كان يجهر به لنقل نقلا مستفيضا والذى روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه جهر بالتعوذ تأويله أنه كان وقع اتفاقا لا قصدا أو قصد تعليم السامعين أن المصلى ينبغي أن يتعوذ كما نقل عنه الجهر بثناء الافتتاح. فأما المقتدى فلا يتعوذ عند محمد رحمه الله لانه لا يقرأ خلف الامام فلا يتعوذ حتى أن المسبوق إذا قام لقضاء ما سبق به حينئذ يتعوذ في احدى الروايتين عن محمد. وعن أبي يوسف يتعوذ المقتدى فان التعوذ عنده بمنزلة الثناء لما يأتي بيانه في باب العيدين. والتعوذ عند افتتاح الصلاة خاصة الا على قول ابن سيرين رحمه الله فانه يقول يتعوذ في كل ركعة كما يقرأ وهذا فاسد

[ 14 ] فان الصلاة واحدة فكما لا يؤتى لها الا بتحريمة واحدة فكذا التعوذ والله أعلم * قال ولا يرفع يديه في شئ من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الافتتاح) وقال الشافعي يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع ومن الناس من يقول وعند السجود وعند رفع الرأس منه يرفع اليدين أيضا قالوا قد صح أن النبي كان يرفع يديه عند كل تكبيرة فمن ادعى النسخ فعليه اثباته * وفي المسألة حكاية فان الاوزاعي لقى أبا حنيفة رحمهم الله في المسجد الحرام فقال ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع وقد حدثنى الزهري عن سالم عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم ان النبي كان يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى حدثنى حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبي كان يرفع يديه عند تكبيره الاحرام ثم لا يعود فقال الاوزاعي عجبا من أبى حنيفة أحدثه بحديث الزهري عن سالم وهو يحدثني بحديث حماد عن إبراهيم عن علقمة فرجح حديثه بعلو اسناده فقال أبو حنيفة أما حماد فكان أفقه من الزهري وأما إبراهيم فكان أفقه من سالم ولولا سبق ابن عمر رضى الله عنه لقلت بأن علقمة أفقه منه وأما عبد الله فرجح حديثه بفقه رواته وهو المذهب لان الترجيح بفقه الرواة لا بعلو الاسناد فالشافعى اعتمد حديث ابن عمر رضى الله عنه وقال تكبير الركوع يؤتى به حالة القيام فليسن رفع اليد عنده كتكبيرة الافتتاح ألا ترى أنه محسوب من تكبيرات العيد ورفع اليد مسنون في تكبيرات العيد فكذا هذا * ولنا أن الآثار لما اختلفت في فعل رسول الله يتحاكم إلى قوله وهو الحديث المشهور ان النبي قال لاترفع الايدى الا في سبع مواطن عند افتتاح الصلاة وفى العيدين والقنوت في الوتر وذكر أربعة في كتاب المناسك وحين رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم يرفعون أيديهم في بعض أحوال الصلاة كره ذلك فقال مالى أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكتوا وفى رواية قاروا في الصلاة والمعنى فيه أن هذا التكبيرة يؤتى به في حال الانتقال فلا يسن رفع اليد عنده كتكبيرة السجود وفقهه ما بينا أن المقصود من رفع اليد اعلام الاصم الذى خلفه وهذا انما يحتاج إليه في التكبيرات التى يؤتى بها في حالة الاستواء كالتكبيرات الزوائد في العيدين وتكبير القنوت ولا حاجة إليه فيما يؤتى به في حالة الانتقال فان الاصم

[ 15 ] يراه ينحط للركوع فلا حاجة إلى الاستدلال برفع اليد (ثم يفتتح القراءة ويخفى ببسم الله الرحمن الرحيم) فقد أدخل التسمية في القراءة بهذا اللفظ وهذا إشارة إلى انها من القرآن وكان مالك رحمه الله تعالى يقول لا يأتي المصلى بالتسمية لاسرا ولا جهرا لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين * ولنا حديث أنس قال صليت خلف رسول الله وخلف أبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم وتأويل حديث عائشة رضى الله عنها انه كان يخفى التسمية وهو مذهبنا وهو قول علي وابن مسعود * وقال الشافعي رحمه الله يجهر بها الامام في صلاة الجهر وهو قول ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهما وعن عمر فيه روايتان واحتج بحديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي كان يجهر بالتسمية ولما صلى معاوية بالمدينة ولم يجهر بالتسمية أنكروا عليه وقالوا أسرقت من الصلاة أين التسمية فدل أن الجهر بها كان معروفا عندهم * ولنا حديث عبد الله بن المغفل رضى الله تعالى عنه انه سمع ابنه يجهر بالتسمية في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال يا بني اياك والحدث في الاسلام فانى صليت خلف رسول الله وخلف أبي بكر وعمر رضى الله عنهما فكانوا لا يجهرون بالتسمية وهكذا روى عن أنس رضى الله تعالى عنه. والمسألة في الحقيقة تنبنى على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا وهو قول الحسن رحمه الله فانه كان يعد إياك نعبد وإياك نستعين آية * وقال الشافعي رحمه الله التسمية آية من أول الفاتحة قولا واحدا وله في أوائل السور قولان * وكان ابن المبارك يقول التسمية آية من أول كل سورة حتى قال من ختم القرآن وترك التسمية فكأنما ترك مائة وثلاث عشرة آية أو مائة وأربع عشرة آية والشافعي رحمه الله ربما احتج بحديث أبي الجوزاء عن عائشة رضى الله عنها أنه قرأ الفاتحة فقال بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية ثم قال الحمد لله رب العالمين وعدها اية ولانها مكتوبة في المصاحف بقلم الوحي لمبدأ الفاتحة وكل سورة وقد أمرنا بتجريد القرآن في المصاحف من النقط والتعاشير ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات ولا تكون سبع ايات الا بالتسمية وقول من يقول اياك نعبد آية واياك نستعين آية ضعيف تشهد المقاطع بخلافه * ولنا حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال يقول الله تعالى قسمت الصلاة بينى

[ 16 ] وبين عبدى نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدى وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدنى عبدى وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى أثنى على عبدى وإذا قال اياك نعبد واياك نستعين قال الله تعالى هذا بينى وبين عبدى نصفين ولعبدي ما سأل فالبداءة بقوله الحمد لله رب العالمين دليل على ان التسمية ليست باية من أول الفاتحة إذ لو كانت آية من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة فانه يكون في النصف الاول أربع آيات الا نصفا وقد نص على المناصفة والسلف اتفقوا على ان سورة الكوثر ثلاث آيات وهي ثلاث آيات بدون التسمية ولان أدنى درجات اختلاف الاخبار والعلماء إيراث الشبهة والقرآن لا يثبت مع الشبهة فان طريقه طريق اليقين والاحاطة (وعن) معلى قال قلت لمحمد التسمية آية من القرآن أم لا قال ما بين الدفتين كله قرآن قلت فلم لم تجهر فلم يجبنى فهذا عن محمد بيان أنها آية أنزلت للفصل بين السور لامن أوائل السور ولهذا كتبت بخط على حدة وهو اختيار أبى بكر الرازي رحمه الله حتى قال محمد رحمه الله يكره للحائض والجنب قراءة التسمية على وجه قراءة القرآن لان من ضرورة كونها قرآنا حرمة قراءتها على الحائض والجنب وليس من ضرورة كونها قرآنا الجهر بها كالفاتحة في الاخرتين ودليل هذا ماروى ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لعثمان لم لم تكتب التسمية بين التوبة والانفال قال لان التوبة من آخر ما نزل فرسول الله توفى ولم يبين لنا شأنها فرأيت أوائلها يشبه أواخر الانفال فألحقتها بها فهذا بيان منهما انها كتبت للفصل ببن السور * وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمة الله عليهما أن المصلى يسمى في أول صلاته ثم لا يعيد لانها لافتتاح القراءة كالتعوذ (وروى) المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يؤتى بها في أول كل ركعة وهو قول أبى يوسف رحمه الله وهو أقرب الي الاحتياط لاختلاف العلماء والآثار في كونها آية من الفاتحة (وروى) ابن أبى رجاء عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال إذا كان يخفى القراءة يأتي بالتسمية بين السورة والفاتحة لانه أقرب إلى متابعة المصحف وإذا كان يجهر لا يأتي بها بين السورة والفاتحة لانه لو فعل لاخفى بها فيكون ذلك سكتة له في وسط القراءة ولم ينقل ذلك مأثورا * ثم قال (ويجهر الامام في صلاة الجهر ويخافت في صلاة المخافتة) وهي الظهر والعصر وكان ابن عباس رضى الله عنه يقول لا قراءة في هاتين الصلاتين لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة والدليل على فساد

[ 17 ] هذا القول قوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة الا بقراءة. وقيل لخباب بن الارت رضى الله تعالى عنه بم عرفتم قراءة رسول الله في صلاة الظهر والعصر قال باضطراب لحيته وقال قتادة رضى الله عنه كان رسول الله يسمعنا الاية والآيتين في صلاة الظهر أحيانا (وقال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه سجد رسول الله في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة وقد كان النبي في الابتداء يجهر بالقرآن في الصلاة كلها وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل ومن أنزل عليه فأنزل الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر لانهم كانوا مستعدين للاذي في هذين الوقتين ويجهر في صلاة المغرب لانهم كانوا مشغولين بالاكل وفى صلاة العشاء والفجر لانهم كانوا نياما ولهذا جهر في الجمعة والعيدين لانه أقامها بالمدينة وما كان للكفار بها قوة الاذى. وقد صح رجوع ابن عباس رضى الله عنه عن هذا القول فان رجلا سأله أأقرأ خلف امامى فقال أما في الظهر والعصر فنعم وتأويل قوله عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة ونحن نقول به * وحد القراءة في هاتين الصلاتين أن يصحح الحروف بلسانه على وجه يسمع من نفسه أو يسمع منه من قرب أذنه من فيه فأما ما دون ذلك فيكون تفكرا ومجمجة لا قراءة فان كان وحده يخافت في هاتين الصلاتين كالامام فاما في صلاة الجهر فيتخير فان شاء خافت لان الجهر لاسماع من خلفه وليس خلفه أحد وان شاء جهر وهو أفضل لانه يكون مؤديا صلاته على هيئة الصلاة بالجماعة والمنفرد مندوب إلى هذا وكذلك في التهجد بالليل ان شاء خافت وان شاء جهر وهو أفضل لما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي في تهجده كان يؤنس اليقظان ولا يوقظ الوسنان. ومر النبي بأبى بكر وهو يتهجد ويخفي بالقراءة وبعمر وهو يجهر بالقراءة وببلال وهو ينتقل من سورة إلى سورة فلما أصبحوا سأل كل واحد منهم عن حاله فقال أبو بكر رضى الله عنه كنت أسمع من أناجيه وقال عمر رضى الله عنه كنت أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان وقال بلال رضى الله عنه كنت أنتقل من بستان إلى بستان فقال لابي بكر ارفع من صوتك قليلا ولعمر اخفض من صوتك قليلا ولبلال إذا ابتدأت سورة فأتمها وكان ابن ليلى رحمه الله يقول يتخير الامام في التسمية بين الجهر والمخافتة وهذا مذهبه في كل ما اختلف فيه الاثر كرفع اليد عند الركوع وتكبيرات العيد ونحوها

[ 18 ] يستدل بما روى عن النبي قال من استجمر فليوتر من فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج وهذا ضعيف فان آخر الفعلين يكون ناسخا لاولهما والقول بالتخيير بين الناسخ والمنسوخ عملا لا يجوز * قال (والقراءة في الركعتين الاوليين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة وفى الاخيرتين بفاتحة الكتاب) وان تركها جاز والمذهب عندنا ان فرض القراءة في الركعتين من كل صلاة. وكان الحسن البصري يقول في ركعة واحدة وكان مالك يقول في ثلاث ركعات والشافعي رضى الله تعالى عنه يقول في كل ركعة واستدل الحسن البصري بقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة الا بقراءة وهذا يقتضى فرضية القراءة لاتكرارها فان الكل صلاة واحدة وهذا ضعيف فانه لم ينقل عن النبي الاكتفاء بالقراءة في ركعة واحدة في شئ من الصلوات ولو جاز ذلك لفعله مرة تعليما للجواز وقد سمى الله تعالى الفاتحة مثانى لانها تثنى في كل صلاة أي تقرأ مرتين والشافعي رضى الله عنه احتج فقال أجمعنا على فرضية القراءة في كل ركعة من التطوع والفرض أقوى من التطوع فثبتت الفرضية في كل ركعة من الفرض بطريق الاولى ولان كل ركعة تشتمل على أركان الصلاة وسائر الاركان كالقيام والركوع والسجود فرض في كل ركعة فكذلك ركن القراءة وهكذا قال مالك رحمه الله الا أنه قال أقيم القراءة في أكثر الركعات مقامها في الجميع تيسيرا * ولنا إجماع الصحابة فان أبا بكر كان يقرأ في الركعتين الاخيرتين زمن النبي على جهة الثناء * وروى أنه قرأ في الاخيرتين آمن الرسول على جهة الثناء وعمر رضى الله تعالى عنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر. وعثمان رضى الله تعالى عنه ترك القراءة في الاوليين من صلاة العشاء فقضاها في الاخيرتين وجهر. وعن على وابن مسعود رضى الله عنهما انهما كانا في الاخيرتين يسبحان وسأل رجل عائشة رضى الله تعالى عنها عن قراءة الفاتحة في الاخيرتين فقالت أقرأ ليكون على جهة الثناء وكفى باجماعهم حجة * قال (ثم القراءة في الاخيرتين ذكر يخافت بها في كل حال) فلا تكون ركنا كثناء الافتتاح وتأثيره أن مبنى الاركان على الشهرة والظهور ولو كانت القراءة في الاخيرتين ركنا لما خالف الاوليين في الصفة كسائر الاركان وكل شفع من التطوع صلاة على حدة بخلاف الفرض حتى ان فساد الشفع الثاني في التطوع لا يوجب فساد الشفع الاول * وروي الحسن عن أبى حنيفة أن الافضل له أن يقرأ الفاتحة في

[ 19 ] الاخيرتين وان ترك ذلك عامدا كان مسيئا وان كان ساهيا فعليه سجود السهو * وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يتخير بين قراءة الفاتحة والتسبيح والسكوت ولا يلزمه سجود السهو بترك القراءة فيهما ساهيا وهو الاصح فسجود السهو يجب بترك الواجبات أو السنن المضافة إلى جميع الصلاة. ووجه رواية الحسن أنه إذا سكت قائما كان سامدا متحيرا وتفسير السامد المعرض عن القراءة فقد كره ذلك رسول الله لاصحابه فقال مالى أراكم سامدين * قال (ثم قراءة الفاتحة لاتتعين ركنا في الصلاة عندنا) وقال الشافعي رحمه الله تعالى تتعين حتى لو ترك حرفا منها في ركعة لا تجوز صلاته واستدل بقول النبي لاصلاة الا بفاتحة الكتاب وبمواظبة النبي على قراءتها في كل ركعة * ولنا قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن فتعيين الفاتحة يكون زيادة على هذا النص وهو يعدل النسخ عندنا فلا يثبت بخبر الواحد ثم المقصود التعظيم باللسان وذلك لا يختلف بقراءة الفاتحة وغيرها * والحاصل أن الركنية لا تثبت الا بدليل مقطوع به وخبر الواحد موجب للعمل دون العلم فتعين الفاتحة بخبر الواحد واجبا حتى يكره له ترك قراءتها وتثبت الركنية بالنص وهو الآية. ولا يفترض عليه قراءة السورة مع الفاتحة في الاوليين الا على قول مالك رحمه الله تعالى يستدل بقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها أو قال وشئ معها ونحن نوجب العمل بهذا الخبر حتى لا نأذن له بالاكتفاء بالفاتحة في الاوليين ولكن لا نثبت الركنية به للاصل الذى قلنا * قال (وإذا أراد أن يركع كبر) لما روى أن النبي كان يكبر حين يهوى إلى الركوع ومن الناس من يقول لا يكبر عند الركوع ولا عند السجود وهو قول ابن عمر وأصحابه ويروون عن عثمان رضى الله تعالى عنه أنه كان لا يتم التكبير فأما عمر وعلي وابن مسعود رضوان الله عليهم فكانوا يكبرون عند الركوع والسجود حتى روى أن عليا رضى الله عنه صلى بأصحابه يوما فقام أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه وقال ذكرني هذا الفتى صلاة رسول الله كان يكبر في كل خفض ورفع أو قال عند كل خفض ورفع. وتأويل حديث عثمان رضى الله عنه كان لايتم التكبير أي جهرا أي يخافت بآخر التكبير كما هو عادة بعض الائمة * قال (ووضع يديه على ركبتيه) وهو قول عامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. وكان ابن مسعود رضى الله

[ 20 ] تعالى عنه وأصحابه يقولون بالتطبيق * وصورته أن يضم احدى الكفين إلى الاخرى ويرسلهما بين فخذيه. ورأى سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه ابنا له يطبق فنهاه فقال رأيت عبد الله بن مسعود يفعل هكذا فقال رحم الله ابن أم عبد كنا أمرنا بهذا ثم نهينا عنه * وفى حديث الاعرابي حين علمه النبي الصلاة قال ثم اركع وضع يديك على ركبتيك. وهكذا في حديث أنس رضى الله عنه * قال (وفرج بين أصابعه) ولا يندب إلى التفريق بين الاصابع في شئ من أحوال الصلاة الا هذا ليكون أمكن من الاخذ بالركبة فان عمر رضى الله تعالى عنه قال يا معشر الناس أمرنا بالركب فخذوا بالركب * قال (وبسط ظهره) لحديث أبى هريرة رضى الله عنه وعائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان إذا ركع بسط ظهره حتى لو وضع على ظهره قدح من ماء لاستقر * قال (ولا ينكس رأسه ولا يرفعه) ومعناه يسوى رأسه بعجزه. لما روى أن النبي نهى أن يذبخ المصلى تذبخ الحمار يعنى إذا شم البول أو أراد أن يتمرغ * قال (وإذا اطمأن راكعا رفع رأسه) والطمأنينة مذكورة في حديث الاعرابي قال ثم اركع حتى يطمئن كل عضو منك. وكذلك قال في السجود وعند رفع الرأس وهكذا في حديث أنس رضى الله تعالى عنه حين علمه الصلاة قال ثم اركع حتى يستقر كل عضو منك ثم قال في آخر الحديث فانها من سنتى ومن تبع سنتى فقد تبعني ومن تبعني كان معى في الجنة ثم (يقول سمع الله لمن حمده ويقول من خلفه ربنا لك الحمد) ولم يقلها الامام في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويقولها في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله. لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. وعن على رضى الله عنه قال ثلاث يخفيهن الامام وقال ابن مسعود رضى الله عنه أربع يخفيهن الامام وفي جملته ربنا لك الحمد ولانا لا نجد شيئا من أذكار الصلاة يأتي به المقتدى دون الامام فقد يختص الامام ببعض الاذكار كالقراءة * ولابي حنفية رحمه الله قول النبي وإذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد فقسم هذين الذكرين بين الامام والمقتدى ومطلق القسمة يقتضى أن لا يشارك كل واحد منهما صاحبه في قسمه ولان المقتدى يقول ربنا لك الحمد عند قول الامام سمع الله لمن حمده فلو قال الامام ذلك لكانت مقالته بعد مقالة المقتدى وهذا خلاف موضوع الامامة * وتأويل الحديث المرفرع

[ 21 ] في التهجد حالة الانفراد وبه نقول فأما المنفرد على قولهما فيجمع بين الذكرين وعن أبى حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن هكذا وفي رواية أبى يوسف قال يقول ربنا لك الحمد ولا يقول سمع الله لمن حمده وهو الاصح لانه حث لمن خلفه على التحميد وليس خلفه احد. وعلى قول الشافعي رضى الله تعالى عنه كل مصل يجمع بين الذكرين وهذا بعيد فان الامام يحث من خلفه على التحميد فلا معنى لمقابلة القوم اياه بالحث بل ينبغى أن يشتغلوا بالتحميد والشافعي رضى الله تعالى عنه يزيد على هذا ما نقل في حديث على رضى الله تعالى عنه مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدالخ. وتأويله عندنا في التهجد * قال (ثم يكبر ويسجد فإذا اطمأن ساجدا رفع رأسه وكبر فإذا اطمأن قاعدا سجد أخرى وكبر) وقد بينا أو تكلموا أن السجود لماذا كان في كل ركعة مثنى والركوع واحد فمذهب الفقهاء أن هذا تعبدي لا يطلب فيه المعنى كاعداد الركعات. وقيل انما كان السجود مثنى ترغيما للشيطان فانه أمر بسجدة فلم يفعل فنحن نسجد مرتين ترغيما له واليه أشار في سجود السهو فقال هما ترغيمتان للشيطان. وقيل انه في السجدة الاولى يشير إلى أنه خلق من الارض وفى الثانية يشير إلى أنه يعاد إليها. قال الله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم الاية (ويقول في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وفى سجوده سبحان ربى الاعلى ثلاثا وذلك أدناه) لحديث عقبة بن عامر الجهني رضى الله تعالى عنه قال لما نزل قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم قال النبي اجعلوها في ركوعكم ولما نزل قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى قال النبي اجعلوها في سجودكم قال عقبة وكان رسول الله يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وفي سجود سبحان ربى الاعلى ثلاثا وروى ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عن رسول الله أنه قال من قال في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا فقدتم ركوعه وذلك أدناه ومن قال في سجوده سبحان ربى الاعلى ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه ولم يرد بهذا اللفظ أدنى الجواز وانما أراد به أدنى الكمال فان الركوع والسجود يجوزان بدون هذا الذكر الاعلى قول ابن أبى مطيع البلخي فانه كان يقول كل فعل هو ركن يستدعى ذكرا فيه يكون ركنا كالقيام ولكنا نقول لو شرع في الركوع ذكر هو ركن لكان من القرآن فان الركوع مشبه بالقيام وحين علم رسول الله

[ 22 ] الاعرابي الصلاة لم يذكر له في الركوع والسجود شيئا من الاذكار وقد بين له الاركان. ولو زاد على الثلاث كان أفضل الا أنه إذا كان اماما لا ينبغى له أن يطول على وجه يمل القوم لانه يصير سببا للتنفير وذلك مكروه فان معاذا لما طوع القراءة قال له رسول الله أفتان أنت يا معاذ. وكان الثوري رحمه الله يقول ينبغى أن يقولها الامام خمسا ليتمكن المقتدى من أن يقولها ثلاثا والشافعي رحمه الله تعالى يقول بهذا ويزيد في الركوع ما روى عن على رضى الله تعالى عنه اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وفى السجود سجد وجهى للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين وهذا محمول عندنا على التهجد بالليل ويضع يديه في السجود حذاء أذنيه لحديث وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه قال كان النبي إذا سجد وضع يديه حذاء أذنيه ولان آخر الركعة معتبر بأولها فكما يجعل رأسه بين يديه في أول الركعة عند التكبير فكذلك في آخرها والذى روى عن أبى حميد الساعدي رضى الله تعالى عنه أن النبي كان إذا سجد وضع يديه حذو منكبيه محمول على حالة العذر للكبر أو المرض ويوجه أصابعه نحو القبلة * لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة وفى حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه قال النبي صلي الله عليه وسلم إذا سجد العبد سجد كل عضو معه فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع ويعتمد على راحتيه * لحديث وائل بن حجر فانه قال لاصحابه ألا أصف لكم سجود رسول الله فقالوا نعم فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته ثم قال هكذا كان يسجد رسول الله (ويبدى ضبعيه) للحديث المشهور أنه كان إذا سجد أبدى ضبعيه أو أبد ضبعيه والابداء والتبديد كل واحد منهما لغة وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها كان رسول الله إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى يرى بياض ابطيه وفى رواية حتى يرثى له أن يرحم من جهده وفى حديث جابر رضى الله تعالى عنه حتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت (ولا يفترش ذراعيه لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ان النبي نهي أن يفترش المصلى ذراعيه افتراش الكلب أو الثعلب فذكره هذا المثل دليل على شدة الكراهة * وكان مالك يقول في النفل لا بأس

[ 23 ] بأن يفترش ذراعيه ليكون أيسر عليه ولكن النهي عام يتناول النفل والفرض جميعا وهذا في حق الرجال فأما المرأة فتحتفز وتنضم وتلصق بطنها بفخذيها وعضديها بجنبيها هكذا عن علي رضى الله تعالى عنه في بيان السنة في سجود النساء ولان مبني حالها على الستر فما يكون أستر لها فهو أولى لقوله المرأة عورة مستورة وينهض على صدور قدميه حتى يستتم قائما في الركعة الثانية عندنا) وقال الشافعي رضى الله عنه الاولى أن يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض. لحديث مالك بن الحويرث رضى الله عنه أن النبي كان إذا رفع رأسه من السجود في السجدة الثانية جلس جلسة خفيفة ثم ينهض ولان كل ركعة تشتمل على جميع أركان الصلاة ومن أركانها القعدة فينبغي أن يكون ختم كل ركعة بقعدة قصيرة أو طويلة * ولنا حديث وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه أن النبي كان إذا رفع رأسه من السجود إلى الركعة الثانية نهض على صدور قدميه ولانه لو كان هاهنا قعدة لكان الانتقال إليها ومنها بالتكبير ولكان لها ذكر مسنون كما في الثانية والرابعة وتأويل حديثهم أنه فعل لاجل العذر بسبب الكبر كما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال انى امرؤ قد بدنت فلا تبادروني بركوع ولا سجود ومنهم من يروي بدنت وهو تصحيف فان البدانة هي الضخامة ولم ينقل في صفات رسول الله * وفى قوله نهض على صدور قدميه إشارة إلى أنه لا يعتمد بيديه على الارض عند قيامه كما لا يعتمد على جالس بين يديه والمعنى أنه اعتماد من غير حاجة فكان مكروها والذى روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي كان يقوم في صلاته شبه العاجز تأويله أنه كان عند العذر بسبب الكبر (ويحذف التكبير حذفا ولا يطوله) لحديث إبراهيم النخعي موقوفا ومرفوعا الاذان جزم والاقامة جزم والتكبير جزم ولان المد في أوله لحن من حيث الدين لانه ينقلب استفهاما وفي آخره لحن من حيث اللغه فان أفعل لا يحتمل المبالغة (ويوجه أصابع رجليه في سجوده نحو القبلة) لما روى عن النبي أنه كان إذا سجد فتح أصابعه أي أمالها إلى القبلة ولقوله عليه الصلاة والسلام فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع * قال (ويعتمد بيمينه على يساره في قيامه في الصلاة) وأصل الاعتماد سنة الا على قول الاوزاعي فانه كان يقول يتخير المصلى بين الاعتماد والارسال وكان يقول انما أمروا بالاعتماد اشفاقا عليهم لانهم كانوا يطولون القيام

[ 24 ] فكان ينزل الدم إلى رؤس أصابعهم إذا أرسلوا فقيل لهم لو اعتمدتم لاحرج عليكم والمذهب عند عامة العلماء أنه سنة واظب عليه رسول الله وقال عليه الصلاة والسلام انا معشر الانبياء أمرنا أن نأخذ شمائلنا بأيماننا في الصلاة وقال على رضى الله تعالى عنه ان من السنة أن يضع المصلى يمينه على شماله تحت السرة في الصلاة * وأما صفة الوضع ففي الحديث المرفوع لفظ الاخذ وفى حديث على رضى الله تعالى عنه لفظ الوضع واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بينهما بان يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والابهام على الرسغ ليكون عاملا بالحديثين * فأما موضع الوضع فالافضل عندنا تحت السرة وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه الافضل أن يضع يديه على الصدر لقوله تعالى فصل لربك وانحر قيل المراد منه وضع اليمين على الشمال على النحر وهو الصدر ولانه موضع نور الايمان فحفظه بيده في الصلاة أولى من الاشارة إلى العورة بالوضع تحت السرة وهو أقرب إلى الخشوع والخشوع زينة الصلاة * ولنا حديث على رضى الله تعالى عنه كما روينا والسنة إذا أطلقت تنصرف إلى سنة رسول الله ثم الوضع تحت السرة أبعد عن التشبه بأهل الكتاب وأقرب إلى ستر العورة فكان أولى والمراد من قوله وانحر نحر الاضحية بعد صلاة العيد ولئن كان المراد بالنحر الصدر فمعناه لتضع بالقرب من النحر وذلك تحت السرة. ثم قال في ظاهر المذهب الاعتماد سنة القيام * وروى عن محمد رحمه الله أنه سنة القراءة وانما يتبين هذا في المصلى بعد التكبير عند محمد رحمه الله يرسل يديه في حالة الثناء فإذا أخذ في القراءة اعتمد وفى ظاهر الرواية كما فرغ من التكبير يعتمد * قال (وإذا قعد في الثانية أو الرابعة افترش رجله اليسرى فيجعلها بين أليتيه ويقعد عليها وينصب اليمنى نصبا ويوجه أصابع رجله اليمنى نحو القبلة) وقال مالك في القعدتين جميعا المسنون أن يقعد متوركا وذلك بأن يخرج رجليه من جانب ويفضى بأليتيه إلى الارض لحديث أبى حميد الساعدي رضى الله تعالى عنه ان النبي كان إذا قعد في صلاته قعد متوركا * والشافعي يقول في القعدة الاولى مثل قولنا لانها لاتطول وهو يحتاج إلى القيام والقعود بهذه الصفة أقرب إلى الاستعداد للقيام وفى القعدة الثانية يقول مالك رحمه الله لانها تطول ولايحتاج إلى القيام بعدها فينبغي أن يكون مستقرا على الارض * ولنا حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أنها وصفت قعود رسول الله في الصلاة فذكرت أنه كان إذا قعد افترش رجله اليسرى

[ 25 ] ويقعد عليها وينصب اليمنى نصبا وما روى بخلافه فهو محمول على حالة العذر للكبر ولان القعود على الوجه الذى بينا أشق على البدن (وسئل) رسول الله عن أفضل الاعمال فقال أحمزها أي أشقها على البدن * ويقول الشافعي رضى الله عنه ما كان متكررا من أفعال الصلاة فالثاني لا يخالف الاول في الصفة كسائر الافعال فأما المرأة فينبغي لها أن تقعد متوركة لما روى أن النبي رأى امرأتين تصليان فلما فرغتا دعاهما وقال اسمعان إذا قعدتما فضما بعض اللحم إلى الارض ولان هذا أقرب إلى الستر في حقهن * قال (ويكون منتهى بصره في صلاته حال القيام موضع سجوده) لحديث أبى قتادة أن النبي كان إذا صلى سما ببصره نحو السماء فلما نزل قوله تعالى وقوموا لله قانتين رمى ببصره إلى موضع سجوده. ولما نزل قوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون قال أبو طلحة رضى الله عنه ما الخشوع يارسول الله قال أن يكون منتهى بصر المصلى حال القيام موضع سجوده ثم فسر الطحاوي في كتابه فقال في حالة القيام ينبغي أن يكون منتهى بصره موضع سجوده وفي الركوع على ظهر قدميه وفي السجود على أرنبة أنفه وفى القعود على حجره زاد بعضهم وعند التسليمة الاولى على منكبه الايمن وعند التسليمة الثانية على منكبه الايسر. فالحاصل أن يترك التكلف في النظر فيكون منتهى بصره مابينا * قال (ولا يلتفت في الصلاة) لقوله لو علم المصلى من يناجي ما التفت ولما سئل رسول الله عن الالتفات في الصلاة قال تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاة أحدكم. وحد الالتفات المكروه أن يلوى عنقه ووجهه على وجه يخرج وجهه من أن يكون إلى جهة الكعبة فأما إذا نظر بمؤخر عينيه يمنة أو يسرة من غير أن يلوى عنقه فلا يكون مكروها لما روي أن النبي كان يلاحظ أصحابه في صلاته بمؤخر عينيه (ولا يعبث في الصلاة بشئ من جسده وثيابه) لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال ان الله تعالى كره لكم ثلاثا الرفث في الصوم والعبث في الصلاة والضحك في المقابر ولما رأى رسول الله رجلا يصلى وهو يعبث بلحيته قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه فجعل فعله دليل نفاقه * قال الطحاوي تأويله أن النبي عرف بطريق الوحى أن الرجل منافق مستهزئ فأما أن يكون هذا الفعل من علامات النفاق فلا لان المصلي قلما ينجو منه

[ 26 ] ألا ترى أنه قيل لرسول الله ومن يطيق ذلك قال ليكن في الفريضة إذا فالحاصل أن كل عمل هو مفيد للمصلي فلا بأس أن يأتي به أصله ماروى عن النبي أنه عرق ليلة في صلاته فسلت العرق عن جبينه لانه يؤذيه فكان مفيدا وكان رسول الله زمن الصيف إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة لانه كان مفيدا حتى لا يبقى صورة فأما ما ليس بمفيد فيكره للمصلي أن يشتغل به. لقوله ان في الصلاة لشغلا والعبث غير مفيد له شيئا فلا يشتغل به (ولا يقلب الحصى) لانه نوع عبث غير مفيد والنهي عن تقليب الحصى يرويه عن رسول الله جابر وأبو ذر ومعيقيب بن أبى فاطمة وأبو هريرة حتى قال في بعضها وان تتركها فهو خير لك من مائة ناقة سود الحدقة تكون لك فان كان الحصى لا يمكنه من السجود فلا بأس بأن يسويه مرة واحدة وتركه أحب الي لقوله لابي ذر يا أبا ذر مرة أو ذر ولان هذا عمل مفيد له ليتمكن من وضع الجبهة والانف على الارض فلا بأس به بعد أن يكون قليلا لا يزيد على مرة وتركه أقرب إلى الخشوع فهو أولى قال (ولا يفرقع أصابعه) لما روى أن النبي نهى عن الفرقعة في الصلاة ومر بمولى له وهو يصلى ويفرقع أصابعه فقال أتفرقع أصابعك وأنت تصلى لا أم لك. وكان عليه الصلاة والسلام ينهي المنتظر للصلاة أن يفرقع أصابعه في تلك الحالة ففي الصلاة أولى وهو نوع عبث غير مفيد * قال (ولا يضع يديه على خاصرته) لما روى عن النبي أنه نهي عن التخصر في الصلاة * وقيل انه استراحة أهل النار ولا راحة لهم وان الشيطان أهبط متخصرا ولانه فعل المصاب وحال الصلاة حال يناجى فيه العبد ربه تعالى فهو حال الافتخار لاحال اظهار المصيبة ولانه فعل أهل الكتاب وقد نهينا عن التشبه بهم * قال (ولايقعى اقعاء) لما روى أن النبي نهى أن يقعى المصلى اقعاء الكلب. وفى تفسير الاقعاء وجهان * أحدهما أن ينصب قدميه كما يفعله في السجود ويضع أليتيه على عقبيه وهو معنى نهي النبي عن عقب الشيطان * الثاني أن يضع أليتيه على الارض وينصب ركبتيه نصبا وهذا أصح لان اقعاء الكلب يكون بهذه الصفة الا أن اقعاء الكلب يكون في نصب اليدين واقعاء الآدمى يكون في نصب الركبتين إلى صدره * قال (ولا يتربع من غير عذر) لما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه رأي ابنه

[ 27 ] يتربع في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال رأيتك تفعله يا أبت فقال ان رجلي لا تحملاني. ومن مشايخنا من غلل فيه فقال التربع جلوس الجبابرة فلهذا كره في الصلاة وهذا ليس بقوى فان النبي كان يتربع في جلوسه في بعض أحواله حتى روى أنه كان يأكل يوما متربعا فنزل عليه الوحي كل كما تأكل العبيد وهو كان منزها عن أخلاق الجبابرة وكذلك عامة جلوس عمر رضى الله عنه في مسجد رسول الله كان متربعا ولكن العبارة الصحيحة أن يقال الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع من التربع فهو أولى في حال الصلاة الا عند العذر * قال (لو مسح جبهته من التراب قبل أن يفرغ من صلاته لا بأس به) لانه عمل مفيد فان التصاق التراب بجبهته نوع مثلة فربما كان الحشيش الملتصق بجبهته يؤذيه فلا بأس به ولو مسح بعد ما رفع رأسه من السجدة الاخيرة لا خلاف في أنه لا بأس به فأما قبل ذلك فلا بأس به في ظاهر الرواية وعن أبى يوسف قال أحب إلى أن يدعه لانه يتترب ثانيا وثالثا فلا يكون مفيدا ولو مسح لكل مرة كان عملا كثيرا ومن مشايخنا من كره ذلك قبل الفراغ من الصلاة وجعلوا القول قول محمد رحمه الله في الكتاب لا مفصولا عن قوله أكرهه فانه قال في الكتاب قلت لو مسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته قال لا أكرهه يعنى لا تفعل فاني أكرهه لحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أربع من الجفاء أن تبول قائما وأن تسمع النداء فلم تجبه وأن تنفخ في صلاتك وأن تمسح جبهتك في صلاتك * وتأويله. عند من لا يكرهه من أصحابنا المسح باليدين كما يفعله الداعي إذا فرغ من الدعاء في غير الصلاة * قال (والتشهد أن يقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) وهو تشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والمختار عند الشافعي رضى الله تعالى عنه تشهد ابن عباس رضى الله تعالى عنه * وصفته أن يقول التحيات المباركات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهو يقول بأن ابن عباس رضى الله تعالى عنه كان من فتيان الصحابة رضوان الله عليهم فانما يختارون ما استقر عليه الامر آخرا فأما ابن مسعود فهو من الشيوخ ينقل ما كان في الابتداء كما نقل التطبيق وغيره ولان تشهد ابن عباس رضى الله تعالى عنه أقرب إلى موافقة القرآن قال الله تعالى تحية

[ 28 ] من عند الله مباركة طيبة والسلام بغير الالف واللام أكثر في القرآن قال الله تعالى سلام عليكم طبتم سلام عليكم بما صبرتم * ومالك رحمه الله يأخذ بتشهد عمر رضى الله تعالى عنه * وصورته التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات لله وقال ان عمر رضى الله تعالى عنه علم الناس التشهد بهذه الصفة على منبر رسول الله ومن الناس من اختار تشهد أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه * وهو ان يقول التحيات لله الطيبات والصلوات لله والباقي كتشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه * وفيه حكاية فان أعرابيا دخل على أبى حنيفة رحمه الله تعالى في المسجد فقال أبواو أم بواوين فقال بواوين فقال بارك الله فيك كما بارك في لا ولا ثم ولى فتحير أصحابه وسألوه عن ذلك فقال ان هذا سألني عن التشهد أبواوين كتشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أم بواو كتشهد أبى موسى قلت بواوين قال بارك الله فيك كما بارك في شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية وانما أخذنا بتشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه لحسن ضبطه ونقله من رسول الله فان أبا حنيفة قال أخذ حماد بيدى وقال حماد أخذ إبراهيم بيدى وقال إبراهيم أخذ علقمة بيدى وقال علقمة أخذ عبد الله بن مسعود بيدى وقال ابن مسعود أخذ رسول الله بيدى وعلمني التشهد كما كان يعلمنى السورة من القرآن وكان يأخذ علينا بالواو والالف * وقال علي بن المدينى لم يصح من التشهد الا ما نقله أهل الكوفة عن عبد الله بن مسعود وأهل البصرة عن أبى موسى. وعن خصيف قال رأيت رسول الله في المنام فقلت كثر الاختلاف في التشهد فبماذا تأمرني أن آخذ قال بتشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه ولان تشهد ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أبلغ في الثناء فان الواوات تجعل كل لفظ ثناء بنفسه (والسلام بالالف واللام ليكون أبلغ منه بغير الالف واللام) وترجيح الشافعي رحمه الله تعالى بعيد فانه يؤدى إلى تقديم الاحداث على المهاجرين الاولين وأحد لا يقول به * وترجيح مالك ليس بقوى أيضا فان أبا بكر رضى الله تعالى عنه علم الناس على منبر رسول الله التشهد كما هو تشهد ابن مسعود فدل ان الاخذ به أولى (ويكره أن يزيد في التشهد شيئا أو يبتدئ قبله بشئ) ومراده ما نقل شاذا في أول التشهد باسم الله وبالله أو باسم الله خير الاسماء وفى آخره أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فانه لم يشتهر نقل هذه الكلمات وابن مسعود يقول وكان يأخذ علينا بالواو

[ 29 ] والالف فذلك تنصيص على أنه لا تجوز الزيادة عليه بخلاف التطوعات فانها غير محصورة بالنص فجوزنا الزيادة عليه ولا يزيد في الفرائض على التشهد في القعدة الاولى عندنا وقال الشافعي يزيد الصلاة على النبي واستدل بحديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في كل ركعتين تشهد وسلام على المرسلين ومن تبعهم من عباد الله الصالحين * ولنا حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان لا يزيد على التشهد في القعدة الاولى وروى أنه كان يقعد في القعدة الاولى كأنه علي الرضف يعنى الحجارة المحماة يحكى الراوى بهذا سرعة قيامه فدل أنه كان لا يزيد على التشهد. وتأويل حديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها في التطوعات فان كل شفع من التطوع صلاة على حدة أو مراده سلام التشهد فأما في الرابعة فيدعو بعده ويسأل حاجته ولم يذكر الصلاة على رسول الله وأورد الطحاوي في مختصره أن بعد التشهد يصلى على النبي ثم يدعو حاجته ويستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات وهو الصحيح فان التشهد ثناء على الله تعالي ويعقبه الصلاة على النبي كما في التحميد المعهود وهو مروي عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وكان إبراهيم النخعي يقول يجزى من الصلاة على النبي بقوله السلام عليك أيها النبي * ثم الصلاة على النبي في الصلاة ليست من جملة الاركان عندنا وقال الشافعي هي من جملة أركان الصلاة لا تجوز الصلاة الا بها * وفى الصلاة على آله وجهان واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام لاصلاة لمن لم يصل علي في صلاته ولان الله تعالى أمرنا بالصلاة عليه ومطلق الامر للايجاب ولا تجب في غير الصلاة فدل أنها تجب في الصلاة * ولنا حديث كعب بن عجرة رضى الله تعالى عنه قال يارسول الله عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد فهو لم يعلمهم حتى سألوه ولو كان من أركان الصلاة لبينه لهم قبل السؤال وحين علم الاعرابي أركان الصلاة لم يذكر الصلاة عليه ولانه صلاة على النبي فلا يكون من أركان الصلاة كالصلاة على إبراهيم عليه الصلاة والسلام * وتأويل الحديث نقول أراد به نفى الكمال كقوله لاصلاة لجار المسجد الا في المسجد وبه نقول والآية تدل على أن الصلاة واجبة عليه في العمر مرة فان مطلق الامر لا يقتضى التكرار وبه نقول وكان الطحاوي يقول كلما سمع ذكر النبي صلى

[ 30 ] الله عليه وسلم من غيره أو ذكره بنفسه يجب عليه أن يصلى عليه وهو قول مخالف للاجماع فعامة العلماء على أن ذلك مستحب وليس بواجب. (ثم يدعو بحاجته) لقوله تعالى فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب قيل معناه إذا فرغت من الصلاة فانصب للدعاء وارغب إلى الله تعالى بالاجابة وكان رسول الله في آخر صلاته يتعوذ بالله من المغرم والمأثم ومن فتنة المحيا والممات ولما علم رسول الله ابن مسعود رضى الله عنه التشهد قال له وإذا قلت هذا فاختر من الدعاء أعجبه وكان ابن مسعود يدعو بكلمات منهن اللهم انى أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم * قال (ثم يسلم تسليمتين احداهما عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله والاخرى عن يساره مثل ذلك) لقول النبي وتحليلها السلام وقد جاء أوان التحليل ومن تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التحليل يصير كأنه رجع إليهم فيسلم والتسليمتان قول جمهور العلماء وكبار الصحابة عمر وعلى وابن مسعود رضى الله عنهم وكان مالك رحمه الله تعالى يقول يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهكذا روت عائشة وسهل ابن سعد الساعدي رضى الله عنه عن رسول الله والاخذ برواية كبار الصحابة أولى فانهم كانوا يلون رسول الله كما قال ليليني منكم أولوا الاحلام والنهى فأما عائشة رضى الله تعالى عنها فكانت تقف في صف النساء وسهل بن سعد كان من جملة الصبيان فيحتمل أنهما لم يسمعا التسليمة الثانية على ماروى ان النبي كان يسلم تسليمتين الثانية أخفض من الاولى (ثم في التسليمة الاولى يحول وجهه على يمينه وفى الثانية على يساره) لحديث ابن مسعود رضى الله عنه كان رسول الله يحول وجهه في التسليمة الاولى حتى يري بياض خده الايمن أو قال الايسر يحكى الراوى بهذا شدة التفاته * قال (وينوى بالتسليمة الاولى من عن يمينه من الحفظة والرجال وبالتسليمة الثانية من عن يساره منهم) لانه يستقبلهم بوجهه ويخاطبهم بلسانه فينويهم بقلبه فان الكلام انما يصير عزيمة بالنية قال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى وراء لسان كل متكلم فلينظر امرؤ ما يقول وقد ذكر الحفظة هنا وأخر في الجامع الصغير حتى ظن بعض أصحابنا أن ما ذكر هنا بناء على قول أبى حنيفة الاول في تفضيل الملائكة على البشر وما ذكر في الجامع الصغير بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر على الملائكة وليس

[ 31 ] كما ظنوا فان الواو لا توجب الترتيب ومن سلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب بالنية فيقدم الرجال على الصبيان ولكن مراده تعميم الفريقين بالنية وأكثر مشايخنا على أنه يخص بهذه النبية من يشاركه في الصلاة من الرجال والنساء فأما الحاكم الشهيد رحمه الله فكان يقول ينوى جميع الرجال والنساء من يشاركه ومن لا يشاركه وهذا عندنا في سلام التشهد قال النبي إذا قال العبد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أصاب كل عبد صالح من أهل السماء والارض فأما في سلام التحليل فيخاطب من بحضرته فيخصه بالنية والمقتدى ينوي كذلك فكان ابن سيرين يقول المقتدى يسلم ثلاث تسليمات احداهن لرد سلام الامام وهذا ضعيف فان مقصود الرد حاصل بالتسليمتين إذ لا فرق في الجواب بين أن يقول عليكم السلام وبين قوله السلام عليكم فان كان الامام في الجانب الايمن نواه فيهم وان كان في الجانب الايسر نواه فيهم وان كان بحذائه نواه في الاولى عند أبى يوسف لانه لما استوى الجانبان في حقه ترجح الجانب الايمن وقال محمد ينويه في التسليمتين لان له حظا من الجانبين قال (ويكره في الصلاة تغطية الفم) لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي نهى أن يغطى المصلي فاه ولانه ان غطاه بيده فقد قال كفوا أيديكم في الصلاة وان غطاه بثوب فقد نهى عن التلثم في الصلاة وفيه تشبه بالمجوس في عبادتهم النار * قال (ويكره أن يصلى وهو معتجر) لنهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن الاعتجار في الصلاة وتفسيره أن يشد العمامة حول رأسه ويبدى هامته مكشوفا كما يفعله الشطار وقيل ان يشد بعض العمامة على رأسه وبعضها على بدنه وعن محمد قال لا يكون الاعتجار الا مع تنقب وهو أن يلف بعض العمامة على رأسه وطرفا منه يجعله شبه المعجر للنساء وهو أن يلفه حول وجهه * قال (ويكره أن يصلي وهو عاقص) لحديث أبى رافع رضى الله عنه أن النبي نهي أن يصلي الرجل ورأسه معقوص وان الحسن بن على رضى الله عنهما كان يصلى وهو عاقص شعره فقام أبو هريرة رضى الله عنه إلى جنبه فحله فنظر إليه شبه المغضب فقال أقبل على صلاتك يا ابن بنت رسول الله فان رسول الله كان ينهانا عن هذا والعقص في اللغة الاحكام في الشد حتى قيل في تفسيره أن يجمع شعره على هامته ويشده بخيط أو بخرقة أو بصمغ ليتلبد وقيل أن يلف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء في بعض أحوالهن * قال (ويضع ركبتيه على الارض قبل يديه إذا انحط للسجود) وقال

[ 32 ] ابن سيرين يضع يديه قبل ركبتيه لحديث أبى حميد أن النبي كان يضع يديه قبل ركبتيه * ولنا حديث وائل بن حجر رضى الله عنه أن النبي كان يضع يديه قبل ركبتيه * وروى الاعرج عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن يبرك المصلى بروك الابل وقال ليضع ركبتيه قبل يديه يعنى أن الابل في بروكها تبدأ باليد فينبغي أن يبدأ المصلى بالرجل ولانه يضع أولا ما كان أقرب إلى الارض فيضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه وفي الرفع يرفع أولا ما كان أبعد عن الارض فيرفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه * قال (ويخفى الامام التعوذ والتسمية والتشهد وآمين وربنا لك الحمد) أما التعوذ والتسمية فقد بينا والتشهد كذلك فانه لم ينقل الجهر بالتشهد عن رسول الله والناس توارثوا الاخفاء بالتشهد من لدن رسول الله إلى يومنا هذا والتوارث كالتواتر * وأما قوله اللهم ربنا لك الحمد فقد طعنوا فيه وقالوا من مذهب ابى حنيفة أن الامام لا يقولها أصلا فكيف يستقيم جوابه أنه يخفى بها ولكنا نقول عرف أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن بعض الائمة لا يأخذون بقوله لحرمة قول علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما ففرع على قولهما أنه يخفى بها إذا كان يقولهما كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها. فأما آمين فالامام يقولها بعد الفراغ من الفاتحة الا على قول مالك رحمه الله وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لقوله إذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين والقسمة تقتضي أن الامام لا يقولها * ولنا قول رسول الله إذا أمن الامام فأمنوا فان الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفى الحديث الذى رووا زيادة فانه قال فقولوا آمين فان الامام يقولها وهذا اللفظ دليل على أن الامام لا يجهر بها وهو قول علمائنا ومذهب علي وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه يجهر بها وهو قول ابن الزبير وأبى هريرة واستدل بحديث وائل بن حجر أن النبي كان إذا فرغ من الفاتحة في الصلاة قال آمين ومد بها صوته ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبي قال في صلاته آمين وخفض بها صوته وتأويل حديثهم أنه قال اتفاقا لاقصدا أو كان لتعليم الناس أن الامام يؤمن كما يؤمن القوم فانه دعاء فان معناه علي ما قال الحسن اللهم أجب وفي قوله تعالى قد أجيبت

[ 33 ] دعوتكما ما يدل عليه فان موسى عليه السلام كان يدعو وهارون كان يؤمن والاخفاء في الدعاء أولى قال الله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقال عليه الصلاة والسلام خير الدعاء الخفى وخير الرزق ما يكفى وفي التأمين لغتان أمين بالقصر وآمين بالمد والمد يدل علي ياء النداء معناه يا آمين كما يقال في الكلام أزيد يعنى يا زيد وما كان من النفخ غير مسموع فهو تنفس لابد للحى منه فلا يفسد الصلاة وان كان مسموعا أفسدها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولم يفسدها في قول أبى يوسف الا أن يريد به التأفيف ثم رجع وقال صلاته تامة وان أراد به التأفيف واستدل بما روى عن النبي أنه قال في صلاة الكسوف أف أف ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم ولان هذا تنفس وليس بكلام فالكلام ما يجرى في مخاطبات الناس وله معنى مفهوم ولهذا قال في قوله الاول إذا أراد به التأفيف وهو في اللغة أفف يؤفف تأفيفا كان قطعا ثم رجع فقال عينه ليس بكلام فلو بطلت صلاته انما تبطل بمجرد النية وذلك لا يجوز وقاسه بالتنحنح والعطاس فانه لا يكون قطعا وان سمع فيه حروف مهجاة وهو أصوب (ولنا) حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام مر بمولى له يقال له رباح وهو ينفخ التراب من موضع سجوده فقال أما علمت أن من نفخ في صلاته فقد تكلم ولان قوله أف من جنس كلام الناس لانه حروف مهجاة وله معنى مفهوم يذكر لمقصود قال الله تعالى ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما فجعله من القول والقائل يقول أفا وتفا لمن مودته * ان غبت عنه سويعة زالت ان مالت الريح هكذا وكذا * مال مع الريح أينما مالت والكلام مفسد للصلاة بخلاف التنحنح فانه لاصلاح الحلق ليتمكن به من القراءة والعطاس مما لا يمكنه الامتناع منه فكان عفوا بخلاف التأفيف فانه بمنزلة مالو قال في الصلاة هر ونحوه وتأويل حديث الكسوف أنه كان في وقت كان الكلام في الصلاة مباحا ثم انتسخ ولا بأس بأن يصلى الرجل في ثوب واحد متوشحا به لما روى في حديث أم هانئ رضى الله تعالى عنها أن النبي صلى يوم الفتح ثمان ركعات في ثوب واحد متوشحا به وسأل ثوبان رسول الله عن الصلاة في ثوب واحد فقال يا ثوبان أو لكلكم ثوبان أو قال أو كلكم يجد ثوبين (وصفة) التوشح أو يفعل بالثوب ما يفعله القصار في المقصرة

[ 34 ] إذا لف الكرباس على نفسه. جاء في الحديث إذا كان ثوبك واسعا فاتشح به وان كان ضيقا فاتزر به وانما يجوز هذا إذا كان الثوب صفيقا يحصل به ستر العورة وان كان رقيقا يصف ما تحته لا يحصل به ستر العورة فلا تجوز صلاته وكذلك الصلاة في قميص واحد (وذكر) ابن شجاع رحمه الله تعالى أنه ان لم يزره ينظر ان كان بحيث يقع بصره على عورته في الركوع والسجود لا تجوز صلاته وان كان ملتحقا لا يقع بصره على عورته تجوز صلاته * والحاصل أنه تكره الصلاة في ازار واحد لحديث نهى النبي أن يصلى الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شئ وسأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن الصلاة في ثوب واحد فقال أرأيت لو أرسلتك في حاجة كنت منطلقا في ثوب واحد فقال لا فقال الله أحق أن تتزين له. وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الصلاة في ازار واحد فعل أهل الجفاء وفى ثوب واحد متوشحا به أبعد عن الجفاء وفى ازار ورداء من أخلاق الكرام (ويكره للمصلى أن يرفع ثيابه أو يكفها أو يرفع شعره) لحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال النبي أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وأن لا أكف ثوبا ولا شعرا وقال إذا طول أحدكم شعره فليدعه يسجد معه. قال ابن مسعود رضى الله عنه له أجر بكل شعرة ثم كفه الثوب والشعر لكيلا يتترب نوع تجبر ويكره للمصلى ما هو من أخلاق الجبابرة ويسجد على جبهته وأنفه وأظب على هذا رسول الله وفيه تمام السجود فان سجد على الجبهة دون الانف جاز عندنا وعند الشافعي لا يجوز وان سجد على الانف دون الجبهة جاز عند أبى حنيفة رحمه الله ويكره ولم يجز عند أبى يوسف ومحمد رحمة الله عليهما وهو رواية أسيد بن عمرو عن أبى حنيفة رحمه الله أما الشافعي استدل بحديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي قال من لم يمس أنفه الارض في سجوده كما يمس جبهته فلا سجود له والمراد بهذا عندنا نفى الكمال لانفى الجواز. واستدل أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما بقول النبي السجود على الجبهة فريضة وعلى الانف تطوع فإذا ترك ما هو الفرض لا يجزئه ثم الانف تبع للجبهة في السجود كما أن الاذن تبع للرأس في المسح ولو اكتفى بمسح الاذن عن مسح الرأس لا يجزئه فهذا مثله. وأبو حنيفة احتج بقول ابن عمر رضى الله عنه فان زيد بن ركانة كان يصلى وعليه برنس فكان إذا سجد سقط على جبهته فناداه ابن

[ 35 ] عمر رضي الله عنهما إذا أمسست أنفك الارض أجزأك ولان المأمور به السجود على الوجه كما فسر الاعضاء السبعة في الحديث المعروف الوجه واليدان والركبتان والقدمان ووسط الوجه الانف فبالسجود عليه يكون ممتثلا للامر وهو أحد أطراف الجبهة فان عظم الجبهة مثلث والسجود على أحد أطرافه كالسجود على الطرف الآخر ولان الانف مسجد حتى إذا كان بجبهته عذر يلزمه السجود على الانف وما ليس بمسجد لا يصير مسجدا بالعذر في المسجد كالخد والذقن وإذا ثبت أنه مسجد فبالسجود عليه يحصل امتثال الامر وقال الله تعالى يخرون للاذقان سجدا والمراد ما يقرب من الذقن والانف أقرب إلى الذقن من الجبهة فهو أولى بأن يكون مسجدا والله أعلم. (باب افتتاح الصلاة) قال (وإذا انتهى الرجل إلى الامام وقد سبقه بركعتين وهو قاعد يكبر تكبيرة الافتتاح ليدخل بها في صلاته ثم كبر أخرى ويقعد بها) لانه التزم متابعة الامام وهو قاعد والانتقال من القيام إلى القعود يكون بالتكبير * والحاصل أنه يبدأ بما أدرك مع الامام لقوله إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا * وكان الحكم في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته حتى ان معاذا رضى الله عنه جاء يوما وقد سبقه النبي ببعض الصلاة فتابعه فيما بقى ثم قضى ما فاته فقال عليه الصلاة والسلام ما حملك على ما صنعت يا معاذ فقال وجدتك على حال فكرهت أن أخالفك عليه فقال عليه الصلاة والسلام سن لكم معاذ سنة حسنة فاستنوا بها * ثم لا خلاف ان المسبوق يتابع الامام في التشهد ولا يقوم للقضاء حتى يسلم الامام * وتكلموا أن بعد الفراغ من التشهد ماذا يصنع فكان ابن شجاع رحمه الله يقول يكرر التشهد وأبو بكر الرازي يقول يسكت لان الدعاء مؤخر إلى آخر الصلاة والاصح أنه يأتي بالدعاء متابعة للامام لان المصلى انما لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الاركان وهذا المعنى لا يوجد هنا لانه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الامام. ويجوز افتتاح الصلاة بالتسبيح والتهليل والتحميد في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف رحمه الله إذا كان يحسن التكبير ويعلم أن الصلاة تفتتح بالتكبير لا يصير شارعا بغيره وان كان لا يحسنه أجزأه * وألفاظ التكبير عنده أربعة الله أكبر الله الاكبر

[ 36 ] الله الكبير الله كبير وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصير شارعا الا بلفظتي الله أكبر الله الاكبر وعند مالك رحمه الله لا يصير شارعا الا بقوله الله أكبر واستدل بقوله لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر وبهذا احتج الشافعي ولكنه يقول الله الاكبر أبلغ في الثناء بادخال الالف واللام فيه فهو أولى وأبو يوسف استدل بقوله وتحريمها التكبير فلابد من لفظة التكبير وفى العبادات البدنية يعتبر المنصوص عليه ولا يشتغل بالتعليل حتى لا يقام السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة والانف. والاذان لا ينادى بغير لفظ التكبير فالتحريم للصلاة أولى وأبو حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله استدلا بحديث مجاهد رضى الله عنه قال كان الانبياء صلوات الله عليهم يفتتحون الصلاة بلا اله الا الله ولان الركن ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم وهو الثابت بالنص قال الله تعالى وذكر اسم ربه فصلى وإذا قال الله أعظم أو الله أجل فقد وجد ما هو الركن فأما لفظ التكبير وردت به الاخبار فيوجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه ولكن الركن ما هو الثابت بالنص. ثم من قال الرحمن أكبر فقد اتى بالتكبير قال الله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن الآية والتكبير بمعنى التعظيم قال الله تعالى فلما رأينه أكبرنه أي عظمنه وربك فكبر أي فعظم والتعظيم حصل بقوله الله أعظم (فاما) الاذان فالمقصود منه الاعلام وبتغيير اللفظ يفوت ما هو المقصود فان الناس لا يعلمون انه أذان فان قال الله لا يصير شارعا بهذا اللفظ عند محمد رحمه الله لان تمام التعظيم بذكر الاسم والصفة وعند أبى حنيقة رحمه الله يصير شارعا لان في هذا الاسم معنى التعظيم فانه مشتق من التأله وهو التحير وان قال اللهم اغفر لي لا يصير شارعا لان هذا سؤال والسؤال غير الذكر قال عليه الصلاة والسلام فيما يأثر عن ربه عزوجل من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين فان قال اللهم فالبصريون من أهل النحو قالوا الميم بدل عن ياء النداء فهو كقولك يا ألله فيصير شارعا عند ابى حنيفة والكوفيون قالوا الميم بمعنى السؤال أي يا ألله آمنا بخير فلا يصير شارعا به ولو كبر بالفارسية جاز عند أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله أن المقصود هو الذكر وذلك حاصل بكل لسان ولا يجوز عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا أن لا يحسن العربية فأبو يوسف رحمه الله تعالى مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه ومحمد فرق فقال للعربية من الفضيلة

[ 37 ] ما ليس لغيرها من الالسنة فإذا عبر إلى لفظ آخر من العربية جاز وإذا عبر إلى الفارسية لا يجوز وأصل هذه المسألة إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند ابى حنيفة رحمه الله ويكره وعندهما لا يجوز إذا كان يحسن العربية وإذا كان لا يحسنها يجوز وعند الشافعي رضى الله عنه لا تجوز القراءة بالفارسية بحال ولكنه ان كان لا يحسن العربية وهو أمي يصلى بغير قراءة وكذلك الخلاف فيما إذا تشهد بالفارسية أو خطب الامام يوم الجمعة بالفارسية فالشافعى رحمه الله يقول ان الفارسية غير القرآن قال الله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا وقال الله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا الآية فالواجب قراءة القرآن فلا يتأدى بغيره بالفارسية والفارسية من كلام الناس فتفسد الصلاة وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا القرآن معجز والا عجاز في النظم والمعنى فإذا قدر عليهما فلا يتأدى الواجب الا بهما وإذا عجز عن النظم أتى بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود يصلى بالايماء وأبو حنيفة رحمه الله استدل بما روى أن الفرس كتبوا إلى سلمان رضى الله عنه ان يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤن ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية. ثم الواجب عليه قراءة المعجز والاعجاز في المعنى فان القرآن حجة على الناس كافة وعجز الفرس عن الاتيان بمثله انما يظهر بلسانهم والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ولا محدث واللغات كلها محدثة فعرفنا أنه لا يجوز أن يقال انه قرآن بلسان مخصوص كيف وقد قال الله تعالى وانه لفي زبر الاولين وقد كان بلسانهم. ولو آمن بالفارسية كان مؤمنا وكذلك لو سمي عند الذبح بالفارسية أو لبى بالفارسية فكذلك إذا كبر وقرأ بالفارسية (وروى الحسن) عن أبى حنيفة رحمهما الله أنه إذا أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز وان كانوا لا يعلمون ذلك لم يجز لان المقصود الاعلام ولم يحصل به ثم عند أبى حنيفة رحمه الله انما يجوز إذا قرأ بالفارسية إذا كان يتيقن بأنه معنى العربية فأما إذا صلى بتفسير القرآن لا يجوز لانه غير مقطوع به إذا افتتح الصلاة قبل الامام ثم كبر الامام فصلى الرجل بصلاته لا يجزئه لقوله عليه الصلاة والسلام انما جعل الامام اماما ليؤتم به فلا تختلفوا عليه والاتمام لا يتحقق إذا لم يكبر الامام وقد اختلف عليه حين كبر قبله فلا يجزئه الا أن يجدد التكبير بعد تكبير الامام بنية الدخول في صلاته وحينئذ يصير قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الامام والتكبيرة الواحدة تعمل هذين العملين كمن كان في النافلة فكبر ينوى الفريضة. ومن غير هذا

[ 38 ] الباب إذا باع بألف ثم جدد بيعا بألفين كان فسخا للاول وانعقاد عقد آخر وأشار في الكتاب إلى أنه بالتكبير قبل تكبير الامام يصير شارعا في الصلاة لانه قال تكبيره الثاني قطع لما كان فيه فقيل تأويله ان لم يكن نوى الاقتداء وقيل ان نوى الاقتداء صار شارعا في صلاة نفسه وهو قول أبى يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله لا يصير شارعا في الصلاة بناء على أصل وهو أن الجهة إذا فسدت يبقى أصل الصلاة عند ابى يوسف رحمه الله وعند محمد لا يبقى وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان يأتي بيانه في موضعه. ثم الافضل عند أبي حنيفة أن يكبر المقتدى مع الامام لانه شريكه في الصلاة وحقيقة المشاركة في المقارنة وعندهما الافضل أن يكبر بعد تكبير الامام لانه تبع للامام وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام إذا كبر الامام فكبروا يشهد لهذا وكذلك سائر الافعال. وفى التسليم روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله احداهما أنه يسلم بعد الامام ليكون تحلله بعد تحلل الامام والاخرى أنه يسلم مع الامام كسائر الافعال وإذا سلم الامام ففى الفجر والعصر يقعد في مكانه ليشتغل بالدعاء لانه لاتطوع بعدهما ولكنه ينبغى أن يستقبل القوم بوجهه ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة وان كان خير المجالس ما استقبلت به القبلة للاثر المروى جلوس الامام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة وكان إذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه وقال هل رأى أحد منكم رؤيا فيه بشرى بفتح مكة ولانه يفتتن الداخل بجلوسه مستقبل القبله لانه يظنه في الصلاة فيقتدى به وانما يستقبلهم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق يصلى فان كان فلينحرف يمنة أو يسرة لان استقبال المصلى بوجهه مكروه لحديث عمر رضى الله تعالى عنه فانه رأى رجلا يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلى أتستقبل الصورة وقال للآخر أتستقبل المصلى بوجهك فأما في صلاة الظهر والعشاء والمغرب يكره له المكث قاعدا لانه مندوب إلى التنفل بعد هذه الصلوات والسنن لجبر نقصان ما يمكن في الفرائض فيشتغل بها وكراهية القعود في مكانه مروى عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر رضى الله تعالى عنهم ولا يشتغل بالتطوع في مكان الفريضة للحديث المروي أيعجر أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر بسبحته أي بنافلته ولانه يفتتن به الداخل أي يظنه في الفريضة فيقتدى به ولكنه يتحول إلى مكان آخر للتطوع استكثارا من شهوده فان مكان المصلى يشهد له يوم القيامة. والاولى أن يتقدم المقتدى ويتأخر الامام ليكون حالهما في التطوع

[ 39 ] خلاف حالهما في الفريضة فان كان الامام مع القوم في المسجد فانى أحب لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الامام والقوم جميعا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وان أخروا التكبير حتى يفرغ المؤذن من الاقامة جاز وقال أبو يوسف رحمه الله لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الاقامة وقال زفر إذا قال المؤذن مرة قد قامت الصلاة قاموا في الصف وإذا قال ثانيا كبروا وقال لان الاقامة تباين الاذان بهاتين الكلمتين فتقام الصلاة عندها وأبو يوسف احتج بحديث عمر رضى الله تعالى عنه فانه بعد فراغ المؤذن من الاقامة كان يقوم في المحراب ويبعث رجالا يمنة ويسرة ليسووا الصفوف فإذا نادوا استوت كبر ولانه لو كبر الامام قبل فراغ المؤذن من الاقامة فات المؤذن تكبيرة الافتتاح فيؤدى إلى تقليل رغائب الناس في هذه الامانة. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله استدلا بحديث بلال حيث قال لرسول الله مهما سبقتني بالتكبير فلا تسبقني بالتأمين فدل على أنه كان يكبر بعد فراغه من الاقامة ولان المؤذن بقوله قد قامت الصلاة يخبر بأن الصلاة قد أقيمت وهو أمين فإذا لم يكبر كان كاذبا في هذا الاخبار فينبغي أن يحققوا خبره بفعلهم لتحقق أمانته وهذا إذا كان المؤذن غير الامام فان كان هو الامام لم يقوموا حتى يفرغ من الاقامة لانهم تبع للامام وامامهم الآن قائم للاقامة لا للصلاة وكذلك بعد فراغه من الاقامة ما لم يدخل المسجد لا يقومون فإذا اختلط بالصفوف قام كل صف جاوزهم حتى ينتهى إلى المحراب وكذلك إذا لم يكن الامام معهم في المسجد يكره لهم أن يقوموا في الصف حتى يدخل الامام لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقوموا في الصف حتى ترونى خرجت وان عليا رضى الله تعالى عنه دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال مالى أراكم سامدين أي واقفين متحيرين. ومن تثاءب في الصلاة ينبغي له أن يغطى فاه لقوله عليه الصلاة والسلام إذا تثاءب أحدكم في صلاته فليغط فاه فان الشيطان يدخل فيه أو قال فمه ولان ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الادب ففى مناجاة الرب أولى * قال (واكره أن يكون الامام على الدكان والقوم على الارض) لان النبي نزل عن المنبر لصلاة الجمعة فلولم يكره كون الامام على الدكان لصلى على المنبر ليكون أشهر وان حذيفة رضى الله تعالى عنه قام على دكان يصلى لاصحابه فجذبه سلمان حتى أنزله فلما فرغ قال أما علمت أن أصحابك يكرهون

[ 40 ] ذلك قال فلهذا اتبعتك حين جذبتني (وروى) ان عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه قام بالمدائن على دكان يصلى بأصحابه فجذبه حذيفة رضى الله تعالى عنه فلما فرغ قال أما سمعت رسول الله ينهى عن هذا قال لقد تذكرت ذلك حين جذبتني، وفى قيامه على الدكان تشبه باليهود واظهار التكبر على القوم وذلك مكروه فان كان الامام على الارض والقوم على الدكان فذلك مكروه في رواية الاصل لان فيه استخفافا من القوم لائمتهم. وفى رواية الطحاوي هذا لا يكره لانه مخالف لاهل الكتاب وكذلك ان كان مع الامام بعض القوم لم يكره ولم يبين في الاصل حد ارتفاع الدكان (وذكر) الطحاوي أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره لان القليل من الارتفاع عفو ففى الارض هبوط وصعود والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة لان القوم حينئذ يحتاجون إلى التكلف للنظر إلى الامام وربما يشتبه عليهم حاله * قال (ويجوز امامة الاعمى والاعرابي والعبد وولد الزنا والفاسق وغيرهم أحب الي) والاصل فيه أن مكان الامامة ميراث من النبي فانه أول من تقدم للامامة فيختار له من يكون أشبه به خلقا وخلقا ثم هو مكان استنبط منه الخلافة فان النبي لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالت الصحابة بعد موته انه اختار أبا بكرلامر دينكم فهو المختار لامر دنياكم فانما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس (وتكثير الجماعة مندوب إليه) قال عليه الصلاة والسلام صلاة الرجل مع اثنين خير من صلاته وحده وصلاته مع الثلاثة خير من صلاته مع اثنين وكلما كثرت الجماعة فهو عند الله أفضل وفى تقديم المعظم تكثير الجماعة فكان أولى. إذا ثبت هذا فنقول تقديم الفاسق للامامة جائز عندنا ويكره وقال مالك رضى الله تعالى عنه لا تجوز الصلاة خلف الفاسق لانه لما ظهرت منه الخيانة في الامور الدينية فلا يؤتمن في أهم الامور ألا ترى أن الشرع أسقط شهادته لكونها أمانة (ولنا) حديث مكحول ان النبي قال الجهاد مع كل أمير والصلاة خلف كل امام والصلاة على كل ميت وقال صلوا خلف كل بر وفاجر ولان الصحابة والتابعين كانوا لا يمتنعون من الاقتداء بالحجاج في صلاة الجمعة وغيرها مع انه كان أفسق أهل زمانه حتى قال الحسن رحمه الله تعالى لوجاء كل أمة بخبيثاتها ونحن جئنا بأبى محمد لغلبناهم وانما يكره لان في تقديمه تقليل الجماعة وقلما يرغب الناس في الاقتداء به وقال أبو يوسف في

[ 41 ] الامالى أكره أن يكون الامام صاحب هوى أو بدعة لان الناس لا يرغبون في الاقتداء به وانما جاز امامة الاعمى لان النبي استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرة وعتبان بن مالك مرة وكانا أعميين والبصير أولى لانه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعد ماكف بصره ألا تؤمهم قال كيف أؤمهم وهم يسوونني إلى القبلة ولان الاعمي قد لا يمكنه أن يصون ثيابه عن النجاسات فالبصير أولى بالامامة. وأما جواز امامة الاعرابي فان الله تعالى أثني على بعض الاعراب بقوله ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله الآية وغيره أولى لان الجهل عليهم غالب والتقوى فيهم نادرة وقد ذم الله تعالى بعض الاعراب بقوله تعالى الاعراب أشد كفرا ونفاقا. وأما العبد فجواز إمامته لحديث أبى سعيد مولى أبى أسيد قال عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله فيهم أبو ذر فحضرت الصلاة فقدموني فصليت بهم وغيره أولى لان الناس قلما يرغبون في الاقتداء بالعبيد والجهل عليهم غالب لا شتغالهم بخدمة المولى عن تعلم الاحكام والتقوى فيهم نادرة وكذلك ولد الزنا فانه لم يكن له أب يفقهه فالجهل عليه غالب والذى روى عن النبي قال ولد الزنا شر الثلاثة فقد روت عائشة رضى الله تعالى عنها هذا الحديث وقالت كيف يصح هذا وقد قال الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم المراد شر الثلاثة نسبا أو قاله في ولد زنا بعينه نشأ مرتدا فأما من كان منهم مؤمنا فالاقتداء به صحيح * قال (ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة وأفضلهم ورعا وأكبرهم سنا) لحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبي قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فان كانوا سواء فأعلمهم بالسنة فان كانوا سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا سواء فأكبرهم سنا وأفضلهم ورعا وزاد في حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فا كانوا سواء فأحسنهم وجها فبعض مشايخنا اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا من يكون أقرأ لكتاب الله تعالى يقدم في الامامة لان النبي بدأ به وقال النبي أهل القرآن هم أهل الله وخاصته * والاصح أن الاعلم بالسنة إذا كان يعلم من القرآن مقدار ما تجوز به الصلاة فهو أولى لان القراءة يحتاج إليها في ركن واحد والعلم يحتاج إليه في جميع الصلاة والخطأ المفسد للصلاة في القراءة لايعرف الا بالعلم وانما قدم

[ 42 ] الاقرأ في الحديث لانهم كانوا في ذلك الوقت يتعلمون القرآن باحكامه على ماروي ان عمر رضى الله تعالى عنه حفظ سورة البقرة في ثنتى عشرة سنة فالاقرأ منهم يكون أعلم فأما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولاحظ له في العلم فالاعلم بالسنة أولى الا أن يكون ممن يطعن عليه في دينه فحينئذ لا يقدم لان الناس لا يرغبون في الاقتداء به (فان استووا في العلم بالسنة فأفضلهم ورعا) لقوله من صلى خلف عالم تقى فكانما صلى خلف نبى (وقال) ملاك دينكم الورع * وفى الحديث يقدم أقدمهم هجرة لانها كانت فريضة يومئذ ثم انتسخ بقوله لاهجرة بعد الفتح ولان أقدمهم هجرة يكون أعلمهم بالسنة لانهم كانوا يهاجرون لتعلم الاحكام فان كانوا سواء فاكبرهم سنا لقوله الكبر الكبر ولان أكبرهم سنا يكون أعظمهم حرمة عادة ورغبة الناس في الاقتداء به أكثر * والذى قال في حديث عائشة رضى الله عنها فان كانوا سواء فأحسنهم وجها قيل معناه أكثرهم خبرة بالامور كما يقال وجه هذا الامر كذا وان حمل على ظاهره فالمراد منه أكثرهم صلاة بالليل جاء في الحديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار قال ويكره للرجل أن يؤم الرجل في بيته الا باذنه لقوله لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه ولان في التقدم عليه ازدراء به بين عشيرته وأقاربه وذلك لا يليق بحسن الخلق الا أن يكون الضيف سلطانا فحق الامامة له حيث يكون وليس للغير أن يتقدم عليه الا باذنه وإذا كان مع الامام رجلان فانه يتقدم الامام ويصلى بهما لان للمثنى حكم الجماعة قال الاثنان فما فوقهما جماعة وكذلك معنى الجمع من الاجتماع وذلك حاصل بالمثنى * والذى روى أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صلى بعلقمة والاسود في بيت واحد فقام في وسطهما قال إبراهيم النخعي رحمه الله كان ذلك لضيق البيت والاصح أن هذا كان مذهب ابن مسعود رضى الله تعالي عنه ولهذا قال في الكتاب وان لم يتقدم الامام وصلى بهما فصلاتهم تامة لان فعلهم حصل في موضع الاجتهاد وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة والتقدم للامامة من سنة الجماعة ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالي في صلاة الجمعة النصاب ثلاثة سوى الامام (وان كان القوم كثيرا فقام الامام وسطهم أو في ميمنة الصف أو في ميسرة الصف فقد أساء الامام وصلاتهم

[ 43 ] تامة) أما جواز الصلاة فلان المفسد تقدم القوم على الامام ولم يوجد وأما الكراهة فلان النبي تقدم للامامة بأصحابه رضوان الله عليهم وواظب على ذلك والاعراض عن سنته مكروه ولان مقام الامام في وسط الصف يشبه جماعة النساء ويكره للرجال التشبه بهن (وان تقدم المقتدى على الامام لا يصح اقتداؤه به الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول الواجب عليه المتابعة في الافعال فإذا أتى به لم يضره قيامه قدام الامام) (ولنا) الحديث ليس مع الامام من يقدمه ولانه إذا تقدم على الامام اشتبه عليه حالة افتتاحه واحتاج إلى النظر وراءه في كل وقت ليقتدى به فلهذا لا يجوز فان كان مع الامام واحد وقف على يمين الامام لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال بت عند خالتي ميمونة رضى الله تعالى عنها لاراقب صلاة النبي بالليل فانتبه فقال نامت العيون وغارت النجوم وبقى الحي القيوم ثم قرأ آخر سورة آل عمران ان في خلق السموات والارض إلى آخر الآية ثم قام إلى شن ماء معلق فتوضأ وافتتح الصلاة فقمت وتوضأت ووقفت على يساره فأخذ بأذنى وأدارني خلفه حتى أقامنى عن يمينه فعدت إلى مكاني فأعادني ثانيا وثالثا فلما فرغ قال ما منعك يا غلام أن تثبت في الموضع الذى أوقفتك قلت أنت رسول الله ولا ينبغى لاحد أن يساويك في الموقف فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. فاعادة رسول الله اياه إلى الجانب الايمن دليل على أنه هو المختار إذا كان مع الامام رجل واحد (وفى ظاهر الرواية لا يتأخر المقتدى عن الامام وعن محمد رحمه الله تعالى قال ينبغى أن يكون أصابعه عند عقب الامام وهو الذى وقع عند العوام) وان كان المقتدى أطول فكان سجوده قدام الامام لم يضره لان العبرة بموضع الوقوف لا بموضع السجود كما لو وقف في الصف ووقع في سجوده أمام الامام لطوله وان صلى خلفه امرأة جازت صلاته لحديث أنس رضى الله عنه أن جدته مليكة رضى الله تعالى عنها دعت رسول الله إلى طعام فقال قوموا لاصلى بكم فأقامني واليتيم من ورائه وأمى أم سليم وراءنا وصلاة الصبى تخلق فبقي أنس رضى الله تعالى عنه واقفا خلفه وحده وأم سليم وقفت خلف الصبى وحدها. وفى الحديث دليل على أنه إذا كان مع الامام اثنان يتقدمهما الامام ويصطفان خلفه (قال) وكذلك ان وقف على يسار الامام لان ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وقف في الابتداء عن يساره واقتدى

[ 44 ] به ثم جواز اقتدائه به وفى الادراة حصل خلفه فدل أن شيئا من ذلك غير مفسد * قال (وهو مسئ من أصحابنا من قال هذه الاساءة إذا وقف عن يسار الامام لاخلفه) لان الواقف خلفه أحد الجانبين منه على يمينه فلايتم اعراضه عن السنة بخلاف الواقف على يساره (والاصح أن جواب الاساءة في الفصلين جميعا لانه عطف أحدهما على الآخر بقوله وكذلك) والله سبحانه وتعالى أعلم (باب الوضوء والغسل) قال (يبدأ في غسل الجنابة بيديه فيغسلهما ثم يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثم يتنحى فيغسل قدميه هكذا روت عائشة رضى الله تعالى عنها وأنس وميمونة رضي الله تعالى عنهما اغتسال رسول الله وأكملها حديث ميمونة رضى الله تعالى عنها قالت وضعت غسلا لرسول الله ليغتسل به من الجنابة فأخذ الاناء بشماله وأكفأه على يمينه فغسل يديه ثلاثا ثم أنقى فرجه بالماء ثم مال بيديه على الحائط فدلكهما بالتراب ثم توضأ وضوءه للصلاة غير غسل القدمين ثم أفاض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم تنحى فغسل قدميه. وفى ظاهر الرواية يمسح برأسه في الوضوء وروى الحسن عن ابى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يمسح لانه قد لزمه غسل رأسه وفرضية المسح لا تظهر عند وجوب الغسل. ويبدأ بغسل ما على جسده من النجاسة لانه ان لم يفعل ذلك ازدادت النجاسة باسالة الماء والبداءة بالوضوء قبل افاضة الماء ليس بواجب عندنا ومن العلماء من قال هو واجب ومنهم من فصل بين ما إذا أجنب وهو محدث أو طاهر فقال إذا كان محدثا يلزمه الوضوء لانه قبل الجنابة قد كان لزمه الوضوء والغسل فلا يسقط بالجنابة (ولنا) قوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا والاطهار يحصل بغسل جميع البدن ولان مبنى الاسباب الموجبة للطهارة على التداخل ألا ترى أن الحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد. ومن العلماء من أوجب الوضوء بعد افاضة الماء وقد روى انكار ذلك عن علي وابن مسعود رضى الله عنهما * وسئل ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن ذلك فقال للسائل قد تعمقت أما يكفيك غسل جميع بدنك * والاصل فيه قول رسول الله أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث حثيات من ماء فإذا أنا قد طهرت (والدلك

[ 45 ] في الاغتسال ليس بشرط الاعلى قول مالك يقيسه بغسل النجاسة العينية (ولنا) أن الواجب بالنص الاطهار والدلك يكون زيادة عليه والدلك لمقصود ازالة عين من البدن وليس على بدن الجنب عين يزيلها بالاغتسال فلا حاجة إلى الدلك وانما يؤخر غسل القدمين عن الوضوء لان رجليه في مستنقع الماء المستعمل حتى لو كان على لوح أو حجر لا يؤخر غسل القدمين * فالحاصل أن امرار الماء على جميع البدن فرض لقوله تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة. وبافاضة الماء ثلاثا يتضاعف الثواب وبتقديم الوضوء تتم السنة وهو نظير لمراتب الوضوء على مابينا * وأدنى ما يكفى في غسل الجنابة من الماء صاع وفى الوضوء مد لحديث جابر رضى الله تعالى عنه قال كان النبي يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فقيل له ان لم يكفنا فغضب وقال لقد كفى من هو خير منكم وأكثر شعرا وهذا التقدير ليس بتقدير لازم فأنه لو أسبغ الوضوء بدون المد أجزأه لحديث عبد الرحمن بن زيد رضى الله عنه أن النبي توضأ بثلثي مد وان لم يكفه المد في الوضوء يزيد الا أنه لا يسرف في صب الماء لحديث سعيد رضى الله عنه حين مر به رسول الله وهو يتوضأ ويصب الماء صبا فاحشا فقال اياك والسرف قال أوفى الوضوء سرف قال نعم ولو كنت على ضفة نهر جار. ثم التقدير بالصاع لماء الافاضة فإذا أراد تقديم الوضوء زاد مدا له والتقدير بالمد في الوضوء إذا كان لا يحتاج إلى الاستنجاء فان احتاج إلى ذلك استنجي برطل وتوضأ بمد وان كان لابسا للخف وهو لا يحتاح إلى الاستنجاء يكفيه رطل كل هذا غير لازم لاختلاف طباع الناس وأحوالهم وكذلك غسل المرأة من الحيض فالواجب فيهما الاطهار * قال الله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن وان لم تنقض رأسها الا أن الماء بلغ أصول شعرها أجزأها لحديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها فانها قالت يارسول الله صلى الله عليك وسلم انى امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه إذا اغتسلت فقال لا. يكفيك أن تفيضي الماء على رأسك وسائر جسدك ثلاثا. وبلغ عائشة رضى الله تعالى عنها أن ابن عمر رضى الله تعالى عنه كان يأمر المرأة بنقض رأسها في الاغتسال فقالت لقد كلفهن شططا ألا أمرهن بجز نواصيهن. وقال انما شرط تبليغ الماء أصول الشعر لحديث حذيفة رضى الله تعالى عنه فانه كان يجلس إلى جنب امرأته إذا اغتسلت ويقول يا هذه أبلغي الماء أصول شعرك ومتون رأسك. واختلف مشايخنا في وجوب بل الذوائب فقال بعضهم تبل

[ 46 ] ذوائبها ثلاثا مع كل بلة عصرة والاصح أن ذلك ليس بواجب لما فيه من الحرج وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة يشهد للقول الاول (جنب) اغتسل فانتضح من غسله في إنائه لم يفسد عليه الماء لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ومن يملك سيل الماء. ولما سئل الحسن عن هذا فقال انا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا أشار إلى أن ما لا يستطاع الامتناع منه يكون عفوا فان كان ذلك الماء يسيل في انائه لم يجز الاغتسال بذلك الماء يريد به أن الكثير يمكن التحرز عنه فلا يجعل عفوا. والحد الفاصل بين القليل والكثير ان كان يستبين مواقع القطر في الاناء يكون كثيرا. قال (ولا يجوز التوضؤ بماء مستعمل في وضوء أو في غسل شئ من البدن) وقال مالك رحمه الله يجوز لان بدن الجنب والمحدث طاهر حتى لو عرق في ثوبه أو لبس ثوبا مبلولا لم يفسد الثوب واستعمال الماء في محل طاهر لا يغير صفته كما لو غسل به اناء طاهر (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة فالتسوية بينهما تدل على أن الاغتسال يفسد الماء وقال علي وابن عباس رضى الله تعالى عنهما في مسافر معه ماء يحتاج إليه لشربه انه يتيمم ويمسك الماء لعطشه فلولم يتغير الماء بالاستعمال لامرا بالتوضئ في اناء ثم بالامساك للشرب والعادة جرت بصب الغسالة في السفر والحضر مع عزة الماء في السفر فذلك دليل ظاهر على تغير الماء بالاستعمال * ثم اختلفوا في صفة الماء المستعمل فقال أبو يوسف رحمه الله هو نجس الا أن التقدير فيه بالكثير الفاحش وهو روايته عن أبى حنيفة رضى الله عنه وروى الحسن عن أبى حنيفه أنه نجس لا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم وقال محمد رحمه الله تعالى هو طاهر غير طهور وهو رواية زفر وعافية القاضى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وجه قول أبى يوسف أن الحدث الحكمى أغلظ من النجاسة العينية ثم ازالة النجاسة العينية بالماء تنجسه فأزالة الحدث الحكمى به أولى ولهذا قال في رواية الحسن رحمه الله التقدير فيه بالدرهم كما في النجاسة العينية ولكنه بعيد فان للبلوى تأثيرا في تخفيف النجاسة ومعنى البلوى في الماء المستعمل ظاهر فان صون الثياب عنه غير ممكن وهو مختلف في نجاسته فلذلك خف حكمه. وجه قول محمد رحمه الله ماروي أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتبادرون إلى وضوء رسول الله فيمسحون به أعضاءهم ومن لم يصبه أخذ بللا من كف صاحبه والتبرك بالنجس لا يكون. والمعنى

[ 47 ] ان أعضاء المحدث طاهرة ولكنه ممنوع من اقامة القربة فإذا استعمل الماء تحول ذلك المنع إلى الماء فصارت صفة الماء كصفة العضو قبل الاستعمال فيكون طاهرا غير طهور بخلاف ما إذا أزال النجاسة بالماء فالنجاسة هناك تتحول إلى الماء (وروى) المعلى عن أبى يوسف رحمه الله أن المتوضئ بالماء ان كان محدثا يصير الماء نجسا وان كان طاهرا لا يصير الماء نجسا ولكن باستعمال الطاهر يصير الماء مستعملا الا على قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى فانهما يقولان إذا لم يحصل ازالة حدث أو نجاسة بالماء لا يصير الماء مستعملا كما لو غسل به ثوبا طاهرا (ولنا) أن اقامة القربة حصل بهذا الاستعمال قال عليه الصلاة والسلام الوضوء على الوضوء نور على نور يوم القيامة فنزل ذلك منزلة ازالة الحدث به بخلاف غسل الثوب والاناء الطاهر فانه ليس فيه اقامة القربة (وذكر) الطحاوي رحمه الله أنه إذا تبرد بالماء صار الماء مستعملا وهذا غلط منه الا أن يكون تأويله ان كان محدثا فيزول الحدث باستعمال الماء وان كان قصده التبرد فحينئذ يصير مستعملا * قال (وسؤر الآدمي طاهر) لما روى أن النبي أتى بعس من لبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيا كان على يمينه فشربه ثم ناوله أبا بكر رضى الله عنه فشربه ولان عين الآدمي طاهر وانما لا يؤكل لكرامته لا لنجاسته وسؤره متحلب من عينه وعينه طاهر فكذلك سؤره * وكذلك سؤر الحائض لما روي أن عائشة رضى الله عنها شربت من إناء في حال حيضها فوضع رسول الله فمه على موضع فيها وشرب. ولما قال لها ناوليني الخمرة (1) فقالت اني حائض فقال حيضتك ليست في يدك. إذا ثبت هذا في اليد فكذلك في الفم. وكذلك سؤر الجنب لما روى أن حذيفة رضى الله عنه استقبل رسول الله فأراد أن يصافحه فحبس يده وقال انى جنب فقال عليه الصلاة والسلام ان المؤمن لا ينجس وكذلك سؤر المشرك عندنا وبعض أصحاب الظواهر يكرهون ذلك لقوله تعالى انما المشركون نجس ولكنا نقول المراد منه خبث الاعتقاد بدليل ماروي أن النبي أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين ولو كان عين المشرك نجسا لما أنزلهم في المسجد. وكذلك سؤر ما يؤكل لحمه من الدواب والطيور (1) (الخمرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم وفتح الراء هي حصيرة صغيرة من السعف وتطلق على غير ذلك كما في القاموس كتبه مصححه

[ 48 ] لما روى أن النبي توضأ بسؤر بعير أو شاة وقال ما يؤكل لحمه فسؤره طاهر ما خلا الدجاجة المخلاة فان سؤرها مكروه لانها تفتش الجيف والاقذار فمنقارها لا يخلو عن النجاسة ولكن مع هذا لو توضأ به جاز لانه على يقين من طهارة منقارها وفى شك من النجاسة والشك لا يعارض اليقين فان كانت الدجاجة محبوسة فسؤرها طاهر لان منقارها عظم جاف ليس بنجس ولان عينها طاهر مأكول فكذلك ما يتحلب منه والذى روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول بحرمة الدجاجة شاذ غير معمول به فقد صح في الحديث أن النبي كان يأكل لحم الدجاجة. وصفة المحبوسة أن لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها فانه إذا كان يصل ربما تفتش ما يكون منها فهي والمخلاة سواء والذى بينا في سؤر هؤلاء فكذلك في اللعاب والعرق إذا أصاب لعاب ما يؤكل لحمه أو عرقه ثوب انسان تجوز الصلاة فيه لان ذلك متحلب من عينه فكان طاهرا كلبنه * قال (ولا يصح التطهر بسؤر ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع ولعابه يفسد الماء * وهنا مسائل) احداها سؤر الخنزير فانه نجس بالاتفاق لان عينه نجس قال الله تعالى أو لحم خنزير فانه رجس والرجس والنجس سواء (والثانية) سؤر الكلب فانه نجس الا على قول مالك رحمه الله بناء على مذهبه في تناول لحمه. وكان يقول الامر بغسل الاناء من ولوغ الكلب كان تعبدا لا للنجاسة كما أمر المحدث بغسل أعضائه تعبدا أو كان ذلك عقوبة عليهم والكلاب فيهم كانت تؤذى الغرباء فنهوا عن اقتنائها وأمروا بغسل الاناء من ولوغها عقوبة عليهم (ولنا) حديث عطاء بن ميناء عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال طهور أناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله ثلاثا. وفى بعض الروايات قال سبعا وتعفر الثامنة بالتراب فقوله طهور اناء أحدكم دليل على تنجس الاناء بولوغه وان الامر بالغسل للتنجيس لا للتعبد فان الجمادات لا يلحقها حكم العبادات والزيادة في العدد والتعفير بالتراب دليل على غلظ النجاسة والصحيح من المذهب عندنا ان عين الكلب نجس واليه يشير محمد رحمه الله في الكتاب في قوله وليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير. وبعض مشايخنا يقول عين الكلب ليس بنجس ويستدلون عليه بطهارة جلده بالدباغ وسنقرره من بعد وأما سؤر مالا يؤكل لحمه من السباع كالاسد والفهد والنمر عندنا نجس. وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه طاهر لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن

[ 49 ] النبي سئل فقيل أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها وفى حديث جابر رضى الله عنه أن النبي سئل عن الحياض التى بين مكة والمدينة وما ينوبها من السباع فقال لها ما ولغت في بطونها وما بقى فهو لنا شراب وطهور ولان عينها طاهرة بدليل جواز الانتفاع بها في حالة الاختيار وجواز بيعها فيكون سؤرها طاهرا كسؤر الهرة (ولنا) ماروى أن ابن عمر وعمرو بن العاص رضى الله عنهما وردا حوضا فقال عمرو بن العاص يا صاحب الحوض أترد السباع ماءكم هذا فقال ابن عمر رضى الله تعالى عنه يا صاحب الحوض لا تخبرنا. فلولا أنه كان إذا أخبر بورود السباع يتعذر عليهم استعماله لما نهاه عن ذلك * والمعنى فيه أن عين هذه الحيوانات مستخبث غير طيب فسؤرها كذلك كالكلب والخنزير وهذا لان سؤرها يتحلب من عينها كلبنها ثم لبنها حرام غير مأكول فكذلك سؤرها وهو القياس في الهرة أيضا لكن تركنا ذلك بالنص وهو قوله في الهرة ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم والطوافات أشار إلى العلة وهى كثرة البلوى لقربها من الناس وهذا لا يوجد في السباع فانها تكون في المفاوز لا تقرب من الناس اختيارا وتأويل الحديثين أنه كان ذلك في الابتداء قبل تحريم لحم السباع. أو السؤال وقع عن الحياض الكبار وبه نقول ان مثلها لا ينجس بورود السباع فأما سؤر الحمار فطاهر عند الشافعي رحمه الله تعالى وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما فانه كان يقول الحمار يعلف القت والتبن فسؤره طاهر وعندنا مشكوك فيه غير متيقن بطهارته ولا بنجاسته فان ابن عمر رضى الله عنهما كان يقول انه رجس فيتعارض قوله وقول ابن عباس رضى الله عنهما وكذلك الاخبار تعارضت في أكل لحمه * فروى أن النبي نهى عن أكل لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر * وروى أن أبجر ابن غالب رضى الله عنه قال لم يبق لى من مالى الا حميرات فقال عليه الصلاة والسلام كل من سمين مالك وكذلك اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته واعتباره بلبنه يدل على نجاسته ولان الاصلى الذى أشار إليه رسول الله في الهرة موجود في الحمار لانه يخالط الناس لكنه دون ما في الهرة فانه لايدخل المضايق فلوجود أصل البلوى لانقول بنجاسته ولكون البلوى فيه متقاعدا لا نقول بطهارته فيبقى مشكوكا فيه وأدلة الشرع أمارات لا يجوز أن تتعارض والحكم فيها الوقف * وكان أبو طاهر الدباس رحمه الله

[ 50 ] ينكر هذا ويقول لا يجوز أن يكون شئ من حكم الشرع مشكوكا فيه ولكن يحتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به حالة الاختيار وإذا لم يجد غيره يجمع بينه وبين التيمم احتياطا فبأيهما بدأ أجزأه الا على قول زفر فانه يقول يبدأ بالوضوء فلا يعتبر تيممه مادام معه ماء هو مأمور بالتوضئ به ولكنا نقول الاحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فان كان طاهرا فقد توضأ به قدم أو أخر وان كان نجسا ففرضه التيمم وقد أتى به ولا يقال في هذا ترك الاحتياط من وجه لانه ان كان نجسا تتنجس به أعضاؤه وهذا لان معنى الشك في طهارته لا في كونه طاهرا لان الحدث يقين فأما العضو والثوب فطاهر بيقين فلا يتنجس بالشك والحدث موجود بيقين فالشك وقع في طهارته واليقين لا يزال بالشك وهو الصحيح من المذهب * وذكر أبو يوسف في الاملاء عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه في لعاب الحمار إذا أصاب الثوب تجوز الصلاة فيه ما لم يفحش وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أجزأه وان فحش وقال محمد رحمه الله تعالى لو غمس فيه الثوب تجوز الصلاة في ذلك الثوب وجميع ما بينا في الحمار كذلك في البغل فان والده غير مأكول اللحم والصحيح في عرقهما أنه طاهر وأشار في بعض النسخ إلى جواز الصلاة فيه ما لم يفحش والاصح هو الاول فان النبي كان يركب حمارا معروريا والحر حر تهامة ولا بد أن يعرق الحمار ولان معنى البلوى في عرقه ظاهر لمن يركبه فأما سئور الفرس طاهر في ظاهر الرواية وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه مكروه كلحمه * وجه ظاهر الرواية وهو أن السؤر لمعنى البلوى أخف حكما من اللحم كما في الحمار والبغل والكراهة التى في اللحم تنعدم في السؤر ليظهر به خفة الحكم * فأما سؤر حشرات البيت كالفأرة والحية ونحوهما في القياس فنجس لانها تشرب بلسانها ولسانها رطب من لعابها ولعابها يتحلب من لحمها ولحمها حرام ولكنه استحسن فقال طاهر مكروه لان البلوى التى وقعت الاشارة إليها في الهرة. موجودة هنا فانها تسكن البيوت ولا يمكن صون الاواني عنها وأما سؤر سباع الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب وما لا يؤكل لحمه من الطير في القياس نجس لان مالا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبر بما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش ولكنا استحسنا فقلنا بأنه طاهر مكروه لانها تشرب بمنقارها ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش فانها تشرب بلسانها ولسانها رطب بلعابها ولان في سؤر سباع الطير

[ 51 ] تتحقق البلوى فانها تنقض من الهواء فلا يمكن صون الاواني عنها خصوصا في الصحارى بخلاف سباع الوحش. وعن أبى يوسف رحمه الله قال ما يقع على الجيف من سباع الطير فسؤره نجس لان منقاره لا يخلو عن نجاسة عادة وأما سؤر السنور ففي كتاب الصلاة قال وان توضأ بغيره أحب إلى وفى الجامع الصغير قال هو مكروه وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسؤره لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي كان يصغي الاناء لهرة حتى تشرب ثم يتوضأ بالباقي (ولنا) حديث ابن عمر رضى الله عنهما يغسل الاناء من ولوغ الهرة مرة وهو إشارة إلى الكراهة. وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي قال الهرة سبع وهى من السباع التى لا يؤكل لحمها فهذا الحديث يدل على النجاسة وحديث عائشة رضى الله عنها يدل على الطهارة فأثبتنا حكم الكراهة عملا بهما جميعا. وكان الطحاوي رحمه الله يقول كراهة سؤره لحرمة لحمه وهذا يدل على أنه إلى التحريم أقرب وقال الكرخي رحمه الله كراهة سؤره لانه يتناول الجيف فلا يخلو فمه عن النجاسة عادة وهذا يدل على أن الكراهة كراهة تنزيه وهو الاصح والاقرب إلى موافقة الاثر * قال (وان مات في الاناء ذباب أو عقرب أو غير ذلك مما ليس له دم سائل لم يفسده عندنا) وقال الشافعي رضى الله عنه يفسده الا ما خلق منه كدود الخل يموت فيه وسوس الثمار يموت في الثمار واستدل بقوله تعالى حرمت عليكم الميته فهو تنصيص على نجاسة كل ميته وإذا تنجس بالموت تنجس ما مات فيه الا أن فيما خلق منه ضرورة ولا يمكن التحرز عنه فصار عفوا لهذا (ولنا) حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله إذا وقع الذباب في اناء أحدكم فامقلوه ثم امقلوه ثم انقلوه فان في أحد جناحيه سما وفى الآخر شفاء وانه ليقدم السم على الشفاء ومعلوم أن الذباب إذا مقل مرارا في الطعام الحار يموت فلو كان مفسدا لما أمر بمقله. وفى حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه عن النبي قال ما ليس له دم سائل إذا مات في الاناء فهو الحلال أكله وشربه والوضوء به ولان الحيوان إذا مات فانما يتنجس لما فيه من الدم المسفوح حتى لو ذكى فسال الدم منه كان طاهرا وهذا لان المحرم هو الدم المسفوح قال الله تعالى أو دما مسفوحا فما ليس له دم سائل لا يتناوله نص التحريم فلا ينجس بالموت ولا يتنجس ما مات فيه قياسا على

[ 52 ] ما خلق منه * قال (وان وقع فيه دم أو خمر أو عذرة أو بول افسده عندنا) وقال مالك رحمه الله لا يفسده الا أن يتغير به أحد أوصافه من لون أو ريح أو طعم واحتج بما روي أن النبي كان يتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيه الجيف ومحايض النساء فلما ذكر له ذلك قال خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام لايبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة فلو لم يكن ذلك مفسدا للماء ما كان للنهي عنه معنى وفائدة. وفيه طريقتان احداهما أن الماء ينجس بوقوع النجاسة فيه لان صفة الماء تتغير بما يلقى فيه حتى يضاف إليه كماء الزعفران وماء الباقلا * والثانية أن عين الماء لا يتنجس ولكن يتعذر استعماله لمجاورة الفاسد لان النجاسة تتفرق في أجزاء الماء فلا يمكن استعمال جزء من الماء الا باستعمال جزء من النجاسة واستعمال النجاسة حرام * وأما الحديث فقد قيل ان بئر بضاعة كان ماؤه جاريا يسقى منه خمس بساتين وعندنا الماء الجارى لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أو صافه. وقيل انما كان يلقى فيه الجيف في الجاهلية فان في الاسلام نهوا عن مثل هذا وكان برسول الله من التنزه والتقذر ما يمنعه من التوضئ والشرب من بئر يلقى فيه ذلك في وقته وانما أشكل عليهم أن ما كان في الجاهلية هل يسقط اعتباره بتطهير البئر في الاسلام فأزال اشكالهم بما قال (وان بزق في الماء أو امتخط لم يفسده لانه طاهر لاقي طاهرا) والدليل على طهارة البزاق أن النبي استعان في محو بعض الكتابة به والدليل على طهارة المخاط أن النبي امتخط في صلاته فأخذه بثوبه ودلكه ثم المخاط والنخامة سواء ولما رأى رسول الله عمار بن ياسر رضى الله عنه يغسل ثوبه من النخامة قال ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذى في ركوتك الا سواء (وان أدخل جنب أو حائض أو محدث يده في الاناء قبل أن يغسلها وليس عليها قذر لم يفسد الماء استحسانا) وكان ينبغى في القياس أن يفسده لان الحدث زال عن يده بادخاله في الاناء فيصير الماء مستعملا كالماء الذى غسل به يده * وجه الاستحسان ماروى أن المهراس كان يوضع على باب مسجد رسول الله وفيها ماء فكان أصحاب الصفة رضوان الله عليهم يغترفون منه للوضوء بأيديهم ولان فيه بلوى وضرورة فقد لا يجد شيئا يغترف به الماء من الاناء العظيم

[ 53 ] فيجعل يده لاجل الحاجة كالمغرفة وإذا ثبت هذا في المحدث فكذلك في الجنب والحائض لما روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله من اناء واحد فربما بدأت أنا وربما بدأ هو وكنت أقول أبقى لى وهو يقول بقى لى * وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى قال إذا أدخل الجنب يده أو رجله في البثر لم يفسده وان أدخل رجله في الاناء أفسده وهذا لمعنى الحاجة ففى البئر الحاجة إلى ادخال الرجل لطلب الدلو فجعل عفوا وفى الاناء الحاجة إلى ادخال اليد فلا تجعل الرجل عفوا فيه وان أدخل في البئر بعض جسده سوى اليد والرجل أفسده لانه لا حاجة إليه. وقال في الاصل إذا اغتسل الطاهر في البئر أفسده وهو بناء على ما تقدم أن المستعمل للماء على قصد التقرب وان كان طاهرا فالماء بفعله يصير مستعملا فإذا اغتسل في البئر صار الماء مستعملا. وقوله أفسده دليل على أن الصحيح من قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الماء المستعمل نجس لان الفاسد من الماء هو النجس وإذا انغمس فيه لطلب دلو وليس على بدنه قذر لم يفسد الماء لانه لم يوجد فيه ازالة الحدث ولا اقامة القربة لما لم يغتسل فيه وان انغمس في جب يطلب دلوا لم يفسد الماء ولم يجزئه من الغسل في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى لا يفسد الماء ويجزئه من الغسل. وعن أبى يوسف في الامالى أن الماء يفسد ولا يجزئه من الغسل. من أصحابنا من قال هذا الخلاف ينبنى على أصل وهو أن عند أبى يوسف الماء يصير مستعملا بأحد شيئين إما بازالة الحدث أو باقامة القربة فلو زال الحدث هنا صار الماء مستعملا فلا يجزئه من الاغتسال فلهذا قال الرجل بحاله والماء بحاله ومن أصل محمد أن الماء لا يصير مستعملا الا باقامة القربة والاغتسال يتحصل بغير نية فكان الرجل طاهرا والماء غير مستعمل لعدم القصد منه إلى اقامة القربة وهذا ليس بقوى فان هذا المذهب غير محفوظ عن محمد نصا ولكن الصحيح أن ازالة الحدث بالماء مفسد للماء الا عند الضرورة كما بينا في الجنب يدخل يده في الاناء وفي البئر معنى الضرورة موجود فانهم إذا جاؤا بغواص لطلب دلوهم لا يمكنهم ان يكلفوه الاغتسال أولا فلهذا لا يصير الماء مستعملا ولكن الرجل يطهر لان الماء مطهر من غير قصد * وجه رواية الاملاء أنه كما أدخل بعض اعضائه في البئر صار الماء مستعملا فبعد ذلك سواء اغتسل أو لم يغتسل لم يطهره الماء المستعمل * قال (وان وقع في البئر بول ما يؤكل لحمه أفسده في قول أبى حنيفة

[ 54 ] وابى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يفسده في قول محمد ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه) أو اصل المسألة أن بول ما يؤكل لحمه نجس عندهما طاهر عند محمد رحمه الله تعالى واحتج بحديث أنس رضي الله تعالى عنه أن قوما من عرنة جاؤا إلى المدينة فأسلموا فاجتووا المدينة فاصفرت ألوانهم وانتفخت بطونهم فامرهم رسول الله أن يخرجوا إلى ابل الصدقة فيشربوا من ابوالها والبانها الحديث فلو لم يكن طاهرا لما أمرهم بشربه والعادة الظاهرة من أهل الحرمين بيع ابوال الابل في القوارير من غير نكير دليل ظاهر على طهارتها. ولهما قول النبي استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه ولما ابتلى سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه بضغطة القبر سئل رسول الله عن سببه فقال انه كان لا يستنزه من البول ولم يرد به بول نفسه فان من لا يستنزه منه لا تجوز صلاته وانما أراد أبوال الابل عند معالجتها. والمعنى أنه مستحيل من أحد الغذاءين إلى نتن وفساد فكان نجسا كالبعر. فأما حديث أنس رضى الله تعالى عنه فقد ذكر قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه انه رخص لهم في شرب ألبان الابل ولم يذكر الابوال وانما ذكره في حديث حميد عن أنس رضى الله تعالى عنهما والحديث حكاية حال فإذا دار بين أن يكون حجة أولا يكون حجة سقط الاحتجاج به ثم نقول خصهم رسول الله بذلك لانه عرف من طريق الوحي ان شفاءهم فيه ولا يوجد مثله في زماننا وهو كما خص الزبير رضى الله تعالى عنه بلبس الحرير لحكة كانت به وهي مجاز عن القمل فانه كان كثير القمل أو لانهم كانوا كفارا في علم الله تعالى ورسوله علم من طريق الوحي أنهم يموتون على الردة ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر في النجس. إذا عرفنا هذا فنقول إذا وقع في الماء فعند محمد رحمه الله هو طاهر فلا يفسد الماء حتى يجوز شربه ولكن إذا غلب على الماء لم يتوضأ به كسائر الطاهرات إذا غلبت على الماء وعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هو نجس فكان مفسدا للماء والبئر والاناء فيه سواء وعلى قول ابى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز شربه للتداوي وغيره لقوله ان الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وعند محمد يجوز شربه للتداوي وغيره لانه طاهر عنده وعند ابى يوسف يجوز شربه للتداوي لاغير عملا بحديث العرنيين ولا يجوز لغيره ولو اصاب الثوب لم ينجسه عند محمد رحمه الله تعالى حتى تجوز الصلاة فيه وإن امتلا الثوب منه وعلى

[ 55 ] قول ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله تعالى ينجس الثوب الا انه يجوز الصلاة فيه ما لم يكن كثيرا فاحشا لانه مختلف في نجاسته وفيه بلوى لمن يعالجها فخفت نجاسته لهذين المعنيين فكان التقدير بالكثير الفاحش. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الكثير الفاحش في الثوب الربع فصاعدا قيل أراد به ربع الموضع الذي أصابه من ذيل أو غيره وقيل أراد به ربع جميع الثوب وهو الصحيح وهذا لان الربع ينزل منزلة الكمال بدليل ان المسح بربع الرأس كالمسح بجميعه وعن أبى يوسف في روايته الكثير الفاحش شبر في شبر وفى رواية ذراع في ذراع وعن محمد رحمه الله تعالى فيما يقدر الكثير الفاحش على قوله كالارواث. وغيره أنه قدر موضع القدمين وهذا قريب من شبر في شبر (ويستحب للرجل حين يبتدئ الوضوء أن يقول بسم الله وان لم يقل أجزأه) وعلى قول أصحاب الظواهر التسمية من الاركان لا يجوز الوضوء الا بها لقوله عليه الصلاة والسلام لا وضوء لمن لم يسم وعندنا التسمية من سنن الوضوء لامن أركانه فان الله تعالى بين أركان الوضوء بقوله فاغسلوا وجوهكم الآية ولم يذكر التسمية وعلم رسول الله الاعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية فتبين بهذا أن المراد من قوله عليه الصلاة والسلام لا وضوء لمن لم يسم نفى الكمال لا نفى الجواز كما قال في حديث آخر من توضأ وسمى كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يسم كان طهورا لاعضاء وضوئه وفي الحديث المعروف كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أقطع أي ناقص غير كامل وهذا بخلاف التسمية على الذبيحة فانا أمرنا بها اظهارا لمخالفة المشركين لانهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح فكان الترك مفسدا وهنا أمرنا بالتسمية تكميلا للثواب لا مخالفة للمشركين فانهم كانوا لا يتوضؤن فلم يكن الترك مفسدا لهذا. قال (وان بدأ في وضوئه بذراعيه قبل وجهه أو رجليه قبل رأسه أجزأه عندنا) ولم يجزه عند الشافعي رضى الله عنه فان الترتيب في الوضوء عندنا سنة وعنده من الاركان واستدل بقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم الآية والفاء للوصل والترتيب فظاهره يقتضى أنه يلزمه وصل غسل الوجه بالقيام إلى الصلاة ولا يجوز تقديم غيره عليه ثم ان الله تعالى عطف البعض على البعض بحرف الواو وذلك موجب للترتيب كما في قوله تعالى اركعوا واسجدوا ولما سئل رسول الله عن السعي بين الصفا والمروة بأيهما نبدأ فقال ابدؤا بما بدأ الله تعالى به فدل على أن الواو للترتيب وقال عليه

[ 56 ] الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثم يديه ولا شك ان حرف ثم للترتيب (ولنا) ما ذكره أبو داود رحمه الله تعالى في سننه أن النبي تيمم فبدأ بذراعيه ثم بوجهه والخلاف فيهما واحد * وروى انه نسى مسح رأسه في وضوئه فتذكر بعد فراغه فمسحه ببلل في كفه ولان الركن تطهير الاعضاء وذلك حاصل بدون الترتيب ألا ترى أنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه ولم يوجد الترتيب ومواظبة النبي على الترتيب في الوضوء لاتدل على أنه ركن فقد كان يواظب على السنن كما واظب على المضمضة والاستنشاق وأهل اللغة اتفقوا على أن الواو للعطف مطلقا من غير أن تقتضي جمعا ولا ترتيبا فان الرجل إذا قال جاءني زيد وعمرو كان اخبارا عن مجيئهما من غير ترتيب في المجئ قال الله تعالى واسجدي واركعى مع الراكعين فلا يدل ذلك على ترتيب الركوع علي السجود وكذلك في الآية أمر بغسل الاعضاء لا بالترتيب في الغسل ألا ترى أن ثبوت الحدث في الاعضاء لا يكون مرتبا فكذلك زواله والحديث محمول على صفة الكمال وبه نقول (وان غسل بعض أعضائه وترك البعض حتى جف ما قد غسل أجزأه لان الموالاة سنة عندنا) وقال مالك رحمه الله تعالى وهو أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى الموالاة ركن فلا يجزئه تركه لان النبي واظب على الموالاة فلو جاز تركه لفعله مرة تعليما للجواز. وقال ابن أبى ليلى ان كان في طلب الماء أجزأه لان ذلك من عمل الوضوء فان كان أخذ في عمل آخر غير ذلك وجف وجب علينا اعادة ما جف وجعله قياس أعمال الصلاة إذا اشتغل في خلالها بعمل آخر (ولنا) ما بينا أن المقصود تطهير الاعضاء وذلك حاصل بدون الموالاة والمنصوص عليه في الكتاب غسل الاعضاء فلو شرطنا الموالاة كان زيادة على النص وقد بينا أن مواظبة رسول الله قد تكون لبيان السنة وأفعال الصلاة تؤدى بناء على التحريمة والاشتغال بعمل آخر مبطل للتحريمة فكان مفسدا بخلاف الوضوء فان أركان الوضوء لاتنبنى على التحريمة حتى لم يكن الكلام في الوضوء مفسدا له والله أعلم * قال (ولا يفسد خرء الحمام والعصفور الماء فانه طاهر عندنا) وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه نجس يفسد الماء والثوب والقياس ما قال لانه مستحيل من غذاء الحيوان إلى فساد لكن استحسنه علماؤنا رحمهم الله تعالى لحديث ابن

[ 57 ] مسعود رضى الله تعالى عنه انه خرئت عليه حمامة فمسحه بأصبعه وابن عمر رضى الله تعالى عنهما ذرق عليه طائر فمسحه بحصاة وصلى ولم يغسله ولان الحمام تركت في المساجد حتى في المسجد الحرام مع علم الناس بما يكون منها وأصله حديث أبى أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه أن النبي شكر الحمامة وقال انها أوكرت على باب الغار حتى سلمت فجازاها الله تعالى بأن جعل المساجد مأواها فهو دليل على طهارة ما يكون منها * قال (وخرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور ذكر في الجامع الصغير أنه تجوز الصلاة فيه وان كان أكثر من قدر الدرهم في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى لا يجوز بمنزلة خرء ما لا يؤكل لحمه من السباع) والمعنى أنه مستحيل من غذائه إلى فساد. واختلف مشايخنا رحمهم الله على قول ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله تعالى فمنهم من قال هو نجس عندهما لكن التقدير فيه بالكثير الفاحش لمعنى البلوى والاصح أنه طاهر عندهما فان الخرء لافرق فيه بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم في النجاسة ثم خرء ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر فكذلك ما لا يؤكل لحمه * قال (وبول الخفافيش لا يفسد الماء لانه لا يستطاع الامتناع منه ولا يستقذره الناس عادة) ويفسده خرء الدجاج لانه أشبه الاشياء بالعذرة لونا ورائحة فكان نجسا نجاسة غليظة * قال (وموت الضفدع والسمك والسرطان في الماء لا يفسده) لوجهين. أحدهما أن الماء معدنه والشئ إذا مات في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة كمن صلى وفى كمه بيضة مذرة حال محها دما تجوز صلاته وهذا لان التحرز عن موته في الماء غير ممكن. والثانى أنه ليس لهذه الحيوانات دم سائل فان ما يسيل منها إذا شمس ابيض والدم إذا شمس اسود وهذا الحرف أصح لانه كما لا يفسد الماء بموت هذه الحيوانات فيه لا يفسد غير الماء كالخل والعصير ويستوى ان تقطع أولم يتقطع الاعلى قول أبى يوسف رحمه الله فانه يقول إذا تقطع في الماء أفسده بناء على قوله ان دمه نجس وهو ضعيف فانه لادم في السمك انما هو ماء آجن ولو كان فيه دم فهو مأكول فلا يكون نجسا كالكبد والطحال. وأشار الطحاوي رحمه الله إلى أن الطافى من السمك يفسد الماء وهو غلط منه فليس في الطافى أكثر من أنه غير مأكول فهو كالضفدع والسرطان * وعن محمد رحمه الله تعالى قال الضفدع إذا تفتت في الماء كرهت شربه لا لنجاسته ولكن لان أجزاء الضفدع فيه والضفدع غير مأكول (وإذا ماتت الفأرة

[ 58 ] في البئر فاستخرجت حين ماتت نزح من البئر عشرون دلوا وان ماتت في جب أريق الماء وغسل الجب لانه تنجس بموت الفأرة فيه) القياس في البئر أحد شيئين أما ما قاله بشر رحمه الله انه يطم رأس البئر ويحفر في موضع آخر لانه وان نزح ما فيها من الماء يبقى الطين والحجارة نجسا ولا يمكن كبه ليغسل فيطم. وأما ما نقل عن محمد رحمه الله تعالى قال اجتمع رأيى ورأي يوسف رحمه الله تعالى أن ماء البئر في حكم الماء الجارى لانه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا يتنجس بوقوع النجاسة فيه كحوض الحمام إذا كان يصب فيه من جانب ويؤخذ من جانب لم يتنجس بادخال يد نجسة فيه. ثم قلنا وما علينا لو أمرنا بنزح بعض الدلاء ولا نخالف السلف وتركنا القياس لحديث علي رضى الله تعالى عنه قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها دلاء وفى رواية سبع دلاء. وفى حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال في الدجاجة تموت في البئر ينزح منها أربعون دلوا (ولنا) حديث النخعي والشعبى في الفأرة تموت في البئر ينزخ منها عشرون دلوا. وروي عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن النبي قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون دلوا ولكنه شاذ. وعن ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم في الزنجي الذى وقع في بئر زمزم فمات أنهما أمرا بنزح جميع الماء. ثم في الاصل جعله على ثلاث مراتب في الفأرة عشرون دلوا وفى السنور والدجاجة أربعون دلوا وفى الشاة والآدمي جميع الماء. وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى جعله على خمس درجات في الجلة والفأرة الصغيرة عشر دلاء وفى الفأرة الكبيرة عشرون دلوا وفى الحمامة ثلاثون دلوا وفى الدجاجة أربعون دلوا وفى الشاة والآدمي جميع الماء وهذا لانه انما يتنجس من الماء ما جاوز النجاسة والفأرة تكون في وجه الماء فإذا نزح عشرون دلوا فالظاهر أنه نزح جميع ما جاوز الفأرة فما بقى يبقى طاهرا والدجاجة تغوص في الماء أكثر مما تغوص الفأرة فيتضاعف النزح لهذا والشاة والآدمي يغوص إلى قعر الماء فيموت ثم يطفو فلهذا نزح جميع الماء وهذا إذا لم يتفسخ شى ء من هذه الحيوانات فان انتفخ أو تفسخ نزح جميع الماء الفأرة وغيرها فيه سواء لانه ينفصل منها بلة نجسة وتلك البلة نجاسة مائعة بمنزلة قطرة من خمر أو بول تقع في البئر. ولهذا قال محمد رحمه الله تعالى إذا وقع في البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء لان موضع القطع فيه لا ينفك عن نجاسة مائعة بخلاف الفأرة فان غلبهم الماء في موضع وجب نزح جميع الماء فالمروي

[ 59 ] عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا نزح منها مائة دلو يكفى وهو بناء على آبار الكوفة لقلة الماء فيها. وعن محمد رحمه الله تعالى في النوادر أنه ينزح منها ثلاثمائة دلو أو مائتا دلو. وانما أجاب بهذا بناء على كثرة الماء في آبار بغداد. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ينزح قدر ما كان فيها من الماء قيل معناه أنه ينظر إلى عمق البئر وعرضه فيحفر حفيرة مثلها ويصب ما ينزح فيها فإذا امتلات فقد نزح ما كان فيها. وقيل يرسل قصبة في الماء ويجعل على مبلغه علامة ثم ينزح عشر دلاء ثم يرسل القصبة ثانيا فينظركم انتقص فان انتقص العشر علم أن في البئر مائة دلو والاصح أنه ينظر إليها رجلان لهما بصر في الماء فبأي مقدار قالا في البئر ينزح ذلك القدر وهذا أشبه بالفقه فان كان توضأ رجل منها بعدما ماتت الفأرة فيها فعليه اعادة الوضوء والصلوات جميعا لانه تبين انه توضأ بالماء النجس وان كان لا يدرى متى وقع فيها وقد كان وضوءه من ذلك البئر فان كانت منتفخة أعاد صلاة ثلاثة أيام ولياليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى احتياطا وان كانت غير منتفخة يعيد صلاة يوم وليلة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ليس عليه أن يعيد شيئا من صلاته ما لم يعلم أنه توضأ منها وهو فيها والقياس ما قالا لانه على يقين من طهارة البئر فيما مضى وفى شك من نجاسته واليقين لا يزال بالشك كمن رأي في ثوبه نجاسة لا يدرى متى أصابته لا يلزمه اعادة شئ من الصلوات لهذا وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا بقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى رأى طائرا في منقاره فأرة ميتة وألقاها في بئر فرجع إلى هذا القول وقال لا يعيد شيئا من الصلاة بالشك وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ظهر لموت الفأرة سبب وهو وقوعها في البئر فيحال موتها عليه كمن جرح انسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات يحال موته على تلك الحالة لانه هو الظاهر من السبب. ثم الانتفاخ دليل تقادم العهد وأدنى حد التقادم ثلاثة أيام ألا ترى أن من دفن قبل أن يصلى عليه يصلى على قبره إلى ثلاثة أيام ولا يصلى بعد ذلك لانه يتفسخ في هذه المدة وقولهما ان في نجاسة البئر فيما مضى شكا * قلنا يؤيد هذا الشك تيقن النجاسة في الحال فوجب اعتباره والقول به للاحتياط فيه وفى مسألة الثوب قال معلى الخلاف فيهما واحد وعند أبى حنيفة رحمه الله ان كانت النجاسة بالية يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها وان كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة ومن سلم فرق بينهما لابي حنيفة رحمه الله فقال الثوب كان يقع بصره

[ 60 ] عليه في كل وقت فلو كانت فيه نجاسة فيما مضى لرآها فأما البئر فمغيب عن بصره والموضع موضع الاحتياط فان كانت غير منتفخة قال أبو حنيفة رحمه الله يعيد صلاة يوم وليلة لانه لما وجب عليه اعادة الصلاة أمرنا باعادة صلاة يوم وليلة احتياطا (وإذا صلى وفى ثوبه من الروث أو السرقين أو بول ما لا يؤكل لحمه من الدواب أو خرء الدجاجة أكثر من قدر الدرهم لم تجز صلاته) والاصل في هذا ان القليل من النجاسة في الثوب لايمنع جواز الصلاة فيه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله إذا كان بحيث يقع بصره عليه يمنع جواز الصلاة قال لان الطهارة عن النجاسة العينية شرط جواز الصلاة كالطهارة عن الحدث الحكمى فكما أن الشرط ينعدم بالقليل من الحدث وكثيره فكذلك ينعدم بالقليل من النجاسة وكثيرها * وحجتنا ما روي عن عمر رضى الله تعالى عنه انه سئل عن قليل النجاسة في الثوب فقال ان كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ولان القليل من النجاسة لا يمكن التحرز عنه فان الذباب يقعن على النجاسات ثم يقعن على ثياب المصلى ولابد من أن يكون على أجنحتهن وأرجلهن نجاسة فجعل القليل عفوا لهذا بخلاف الحدث فانه لابلوى في القليل منه والكثير. ثم ان الصحابة رضى الله تعالى عنهم كانوا يكتفون بالاستنجاء بالاحجار وقلما يتطيبون بالماء والاستنجاء بالحجر لا يزيل النجاسة حتى لو جلس بعده في الماء القليل نجسه فاكتفاؤهم به دليل على ان القليل من النجاسة عفو ولهذا قدرنا بالدرهم على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث هكذا قال النخعي رحمه الله تعالى واستقبحوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم. وكان النخعي يقول إذا بلغ مقدار الدرهم منع جواز الصلاة. وكان الشعبى يقول لايمنع حتى يكون أكثر من قدر الدرهم وأخذنا بهذا لانه أوسع ولانه قد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من هو مبطون ولوث المبطون أكثر ومع هذا كانوا يكتفون بالاستنجاء بالاحجار والدرهم أكبر ما يكون من النقد المعروف فأما المنقطع من النقود كالسهليلى وغيره فقد قيل انه يعتبر به وهو ضعيف والتقدير بالدرهم فيما اتفقوا على نجاسته كالخمر والبول وخرء الدجاج وفى الخرء إذا كان أكثر من وزن مثقال ولا عرض له يمنع جواز الصلاة أيضا. فأما الروث والسرقين فنقول روث ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل سواء وهو نجس عندنا. وقال مالك رحمه الله روث ما يؤكل لحمه طاهر لما روى أن الشبان من الصحابة في منازلهم في

[ 61 ] السفر كانوا يترامون بالجلة فلو كانت نجسة لم يمسوها وقال لانه وقود أهل المدينة يستعملونه استعمال الحطب (ولنا) ماروى أن النبي طلب من ابن مسعود أحجارا للاستنجاء ليلة الجن فأتاه بحجرين وروثة فأخذ الحجرين ورمى بالروثة وقال انها ركس أي نجس. وقيل لمحمد رحمه الله لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه ولم تقل بطهارة روثه قال لما قلت بطهارته أجزت شربه فلو قلت بطهارة روثه لاجزت أكله وأحد لا يقول بهذا * ثم التقدير فيه عند أبى حنيفة رحمه الله بالدرهم وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بالكثير الفاحش وقال زفر في روث ما يؤكل لحمه ما لم يكن كثيرا فاحشا لم يمنع وفي روث ما لا يؤكل لحمه الجواب ما قال أبو حنيفة رحمه الله واعتبر الروث بالبول فقال في بول ما يؤكل لحمه التقدير بالكثير الفاحش لكونه مختلفا في نجاسته فكذلك في روثه وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا في الارواث بلوى وضرورة خصوصا لسائر الدواب وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة فكان التقدير فيه بالكثير الفاحش وأبو حنيفة رحمه الله يقول الروث منصوص على نجاسته كما روينا في حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فتتغلظ نجاسته ولا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم كالخمر والبلوى لا تعتبر في موضع النص فان البلوي للآدمي في بوله أكثر وكذا في بول الحمار فانه يترشش فيصيب الثياب ومع ذلك لا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم لانه منصوص على نجاسته * وروى عن محمد رحمه الله تعالى قال في الروث وان كان كثيرا فاحشا لايمنع جواز الصلاة وهذا آخر أقاويله حين كان بالري وكان الخليفة بها فرأى الطرق والخانات مملوءة من الارواث وللناس فيه بلوى عظيمة فاختار هذا القول لهذا * قال (وأدنى ما ينبغي أن يكون بين البئر والبالوعة خمسة أذرع في رواية أبى سليمان والنوادر والامالي) وفى رواية أبى حفص سبعة أذرع * والحاصل انه ليس فيه تقدير لازم بشئ انما الشرط أن لا يخلص من البالوعة والبئر شئ وذلك يختلف باختلاف الاراضي في الصلابة والرخاوة ألا ترى أنه قال فان كان بينهما خمسة أذرع فوجد في الماء ريح البول أو طعمه فلا خير فيه وان لم يوجد شئ من ذلك فلا بأس به وان كان بينهما أقل من خمسة أذرع فعرفنا أن المعتبر هو الخلوص (ولا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من اناء واحد) لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها وقد رويناه فإذا جاز أن يفعلا معا فكذلك أحدهما بعد الآخر. جاء في الحديث أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه

[ 62 ] وسلم اغتسلت من اناء فأراد رسول الله أن يتوضأ منه فقالت انى كنت جنبا فقال عليه الصلاة والسلام الماء لا يجنب والذى روى أن النبي نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل وضوء الرجل شاذ فيما تعم به البلوى فلا يكون حجة (وإذا نسى المضمضة والاستنشاق في الجنابة حتى صلى لم يجزه) وهو عندنا فان المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء. وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه سنتان فيهما وقال أهل الحديث فرضان فيهما ومنهم من أوجب الاستنشاق دون المضمضة واستدلوا بمواظبة رسول الله عليها في الوضوء ولكنا نقول كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما يواظب على الاركان وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة والزيادة على النص لا تجوز الا بما يثبت به النسخ وعلم رسول الله الاعرابي الوضوء ولم يذكرهما فيه. والشافعي رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا والاطهار امرار الطهور على الظواهر من البدن والفم في حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع بزاقه لم يضره وبدليل الوضوء فالفم والانف موضعهما الوجه والغسل فرض فيهما. وبدليل غسل الميت فانه ليس فيه مضمضة ولا استنشاق وإمامنا في المسألة ابن عباس رضى الله عنهما فانه قال هما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء وقال تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة وفى الفم بشرة. قال ابن الاعرابي البشرة الجلدة التى تقى اللحم من الاذى وقال من ترك موضع شعرة في الجنابة عذبه الله بالنار كذا قال على رضى الله تعالى عنه فمن ثم عاديت شعرى وفي الانف شعرات والمعنى ان للفم حكمين حكم الظاهر من وجه حتى إذا أخذ الصائم الماء بفيه لم يضره وحكم الباطن من وجه كما قال ففيما يعم جميع الظاهر ألحقناه بالظاهر وفيما يخص بعضه ألحقناه بالباطن لانه لما جعل بعض ما هو ظاهر من كل وجه عفوا فما هو باطن من وجه أولى ولان الجنابة تحل الفم والانف بدليل أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن والحدث لا يحلهما بدليل أن المحدث لايمنع من قراءة القرآن وفي غسل الميت سقوط المضمضة والاستنشاق للتعذر لانه لا يمكنه كبه حتى يخرج الماء من فيه وبدونه يكون سقيا لا مضمضة. إذا ثبت هذا فنقول في كل موضع ترك شيئا من الفرائض لم يصح شروعه في الصلاة حتى إذا قهقه لا يلزمه اعادة الوضوء

[ 63 ] لانه لم يصادف حرمة الصلاة في كل موضع ترك شيئا من المسنون صح شروعه في الصلاة فإذا قهقه فعليه اعادة الوضوء وإن كان متنفلا فعليه اعادة الصلاة وإن مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزه لانه مسح بالماء المستعمل فان الماء إذا فارق عضوه يصير مستعملا وذلك مروى عن على وابن عباس رضي الله تعالى عنهما والذى روى أن النبي أخذ الماء من لحيته واستعمله في لمعة رآها تأويله في الجنابة وجميع البدن في الجنابة كعضو واحد وإن كان في كفه بلل فمسحه به أجزأه لان الماء الذى بقى في كفه غير مستعمل فهو كالباقي في انائه وقال الحاكم وهذا إذا لم يكن استعمله في شئ من أعضائه وهو غلط منه فانه إذا استعمله في شئ من المغسولات لم يضره لان فرض الغسل تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية في كفه الا أن يكون استعمله في المسح بالخف وحينئذ الامر على ماقاله الحاكم لان فرض المسح يتأدى بالبلة * قال ولا يجزئ مسح الرأس بأصبع ولا باصبعين ويجزئه بثلاثة أصابع * والكلام هنا في فصول. أحدها في قدر المفروض من مسح الرأس ففى الاصل ذكر قدر ثلاثة أصابع وفى موضع الناصية وفى موضع ربع الرأس وقال الشافعي رحمه الله أدنى ما يتناوله الاسم ولو ثلاث شعرات * وقال مالك رحمه الله تعالى المفروض مسح جميع الرأس. وقال الحسن رحمه الله تعالى أكثر الرأس. واستدل مالك بفعل رسول الله صلى الله على وسلم فانه مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر وبه استدل الحسن رضي الله تعالى عنه الا أنه قال الاكثر يقوم مقام الكل وقد بينا أن فعله لا يدل على الركنية فقد يكون ذلك لاكمال الفريضة واعتبر الممسوح بالمغسول وهو فاسد فان المسح بنى على التخفيف وفى كتاب الله تعالى ما يدل على التبعيض في المسح وهو حرف الباء في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم فهو إشارة إلى البعض كما يقال كتبت بالقلم وضربت بالسيف أي بطرف منه. ولهذا قال الشافعي يتأدى بادنى ما يتناوله الاسم ولكنا نقول من مسح ثلاث شعرات لا يقال انه مسح برأسه عادة وفي الآية ما يدل على البعض وهو مجمل في مقدار ذلك البعض بيانه في فعل رسول الله كما رواه المغيرة رضى الله تعالى عنه أن النبي توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح على ناصيته وذلك الربع فان الرأس ناصية وقذال وفودان ولان الربع بمنزلة الكمال فان من رأى وجه انسان يستجيز له أن يقول رأيت فلانا وانما رأى أحد

[ 64 ] جوانبه الاربعة. إذا عرفنا هذا فنقول ذكر في نوادر ابن رستم أنه إذا وضع ثلاثة أصابع ولم يمرها جاز في قول محمد رحمه الله تعالى في الرأس والخف ولم يجز في قول أبى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله تعالى حتى يمرها بقدر ما تصيب البلة مقدار ربع الرأس فهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد رحمه الله تعالى اعتبر الممسوح به وهو عشرة أصابع وربعها أصبعان ونصف الا أن الاصبع الواحد لا يتجزأ فجعل المفروض ثلاثة اصابع لهذا وإن مسح بأصبع أو باصبعين لم يجزه عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى يجوز إذا مسح به مقدار ربع الرأس قال لان المعتبر اصابة البلة دون الاصابع حتى لو أصاب رأسه ماء المطر أجزأه عن المسح (ولنا) أنه كما وضع الاصابع صار مستعملا فلا يجوز إقامة الفرض به بالامرار فان قيل إذا وضع ثلاثة أصابع ومسح بها جميع رأسه جاز وكما لا يجوز اقامة الفرض بالماء المستعمل فكذلك اقامة السنة بالممسوح. قلنا الرأس تفارق المغسولات في المفروض دون المسنون ألا ترى أن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم اقامة السنة في الممسوح إلى هذا الطريق يشير محمد رحمه الله تعالى حتى قال في نوادر ابن رستم لو اعاد الاصبع إلى الماء ثلاث مرات يجوز وهكذا قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لو مسح بأصبعه بجوانبه الاربعة يجوز والاصح عندي أنه لا يجوز وأن الطريقة غير هذا فقد ذكر في التيمم أنه إذا مسح بأصبع أو باصبعين لا يجوز فالاستيعاب هناك فرض وليس هناك شئ يصير مستعملا ولكن الوجه الصحيح أن المفروض هو المسح باليد فاكثر الاصابع يقوم مقام الكل فإذا استعمل في مسح الرأس أو الخف أو التيمم ثلاثة أصابع كان كالماسح بجميع يده فيجوز والا فلا وان كان شعره طويلا فمسح ما تحت أذنيه لم يجزه وإن مسح ما فوقهما أجزأه لان المسح على الشعر بمنزلة المسح على البشرة التى تحته وما تحت الاذنين عنق وما فوقهما رأس والافضل أن يمسح ما أقبل من أذنيه وما أدبر مع الرأس وان غسل ما أقبل منهما مع الوجه جاز لان في الغسل مسحا وزيادة ولكن الاول أفضل لان الاذنين من الرأس والفرض في الرأس المسح بالنص وانما قلنا انهما من الرأس لانهما على الرأس واعتبرا بآذان الكلاب والسنانير والفيل ومن فغرفاه فيزول عظم اللحيين عن عظم الرأس وتبقى الاذن مع الرأس وعلى هذا قلنا لا يأخذ لاذنيه ماء جديدا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يأخذ لاذنيه ماء

[ 65 ] جديدا. واستدل بما روى أبو أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه أن النبي توضأ وأخذ لاذنيه ماء جديدا وقال لان الاذن مع الرأس كالفم والانف مع الوجه ثم يأخذ للمضمضة والاستنشاق ماء جديدا سوى ما يقيم به فرض غسل الوجه فهذا مثله (ولنا) حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان النبي صلى الله عليه سلم مسح برأسه وأذنيه بماء واحد وقال الاذنان من الرأس. فاما أن يكون المراد بيان الحقيقة وهو مشاهد لا يحتاج فيه إلى بيانه أو يكون المراد أنهما ممسوحان كالرأس وهذا بعيد فاتفاق العضوين في الفرض لا يوجب اضافة أحدهما إلى الآخر فعرفنا ان المراد أنهما ممسوحان بالماء الذى مسح به الرأس وتأويل ما رواه أنه لم يبق في كفه بلة فلهذا أخذ في أذنيه ماء جديدا. وذكر الحاكم رحمه الله في المنتقى إذا أخذ غرفة من الماء فتمضمض بها وغسل وجهه أجزأه وبعد التسليم قلنا المضمضة والاستنشاق مقدمان على غسل الوجه فإذا أقامهما بماء واحد كان المفروض تبعا للمسنون وذلك لا يجوز وهاهنا إذا أقامهما بماء واحد يكون المسنون تبعا للمفروض وذلك مستقيم * قال (وان مسح أذنيه دون رأسه لم يجزه) لانه ترك المفروض والمسنون لا يقوم مقام المفروض (فان قيل) لكم أين ذهب قولكم الاذنان من الرأس (قلنا) هما من الرأس وليسا برأس كالثمار من الشجرة وليست بشجرة والواحد من العشرة وليس بعشرة والفقه فيه أن فرض المسح بالرأس ثابت بالنص وكون الاذن من الرأس ثابت بخبر الواحد فلا يتأدى به ما يثبت بالنص كمن استقبل الحطيم بالصلاة فلا تجزئه وان كان الحطيم من البيت لان فرضية استقبال الكعبة ثابت بالنص وكون الحطيم من البيت ثابت بخبر الواحد فلا يتأدى به ما ثبت بالنص (ومن توضأ ومسح رأسه ثم جز شعره أو نتف ابطيه أو قلم أظفاره أو أخذ من شاربه لم يكن عليه أن يمس شيئا من ذلك الماء ولا أن يجدد وضوءه) وكان ابن جرير رحمه الله تعالى يقول عليه أن يتوضأ وكان إبراهيم رحمه الله تعالى يقول يجب عليه امرار الماء على ذلك الموضع وهو فاسد لان النبي قال لا وضوء الا من حدث وفعله هذا تطهير فكيف يكون حدثا واليه اشار على رضى الله تعالى عنه لما سئل عن هذا فقال ما ازداد الا طهر أو نظافة * قال (ثم المسح على الشعر مثل المسح على البشرة التى تحته) لا أنه بدل عنه بدليل أن الاصبع إذا مسح على الشعر جاز ولا يجوز المصير إلى البدل مع القدرة على الاصل فكان جز الشعر بعد المسح كتقشير

[ 66 ] الجلد عن العضو المغسول بعد الغسل فكما لا يلزمه امرار الماء ثمة فكذلك هنا بخلاف الماسح على الخفين إذا نزعهما فان المسح لم يكن بمنزلة الغسل ولكن استتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم بدليل أنه لو كان رجله باديا وقت الحدث لم يجزه المسح فبخلع الخف يسرى الحدث إلى القدم * قال (وكذلك ان مس ذكره بعد الوضوء فلا وضوء عليه وهذا عندنا) وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا مس بباطن كفه من غير حائل فعليه الوضوء والرجل والمرأة في مس الفرج سواء عنده لحديث بسرة بنت صفوان رضى الله تعالى عنها أن النبي قال من مس ذكره فليتوضأ. وسئلت عائشة رضى الله تعالى عنها عن امرأة مست فرجها فقالت إن كانت ترى ماء هنالك فلتتوضأ ولان مس الذكر سبب لاستطلاق وكاء المذى فيجعل به كالممذى كما أن التقاء الختانين لما كان سببا لاستطلاق وكاء المني جعل به كالممني وإقامة السبب الظاهر مقام المعنى الخفى أصل في الشرع (ولنا) حديث قيس بن طلق عن أبيه طلق بن على أنه سأل رسول الله عمن مس ذكره هل عليه أن يتوضأ فقال لا هل هو الا بضعة منك أو قال جذوة منك. وعن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلى وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم مثل قولنا حتى قال بعضهم ان كان شئ منك نجسا فاقطعه (وقال) بعضهم ما أبالى أمسسته أم أنفى وهو المعنى فانه عضو من أعضائه فاما أن يكون طاهرا أو نجسا وليس في مس شئ من الطاهرات ولا من النجاسات وضوء ولو مس ما يخرج منه لم ينتقض به وضوءه واقامة السبب الظاهر مقام المعنى الخفى عند تعذر الوقوف على الخفى وذلك غير موجودهنا فان المذي يرى ويشاهد وهو فاسد على أصله فان من مس ذكر غيره عنده يجب الوضوء على المماس دون الممسوس ذكره واستطلاق وكاء المذى هنا ينبغى في حق الممسوس ذكره وحديث بسرة لا يكاد يصح فقد قال يحيى بن معين ثلاث لا يصح فيهن حديث عن رسول الله منها هذا وما بال رسول الله لم يقل هذا بين يدى كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم وإنما قاله بين يدى بسرة وقد كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها ولو ثبت فتأويله من بال فجعل مس الذكر كناية عن البول لان من يبول يمس ذكره عادة كقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط والغائط هو المطمئن من الارض كنى به عن الحدث لانه يكون في

[ 67 ] مثل هذه المواضع عادة أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم والمراد منه غسل اليد (قال) وكذلك إذا نظر إلى فرج امرأة لقول ابن عباس رضى الله عنهما الوضوء مما خرج وبمجرد النظر لا يخرج منه شئ فهو والتفكر سواء * قال (وفى المنى الغسل) لقوله انما الماء من الماء يعنى الاغتسال من المنى ومراده إذا خرج على وجه الدفق والشهوة فان خرج لا على هذه الصفة لحمله شيئا ثقيلا أو سقوطه على ظهره يلزمه الاغتسال عند الشافعي رحمه الله تعالى لعموم الحديث ولا يلزمه عندنا لان خروجه بصفة خروج المذى فحكمه حكم المذى في ايجاب الوضوء. ثم المعتبر عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى مفارقة المنى عن مكانه على وجه الشهوة والدفق وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى المعتبر ظهوره. بيانه في فصلين. أحدهما أن من أحتلم فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم سال منه المنى فعليه الغسل عندهما ولا غسل عليه عند أبى يوسف رحمه الله تعالى. والثانى أن المجامع إذا اغتسل قبل أن يبول ثم سال منه بقية المنى فعليه الاغتسال عندهما ثانيا وليس عليه ذلك عند أبى يوسف رحمه الله تعالى * قال (وفى المذى الوضوء) لحديث على رضى الله تعالى عنه قال كنت فحلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله لمكان ابنته تحتي فأمرت المقداد بن الاسود حتى سأله فقال كل فحل يمذي وفيه الوضوء (وكذلك الودى) فانه الغليظ من البول فهو كالرقيق منه * ثم فسر هذه المياه فقال (المنى خائر ابيض ينكسر منه الذكر) وذكر الشافعي رضي الله تعالى عنه في كتابه أن له رائحة الطلع (والمذى رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله والودي رقيق يخرج منه بعد البول) وتفسير هذا المياه مروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الصفة * قال (ولا يجب الوضوء من القبلة ومس المرأة بشهوة أو غير شهوة) وهو قول على وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب الوضوء من ذلك وهو قول عمروابن مسعود رضى الله تعالى عنهما وهو اختلاف معتبر في الصدر الاول حتى قيل ينبغي لمن يؤم الناس أن يحتاط فيه وقال مالك رحمه الله ان كان عن شهوة يجب والا فلا فالشافعى رحمه الله استدل بقوله تعالى أو لامستم النساء وحقيقة المس باليد قال الله تعالى فلمسوه بأيديهم ولا يعارض القراءة الا ترى قوله أو لامستم فأكثر مافى الباب أن يثبت أن المراد بتلك القراءة الجماع

[ 68 ] فيعمل بهما جميعا والمعنى ما ذكرنا أن التقبيل والمس سبب لاستطلاق وكاء المذى فيقام مقام خروج المذي حقيقة في ايجاب الوضوء أخذا بالاحتياط في باب العبادة كما فعله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في المباشرة الفاحشة (ولنا) حديث عائشة وأم سلمة رضى الله تعالى عنهما أن النبي قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ وعن عمر رضى الله تعالى عنه أنه انصرف يوما من صلاته فلما فرغ الناس رأوه يصلى في آخر الصفوف فقال انى توضأت فمرت بى جاريتي رومية فقبلتها فلما افتتحت الصلاة وجدت مذيا فقلت أمضى في صلاتي حياء منكم ثم قلت لان أراقب الله تعالى خير لى من أن أراقبكم فانصرفت وتوضأت فهذا دليل رجوع عمر رضى تعالى الله عنه لانه افتتح الصلاة بعد التقبيل حتى إذا أحس بالمذي انصرف وتوضأ ولان عين المس ليس بحدث بدليل مس ذوات المحارم فبقى الحدث ما يخرج عند المس وذلك ظاهر يوقف عليه فلا حاجة إلى اقامة السبب الظاهر مقامه. وأما الآية فقد قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما المراد بالمس الجماع الا أن الله تعالى حي يكنى بالحسن عن القبيح كما كنى بالمس عن الجماع وهو نظير قوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن والمراد الجماع وهذا لانه لو حمل على الجماع كان ذكرا للحدث الكبرى بعد ذكر الحدث الصغرى بقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط فأما إذا حمل على المس باليد كان تكرارا محضا * قال (فان باشرها وليس بينهما ثوب فانتشر لها فعليه الوضوء) عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى استحسانا وقال محمد رحمه الله تعالى لا وضوء عليه وهو القياس لقول ابن عباس رضى الله عنهما الوضوء مما خرج وقد تيقن أنه لم يخرج منه شئ فهو كالتقبيل ووجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن الغالب من حال من بلغ في المباشرة هذا المبلغ خروج المذي منه حقيقة فيجعل كالممذى بناء للحكم على الغالب دون النادر كمن نام مضطجعا انتقض وضوءه وان تيقن بأنه لم يخرج منه شئ وكذلك من عدم الماء في المصر لا يجزئه التيمم بناء على الغالب أن الماء في المصر لا يعدم * وفسر الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى عنهم المباشرة الفاحشة بأن يعانقها وهما متجردان ويمس ظاهر فرجه ظاهر فرجها * قال (وإذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل) وهو قول المهاجرين عمر وعلى وابن مسعود رضى الله تعالى عنهم فأما الانصاري كأبى سعيد وحذيفة وزيد بن ثابت الانصاري رضى الله تعالى عنهم قالوا

[ 69 ] لا يجب الاغتسال بالاكسال ما لم ينزل وبه أخذ سليمان الاعمش رضى الله تعالى عنه لظاهر قوله انما الماء من الماء (ولنا) حديث شاذ أن النبي قال إذا التقى الختانان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل وهو قول المهاجرين عمر وعلي وابن مسعود والاصح أن عمر رضى الله تعالى عنه لم يسوغ للانصار هذا الاجتهاد حتى قال لزيد أي عدو نفسك ما هذه الفتوى التى تقشعت عنك فقال سمعت عمومتي من الأنصار يقلن ذلك فجمعهن عمر وسألهن فقلن كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله ولانغتسل فقال عمر أو كان يعلم به رسول الله فقلن لا فقال ليس بشئ وبعث إلى عائشة رضى الله تعالى عنها فسألها فقالت فعلت ذلك مع رسول الله فاغتسلنا فقال عمر رضى الله تعالى عنه لزيد لئن عدت إلى هذا لاذيتك والمعنى أن هذا الفعل سبب لاستطلاق وكاء المنى عادة فقام مقام خروج المنى احتياطا لانه مغيب عن بصره فربما لم يقف عليه ما خرج لقلته فالموضع موضع الاحتياط من هذا الوجه * قال (ولا يجب الغسل بالجماع فيما دون الفرج ما لم ينزل) لان ما دون الفرج ليس نظير الفرج في استطلاق وكاء المنى بمسه. والدليل عليه حكم الحد واليه أشار على رضى الله تعالى عنه في الاكسال فقال يوجب فيه الحد ولا يوجب فيه صاعا من ماء * قال (ومن احتلم ولم ير شيئا فلا غسل عليه) لانه تفكر في النوم فهو كالتفكر في اليقظة إذا لم يتصل به الانزال (قال) فان علم أنه لم يحتلم ولكنه استيقظ فوجد على فخذه أو فراشه مذيا فعليه الغسل عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتياطا (وقال) أبو يوسف لاغسل عليه لانه بات طاهرا بيقين فلا يصبح جنبا بالشك وخروج المذى يوجب الوضوء دون الاغتسال. وحجتهما في ذلك ماروى عن رسول الله قال من أصبح فوجد ماء ولم يتذكر شيئا فليغتسل ومن احتلم ثم اصبح على جفاف فلا غسل عليه ولسنا نوجب الاغتسال بخروج المذى إنما نوجبه بخروج المنى ولكن من طبع المنى أن يرق باصابة الهواء فالظاهر أن هذا الخارج كان منيا قد رق قبل أن يستيقظ ومراد محمد رحمه الله تعالى من قوله فوجد مذيا ما يكون صورته صورة المذى لاحقيقة المذى. ثم ان أبا حنيفة رحمه الله تعالى في هذه المسألة ومسألة المباشرة الفاحشة ومسألة الفأرة المنتفخة أخذ بالاحتياط وأبو يوسف رحمه الله تعالى وافقه في الاحتياط في مسألة المباشرة

[ 70 ] لوجود فعل من جهته هو سبب خروج المذى وخالفه في الفصلين الآخرين لانعدام الفعل منه ومحمد رحمه الله وافقه في الاحتياط في مسألة النائم لانه غافل عن نفسه فلا يحس بما يخرج منه فكان الموضع موضع الاحتياط بخلاف الفصلين الآخرين فان المباشر ليس بغافل عن نفسه فيحس بما يخرج منه * قال (والمرأة كالرجل في الاحتلام) لحديث أم سليم حين سألت رسول الله عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال ان كان منها مثل ما يكون من الرجل فلتغتسل وروى عن محمد رحمه الله تعالى أن المرأة إذا تذكرت الاحتلام والتلذذ ولم تر شيئا فعليها الغسل لان منيها يتدفق في رحمها فلا يظهر وهو ضعيف فان وجوب الغسل متعلق بخروج المنى والمني يخرج منها عند المواقعة كما يخرج من الرجل * قال (وإذا احتلمت المرأة ثم أدركها الحيض فان شاءت اغتسلت وان شاءت أخرت حتى تطهر من الحيض) لان الاغتسال للتطهير حتى تتمكن به من أداء الصلاة وهذا لا يتحقق من الحائض قبل انقطاع الدم وان شاءت اغتسلت لان استعمال الماء يعين على درور الدم (وكان مالك) رحمه الله تعالى يقول عليها أن تغتسل بناء على أصله أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن والحائض لا تمنع * قال (وإذا عرق الجنب أو الحائض في ثوب لم يضره) لما روى أن النبي كان يأمر الحائض من نسائه بالاتزار ثم كان يعانقها طول الليل والحر حر الحجاز فكانا يعرقان لا محالة ولم يتحرز رسول الله من عرقها ولانه ليس على بدن الانسان الجنب والحائض نجاسة عينية فهو وأعضاء المحدث سواء * قال (وإذا وقعت الجيفة أو النجاسة في الحوض فان كان صغيرا فهو قياس الاواني والجباب يتنجس والاصل فيه الحديث يغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا وان كان الحوض كبيرا فهو قياس البحر لا يتنجس) لقوله في البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته. والفصل بين الصغير والكبير يعرف بالخلوص فإذا كان بحال لو ألقى فيه الصبغ يظهر أثره في الجانب الآخر فهو صغير لانا علمنا أن النجاسة تخلص إلى الجانب الآخر كما خلص اللون هكذا حكى عن الشيخ الامام أبى حفص الكبير رحمه الله تعالى والمذهب الظاهر في تفسير الخلوص أنه إذا كان بحال لو حرك جانب منه يتحرك الجانب الآخر فهو صغير وان كان لا يتحرك الجانب الآخر فهو كبير. وصفة التحريك المروى فيه عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه اعتبر تحريك المتوضئ وأبو يوسف رحمه الله اعتبر تحريك

[ 71 ] المنغمس فرواية أبى حنيفة أوسع ثم قال بعض مشايخنا في الحوض الكبير انه لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه لانه كالماء الجارى والاصح أن الموضع الذي وقع فيه النجاسة يتنجس واليه أشار في الكتاب وقال لا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى ومعناه أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم يتوضأ لان النجاسة لا تخلص إلى ما وراء ذلك هو مفسر في الاملاء عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وعلى هذا قالوا من استنجى في موضع من حوض لا يجزئه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء وأما التقدير بالمساحة فقد قال أبو عصمة كان محمد رحمه الله تعالى يقدر في ذلك عشرة في عشرة ثم رجع إلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال لاأقدر فيه شيئا والمشهور عن محمد رحمه الله أنه لما سئل عن هذا فقال ان كان مثل مسجدي هذا فهو كبير فلما قام مسحوا مسجده فروى انه كان ثمانيا في ثمان وروى أنه اثنا عشر في أثني عشر فكان من روى ثمانيا في ثمان مسح المسجد من داخل ومن روى اثني عشر مسحه من خارج ولا عبرة بعمق الماء حتى قالوا إذا كان بحيث لا ينحسر بالاغتراف فهذا القدر يكفى. هذا كله في بيان مذهبنا (وقال الشافعي) إذا كان الماء بقدر القلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه حتى يتغير أحد أوصافه والقلة اسم لجرة تحمل من اليمن تسع فيها قربتين وشيئا فالقلتان خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين وخمسين منا. واستدل بما روى أن النبي قال إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثا (قلنا) هذا ضعيف فقد قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه بلغني باسناد لم يحضرني من ذكره إذا بلغ الماء قلتين الحديث ومثل هذا دون المرسل ثم قيل معناه ليس لهذا القدر من القوة ما يحتمل النجاسة فيتنجس به كما يقال مال فلان لا يحتمل السرف لقلته. وقد تكلم الناس في القلة فقيل انها القامة وقيل انه رأس الجبل فيكون معناه إذا بلغ ماء الوادي قامتين أو رأس الجبلين ومثل هذا يكون معناه بحرا وبه نقول (وكان) مالك رحمه الله تعالى يقول القليل والكثير سواء لا يتنجس الا بتغير أحد أوصافه وقد بينا مذهبه * قال (ويتوضأ الرجل من الحوض الذى يخاف أن يكون فيه قذر ولا يستيقنه قبل أن يسأل عنه) لان الاصل في الماء الطهارة فعليه التمسك به حتى يتبين له غيره وخوفه بناء على الظن والظن لا يغنى من الحق شيئا وليس عليه أن يسأل عنه لان السؤال للحاجة عند عدم الدليل وأصل الطهارة دليل مطلق له الاستعمال فلا حاجة إلى السؤال ألا ترى أن ابن عمر رضي

[ 72 ] الله عنه أنكر على عمرو بن العاص سواله بقوله يا صاحب الحوض لا تخبرنا وكذلك ان أنتن من غير أن يكون فيه جيفة لما روى ان النبي أتى على بئر رومة فوجد ماءها منتنا فأخذه بفيه ثم مجه في البئر فعاد الماء طيبا ولان تغير اللون قد يكون بوقوع الطاهر كالاوراق وغيرها وتغير الرائحة يكون بطول المكث كما قيل الماء إذا سكن منتنه تحرك نتنه وإذا طال مكثه ظهر خبثه فلا يزول أصل الطهارة بهذا المحتمل فلهذا لا ندع التوضؤ به * قال (وإذا نسى المتوضئ مسح رأسه فأصابه ماء المطر مقدار ثلاثة أصابع فمسح بيده أو لم يمسحه أجزأه عن مسح الرأس) وكذلك الجنب إذا وقف في المطر الشديد حتى غسله وقد أنقى فرجه وتمضمض واستنشق وكذلك المحدث إذا جرى الماء على أعضاء وضوئه لان الماء مطهر بنفسه قال الله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا والطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره فلا يتوقف حصول التطهر به على فعل يكون منه كالنار فانه لا يتوقف حصول الاحتراق بها على فعل يكون من العبد وإذا ثبت هذا في المغسول ثبت على الممسوح بطريق الاولى لانه دون المغسول والمعتبر فيه اصابة البلة وعلى هذا الاصل قلنا بجواز الوضوء والغسل من الجنابة بدون النية (وقال) الشافعي رحمه الله لا يجوز الا بالنية لقوله انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ولانها طهارة هي عبادة فلا تتأدى بدون النية كالتيمم وهذا لان معنى العبادة لا يتحقق الا بقصد وعزيمة من العبد بخلاف غسل النجاسة فان ليس بعبادة (ولنا) آية الوضوء ففيها تنصيص على الغسل والمسح وذلك يتحقق بدون النية فاشتراط النية يكون زيادة على النص إذ ليس في اللفظ المنصوص ما يدل على النية والزيادة لا تثبت بخير الواحد ولا بالقياس بخلاف التيمم فانه عبارة عن القصد لغة قال الله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ففى اللفظ ما يدل على اشتراط النية فيه ولانها طهارة بالماء فكانت كغسل النجاسة وتأثير ما قلنا ان الماء مطهر في نفسه والحدث الحكمى دون النجاسة العينية فإذا عمل الماء في ازالة النجاسة العينية بدون النية ففى ازالة الحدث الحكمى أولى ونحن نسلم ان الوضوء بغير نية لا يكون عبادة ولكن معنى العبادة فيها تبع غير مقصود انما المقصود ازالة الحدث وزوال الحدث يحصل باستعمال الماء فوجد شرط جواز الصلاة وهو القيام إليها طاهرا بين يدى الله تعالى فيجوز كما لو لم يكن محدثا في الابتداء وبه نجيب عن استدلاله بالحديث فان المراد أن ثواب العمل بحسب النية وبه نقول وعن التيمم فان التراب غير مزيل

[ 73 ] للحدث أصلا ولهذا لو أبصر المتيمم الماء كان محدثا بالحدث السابق فلم يبق فيه الا معنى التعبد وذلك لا يحصل بدون النية. يوضح الفرق أن النية تقترن بالفعل ولا بد من الفعل في التيمم حتى إذا أصاب الغبار وجهه وذراعيه لا يجزئه عن التيمم. وفى الوضوء والاغتسال لا معتبر بالفعل حتى إذا سال ماء المطر على أعضائه زال به الحدث فكذلك بدون النية * قال (ولا بأس بالتمسح بالمنديل بعد الوضوء والغسل) لحديث قيس بن سعد رضى الله تعالى عنه قال أتانا رسول الله في يوم شديد الحر فوضعنا له ماء فاغتسل والتحف بملحفة وزسية حتى أثر الورس في عكن رسول الله ولانه لا بأس بأن يلبس ثيابه فان من اغتسل في ليلة باردة لا يأمره أحد بالمكث عريانا حتى يجف فلعله يموت قبله ولا فرق بين التمسح بثيابه أو بمنديل ولان المستعمل ما زايل العضو فأما البلة الباقية غير مستعملة حتى لو جف كان طاهرا فلا بأس بأن يمسح ذلك بالمنديل * قال (ولا بأس للجنب أن ينام أو يعاود أهله قبل أن يتوضأ) لحديث الاسود عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي كان يصيب من أهله ثم ينام من غير أن يمس ماء فإذا انتبه ربما عاود وربما قام فاغتسل وفى حديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد فكنا نتحدث بذلك فيما بيننا ونقول ان النبي أعطى قوة أربعين رجلا * قال (وان توضأ قبل أن ينام فهو أفضل) لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي أصاب من أهله فتوضأ ثم نام وهذا لان الاغتسال والوضوء محتاج إليه للصلاة لا للنوم والمعاودة الا أنه إذا توضأ ازداد نظافة فكان أفضل (فان أراد أن يأكل فالمستحب له أن يغسل يديه ويتمضمض ثم يأكل) لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال سئل النبي عن الجنب أيأكل ويشرب قال نعم إذا توضأ والمراد غسل اليد لان يده لا تخلو عن نجاسة عادة فالمستحب ازالتها بالماء وكذلك لو لم يتوضأ حتى شرب كان من وجه شاربا للماء المستعمل فان ترك ذلك لم يضره لان طهارة يده أصل وفى النجاسة شك * قال (وان كانت الجبائر في موضع من مواضع الوضوء مسح عليها) والاصل فيه ماروى أن النبي شج وجهه يوم أحد فداواه بعظم بال وعصب عليه فكان يمسح على العصابة ولما كسرت احدى زندي على رضى الله تعالى عنه يوم حنين حتى سقط اللواء من يده قال النبي اجعلوها في يساره

[ 74 ] فانه صاحب لوائى في الدنيا والآخرة فقال ماذا أصنع بجبائرى فقال امسح عليها * والحاصل أنه إذا كان لا يضره الغسل بنوع من الماء حار أو بارد فعليه أن يغسله وان كان بحيث يضره المسح على الجبائر لم يمسح عليه لان الغسل أقوى من المسح ولما سقط الغسل عن هذا الموضع لخوف الضرر فكذلك المسح وان كان لا يضره المسح مسح عليها لان الطاعة بحسب الطاقة فان ترك المسح وهو لا يضره قال في الاصل لم يجزه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ولم يذكر قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى غير رواية الاصول عن أبى حنيفة رحمه الله أنه يجزئه وقيل هو قوله الاول ثم رجع عنه إلى قولهما. وجه قولهما أنه لو ترك الغسل وهو لا يضره لم يجزه فكذلك المسح اعتبارا للبدل بالاصل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال لو ألزمناه المسح كان بدلا عن الغسل ونصب الابدال بالآحاد من الاخبار لا يجوز ثم وجوب البدل في موضع كان يجب الاصل وهاهنا لو كان هذا الموضع باديا لم يجب غسله فكذلك لا يجب المسح على الجبيرة بدلا عنه وبه فارق الخف * قال (وان مسح على الجبائر ثم دخل في الصلاة ثم سقطت الجبائر عنه مضى على صلاته) وهذا إذا كان سقوطها عن غير برء فان كان عن برء فعليه غسل ذلك الموضع واستقبال الصلاة لزوال العذر فأما إذا سقط عن غير برء فالمسح على الجبائر كالغسل لما تحته ما دامت العلة باقية ولهذا لا يتوقف بخلاف المسح بالخف * قال (وان كانت الجراحة في جانب رأسه لم يجزه الا أن يمسح على الجانب الآخر مقدار المسح) لان المفروض من المسح مقدار ربع الرأس وقد وجد هذا القدر من المحل صحيحا فلا حاجة به إلى المسح على الجبائر والعراقيون يقولون في مثل هذا ان ذهب عير فعير في الرباط * قال (وإذا قلس أقل من مل ء فيه فلا وضوء عليه) الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول ثبت من أصلنا أن القلس حدث فلا فرق بين قليله وكثيره كالخارج من السبيلين (ولنا) قول على رضى الله تعالى عنه حين عد الاحداث فقال أودسعة (1) تملا الفم ولان القياس أن القلس لا يكون حدثا لان الحدث خارج نجس بقوة نفسه والقلس مخرج لا خارج فان من طبع الاشياء السيالة أنها لا تسيل من فوق إلى فوق الا بدافع دفعها أو جاذب جذبها فهو كالدم إذا ظهر على رأس الجرح

(1) { أودسعة } قال في اللسان ودسع فلان بقيئة إذا رمى به وفي حديث علي كرم الله وجهه وذكر ما يوجب الوضوء فقال أودسعة تملا الفم يريد الدفعة الواحدة من القئ اه‍ كتبه مصححه.

[ 75 ] فمسحه ولكنا تركنا القياس عند مل ء الفم بالآثار فبقى ما دونه على أصل القياس ولان في القليل منه بلوى فان من يملا من الطعام إذا ركع في الصلاة يعلو شئ إلى حلقه فللبلوى جعلنا القليل عفوا والدليل عليه إذا تجشأ لم ينتقض وضوءه وهو لا يخلو عن قليل شئ ولهذا خبث ريحه وبهذا فارق الخارج من السبيلين فان الفساء جعل حدثا. وحد مل ء الفم أن يعمه أو يمنعه من الكلام وقيل أن يزيد على نصف الفم وعلى هذا حكاية عابد ببلخ يقال له على بن يونس أن ابنته سألته فقالت ان خرج من حلقي شئ فقال لها إذا وجدت طعمه في حلقك فأعيدي الوضوء ثم قال رأيت النبي في المنام فقال لا يا على حتى يملا الفم قال فجعلت على نفسي أن لا أفتى بعد هذا أبدا (فان قاء ملا الفم مرة أو طعاما أو ماء فعليه الوضوء) لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي قال من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم وعلى قول الشافعي القئ ليس بحدث بناء على قوله في الخارج من غير السبيلين على ما نبينه وقال الحسن رحمه الله تعالى إذا شرب الماء وقاء من ساعته لا يخالطه شئ لا ينتقض وضوءه وجعله قياس خروج الدمع والعرق والبزاق وهذا فاسد فانه بالوصول إلى المعدة يتنجس فانما يخرج وهو نجس فكان كالمرة والطعام سواء (وان قاء بلغما أو بزاقا لم ينتقض وضوءه) أما البزاق طاهر وبخروج الطاهر من البدن لا ينتقض الوضوء والبلغم كذلك في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو بحس ينقض الوضوء إذا ملا الفم قيل انما أجاب أبو يوسف رحمه الله تعالى فيما يعلو من جوفه وهما فيما ينحدر من رأسه وهذا ضعيف فالمنحدر من رأسه طاهر بالاتفاق سواء خرج من جانب الفم أو الانف لان الرأس ليس بموضع للنجاسات وانما الخلاف فيما يعلو من الجوف فأبو يوسف رحمه الله يقول البلغم احدى الطبائع الاربعة فكان نجسا كالمرة والصفراء ولان خروجه من موضع النجاسات فكان نجسا بالمجاورة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا البلغم بزاق والبزاق طاهر ومعني هذا أن الرطوبة في أعلى الحلق ترق فتكون بزاقا وفي أسفله تثخن فيكون بلغما وبهذا تبين أن خروجه ليس من المعدة بل من أسفل الحلق وهو ليس بموضع للنجاسة فالبلغم هو النخامة وقال لعمار رضى الله تعالى عنه ما نخامتك ودموع عينك والماء الذى في ركوتك الا سواء (قال) وان قاء دما فعلى

[ 76 ] قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ينتقض وضوءه بقليله وكثيره وقال محمد رحمه الله تعالى لا ينتقض وضوءه حتى يملاء الفم لانه أحد انواع القئ فيعتبر بسائر الانواع واحتجا بأن المعدة ليس بموضع الدم فخروج الدم من فرجه في الجوف فإذا سال بقوة نفسه إلى موضع يلحقه حكم التطهير كان ناقضا للوضوء كالسائل من جرح في الظاهر (وروى) الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه قال هذا إذا قاء دما رقيقا فان كان شبه العلق لم ينتقض الوضوء حتى يملاء الفم لانه ليس بدم في الحقيقة انما هو سوداء محترق * قال (وان خرج من جرحه دم أو صديد أو قيح فسال عن رأس الجرح نقض الوضوء عندنا) وهو قول على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا ينتقض الوضوء وهو قول ابن عباس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما واحتج الشافعي رضى الله تعالى عنه بقوله لا وضوء الا من حدث قيل وما الحدث قال صوت أو ريح وهذا إشارة إلى موضع الحدث لا عينيه فدل أن الحدث ما يكون من السبيل المعتاد والمعنى فيه أن قليل الخارج من غير السبيل ليس بحدث بالاتفاق وما يكون حدثا فالقليل منه والكثير سواء كالخارج من السبيل والدليل عليه الريح إذا خرج من الجرح لم يكن حدثا بخلاف ما إذا خرج من السبيل وهذا لان الشرع أقام المخرج مقام الخارج في ثبوت حكم الحدث فما لا يخرج منه الا النجاسة جعل الخارج منه حدثا ونجسا وما يختلف الخارج منه لم يكن حدثا وان خرج منه ما هو نجس تيسيرا للامر (ولنا) حديث زيد بن علي رضى الله تعالى عنهما أن النبي قال الوضوء من كل دم سائل وقال سلمان رضى الله تعالى عنه مر بى رسول الله والدم يسيل من أنفى فقال أحدث لما حدث بك وضوأ والمعنى فيه أنه خارج نجس وصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير فكان حدثا كالخارج من السبيل وهذا لان الحكم للخارج دون المخرج حتى يختلف الواجب باختلاف الخارج فخروج المنى يوجب الغسل وخروج المذي يوجب الوضوء والمخرج واحد وهو بخلاف القليل الذى لم يسل لانه ما صار خارجا انما تقشر عنه الجلد فظهر ما هو في موضعه والشئ في موضعه لا يعطى له حكم النجاسة وفى السبيل وان قل ما ظهر فقد فارق مكانه وكذلك الريح إذا خرج من السبيل ومعه قليل شئ وذلك كاف في انتقاض الطهارة بخلاف الخارج من غير السبيل. يقرر ما قلنا أنه وجب عليه غسل ذلك الموضع لمعنى من

[ 77 ] بدنه فيكون حدثا كالخارج من السبيل بخلاف ما إذا لم يسل فانه لم يلزمه غسل ذلك الموضع وبخلاف ما إذا أصابته نجاسة لان وجوب غسله لم يكن لمعنى من بدنه فلا تتغير صفة طهارة بدنه. ثم حاصل المذهب أن الدم إذا سال بقوة نفسه حتى انحدر انتقض به الوضوء وان لم ينحدر ولكنه علا فصار أكثر من رأس الجرح لم تنتقض به الطهارة الا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى فانه ان مسحه قبل أن يسيل فان كان بحال لو ترك لسال فعليه الوضوء وان كان بحال لو تركه لم يسل فلا وضوء عليه لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال في الدم إذ سال عن رأس الجرح فهو حدث والا فلا * قال (فان بزق فخرج من بزاقه دم فان كان البزاق هو الغالب فلا وضوء عليه) لان الدم ما خرج بقوة نفسه وانما أخرجه البزاق والحكم للغالب (وان كان الدم هو الغالب فعليه الوضوء) لانه خارج بقوة نفسه وان كانا سواء ففى القياس لا وضوء عليه لانه تيقن بصفة الطهارة وهو في شك من الحدث ولكنه استحسن فقال البزاق سائل بقوة نفسه فما ساواه يكون سائلا بقوة نفسه أيضا. ثم اعتبار أحد الجانبين يوجب الوضوء واعتبار الجانب الآخر لا يوجب الوضوء فالاخذ بالاحتياط أولى لقوله ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال وفى الكتاب قال أحب إلى أن يعيد الوضوء وهو إشارة إلى أنه غير واجب وهو اختيار محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى وأكثر المشايخ على أنه يجب الوضوء بما بينا * قال (والقهقهة في الصلاة تنقض الوضوء والتبسم لا ينقضه) أما التبسم فلحديث جرير بن عبد الله البجلى قال ما رآني رسول الله الا تبسم ولو في الصلاة وروى أنه تبسم في صلاته فلما فرغ سئل عن ذلك فقال أتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فقال من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فدل أن التبسم لا يضر المصلى فأما القهقة في الصلاة لا تنقض الوضوء قياسا وهو قول الشافعي رحمه الله لان انتقاض الوضوء يكون بالخارج النجس ولم يوجد ولو كان هذا حدثا لم يفترق الحال فيه بين الصلاة وغيرها كسائر الاحداث وقاس بالقهقهة في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة واستحسن علماؤنا رحمهم الله لحديث زيد بن خالد الجهنى قال كان رسول الله يصلى بأصحابه رضوان الله عليهم إذ أقبل أعمى فوقع في بئر أو ركية هناك فضحك بعض القوم فلما فرغ النبي صلى الله عيله وسلم من صلاته قال من ضحك منكم فليعد الوضوء والصلاة وفى حديث جابر رضى الله عنه قال قال

[ 78 ] من ضحك في صلاته حتى قرقر فليعد الوضوء والصلاة وتركنا القياس بالسنة. والضحك في غير الصلاة ليس في معنى الضحك في الصلاة لان حال الصلاة حال المناجاة مع الله تعالى فتعظم الجناية منه بالضحك في حال المناجاة وصلاة الجنازة ليست بصلاة مطلقة وكذلك سجدة التلاوة والمخصوص من القياس بالنص لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه * قال (ولا ينقض النوم الوضوء مادام قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا وينقضه مضطجعا أو متكئا أو على احدى اليتيه) أما نوم المضطجع ناقض للوضوء وفيه وجهان * أحدهما أن عينه حدث بالسنة المروية فيه لان كونه طاهرا ثابت بيقين ولا يزال اليقين الا بيقين مثله وخروج شئ منه ليس بيقين فعرفنا أن عينه حدث * والثانى وهو أن الحدث ما لا يخلو عنه النائم عادة فيجعل كالموجود حكما فان نوم المضطجع يستحكم فتسترخي مفاصله واليه أشار رسول الله بقوله العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء وهو ثابت عادة كالمتيقن به. وكان أبو موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه يقول لا ينتقض الوضوء بالنوم مضطجعا حتى يعلم بخروج شئ منه وكان إذا نام أجلس عنده من يحفظه فإذا انتبه سأله فان أخبر بظهور شئ منه أعاد الوضوء. والمتكئ كالمضطجع لان مقعده زائل عن الارض فأما القاعد إذا نام لم ينتقض وضوءه وقال مالك رحمه الله ان طال النوم قاعدا انتقض وضوءه. وحجتنا حديث حذيفة رضى الله تعالى عنه قال نمت قاعدا في المسجد حتى وقع ذقنى على صدري فوجدت بردكف على ظهرى فإذا هو رسول الله فقلت أعلى في هذا وضوء فقال لا حتى تضطجع ولانه مقعده مستقر على الارض فيأمن خروج شئ منه فلا ينتقض وضوءه كما لم يطل نومه. فأما إذا نام قائما أو راكعا أو ساجدا لم ينقض وضوءه عندنا. عند الشافعي رضى الله عنه ينتقض وضوءه لحديث صفوان بن عسال المرادى قال كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا ان لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها الا من جنابة لكن من بول أو غائط أو نوم فهذا دليل على أن النوم حدث الا أنا خصصنا نوم القاعد من هذا العموم بدليل الاجماع فبقى ما سواه على أصل القياس ولان مقعده زائل عن الارض في حال نومه فهو كالمضطجع (ولنا) حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا انما الوضوء على من نام

[ 79 ] مضطجعا فانه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله وهو المعنى فان الاستمساك باق مع النوم في هذه الاحوال بدليل أنه لم يسقط وبقاء الاستمساك يؤمنه من خروج شئ منه فهو كالقاعد بخلاف المضطجع وعن أبى يوسف رحمه الله قال إذا تعمد النوم في السجود انتقض وضوءه وان غلبته عيناه لم ينتقض لان القياس في نوم الساجد أنه حدث كنوم المضطجع ومن الناس من يعتاد النوم على وجهه. تركنا القياس للبلوي فيه للمجتهدين وهذا إذا غلبته عيناه لا إذا تعمد. وجه ظاهر الرواية ماروى أن النبي قال إذا نام العبد في سجوده يباهي الله تعالى به ملائكته فيقول انظروا إلى عبدى روحه عندي وجسده في طاعتي وانما يكون جسده في الطاعة إذا بقى وضوءه ولان الاستمساك باق فانه لو زال لسقط على أحد شقيه * وذكر ابن شجاع عن محمد رحمه الله تعالى أن نوم القائم والراكع والساجد انما لا يكون حدثا إذا كان في الصلاة فأما خارج الصلاة يكون حدثا وفى ظاهر الرواية لا فرق بينهما لبقاء الاستمساك فان كان القاعد مستندا إلى شئ فنام قال الطحاوي رحمه الله تعالى ان كان بحال لو أزيل سنده عنه يسقط انتقض وضوءه لزوال الاستمساك. والمروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا ينتقض وضوءه على كل حال لان مقعده مستقر على الارض فيأمن خروج شئ منه. فان نام قاعدا فسقط روي عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال ان انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الارض لم ينتقض وضوءه لانه لم يوجد شئ من النوم مضطجعا وهو الحدث وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال ينتقض وضوءه لزوال الاستمساك بالنوم حين سقط وعن محمد رحمه الله تعالى ان انتبه قبل أن يزايل مقعده الارض لم ينتقض وضوءه وان زايل مقعده الارض قبل أن ينتبه انتقض وضوءه * قال (ولا ينقض الكلام الفاحش الوضوء) لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الوضوء مما خرج يعنى الخارج النجس ولانه لاكلام أفحش من الردة والمتوضئ إذا ارتد نعوذ بالله ثم أسلم فهو على وضوئه. والذى روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت للمتسابين ان بعض ما أنتم فيه شر من الحدث فجددوا الوضوء انما أمرت به استحسانا ليكون الوضوء على الوضوء مكفرا لذنوبهما * قال (ولا وضوء في شئ من الاطعمة ما مسته النار وما لم تمسه فيه سواء) وأصحاب الظواهر يوجبون الوضوء مما مسته النار ومنهم من أوجب من لحم الابل خاصة لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال توضؤا

[ 80 ] مما مسته النار وفى حديث آخر توضؤا من لحوم الابل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم (ولنا) حديث أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أن النبي أكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ وقال جابر توضأ رسول الله فلما فرغ قام ليخرج فرأى عرقا أي عظما في يد بعض صبيانه فأكل منه ثم صلى ولم يتوضأ وحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ضعيف قد رده ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فقال ألسنا نتوضأ بالحميم ولو ثبت فالمراد منه غسل اليد بدليل حديث عكراش بن ذؤيب قال أخذ رسول الله بيدى فأدخلني بيت أم سلمة رضى الله تعالى عنها فأتينا بقصعة كثيرة الثريد والودك فجعلت آكل من كل جانب فقال كل مما يليك فان الطعام واحد ثم أتينا بطبق من رطب فجعلت آكل مما يلينى فقال أجل يدك فان الرطب ألوان ثم أتي بماء فغسل يديه وقال هذا هو الوضوء مما مسته النار ولهذا فصل في روايته بين لحم الابل وغيره لان للحم الابل من اللزوجة ما ليس لغيره والمعنى أنه لو أكل الطعام نيئا لم يلزمه الوضوء فالنار لا تزيده الا نظافة * قال (ويخلل لحيته وأصابعه في الوضوء) فان لم يخلل لحيته أجزأه وأما تخليل الاصابع سنة لقوله خللوا أصابعكم حتى لا يتخللها نار جهنم وأما اللحية فقد روى المعلي عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله تعالى أن مواضع الوضوء ما ظهر منها وخلال الشعر ليس من مواضع الوضوء وهذا إشارة إلى أنه يلزمه امرار الماء على ظاهر لحيته. ووجهه أن البشرة التى استترت بالشعر كان يجب امرار الماء عليها قبل نبات الشعر فإذا استترت بالشعر يتحول الحكم إلى ما هو الظاهر وهو الشعر. وعن أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى قالا ان مسح من لحيته ثلثا أو ربعاأجزأه ووجهه أن الاستيعاب في الممسوح ليس بشرط كما في المسح بالرأس * وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى على قال ان ترك مسح اللحية أجزأه لانه لا يجتمع في عضو واحد غسل ومسح وغسل الوجه فرض فلا يجب المسح فيه واللحية من جملة الوجه فأما تخليل اللحية فقد ذكر محمد رحمه الله تعالى في شرح الآثار أنه بالخيار ان شاء فعل وان شاء لم يفعل فلم يعده من سنن الوضوء كما أشار إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى لانه باطن لا يبدو للناظر وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى التخليل سنة لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان يخلل لحيته إذا توضأ وقال أنس رضى الله تعالى عنه رأيت أصابع رسول الله في لحيته كأنها أسنان المشط وقال نزل على جبريل صلوات

[ 81 ] الله عليه فأمرني أن أخلل لحيتى إذا توضأت * قال (وإذا حت النجاسة عن الثوب لم يجزه الا في المنى اليابس خاصة) لان الثوب رقيق تتداخل النجاسة في أجزائه فلا يخرجه الماء فأما الحت يزيل ما على ظاهره دون ما يتداخل في أجزائه * فأما المنى فالكلام فيه في فصلين. أحدهما أنه نجس عندنا وقال الشافعي رحمه الله طاهر لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال المنى كالمخاط فأمطه عنك ولو باذخرة ولانه أصل لخلقة الآدمى فكان طاهرا كالتراب لاستحالة أن يقال ان الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم خلقوا من شئ نجس وهذا لان المستحيل من غذاء الحيوان انما يكون نجسا إذا كان يستحيل إلى نتن وفساد والمنى غير مستحيل إلى فساد ونتن فهو كاللبن والبيضة (ولنا) قول النبي لعمار بن ياسر انما يغسل الثوب من خمس من البول والغائط والخمر والدم والمنى ولانه خارج من البدن يجب الاغتسال بخروجه فكان نجسا كدم الحيض وخروجه من مكان النجاسات فلابد أن يتنجس بالمجاورة وان لم يكن نجسا في نفسه وكونه أصل خلقة الآدمى لا ينفى صفة النجاسة عنه كالعلقة والمضغة وان ابن عباس رضى الله عنهما شبهه بالمخاط في المنظر لافى الحكم وأمر بالاماطة ليتمكن من غسله فان قبل الاماطة تنتشر النجاسة في الثوب إذا أصابه الماء * والفصل الثاني أنه ما دام رطبا لا يطهر الا بالغسل فان جف فحته وفرك الثوب القياس أن لا يطهر لانه دم الا أنه نضيج فهو كسائر أنواع الدم لا يطهر الا بالغسل. استحسن علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا يطهر بالفرك لما روى أن النبي قال لعائشة رضى الله تعالى عنها في المنى إذا رأيتيه رطبا فاغسليه وإذا رأيتيه يابسا فافركيه. وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها كنت أفرك المني من ثوب رسول الله وهو يصلى ولان جرم المنى لا يتداخل في أجزاء الثوب بل هو على ظاهره يزول بالفرك فهو نظير سيف المجاهد وسكين القصاب إذا مسحه بالتراب يطهر به * وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في المنى إذا أصاب البدن لا يطهر الا بالغسل لان لين البدن يمنع زوال أثره بالحت وروى عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان المنى غليظا فجف يطهر بالفرك وان كان رقيقا لا يطهر الا بالغسل وقال إذا أصاب المنى ثوبا ذا طاقين فالطاق الاعلى يطهر بالفرك والاسفل لا يطهر الا بالغسل لانه انما يصيبه البلة دون الجرم وهذه مسألة مشكلة فان الفحل لايمنى حتى يمذى والمذى لا يطهر بالفرك الا أنه جعل

[ 82 ] المذى في هذه الحالة مغلوبا مستهلكا بالمنى فكان الحكم للمنى دون المذى * قال (وان أصابت النجاسة الخف أو النعل فما دام رطبا لا يطهر الا بالغسل) لان المسح بالارض لا يزيله الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال إذا مسح بالارض حتى لم تبق عين النجاسة ولا رائحتها يحكم بطهارة الخف واعتبر البلوى فيه للناس. وان كان يابسا فهو على وجهين اما أن لا يكون للنجاسة جرم كالبول والخمر فلا يطهر الا بالغسل لان البلة تداخلت في أجزاء الخف وليس على ظاهره جرم حتى يزول بالمسح بالارض فأما إذا كانت النجاسة لها جرم كالعذرة والروث فمسحه بالارض ففى القياس لا يطهر الا بالغسل وهو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لان النجاسة تداخلت في أجزاء الخف ألا ترى أنها بعد الجفاف تبقى متصلة بالخف فلا يطهرها الا الغسل كما إذا أصابت الثوب أو البساط استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا يطهر بالمسح بالارض لما روى أن النبي خلع نعليه في صلاته فخلع الناس نعالهم فلما فرغ من صلاته قال أتانى جبريل صلوات الله عليه وأخبرني أن فيهما أذى فإذا أتي أحدكم المسجد فليقلب نعليه فان رأى فيهما قذرا فليمسحه بالارض وقالت أم سلمة رضى الله تعالى عنها يارسول الله انى ربما أمشى على مكان نجس ثم على مكان طاهر فقال الارض يطهر بعضها بعضا والمعنى فيه أن للجلد صلابة تمنع دخول أجزاء النجاسة في باطنه ولهذه النجاسة جرم ينشف البلة المتداخلة إذا جف فإذا مسحه بالارض فقد زال عين النجاسة فيحكم بطهارة الجلد كما كان عليه قبل الاصابة بخلاف الثوب أو البساط فانه رقيق تتداخل أجزاء النجاسة في باطنه فلا يخرجه الا الماء فان الماء للطافته يتداخل في أجزاء الثوب فيخرج النجاسة ثم يخرج على أثرها بالعصر * قال (ولا يجب عليه بتغميض الميت وغسله وحمله وضوء ولا غسل الا أن يصيب يده أو جسده شئ فيغسله) لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الوضوء مما خرج ولان الميت المسلم طاهر ومس الطاهر ليس بحدث ولو كان نجسا فمس النجس ليس بحدث أيضا. والذى روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال من غمض ميتا فليتوضأ ومن غسل ميتا فليغتسل ومن حمل جنازة فليتوضأ ضعيف قد رده ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فقال أيلزمنا الوضوء بمس عيدان يابسة ولو ثبت فالمراد من قوله من غمض ميتا فليتوضأ غسل اليد لان ذلك لا يخلو عن قذارة عادة وقوله من غسل ميتا فيلغتسل إذا

[ 83 ] أصابته الغسالات النجسة وقوله من حمل جنازة فليتوضأ إذا كان محدثا ليتمكن من أداء الصلاة عليه * قال (والحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة) وهو عندنا وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه يوجب غسل موضع المحجمة ولا يوجب الوضوء لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما اغسل موضع المحاجم وحسبك. وعلماؤنا قالوا معناه وحسبك من الاغتسال فان أصحاب على رضى الله عنه كانوا يوجبون لاغتسال من ماء الحمام وغسل الميت والحجامة فابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال هذا ردا عليهم فأما الوضوء واجب بخروج النجس كما بينا فان توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فان كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وان كان دون ذلك أجزأته وعلى قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لا تجزئه فان القليل من النجاسة كالكثير عنده في المنع من جواز الصلاة * قال (وان خرج من دبره دابة أو ريح ينتقض وضوءه) والمراد بالدابة الدود وهو لا يخلو عن قليل بلة تكون معه وقد بينا أن فيما يخرج من الدبر القليل كالكثير في انتقاض الطهارة بخلاف ما إذا سقط الدود عن رأس الجرح فانه لا يخلو عن بلة يسيرة وذلك القدر من الخارج ليس بناقض للوضوء لانه غير سائل بقوة نفسه فأما الريح إذا خرج من الدبر كان ناقضا للوضوء لما روى عن النبي قال الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن أحدكم من صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. فان خرج الريح من الذكر فقد روى عن محمد رحمه الله تعالى أنه حدث لانه خرج من موضع النجاسة وعامة مشايخنا يقولون هذا لا يكون حدثا وانما هو اختلاج فلا ينتقض به الوضوء وكذلك ان خرج الريح من قبل المرأة قال الكرخي رحمه الله تعالى انه لا يكون حدثا الا أن تكون مفضاة يخرج منها ريح منتن فيستحب لها أن تتوضأ ولا يلزمها ذلك لانا لا نتيقن بخروج الريح من موضع النجاسة * قال (وان رعف قليلا لم يسل لم ينقض وضوءه) ومراده إذا كان فيما صلب من انفه لم ينزل إلى إلى مالان منه فقد قال محمد رحمه الله تعالى في النوادر إذا نزل الدم إلى قصبة الانف انتقض به الوضوء بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر لان هناك النجاسة لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير وفى الانف قد وصلت النجاسة إلى موضع يلحقه حكم التطهير فالاستنشاق في الجنابة فرض وفى الوضو سنة * قال (ويتوضأ صاحب الجرح السائل لوقت كل صلاة ويصلى بذلك ما شاء من الفرائض

[ 84 ] والنوافل مادام في الوقت) وأصل المسألة في المستحاضة فان دم المستحاضة حدث عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى خلافا لمالك رحمه الله تعالى فانه يقول ما ليس بمعتاد من الخارج لا يكون حدثا. والدليل على أنه حدث قوله المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة ثم عندنا يلزمها الوضوء في كل وقت صلاة وقال الشافعي رحمه الله تعالى تتوضأ لكل صلاة مكتوبة ولها أن تصلى ما شاءت من النوافل بذلك ولا تجمع بين الفرضين بوضوء واحد لقوله لفاطمة بنت قيس حين استحيضت توضئى لكل صلاة ومطلقه يتناول المكتوبة ولان طهارتها طهارة ضرورية لاقتران الحدث بها ويتجدد باعتبار كل مكتوبة ضرورة فيلزمها وضوء جديد فأما النوافل تبع للفرائض فثبوت حكم الطهارة في الاصل يوجب ثبوته في التبع (ولنا) حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وما روى لكل صلاة فالمراد منه الوقت فالصلاة تذكر بمعني الوقت قال ان للصلاة أولا وآخرا أي لوقت الصلاة والرجل يقول لغيره آتيك صلاة الظهر أي وقته والمعني فيه أن الاوقات مشروعة للتمكن من الاداء فيها فان الناس في الاداء مختلفون فمن بين مطول وموجز فشرع للاداء وقت يفصل عنه تيسيرا وإذا قام الوقت مقام الصلاة لهذا فتجدد الضرورة يكون بتجدد الوقت وما بقى الوقت يجعل الضرورة كالقائمة حكما تيسيرا عليها في اقامة الوقت مقام الفعل وبعد ما فرغت من الاداء ان بقيت طهارتها فلها أن تصلى فرضا آخر وان لم تبق طهارتها ليس لها أن تصلى النوافل لان الطهارة من شرطها. ثم انتقاض طهارتها بخروج الوقت عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وبدخول الوقت عند زفر رحمه الله تعالى وبهما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ويتبين هذا الخلاف فيما إذا توضأت في وقت الفجر فطلعت الشمس تنتقض طهارتها الا على قول زفر رحمه الله ولو توضأت وقت الضحوة فزالت الشمس لا تنتقض طهارتها الا على قول أبى يوسف وزفر رحمهما الله تعالى وهما يقولان طهارتها قبل وقوع الحاجة غير معتبر فبدخول الوقت تتجدد الحاجه لوجوب الاداء عليها فيلزمها به الطهارة (ولنا) أن انتقاض طهارتها بوقوع الاستغناء عنها وذلك بخروج الوقت. ثم صاحب الجرح السائل عندنا في معنى المستحاضة لان الخارج من غير السبيل حدث عندنا فيتوضأ لوقت كل صلاة ولو قلنا بما قاله زفر رحمه الله لادى إلى الحرج لانه أذا كان بيته بعيدا عن الجامع فلو انتظر للوضوء

[ 85 ] زوال الشمس فاتته الصلاة فلا يجد بدا من أن يتوضأ قبل الزوال * قال (وان سال الدم بعد الوضوء حتى نفذ الرباط فذلك لا يمنعه من أداء الصلاة ما بقى الوقت * لان فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها لما قالت لرسول الله انى أثج الدم ثجا قال احتشى والتجمى وصلى وان قطر الدم على الحصير قطرا فان أصاب ثوبه من ذلك الدم فعليه أن يغسله وهذا إذا كان مفيدا بأن كان لا يصيبه مرة بعد أخرى حتى إذا لم يغسله وصلى وهو أكثر من قدر الدرهم لم يجزه الا إذا لم يكن الغسل مفيدا بان كان يصيبه ثانيا وثالثا وكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله يقول عليه غسل ثوبه في وقت كل صلاة مرة بالقياس على الوضوء وغيره من مشايخنا يقول لا يلزمه ذلك لان حكم الوضوء عرفناه بالنص ونجاسة الثوب ليست في معنى الحدث حتى ان القليل منه يكون عفوا فلا يلحق به فان سال الدم من موضع آخر أعاد الوضوء وان كان الوقت باقيا لان هذا حدث جديد وتقدر طهارته بالوقت كان للحدث الموجود باعتبار تحقق الضرورة فما يتجدد من الحدث فهو كغيره * قال (ومن خاض ماء المطر إلى المسجد أو داس الطين لم ينقض ذلك وضوءه) لان انتقاض الوضوء بالخارج النجس من البدن وروى أن عليا رضى الله تعالى عنه خرج يوما والسماء تسكب فاخذ نعليه بيده وخاض الماء حتى أتى المسجد فمسح قدميه ودخل وصلى وهكذا روى عن أنس رضى الله تعالى عنه فتبين أنه لا وضوء عليه ولاغسل القدمين بل يمسح قدميه ويصلى هذا إذا كان التراب طاهرا فان الطين من الماء النازل من السماء والتراب الطاهر طاهر فأما إذا كان احدهما اما الماء واما التراب نجسا فالطين نجس لابد من غسله وهو الصحيح من المذهب وانما مسح قدميه خارج المسجد كي لا يؤدي إلى تلويث المسجد * وروى أن أبا حنيفة رحمه الله رأى رجلا يمسح خفيه بأسطوانة المسجد فقال له لو مسحته بلحيتك كان خيرا لك الا أن يكون موضعا معدا لذلك في المسجد فحينئذ لا بأس به لان ذلك الموضع لا يصلى فيه عادة * قال (ومن سال عليه من موضع شئ لا يدرى ما هو فغسله أحسن) لان غسله لا يريبه وتركه يريبه وقال دع ما يريبك إلى مالا يريبك فان تركه جاز لانه على يقين من الطهارة في ثوبه وفى شك من حقيقة النجاسة فان كان في أكبر رأيه أنه نجس غسله لان أكبر الرأى فيما لاتعلم حقيقته كاليقين قال المؤمن ينظر بنور الله تعالى وكان شيخنا الامام شمس الائمة الحلواني رحمه الله يقول في بلدتنا لابد من غسله لان

[ 86 ] الظاهر أنه انما يراق البول أو الماء النجس من السطوح * قال (وان انتضح عليه من البول مثل رؤس الابر لم يلزمه غسله لان فيه بلوى فان من بال في يوم ريح لابد أن يصيبه ذلك خصوصا في الصحارى وقد بينا أن ما لا يستطاع الامتناع عنه يكون عفوا * قال (ومن شك في بعض وضوئه وهو أول ما شك غسل الموضع الذى شك فيه) لان غسله لا يريبه ولانه على يقين من الحدث في ذلك الموضع وفى شك من غسله ولم يرد بهذا اللفظ أنه لم يصبه قط مثل هذا انما مراده أن الشك في مثله لم يصر عادة له حتى قال بعد ذلك فان كان يعرض له ذلك كثيرا لم يلتفت إليه لانه من الوساوس والسبيل في الوساوس قطعها وترك الالتفات إليها لانه لو اشتغل بها لم يتفرغ لاداء الصلاة فكلما قام إليها يبتلى بمثل هذا الشك * قال (ومن شك في الحدث فهو على وضوئه وان كان محدثا فشك في الوضوء فهو على حدثه لان الشك لا يعارض اليقين وما تيقن به لا يرتفع بالشك) وعن محمد رحمه الله تعالى قال المتوضئ إذا تذكر أنه دخل الخلاء لقضاء الحاجة وشك أنه خرج قبل أن يقضيها أو بعد ما قضاها فعليه أن يتوضأ لان الظاهر من حاله أنه ما خرج الا بعد قضائها وكذلك المحدث إذا علم أنه جلس للوضوء ومعه الماء وشك في أنه قام قبل أن يتوضأ أو بعد ما توضأ فلا وضوء عليه لان الظاهر أنه لا يقوم حتى يتوضأ والبناء على الظاهر واجب ما لم يعلم خلافه * قال (ومن توضأ ثم رأى البلل سائلا عن ذكره أعاد الوضوء) لان البول سال منه وهو ناقض للوضوء وانما قال رآه سائلا لان مجرد البلة محتملة أن تكون من ماء الطهارة فان علم أنه بول ظهر عليه فعليه الوضوء وان لم يكن سائلا وان كان الشيطان يريه ذلك كثيرا ولا يعلم أنه بول أو ماء مضى على صلاته لانه من جملة الوساوس فلا يلتفت إليها لقوله ان الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وفى الحديث ان شيطانا يقال له الولهان لا شغل له الا الوسوسة في الوضوء فلا يلتفت إلى ذلك وينبغى أن ينضح فرجه وازاره بالماء إذا توضأ قطعا لهذه الوسوسة حتى إذا أحس بشئ من ذلك أحاله على ذلك الماء وقد روى أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي كان ينضح ازاره بالماء إذا توضأ وفى بعض الروايات قال نزل على جبريل عليه السلام وأمرني بذلك * قال (وليس دم البق والبراغيث بشئ لانه ليس بدم سائل ولا يستطاع الامتناع عنه) خصوصا في زمن الصيف في حق من ليس له

[ 87 ] الا ثوب واحد ينام فيه كما كان لاصحاب الصفة على عهد رسول الله وكذلك دم السمك ليس بشئ يعنى ليس بنجس وقد بينا أنه ليس بدم حقيقة وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله في الكبار الذى يسيل منه دم كثير أنه نجس ولا اعتماد على تلك الرواية وأما دم الحلم فان كان أكثر من قدر الدرهم أعاد ما صلى وهو عليه لانه دم سائل وقد روى أن الاذى الذى كان في نعل رسول الله حين خلع نعليه في الصلاة كان دم حلم * قال (وإذا أراد أن يتوضأ بماء فأخبره بعض أنه قذر لم يتوضأ به) لان خبر الواحد في أمر الدين حجة إذا كان المخبر ثقة حتى كان روايته الحديث موجبا للعمل فكذلك اخباره بنجاسة الماء من أمر الدين فيجب العمل بخبره * قال (وإذا أدخل الصبى يده في كوزماء ولا يعلم على يده قذر فالمستحب أن لا يتوضأ به) لانه لا يتوقى النجاسات عادة فالظاهر أن يده لا تخلو عن نجاسة فالاحتياط في التوضؤ بغيره وان توضأ به أجزأه لانه على يقين من الطهارة وفى شك من النجاسة وحاله كحال الدجاجة المخلاة وقد بينا حكم سؤرها * قال (ولا بأس بالتوضوء من حب (1) يوضع كوزه في نواحى الدار ما لم يعلم أنه قذر) لانه عمل الناس ويلحقهم الحرج في النزوع عن هذه العادة والاصل فيه الطهارة فيتمسك به ما لم يعلم بالنجاسة وفى الحديث أن النبي في حجة الوداع استسقى العباس رضى الله تعالى عنه فقال ألا نأتيك بالماء من بعض البيوت فان الناس يدخلون أيديهم في ماء السقاية فقال النبي نحن منهم * قال (وإذا وقع بعر الغنم أو الابل في البئر لم يضره ما لم يكن كثيرا فاحشا) وفي القياس يتنجس البئر لانه بمنزلة الاناء يخلص بعضه إلى بعض فيتنجس بوقوع النجاسة فيه ولكنا استحسنا وقلنا بأنه لا ينجس للبلوى فيه فان عامة الآبار في الفيافي والمواشى تبعر حولها ثم الريح تسفى به فتلقيه في البئر فلو حكمنا بنجاسته كان فيه انقطاع السبل والرسل ولكن هذه الرخصة في القليل دون الكثير وإذا كان كثيرا فاحشا أخذنا فيه بالقياس فقلنا عليهم أن ينزحوا ماء البئر كله والكثير ما استكثره الناظر إليه وقيل أن يغطي ربع وجه الماء وقيل أن لا تخلو دلو عن بعرة وهو الصحيح وعن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في الاملاء قال هذا إذا كان يابسا فان كان رطبا تفسد البئر بقليله وكثيره ثم قال لان الرطب ثقيل لا يسفي به الريح ولانه ليس للرطب من الصلابة والاستمساك ما لليابس وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنهما سواء لان اليابس

[ 88 ] بالوقوع في البئر يصير رطبا وما على الرطب من الرطوبة رطوبة الامعاء وهذا كله في غير المتفتت فان كان متفتتا فقليله وكثيره سواء لان الماء يدخل في أجزائه فيتنجس ثم يخرج وهو نجاسة مائعة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه استحسن في القليل من المتفتت لان البلوى فيه قائمة. وأما السرقين فقليله وكثيره سواء يفسد الماء رطبا كان أو يابسا لانه ليس له من الصلابة كما للبعر وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال في تبنة أو تبنتين من الارواث تقع في البئر استحسن أنه لا يفسده ولا أحفظه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو الاصح لقيام البلوى فيه حتى قال خلف بن أيوب لو حلب عنزا فبعرت في المحلب يرمى بالبعرة ويحل شربه لان فيه بلوى فان العنز لا يمكن أن تحلب من غير أن تبعر في المحلب * قال (ولا يتوضأ بشئ من الاشربة سوى الماء) الا بنبيذ التمر عند عدم الماء أما نبيذ التمر ففى الاصل قال يتوضأ به عند عدم الماء ولو تيمم مع ذلك أحب إلى وفي الجامع الصغير قال يتوضأ به ولا يتيمم وقال محمد رحمه الله لابد من الجمع بينه وبين التيمم وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف يتيمم ولا يتوضأ به وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى. وروى نوح في الجامع عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه رجع إليه واحتج أبو يوسف بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وخبر نبيذ التمر كان بمكة وآية التيمم نزلت بالمدينة فانتسخ بها خبر نبيذ التمر لان نسخ السنة بالكتاب جائز والقياس هكذا فانه ليس بماء مطلق فلا يتوضأ به كسائر الانبذة ترك أبو حنيفة رحمه الله تعالى هذا القياس بحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه كان مع رسول الله ليلة الجن فلما انصرف إليه عند الصباح قال أمعك ماء يا ابن مسعود قال لا الا نبيذ تمر في اداوة فقال تمرة طيبة وماء طهور وأخذه وتوضأ به وعن على وابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال نبيذ التمر طهور من لا يجد الماء والقياس يترك بالسنة وبقول الصحابي إذا كان فقيها فأما آية التيمم تتناول حال عدم الماء وهذا ماء شرعا كما قال وماء طهور وانما جمع بينهما محمد رحمه الله تعالى لان الآية توجب التيمم والخبر يوجب التوضؤ بالنبيذ فيجمع بينهما احتياطا وإذا قلنا بالاحتياط في سؤر الحمار انه يجمع بينه وبين التيمم فهاهنا أولى. وصفة نبيذ التمر الذى يجوز التوضؤ به أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الاعضاء كالماء فان كان ثخينا فهو كالرب لا يتوضأ به فان كان مشتدا فهو حرام شربه فكيف يجوز التوضؤ به وان كان مطبوخا فالصحيح أنه لا يجوز التوضؤ به حلوا

[ 89 ] كان أو مشتدا لان النار غيرته فهو كماء الباقلا فاما سائر الانبذة فكان الاوزاعي رحمه الله يقول بجواز التوضؤ بها بالقياس على نبيذ التمر وعندنا لا يجوز لان نبيذ التمر مخصوص من القياس بالاثر فلا يقاس عليه غيره واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى في الاغتسال بنبيذ التمر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فمنهم من لم يجوزه لان الاثر في الوضوء خاصة والاصح أنه يجوز لان المخصوص من القياس بالنص يلحق به ما في معناه من كل وجه * قال (والاغماء ينقض الوضوء في الاحوال كلها) لان النبي توضأ في مرضه فلما أراد أن يقوم أغمى عليه فلما أفاق توضأ ثانيا ولان الاغماء في غفلة المرء عن نفسه فوق النوم مضطجعا فان هناك إذا نبه انتبه وهاهنا لا ينتبه وكذلك يقطع الصلاة لو عرض في خلال الصلاة ويمنع من البناء عليها لان البناء على الصلاة عند سبق الحدث مستحسن فيما تعم به البلوى والاغماء ليس من هذا في شئ. وكذلك لو مات الامام استقبل القوم الصلاة بامام آخر لان عمله انقطع بموته قال رسول الله إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث وهذا ليس من جملتها والبناء على المنقطع غير ممكن فلهذا استقبلوا * قال (وليس الغسل بواجب يوم الجمعة ولكنه سنة) الا على قول مالك رحمه الله تعالى وحجته ماروي عن النبي قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم أو قال حق (ولنا) حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ولما دخل عثمان رضى الله تعالى عنه المسجد يوم الجمعة وعمر رضي الله عنه يخطب فقال أية ساعة المجئ هذه قال ما زدت بعد أن سمعت النداء على أن توضأت فقال والوضوء أيضا وقد كان رسول الله يأمرنا بالاغتسال في هذا اليوم ثم لم يأمره بالانصراف فدل أنه ليس بواجب. وتأويل الحديث مروي عن عائشة وابن عباس رضى الله تعالى عنهما قالا كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه والمسجد قريب السمك فكان يتأذى بعضهم برائحة البعض فأمروا بالاغتسال لهذا ثم انتسخ هذا حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم. واختلف أبو يوسف والحسن ابن زياد رحمهما الله تعالى ان الاغتسال يوم الجمعة لليوم أم للصلاة فقال الحسن رحمه الله تعالى لليوم اظهارا لفضيلته كما قال سيد الايام يوم الجمعة وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى للصلاة لانها مؤادة بجمع عظيم فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها وفائدة هذا

[ 90 ] الاختلاف فيما إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى الجمعة. عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكون مقيما للسنة وعند الحسن رحمه الله يكون. والاغتسال في الحاصل أحد عشر نوعا. خمسة منها فريضة. الاغتسال من التقاء الختانين ومن انزال الماء ومن الاحتلام ومن الحيض والنفاس. وأربعة منها سنة. الاغتسال يوم الجمعة ويوم عرفة وعند الاحرام وفى العيدين. وواحد واجب وهو غسل الميت. وآخر مستحب وهو الكافر إذا أسلم فانه يستحب له أن يغتسل به أمر رسول الله من جاءه يريد الاسلام وهذا إذا لم يكن جنبا فان أجنب ولم يغتسل حتى أسلم فقد قال بعض مشايخنا لا يلزمه الغسل لان الكفار لا يخاطبون بالشرائع والاصح أنه يلزمه لان بقاء صفة الجنابة بعد اسلامه كبقاء صفة الحدث في وجوب الوضوء به والله سبحانه وتعالى أعلم (باب البئر) * قال (وإذا ماتت الفأرة في البئر ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون بعد اخراج الفأرة فعشرون واجب وثلاثون أحوط) وقد بينا هذا فيما مضى وأصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم يطعنون في هذا ويقولون دلو يميز الماء النجس من الطاهر دلو كيس وهذا طعن في السلف وقد بينا أن طهارة البئر بنزح بعض الدلاء قول السلف من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ثم هم قالوا بالرأى ما هو أشد من هذا فقالوا في بئر فيها قلتان من الماء ماتت فيها فأرة فنزح منها دلو فان حصلت الفأرة في الدلو فالماء الذى في الدلو نجس والذى بقى في البئر طاهر وان بقيت الفأرة في البئر فالماء الذى في الدلو طاهر والذى في البئر نجس فدلوهم هذا أكيس * قال (فان نزح منها عشرون دلوا قبل اخراج الفأرة لم تطهر) لان بقاء الفأرة فيها بعد النزح كابتداء الوقوع ولان سبب نجاسة البئر حصول الفأرة الميتة فيها ولا يمكن الحكم بالطهارة مع بقاء السبب الموجب للنجاسة * قال (فان أخرجت الفأرة ثم نزح منها عشرون دلوا وهو يقطر فيها لم يضرها ذلك) لان النزح على وجه لا يقطر شئ منه فيها متعذر وما لا يستطاع الامتناع عنه يكون عفوا لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها * قال (وان صب الدلو الآخر في بئر أخرى فعليهم أن ينزحوا دلوا مثله كما لو صب في البئر الاولى) لان حال البئر الثانية بعد ما حصل هذا الدلو فيها كحال البئر الاولى حين كان

[ 91 ] هذا الدلو فيها (وان صب الدلو الاول منها في بئر طاهرة كان عليهم أن ينزحوا منها عشرين دلوا) لان حال البئر الثانية بعد حصول هذا الدلو فيها كحال البئر الاولى حين كان هذا الدلو فيها ولو صب دلو في بئر أخرى قبل اخراج الفأرة ينزح جميع ما في البئر الثانية كذا قاله أستاذنا رضى الله تعالى عنه وكان الكرخي رحمه الله تعالى يقول لا أعرف هذه المسائل الا تقلدا فان ماء الدلو الاخير نجس كماء الدلو الاول والفرق بينهما بطريق المعنى غير ممكن وشبه هذا بالثوب النجس إذا غسل ثلاثا فالماء الثالث في النجاسة كالماء الاول إذا أصاب ثوبا آخر نجسه وكان الامام الحاكم الشهيد رحمه الله تعالى يقول في مسألة الثوب على قياس مسألة البئر إذا أصاب الماء الاول ثوبا لا يطهر الا بالغسل ثلاثا وان أصابه الماء الثاني يطهر بالغسل مرتين وان أصابه الماء الثالث يطهر بالغسل مرة والاصح الفرق بينهما فنقول النجاسة في الثوب عينية وينجس الماء بحصول النجاسة فيه وفى هذا لافرق بين الماء الاول والثالث. فأما تنجيس الماء فحكمي وطهارته بالنزح بغالب الرأي فكان ماء الدلو الاخير أخف من الماء الذى في الدلو الاول لان عند نزح الدلو الاول يتيقن بكون الماء النجس في البئر وهو ما جاوز الفأرة وعند نزح الدلو الاخير لا يتيقن بذلك فلعل ما جاوز الفأرة الماء الذى نزح فيما سبق من الدلاء فهذا معنى قول محمد رحمه الله تعالى كلما نزح الماء كان أطهر للبئر فلهذا فرقنا بين الدلو الاول إذا صب في بئر أخرى وبين الدلو الاخير وان صب الدلو الثاني فيها كان عليهم أن ينزحوا منها تسعة عشر دلوا لان حالها كحال البئر الاولى وان صبوا الدلو العاشر فيها كان عليهم أن ينزحوا منها عشر دلاء هكذا ذكر في نسخ أبى سليمان رحمه الله وفى نسخ أبى حفص رحمه الله قال أحد عشر دلوا وهو الصواب فان حال البئر الثانية بعد ما صب الدلو العاشر فيها كحال البئر الاولى حين كان هذا الدلو فيها * وتأويل ما ذكر في نسخ أبى سليمان أنه ينزح منها عشر دلاء سوى المصبوب فيها والمصبوب فيها واجب النزح بيقين وان أخرجت الفأرة فألقيت في البئر الثانية وصب فيها عشرون دلوا من البئر الاولى فعليهم اخراج الفأرة ونزح عشرين دلوا لما بينا أن حال البئر الثانية كحال البئر الاولى وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن عليهم أن ينزحوا منها عشرين دلوا سوى المصبوب فيها وجعل المصبوب فيها كالفأرة في البئر الاولى والاصح هو الاول لانا نتيقن أنه ليس في هذه البئر الانجاسة فأرة ونجاسة الفأرة يطهرها نزح

[ 92 ] عشرين دلوا * قال (وإذا خرجت الفأرة وجاؤا بدلو عظيم يسع عشرين دلوا بدلوهم فاستقوا منها دلوا واحدا أجزأهم وقد طهرت البئر) لان النجس ما جاوز الفأرة من الماء فلا فرق بين أن يؤخذ ذلك في دلو واحد أو في عشرين دلوا وكان الحسن بن زياد رحمه الله تعالى يقول لا يطهر بهذا النزح لان عند تكرار نزح الماء ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فيكون في حكم الماء الجارى وهذا لا يحصل بنزح دلو عظيم منها. ونحن نقول لما قدر الشرع الدلاء بقدر خاص عرفنا أن المعتبر قدر المنزوح وأن معنى الجريان ساقط لان ذلك يحصل بدونه ويزداد بزيادته ولهذا قلنا لو نزحها عشرة أيام ونحوه يطهر لوجود القدر مع عدم الجريان ثم اللفظ المذكور في الكتاب يدل على أنه يعتبر في كل بئر دلو تلك البئر لقوله بدلوهم وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن المعتبر دلو يسع فيه صاعا من الماء ليتمكن كل أحد من النزح به من رجل أو امرأة أو صبي * قال (ولو توضأ رجل من هذه البئر بعد ما نحى الدلو الاخير عن رأسها جاز وضوءه لانا حكمنا بطهارة البئر فان صب ذلك الدلو فيها لم يفسد وضوء الرجل لان تنجيس البئر حصل الآن وان كان الدلو بعد في البئر لم يفصل عن وجه الماء لا يجوز لاحد أن يتوضأ بذلك الماء وان فصل الدلو عن وجه الماء وهو معلق في هواء البئر فتوضأ رجل منها لم يجزه في قول ابى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى أجزأه. وجه قوله أن الماء الطاهر تميز عن الماء النجس فكأنه نحى عن رأس البئر وكون الماء النجس معلقا في هواء البئر لا يكون أقوى من خمر أو بول في دلو معلق في هواء البئر فلا يحكم هناك بنجاسة البئر بهذا وانما جعل التقاطر عفوا لاجل الضرورة كما بينا ولابي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن الماء النجس متصل بماء البئر حكما بدليل أن التقاطر فيه يجعل عفوا ولولا الاتصال حكما لما جعل التقاطر عفوا كما في البول والخمر فصار بقاء الاتصال حكما كبقائه حقيقة ولو كان باقيا حقيقة بان لم يفصل عن وجه الماء فلا يحكم بطهارة البئر وهذا لان البئر موضع الماء فاعلاه كأسفله كالمسجد لما كان موضع الصلاة جعل كله كمكان واحد في حكم الاقتداء * قال (ولو غسل ثوب نجس في اجانة بماء نظيف ثم في أخرى ثم في أخرى فقد طهر الثوب) وهذا استحسان والقياس أن لا يطهر الثوب ولو غسل في عشر اجانات وبه قال بشر بن غياث. ووجهه أن الثوب النجس كلما حصل في الاجانة تنجس ذلك الماء فانما غسل الثوب بعد ذلك في الماء النجس فلا يطهر

[ 93 ] حتى يصب عليه الماء أو يغسل في الماء الجارى. وجه الاستحسان قوله طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله ثلاثا فتبين بهذا الحديث أن الاناء النجس يطهر بالغسل من غير حاجة إلى تقوير أسفله ليجرى الماء على النجاسة. والمعنى فيه أن الثياب النجسة يغسلها النساء والخدم عادة وقد يكون ثقيلا لا تقدر المرأة على حمله لتصب الماء عليه والماء الجارى لا يوجد في كل مكان فلو لم يطهر بالغسل في الاجانات أدى إلى الحرج. ثم النجاسة على نوعين مرئية وغير مرئية. ثم المرئية لابد من ازالة العين بالغسل وبقاء الاثر بعد زول العين لا يضر هكذا قال رسول الله في دم الحيض حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه ولا يضرك بقاء الاثر ولان المرأة إذا خضبت يدها بالحناء النجس ثم غسلته تجوز صلاتها ولا يضرها بقاء أثر الحناء وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول بعد زوال عين النجاسة يغسل مرتين لانه التحق بنجاسة غير مرئية غسلت مرة فأما النجاسة التى هي غير مرئية فانها تغسل ثلاثا لقوله إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده فلما أمر بالغسل ثلاثا في النجاسة الموهومة ففى النجاسة المحققة أولى وهذا مذهبنا وعلى قول الشافعي رضى الله عنه العبرة بغلبة الرأى فيما سوى ولوغ الكلب حتى ان غلب على ظنه أنه طهر بالمرة الواحدة يكفيه ذلك لظاهر قوله ثم اغسليه فلا يشترط فيه العدد ولكنا نقول غلبة الرأى في العام الغالب لا تحصل الا بالغسل ثلاثا وقد تختلف فيه قلوب الناس فأقمنا السبب الظاهر مقامه تيسيرا وهو الغسل ثلاثا * قال وان أصابت النجاسة عضوا من أعضائه فأبو يوسف رحمه الله تعالى أخذ فيه بالقياس فقال لا يطهر بالغسل في الاجانات لان صب الماء عليه ممكن من غير حرج ولان استعمال الماء في العضو في تغير صفة الماء أقوى منه في الثوب فان العضو الطاهر إذا غسل بالماء الطاهر صار مستعملا بخلاف الثوب الطاهر فلا يمكن قياس العضو على الثوب ومحمد رحمه الله تعالى سوى بين الثوب والعضو في أنه يطهر بالغسل في الاجانات وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال لان الضرورة تحققت في بعض الاعضاء فان من دمى أنفه أو فمه لا يمكنه صب الماء عليه حتى يشرب الماء النجس أو يعلو على دماغه وفيه حرج بين فأخذنا بالاستحسان في العضو كما أخذنا به في الثوب. ثم ماء الاجانات كلها نجس ولان النجاسة تحولت إلى الماء (فان قيل) جزء من الماء

[ 94 ] الثالث قد بقى في الثوب بعد العصر فكيف يحكم بطهارة الثوب (قلنا) مالا يستطاع الامتناع عنه يكون عفوا مع أن الماء يتداخل في أجزاء الثوب فيخرج النجاسة ثم يخرج على أثرها بالعصر فما بقى من البلة بعد العصر لم تجاوزه النجاسة ألا ترى أنه لو كان مكان النجاسة صبغ كالزعفران وغيره يتحول إلى الماء ولا يبقى شئ من ذلك اللون في الثوب ببقاء البلة فكذلك النجاسة * قال (جنب اغتسل في ثلاثة آبار وليس على بدنه نجاسة عينية فقد أفسد ماء الآبار ولا يجزئه غسله) في قول أبى يوسف وقال محمد رحمه الله تعالى يخرج من البئر الثالث طاهرا وهذا لان الحدث الحكمى معتبر بالنجاسة العينية فالآبار كالاجانات وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى النجاسة لاتزول عن البدن بالغسل في الاجانات فكذلك الحدث قال ولو كان يزول بالغسل في الآبار لكان يخرج الجنب من البئر الاولى طاهرا كما إذا صب الماء على بدنه مرة بعد مرة وعند محمد رحمه الله تعالى النجاسة العينية عن البدن تزول بالغسل في الاجانات فكذلك الجنابة قال ولما كان ثبوت هذا الحكم بالقياس على النجاسة شرطنا فيه عدد الثلاث كما يشترط في غسل النجاسة بخلاف صب الماء على رأسه * قال (فأرة وقعت في بئر فماتت فيها ووقعت فأرة أخرى في بئر أخرى فماتت فاستقى من احداهما عشرون دلوا وصب في الاخرى أجزأهم نزح عشرين دلوا من البئر الثانية) والاصل أن الشئ ينتظم ما هو مثله أو دونه لا ما هو فوقه فإذا كان ما في البئر الثانية مثل ما صب فيها انتظم احدهما الآخر فتطهر بنزح عشرين دلوا من البئر الثانية ولان هذا في معنى مالو ماتت فأرتان في بئر وحكم الفأرتين كحكم الفأرة الواحدة في أن البئر تطهر بنزح عشرين دلوا منها وان ماتت فأرة في بئر ثالثة فصب منها عشرون دلوا أيضا في هذه البئر فانها تطهر بنزح أربعين دلوا لان المصبوب فيها أكثر فينتظم ما كان فيها فتطهر بنزح القدر المصبوب فيها وذلك أربعون دلوا ولان هذه بمنزلة ثلاث فأرات ماتت في بئر وثلاث فأرات في ظاهر الرواية كالدجاجة الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى (قال) ما لم يكن خمس فأرات لا يكون بمنزلة الدجاجة فإذا كان الثلاث كالدجاجة في ظاهر الرواية يطهرها نزح أربعين دلوا وان صبوا من البئر الثالثة فيها دلوا أو دلوين فعليهم أن ينزحوا منها عشرين دلوا مع هذه الزيادة لان المصبوب فيها أكثر فينتظم ما كان فيها وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذه الفصول كلها أن بعد نزح القدر المصبوب ينزح منها عشرون دلوا * قال (وان ماتت فأرة في جب

[ 95 ] فصب ماؤها في بئر فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ينزح منها ما صب فيها وبعده عشرون دلوا وعند محمد رحمه الله تعالى ينظر إلى ماء الجب فان كان عشرين دلوا أو أكثر ينزح ذلك القدر وان كان دون عشرين دلوا ينزح منها عشرون دلوا لان الحاصل في البئر نجاسة الفأرة * قال (وان ماتت فأرة في سمن فان كان جامدا يرمى بها وما حولها ويؤكل ما بقى وان كان ذائبا لم يؤكل منه شئ) لحديث أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه أن النبي سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال ان كان جامدا فألقوها وما حولها وكلو ما بقى وان كان ذائبا فأريقوه ولان في الجامد النجاسة انما جاورت موضعا واحدا فإذا قور ذلك كان الباقي طاهرا وفى الذائب النجاسة جاورت الكل فصار الكل نجسا. وحد الجمود والذوب إذا كان بحال لوقور ذلك الموضع لا يستوى ماساعته فهو جامد وان كان يستوى من ساعته فهو ذائب. ثم الذائب لا بأس بالانتفاع به سوى الاكل من حيث الاستصباح ودبغ الجلد به وكذلك يجوز بيعه مع بيان عيبه عندنا فإذا باعه ولم يبين عيبه فالمشترى بالخيار إذا علم به وعند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز شئ من ذلك لانه بصفة النجاسة صار كالخمر فان عينه نجس فلا يجوز بيعه ولا الانتفاع به ألا ترى أن النبي في الجامد أمر بالقاء ما حول الفأرة وفى الذائب أمر باراقة الكل فدل أنه لا يجوز الانتفاع به * وعلماؤنا احتجوا بحديث علي رضى الله تعالى عنه في النجاسة إذا وقعت في الدهن قال يستصبح به ويدبغ به الجلود وفى حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال فان كان مائعا فانتفعوا به ولان نجاسته لالعينه بل لمجاورة النجاسة اياه فكان بمنزلة الثوب النجس بخلاف الخمر فان عينها نجس * وتأويل حديث أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه أن مراده بيان حرمة الاكل فمعظم وجوه الانتفاع بالسمن هو الاكل وإذا دبغ به الجلد ثم غسل بالماء طهر به الجلد وما تشرب فيه عفو لان عين الدهن يزول بالغسل انما بقى لينه وذلك غير معتبر * قال (وان ماتت فأرة في جب فيه خل فادخل رجل يده فيه ثم أدخلها قبل أن يغسلها في عشر خوابى خل أو ماء فقد أفسدهن كلهن) فان كان في الخوابى ماء فهذا الجواب قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فأما على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تخرج يده من الخابية الثالثة طاهرة بناء على غسل العضو المتنجس في الاجانات كما بينا الا أن يكون مراده أدخلها في الخابية الاولى إلى الابط حتى تتنجس

[ 96 ] كلها ثم أدخلها في الخابية الثانية إلى الرسغ وكذلك في كل خابية زاد قليلا فحينئذ الكل نجس كما قالا فان كان في الخوابى خل فالجواب قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فأما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تخرج يده من الخابية الثالثة طاهرة وهو بناء على أن ازالة النجاسات بالمائعات الطاهرة سوى الماء لا يجوز عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى وكذا الشافعي رحمه الله تعالى الثوب والبدن فيه سواء وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يجوز في الثوب والبدن جميعا وهو احدي الروايتين عن أبى يوسف رحمه الله تعالى * وفى الرواية الاخرى فصل بين الثوب والبدن فقال في البدن لاتزول النجاسة عنه الا بالماء وفي الثوب تزول عنه بكل مائع طاهر ينعصر بالعصر فأما مالا ينعصر كالدهن والسمن لا تجوز ازالة النجاسة به * حجة محمد رحمه الله تعالى قوله تعالى. وأنزلنا من السماء ماء طهورا فقد خص الماء بكونه مطهرا واعتبر ازالة النجاسة بازالة الحدث لان كل واحد منها طهارة وفى شرط الصلاة فإذا كان أحدهما لا يحصل الا بالماء فكذلك الآخر ولا عبرة بزوال العين فكما تزول بالاشياء الطاهرة تزول بالاشياء النجسة كبول ما يؤكل لحمه ولم يعتبر ذلك فهذا مثله * وحجة أبى حنيفة رحمه الله أن الثوب قبل اصابة النجاسة كان طاهرا وبعد الاصابة الواجب ازالة عين النجاسة حتى لو قطعه بالمقراض بقى الثوب طاهرا وازالة العين كما تحصل بالماء تحصل بسائر المائعات وربما يكون تأثير الخل في قلع النجاسة أكثر من تأثير الماء فإذا زالت به عين النجاسة يبقى طاهرا كما كان بخلاف ما لا ينعصر فانه يتشرب في الثوب فتزاد به النجاسة ولا تزول. وفي بول ما يؤكل لحمه فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله ان النجاسة الاولى تزول به لكن تبقى نجاسة البول حتى يكون التقدير فيه بالكثير الفاحش والاصح أن التطهير بالنجس لا يكون لما بين الوصفين من التضاد فأما الطهارة عن الحدث فطهارة حكمية فيها معنى العبادة فلا تجوز الا بما تعبدنا به وانما تعبدنا بالماء لانه أهون موجود لا يلحق الناس حرج في افساده بالاستعمال بخلاف سائر المائعات فانها أموال يلحق الناس حرج في فسادها بالاستعمال وأبو يوسف رحمه الله لهذا المعنى فرق بين النجاسة على البدن وعلى الثوب فقال ما كان على البدن فهو نظير الحدث الحكمى لان في تطهير البدن معنى العبادة بخلاف ما لو كان على الثوب قال فان صب خابية منها في بئر ماء فعليهم أن ينزحوا الاكثر من عشرين دلوا ومن مقدار الخابية لان الحاصل فيها نجاسة فأرة

[ 97 ] لاغير وقد مر * قال (ولا بأس بلبس ثياب أهل الذمة والصلاة فيها ما لم يعلم أن فيها قذرا) لان الاصل في الثوب الطهارة وخبث الكافر في اعتقاده لا يتعدى إلى ثيابه فثوبه كثوب المسلم وعامة من ينسج الثياب في ديارنا المجوس ولم ينقل عن أحد التحرز عن لبسها وكفى بالاجماع حجة الا الازار والسراويل فانه يكره الصلاة فيهما قبل الغسل وان صلى جاز أما الجواز فلانه على يقين من الطهارة وفى شك من النجاسة وأما الكراهة فلانه بلى موضع الحدث وهم لا يحسنون الاستنجاء ويعرقون فيهما لا محالة والظاهر أن ازارهم لا ينفك عن نجاسة فتكره الصلاة فيه وهو نظير كراهة سؤر الدجاجة المخلاة وقد روى أن رسول الله سئل عن الشرب في أواني المجوس فقال ان لم تجدوا منها بدا فاغسلوها ثم اشربوا فيها وانما أمر به لان ذبائحهم كالميتة وأوانيهم قلما تخلو عن دسومة فيها * قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى وكذلك الجواب في ثياب بعض الفسقة من المسلمين فان الظاهر أنهم لا يتوقون اصابة الخمر لثيابهم في حالة الشرب وقالوا في الديباج الذى ينسجه أهل فارس لا تجوز الصلاة فيه لانهم يستعملون فيه عند النسج البول ويزعمون أنه يزيد في بريقه ثم لا يغسلونه لان ذلك يفسده فان صح هذا لا يشكل أنه لا تجوز الصلاة فيه والله سبحانه وتعالى أعلم (باب المسح على الخفين) (اعلم) أن المسح على الخفين جائز بالسنة فقد اشتهر فيه الاثر عن رسول الله قولا وفعلا. من ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنه قال توضأ رسول الله في سفر وكنت أصب الماء عليه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فأخرج يديه من تحت ذيله ومسح على خفيه فقلت نسيت غسل القدمين فقال لا بل أنت نسيت بهذا أمرنى ربى. ومن ذلك حديث جرير بن عبد الله البجلي رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله توضأ ومسح على خفيه فقيل له أكان ذلك بعد نزول المائدة فقال وهل أسلمت الا بعد نزول المائدة وقال إبراهيم رحمه الله تعالى وكان يعجبهم حديث جرير رضى الله عنه لانه أسلم بعد نزول المائدة وانما قال هذا لما روى عن ابن عباس

[ 98 ] رضى الله تعالى عنهما قال سلوا هؤلاء الذين يروون المسح هل مسح رسول الله بعد نزول المائدة والله ما مسح رسول الله بعد نزول المائدة ولان أمسح على ظهر عنز في الفلاة أحب إلى من أن أمسح على الخفين وقد صح رجوعه عنه على ما قال عطاء بن أبى رباح رضى الله تعالى عنه لم يمت ابن عباس رضى الله تعالى عنهما حتى اتبع أصحابه في المسح على الخفين. والذى روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها لان تقطع قدماى أحب إلى من أن أمسح على الخفين فقد صح رجوعها عنه على ماروى شريح بن هانئ قال سألت عائشة رضى الله تعالى عنها عن المسح على الخفين فقالت لا أدرى سلوا عليا رضى الله تعالى عنه فانه كان أكثر سفرا مع رسول الله فسألنا عليا رضى الله تعالى عنه فقال رأيت رسول الله يمسح على الخفين. وفي رواية سمعت رسول الله يقول يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها فبلغ ذلك عائشة رضى الله تعالى عنها فقالت هو أعلم. ولكثرة الاخبار فيه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار. قال أبو يوسف رحمه الله خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته وقال الكرخي رحمه الله تعالى أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لان الآثار التى وردت فيه في حيز التواتر. وهو مؤقت في حق المقيم بيوم وليلة وفي حق المسافر بثلاثة أيام ولياليها لحديث علي رضى الله تعالى عنه وحديث خزيمة بن ثابت رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال خرجت إلى العراق فرأيت سعدا يمسح على الخفين فقلت ماهذا فقال إذا رجعت إلى أبيك فسله فسألت أبى فقال عمك أفقه منك رأيت رسول الله يمسح على الخفين وسمعته يقول يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ولان المسح رخصة لدفع المشقة وذلك مؤقت في حق المقيم بيوم وليلة لانه يلبس خفيه حين يصبح ويخرج فيشق عليه النزع قبل أن يعود إلى بيته ليلا والمسافر يلحقه الحرج بالنزع في كل مرحلة فقدر في حقه بثلاثة أيام ولياليها أدنى مدة السفر إذ لا نهاية لاكثره. وكان الحسن البصري رضى الله عنه يقول المسح مؤبد للمسافر لحديث عمار بن ياسر رضى الله عنه قال قلت يارسول الله أمسح على الخفين يوما فقال نعم فقلت يومين فقال نعم حتى انتهيت إلى سبعة

[ 99 ] أيام فقال إذا كنت في سفر فامسح ما بدالك * وتأويله أن مراده بيان أن المسح مؤبد غير منسوخ وأن ينزع في هذه المدة والاخبار المشهورة لا تترك بهذا الشاذ وكان مالك رحمه الله تعالى يقول لا يمسح المقيم أصلا ويمسح المسافر ما بداله لحديث عقبة بن عامر الجهنى رضى الله تعالى عنه قال وفدت على عمر رضى الله تعالى عنه من الشام فقال متى عهدك بالخف فقلت منذ أسبوع قال أصبت. وتأويله أن المراد بيان أول اللبس وخروجه مسافرا لا أنه لم ينزع بين ذلك. ثم ابتداء المدة من وقت الحدث لان سبب وجوب الطهارة الحدث واستتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم فما هو موجب لبس الخف انما يظهر عند الحدث فلهذا كان ابتداء المدة منه ولانه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فانه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق ولا يمكن اعتباره من وقت المسح لانه لو أحدث ولم يمسح ولم يصل أياما لااشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث * قال (وانما يجوز المسح من كل حدث موجب للوضوء دون الاغتسال) لحديث صفوان بن عسال المرادى رضى الله عنه قال كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها الا من جنابة ولكن من بول أو غائط أو نوم ولان الجنابة الزمته غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأتى ذلك والرجل معتبرة بالرأس فمتى كان الفرض في الرأس المسح كان في الرجل في حق لابس الخف كذلك وفى الجنابة الفرض في الرأس الغسل فكذلك في الرجل عليه نزع الخف وغسل القدمين * قال (وانما يجوز المسح إذا لبس الخف على طهارة كاملة) لحديث المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنه أن النبي قال حين مسح على خفيه انى أدخلتهما وهما طاهرتان ولان موجب لبس الخف المنع من سراية الحدث إلى القدمين لا تحويل حكم الحدث من الرجل إلى الخف وانما يتحقق هذا إذا كان اللبس على طهارة * قال (فان غسل رجليه أولا ولبس خفيه ثم أحدث قبل اكمال الطهارة لم يجز له أن يمسح عليهما) لان أول الحدث بعد اللبس ما طرأ على طهارة كاملة فهو وما لبس قبل غسل الرجل سواء وان أكمل وضوءه قبل الحدث جاز له أن يمسح عندنا ولم يجز عند الشافعي رحمه الله تعالى بناء على أن الترتيب في الوضوء ليس بركن عندنا فأول الحدث بعد لبس الخف طرأ على طهارة كاملة * قال (ولو توضأ وغسل احدى رجليه ولبس الخف ثم غسل الرجل الاخرى ولبس الخف ثم أحدث جاز

[ 100 ] له عندنا أن يمسح وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان لم ينزع الخف الاول فلا يجوز له أن يمسح وان نزعه ثم لبسه جاز له المسح لان الشرط أن يكون لبسه بعد اكمال الطهارة وهذا اشتغال بما لا يفيد ينزع ثم يلبس من غير أن يلزمه فيه غسل وهو ليس من الحكمة فلا يجوز له اشتراطه * قال (ومسح الخف مرة واحدة) وقال عطاء رضى الله تعالى عنه ثلاثا كالغسل (ولنا) حديث المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنهما قال كأنى أنظر إلى أثر المسح على ظهر خف رسول الله خطوطا بالاصابع وانما لم تبق الخطوط إذا لم يمسحه الا مرة واحدة ولان في كثرة اصابة البلة افساد الخف وفيه حرج فيكتفى فيه بالمرة الواحدة ويبدأ من قبل الاصابع حتى ينتهى إلى أسفل الساق اعتبارا بالغسل فالبداءة فيه من الاصابع لان الله تعالى جعل الكعبين غاية * قال (وان مسح خفيه باصبع أو اصبعين لم يجزه حتى يمسح بثلاثة أصابع) وعلى قول زفر رضى الله تعالى عنه يجزئه والكلام فيه مثل الكلام في المسح بالرأس وقد مر * قال (والخرق اليسير في الخف لايمنع من المسح عليه وفي القياس يمنع) وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لان القدر الذى بدا من الرجل وجب غسله اعتبارا للبعض بالكل وإذا وجب الغسل في البعض وجب في الكل لانه لا يتجزأ ووجه الاستحسان أن الخف قلما يخلو عن قليل خرق فانه وان كان جديدا فآثار الزور والاشافى خرق فيه ولهذا يدخله التراب فجعلنا القليل عفوا لهذا فأما إذا كان الخرق كبيرا لا يجوز المسح عليه وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا كان بحيث يمكن المشى فيه سفرا يجوز المسح عليه لان الاصل في هذه الرخصة الصحبة رضوان الله تعالى عليهم وعامتهم كانوا محتاجين لا يجدون الا الخلق من الخفاف وقد جوز لهم المسح ولكنا نقول الخرق اليسير انما جعل عفوا للضرورة ولا ضرورة في الكثير فيبقى على أصل القياس. والفرق بين القليل والكثير ثلاث أصابع فان كان يبدو منه ثلاث أصابع لم يجز له أن يمسح عليه لان الاكثر معتبر بالكمال وفى رواية الزيادات عن محمد رحمه الله تعالى ثلاث أصابع من أصغر اصابع الرجل لان الممسوح عليه الرجل وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمها الله تعالى قال ثلاث أصابع من أصابع اليد لان الممسوح به اليد وسواء كان الخرق في ظاهر الخف أو باطنه أو من ناحية العقب ولكن هذا إذا كان يبدو منه مقدار ثلاث أصابع فان كان صلبا لا يبدو منه شئ يجوز المسح عليه وان كان يبدو في حالة المشى دون حال وضع القدم

[ 101 ] على الارض لم يجزه المسح لان الخف يلبس للمشى. واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى فيما إذا كان يبدو ثلاثة أصابع من الانامل والاصح أنه لا يجوز المسح عليه وتجمع الخروق في خف واحد ولا تجمع في خفين لان أحد الخفين منفصل عن الآخر * قال (وان مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجزه) فان موضع المسح ظهر القدم لما روينا من حديث المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنه وقال الشافعي رحمه الله تعالى المسح على ظاهر الخف فرض وعلى باطنه سنة فالاولى عنده أن يضع يده اليمنى على ظاهر الخف ويده اليسرى على باطنه فيمسح بهما على كل رجل وعندنا المسح على ظاهر الخف فقط لحديث على رضي الله تعالى عنه قال لو كان الدين بالرأى لكان باطن الخف أولى من ظاهره ولكني رأيت رسول الله يمسح على ظهر خفيه دون باطنهما ولان باطن الخف لا يخلو عن لوث عادة فيصيب يده ذلك اللوث وفيه بعض الحرج والمسح مشروع لدفع الحرج * قال (ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة) ومن العلماء من جوزه لحديث بلال رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله مسح على عمامته وجاء في الحديث أن النبي بعث سرية فأمرهم بأن يمسحوا على المشاوذ والتساخين فالمشاوذ العمائم والتساخين الخفاف (ولنا) حديث جابر رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله حسر العمامة عن رأسه ومسح على ناصيته وكأن بلالا رضي الله عنه كان بعيدا منه فظن أنه مسح على العمامة حين لم يضعها عن رأسه * وتأويل الحديث الآخر أن النبي خص به تلك السرية لعذرهم فقد كان عليه الصلاة والسلام يخص بعض أصحابه بأشياء كما خص عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه بلبس الحرير وخزيمة رضى الله تعالى عنه بشهادته وحده. ثم المسح انما يكون بدلا عن الغسل لاعن المسح والرأس ممسوح فكيف يكون المسح على العمامة بدلا عنه بخلاف الرجل ولانه لايلحقه كثير حرج في ادخال اليد تحت العمامة والمسح على الرأس * قال (وكذلك المرأة لا تمسح على خمارها) لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أنها أدخلت يدها تحت الخمار ومسحت برأسها وقالت بهذا أمرني رسول الله فان مسحت على خمارها فنفذت البلة إلى رأسها حتى ابتل قدر الربع أجزأها حتى قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى إذا كان الخمار جديدا يجوز وان لم يكن جديدا لا يجوز لان ثقوب الجديد لم تنسد بالاستعمال فتنفذ البلة منها إلى الرأس * قال (وأما المسح على الجوربين فان كانا

[ 102 ] ثخينين منعلين يجوز المسح عليهما) لان مواظبة المشى سفرا بهما ممكن وان كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما لانهما بمنزلة اللفافة وان كانا ثخينين غير منعلين لا يجوز المسح عليهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان مواظبة المشى بهما سفرا غير ممكن فكانا بمنزلة الجورب الرقيق وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز المسح عليهما وحكى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى في مرضه مسح على جوربيه ثم قال لعواده فعلت ما كنت أمنع الناس عنه فاستدلوا به على رجوعه وحجتهما حديث أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي مسح على جوربيه وقد روى المسح على الجورب عن أبى بكر وعلي وأنس رضى الله تعالى عنهم * وتأويله عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه كان منعلا أو مجلدا والثخين من الجورب أن يستمسك على الساق من غير أن يشده بشئ. والصحيح من المذهب جواز المسح على الخفاف المتخذة من اللبود التركية لان مواظبة المشى فيها سفراممكن * قال (ويجوز المسح على الجرموقين فوق الخفين) عندنا وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه ان لبس الجرموقين وحدهما مسح وان لبسهما فوق الخف لم يمسح عليهما لان ما تحتهما ممسوح والمسح لا يكون بدلا عن المسح (ولنا) حديث عمر رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله مسح على الجرموقين ولان الجرموق فوق الخف في معنى خف ذى طاقين ولو لبس خفا ذا طاقين كان له أن يمسح عليه فهذا مثله وانما يجوز المسح عندنا على الجرموقين إذا لبسهما فوق الخفين قبل أن يحدث ويمسح فأما إذا كان مسح على الخف أولا ثم لبس الجرموق فليس له ان يمسح على الجرموق لان حكم المسح استقر على الخف فبهذا يتبين الجواب عما قاله الشافعي رحمه الله تعالى عنه. وكذلك لو أحدث بعد ما لبس الخف ثم لبس الجرموقين فليس له أن يمسح على الجرموق لان ابتداء مدة المسح من وقت الحدث وقد انعقد في الخف فلا يتحول إلى الجرموق بعد ذلك وان مسح على الخفين ثم نزع أحدهما انتقض مسحه في الرجلين وعليه غسلهما. وقال ابن أبى ليلى رحمه الله لا شئ عليه وعن إبراهيم النخعي رحمه الله فيه ثلاثة أقوال روي حماد رحمه الله تعالى عنه كما هو مذهبنا وروى ابن أبى يعلى عن الحكم رحمه الله أنه لا شئ عليه وروى الحسن بن عمارة عن الحكم أن عليه استقبال الوضوء. وجه هذه الرواية أن انتقاض الوضوء لا يحتمل التجزى كانتقاضه بالحدث ووجه الرواية الاخرى أن الطهارة الكاملة لاتنتقض الا بالحدث في شئ من الاعضاء ونزع الخف ليس بحدث

[ 103 ] . ووجه قولنا ان استتار القدم بالخف كان يمنع سراية الحدث إلى القدم وذلك الاستتار بالخلع يزول فيسرى ذلك إلى القدم فكأنه توضأ ولم يغسل رجليه فعليه غسلهما والرجلان في حكم الطهارة كشئ واحد فإذا وجب غسل احداهما وجب غسل الاخرى ضرورة أنه لا يجمع بين المسح والغسل في عضو واحد * قال (ولو مسح على الجرموقين ثم نزع أحدهما مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي) وفى بعض روايات الاصل قال ينزع الجرموق الثاني ويمسح على الخفين وقال زفر رحمه الله تعالى عنه يمسح على الخف الذي نزع الجرموق عنه وليس عليه في الآخر شئ. وجه قوله ان الاستتار باق فكان الفرض المسح ففيما زال الممسوح بالنزع عليه أن يمسح وفيما كان الممسوح باقيا لا يلزمه شئ بخلاف ما إذا خلع احدي خفيه. ووجه ما ذكر في بعض النسخ أن نزع أحد الجرموقين كنزعهما جميعا كما إذا خلع أحد الخفين يكون كخلعهما. ووجه ظاهر الرواية أنه في الابتداء لو لبس الجرموق على احدي الخفين كان له أن يمسح عليه وعلى الخف الباقي فكذلك إذا نزع أحد الجرموقين الا أن حكم الطهارة في الرجلين لا يحتمل التجزي فإذا انتقض في أحدهما بنزع الجرموق ينتقض في الآخر فلهذا مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي * قال (وإذا انقضى مدة مسحه ولم يحدث فعليه نزع الخفين وغسل القدمين) لان الاستتار كان مانعا في المدة فإذا انقضى سرى ذلك الحدث إلى القدمين فعليه غسلهما وليس عليه اعادة الوضوء كما لو كانت السراية بخلع الخفين * قال (وإذا توضأ فنسى مسح خفيه ثم خاض الماء فانه يجزئه من المسح) لان تأدى الفرض باصابة البلة ظاهر الخف وقد وجد وهل يصير الماء مستعملا بهذا قال أبو يوسف رحمه الله لا يصير الماء مستعملا بهذا وعن محمد رحمه الله تعالى ان الماء يصير مستعملا ولا يجزئه من المسح إذا كان الماء قليلا غير جار وأصل الخلاف في الرأس فأبو يوسف رحمه الله يقول تأدى فرض المسح بالبلة الواصلة إلى موضعها لا بالماء الباقي في الاناء فبقى الاناء كما كان ومحمد رحمه الله يقول لو تأدى به الفرض لصار الماء مستعملا بازالة الحدث فانما أخرج رأسه من الماء المستعمل وذلك يمنع من جواز المسح به * قال (وإذا استكمل المقيم مسح الاقامة ثم سافر نزع الخف) لان حكم الحدث سرى إلى القدمين بانقضاء مدة المسح فلا يتغير ذلك بالسفر) * قال (وان لبس خفيه وهو مقيم ثم سافر قبل أن يحدث فله أن يمسح كمال مدة السفر) لان ابتداء المدة انعقد وهو مسافر فأما إذا أحدث وهو مقيم أو مسح قبل استكمال يوم وليلة

[ 104 ] ثم سافر جاز له عندنا أن يمسح كمال ثلاثة أيام ولياليها وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يمسح الا يوما وليلة قال لان المدة انعقدت وهو مقيم فلا يمسح أكثر من يوم وليلة والشروع في مدة المسح كالشروع في الصلاة ومن افتتح الصلاة في السفينة وهو مقيم ثم صار مسافرا لم يجز له أن يتم صلاة السفر وانما يتم صلاة المقيمين (ولنا) أن المسح جاز له وهو مسافر فله أن يمسح كمال مدة السفر كما لو سافر قبل الحدث وفعل الصلاة. دليلنا أنه بالحدث صار شارعا في وقت المسح فوزانه أن لو دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم صار مسافرا فهناك يصلى صلاة المسافرين * قال (وإذا قدم المسافر مصره بعد ما مسح يوما وليلة أو أكثر من ذلك فعليه نزع الخفين) لانه صار مقيما والمقيم لا يمسح أكثر من يوم وليلة الا أنه إذا كان قدومه بعد ما مسح يومين نزع خفيه ولم يعد شيئا من الصلاة لانه حين مسح كان مسافرا * قال (وإذا توضأ ومسح على الجبائر ولبس خفيه ثم أحدث فله أن يمسح على الخفين ما لم يبرأ جرحه) لان المسح على الجبائر كالغسل لما تحته ما دامت العلة قائمة وقد بينا هذا فيما مضى فكان اللبس حاصلا على طهارة تامة ما بقيت العلة فله أن يمسح على الخفين فان برئ جرحه فعليه أن ينزع خفيه لان المسح على الجبائر طهارة تامة ما بقيت العلة واللبس بعد البرء غير حاصل على طهارة تامة فلم يكن له أن يمسح وان لم يحدث بعد لبس الخف حتى برئ جرحه فان لم يحدث حتى غسل ذلك الموضع جاز له أن يمسح على الخفين لان أول الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة تامة وان أحدث قبل غسل ذلك الموضع لم يجز له أن يمسح على الخف لان أول الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة ناقصة * قال (وللماسح على الخفين أن يؤم الغاسلين) لانه صاحب بدل صحيح وحكم البدل حكم الاصل ولان المسح على الخف جعل كالغسل لما تحته في المدة بدليل جواز الا كتفاء به مع القدرة على الاصل وهو غسل الرجلين فكان الماسح في حكم الامامة كالغاسل * قال (وإذا أراد أن يبول فلبس خفيه ثم بال فله أن يمسح على خفيه) لان لبسهما حصل على طهارة تامة ولما سئل أبو حنيفة رحمه الله عن هذا فقال لا يفعله الا فقيه فقد استدل بفعله على فقهه لانه تطرق به إلى رخصة شرعية * قال (وإذا بدا للماسح أن يخلع خفيه فنزع القدم من الخف غير أنه في الساق بعد فقد انتقض مسحه) لان موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله وهذا لان ساق الخف غير معتبر حتى لو لبس خفا لاساق له جاز له المسح إذا كان الكعب مستورا فيكون الرجل في ساق الخف

[ 105 ] وظهوره في الحكم سواء وان نزع بعض القدم عن مكانه فالمروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في الاملاء أنه إذا نزع أكثر العقب انتقض مسحه لانه لا يمكنه المشى بهذه الصفة وللاكثر حكم الكمال وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان نزع من ظهر القدم قدر ثلاثة أصابع انتقض مسحه وعن محمد رحمه الله تعالى قال ان بقى من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع لم ينتقض مسحه لانه لو كان بعض رجله مقطوعا وقد بقى من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع فلبس عليه الخف جاز له أن يمسح فهذا قياسه والله أعلم * قال (وإذا لبس الخفين على طهارة التيمم أو الوضوء بنبيذ ثم وجد الماء نزع خفيه) لان طهارة التيمم غير معتبرة بعد وجود الماء وكذلك طهارة النبيذ فصار بعد وجود الماء كأنه لبس على غير طهارة * قال (وإذا لبست المستحاضة الخفين فان كان الدم منقطعا من حين توضأت إلى أن لبست الخفين فلها أن تمسح كمال مدة المسح لان وضوءها رفع الحدث السابق ولم يقترن الحدث بالوضوء ولا باللبس فانما طرأ أول الحدث بعد اللبس على طهارة تامة) فأما إذا توضأت والدم سائل أو سال بعد الوضوء قبل اللبس فلبست الخفين كان لها أن تمسح في الوقت إذا أحدثت حدثا آخر ولم يكن لها أن تمسح بعد خروج الوقت عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لها أن تمسح كمال مدة المسح لان سيلان الدم عفو في حقها بدليل جواز الصلاة معه فكان اللبس حاصلا على طهارة (ولنا) أن سيلان الدم عفو في الوقت لابعده حتى تنتقض الطهارة بخروج الوقت وخروج الوقت ليس بحدث فكان اللبس حاصلا على طهارة معتبرة في الوقت لابعد خروج الوقت فلهذا كان لها أن تمسح في وقت الصلاة لا بعد خروج الوقت * قال (واذ كان مع المسافر ماء قدر ما يتوضأ به وفى ثوبه دم أكثر من قدر الدرهم غسل الدم بذلك الماء ثم تيمم للحدث) وقال حماد بن أبى سليمان رحمه الله تعالى يتوضأ بذلك الماء وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وقيل هذه أول مسألة خالف فيها أبو حنيفة رحمه الله تعالى استاذه. ووجه قول حماد رحمه الله تعالى أن حكم الحدث أغلظ من حكم النجاسة بدليل أن القليل من النجاسة عفو ومن الحدث لا وبدليل جواز الصلاة في الثوب النجس إذا كان لا يجد ماء يغسله به ولا تجوز الصلاة مع الحدث بحال فصرف الماء إلى أغلظ الحدثين أولى ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله أنه قادر على الجمع بين الطهارتين بأن يغسل النجاسة بالماء فيطهر به الثوب ثم يكون عادما للماء فيكون طهارته التيمم ومن قدر على الجمع بين الطهارتين لا يكون له

[ 106 ] أن يأتي بأحدهما ويترك الآخر فلهذا كان صرف الماء إلى النجاسة أولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (باب التيمم) قال رضى الله تعالى عنه التيمم في اللغة القصد ومنه قول القائل وما أدرى إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يلينى أي قصدت * وفى الشريعة عبارة عن القصد إلى الصعيد للتطهير الاسم شرعى فيه معنى اللغة (وثبوت التيمم بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا طيبا ونزول الآية في غزوة المريسيع حين عرس رسول الله ليلة فسقط عقد عائشة رضى الله عنها فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله فبعث رجلين في طلبه ونزلوا ينتظرونهما فأصبحوا وليس معهم ماء فأغلظ أبو بكر رضى الله تعالى عنه على عائشة رضى الله تعالى عنهما وقال حبست رسول الله والمسلمين على غير ماء فنزلت آية التيمم فلما صلوا جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة رضى الله تعالى عنها فجعل يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبى بكر وفي رواية يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه الا جعل الله للمسلمين فيه فرجا * والسنة ماروى عن رسول الله أنه قال جعلت لى الارض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وقال عليه الصلاة والسلام التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء * إذا عرفنا هذا فنقول ينتظر من لا يجد الماء آخر الوقت ثم يتيمم صعيدا طيبا وهذا إذا كان على طمع من وجود الماء فان كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود لان الانتظار انما يؤمر به إذا كان مفيدا فإذا كان على طمع فالانتظار مفيد لعله يجد الماء فيؤدي الصلاة بأكمل الطهارتين وإذا لم يكن على طمع من الماء فلا فائدة في الانتظار فلا يشتغل به * ثم بين صفة التيمم فقال (يضع يديه على الارض ثم يرفعهما فينفضهما ويمسح بهما وجهه ثم يضع يديه ثانية على الارض ثم يرفعهما فينفضهما ثم يمسح بهما كفيه وذراعيه من المرفقين. قال فان مسح وجهه وذراعيه ولم يمسح ظهر كفيه لم يجزه) فقد ذكر الوضع والآثار جاءت بلفظ الضرب قال لعمار بن ياسر أما يكفيك ضربتان والوضع جائز والضرب أبلغ ليتخلل التراب بين أصابعه وينفضهما مرة وعن أبى يوسف رحمه الله أنه

[ 107 ] قال ينفضهما مرتين وفى الحقيقة لا خلاف فان ما التصق بكفه من التراب ان تناثر بنفضة واحدة يكتفي بها وان لم يتناثر نفض نفضتين لان الواجب التمسح بكف موضوع على الارض لا استعمال التراب فان استعمال التراب مثله * ثم التيمم ضربتان عند عامة العلماء وكان ابن سيرين يقول ثلاث ضربات ضربة يستعملها للوجه وضربة في الذراعين وضربة ثالثة فيهما وحديث عمار حجة عليه كما روينا وكذلك ظاهر قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه يوجب المسح دون التكرار * ثم التيمم إلى المرافق في قول علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى. وقال الاوزاعي والاعمش إلى الرسغين وقال الزهري رحمه الله إلى الآباط وحديث عمار رضى الله عنه قد ورد بكل ذلك فرجحنا روايته إلى المرفقين لحديثين * أحدهما حديث أبى أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه أن النبي قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين * والثانى حديث الاشلع أن النبي علمه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين والمعنى فيه أن التيمم بدل عن الوضوء ثم الوضوء في اليدين إلى المرفقين فالتيمم كذلك وتقريره انه سقط في التيمم عضوان أصلا وبقى عضوان فيكون التيمم فيهما كالوضوء في الكل كما أن الصلاة في السفر سقط منه ركعتان كان الباقي منها بصفة الكمال ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم حتى إذا ترك شيئا من ذلك لم يجزه الا في رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال الاكثر يقوم مقام الكمال لان في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في المسح بالخف والرأس فأما في ظاهر الرواية الاستيعاب في التيمم فرض كما في الوضوء ولهذا قالوا لابد من نزع الخاتم في التيمم ولابد من تخليل الاصابع ليتم به المسح. ومن قال التيمم إلى الرسغ استدل بآية السرقة قال الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ثم كان القطع من الرسغ ولكنا نقول ذاك عقوبة وفى العقوبات لا يؤخذ الا باليقين والتيمم عبادة وفى العبادات يؤخذ بالاحتياط ومن قال إلى الآباط قال اسم الايدى مطلقا يتناول الجارحة من رؤس الاصابع إلى الاباط ولكنا نقول التيمم بدل عن الوضوء فالتنصيص على الغاية في الوضوء يكون تنصيصا عليه في التيمم يقول في الكتاب. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن التيمم فقال الوجه والذراعان إلى المرفقين فقلت كيف فمال بيده على الصعيد فأقبل بيده وأدبر ثم نفضهما ثم مسح وجهه ثم أعاد كفيه جميعا على الصعيد فأقبل بهما وأدبر ثم رفعهما

[ 108 ] ونفضهما ثم مسح بكل كف ظهر ذراع الاخرى وباطنها إلى المرفقين وفى قوله أقبل بهما وأدبر وجهان. أحدهما أنه قبل الوضع على الارض أقبل بهما وأدبر لينظر هل التصق بكفه شئ يصير حائلا بينه وبين الصعيد. والثانى أقبل بهما على الصعيد وأدبر بهما وهذا هو الاظهر. قال (وان كان مع رفيق له ماء فطلب منه فلم يعطه فتيمم وصلى أجزأه) لانه عادم للماء حين منعه صاحب الماء وهو شرط التيمم وان لم يطلب منه حتى تيمم وصلى لم يجزه لان الماء مبذول في الناس عادة خصوصا للطهارة فلا يصير عادما للماء الا بمنع صاحبه فلا يظهر ذلك الا بطلبه فإذا لم يطلب لا يجزئه فأما إذا لم يكن مع أحد من الرفقة ماء وتيمم وصلى جازت صلاته وان لم يطلب الماء عندنا. وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لابد من طلب الماء أولا يمنة ويسرة فيهبط واديا ويعلو شرفا ان كان ثمة لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وذلك لا يتبين الا بطلبه ولكنا نقول الطلب انما يلزمه إذا كان على طمع من الوجود فأما إذا لم يكن على طمع منه فلا فائدة في الطلب وقد يلحقه الحرج فربما ينقطع عن أصحابه وما شرع التيمم الا لدفع الحرج قال الله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج قال (وكل شئ من الارض تيمم به من تراب أو جص أو نورة أو زرنيخ فهو جائز) في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا لا يجوز التيمم الا بالتراب والرمل ثم رجع فقال لا يجزئه الا بالتراب الخالص وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه واحتج بقوله تعالى فتيمموا صيعدا طيبا. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه الصعيد هو التراب الخالص. وقال التراب طهور المسلم والجص والنورة ليسا بتراب فلا يجوز التيمم بهما وما سوى التراب مع التراب بمنزلة سائر المائعات مع الماء في الوضوء فكما يختص الوضوء بالماء دون سائر المائعات فكذلك التيمم وفيه اظهار كرامة الآدمي فانه مخلوق من التراب والماء فخصا بكونهما طهورا لهذا وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى استدلا بالآية فان الصعيد هو الارض قال يحشر العلماء في صعيد واحد كأنها سبيكة فضة فيقول الله تعالى يا معشر العلماء اني لم أضع علمي فيكم الا لعلمي بكم انى لم أضع حكمتي فيكم وأنا أريد أن أعذبكم انطلقوا مغفورا لكم فدل أن الصعيد هو الارض. وقال جعلت لى الارض مسجدا وطهورا ثم ما سوى التراب من الارض أسوة التراب في كونه مكان الصلاة فكذلك في كونه طهورا

[ 109 ] وبين أن الله يسر عليه وعلى أمته وقد تدركه الصلاة في غير موضع التراب كما تدركه في موضع التراب فيجوز التيمم بالكل تيسيرا * ثم حاصل المذهب أن ما كان من جنس الارض فالتيمم به جائز ومالا فلا حتى لا يجوز التيمم بالذهب والفضة لانهما جوهوان مودعان في الارض ليس من جنسه حتى يذوب بالذوب وكذلك الرماد من الحطب لانه ليس من جنس الارض هكذا ذكر الشيخ الامام السرخسى وغيره من مشايخنا رحمهم الله * قال (ان كان الملح جبليا يجوز لانه من جنس التراب وان كان مائعا لا يجوز لانه ليس من جنس التراب داء سبخ) وأما الكحل والمرداء سبخ من جنس الارض فيجوز التيمم بهما والاجر كذلك لانه طين مستحجر فهو كالحجر الاصلى والتيمم بالحجر يجوز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وان لم يكن عليه غبار. وعن محمد رحمه الله تعالى فيه روايتان في احدى الروايتين لا يجوز الا ان يكون عليه غبار. والدليل على الجواز حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي بال فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى كاد الرجل يتوارى بحيطان المدينة فضرب بيده على الحائط فتيمم ثم رد عليه السلام وحيطانهم كانت من الحجر فدل على جواز التيمم بها وكذلك الطين عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يجوز به التيمم لانه من جنس الارض وفى احدى الروايتين عن محمد رحمه الله تعالى لا يجوز بالطين * قال (وإذا نفض ثوبه أو لبده وتيمم بغباره وهو يقدر على الصعيد أجزأه) في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا يجزئه عند أبى يوسف رحمه الله تعالى الا إذا كان لا يقدر على الصعيد ووجهه أن الغبار ليس بتراب خالص ولكنه من التراب من وجه والمأمور به التيمم بالصعيد فان قدر عليه لم يجزه الا بالصعيد وان لم يقدر فحينئذ تيمم بالغبار كما أن العاجز عن الركوع والسجود يصلى بالايماء وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتجا بحديث عمر رضى الله تعالى عنه فانه كان مع أصحابه في سفر فنظروا بالخابية فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم ويتيمموا بغبارها ولان الغبار تراب فان من نفض ثوبه يتأذى جاره من التراب الا أنه دقيق وكما يجوز التيمم بالخشن من التراب على كل حال فكذلك بالدقيق منه * قال (وان تيمم في أول الوقت أجزأه) وكذلك قبل دخول الوقت عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجزئه قبل دخول الوقت لانها طهارة ضرورية فلا يعتد بها قبل تحقق الضرورة لكنا نستدل بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فشرط عدم الماء فقط وجعله في حال

[ 110 ] عدم الماء كالوضوء. ثم التوضؤ بالماء قبل دخول الوقت لتقرر سببه وهو الحدث فكذلك التيمم فان وجد الماء بعد ذلك فهو على أوجه ان وجده قبل الشروع في الصلاة يبطل تيممه الا على قول أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنهما قال الطهارة متى صحت لا يرفعها الا الحدث ووجود الماء ليس بحدث ولكنا نستدل بقوله التراب كافيك ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك ولان التيمم لا يرفع الحدث ولكنه طهارة شرعا إلى غاية وهو وجود الماء ومن حكم الغاية أن يكون ما بعدها خلاف ما قبلها فعند وجود الماء يصير محدثا بالحدث السابق وان وجد الماء في خلال الصلاة فعليه أن يتوضأ ويستقبل القبلة عندنا وهو أحد أقاويل الشافعي رحمه الله تعالى. وفى قول آخر يقرب الماء منه حتى يتوضأ ويبنى وأظهر أقاويلة أنه يمضى على صلاته. وجه قوله أن الشروع في الصلاة قد صح بطهارة التيمم فلا يبطل برؤية الماء كما لو رأى بعد الفراغ من الصلاة وإذا لم يبطل ما أدى فحرمة الصلاة تمنعه من استعمال الماء فلا يكون واجدا للماء كما لو كان بينه وبين الماء مانع أو كان على رأس البئر وليس معه آلة الاستسقاء (ولنا) أن طهارة التيمم انتهت بوجود الماء فلو أتم صلاته أتمها بغير طهارة وذلك لا يجوز وحرمة الصلاة انما تمنعه من استعمال الماء أن لو بقيت ولم تبق هاهنا لما بينا ان التيمم لا يرفع الحدث فعند وجود الماء يصير محدثا بحدث سابق على الشروع في الصلاة وذلك يمنعه من البناء كخروج الوقت في حق المستحاضة لان البناء على الصلاة عرف بالاثر وذلك في حدث يسبقه للحال فلهذا ألزمناه الوضوء واستقبال الصلاة والشروع في الصلاة وان صح كما قال الا أن المقصود لم يحصل به لانه اسقاط الفرض عن ذمته ومتى قدر على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل سقط اعتبار البدل كالمعتدة بالاشهر إذا حاضت وان وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والسلام لم تلزمه الاعادة الا على قول مالك رحمه الله فانه يقول إذا وجد الماء في الوقت يعيد الصلاة لان طهارة التيمم لضرورة التمكن به من أداء الصلاة والاداء باعتبار الوقت فإذا ارتفعت هذه الضرورة بوجود الماء في الوقت سقط اعتبار التيمم كالمريض إذا أحج رجلا بماله ثم برئ فعليه حجة الاسلام لبقاء الوقت فان العمر للحج كالوقت للصلاة (ولنا) ماروي أن رجلين من أصحاب رسول الله صليا بالتيمم في الوقت ثم وجدا الماء فأعاد أحدهما ولم يعد الاخر فسألا عن ذلك رسول الله فقال للذى أعاد أتاك أجرك مرتين

[ 111 ] وللذى لم يعد أجزأتك صلاتك وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه صلى العصر بالتيمم وانصرف من ضيعته وهو ينظر إلى أبيات ثم دخلها قبل غروب الشمس فلم يعد الصلاة والمعنى أن المقصود هو اسقاط الفرض عن ذمته وقد حصل بالبدل فلا يعود إلى ذمته بالقدرة على الاصل كالمعتدة بالاشهر إذا حاضت بعد انقضاء العدة وهذا بخلاف الحج فان جواز الاحجاج باعتبار وقوع اليأس عن الاداء بالبدن وذلك لا يحصل الا بالموت وهاهنا جواز التيمم باعتبار العجز عن استعمال الماء وكان متحققا حين صلى * قال (ويؤم المتيمم المتوضئين) في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وقال محمد رحمه الله تعالى لا يؤم وهو قول على رضى الله تعالى عنه فانه كان يقول لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين ولان طهارة المتيمم طهارة ضرورة فلا يؤم من لا ضرورة له كصاحب الجرح السائل لا يؤم الاصحاء. وهما استدلا بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه فان رسول الله جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سيرته فقالوا كان حسن السيرة ولكنه صلى بنا يوما وهو جنب فسأله عن ذلك فقال احتلمت في ليلة باردة فخشيت الهلاك ان اغتسلت فتلوت قول الله عزوجل ولا تقتلوا أنفسكم فتيممت وصليت بهم فتبسم رسول الله في وجهه وقال يالك من فقه عمرو بن العاص ولم يأمرهم باعادة الصلاة ولان المتيمم صاحب بدل صحيح فهو كالماسح على الخفين يؤم الغاسلين وهذا لان البدل عند العجز عن الاصل حكمه حكم الاصل بخلاف صاحب الجرح فانه ليس بصاحب بدل صحيح * قال (والجنب والحائض والمحدث في التيمم سواء) وهو قول على وابن عباس رضى الله عنهما وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لا يجوز التيمم للحائض والجنب وروى أن عمار بن ياسر رضى الله عنه قال لعمر رضى الله عنه أما تذكر إذ كنت معك في الابل فأجنبت فتمعكت في التراب ثم سألت رسول الله فقال أصرت حمارا أما يكفيك ضربتان فقال له عمر اتق الله فقال ان شئت فلا أذكره أبدا فقال عمر ان شئت فاذكره وان شئت فلا تذكره ولما ذكر لابن مسعود رضى الله عنه حديث عمار فقال لم يقنع به عمر رضى الله عنه وأصل الاختلاف في قوله تعالى أو لامستم النساء فقال عمر وابن مسعود رضى الله عنهما المراد المس باليد فجوز التيمم للمحدث خاصة وقال على وابن عباس رضى الله عنهما المراد المجامعة فهذا القول أولى فان الله تعالى ذكر نوعي الحدث

[ 112 ] عند وجود الماء في قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة وقوله وان كنتم جنبا فاطهروا وذكر نوعي الحدث عند عدم الماء وأمر بالتيمم لهما بصفة واحدة فكان الحمل علي المجامعة أكثر افادة من هذا الوجه. والدليل على جوازه للحائض والجنب حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن قوما سألوا رسول الله فقالوا انا نكون في هذه الرمال وربما لانجد الماء شهرا وفينا الجنب والحائض فقال عليكم بأرضكم وفى حديث أبى ذر رضى الله عنه قال اجتمع عند رسول الله ابل الصدقة فقال لى أبديها فبدوت إلى الربذة فأصابتني الجنابة فأتيت رسول الله فقال مالك فسكت فقال ثكلتك أمك مالك فقلت انى جنب فأمر جارية سوداء فأتت بعس من ماء وسترتني بالبعير والثوب فاغتسلت فكأنما وضعت عن عاتقي حملا فقال النبي كان يكفيك التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء * قال (ويجوز للمريض أن يتيمم إذا لم يستطع الوضوء أو الغسل) أما إذا كان يخاف الهلاك باستعمال الماء فالتيمم جائز له بالاتفاق لقوله تعالى وان كنتم مرضى أو على سفر قال ابن عباس رضى الله عنه نزلت الآية في المجدور والمقروح. وروى أن رجلا من الصحابة كان به جدري فاحتلم في سفر فسأل أصحابه فأمروه بالاغتسال فاغتسل فمات فلما أخبر بذلك رسول الله فقال قتلوه قتلهم الله كان يكفيه التيمم وان كان يخاف زيادة المرض من استعمال الماء ولا يخاف الهلاك جاز له التيمم عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز لان التيمم مشروع عند عدم الماء وهو واجد للماء والعجز انما يتحقق عند خوف الهلاك ولا يجوز التيمم لمن لا يخاف الهلاك (ولنا) أن زيادة المرض بمنزلة الهلاك في اباحة الفطر وجواز الصلاة قاعدا أو بالايماء فكذلك في حكم التيمم وهذا لان حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال ولو كان يلحقه الخسران في المال باستعمال الماء بأن كان لا يباع الا بثمن عظيم جاز له أن يتيم فعند خوف زيادة المرض أولى هذا كله إذا كان يستضر بالماء فان كان لا يستضر بالماء ولكنه للمرض عاجز عن التحرك للوضوء فظاهر المذهب أنه ان وجد من يستعين به في الوضوء لا يجوز له التيمم وان لم يجد من يعينه في الوضوء فحينئذ يتيمم لتحقق عجزه عن الوضوء وروي عن محمد رحمه الله تعالى * قال وان لم يجد من يعينه في الوضوء من الخدم فليس له أن يتيمم في المصر الا أن يكون مقطوع اليدين ووجهه أن الظاهر أنه في المصر

[ 113 ] يجد من يستعين به من قريب أو بعيد والعجز بعارض على شرف الزوال فإذا لم يجد من يوضئه جاز له التيمم لهذا ثم يصلى بتيممه ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو تزل العلة وكذلك المسافر يصلى بتيممه ما شاء ما لم يحدث أو يجد الماء عندنا * وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وله أن يصلى من النوافل ما شاء وحجته أنها طهارة ضرورة وباعتبار كل فريضة تتجدد الضرورة فعليه تجديد الوضوء والنوافل تبع للفرائض وهو نظير مذهبه في طهارة المستحاضة وقد بينا. وحجتنا قوله التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء فقد جعل رسول الله طهارة التيمم ممتدا إلى غاية وجود الماء ويتبين بهذا أنه في حال عدم الماء كالوضوء ثم المتوضئ له أن يصلى بوضوء واحد ما شاء ما لم يحدث فهذا مثله ولان بالفراغ من المكتوبة لم تنتقض طهارته حتى جاز له أداء النافلة وإذا بقيت الطهارة فله أن يؤدى الفرض لان الشرط أن يقوم إليه طاهرا وقد وجد * قال (وان وجد المتيمم الماء فلم يتوضأ حتى حضرت الصلاة وقد عدم ذلك الماء فعليه اعادة التيمم) لانه لما قدر على استعمال الماء بطل تيممه وصار محدثا بالحدث السابق فهذا محدث لا ماء معه فعليه التيمم للصلاة والله أعلم * قال (ولا يجوز بأقل من ثلاثة أصابع) فهو والمسح بالرأس والخف سواء وقد بينا. قال (وان أجنب المسافر ومعه من الماء مقدار ما يتوضأ به يتيمم عندنا ولم يستعمل الماء) وقال الشافعي رحمه الله تعالى يتوضأ بذلك الماء ثم يتيمم. وكذلك المحدث إذا كان معه من الماء ما يكفيه لغسل بعض الاعضاء عندنا يتيمم وعنده يستعمل الماء فيما يكفيه ثم يتيمم واستدل بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فذكره منكرا في موضع النفى وذلك يتناول القليل والكثير فما بقى واجدا لشئ من الماء لا يجوز له أن يتيمم ولان الضرورة لاتتحقق الا بعد استعمال الماء فيما يكفيه فهو كمن أصابته مخمصة ومعه لقمة من الحلال لا يكون له أن يتناول الميتة ما لم يتناول تلك اللقمة الحلال ولا يبعد الجمع بين التيمم واستعمال الماء كما قلتم في سؤر الحمار (ولنا) قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا فان المراد ماء يطهره. ألا ترى أن وجود الماء النجس لا يمنعه عن التيمم ولانه معطوف على ما سبق وقد سبق بيان حكم الوضوء والاغتسال ثم عطف عليه قوله تعالى فلم تجدوا ماء فيكون المفهوم منه ذلك الماء الذى يتوضؤن به ويغتسلون به عند الجنابة وهو غير واجد لذلك الماء ولانه إذا لم يطهره استعمال هذا الماء لا يكون في استعماله الا مضيعه

[ 114 ] ولان الاصل لا يوفى بالابدال لانهما لا يلتقيان كما لا يكمل التكفير بالمال بالصوم ولا العدة بالشهور بالحيض ولو قلنا يتيمم بعد استعمال الماء كان فيه رفو الاصل بالبدل ولا نقول في مسألة المخمصة انه يلزمه مراعاة الترتيب فان ما معه من الحلال إذا كان لا يكفيه لسد الرمق فله أن يتناول معه الميتة. وفى سؤر الحمار الجمع بينهما عندنا للاحتياط لا لرفو الاصل بالبدل ولذلك لو أنه وجد الماء بعد التيمم فان كان يكفيه لما خوطب به يبطل تيممه وان كان لا يكفيه لا يبطل تيممه اعتبارا للانتهاء بالابتداء * قال (وان تيمم للجنابة ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ به توضأ به) لان ذلك التيمم أخرجه من الجنابة إلى أن يجد ما يكفيه للاغتسال فهو الآن محدث معه من الماء ما يكفيه للوضوء فيتوضأ به فان توضأ به ولبس خفيه ثم مر بالماء فلم يغتسل ثم حضرت الصلاة وعنده من الماء قدر ما يوضئه فانه يتيمم لانه لما مر بما يكفيه للاغتسال عاد جنبا كما كان فعليه أن يتيمم ولا يلزمه نزع الخف إذ لا تيمم في الرجل * قال (فان تيمم ثم حضرت الصلاة الاخرى وقد سبقه الحدث فانه يتوضأ) لانه بالتيمم الاول خرج من الجنابة إلى أن يجد ماء يكفيه للاغتسال ولم يجد بعد فهذا محدث معه ماء يتوضأ به فعليه أن يتوضأ وينزع خفيه لانه لما مر بماء يكفيه للاغتسال بعد لبس الخف وجب عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح بعد ذلك وان لم يكن مر بالماء قبل ذلك مسح على خفيه لان اللبس حصل على طهارة كاملة ما لم يجد ما يكفيه للاغتسال فكان له أن يمسح * قال (وان كان مع المحدث ماء يكفيه للوضوء غير أنه يخاف العطش تيمم ولم يتوضأ به) هكذا قال على وابن عباس رضي الله عنهما ولانه يخاف الهلاك من العطش إذا استعمل الماء فكان عاجزا عن استعماله حكما بمنزلة ما لو كان بينه وبين الماء عدو أو سبع وقد بينا ان حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال * قال (وإذا تيمم المسافر والماء منه قريب وهو لا يعلم به أجزأه تيممه به) لانه عاجز عن استعمال الماء حين عدم آلة الوصول إليه وهو العلم به فهو كما لو كان على رأس البئر وليس معه آلة الاستقاء فله أن يتيمم. ولم يفسر حد القرب في ظاهر الرواية في حالة العلم به والمروي عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان بينه وبين الماء دون ميل لا يجزئه التيمم وان كان ميلا أو أكثر أجزأه التيمم والميل ثلث فرسخ وقال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى إذا كان الماء أمامه يعتبر ميلين وان كان يمنة أو يسرة فميل واحد لان الميل للذهاب ومثله في الرجوع فكان ميلين وقال

[ 115 ] زفر رحمه الله إذا كان بحيث يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزئه التيمم وان كان لا يصل إلى الماء قبل خروج الوقت يجزئه التيمم وان كان الماء قريبا منه لان التيمم لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت ولكنا نقول التفريط جاء من قبله بتأخير الصلاة فليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريبا منه ومن العلماء من يقول إذا كان لا يبلغه صوتهم فبعيد فحينئذ يجوز له التيمم * قال (وإذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله) الا على قول الحسن بن زياد رحمه الله تعالى فانه كان يقول السؤال ذل وفيه بعض الحرج وما شرع التيمم الا لدفع الحرج ولكنا نقول ماء الطهارة مبذول بين الناس عادة وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة فقد سأل رسول الله بعض حوائجه من غيره فان سأله فأبى أن يعطيه الا بالثمن فان لم يكن معه ثمنه يتيمم لعجزه عن استعمال الماء وان كان معه ثمنه فان أعطاه بمثل قيمته في ذلك الموضع أو بغبن يسير فليس له أن يتيمم وان أبى أن يعطيه الا بغبن فاحش فله أن يتيمم * وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى يلزمه الشراء بجميع ماله لانه لا يخسر على هذه التجارة ولا نأخذ بهذا فان حرمة مال المسلم كحرمة نفسه فإذا كان يلحقه خسران في ماله ففرضه التيمم والغبن الفاحش خسران وقد بين ذلك في النوادر فقال ان كان الماء الذى يكفي للوضوء يوجد في ذلك الموضع بدرهم فأبى أن يعطيه الا بدرهم ونصف فله أن يشترى وان أبى أن يعطيه الا بدرهمين تيمم ولم يشتر فجعل الغبن الفاحش في تضعيف الثمن. وانما قلنا إذا كان يعطيه بمثل الثمن فعليه أن يشترى لان قدرته على بدل الماء كقدرته على عينه كما أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الاملاء سألت أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه عن المسافر لا يجد الماء أيطلبه عن يمين الطريق وعن يساره قال ان طمع في ذلك فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه ان انتظروه أو بنفسه ان انقطع عنهم ولا يطلب ذلك الا أن يخبر بماء فيطلبه الغلوة ونحوها لان الطلب انما يؤمر به إذا كان على رجاء من وجوده فان لم يكن على رجاء منه فلا فائدة في الطلب وعدم الوجود كالوجود يتحقق من غير تقدم الطلب يقال وجد فلان لقطة وقال الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى * قال (وان كان المسافر في ردغة وطين لا يجد الماء ولا الصعيد نفض ثوبه أو لبده وتيمم بغباره) ولا يؤمر بالتيمم بالطين وان كان لو فعل أجزأه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان فيه تلويث الوجه وهو مثلة ولكنه ينفض لبده

[ 116 ] فيتيمم بغباره وقد بينا فيه حديث عمر رضى الله تعالى عنه فان كان المطر عم جميع ذلك لطخ بالطين بعض جسده فإذا جف حته وتيمم به وان لم يجف لم يصل بغير وضوء ولا تيمم وان ذهب الوقت وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يصلى ثم يعيد إذا قدر على الطهور. ووجهه أنه لا ينبغى أن يمضى وقت صلاة على المسلم ولا يتشبه فيه بالمصلين فعليه أن يأتي بما قدر عليه تشبها كمن تسحر بعد طلوع الفجر كان عليه الامساك تشبها بالصائمين ولكنا نقول الصلاة بغير طهارة معصية والتشبه بالمطيعين لا يحصل بمباشرة المعصية بخلاف الامساك فانه ليس بمعصية * قال (وان وجد سؤر حمار أو بغل توضأ به وتيمم) وان قدم التيمم أجزأه الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول مادام معه ما هو مأمور باستعماله فلا عبرة بتيممه ولكنا نقول الاحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فلا يلزمه اعادة الترتيب وان كان الافضل أن يقدم في التوضؤ به * قال (وإذا أصاب بدن المتيمم نجاسة لم ينقض ذلك تيممه) ولكنه يمسح بخرقة أو تراب لتتقلل به النجاسة ثم يصلى فان صلى لم يمسحه وأجزأه لان المسح لا يزيل النجاسة فهو عاجز عن ازالتها فجازت صلاته معها * قال (وإذا توضأ الكافر أو اغتسل ثم أسلم فله أن يصلى بذلك الوضوء والاغتسال) عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى بناء على ما تقدم من اشتراط النية فعنده الوضوء لا يجزئ الا بنية القربة والكافر ليس من أهلها وعندنا يجزئ من غير نية ويزول به الحدث فيصح من الكافر كغسل النجاسة وروى أن عمر رضي الله تعالى عنه لما طلب من أخته أن تناوله الصحفة قبل أن يؤمن حتى يغتسل ناولته فذلك دليل على صحة الاغتسال من الكافر * قال (وان تيمم الكافر في حال عدم الماء ثم أسلم فليس له أن يصلى بذلك التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى) وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا تيمم بنية الاسلام أو الطهر فله أن يصلى به بعد الاسلام. وجه قوله أن التيمم يفارق الوضوء في اشتراط النية وبنية الطهر صح لانه من أهله ونية الاسلام نية قربة فإذا اقترن بالتيمم نية القربة صح منه كما يصح من المسلم (ولنا) أن من شرط التيمم نية الصلاة به والكافر ليس من أهلها والتيمم لا يصح بغير نية ونية الاسلام لا تعتبر في التيمم انما تعتبر نية قربة ونية القربة لا تصح الا بالطهارة * ألا ترى أن المسلم إذا تيمم بنية الصوم أو الصدقة لا تصح نيته ثم اصراره على الكفر إلى أن يفرغ من التيمم معصية فكيف يصح فيه معنى القربة * قال (ولو توضأ المسلم أو اغتسل ثم ارتد نعوذ

[ 117 ] بالله لم يبطل وضوءه) لان الردة ليست بحدث وهو كفر والكفر لايمنع ابتداء الوضوء فلا يمنع البقاء بطريق الاولى (فان قيل) أليس أن الردة تحبط عمله ووضوءه من عمله (قلنا) الردة تحبط ثواب العمل وذلك لايمنع زوال الحدث كمن توضأ على قصد المراآة زال الحدث به وان كان لا يثاب على وضوئه) قال (ولو تيمم المسلم ثم ارتد لم يبطل تيممه) الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول الكفر يمنع ابتداء التيمم فيمنع البقاء كمن صلى ثم ارتد بطلت صلاته حتى لو أسلم في الوقت لم تلزمه الاعادة ولكنا نقول تيممه قد صح باقتران نية القربة فلا ينقضه الا الحدث أو وجود الماء والردة ليست بحدث وهذا لان التيمم انما يفارق الوضوء في اشتراط النية وذلك في الابتداء لافى البقاء ففي البقاء الوضوء والتيمم سواء فكما يبقى وضوءه بعد ردته فكذلك تيممه * قال (وللمسافر أن يطأ جاريته وان علم أنه لا يجد الماء) وقال مالك رحمه الله تعالى يكره ذلك * وروي أن رجلا سأل ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن ذلك فقال أما ابن عمر فلا يفعل ذلك وأما أنت إذا وجدت الماء فاغتسل قال مالك رحمه الله تعالى الضرورة لاتتحقق في اكتساب سبب الجنابة في حال عدم الماء والصلاة مع الجنابة أمر عظيم فلا ينبغى أن يتعرض لذلك من غير ضرورة (ولنا) قوله تعالى أو لامستم النساء فذلك يفيد اباحة الملامسة في حال عدم الماء ثم التيمم للجنابة والحدث بصفة واحدة وكما يجوز له اكتساب سبب الحدث في حال عدم الماء فكذلك اكتساب سبب الجنابة لان في منع النفس بعد غلبة السبق بعض الحرج وما شرع التيمم الا لدفع الحرج * قال (ومن تيمم وهو يريد تعليم الغير ولا يريد به الصلاة لم يجزه) لما بينا أن التيمم في اللغة هو القصد وذلك يدل على اشتراط النية فيه وظاهر ما يقول في الكتاب أنه يحتاج إلى نية الصلاة. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن نية الطهارة تكفى وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول يحتاج إلى نية التيمم للحدث أو الجنابة لان التيمم لهما بصفة واحدة فلا يتميز أحدهما من الآخر الا بالنية * قال (ولو تيمم بنية النفل جاز له أداء الفرض) عندنا خلافا للشافعي رضى الله عنه وقد بينا هذا أنه يعتبر الضرورة للتيمم ثم أداء النافلة بالتيمم يجوز عندنا كأداء الفرض وقال الزهري رضي الله تعالى عنه لا يجوز لانه لاضرورة في أداء النافلة * قال (مسافرة طهرت من حيضها فلم تجد ماء فتيممت وصلت فلزوجها أن يقربها) لانا حكمنا بطهارتها حين صح تيممها وتأكد ذلك بجواز صلاتها ولم يذكر ما إذا تيممت ولم تصل

[ 118 ] فقيل هو على الاختلاف عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ليس للزوج أن يقربها وعند محمد رحمه الله له ذلك بناء على قصد الرجعة والاصح أنه ليس للزوج أن يقربها عندهم جميعا لان محمدا رحمه الله تعالى انما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبنى على الاحتياط وهو قطع الرجعة والاحتياط في الوطئ تركه فلم يجعل التيمم فيه قبل تأكده بالصلاة كالاغتسال كما لم يفعله في الحل للازواج * قال (مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فانه يتيمم لدخول المسجد) لان الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا سواء قصد المكث فيه أو الاجتياز وعند الشافعي رحمه الله تعالى له أن يدخله مجتاز الظاهر قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ولكن أهل التفسير قالوا ان الا هنا بمعني ولا أي ولا عابري سبيل وهذا محتمل فبقى المنع بقوله لا تقربوا وهو عاجز عن الماء قبل دخول المسجد فيتيمم ثم يدخل المسجد فيستقى منه وان لم يكن معه ما يستقي به ولا يستطيع أن يغترف منه ولكنه يستطيع أن يقع فيه فان كان ماء جاريا أو حوضا كبيرا اغتسل فيه وان كان عينا صغيرا فالاغتسال فيه ينجس الماء ولا يطهره فلا يشتغل به ولكنه يتيمم للصلاة وهذا إشارة منه إلى أنه لا يصلى بالتيمم الآول لان قصده عند ذلك دخول المسجد ونية الصلاة شرطه لصحة التيمم في ظاهر الرواية فلهذا تيمم ثانيا وكذلك لو تيمم لمس المصحف فليس له أن يصلى به بخلاف ما إذا تيمم لسجدة تلاوة لان السجدة من أركان الصلاة فنيته للسجدة عند التيمم كنية الصلاة فأما مس المصحف ودخول المسجد ليس من أركان للصلاة فلا يصير بنيته ذلك ناويا للصلاة * قال (ولا يتوضأ بسؤر الكلب) الا على قول مالك رحمه الله تعالى وقد بينا أن عنده سؤره طاهر والامر بغسل الاناء من ولوغه تعبد وعند عامة العلماء سؤره نجس وظاهر قوله طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله ثلاثا دليل على نجاسته والتطهير لا يحصل بالنجس فكان فرضه التيمم * قال (ويتيمم لصلاة الجنازة في المصر إذا خاف فوتها) وكذلك لصلاة العيد عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لايتيمم لهما لان التيمم طهور شرع عند عدم الماء فمع وجوده لا يكون طهورا ولا صلاة الا بطهور ومذهبنا مذهب ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال إذا فاجأتك جنازة فخشيت فوتها فصل عليها بالتيمم ونقل عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما في صلاة العيد مثله وقد روينا أن النبي رد السلام بطهارة التيمم حين خاف الفوت

[ 119 ] لمواراة المسلم عن بصره فصار هذا أصلا إلى أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء وصلاة العيد تفوت لا إلى بدل لانها لا تقضى إذا فاتت مع الامام وكذلك صلاة الجنازة تفوت لا إلى بدل لانها لا تعاد عندنا وكأن الخلاف مبنى على هذا الاصل والفقه فيه ان التوضؤ بالماء انما يلزمه إذا كان يتوصل به إلى أداء الصلاة وهنا لا يتوصل بالتوضؤ إلى أداء الصلاة لانه تفوته الصلاة لو اشتغل بالوضوء فإذا سقط عنه الخطاب باستعمال الماء صار وجود الماء كعدمه فكان فرضه التيمم وبهذا فارق صلاة الجمعة فانه لايتيمم لها وان خاف الفوت لان الوضوء هناك يتوصل به إلى الصلاة وهو الطهر الذى هو أصل فرض الوقت فكان مخاطبا باستعمال الماء وبخلاف سجدة التلاوة لانها غير مؤقتة فلا تفوته وبالوضوء يتوصل إلى أدائها فلا يجزئه أداؤها بالتيمم لهذا * قال (وان سبقه الحدث بعد ما شرع في صلاة العيد فان كان شروعه بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق وان كان شروعه بالوضوء تيمم للبناء) عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لايتيمم لانه لا يخاف الفوت فانه إذا ذهب للوضوء كان له أن يبنى وان عاد بعد فراغ الامام وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لما جاز الافتتاح بطهارة التيمم فالبناء أجوز لان حالة البناء أسهل وخوف الفوت قائم فربما يبتلى بالمعالجة مع الناس لكثرة ازدحامهم فتفسد صلاته ولا يصل إلى الماء حتى تزول الشمس فتفوته بمضي الوقت وقيل هذا الجواب بناء على جبائية الكوفة فان الماء بعيد لا يصل إليه حتى يعود إلى المصر فأما في ديارنا الماء محيط بالمصلى فلا يتيمم للابتداء ولا للبناء لانه لا يخاف الفوت وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهم الله أن ولى الميت لا يصلى على الجنازة بالتيمم بخلاف غيره لانه لا يخاف الفوت فان الناس وان صلوا عليها كان له حق الاعادة * قال (ولا يجوز التيمم من مكان قد كان فيه بول أو نجاسة وان ذهب الاثر) وذكر ابن كاسر النخعي عن أصحابنا رضى الله تعالى عنهم أنه يجوز لانه حكم بطهارة ذلك المكان حين ذهب أثر النجاسة بدليل جواز الصلاة عليها. وجه ظاهر الرواية ان شرط جواز التيمم طيبة الصعيد كما قال الله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا وهذا المكان صار طاهرا وليس من ضرورة الطهارة الطيبة ولم يصر طيبا ثم طهارة هذا المكان ثابتة بخبر الواحد واشتراط الطهارة في الصعيد ثابت بنص مقطوع به فلا يتأدى بما يثبت بخبر الواحد كمن استقبل الحطيم في الصلاة دون البيت لا تجوز صلاته لهذا وقد قررناه * قال (وان افتتح الصلاة بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمم وبنى) لان افتتاح الصلاة بالتيمم عند عدم

[ 120 ] الماء جائز فالبناء أجوز لانه بنى الضعيف على القوي وذلك مستقيم فان وجد ماء ينظر فان كان بعدما عاد إلى مكانه توضأ واستقبل بالاتفاق وان كان قبل أن يعود إلى مكانه فالقياس يتوضأ ويستقبل الصلاة وهو قول محمد رحمه الله تعالى لان حرمة الصلاة باقية بعد التيمم وهذا متيمم وجد الماء في خلال صلاته فيتوضأ ويستقبل الصلاة. استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا يتوضأ ويبنى ويجعل كأنه لم يتيمم أصلا ولكنه كان في طلب الماء إلى أن يجد الماء بخلاف مااذا عاد إلى مكان الصلاة فان هناك لو جعلناه كأنه لم يتيمم كانت صلاته فاسدة وهذا لانه انما لا يتوضأ للبناء إذا أدى شيئا من الصلاة بطهارة التيمم وقبل العود إلى مكان الصلاة لم يؤد شيئا بطهارة التيمم فكان له أن يتوضأ ويبنى * قال (وان كان الامام متيمما فأحدث فاستخلف متوضئا ثم وجد الماء الامام الاول فسدت صلاته وحده) لان الامامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يفسد صلاة غيره وان كان الامام متوضئا والخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة الاول والقوم جميعا لان الامامة تحولت إليه وصار الاول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الامام تفسد صلاة القوم * قال (وإذا أم المتيمم المتوضئين فأبصر بعض القوم الماء ولم يعلم به الامام والآخرون حتى فرغوا فصلاة الامام والقوم تامة الا من أبصر الماء) فان صلاته فاسدة عندنا وقال زفر رضى الله عنه تعالى لا تفسد صلاته وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله ووجهه أنه لابد لفساد الصلاة من سبب وهو في نفسه متوضئ فرؤية الماء لا تكون مفسدا في حقه وانما تفسد صلاته لفساد صلاة الامام وصلاة الامام هنا صحيحة فلا معنى لفساد صلاته (ولنا) أن طهارة الامام معتبرة في حق المقتدى بدليل أنه لو تبين أن الامام محدث لم تجز صلاة القوم وطهارته هنا تيمم فيجعل في حق من أبصر الماء كأنه هو المتيمم فلهذا فسدت صلاته لانه اعتقد الفساد في صلاة امامه لانه عنده أنه يصلى بطهارة التيمم مع وجود الماء والمقتدى إذا اعتقد الفساد في صلاة امامه تفسد صلاته كما لو اشتبهت عليهم القبلة فتحرى الامام إلى جهة والمقتدي إلى جهة أخرى لا يصح اقتداؤه به إذا كان عالما أن امامه يصلى إلى غير جهته * قال (متيمم رأى في صلاته سرابا فظن أنه ماء فمشى إليه فإذا هو سراب فعليه أن يستقبل الصلاة) لان مشيه كان على وجه الرفض لتلك الصلاة بدليل أن ما ظن لو كان حقا كانت صلاته فاسدة فلم يكن له

[ 121 ] أن يبنى كما لو ظن في خلال الصلاة أنه نسى مسح الرأس فمشى ليمسح ثم تذكر أنه كان مسح فليس له أن يبنى بخلاف ما إذا ظن أنه سبقه الحدث فمشى ليتوضأ فعلم قبل أن يخرج من المسجد أنه ليس بحدث كان له أن يبنى لان انصرافه هناك كان لا صلاح الصلاة دون رفضها بدليل أن ما ظن لو كان حقا كان له أن يتوضأ ويبنى فما لم يفارق مكان الصلاة جعل كأنه في موضعه فبنى لهذا * قال (ومن استيقن بالتيمم فهو على تيممه حتى يستيقن بالحدث أو بوجود الماء) للاصل الذى قدمناه في الوضوء أن اليقين لا يزول بالشك * قال (وإذا أراد التيمم فتمعك في التراب ودلك بذلك جسده كله فان كان أصاب التراب وجهه وذراعيه وكفيه أجزأه) لانه أتى بالواجب وزاد عليه وقد بينا فيه حديث عمار رضى الله تعالى عنه أن النبي قال كان يكفيك ضربتان يعنى ضربة للوجه وضربة للذراعين على ما عرف * قال (وان بدأ بذراعيه في التيمم أو مكث بعد تيمم وجهه ساعة ثم تيمم على ذارعيه أجزأه) لانه بدل عن الوضوء وقد بينا أن الترتيب والموالاة في الوضوء مسنون لايمنع تركه الجواز فكذلك في التيمم * قال (وإذا تيمم جنب أو حائض من مكان ثم وضع آخر يده على ذلك المكان فتيمم به أجزأه) لان الصعيد الباقي في المكان بعد تيمم الاول نظير الماء الباقي في الاناء بعد وضوء الاول واغتساله به فيكون طهورا في حق الثاني كذا هذا * قال (وإذا تيمم وهو مقطوع اليدين من المرفقين فعليه مسح موضع القطع من المرفق عندنا) خلافا لزفر رحمه الله تعالى بناء على أن المرفق يدخل في فرض الطهارة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى ثم موضع القطع صار باديا في حقه فهو نظير الكف في حق من هو صحيح اليدين فعليه مسحه في التيمم وان كان القطع من فوق المرفق لم يكن عليه مسحه لان موضع الطهارة من يده فائت فان ما فوق المرفق ليس بموضع الطهارة * قال (وإذا تيمم وفى رحله ماء لا يعلم به بأن كان نسيه بعد ما وضعه أو وضعه بعض أهله فصلاته بالتيمم جائزة) عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا تجوز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى قال لان الماء في السفر من أهم الاشياء عند المسافر فقد نسى ما لا ينسى عادة فلا يعتبر نسيانه كما لو كان الماء على ظهره أو معلقا في عنقه فنسيه لا يعتبر نسيانه ولان جواز التيمم عند عدم الماء وهو واجد للماء لكونه في رحله فان رحله في يده فلا يجزئه التيمم كالمكفر بالصوم إذا نسى الرقبة في ملكه لا يجزئه لهذا. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتجا في الكتاب

[ 122 ] وقالا بأن الله تعالى لم يكلفه الا علمه ومعنى هذا أن التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه استعمال الماء قبل علمه به وإذا لم يكن مخاطبا باستعماله فوجوده كعدمه كالمريض ومن يخاف العطش على نفسه تقديره أنه عدم آلة الوصول إلى الماء وهو العلم به فكان نظير الواقف على شفير البئر وليس معه آلة الاستقاء ففرضه التيمم بخلاف الرقبة فالمعتبر هناك ملكها حتى لو عرض انسان عليه الرقبة كان له أن لا يقبل ويكفر بالصوم وبالنسيان لم ينعدم ملكه وهنا المعتبر القدرة على استعمال الماء حتى لو عرض انسان عليه الماء لا يجزئه التيمم وبالنسيان زالت هذه القدرة فجاز تيممه وهو بخلاف ما إذا كان عالما به وظن أنه قد نفذ لان القدرة على الاستعمال ثابتة بعلمه فلا ينعدم بظنه وعليه التفتيش فإذا لم يفعل لا يجزئه التيمم بخلاف ما نحن فيه على ما بينا * قال (وإذا كان به جدري أو جراحات في بعض جسده فان كان محدثا فالمعتبر أعضاء الوضوء) فان كان أكثره صحيحا فعليه الوضوء في الصحيح وان كان أكثره مجروحا فعليه التيمم دون غسل الصحيح منه وان كان جنبا فالعبرة بجميع الجسد فان كان أكثره مجروحا تيمم وصلى عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه الغسل فيما هو صحيح في الوجوه جميعا لان سقوط الغسل عما هو مجروح لضرورة الضرر في اصابة الماء والثياب والضرورة تتقدر بقدرها (ولنا) ان الاقل تابع للاكثر فان النبي قال في المجدور كان يكفيه التيمم وأحد لا يقول انه يغسل ما بين كل جدريين فدل على أن العبرة للاكثر وإذا كان الاكثر مجروحا فكأن الكل مجروح وقد بينا أنه لا يجمع بين الاصل والبدل على سبيل رفو أحدهما بالآخر فإذا كان الاكثر مجروحا لم يكن له بد من التيمم فسقط فرض الغسل لهذا * قال (وان أجنب الصحيح في المصر فخاف أن يقتله البرد ان اغتسل فانه يتيمم) في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كالمسافر إذا خاف ذلك وعندهما يجزئه ذلك في السفر ولا يجزئه في المصر قالا لان السفر يتحقق فيه خوف الهلاك من البرد فانه لا يجد ماء سخينا ولا ثوبا يتدفأ به ولا مكانا يأويه واما المصر لا يعدم أحد هذه الاشياء الا نادرا ولا عبرة بالنادر ولهذا لم يجعل عدم الماء في المصر مجوزا للتيمم بخلاف خارج المصر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المسافر يجوز له التيمم مع وجود الماء لخوف الهلاك من البرد فإذا تحقق ذلك في حق المقيم كان هو كالمسافر لان معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما ولان من جاز له التيمم مع وجود الماء فالمصر والسفر له سواء كالمريض

[ 123 ] وأما المحبوس في السجن فان كان في موضع نظيف وهو لا يجد الماء كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ان كان خارج المصر صلى بالتيمم وان كان في المصر لم يصل وهو قول زفر رضى الله تعالى عنه ثم رجع فقال يصلى ثم يعيد وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وجه قوله الاول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الاعادة فلم يكن التيمم طهورا له ولا صلاة الا بطهور. وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر انما لا يعتبر لانه لا يكون الا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر فكان معتبرا فأمر بالصلاة بالتيمم لعجزه عن الماء فأما الاعادة ففي القياس لا يلزمه وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى كما لو كان في السفر وفى الاستحسان يعيد لان عدم الماء كان لمعنى من العباد ووجوب الصلاة عليه بالطهارة لحق الله تعالى فلا يسقط بما هو من عمل العباد بخلاف المسافر فان هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الاعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض * وان كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ به فانه لا يصلى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصلى بالايماء تشبها بالمصلين واختلفت الروايات عن محمد رحمه الله تعالى فذكر في الزيادات ونسخ أبى حفص رحمه الله تعالى من الاصل كقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى نسخ أبي سليمان رحمه الله تعالى ذكر قوله كقول أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجهه ان العاقل المسلم لا يجوز أن يمضى عليه وقت الصلاة وهو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الامكان والتكليف انما يثبت بحسب وسعه ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الصلاة بغير طهور معصية ولا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية وقد تقدم نظيره. ومن نظائره الهارب من العدو ماشيا والمشتغل بالقتال في حال المسايفة والسابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصلون بالايماء تشبها ثم يعيدون. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يصلون لان مع العمل من القتال والسباحة والمشى لا تكون الصلاة قربة وفى الحديث أن النبي شغل عن أربع صلوات يوم الخندق لكونه كان مشغولا بالقتال فدل أنه لا يصلى في هذه الحالة * قال (مسافر جنب غسل فرجه ووجهه وذراعيه ورأسه ثم أهراق الماء فتيمم وافتتح الصلاة ثم قهقه فيها ووجد الماء فعليه أن يغسل وجهه وذراعيه ويمسح برأسه ويغسل

[ 124 ] ما بقى من بعض جسده) لان شروعه في الصلاة قد صح بالتيمم والقهقهة في الصلاة لو طرأ على غسل جميع الاعضاء نقض طهارته فيها فكذلك إذا طرأ على غسل بعض الاعضاء بمنزلة سائر الاحداث. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الاملاء قال القهقهة في الصلاة ناقض للطهارة التى بها شرع في الصلاة وشروعه في الصلاة هنا بالتيمم لا بغسل وجهه وذراعيه ولا تنتقض بالقهقهة طهارته في الوجه والذراعين ولا يلزمه اعادة الغسل فيهما كما لا يلزمه اعادة الغسل فيما غسل من جسده سوى أعضاء الوضوء * قال (جنب اغتسل فبقى على بدنه لمعة لم يصبها الماء فانه يتيمم ويصلى) لان زوال الجنابة معتبر ثبوتها حكما فكما لا يتحقق ثبوتها في بعض البدن دون البعض فكذلك لا يتحقق زوالها ما بقى شئ لم يصبه الماء فان وجد الماء بعد ذلك غسل ذلك الموضع لانه قدر على ما يطهره ولا يتيمم لانه طاهر عن الحدث فان كان أحدث قبل غسل ذلك الموضع فالمسألة على أوجه ان كان الماء الذى وجده يكفيه للمعة والوضوء غسل اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتوضأ لانه محدث معه ما يوضئه وان كان لا يكفي لواحد منهما يتيمم للحدث وتيممه للجنابة باق ولكنه يستعمل ذلك الماء في اللمعة لتقليل الجنابة وان كان يكفيه للمعة دون الوضوء غسل به اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتيمم للحدث وان كان يكفيه للوضوء دون اللمعة توضأ به وتيممه للجنابة باق وان كان يكفيه لكل واحد منهما على الانفراد غسل به اللمعة لتزول به الجنابة فان حكمها أغلظ من الحدث حتى يمنع الجنب من القراءة دون المحدث ثم يتيمم للحدث فان بدأ بالتيمم للحدث أجزأه في رواية كتاب الصلاة ولم يجزه في رواية الزيادات وقيل ما ذكر في الزيادات قول محمد رحمه الله تعالى. ووجهه أنه تيمم ومعه ماء يكفيه للوضوء فلا يعتبر تيممه وما ذكر في الاصل قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجه أن الماء مستحق للمعة فهو كالمعدوم في حق الحدث كالمستحق للعطش وشبه هذا بسؤر الحمار في أنه يجمع المسافر بين التوضؤ به والتيمم والاولى أنه يبدأ بالوضوء به فان بدأ بالتيمم أجزأه فكذلك هنا * قال (متيمم افتتح الصلاة ثم وجد سؤر حمار مضى على صلاته فإذا فرغ توضأ به وأعاد الصلاة) لان سؤر الحمار مشكوك في طهارته وشروعه في الصلاة قد صح فلا ينتقض بالشك فلهذا يتم للصلاة ثم يتوضأ به ويعيد احتياطا لجواز أن يكون سؤر الحمار طاهرا * قال (ولو وجد نبيذ التمر في خلال الصلاة فكذلك) عند محمد رحمه الله تعالى يتم صلاته ثم يتوضأ به ويعيد

[ 125 ] لانه كسؤر الحمار عنده وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يتم صلاته ولا يعيد لان النبيذ عنده ليس بطهور وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقطع صلاته لان نبيذ التمر بمنزلة الماء عنده في حال عدم الماء فتنتقض صلاته بوجوده فيتوضأ به ويتستقبل * وان وجد سؤر الحمار والنبيذ جميعا فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تفسد صلاته فيتوضأ بهما ثم يستقبل لان سؤر الحمار ان كان طاهرا فالنبيذ معه ليس بطهور فلهذا توضأ بهما وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يمضى في صلاته فإذا فرغ توضأ بهما وأعاد الصلاة احتياطا (فصل في ذكر المسائل المعدودة لابي حنيفة رحمه الله تعالى) إذا فرغ المصلى من تشهده ولم يسلم حتى انقضى وقت مسحه أو وجد في خفه شيئا فنزعه فانتقض به مسحه فسدت صلاته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وكذلك المتيمم إذا وجد الماء ومصلى الجمعة إذا خرج وقتها ومصلى الفجر إذا طلعت عليه الشمس والعارى إذا وجد ثوبا والامى إذا تعلم القراءة والقارئ إذا استخلف أميا والمومى إذا قدر على الركوع والسجود والمصلى إذا تذكر الفائتة وصاحب الجرح السائل إذا برئ جرحه أو ذهب وقته وكذلك المستحاضة ومصلى الفائتة إذا تغيرت الشمس. وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد مضت في جميع ذلك وخرج بها عنها وجازت عنه. فمن أصحابنا من قال هذه المسائل تبتنى على أصل وهو أن الخروج من الصلاة بصنع المصلى فرض عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما ليس بفرض واحتجاجهما بحديث عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي قال إذا رفع المصلى رأسه من آخر سجدة وقعد قدر التشهد فقد تمت صلاته ولانه بالاتفاق لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا أو حادث المرأة الرجل في هذه الحالة لم تفسد الصلاة ولو بقى عليه شئ من فرائض الصلاة لفسدت في هذه الامور كما تفسد قبل القعدة ولابي حنيفة رحمه الله تعالى أن هذه عبادة لها تحريم وتحليل فلا يخرج منها على وجه التمام الا بصنعه كالحج وتقريره أن بعد التشهد لو أراد استدامة التحريمة إلى خروج الوقت أو إلى دخول صلاة أخرى منع منه ولو لم يبق عليه شئ من الصلاة لم يمنع من ذلك وتأويل الحديث أي قارب التمام كما قال من وقف بعرفة فقد تم حجه أي قارب التمام والكلام والحدث العمد والمحاذاة والقهقهة صنع من جهته (فان قيل) فنزع الخف أيضا صنعه (قلنا) هو

[ 126 ] صنع غير قاطع حتى ان غاسل الرجلين لو فعله في خلال الصلاة لا يضره ولهذا قيل تأويله ان كان الخف واسع الساق لا يحتاج في نزعه إلى المعالجة فان كان يحتاج إلى ذلك فصلاته تامة بالاتفاق (فان قيل) فالاستخلاف أيضا صنعه (قلنا) نعم ولكنه صنع غير مفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في خلال الصلاة لم يضره ولكن هذا ليس بقوى لاستحالة أن يقال يتأدي فرض الصلاة بالكلام والحدث العمد ولو كان الخروج بصنع المصلى فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج ولكن الصحيح لابي حنيفة ان التحريمة باقية بعد الفراغ من التشهد واعتراض المغير للفرض في هذه الحالة كاعتراضه في خلال الصلاة بدليل أن المسافر لو نوى الاقامة في هذه الحالة يتغير فرضه كما لو نوى الاقامة في خلال الصلاة وهذه العوارض مغيرة للفرض بخلاف الكلام فانه قاطع لامغير والقهقهة والحدث العمد والمحاذاة مبطل لامغير (فان قيل) فطلوع الشمس في خلال الفجر مبطل لامغير وقد جعلتموه على الاختلاف (قلنا) لا كذلك بل هو مغير للصلاة من الفرض إلى النفل فانه لا يصير خارجا به من التحريمة وجميع ما بينا فيما إذا اعترض قبل السلام كذلك في سجود السهو أو بعد ما سلم قبل أن يتشهد أو بعد التشهد وقبل أن يسلم لان التحريمة باقية فان عرض له شئ من ذلك بعد ما سلم قبل ان يسجد للسهو فصلاته تامة أما عندهما فلاشك وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه بالسلام يخرج من التحريمة ولهذا لا يتغير فرض المسافر بنية الاقامة في هذه الحالة وكذلك ان كان يسلم احدى التسليمتين لان انقطاع التحريمة يحصل بسليمة واحدة وهذا كله بناء على قولنا فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى تفسد صلاته بالكلام والحدث العمد والعوارض المفسدة في هذه الحالة لان الخروج بالسلام عنده من فرائض الصلاة لقوله وتحليلها التسليم فكما أن التحريم من الصلاة مختص بما هو قربة فكذلك التحليل (ولنا) حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبي لما علمه التشهد قال له إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فان شئت أن تقوم فقم وان شئت أن تقعد فاقعد ولان التسليم خطاب منه للناس حتى لو باشره في خلال الصلاة عمدا تفسد صلاته وما يكون من أركان الصلاة لا يكون مفسدا للصلاة وتبين بهذا أن المراد بقوله وتحليلها التسليم الاذن بانقضائها فان من تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التسليم يصير كالعائد إليهم فلهذا يسلم


[ 127 ]

[عدل]

عليهم لا أن التسليم من أركان الصلاة ولو عرض له شئ من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد أعاد الصلاة لان القعدة من الاركان لما روينا من حديث ابن مسعود. وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بكلمة الشهادتين والاصح أن المفروض قدر ما يتمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله عبده ورسوله فالتشهد إذا أطلق يفهم منه هذا * وفى الاملاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أولا في الامي يتعلم السورة في خلال الصلاة انه يقرأ ويبنى كالقاعد يقدر على القيام ثم رجع عن ذلك وقال ان صلاة الامي ضرورة محضة حتى لا يجوز ترك القراءة مع القدرة في النفل والفرض فهو قياس المومى يقدر على الركوع والسجود والله سبحانه وتعالى أعلم (باب الاذان) الاذان في اللغة الاعلام ومنه قوله تعالى وأذان من الله ورسوله الآية وتكلموا في سبب ثبوته فروى أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبيه قال مر أنصارى بالنبي فرآه حزينا وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه فلم يتناول الطعام ولكنه نام فأتاه آت فقال أتعلم حزن رسول الله مماذا هو من هذا الناقوس فمره فليعلم بلالا الاذان وذكره إلى آخره * والمشهور أنه لما قدم المدينة كان يؤخر الصلاة تارة ويعجلها أخرى فاستشار الصحابة في علامة يعرفون بها وقت أدائه الصلاة لكي لا تفوتهم الجماعة فقال بعضهم ننصب علامة حتى إذا رآها الناس أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك وأشار بعضهم بضرب الناقوس فكرهه لاجل النصارى وبعضهم بالنفخ في الشبور (1) فكرهه لاجل اليهود وبعضهم بالبوق فكرهه لاجل المجوس فتفرقوا قبل أن يجتمعوا على شئ قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري فبت لا يأخذني النوم وكنت بين النائم واليقظان أذ رأيت شخصا نزل من السماء وعليه ثوبان أخضران وفى يده شبه الناقوس فقلت اتبعينى هذا فقال ما تصنع به فقلت نضربه عند صلاتنا فقال ألا أدلك على ما هو خير من هذا