لبنان روض الهوى والفن لبنان
المظهر
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت
وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها
طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني
كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هَبْني رجعتُ إلى الأوتارِ رنَّتَها
فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها
بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلةِ هل طارت بلابلُها
وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها
وغادرْت ضاحكَ النُوَّارِ غُدران
كم مَد غصنٌ بها عيناً مشرَّدةً
إلى قدودِ العذارى وهُو حيران
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ
فيالدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه
ومن مجانيه تُفَّاحُ ورمَّان
من نَبْعِه خُلِقَتْ مابالُها صرفتْ
سِرْبَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآن
عينان أسكرتا شعري فإن عَثَرَتْ
به السبيلُ فعذراً فهو نشوان
وطلعةٌ كخدودِ الزهرِ غازلها
من الأصائِل أطيافٌ وألوان
من الملائِك إلاَّ أنها بشرٌ
وأنَّ نظرتَها البَهماءِ شَيْطَانُ
للّه أيامُنا الأولَى التي سلفتُ
وللصبابةِ مَيْدانٌ ومَيدان
والحبُّ كالطير رَفَّافٌ على فَنَنٍ
له إلى الإلْفِ تغريدٌ وتَحنان
هيمانُ والماءُ في لُبنانَ عن كَثَبٍ
لكنّه بسوَى الأمواهِ هيمان
بدت له جارةُ الوادي الخصيبِ ضُحاً
كلُّ الأحبةِ في لُبنانَ جيران
فأرسل العينَ في صمتٍ بلاغتُه
بكلِّ ما قال في دنياه سَحْبان
وللعيُونِ أحاديثٌ بلاكلِمٍ
وكم لها في الهَوى شرحٌ وتبيان
والحبُّ سِرٌّ من الفِرْدوسِ نَبْعَتُهُ
وخيرُ ما يحفَظُ الأسرارَ كتمان
رنا لها فتمادتْ في تَدلُّلها
العينُ غاضبةٌ والقلبُ جذْلانُ
وغطَّتِ الوجهَ بالمِنْديلِ في خَفَرٍ
كما تَوارَى وراءَ الشكِّ إيمانُ
وأعرضتْ وإباءُ الغِيدِ لُعْبَتُها
فكلّما اشتدّ عُنْفاً فهو إذعان
إنَّ العذارَى حماك اللّهُ أحْجِيَةٌ
بها النفورُ رضاً والحقُّ نُكْران
هَزَزْتُ أوتارَ شعري حول شُرْفَتها
كما ترنّم بالأسحارِ رُعْيان
شعرٌ من اللّه تلحيناً وتهْيئَةً
لا النَّايُ نايٌ ولا العيدانُ عِيدان
إذا شدا أنصتتْ أُذْنُ الوجودِ له
وللوجودِ كما للناس آذان
شدا لها فرأى ليلُ الهوى عَجَباً
ولْهى يجاذُبها الأشواقَ ولهان
رَيّا حوت فتنةَ الدنيا غلائلها
يضمُّها شاعرٌ للِغيد صَدْيَانُ
لانتْ لشعري كما لانتْ معاطفُها
والشعرُ سِحرٌ له بحرٌ وأوزان
فتنتُها حينما همّتْ لتفتِنَني
والشعرُ للخفراتِ البِيضِ فتّان
سلاحُها لحظُها الماضي وأسلحتي
فَنٌّ يجرِّدُه للغزوِ فَنّان
كان الشبابُ شفيعي في نضارتِه
الزهرُ مؤتِلقٌ والعودُ فَيْنان
ماذا إذا لمحتني اليومَ في كِبَري
وملءُ بُرْدَيَّ أسقامٌ وأَشجان
طويتُ من صَفَحاتِ الدهرِ أكثَرها
وَعرَّقتني تصاريفٌ وحِدثان
إني كتابٌ إلى الأجيال تقرؤهُ
له التغنِّي بمجدِ العُرْبِ عُنوان
مجدٌ على الدهرِ مذ كانت أوائلُه
ودولةٌ لبني الفُصحى وسُلطَانُ
صَوَارِمٌ ريعت الدنيا لوثبتِها
وحُطِّمتْ صَوْلَجاناتٌ وتيجان
الناسُ عندهُمُ أبناءُ واحدةٍ
فليس في الأرض ساداتٌ وعُبْدان
تراكضوا فوقَ خيلٍ من عزائمهم
لهم من الحقِّ أَسْيافٌ وخُرْصان
وكلّما هدموا لِلشركِ باذِخةً
اُقيم للدينِ والقِسْطاسِ بُنيان
في السلم إن حكموا كانوا ملائكةً
وفي لَظى الحرب تحتَ النقْعِ جِنَّان
أقلامُهم سايرتْ أَسيافَ صولتِهم
للسيفِ فتحٌ وللأقلامِ عِرفان
فأين مِن شرعِهم روما وما تركت
وأين من علمهم فُرْسٌ ويونان
كانوا أساتذةَ الآفاقِ كم نهِلتْ
من فيضِهم أممٌ ظَمْأَى وبُلدانُ
كانوا يداً ضمّت الدنيا أصابعُها
ففرّقتْها حَزازاتٌ وأضغان
تنمرّ الغربُ واحمَّرت مخالبُه
وأرهفت نابَها للفتكِ ذُؤبان
ثاراتُ طارقٍ الأولى تُؤَرِّقُهم
وما لما تتركُ الثاراتُ نسيان
تيقّظ الليثُ ليثُ الشرقِ محتدماً
فارتجَّ منه الشرى واهتزَّ خَفَّان
غضبانَ ردَّ إلى اليافوخِ عُفْرَتَه
وَمَنْ يصاولُ ليثاً وهو غضبان
لقد حَمْينا أُباةَ الضيمِ حَوْزَتَنا
من أن تُباحَ ودِنَّاهُم كما دانُوا
بني العروبةِ إنَّ اللّه يجمعُنا
فلا يفرِّقنُا في الأرضِ إنسان
لنا بها وطنٌ حرُّ نلوذُ به
إذا تناءت مسافاتٌ وأوْطَانُ
غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا
وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرْآن
ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتتْ أُمماً
عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان
أواصرُ الدّمِ والتاريخِ تَجمعُنا
وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوان
قلبي وفيضُ دموعي كلّما خطرتْ
ذكرىَ فِلَسْطين خفَّاقٌ وهتَّان
لقد أعاد بها التاريخُ أنْدلُساً
أخرى وطاف بها للشرِّ طوفان
ميراثُنا في فتى حِطّينَ أين مضى
وهل نهايتُنا يُتْمٌ وحِرمان
ردّوا تراثَ أبينا ما لكم صِلَةٌ
به ولا لكمُ في أمرِنا شان
مصيبةُ بِرم الصبرُ الجميلُ بها
وعّز فيها على السُلْوانِ سلوَانُ
بنى فلسطين كونوا أُمَّةً ويداً
قد يختفي في ظِلالِ الوردِ ثُعبان
وكيف يأمنُ رُعيانٌ وإن جَهِدوا
إذا تردَّى ثيابَ الشَاءِ سِرْحان
ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما
فقد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان
كنانةُ اللّه حصنُ الشرقِ تُحرسُه
شِيبٌ خِفافٌ إلى الْجُلَّى وشُبَّان
أَبَوْا على القسر أن يرضَوْا معاهدةً
بكل حرفٍ بها قيدٌ وسَجّانُ
وكم مَشَوْا للقاء الموتِ في جَذَلِ
والموتُ منكمشُ الأظفارِ خَزْيان
لكل جسمٍ شرايينٌ يعيشُ بها
ومصرُ للشرقِ والإسلامِ شِرْيان
بني العروبة مُدّوا للعلوم يداً
فلن تُقامَ بغيرِ العلمِ أركانُ
جمعتُمُ لشبابِ الشرقِ مؤتمراً
بمثله تزدهى الفصحى وتزدان
فقرِّبوا نَهجهم فالروحُ واحدةٌ
وكلُّهم في مجالِ السبقِ أقران
لا تبتغوا غيرَ إتقانٍ وتجربةٍ
فقيمةُ الناسِ تجريبٌ وإتقان
وحبِّبوا لغةَ العُرْبِ الفصاحِ لهم
فإنّ خِذلانها للشرق خذلان
قولوا لهم إنّها عنوان وحدتهم
وإنّهم حولَها جندٌ وأعوان
وكمِّلوهم بأخلاقٍ ومَرْحَمةٍ
فإنّما المرءُ أخلاقٌ وِوِجْدان