لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي رحمه الله: الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل زمان الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شأن عن شأن جل عن الأشباه والأنداد وتنزه عن الصاحبة والأولاد ونفذ حكمه في جميع العباد لا تمثله العقول بالتفكير ولا تتوهمه القلوب بالتصوير: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
الكلام في أسماء الله تعالى وصفاته
له الأسماء الحسنى والصفات العلى { الرحمن على العرش استوى * له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى * وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } أحاط بكل شيء علما وقهر كل مخلوق عزة وحكما ووسع كل شيء رحمة وعلما: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما }
الواجب على المسلم نحو أسماء الله وصفاته:
موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل
الكلام في المشكل من النصوص:
وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه ونرد علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى: { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا }
التأويل المذموم:
وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه: { وما يعلم تأويله إلا الله }
كلام أئمة السلف في الصفات:
قول الإمام أحمد في هذا الباب:
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي ﷺ: [ إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ] و: [ وإن الله يرى في القيامة ] وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا نرد على رسول الله ﷺ ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ونقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين
نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول ﷺ وتثبيت القرآن
قول الإمام الشافعي في هذا الباب:
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وبما جاء رسول الله على مراد رسول الله
وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله
الترغيب في السنة والتحذير من البدعة وأقوال العلماء في ذلك
واجب المسلم نحو السلف:
وقد أمرنا باقتفاء آثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدثات وأخبرنا أنها من الضلالات فقال النبي ﷺ: [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ]
قول ابن مسعود في هذا الباب:
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
قول عمر بن عبد العزيز في هذا الباب:
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاما معناه: قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشفها كانوا أقوى وبالفضل لو كان فيها أحرى فلئن قلتم: حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم وقد وصفوا منه ما يشفي وتكلموا منه بما يكفي فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم
قول الإمام الأوزاعي في هذا الباب:
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجل وإن زخرفوا لك بالقول
قول الإمام الأدرمي في هذا الباب:
وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها ؟ قال: لم يعلموها قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء أعلمته أنت ؟ قال رجل: فإني أقول: قد علموها قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم ؟ قال: بلى وسعهم قال فشيء وسع رسول الله ﷺ وخلفاؤه لا يسعك أنت ؟ فانقطع الرجل فقال الخليفة - وكان حاضرا -: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله ﷺ وأصحابه والتابعين لهم بإحسان والأئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه
أمثلة لبعض الآيات والأحاديث التي أثبتت بعض الصفات
أولا: الآيات:
الصفة الأولى: الوجه:
فمما جاء من آيات الصفات قول الله تعالى: { ويبقى وجه ربك }
الصفة الثانية: اليدان:
وقوله تعالى: { بل يداه مبسوطتان }
الصفة الثالثة: النفس:
وقوله تعالى إخبارا عن عيسى عليه السلام أنه قال: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك }
الصفة الرابعة: المجيء والإتيان:
وقوله سبحانه: { وجاء ربك } وقوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله }
الصفة الخامسة: الرضى
الصفة السادسة: المحبة
الصفة السابعة: الغضب
الصفة الثامنة: السخط
الصفة التاسعة: الكراهية:
وقوله: { رضي الله عنهم ورضوا عنه } وقوله: { يحبهم ويحبونه } وقوله في الكفار: { غضب الله عليهم } وقوله: { اتبعوا ما أسخط الله } وقوله: { كره الله انبعاثهم }
ثانيا: الأحاديث:
الصفة العاشرة: النزول:
ومن السنة قوله ﷺ: [ ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ]
الصفة الحادية عشر: العجب
الصفة الثانية عشر: الضحك:
وقوله: [ يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة ] وقوله: [ يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة ] فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به ولا نرده ولا نجحده ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره ولا نشبه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين ونعلم أن الله سبحانه لا شبيه له ولا نظير: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه
الصفة الثالثة عشر: الاستواء:
ومن ذلك قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى }
الصفة الرابعة عشر: العلو والفوقية:
وقوله: { أأمنتم من في السماء } وقول النبي ﷺ: [ ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ] وقال للجارية: وقال للجارية: [ أين الله ؟ ] قالت: في السماء قال: [ أعتقها فإنها مؤمنة ] رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة وقال النبي ﷺ لحصين: [ كم إلها تعبد ؟ ] قال: سبعة ستة في الأرض وواحدا في السماء قال: [ ومن لرهبتك ورغبتك ؟ ] قال: الذي في السماء قال: [ فاترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك دعوتين ] فأسلم وعلمه النبي ﷺ أن يقول: [ اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ] وفيما نقل من علامات النبي ﷺ وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء
حديث الأوعال:
وروى أبو داود في سننه أن النبي ﷺ قال: [ إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا - وذكر الخبر إلى قوله -: وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق ذلك ] فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله ولم يتعرض لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله
قول الإمام مالك في الاستواء:
سئل مالك بن أنس الإمام رضي الله عنه فقيل: يا أبا عبد الله: { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم أمر بالرجل فأخرج
فصل في إثبات صفة الكلام
الصفة الخامسة عشر: الكلام:
ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة ومن أذن له من ملائكته ورسله وأنه سبحانه يكلم المؤمنون في الاخرة ويكلمونه ويأذن لهم فيزورونه وقال الله تعالى: { وكلم الله موسى تكليما } وقال سبحانه: { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } وقال سبحانه: { منهم من كلم الله } وقال سبحانه: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب }
الصفة السادسة عشر: كلام الله بحرف وصوت مسموع:
وقال تعالى: { فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك } وقال: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } وغير جائز أن يقول هذا إلا الله
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء ] وروي ذلك عن النبي ﷺ وروى عبد الله بن أنيس عن النبي ﷺ أنه قال: [ يحشر الله الخلائق يوم القيامة حفاة عراة بهما فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمه من قرب: أنا الملك أنا الديان ] رواه الأئمة واستشهد به البخاري
وفي بعض الاثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها ناده ربه: يا موسى ! فأجاب سريعا استئناسا بالصوت: لبيك لبيك أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت ؟ فقال: أنا فوقك ووراءك وعن يمينك وعن شمالك فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى قال فكذلك أنت يا إلهي أفكلامك أسمع أم كلام رسولك ؟ قال: بل كلامي يا موسى
فصل في أن القرآن كلام الله حقيقة
ومن كلام الله تعالى: القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود
عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم:
وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات له أول وآخر وأجزاء وأبعاض متلو بالألسنة محفوظ في الصدور مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف فيه محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخاص وعام وأمر ونهي: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } قال تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وهو: هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: { لن نؤمن بهذا القرآن } وقال بعضهم: { إن هذا إلا قول البشر } فقال الله سبحانه: { سأصليه سقر } وقال بعضهم: هو شعر وقال الله تعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } فلما نفى عنه أنه شعر وأثبته قرآنا لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد إنه شعر وقال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله } ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ولا يعقل وقال تعالى: { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم وقال تعالى: { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } وقال: { إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون } بعد أن أقسم على ذلك وقال تعالى: { كهيعص } { حم * عسق } وافتتح تسعا وعشرون سورة بالحروف المقطعة
وقال النبي ﷺ: [ من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنه ] حديث صحيح
وقال عليه السلام: [ اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم يتعجلون أجره ولا يتأجلونه ]
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه
وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله
واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف
فصل في إثبات رؤية الله تعالى في الاخرة
والمؤمنون يرون الله تعالى في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه قال الله تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } وقال: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى وإلا لم يكن بينهما فرق وقال النبي ﷺ: [ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ] حديث صحيح متفق عليه وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير
فصل في الإيمان بالقدر
ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور
عقيدة أهل السنة والجماعة في أفعال العباد:
أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم يهدي من يشاء برحمته: ويضل من يشاء بحكمته: { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } قال الله تعالى: { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقال تعالى: { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } وقال تعالى: { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } وقال تعالى: { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا }
وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي ﷺ: ما الإيمان قال: [ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ] فقال جبريل صدقت انفرد مسلم بإخراجه
وقال النبي ﷺ: [ آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ] ومن دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: [ وقني شر ما قضيت ]
جمع أهل السنة والجماعة بين الشرع والقدر:
ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل قال الله تعالى: { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك وأنه لم يجبر أحدا على معصيته ولا اضطره إلى ترك طاعة قال الله تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال الله تعالى: { اتقوا الله ما استطعتم } وقال تعالى: { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم } فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب وهو واقع بقضاء الله وقدره
فصل في الإيمان والدين
والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان قال الله تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } فجعل عبادة الله وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين
وقال رسول الله ﷺ: [ الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها أماطة الأذى عن الطريق ] فجعل القول والعمل من الإيمان وقال تعالى: { فزادتهم إيمانا } وقال: { ليزدادوا إيمانا } وقال رسول الله ﷺ: [ يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان ]
فصل في الإيمان بالغيب
ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه
أمثلة لبعض أمور الغيب التي يجب الإيمان بها
المثال الأول: حادثة الإسراء والمعراج:
مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تكن تنكر المنامات
المثال الثاني: حادثة موسى مع ملك الموت:
ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه عينه
المثال الثالث: أشراط الساعة:
ومن ذلك أشراط الساعة مثل: خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل
المثال الرابع: عذاب القبر ونعيمه:
وعذاب القبر ونعيمه حق وقد استعاذ النبي ﷺ منه وأمر به في كل صلاة وفتنه القبر حق وسؤال منكر ونكير حق
المثال الخامس: البعث بعد الموت:
والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور: { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد ﷺ
المثال السادس: الحساب:
ويحاسبهم الله تبارك وتعالى وتنصب الموازين وتنشر الدواوين وتتطاير صحائف الأعمال إلى الأيمان والشمائل: { فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا }
المثال السابع: الميزان:
والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال: { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون }
المثال الثامن: الحوض والصراط:
ولنبينا محمد ﷺ حوض القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا
والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار
المثال التاسع: الشفاعة:
ويشفع نبينا محمد ﷺ فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات قال تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين
المثال العاشر: الجنة والنار والموت:
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان فالجنة مأوى أوليائه والنار عقاب لأعدائه وأهل الجنة فيها مخلدون والمجرمون: { في عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت
فصل في حق الرسول ﷺ وأصحابه
ومحمد رسول الله ﷺ خاتم النبيين وسيد المرسلين لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ولا يقضى بين الناس في يوم القيامة إلا بشفاعته ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم
الكلام في أمة محمد ﷺ وأصحابه:
أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المرتضى رضي الله عنهم لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [ كنا نقول - والنبي ﷺ حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي ﷺ فلا ينكره ]
وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث
وروى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: [ ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ] وهو أحق خلق الله تعالى بالخلافة بعد النبي ﷺ لفضله وسابقته وتقديم النبي ﷺ له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على تقديمه ومبايعته ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة
ثم عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له
ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه
وهؤلاء الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين قال النبي ﷺ فيهم: [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ] وقال ﷺ: [ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ]
فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه
الكلام في العشرة المبشرين بالجنة:
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي ﷺ فقال: [ أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ]
وكل من شهد له النبي ﷺ بالجنة شهدنا له بها كقوله: [ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ] وقوله لثابت بن قيس: [ إنه من أهل الجنة ]
ولا ننزل أحدا من أهل القبلة جنة ولا نارا إلا من نزله رسول الله ﷺ لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل
وجوب الحج والجهاد مع كل إمام برا كان أو فاجرا
ونرى الحج والجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا وصلاة الجمعة خلفهم جائزة قال أنس: قال النبي ﷺ: [ ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال: لا إله إلا الله ولا نكفر بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله تعالى وحتى يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقداد ] رواه أبو داود
عقيدة السلف في الصحابة وما حدث بينهم
ومن السنة تولي أصحاب رسول الله ﷺ ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله تعالى: { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا }
وقال تعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }
وقال النبي ﷺ: [ لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ]
عقيدة السلف في أزواج الرسول ﷺ
ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة بن الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي ﷺ في الدنيا والاخرة فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي الله أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم
حق ولاة الأمر على رعاياهم
ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمر بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين
المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم
ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم وكل محدثة بدعة وكل متسم بغير الإسلام مبتدع كالرافضة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية والسالمة ونظائرهم فهذه فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها
الكلام على الاختلاف في الفروع
وأما النسبة إلى إمام في الفروع كالطوائف الأربع فليس بمذموم فإن الاختلاف في الفروع رحمة والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة