كتاب المواقف/موقف الأمر
أوقفني في الأمر وقال لي إذا أمرتك فامض لما أمرتك ولا تنتظر به علمك إنك إن تنتظر بأمري علم أمري تعص أمري وقال لي إذا لم تمض لأمري أو يبدو لك علمه فلعلم الآمر أطعت لا للأمر.
وقال لي أتدري ما يقف بك عن المضي في أمري وتنتظر علم أمري هي نفسك تبتغي العلم لتنفصل به عن عزيمتي بهواها في طرقاته، إن العلم ذو طرقات وان الطرقات ذوات فجاج وان الفجاج ذوات مخارج ومحاج وان المحاج ذوات الاختلاف.
وقال لي امض لأمري وإذا أمرتك ولا تسألني عن علمه كذلك أهل حضرتي من ملائكة العزائم يمضون لما أمروا به ولا يعقبون، فامض ولا تعقب، فامض ولا تعقب تكن مني وأنا منك.
وقال لي ما ضنة عليك أطوى علم الأمر إنما العلم موقف لحكمه الذي جعلته له فإذا أذنتك بعلم فقد أذنتك بوقوف به إن لم تقف به عصيتني لأني أنا جعلت للعلم حكماً فإذا أبديت لك العلم فرضت عليك حكمة.
وقال لي إذا أردتك بحكمي لا بحكم العلم أمرتك فمضيت للأمر لا تسألني عنه ولا تنتظر مني علمه.
وقال لي إذا أمرتك فجاء عقلك يجول فيه فانفة وإذا جاء قلبك يجول فيه فاصرفه حتى تمضي لأمري ولا يصحبك سواه فحينئذ تتقدم فيه، وان صحبك غيره أوقفك دونه فعقلك يوقفك حتى يدري فإذا درى رجح، وقلبك يوقفك حتى يدري فإذا درى ميل.
وقال لي إذا أشهدتك كيف تنفذ أوليائي في أمري لا ينتظرون به علمه ولا يرتقبون به عاقبته رضوا به بدلاً من كل علم وان جمع علي ورضوا بي بدلاً من كل عاقبة وان كانت دارى ومحل الكرامة بين يدي فأنا منظرهم لا يسكنون أو يروني ولا يستقرون أو يروني فقد أذنتك بولايتي لأنك أشهدتك كيف تأتمر لي إذا أمرتك في تعرفي وكيف تنفد عني وكيف ترجع إلي، عبدي لا تنتظر بأمري علمه ولا تنتظر به عاقبته انك إن انتظرتهما بلوتك فحجبك البلاء عن أمري وعن علم أمري الذي انتظرته ثم أعطف عليك فتنيب ثم أعود عليك فأتوب ثم تقف في مقامك ثم أتعرف إليك ثم آمرك في تعرفي فامض له ولا تعقب أكن أنا صاحبك، عبدي أجمع أول نهارك وإلا لهوته كله واجمع أول ليلك وإلا ضيعته كله فأنك إذا جمعت أوله جمعت لك أخره.
وقال لي أكتب من أنت لتعرف من أنت فان لم تعرف من أنت فما أنت من أهل معرفتي.
وقال لي أليس إرسالي إليك العلوم من جهة قلبك إخراجاً لك من العموم إلى الخصوص أو ليس تخصصي لك بما تعرفت به إليك من طرح قلبك وطرح ما بدا لك من العلوم من جهة قلبك إخراجاً لك إلى الكشف أو ليس الكشف أن تنفى عنك كل شيء وعلم كل شيء وتشهدني بما أشهدتك فلا يوحشك الموحش حين ذلك ولا يؤنسك المؤنس حين أشهدك وحين أتعرف إليك ولو مرة في عمرك إيذاناً لك بولايتي لأنك تنفي كل شيء بما أشهدتك فأكون المستولي عليك وتكون أنت بيني وبين كل شيء فتليني لا كل شيء ويليك كل شيء لا يليني، فهذه صفة أوليائي فاعلم أنك ولي وأن علمك علم ولايتي فاودعني اسمك حتى ألفاك أنا به ولا تجعل بيني وبينك إسماً ولا علماً واطرح كل شيء أبديه لك من الأسماء والعلوم لعزة نظري ولئلا تحتجب به عني فلحضرتي بنيتك لا للحجاب عني ولا لشيء هو من دوني جامعاً كان لك أو مفرقاً فالمفرق زجرتك عنه بتعريفي والجامع زجرتك عنه بغيرة ودي فاعرف مقامك في ولايتي فهو حدك الذي إن قمت فيه لم تستطعك الأشياء وان خرجت منه تخطفك كل شيء.
وقال لي أتدري ما صفتك الحافظة لك بإذني هي مادتك في جسدك وذلك هو رفق بصفتك وحفظ لقلبك، احفظ قلبك من كل داخل يدخل عليه يميل به عني ولا يحمله إلي، بصفتك في عبادتي تجمع همك علي.
وقال لي مقامك مني هو الذي أشهدتك تراني أبدي كل شيء وترى النار تقول ليس كمثله شيء وترى الجنة تقول ليس كمثله شيء وترى كل شيء يقول ليس كمثله شيء فمقامك مني هو ما بيني وبين الإبداء.
وقال لي إذا كنت في مقامك لم يستطعك الإبداء لأنك تلبني فسلطاني معك وقوتي وتعرفي.
وقال لي أنا ناظرك وأحب أن تنظر إلى الإبداء كله يحجبك عني، نفسك حجابك وعلمك حجابك ومعرفتك حجابك وأسماؤك حجابك وتعرفي إليك حجابك فأخرج من قلبك كل شيء وأخرج من قلبك العلم بكل شيء وذكر كل شيء وكلما أبديت لقلبك بادياً فألفه إلى بدوه وفرغ قلبك لي لتنظر إلي ولا تغلب علي.