انتقل إلى المحتوى

كسا الأكوان هذا الفتح بشرى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كسَا الأكوانَ هذا الفتحُ بُشرى

​كسَا الأكوانَ هذا الفتحُ بُشرى​ المؤلف ابن شيخان السالمي


كسَا الأكوانَ هذا الفتحُ بُشرى
وعطّر مسكهُ براً وبحرا
أيا فلكاً جرى بالخير هذا
زمانك فاجرِ قد صادفت مَجْرى
وفي الدنيا عجائبُ ليسَ تفنى
إذا إحدى مضت جاءتك أخرى
تؤلف هذه الأيامُ فينا
صحائفَ عِبرةٍ بالقلب تُقرا
وفي طيّ القضاء بديع سِرِّ
تبوح به عوادي الدهر جهرا
إذا اشتدت أمور الدهر فاصبر
فإنّ الدهر لا يسطيع صبرا
ولا تستبطِ فالأيام تُوفي
وتأخذ حقّها المبخوسَ وَفرا
ومن طلب القرار بأرض قوم
يُطابِع دهرهم حُلْواً ومُرّا
وذو التقوى وإن ضعف ابتداءً
فإن مقامه يزداد وِقرا
وذو الدنيا وإن طالت يداه
فإنَ أموره ترتد خسرا
لواء الملك معقود بمالٍ
وجندٍ دوّخوا سهلاً ووعرا
فلا جند بغير المال يُغني
ولا بالعكس نيلُ الملك يُدْرَى
ومن يَستغن عن جند بمال
يعش في الذل ممقوتاً مُعرَّى
ومن قطع القبائل عنه لاقى
بيومٍ مّا هواناً مُستمرّا
ومن ينقض عُرى الحزم اتكالاً
قضى أسفاً إذا المحذورُ كرَّا
ومن في الناس سيرته بمكر
يلاقي منهم خَدْعاً ومَكرا
ومن في الناس سار مدى بعنف
ذراعاً منه لم يقفوه شبرا
وذو الوجهين لا يصفو لخلق
ولا يُحسَنْ به ظن فيَبْرَا
ومن سلك الطريق بلا دليل
تخبّط هُوّةً واشتال شرَّا
زمام الأرض نشر العدل فيها
وقائد أهلها للخير دهرا
تفانى الناس في الفاني ضلالا
وما خُلقوا له ولَّوْه ظهرا
بهم حبٌّ لزَهرته مضرٌّ
محبة عُروةَ العذريِّ عَفرا
وصار البغي بين الناس طبعاً
فبعضهم على بعض تجرَّا
أليس الأمر بالمعروف فرضاً
فيدرأ عنهم بغضاً وضرا
تعالى الله صار العلم جهلا
وصار العدل والإِحسان نكرا
مضى زمن بعزّان بن قيس
اماماً مرتضى عدلا وبِرا
لقد زهرت به الدنيا وطابت
شمائلها به زمناً وقُطرا
ومرَّت بعده سنوات جور
فَرَتْ أبناءَها ناباً وظفرا
إلى أن بان فجر الحق ممن
تبدَّى في سماء العدل بدرا
وكان بغابر الأزمان سرّاً
فنقَّله القضاء فصار جهرا
امام عادل غوث البرايا
خروصّيٌ علا شرقاً وقدرا
كأنَّ بني خروص في البرايَا
جبال قد رست براً وبحرا
وسالم الإِمام من الدنايا
وناصر الهمامُ الدينِ نصرا
كريمِ أريحيُّ البذل أسخى
بفيض ندىً من المُنْهَلَ قَطرا
شديد للأعادي ليِّنٌ للأ
صادق بحر علم سال دُرّا
وسالم الإِمام بدا بعصر
نتيه به على الأزمان فخرا
لقد فتح المعاقل من عمان
وقام بحقها عدلاً وبرا
وما استكفى بملك العرب حتى
تسنم صهوة من ملك كسرى
وما الرستاق إلا عرش ملك
عليه يستوي المسعود قهرا
دعته لنفسها الرستاق كفئاً
وكانت في حمى الماضين بكرا
فصدّقها بما تشكو إليه
وأصدقها رضاء الله مهرا
ولبَّاها بجيش لو يلاقي
صروف الدهر ولَّت عنه حسرى
بمنبثٍّ تغصّ الأرض منه
يؤجج جانباه الماءَ جمرا
يطمُّ كأنه طوفان نوح
تُصَادف أينما يممتَ بحرا
تلوحُ على بوادره المنايا
فتوردهم حياض الموت حُمرا
رجالٌ كُمَّلٌ لله باعوا
نفوسهم بها الجنات تشرى
فكم سمعوا الامام وكم أطاعوا
وكم نصحوا لهُ سِرّاً وجهرا
فما أصباهم عنه لجين
ولا ذهب ولا نظروه شزرا
دعاهم وعمّوا فأتوه شُعثاً
كأمطار حدتها الريح عصرا
فجاؤوا مثل سدّ من حديد
تحف به العناية أين مرا
عليه رفرفت رايات عدل
بها كتب الإِله النصر سطرا
وبالرستاق قد نزلوا وسَدُّوا
منافذها وعموا الطرق حجرا
وأحمد نجل إبراهيم فيهَا
هزبر فارس لاقى هزبرا
عريق المجد منفرد المزايا
عظيم الشأن أدهى الناس خبرا
أشد الناس صبراً في البلايا
وأوسع فيهم كفّاً وصدرا
وأصحاب له كبروق خطف
يصبُّون القضا خيراً وشرَّا
أُسود الحرب ورّادو المنايا
رماة يفقؤُون الطرف نقرا
كثيرون الفعالَ ندى وبأساً
وكانوا عندنا في العدل نزرا
ولمَّا لم يروْا قَبِلاً لديهم
مبارزةً أصاروا الحصن ظهرا
وكم خيرٍ يجر إليك ضيراً
وبعض الشر يدفع عنك شرَّا
فأحدقت الجيوش به وصارت
جنود الله نحو الحصن تترى
كأنَّ القلعة الشهباء لمَّا
أحيط بها وشاح ضمَّ خصرا
كمعصم ذات حسن حل يسراً
أحاط به سوار ضاق عسرا
وشبت نارَها الحربُ اضطراباً
وأبدت نابَها الهيجاءُ كشرا
بروق القلعة اهتزت دلالاً
وزاد كلامها الأسماع وقرا
إذا برج الحديث أضاء برقاً
فبرج الريح أبدى الرعد جهرا
وفي برج الشياطين المنايا
سحاب تمطر الذيفان قطرا
وكسرى من عوائدها إذا ما
أتى جيش العدا أولته كَسرا
وذا شيءٌ أتى يربو عليها
وذات الشيء بالأقدار أدرْى
تباعدت الرُّبى عنها وأبدت
منافذ تقرع الأرجاء قطرا
فكم قد أنفقوا نفقاً ملياً
من البارود فاختلسته قسرا
وألسِنة المدافع كلَّمتها
بهدي وهي تعلو ذاك كِبرا
فبان الخطب عن قتلى وجرحى
من الرصدين كلٌّ غالَ شطرا
وفي فلج الشُّراة شُراةُ موتٍ
لقوم أحدثوا في الحزم أمرا
ففاض من الامام خضمُّ جيش
فشرَّد جمعهم عقلاً وعقرا
وعاق الصبر جمعاً واستمرا
وضاق الأمر ذرعاً واستحرَّا
وقد يئس ابن إبراهيم ممن
ترجى في الحمى نفعاً وضرَّا
وأيقن أنَّ أمر الله جار
به أجرى لأهل الأرض أجرا
وكيف يغالب الغَلاّبَ قومٌ
وسِرُّ الله يعلو الخلقَ طُرَّا
وقد بلغتهم الآيات منه
وأنَّ له من الرحمن سِرَّا
وحالت حالُهم شيئاً فشيئاً
وطال أولو الهدى جِسراً فجسرا
فمالوا للخروج لِما رأوهُ
وقد نفِد الذي عدُّوه ذخرا
وأحمد صار أحمد لِلَّيالي
وأرجى لإشتداد الأمر يُسرا
واقبل آخذاً بالحزم يسعى
لحصن الحزم وهناً فاستقرا
وخمسة أشهر إلا قليلاً
قضى حقاً لكسرى صار عذرا
وآخر شهر شوال فتوح
بعام طيب الرّستاق بِشرا
لقد فتح المغالق مطلقاً من
نهى وقرى بها وهلمَّ جرا
امام المسلمين أتتك طوعاً
ملبية فصُغْ لله شكرا
به الرستاق قد مالت دلالاً
كخود أقبلت في القصر سَكرى
لقد نلت السَّعادة في المغازي
تدين لك القرى براً وبحرا
ولا زلت الدليل لكل خير
يغاث بك الورى دنيا وأُخرى