كتاب الصلاة وحكم تاركها/فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
المسألة الثامنة وهي هل له فعلها في بتيه أم يتعين المسجد فهذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد احدهما له فعلها في بيته وبذلك قالت الحنفية والمالكية وهو احد الوجهين للشافعية ليس له فعلها في البيت إلا من عذر وفي المسألة قول ثالث فعلها في المسجد فرض كفاية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي القول الأول حديث الرجلين اللذين صليا في رحالهما فإن النبي ندبهما إلى فعلها في المسجد ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما وكذلك حديث محجن بن الأدرع وحديث عبدالله بن عمر وقد تقدمت هذه الاحاديث وفي الصحيحن البخاري رقم 380 مسلم رقم 659 عن انس بن مالك قال كان النبي أحسن الناس خلقا فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا وفي الصحيحين البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 عنه أيضا قال سقط النبي عن فرس فجحش شقة الايمن فدخلنا عليه
نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 و في الصحيحن البخاري رقم 3425 مسلم رقم 520 ايضا عن ابي ذر قال سألت النبي اي مسجد وضع في الارض اول قال المسجد الحرام ثم المسجد الاقصى ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد وصح عنه جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا البخاري رقم 335 مسلم رقم 521 ووجه الرواية الثانية ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة فإنها صريحة في إتيان المساجد وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 عن ابن ام مكتوم أن رسول الله اتى المسجد فرأى في القوم4 رقة فقال إني لأهم أن اجعل للناس إماما ثم اخرج فلا اقدر على انسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا احرقته عليه وفي لفظ لأبي داود رقم 553 ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرق عليهم بيوتهم و قال له ابن ام مكتوم وهورجل اعمى هل تجد لي رخصة ان اصلي في بيتي قال لا أجد لك رخصة ابو داود رقم 552 وقال ابن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم مسلم رقم 654 وعن جابر بن عبدالله قال فقد النبي قوما في صلاة فقال ما
خالفكم عن الصلاة فقالوا الماء كان بيننا فقال لا صلاة لجار المسجد إلا في السمجد رواه الدار قطني السنن 3 / 111 و 174 وقد تقدم هذا المعنى عن علي ابن ابي طالب وغيره من الصحابة فإن خالف وصلى في بيته جماعة من غير عذر ففي صحة صلاته قولان / 111 و 174 على نفي الكمال جمعا بينهما والرواية الأولى اختيار اصحابنا وان حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها فإن الصلاة في المسجد من اكبر شعائر الدين وعلاماته وفي تركها بالكلية او في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم اكثر الخلق عن اصل فعلها ولهذا قال عبدالله بن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم قال وإنما معنى هذه الرواية والله اعلم أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية وعلى الآخرى فرض عين قال ويدل على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار ولو كان
الواجب فعل الجماعة فقط دون الفعل في المسجد لما جاز الجمع لذلك لأن اكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالبا لا يخلو أن تكون عنده زوجة او ولد او غلام او صديق او نحوهم فيمكنه الصلاة جماعة فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت من اجل السنة فلما جاز الجمع علم ان الجماعة في المساجد فرض إما على الكفاية وإما على الاعيان هذا كلامه ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له ان فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار مات رسول الله وبلغ اهل مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو وكان عتاب بنأسيد عاملة على مكة قد توارى خوفا من اهل مكة فأخرجه سهيل وثبت اهل مكة على الأسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب وقال يا اهل مكة والله لا يبلغني أن احدا منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه وشكر لهاصحاب رسول الله هذا الصنيع وزاده رفعة في اعينهم فالذي ندين الله به انه لا يجوز لاحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر والله اعلم بالصواب