انتقل إلى المحتوى

كتاب الفوائد/5

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: كتاب الفوائد


حال إبليس مع آدم

[عدل]

وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه إلى الأرض ونبه الملائكة على فضله وشرفه ونوه باسمه قبل إيجاده بقوله: «إني جاعل في الأرض خليفة» وتأمل كيف وسمه بالخلافة وتلك ولاية له قبل وجوده، وأقام عذره قبل الهبوط بقوله: «في الأرض» . والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته. فلما صوره ألقاه على باب الجنة أربعين سنة لأن دأب المحب الوقوف على باب الحبيب، ورمى به في طريق ذل « ولم يك شيئا» لئلا يعجب يوم «اسجدوا» . وكان إبليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول: لأمر قد خلقت، ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول: لئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت علي لأعصينك، ولم يعلم أن هلاكه على يده. رأى طينا مجموعا فاحتقره، فلما صور الطين صورة دب فيه داء الحسد، فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد. فلما بسط له بساط العز عرضت عليه المخلوقات فاستحضر مدعى «ونحن نسبح» إلى حاكم «أنبئوني» . وقد أخفى الوكيل عنه بينة «وعلم» فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الإقرار. فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادي: «اسجدوا» فتطهروا من حدث دعوى «ونحن» بماء العذر في آنية «لا علم لنا» ، فسجدوا على طهارة التسليم وقام إبليس ناحية لم يسجد؛ لأنه خبث، وقد تلون بنجاسة الاعتراض. وما كانت نجاسته تتلاقى بالتطهير؛ لأنها عينية، فلما تم كمال آدم قيل: لا بد من خال جمال على وجه «اسجدوا» ، فجرى القدر بالذنب ليتبين أثر العبودية في الذل. يا آدم لو عفا لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون: كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة. لولا نزولك ما تصاعدت صعداء الأنفاس، ولا نزلت رسائل: « هل من سائل؟» ولا فاحت روائح: « و لخلوف فم الصائم» ، فتبين حينئذ أن ذلك التنازل لم يكن عن شَرَهٍ.

يا آدم، ضحكك في الجنة لك، وبكاؤك في دار التكليف لنا. ما ضر من كسره عزى إذا جبره فضلى، إنما تليق خلعة العز ببدن الانكسار. أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. ما زالت تلك الأكلة تعاده حتى استولى داؤه على أولاده، فأرسل إليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي أطباء الوجود « فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى» سورة طه، الآية 123.فحماهم الطبيب بالمتناهي، وحفظ القوة بالأوامر، وأفرغ أخلاطهم الرديئة بالتوبة، فجاءت العافية من كل ناحية.

فيا من ضيع القوة ولم يحفظها، وخلط في مرضه وما احتمى، ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك، فالداء مترام إلى الفساد. لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات. ولكن بخار الشهوة غطى عين البصيرة، فظننت أن الحزم بيع الوعد بالنقد. يا لها بصيرة عمياء، جزعت من صبر ساعة واحتملت ذل الأبد. سافرت في طلب الدنيا وهي عنها زائلة، وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة. إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير، فاعلم بأنه سفيه.


فوائد مختلفة لما سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب. ابن آدم، لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لقيتك بقرابها مغفرة. لما علم السيد أن ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته ولا قدحا في حكمته، علمه كيف يعتذر إليه: «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه» سورة البقرة، الآية 37.

العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه، ولكن غلبات الطبع، وتزيين النفس والشيطان، وقهر الهوى، والثقة بالعفو، ورجاء المغفرة. هذا من جانب العبد، وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم، وإظهار عز الربوبية وذل العبودية، وكمال الاحتياج، وظهور آثار الأسماء الحسنى: كالعفو والغفور والتواب والحليم، لمن جاء تائبا نادما، والمنتقم والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم المجرة. فهو سبحانه يريد أن يرى عبده يفرده بالكمال ونقص العبد وحاجته إليه. ويشهده كمال قدرته وعزته وكمال مغفرته وعفوه ورحمته، وكمال بره وستره وحلمه وفضله فهو هالك لا محالة. فلله كم في تقدير الذنب من حكمة وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة. التوبة من الذنب كشرب الدواء العليل، ورب علة كانت سبب الصحة.


لعل عتبك محمود عواقبه * * * وربما صحت الأجساد بالعلل


لولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب. ذنب يذل به أحب إليه من طاعة يدل بها عليه. شمعة النصر إنما تنزل في شمعدان الانكسار. لا يكرم العبد نفسه بمثل إهانتها، ولا يعزها بمثل ذلها، ولا يريحها بمثل تعبها، كما قيل:


سأتعب نفسي أو أصادف راحة * * * فإن هوان النفس في كرم النفس


ولا يشبعها بمثل جوعها، ولا يؤمنها بمثل خوفها، ولا يؤنسها بمثل وحشتها من كل ما سوى فاطرها وبارئها ولا يحييها بمثل إماتتها، كما قيل:


موت النفوس حياتها * * * من شاء أن يحيا يموت


شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق من تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة. يا معرقل في شرك الهوى جمزة عزم وقد خرقت الشبكة، لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم. لله ملك السموات والأرض، و استقرض منك حبة فبخلت بها، وخلق سبعة أبحر وأحب منك دمعة فقحطت عينك بها. إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور، والقلب كعبة، والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام. لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك، والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن، غير أن زوبعة الهوى إذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة. سبحان الله، تزينت الجنة للخُطَّاب فجَدُّوا في تحصيل المهر، وتعرف رب العزة إلى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف.


لا كان من لسواك منه قلبه * * * و لك اللسان مع الوداد الكاذب


المعرفة بساط لا يطأ عليه إلا مقرب، والمحبة نشيد لا يطرب عليه إلا محب مغرم. الحب غدير في صحراء ليست عليه جادة، فلهذا قل وارده. المحب يهرب إلى العزلة والخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت إلى الماء والطفل إلى أمه.


وأخرج من بين البيوت لعلني * * * أحدث عنك القلب بالسر خالياً


ليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد. يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه، ليس في أعدائك أضر عليك منك.


ما تبلغ الأعداء من جاهل * * * ما يبلغ الجاهل من نفسه


الهمة العلية من استعد صاحبها للقاء الحبيب، وقدم التقادم بين يدي الملتقى، فاستبشر عند القدوم «وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين» سورة البقرة: الآية 223. تالله ما عدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي، فلا تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض. احذر نفسك، فما أصابك بلاء قط إلا منها، ولا تهادنها، فوالله ما أكرمها من لم يهنها، ولا أعزها من لم يذلها، ولا جبرها من لم يكسرها، ولا أراحها من لم يتعبها، ولا أمنها من لم يخوفها، ولا فرحها من لم يحزنها. سبحان الله، ظاهرك متجمل بلباس التقوى، وباطنك باطية لخمر الهوى، فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته، فتباعد منك الصادقون وانحاز إليك الفاسقون. يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طرداً له، فلا يزال بك حتى يخرجك من المسجد. اصدق في الطلب وقد جاءتك المعونة. قال رجل لمعروف: علمني المحبة، فقال: المحبة لا تجيء بالتعليم.


هو الشوق مدلولاً على مقتل الفنا * * * إذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه

( « المعنى غير واضح، ولعلها: الفتى.» )

ليس العجب من قوله يحبونه، إنما العجب من قوله يحبهم. ليس العجب من فقير مسكين يحب محسناً إليه، إنما العجب من محسن يحب فقيراً مسكيناً.


تجليات الرب

[عدل]

القرآن كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء، وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها، بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح فؤاد عبده فارغاً إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء، كما قيل:


يراد من القلب نسيانكم * * * وتأبى الطباع على الناقل


فتبقى المحبة له طبعاً لا تكلفاً، وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعث قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره. وكلما قوي الرجاء جد في العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه بالبذر، وإذا ضعف رجاؤه قصر في البذر. وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة، انقمعت النفس الأمارة وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات، وانقبضت أعنة رعونتها، فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر. وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع، انبعث منها قوة الامتثال والتنفيذ للطلب والاجتناب للنهي. وإذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم، انبعث من العبد قوة الحياء فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.

وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم، ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم، انبعث من البعد قوة التوكل عليه والتفويض إليه والرضا به وبكل ما يجريه على عبده ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه. والتوكل معنى يلتئم من علم البعد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله به ويختاره له.

وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته والانكسار لعزته والخضوع لكبريائه وخشوع القلب والجوارح له فتعلو السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته، ويذهب طيشه وقوته وحدته.

وجماع ذلك: أنه سبحانه يتعرف إلى البعد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة، والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، و اللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه.

ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له. وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطاؤه في منعه، وبره ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه. ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحمله في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.

وأنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وأفكار المتكلفين، أشهدك ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده، يأمر وينهى، ويرسل الرسل وينزل الكتب، ويرضى ويغضب، ويثبت ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، يرى من فوق سبع ويسمع، ويعلم السر والعلانية، فعال لما يريد، موصوف بكل كمال، منزه عن كل عيب، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يشفع أحد عنده إلى بإذنه، ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع.


فضائل أبي بكر

[عدل]

لما بايع الرسول أهل العقبة أمر الصحابة بالهجرة إلى المدينة، فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه، فأعملت الآراء في استخراج الحيل، فمنهم من رأى الحبس، ومنهم من رأى النفي. ثم اجتمع رأيهم على القتل، فجاء البريد بالخبر من السماء وأمره أن يفارق المضجع، فبات على مكانه ونهض الصِّدِّيق لرفقة السفر. فلما فارقا بيوت مكة اشتد الحذر بالصديق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه، وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه ، وتارة عن يمينه وتارة عن شماله إلى أن انتهيا إلى الغار، فبدأ الصديق بدخوله ليكون وقاية له إن كان ثَمَّ مؤذ. وأنبت الله شجرة لم تكن قبل، فأظلت المطلوب وأضلت الطالب، وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها على منوال الستر، فأحكمت الشقة حتى عمي على القائف المطلب، وأرسل « الله » حمامتين فاتخذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبين غشاوة، وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود.

فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلامهم بسمع الرسول والصديق، قال الصديق وقد اشتد به القلق: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال رسول الله : « يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» لما رأى الرسول حزنه قد اشتد، لكن لا على نفسه، قوى قلبه بشارة « لا تحزن إن الله معنا» سورة التوبة: الآية 40،فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظاً، كما ظهر حكما ومعنى، إذ يقال رسول الله وصاحب رسول الله، فلما مات قيل خليفة رسول الله، ثم انقطعت إضافة الخلافة بموته فقيل أمير المؤمنين.

فأقاما في الغار ثلاثاً ثم خرجا منه ولسان القدر يقول: لتدخلنها دخولاً لم يدخله أحد قبلك ولا ينبغي لأحد من بعدك. فلما استقلا على البيداء لحقهما سراقة بن مالك، فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها، فلما علما أنه لا سبيل له عليهما أخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز ويقدم الزاد إلى شبعان، «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» كانت تحفة ثاني اثنين مدخرة للصديق، دون الجميع، فهو الثاني في الإسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر، وفي سبب الموت؛ لأن الرسول مات عن أثر السم ، وأبو بكر سم فمات.

أسلم على يديه من العشرة: عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص. وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقهما أحوج ما كان الإسلام إليها، فلهذا جلبت نفقته عليه «ما نفعني مال، ما نفعني مال أبي بكر» . فهو خير من مؤمن آل فرعون؛ لأن ذلك كان يكتم إيمانه والصديق أعلن به. وخير من مؤمن آل ياسين؛ لأن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين. عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح: «من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً» سورة البقرة، الآية 245، فألقى له حب المال على روض الرضا واستلقى على فراش الفقر، فنقل الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح، ثم قال في محاريب الإسلام يتلو: «وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى» الليل: 17-18.

نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار، كلما تليت فضائله على الصغار، أترى لم يسمع الروافض الكفار: «ثاني اثنين إذ هما في الغار» التوبة: 40؟ دعي إلى الإسلام فما تلعثم ولا أبى، وسار على المحجة فما زل ولا كبا، وصبر في مدته من مدى العدى على وقع الشبا، وأكثر في الإنفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا.

تالله لقد زاد على السبك في كل دينار دينار «ثاني اثنين إذ هما في الغار» . من كان قرين النبي في شبابه؟ من ذا الذي سبق إلى الإيمان من أصحابه؟ من الذي أفتى بحضرته سريعاً في جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه؟ فاعرفوا حق الجار.

نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الألحاظ. فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ. حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره، ولكن أين الفرار؟. كم وقى الرسول بالمال والنفس، وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس. فضائله جلية وهي خلية عن اللبس.

يا عجبا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحادث. فقال الرسول: ما ظنك باثنين والله الثالث. فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث، فزال القلق وطاب عيش الماكث، فقام مؤذن النصر ينادي على رءوس منائر الأمصار «ثاني اثنين إذ هما في الغار» . حبه والله رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية. فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية. لولا صحة إمامته ما قيل ابن الحنفية. مهلا مهلا، فإن دم الروافض قد فار. والله ما أحببناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانا، ولكن أخذنا بقول علي وكفانا: «رضيك رسول الله لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا» . تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر. تالله لقد وجب حب الصديق علينا، فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنا عينا، فمن كان رافضيًّا فلا يعد إلينا وليقل لي أعذار.


حكم متفرقة

[عدل]

اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك خسرانه. احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق: صادّ عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله، ومفتون بدنياه ورئاسته. من خلق فيه قوة واستعداد لشيء كانت لذته في استعمال تلك القوة فيه، فلذة من خلقت فيه قوة واستعداد للجماع استعمال قوته فيه، ولذة من خلقت فيه قوة الغضب والتوثب استعمال قوته الغضبية في متعلقها، ومن خلقت فيه قوة الأكل والشرب فلذته باستعمال قوته فيهما. ومن خلقت فيه قوة العلم والمعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفها إلى العلم. ومن خلقت فيه قوة الحب لله والإنابة إليه والعكوف بالقلب عليه والشوق إليه والأنس به فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة في ذلك . وسائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فانية وأحمد عاقبتها أن يكون لا له ولا عليه.


عبر وعظات

[عدل]

يا أيها الأعزل احذر فراسة المتقي، فإنه يرى عورة عملك من وراء ستر «اتقوا فراسة المؤمن» حديث شريف رواه الترمذي في سننه، والفراسة - بكسر الفاء- قال في النهاية: يقال بمعنيين: أحدهما، ما دل ظاهر هذا الحديث عليه وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس. والثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس. وللناس فيه تصانيف قديمة وحديثة.

سبحان الله، في النفس: كِبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد ، وجهل أبي جهل. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسوق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع. غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك. فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند، ولا تصلح سلعته لعقد: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ...» سورة التوبة، الآية 111 فما اشترى إلا سلعة هذبها الإيمان فخرجت من طبعها إلى بلد سكانه التائبون العابدون.

سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري، قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها، فسلمها و لك الأمان من الرد. قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها والثمن المبذول فيها والمنادي عليها، فإذا كان المشتري عظيماً والثمن خطيراً والمنادي حائلا كانت السلعة نفيسة.


يا بائعاً نفسه بيع الهوان لو اســـــــ * * * ـترجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب


وبائعاً طيب عيش ما له خطر * * * بطيف عيش من الآمال منتهب


غبنت والله غبنا فاحشا ولدى * * * يوم التغابن تلقى غاية الحرب


وواردا صفو عيش كله كدر * * * أمامك الورد حقا ليس بالكذب


وحاطب الليل في الظلماء منتصبا * * * لكل داهية تدني من العطب


ترجو الشفاء بأحداق بها مرض * * * فهل سمعت ببرء جاء من عطب


ومفنيا نفسه في أثر أقبحهم * * * وصفا للطخ جمال فيه مستلب


وواهبا نفسه من مثل ذا سفها * * * لو كنت تعرف قدر النفس لم تهب


شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب * * * وضاع وقتك بين اللهو واللعب


وشمس عمرك قد حان الغروب لها * * * والفيء في الأفق الشرقي لم يغب


وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت * * * عن أفقه ظلمات الليل والسحب


كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت * * * ورسل ربك قد وافتك في الطلب


ما في الديار وقد سارت ركائب من * * * تهواه للصب من شكر ولا أرب


فافرش الخد ذياك التراب وقل * * * ما قاله صاحب الأشواق والحقب


ما ربع مية محفوفاً يطيف به * * * غيلان أشهى له من ربعك الخرب

« اسم الرجل الذي كان يعشق مية.» 


منازلا كان يهواها ويألفها * * * أيام كان منال الوصل عن كثب


ولا الخدود ولو أدمين من ضرج * * * أشهى إلى ناظري من ربعك الخرب


وكلما جليت تلك الربوع له * * * يهوى إليها هوى الماء في الصبب


أحيي له الشوق تذكار العهود بها * * * فلو دعي القلب للسلوان لم يجب


هذا وكم منزل في الأرض يألفه * * * وما له من سواها الدهر من رغب


ما في الخيام أخو وجد يريحك إن * * * بثثته بعض شأن الحب فاغترب


وأسر في غمرات الليل مهتدياً * * * بنفحة الطيب لا بالعود والحطب


وعاد أخي جبن ومعجزة * * * وحارب النفس لا تلقيك في الحرب


وخذ لنفسك نوراً تستضيء به * * * يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب


إن كان يوجب صبري رحمتي فرضا * * * بسوء حالي وحل الضنا بدني


منحتك الروح لا أبغي لها ثمنا * * * إلا رضاك و وافقري إلى الثمن


أحن بأطراف النهار صبابة * * * وبالليل يدعوني الهوى فأجيب


وإذا لم يكن من العشق بد * * * فمن العجز عشق غير الجميل


فلو أن ما أسعى لعيش معجل * * * كفاني منه بعض ما أنا فيه


ولكنما أسعى لملك مخلد * * * فوا أسفا إن لم أكن بملاقيه


يا من هو من أرباب الخيرة، هل عرفت قيمة نفسك؟ إنما خلقت الأكوان كلها لك. يا من غذي بلبان البر وقلب بأيدي الألطاف، كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة، وصورة وأنت المعنى، وصدف وأنت الدر، و مخيض وأنت الزبد. منشور اختيارنا لك واضح الخط، ولكن استخراجك ضعيف. متى رمت طلبي فاطلبني عندك، اطلبني منك تجدني قريباً ولا تطلبني من غيرك فأنا أقرب إليك منه لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي، إنما أبعدنا إبليس إذ لم يسجد لك، وأنت في صلب أبيك، فواعجبا كيف صالحته وتركتنا! لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك.


ولما ادعيت الحب قالت كذبتني * * * ألست أرى الأعضاء منك كواسيا


لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.


ولو كنت عذري الصبابة لم تكن * * * بطينا وأنساك الهوى كثرة الأكل


لو صحت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب. واعجبا لمن يدعى المحبة ويحتاج إلى من يذكره بمحبوبة، فلا يذكره إلا بمذكر. أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب.


ذكرتك لا أني نسيتك ساعة * * * وأيسر ما في الذكر ذكر لساني


إذا سافر المحبوب للقاء محبوبة ركبت جنوده معه، فكان الحب في مقدمة العسكر، والرجاء يحدو بالمطي والشوق يسوقها والخوف يجمعها على الطريق، فإذا شارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم الحبيب باللقاء.


فداو سقما بجسم أنت متلفه * * * وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه


ولا تكلني على بعد الديار إلى * * * صبري الضعيف فصبري أنت تعلمه


تلق قلبي فقد أرسلته عجلا * * * إلى لقائك والأشواق تقدمه


فإذا دخل على الحبيب أفيضت عليه الخلع من كل ناحية ليمتحن أيسكن إليها فتكون حظه، أم يكون التفاته إلى من ألبسه إياها. ملئوا مراكب القلوب متاعا لا تنفق إلا على الملك، فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب، فما طلع الفجر إلا وهي بالميناء. قطعوا بادية الهوى بأقدام الجد، فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر فأعقبهم الراحة في طريق التلقي، فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الأبد.

فرغ القوم قلوبهم من الشواغل فضربت فيها سرادقات المحبة، فأقاموا العيون تحرس تارة وترش أخرى. سرادق المحبة لا يضرب إلا في قاع نزه فارغ.


نزه فؤادك من سوانا والقنا * * * فجنابنا حل لكل منزه


الصبر طلسم لكنز وصالنا * * * من حل ذا الطلسم فاز بكنزه


اعرف قدر ما ضاع وابك بكاء من يدري مقدار الفائت. لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعدك. لو استنشقت ريح الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور. من استطال الطريق ضعف مشيه:


وما أنت بالمشتاق أن قلت بيننا * * * طوال الليالي أو بعيد المفاوز

« المفاوز: جمع مفازة، وهي الصحراء والأرض القفر التي لا ماء فيها.» 

أما علمت أن الصادق إذا هم ألقى بين عينيه عزمه. إذا نزل آب في القلب حل آذار في العين. هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك. من لاح له حال الآخرة هان عليه فراق الدنيا. إذا لاح للباشق الصيد نسي مألوف الكف. يا أقدام الصبر أجملي بقي القليل. تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة. قد علمت أين المنزل فاحد لها تسر. أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب. وقدم التقادم بين يدي الملتقى فاستبشر بالرضا عند القدوم، « وقدموا لأنفسكم» . الجنة ترضى منك بأداء الفرائض، والنار تندفع عنك بترك المعاصي، والمحبة لا تقنع منك إلا ببذل الروح. لله ما أحلى زمانا تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الاشتياق. لما سلم القوم النفوس إلى رائض الشرع علمها الوفاق في خلاف الطبع فاستقامت مع الطاعة كيف دارت دارت معها.


وإني إذا اصطكت رقاب مطيهم * * * وثور حاد بالرفاق عجول


أخالف بين الراحتين على الحشا * * * وأنظر أني ملثم فأميل


فصل

[عدل]

علمت كلبك فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك وخوفا من سطوتك. وكم علمك معلم الشرع وأنت لا تقبل. حرم صيد الجاهل والممسك لنفسه، فما ظن الجاهل الذي أعماله لهوى نفسه. جمع فيك عقل الملك وشهوة البهيمة وهوى الشيطان وأنت للغالب عليك من الثلاثة: إن غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة ملك، وإن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة كلب. لما صاد الكلب لربه أبيح صيده، ولما أمسك على نفسه حرم ما صاده. مصدر ما في العبد من الخير والشر والصفات الممدوحة والمذمومة من صفة المعطي المانع. فهو سبحانه يصرف عباده بين مقتضى هذين الاسمين، فحظ العبد الصادق من عبوديته بهما الشكر عند العطاء، والافتقار عند المنع، فهو سبحانه يعطيه ليشكره، ويمنعه ليفتقر إليه، فلا يزال شكورا فقيرا.


وكان الكافر على ربه ظهيرا

[عدل]

قوله تعالى: «وكان الكافر على ربه ظهيراً» سورة الفرقان، الآية 55، هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه، وأن المؤمن دائما مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه.وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، فهو مع الله على عدوه الداخل فيه على حرب أعدائه، يحاربهم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه. كما يكون خواص الملك معه على حرب أعدائه، والبعيدون منه فارغون من ذلك، غير مهتمين به، والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه. وعبارات السلف على هذا تدور:

ذكر ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال: عونا للشيطان على ربه بالعداوة والشرك. وقال ليث عن مجاهد قال: يظاهر الشيطان على معصية الله يعينه عليها. وقال زيد بن أسلم: «ظهيرا» أي مواليا. والمعنى: أنه يوالي عدوه على معصيته والشرك به، فيكون مع عدوه معينا له على مساخط ربه.

فالمعية الخاصة التي للمؤمن مع ربه وإلهه قد صارت لهذا الكافر والفاجر الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه، ولهذا صدر الآية بقوله: «ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم» سورة الفرقان، الآية 55، وهذه العبادة هي الموالاة والمحبة والرضا بمعبوديهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة، فظاهروا أعداء الله على معاداته ومخالفته و مساخطه، بخلاف وليه سبحانه، فإنه معه على نفسه وشيطانه وهواه. وهذا المعنى من كنوز القرآن لمن فهمه وعقله، وبالله التوفيق.


والذين إذا ذكروا بآيات ربهم

[عدل]

قوله تعالى: «والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا » سورة الفرقان الآية 73 قال مقاتل: إذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صما لم يسمعوه، وعميانا لم يبصروه، ولكنهم سمعوا وأبصروا وأيقنوا به. وقال ابن عباس: لم يكونوا عليها صما وعميانا، بل كانوا خائفين خاشعين. وقال الكلبي: يخرون عليها سمعا وبصَرا. وقال الفراء: وإذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه، فذلك الخرور. وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني ؛كقولك: قام يشتمني، وأقبل يشتمني، والمعنى على ما ذكر: لم يصيروا عندها صما وعميانا. وقال الزجاج: المعنى: إذا تليت عليهم خروا سجدا وبكيا سامعين مبصرين كما أمروا به. وقال ابن قتيبة: أي لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمي لم يروها. قلت: ههنا أمران: ذكر الخرور وتسليط النفي عليه، وهل هو خرور القلب أو خرور البدن للسجود؟ وهل المعنى: لم يكن خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور بالقلب خضوعا أو بالبدن سجودا، أو ليس هناك خرور وعبر به عن القعود.