كتاب المواقف/موقف الحجاب
أوقفني في الحجاب فرأيته قد احتجب عن طائفة بنفسه واحتجب عن طائفة بخلقه، وقال لي ما بقي حجاب، فرأيت العيون كلها تنظر إلى وجهه شاخصة فتراه في كل شيء قد احتجب به وإذا أطرقت رأته فيها.
وقال لي رأوني وحجبتهم برؤيتهم إياي عني.
وقال لي ما سمعوا مني قط ولو سمعوا ما قالوا لا.
وقال لي ادخل السوق وإلا كفرت وافتقرت.
وقال لي ادخل السوق فناد ولا تعقد تاجراً.
وقال لي إذا أخذت أجرتك فلا تنفق منها شيئاً.
وقال لي ما جلست قط على الطريق.
وقال لي المماليك في الجنة والأحرار في النار.
وقال لي دور الجنة كلها حمامات.
وقال لي هذا كله لا يرى إلا عندي.
وقال لي إن لم تجالس إلا نفسك جالستك.
وقال لي تموت ولا يموت ذكرى لك.
وقال لي ليس من عرفني منك كمن لم يعرفني.
وقال لي استعذ بي من شر ما يعرفني منك.
وقال لي كلك يعرفني وليس كلك يجحدني.
وقال لي كرهت لك الموت فكرهته ألا أكره لأحبائي أن يفارقونني وإن لم أفارقهم.
وقال لي جازف نفسك وإلا ما تفلح.
وقال لي حسابك غلظ والغلظ لا يملك به صواب.
وقال لي الحساب لا يصح إلا مني.
وقال لي من حجبته بخلقي برزت له، ومن حجبته بنفسي لم أبرز له ولم يرني.
وقال لي اطلبني في ابتداء الصلوات.
وقال لي ما ظهرت قط في خاتمة صلوة.
وقال لي اطلبني في خاتمة الصيام ولا تكاد تراني.
وقال لي هذه أوطان العامة ليس بيني وبين من بينه وبين طلب نسب.
وقال لي أنا الغنى، فرأيت الرب بلا عبد ورأيت العبد بلا رب.
وقال لي أنا الرؤوف، فرأيت الرب في وسط العبيد وقد تعلق كل واحد منهم بحجزته.
وقال لي لو أخبرتك بكل شيء كان بيننا إخبار يجمعك عليك.
وقال لي إذا كنت لي فأنت بي وإذا كنت بي فأنت لك.
وقال لي ما أنت لي في وجودك أوفى منك لي عدمك.
وقال لي هبك جئتني بما أريد ورضيت، كيف لك بعلمي بك لو بلوتك بما لم أبتلك به ماذا تكون صانعاً.
وقال لي إن لم ينعقد الحياء بهذا الرمز لم ينعقد أبداً.
وقال لي الرضا الثاني إنما هو فهم في هذا الشأن.
وقال لي خلق لا يصلح لرب بحال.