انتقل إلى المحتوى

كتاب الزهرة/الباب السبعون ذكر من هجي بقبح خلقته وعيب بسوء خليقته

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب السبعون ذكر من هجي بقبح خلقته وعيب بسوء خليقته

أنشدني بعض أهل الأدب في أبي يعلى الكاتب:

نعمة الله لا تُعاب ولكن
ربَّما استُقْبحت علَى أقوامِ
لا يليقُ الغنَى بوجه أبي يعلى
لا ولا نُور بهجةَ الإسلامِ
وسخ الثَّوب والقلانِسِ والبِرْ
ذونِ والوجه والقَفَا والغُلامِ
لا تمسّوا دواته فتصيبوا
من دماءِ الحُسين في الأقلامِ

وقال آخر:

خنازير نامُوا عن المكرمات
فقام بهم قائمٌ لم يَنَمْ
فيا قُبحهُمْ في الَّذي مُلِّكوا
ويا حُسنهمْ في زَوال النِّعمْ

وقال آخر:

لستُ أدري ما أُسمِّي رجُلاً
قلَّ منه ملحُهُ حتَّى مَلح
فهو كالقرد إذا استقبحتُهُ
زادَ في عينيك حُسناً ما قَبح

وقال آخر:

يا مَن تبرَّمتِ الدُّنيا بطلعته
كما تبرَّمت الأجفان بالسُّهدِ
يمشي علَى الأرضِ مختالاً فأحسبُه
من بغض طلعته يمشي علَى الكبدِ
لو كانَ للخلق جزءٌ من سماحته
لم يقدم الموت إشفاقاً علَى أحدِ

وقال آذرست المعلم:

لنا صاحبٌ مُولَع بالمراء
كثيرُ الجدال قليلُ الصَّواب
ألجّ لجاجاً من الخُنفساء
وأزهَى إذا ما مشَى من غراب

وقال محمد بن حازم الباهلي:

يطول بقربك اليوم القصيرُ
ويَرحل إن مررت بنا السُّرورُ
لقاؤك للمبكِّر فأل سوءٍ
ووجهكَ أربعاءٌ لا تدورُ

وقال آخر:

عذرُك عندي بكَ مبسوطُ
والذَّنبُ عن مثلك محطوطُ
ليس بمسخُوط فعالُ امرئ
كلُّ الَّذي يفعل مسخوطُ
قد كانَ حظّاً لك مُسترجحاً
لو كانَ في أمرك تخليطُ

وأنشدني أحمد بن أبي طاهر:

ويومٍ كنارِ الشَّوق في القلبِ حرَّهُ
علَى أنَّه منه أحرُّ وأرقَدُ
ظللتُ به عندَ المبرِّدِ قائظاً
فما زلتُ في ألفاظهِ أتبرَّدُ

وقال آخر:

رأيتكَ قائلاً للشَّاة فرِّي
وللذِّئب العشا قبل الرَّواحِ
وللرَّكب المُعرى لا تنامُوا
وللّصّ الوجا قبل الصَّباحِ

وقال آخر يصف شناعة أبي جهل:

وشاعرٍ يهتكُ من عِرضه
أضعافَ ما يهتكُ من عِرضي
عجبتُ لمَّا جاءني شِعرُهُ
وبعضُهُ يسخرُ من بعضِ

ومن خبيث الهجاء قول الآخر:

أحسن ما في خالدٍ وجُهُ
فقِسْ علَى الغائب بالشَّاهدِ

ومثله:

قَبُحتْ مناظرهمْ فحينَ خَبرتُهمْ
حَسُنتْ مناظِرهم بقُبحِ المخبَرِ

وقال الحطيئة يهجو ابنته:

تنحَّيْ فاجلسِي منِّي بعيداً
أراحَ اللهُ منكِ العالمينَا
حياتكِ ما علمتُ حياةَ سوءٍ
وموتُكِ قد يسرُّ الصَّالحينا
أغِربالاً إذا استُودِعتِ سرّاً
وكانُوناً علَى المتحدِّثينا

وقال أعرابيّ يهجو أباه، وذلك أنَّه دخل على كسرى، فلما نظر إلى حسن مقاصيره وبهاء مملكته أنشأ يقول:

لكسرى كانَ أعقلَ من تميمٍ
ليالي فرَّ من بلدِ الضَّبابِ
فأسكن أهلَهُ ببلادِ رحبٍ
وأشجارٍ وأنهارٍ عذابِ
فصارَ بنو أبيه بها ملوكاً
وصرن نحنُ أشباه الكلابِ
فلا رحم الإله هدى تميمٍ
لقد أزرى بنا في كلِّ بابِ

وقال آخر يمدح أباه ويهجو نفسه:

ورِثنا المجدَ عن آباء صدقٍ
أسأنا في ديارهمُ الصَّنيعا
إذا البيتُ الرَّفيع تعاورتهُ
بُناة السَّوْء أوشك أن يضيعا

وقال آخر:

أبوكَ أبٌ حُرٌّ وأمُّكَ حُرّةٌ
وهل يلِدُ الحُرّانِ غيرَ نجيبِ
فلا يعجبنَّ النَّاسُ منكَ ومنهما
فما خبَثٌ من فضة بعجيبِ