انتقل إلى المحتوى

كتاب الأم - المجلد السابع5

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

باب ما يقتل المحرم من الدواب قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نأخذ وهو عندنا جواب على المسألة فكل ما جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الإحلال وأن يكون مضرا قتله المحرم لأن النبي إذا أمر المحرم أن يقتل الفأرة والغراب والحدأة مع ضعف ضرها إذ كانت مما لا يؤكل لحمه كان ما جمع أن لا يؤكل لحمه وضره أكثر من ضرها أولى أن يكون قتله مباحا في الإحرام. قلت: قد قال مالك: لا يقتل المحرم من الطير ما ضر إلا ما سمى وقال بعض أصحابه: كان قول النبي : خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم جناح يدل على أن ما سواهن على المحرم في قتله جناح. قال الشافعي رحمه الله: أفرأيتم الحية أسميت فقد زعم مالك عن ابن شهاب: أن عمر أمر بقتل الحيات في الحرم. قلت: فيراها كلبا عقورا. قال: أو تعرف العرب أن الحية كلب عقور إنما الكلب عندها السبع والكلاب التي خلقها الله متقاربة كخلق الكلب. فإن قلتم: إنها قد تضر فتقتل قيل غير مكابرة كما زعم صاحبكم: إن الكلب العقور ما عدا على الناس فأخافهم وهي لا تعدو مكابرة وإن


صفحة : 2743

ذهبتم إلى أنها تضر هكذا فقد أمر عمر بن الخطاب أن يقتل الزنبور في الإحرام والزنبور إنما هو كالنحلة فكيف لم تأمروا بقتل الزنبور وقد أمر به عمر وأمرتم بقتل الحية إذ أمر بها عمر ما أسمعكم تأخذون من الأحاديث إلا ما هديتم. قال الشافعي رحمه الله تعالى. وقلتم: يقتل المحرم الفأرة الصغيرة ولا يقتل الغراب الصغير. وإذا قلتم هذا فقد أباحه النبي ومنعتموه فإن قلتم: إنما أباح قتله على معنى أنه يضر والصغير لا يضر في حاله تلك. فالفأرة الصغيرة لا تضر في حالها تلك فلا بد أن تخالفوا النبي في الغراب الصغير والفأرة الصغيرة. وهذا حجة عليكم إذ زعمتم أن الغراب يقتل لمعنى ضرره فينبغي أن تقتل العقاب لأنها أضر منه فإن قال: لا. بل الحديث جملة لا لمعنى قيل: فلم لا يقتل الغراب الصغير لأنه غراب سألت الشافعي عمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يرمي قال: يفعل ولا فدية ولا حرج. وكذلك كل ما كان يعمل في ذلك اليوم فقدم منه شيئا قبل شيء ناسيا أو جاهلا عمل ما يبقى عليه ولا حرج. فقلت: وما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: وقف رسول الله في حجة الوداع للناس بمنى يسألونه فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: لا ارم ولا حرج فما سئل رسول الله عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج قال الشافعي رحمه الله وبهذا كله نأخذ.

كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .

صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا

يتوقف فيه إلا جاهل غبي.

والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه

الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن

يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما

سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.

وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله


صفحة : 2744


باب الشركة في البدنة سألت الشافعي: هل يشتري السبعة جزورا فينحرونها عن هدي إحصار أو تمتع قال: نعم. قلت: وما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا نحروا مع رسول الله عام الحديبية بدنة عن سبعة وبقرة عن سبعة والعلم يحيط أنهم من أهل بيوتات شتى لا من أهل بيت واحد. فتجزىء البدنة والبقرة عن سبعة متمتعين ومحصورين وعن كل سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة إذا لم يجدوا شاة. وسواء اشتروها وأخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أو ملكوها بأي وجه ما كان ملك ومن زعم أنها تجزىء عن سبعة لو وهبت لهم أو ملكوها بوجه غير الشراء كانت المشتراة أولى أن تجزىء عنهم. قلت للشافعي فإنا نقول: لا تذبح البدنة إلا عن واحد ولا البقرة وإنما يذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته فأما أن يخرج كل إنسان منهم حصة من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فلا وإنما سمعنا لا يشترك في البدنة في النسك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد يجوز أن يقال: لا يشترك في النسك أن يوجب الرجل النسيكة ثم يشرك فيها غيره وليس في هذا لأحد حجة ولأنه كلام عربي ولا حجة مع النبي . وهذا فعل النبي وأصحابه أهل الحديبية فكان ينبغي أن يكون هذا العمل عندكم لا تخالفونه لأنه فعل النبي وألف وأربعمائة من أصحابه. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقال لنا النبي : أنتم اليوم خير أهل الأرض قال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة وأنتم تجعلون قول الواحد وفعله حجة في بعض الأشياء فإذا وجدتم السنة وفعل ألف وأربعمائة من أصحاب النبي فهو أوجب عليكم أن تجعلوه حجة.

ID ' ' ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت

جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت

عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها

هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت


صفحة : 2745


باب التمتع في الحج سألت الشافعي عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: حسن غير مكروه وقد فعل ذلك بأمر النبي وإنما اخترنا الإفراد لأنه ثبت أن النبي أفرد غير كراهية للتمتع. ولا يجوز إذا كان فعل التمتع بأمر النبي أن يكون مكروها فقلت للشافعي: وما الحجة فيما ذكرت قال: الأحاديث الثابتة من غير وجه وقد حدثنا مالك بعضها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحرث بن نوفل: أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يتذاكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد: بئسما قلت يا ابن أخي. فقال الضحاك: فإن عمر قد نهى عن ذلك فقال سعد: قد صنعها رسول الله وصنعناها معه . فقلت للشافعي: قد قال مالك: قول الضحاك أحب إلي من قول سعد وعمر أعلم برسول الله من سعد. قال الشافعي: عمر وسعد عالمان برسول الله وما قال عمر عن رسول الله شيئا يخالف ما قال سعد إنما روى مالك عن عمر أنه قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج. ولم يرو عنه أنه نهى عن العمرة في أشهر الحج. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة وكنت ممن أهل بعمرة. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت للنبي : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي. قال الشافعي أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أعتمر بعد الحج في في الحجة.

قال الشافعي رحمه الله تعالى: فهذان الحديثان من حديث مالك موافقان ما قال سعد من أنه عمل بالعمرة مع رسول الله  في أشهر الحج. فكيف جاز لكم وأنتم ترون هذا أن تكرهوا العمرة فيه وأنتم تثبتون عن النبي  فيما وصفت وادعيتم من خلاف عمر وسعد وعمر لم يخالف سعدا عن النبي  إنما اختار شيئا غير مخالف لما جاء عن النبي . وقد تتركون أنتم على عمر اختياره 
 

صفحة : 2746

وحكمه الذي هو أكثر من الاختيار لما جاء عن النبي ثم تتركونه لما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله ثم تتركونه لقولكم. فإذا جاز لكم هذا فكيف يجوز لكم أن تحتجوا بقوله على السنة وأنكم تدعون أنه خالفها وهو لا يخالفها وما رويتم عنه يدل على أنه لا يخالفها فادعيتم خلاف ما رويتم وتخالفون اختياره.

باب الطيب للمحرم سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام وبعد رمي الجمرة والحلاق قبل الإفاضة: فقال: جائز وأحبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن رسول الله والأخبار عن غير واحد من أصحابه. فقلت: وما الحجة فيه فقال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت. فقلت للشافعي: فإنا نكره الطيب للمحرم ونكره الطيب قبل الإحرام وبعد الإحلال قبل أن يطوف بالبيت ونروي ذلك عن عمر بن الخطاب فقال الشافعي: إني أراكم لا تدرون ما تقولون فقلت: ومن أين. فقال: أرأيتم نحن وأنتم بأي شيء عرفنا أن عمر قاله أليس إنما عرفنا بأن ابن عمر رواه عن عمر فقلت: بلى. فقال: وعرفنا أن النبي تطيب بخبر عائشة فقلت: بلى. قال: وكلاهما صادق. فقلت: نعم. فإذا علمنا بأن النبي تطيب وأن عمر نهى عن الطيب علما واحدا هو خبر الصادقين عنهما معا فلا أحسب أحدا من أهل العلم يقدر أن يترك ما جاء عن النبي لغيره. فإن جاز أن يتهم الغلط على بعض من بيننا وبين النبي ممن حدثنا جاز مثل ذلك على من بيننا وبين عمر ممن حدثنا بل من روى عن عائشة تطيب النبي أكثر ممن روى عن ابن عمر: نهى عمر عن الطيب. روى عن عائشة: سالم والقاسم وعروة والأسود بن يزيد وغيرهم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأراكم إذا أصبتم لم تعقلوا من أين أصبتم وإذا أخطأتم لم تعرفوا سنة تذهبون إليها فتعذروا بأن تكونوا ذهبتم إلى مذهب بل أراكم إنما ترسلون ما جاء على ألسنتكم عن غير معرفة إنما كان ينبغي أن تقولوا: من كره الطيب للمحرم إنما نهى عن الطيب أنه حضر النبي بالجعرانة حين سأله أعرابي أحرم وعليه جبة وخلوق فأمره بنزع الجبة وغسل الصفرة. فقلت للشافعي: أفترى لنا بهذا حجة أو إنما هذا


صفحة : 2747

 شبهة وما الحجة على من قال هذا قال: إن كان قاله بهذا فقد ذهب عليه أن النبي  تطيب فقال بما حضر. وتطيب النبي  في حجة الإسلام سنة عشر وأمر الأعرابي قبل ذلك بسنتين في سنة ثمان فلو كانا مختلفين كان إباحته التطيب ناسخا لمنعه وليسا بمختلفين إنما نهى النبي  أن يتزعفر الرجل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي  نهى أن يتزعفر الرجل. قال الشافعي وأمر الرجل أن يغسل الزعفران عنه. وقد تطيب سعد بن أبي وقاص وابن عباس للإحرام وكانت الغالية ترى في مفارق ابن عباس مثل الرب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال: قال عمر: من رمى الجمرة فقد حل ما حرم عليه إلا النساء والطيب وقال سالم: قالت عائشة: طيبت رسول الله  بيدي وسنة رسول الله  أحق أن تتبع. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم فالعلم إذا إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون منه ما شئتم تأخذون بلا تبصر لما تقولون ولا حسن روية فيه. أرأيتم إذا خالفتم السنة هل عرفتم ما قلتم كرهتم الطيب قبل الإحرام لأنه يبقى بعد الإحرام وقد كان الطيب حلالا فإذ كرهتموه إذا كان يبقى بعد الإحرام فلا وجه لقولكم إلا أن تقولوا: وجدناه إذا كان محرما ممنوعا أن يبتدىء طيبا فإذا تطيب قبل يحرم فما يبقي كان كابتداء الطيب في الإحرام. قلت: فأنتم تجيزون بأن يدهن المحرم بما يبقي لينه وذهابه الشعث ويرجل الشعر. قال: وما هو قلت: ما لا طيب فيه مثل الزيت والشيرق وغيره. قال: هذا لا يصلح للمحرم أن يبتدىء الادهان به ولو فعل وجبت عليه كفارة المتطيب عندنا وعندكم. 
وإنما كان ينبغي أن تقولوا: لا يدهن بشيء يبقى في رأسه لينه ساعة أو تجيزوا الطيب إذا كان قبل الإحرام ولو لم يكن في هذا سنة تتبع انبغى أن لا يقال إلا واحد من هذين القولين. 

ID ' '   خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 

صفحة : 2748


باب في العمري 
قال: سألت الشافعي عمن أعمر عمرى له ولعقبه فقال: هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها. فقلت: وما الحجة فقال: السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي . قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن رسول الله  قال:  أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث  قال: وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل العلم. وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي  فقلت للشافعي: فإنا نخالف هذا. فقال: أتخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله  فقلت: إن حجتنا فيه أن مالكا قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما أجابه القاسم عن العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم. فإن ذهب إلى أن يقول: العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد شرط الناس في أموالهم شروط لا تجوز لهم. فإن قال قائل: وما هي قيل: الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل. فإن قال: السنة تدل على إبطال هذا الشرط. قلنا: والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى. فلم أخذت بالسنة مرة وتركتها مرة قول القاسم لو كان قصد به قصد العمرى فقال: إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي . فإن قال قائل: ولم قيل: نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه. وكذلك علمنا قول النبي  في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي  وغيره. فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي  أرجح ممن روى هذا عن القاسم. لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله  أولى أن يقال به مما قاله أناس بعده. قد يمكن أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله ولا بلغهم عنه شيء وأنهم لناس لا نعرفهم. فإن قال قائل: لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي صلى الله 
 

صفحة : 2749

 عليه وسلم سنة ولا يجمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجمعون إلا من جهة السنة. قيل له: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليمة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاثة فإذا قيل لكم: تتركون قول القاسم والناس: إنها تطليقة. قلتم: لا ندري من الناس الذين يروي هذا عنهم القاسم فإن لم يكن قول القاسم والناس حجة عليكم في رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله  حجة أبعد. ولئن كان حجة لعله أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قولرسول الله . قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال: إني وهبت لابني ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر: هي له حياته وموته. فقال: إني تصدقت عليه بها قال: ذلك أبعد لك منها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله. إلا أنه قال: أضنت واضطربت - يعني - كبرت واضطربت. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي . قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي  قال:  العمرى للوارث  . قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر أن رسول الله  قال:  لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله سبيل الميراث  . 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال: حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال له الأعمى: يا أبا أمية بم قضيت لي فقال له شريح: لست أنا قضيت لك ولكن محمد  قضى لك منذ أربعين سنة قال:  من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات  . قال الشافعي فتتركون ما وصفت من العمرى مع ثبوته عن رسول الله  وقول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهذا عندكم عمل بعد النبي  لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم أفتى في رجل قال لأمة قوم: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة. ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس. والله أعلم. 

 

صفحة : 2750

 قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: تستحب العقيقة ولو بعصفور قلت للشافعي: فإنا نقول ليس عليه العمل ولا نلتفت إلى قول تستحب. قال: قد يمكن أن لا يكون استحبها إلا أهل العلم بالمدينة. قال الشافعي أخبرنا الثقفي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أصيبوا يقضى لهم بقدر ما يعقلهم قومهم بينهم. قلت: فإنا نقول في اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ولا نلتفت إلى رواية سليمان بن يسار إن الناس. 
قال الشافعي سليمان مثل القاسم في السن أو أسن منه فإن كانت لكم حجة بقول القاسم الناس فهي عليكم بقول سليمان بن يسار ألزم لأنه لا يثبت عن النبي  في اليهودي والنصراني قول. 

باب في الحربي يسلم 
سألت الشافعي عن المشركين الوثنيين الحربيين يسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج أقام المسلم منهما في دار الإسلام أو خرج فقال: ذلك كله سواء ولا يحل للزوج إصابتها ولا له أن يصيبها إذا. كان واحدا منهما مسلما ونظرتهما انقضاء العدة. فإن انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما وكذلك ولو كان الزوج المسلم فانقضت عدة المرأة قبل. أن تسلم هي انقطعت العصمة بينهما لا اختلاف بين الزوج والمرأة في ذلك. فقلت له: علام اعتمدت في هذا فقال: على ما لا أعلم من أهل العلم بالمغازي في هذا اختلافا من أن أبا سفيان أسلم قبل امرأته وأن امرأة صفوان وعكرمة أسلمتا قبلهما ثم استقروا على النكاح وذلك أن آخرهم إسلاما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة وفيه أحاديث لا يحضرني ذكرها وقد حضرني منها حديث مرسل وذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب أن صفوان بن أمية هرب من الإسلام ثم أتى النبي  وشهد حنينا والطائف مشركا وامرأته مسلمة واستقرا على النكاح. قال ابن شهاب: فكان بين إسلام صفوان وامرأته نحو من شهر. فقلت له: أرأيت إن قلت: مثل إذا أسلمت قبل زوجها خرجت من الدار أو لم تخرج ثم أسلم الزوج فهما على النكاح ما لم تنقض العدة وإذا أسلم الزوج قبل المرأة وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول:  ولا تمسكوا بعصم الكوافر  . قال الشافعي إذا يدخل عليكم - والله أعلم - خلاف التأويل والأحاديث والقياس. وما القول في رجل يسلم قبل 

صفحة : 2751

 امرأته والمرأة قبل زوجها إلا واحد من قولين: أنتم قوم لم تعرفوا فيه الأحاديث أو عرفتموها فرددتموها بتأويل القرآن. فإذا تأولتم قول الله:  ولا تمسكوا بعصم الكوافر  لم تعدوا أن تكونوا أردتم بقوله تبارك وتعالى: أنه إذا أسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما مكانه وأنتم لم تقولوا بهذا وزعمتم أن العصمة إنما تنقطع بينهما إذا عرض على الزوجة الإسلام فأبت. وقد يعرض عليها الإسلام من ساعتها ويعرض عليها بعد سنة وأكثر فليس هذا بظاهر الآية. ولم تقولوا في هذا بخبر ولا يجوز أن يقال بغير ظاهر الآية إلا بخبر لازم. فقلت: فإن قلت: يعرض عليها الإسلام من ساعتها. قال الشافعي: أفليس يقيم بعد إسلامه قبل يفرق بينهما أو رأيتم إن كانت غائبة عن موضع إسلامه أو بكماء لا تكلم أو مغمى عليها فإن قلتم: تطلق فقد تركتم العرض. 
وإن قلتم: ينتظر بها فقد أقامت في حباله وهي كافرة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة. مثلها قال الله تعالى:  فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعونهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن  فسوى بينهما وكيف فرقتم بينهما قال الشافعي هذه الآية في معنى تلك لا تعدو هاتان الآيتان أن تكونا تدلان على أنه: إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين فقد انقطعت العصمة بينهما. أو يكون لا يحل له في تلك الحال ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما. فإن كان هذا المعنى لم يصلح أن تكون المدة إلا بخبر يلزم لأن رجلا لو قال: مدتهما ستة أشهر أو يوم لم يجز هذا من قبل الرأي إنما يجوز من جهة الأخبار اللازمة. فلما سن رسول الله  في امرأة أبي سفيان وكان أبو سفيان قد أسلم هو وامرأته هند مقيمة بمكة - وهي دار حرب - وأمرت بقتله ثم أسلمت بعد أيام فاستقرا على النكاح. وهرب عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية من الإسلام وأسلمت زوجتاهما ثم أسلما فاستقرا على النكاح. 
وكان ابن شهاب حمل أحد الحديثين أو هما معا فذكر فيه توقيت العدة دل ذلك على انقطاع العصمة بين الزوجين إن انقضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما لا أن انقطاع العصمة هو أن يكون أحدهما مسلما ويكون الفرج ممنوعا حين يسلم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقيل لبعض من يذهب إلى التفريق بين الزوج يسلم قبل المرأة والمرأة تسلم قبل الزوج: أتجهلون امرأة أبي سفيان قالوا: لا ولكن كان الذي بين إسلامهما يسيرا. قيل: أما علمتم أن أبا سفيان قد أسلم وقد أقامت هند على الكفر ثم أسلمت فاستقرا على النكاح. قال: بلى. 

 

صفحة : 2752

 قيل: أو ليس بقيت عقدته عليها وقد أسلم قبلها قال: بلى قيل: فلو كان معنى الآية:  ولا تمسكوا بعصم الكوافر  على أنه متى أسلم حرمت كنتم قد خالفتم الآية وقولكم وعلمتم  أن السنة في هند على غير ما قلتم. وإذا كان:  لا تمسكوا بعصم الكوافر  جاءت عليهم مدة لم تسلم فيها فالمدة لا تجوز إلا بخبر يلزم مثله. قال الشافعي: وأنتم إذا قلتم: لا يفسخا بينهما حتى يعرض عليها الإسلام فتأباه فإذا عرض عليها الإسلام فأبته انفسخ النكاح. قيل: فإذا كانت ببلاد نائية فإذا انقضت عدتها انفسخ النكاح وإن لم يعرض عليها الإسلام وهذا خارج من الوجهين. والمعقول إن كان يقطع العصمة أن يسلم الزوج قبلها انبغى أن نخرجها من يده قبل عرض الإسلام وإن كان ذلك بمدة فالمدة التي نذهب إليها نحن وأنتم: العدة. 

باب في أهل دار الحرب 
سألت الشافعي عن أهل الدار من أهل الحرب يقتسمون الدار ويملك بعضهم على بعض على ذلك القسم ويسلمون ثم يريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسمه على قسم الإسلام فقال: ليس ذلك له. قلت: ما الحجة في ذلك قال: الاستدلال بمعنى الإجماع والسنة. قلت: وأين ذلك. قال: أرأيت أهل دار الحرب إذا سبى بعضهم بعضا وغصب بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت الدماء وأقررت الأرقاء في يدي من أسلموا وهم رقيق لهم والأموال لأنهم ملكوها عليهم قبل الإسلام. فإذا ملكوا بقسم الجاهلية فما ذلك الملك بأحق وأولى أن يثبت لمن ملكه من ملك الغصب والاسترقاق لمن كان حرا مع أنه أخبرنا مالك عن ثور بن يزيد الديلي أنه قال: بلغني أن رسول الله  قال:  أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام لم تقسم فهي على قسم 
ID ' '   والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 2753


باب البيوع 
سألت الشافعي عن الرجل يأتي بذهب إلى دار الضرب فيعطيها الضراب بدنانير مضروبة وزنها على وزنها قال: هذا الربا بعينه المعجل. قلت: وما الحجة قال: أخبرنا مالك عن موسى بن أبي تميم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله  قال:  الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال:  لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض  فقلت للشافعي: فإنا نزعم أنه لا بأس بهذا قال: فهذا الذكي نهى عنه النبي  بعينه فكيف أجزتموه قال: هذا من ضرب قولكم في اللحم: أنه لا بأس أن يباع بعضه ببعض بغير وزن بالبادية وحيث ليس موازين فإن كان اللحم من الطعام الذي نهى عنه إلا مثلا بمثل فقد أجزتموه وإن لم يكن منه فلم تحرمونه في القرية وتجيزونه في البادية وأنتم لا تجيزون بالبادية تمرا بتمر إلا مثلا بمثل. وإن لم يكن في البادية مكيال وأجزتم هذا في الخبر أن يباع بعضه ببعض بغير وزن إذا تحرى في القرية والبادية وفي البيض وما أشبهه سألت الشافعي: متى يجب البيع حتى لا يكون للبائع نقضه ولا للمشتري نقضه إلا من عيب قال: إذا تفرق المتبايعان بعد عقدة البيع من المقام الذي تبايعا فيه. فقلت: وما الحجة في ذلك قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله  قال:  المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار فقلت له: فإنا نقول ليس لذلك عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه. قال الشافعي: الحديث بين لا يحتاج إلى تأويل ولكني أحسبكم التمستم العذر من الخروج منه بتجاهل كيف وجه الحديث وأي شيء فيه يخفى عليه. قد زعمتم أن عمر قال لمالك بن أوس حين اصطرف من طلحة بن عبيد الله بمائة دينار فقال له طلحة: أنظرني حتى يأتي خازني من الغابة فقال: لا والله لا تفارقه حتى تقبض منه فزعمتم أن الفراق فراق الأبدان فكيف لم تعلموا أن النبي  قال:  المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا  أن الفراق فراق الأبدان فإن قلتم: ليس هذا أردنا إنما أردنا أن يكون عمل به بعده فابن عمر الذي سمعه من النبي  كان إذا ابتاع الشيء يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع. أخبرنا بذلك سفيان عن ابن جريج عن نافع 
 

صفحة : 2754

 عن ابن عمر وقد خالفتم النبي  وابن عمر جميعا. 
سألت الشافعي عن بيع الساج المدرج والقبطية وبيع الأعدال على البرنامج على أنه واجب بصفة أو غير صفة قال: لا يجوز من هذا شيء إلا لمشتريه الخيار إذا رآه. قلت: وما الحجة في ذلك. قال: أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله  نهى عن الملامسة والمنابذة فقلت للشافعي: فإنا نقول في الساج المدرج والقبطي المدرج لا يجوز بيعهما لأنهما في معنى الملامسة ونزعم أن بيع الأعدال على البرنامج يجوز. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فالأعدال التي لا ترى أدخل في معنى الغرر المحرم من القبطية والساج يرى بعضه دون بعض ولأنه لا يرى من الأعدال شيء وأن الصفقة تقع منها على ثياب مختلفة. فقلت للشافعي: إنما نفرق بين ذلك لأن الناس أجازوه. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما علمت أحدا يقتدى به في العلم أجازه فإن قلتم: إنما أجزناه على الصفة فبيوع الصفات لا تجوز إلا مضمونة على صاحبها بصفة يكون عليه أن يأتي بها بكل حال وليس هكذا بيع البرنامج. أرأيت لو هلك المبيع أيكون على بائعه أن يأتي بصفة مثله. فإن قلتم: لا فهذا لا بيع عين ولا بيع صفة. 

ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 

صفحة : 2755


باب بيع الثمر 
سألت الشافعي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه. فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي  نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه نهى البائع والمشتري. قال الشافعي وبهذا نأخذ. وفيه دلائل بينة منها: أن رسول الله  إذ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال: وصلاحه أن ترى فيه الحمرة أو الصفرة لأن الآفة قد تأتي عليه أو على بعضه قبل بلوغه أو يجد بسرا وهو في الحال التي نهى عنها ظاهر يراه البائع والمشتري كما كانا يريانه إذا ريئت فيه الحمرة بما وصفنا من معنى: أن الآفة ربما كانت فقطعته أو نقصته كانت كل ثمرة مثله لا يحل أن تباع أبدا حتى تزهى وينضج منها ذلك وبهذا قلنا. وقد قلتم بالجملة وقلنا: لا يحل بيع القثاء ولا الخربز وإن ظهر وعظم حتى يرى فيه النضج. قال الشافعي وقلنا: فإذا لم يحل بيع القثاء والخربز حتى يرى فيه النضج كان بيع ما لم يخرج من القثاء والخربز أحرم لأنه لم يبد صلاحه ولم يخلق ولا يدرى لعله لا يكون. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إذا ظهر شيء من القثاء حل أن تباع ثمرته تلك وما خلق من القثاء ما نبت أصله. قال الشافعي: وقد نهى رسول الله  عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فلم أجزتم بيع شيء لم يخلق بعدة ونهى رسول الله  عن بيع السنين وبيع السنين بيع الثمر سنين. فإن زعمتم أنه يجوز في النخل إذا طابت العام أن ثمرته قابلا فقد خالفتم ما روي عن النبي  من الوجهين. وإن زعمتم أن بيع ثمرة لم تأت لا يحل فكذلك كان ينبغي أن تقولوا في القثاء والخربز. سألت الشافعي عن القثاء والخربز والفجل يشترى أيكون لمشتريه أن يبيعه قبل أن يقبضه فقال: لا. ولا يباع شيء منه بشيء منه متفاضلا يدا بيد. 
قلت للشافعي: وما الحجة في ذلك. فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر فقلت للشافعي: فإنا نقول كما قلت: لا يباع حتى يقبض ولا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: هذا خلاف السنة في بعض القول. 
قلت: ومن أين قال: زعمتم أنه لا يباع حتى يقبض وزعمتم أنه لا يباع بعضها ببعض نسيئة وهذا في حكم الطعام من التمر والحنطة ثم زعمتم أنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد وهذا خلاف حكم الطعام وهذا قول لا يقبل من أحد من الناس. إما أن تكون خارجة من الطعام فلا بأس عندكم أن تباع قبل أن تقبض ويباع منها واحد بعشرة من صنفه نسيئة أو 
 

صفحة : 2756

 تكون طعاما فلا يجوز الفضل في الصنف منها على الآخر من صنفه يدا بيد. 
باب ما جاء في ثمن الكلب سألت الشافعي عن الرجل يقتل الكلب للرجل. فقال: ليس عليه غرم. فقلت: وما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي   نهى عن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن  قال مالك: وإنما أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري لنهي النبي  عن ثمن الكلب.  نحن نجيز الرجل أن يتخذ الكلاب الضواري ولا نجيز له أن ببيعها لنهي النبي  وإذا حرمنا ثمنها في الحال التي يحل اتخاذها فيه اتباعا لأمر النبي  لم يحل أن يكون لها ثمن بحال. قلت قال الشافعي: فإنا نقول: لو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه. فقال الشافعي: هذا خلاف حديث رسول الله  والقياس عليه وخلاف أصل قولكم كيف يجوز أن تغرموه ثمنه في الحال التي تفوت فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التي يحل أن ينتفع به فيها فإن قال قائل: فإن من المشرقيين من زعم أنه إذا قتل ففيه ثمنه ويروى فيه أثرا فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون الحديث الذي في النهي عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما. ويقولون: لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شيء على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا دبغت حل بيعها. ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ. ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل له إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها. ولو استهلكها مستهلك - وهي خمر - أو بعد ما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لأن أصلها محرم ولم تصر خلا. لأنهم يعقلون ما يقولون وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذي ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله : نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا أو رأيتم لو قال لكم قائل: لا أجعل له ثمنا إذا قتل لأنه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ. هل الحجة عليه إلا أن يقال: ما كان له مالك وكان له 
 

صفحة : 2757

 ثمن في حياته كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الأخرى. 

باب في الزكاة 
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي  قال:  ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة  قال: وبهذا نقول وثقولون في الجملة ثم خافتموه في معان وقد زعمتم وزعمنا أن لا يضم صنف طعام إلى غيره لأنا إذا ضممناها فقد أخذنا فيما دون خمسة أوسق. فإن في حديث النبي  ما يبين أنه لا يكون في خمسة أوسق صدقة حتى تكون من صنف واحد ثم زعمتم أنكم تضمون الحنطة والسلت والشعير معا لأن سعدا لم يجز الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل. قال الشافعي وقد قال النبي :  بيعوا الحنطة بالشعير كيف شئتم يدا بيد  ولم يقل في السلت شيئا علمته. والسلت غير الحنطة والتمر من الزبيب أقرب من السلت من الحنطة وأنتم لا تضمون أحدهما إلى الآخر. وزعمتم أنكم تضمون القطنية كلها بعضها إلى بعض وتزعمون أن حجتكم فيها أن عمر أخذ من القطنية العشر ونحن وأنتم نأخذ من القطنية والحنطة والتمر والعشور أفيضم بعض ذلك إلى بعض. وأخذ عمر من الحنطة والزبيب نصف العشر أفيضم الزبيب إلى الحنطة إن هذا لإحالة عما جاء عن عمر وخلافه هذا قول متناقض. 
أنتم تحلون التفاضل إذا اختلف الصنفان فكيف حل لكم أن تضموها وهي عندكم مختلفة. 
وكيف جاز لكم أن يحل فيها التفاضل وهي عندكم طعام من صنف واحد ما أعلم قولكم في القطنية والسملت والشعير إلا خلافا للسنة والآثار والقياس. 

ID ' '   (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 2758


باب النكاح بولي 
سألت الشافعي عن النكاح فقال: كل نكاح بغير ولي فهو باطل. فقلت: وما الحجة في ذلك قال: أحاديث ثابتة. فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن النبي  قال:  الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها  . قال الشافعي: أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان. قال الشافعي وثبتم هذا وقلتم: لا يجوز نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين. قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي  أنه قال:  أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل  ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال: جمع الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما. 
قال الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل. قال الشافعي وهذا قول العامة بالمدينة ومكة. قلت للشافعي: نحن نقول في المدينة: لا بأس بأن تنكح بغير ولي ونفسخه في الشريفة. فقال الشافعي: عدتم لما سددتم من أمر الأولياء فنقضتموه فقلتم: لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولي فأما الشريفة فلا. 
قال الشافعي السنة والآثار على كل امرأة فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها وتخالفون الحديث عن النبي  وعمن بعده في الدنية أرأيتم لو قال لكم قائل: بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحيي على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان أقرب إلى أن يكون أصاب منكم فإن الخطأ في هذا القول لأبين من أن يحتاج إلى تبيينه بأكثر من حكايته. قال الشافعي النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالأولياء والشهود والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة وحق الله عليهن وفيهن كلهن واحد لا يحل لواحدة منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للأخرى وحرم منها. 

ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 

صفحة : 2759


باب ما جاء في الصداق 
سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز. قلت: وما الحجة في ذلك قال: السنة الثابتة والقياس والمعقود والآثار. فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رجلا سأل النبي  أن يزوجه امرأة فقال النبي :  التمس ولو خاتما من حديد  فقال: لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن قلت للشافعي: فإنا نقول: لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول:  وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم  وقال:  وآتوا النساء صدقاتهن نحلة  فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما قلنا: نصف درهم. وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه. قلت: فهذا قليل. قال الشافعي هذا شيء خالفتم فيه السنة والعمل والآثار بالمدينة ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه. وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر. وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما تقطع فيه اليد وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي  ومن بعده فإلى قول من ذهبتم فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير. قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها قالوا: نعم. 
قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقمرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر. ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا. فلو قال رجل: لا 
 

صفحة : 2760

 يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم لأن ذلك صداق النبي  وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس. 
أرأيتم إن كان الرجل يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده ويصدق المرأة عشرة وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم يكون هكذا فما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق. قال الشافعي ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه:  إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن  ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس. قال: وكذا روي عن ابن عباس وشريح وهو معنى القرآن. 

ID ' '   والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 

صفحة : 2761


باب في الرضاع 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن رسول الله  أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن. قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل الله في القرآن  عشر رضعات معلومات يحرمن  ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله  وهن مما يقرأ من القرآن. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة زوج النبي  أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته: أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها. قال الشافعي فرويتم عن عائشة أن الله أنزل كتابا أن يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات وأن النبي  توفي وهي مما يقرأ من القرآن وروي عن النبي  أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن ورويتم عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم. فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأي حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأي أنفسكم مع أنه روى عن النبي  مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل. قال الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي  قال:  لا تحرم المصة ولا المصتان  فقلت للشافعي: أسمع ابن الزبير من النبي  فقال: نعم 
ID ' '   على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 

صفحة : 2762


باب ما جاء في الولاء 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله  قال:  إنما الولاء لمن أعتق  . قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله  نهى عن بيع الولاء وعن هبته. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبهذا أقول. فقلت للشافعي: إنا نقول في السائبة: ولاؤه للمسلمين وفي النصراني يعتق المسلم: ولاؤه للمسلمين. قال الشافعي وتقولون في الرجل يسلم على يدي الرجل أو يلتقطه أو يواليه لا يكون لواحد من هؤلاء ولاء لأن واحدا من هؤلاء لم يعتق والعتق يقوم مقام النسب. ثم تعودون فتخرجون من الحديثين وأصل قولكم فتقولون: إذا أعتق الرجل عبده سائبة لم يكن له ولاؤه وإذا أعتق الذمي عبده المسلم لم يكن له ولاؤه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يعدو المعتق عبده سائبة والنصراني يعتق عبده مسلما أن يكونا مالكين يجوز عتقهما فقد قال رسول الله   الولاء لمن أعتق  فمن قال: لا ولاء لهذين فقد خالف ما جاء عن رسول الله  وأخرج الولاء من المعتق الذي جعله له رسول الله أو يكون كل واحد منهما في حكم من لا يجوز له العتق إذا كانا لا يثبت لهما الولاء. فإذا أعتق الرجل عبده سائبة أو النصراني عبده مسلما لم يكن واحد منهما حرا لأنه لا يثبت لهما الولاء وأنتم - والله يعافينا وإياكم - لا تعرفون ما تتركون ولا ما تأخذون فقد تركتم على عمر أنه قال للذي التقط المنبوذ: ولاؤه لك وتركتم على ميمونة زوج النبي  وابن عباس: أنها وهبته ولاء سليمان بن يسار وتركتم حديث عبد العزيز بن عمر عن النبي  في الرجل يسلم على يدي الرجل: له ولاؤه وقلتم: الولاء لا يكون إلا لمعتق ولا يزول بهبة ولا شرط عن معتق. ثم زعمتم في السائبة وله معتق وفي النصراني يعتق المسلم وهو معتق أن لا ولاء لهما. فلو أخذتم ما أصبتم فيه بتبصر كان السائبة والنصراني أولى أن تقولوا: ولاء السائبة لمن أعتقه والمسلم للنصراني إذا أعتقه. وقد فرقتم بينهما كان ما خالفتموه لما خالف حديث النبي :  الولاء لمن أعتق  أولى أن تتبعوه لأن فيه آثارا مما لا أثر فيه. 

ID ' '   ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 2763


باب الإفطار في شهر رمضان 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله  أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا. فقال: إني لا أجد فأتى النبي  بعرق فقال له:  خذ هذا فتصدق به  . فقال: يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله  حتى بدت أنيابه ثم قال:  كله  . قال الشافعي أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أن أعرابيا جاء إلى النبي  فقال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله:  هل تستطيع أن تعتق رقبة  قال: لا. قال:  فهل تستطيع أن تهدي بدنة  قال: لا. قال:  فاجلس  فأتى النبي  يعرق فأعطاه إياه. قال الشافعي رحمه الله: بهذا نقول. يعتق رقبة لا يجزيه غيرها إذا وجدها وكفارته كفارة الظهار. وزعمتم أن أحب إليكم أن لا تكفروا إلا بإطعام يا سبحان الله العظيم كيف تروون عن رسول الله  شيئا تخالفونه ولا تخالفون إلى قول أحد من خلق الله ما رأينا أحدا قط في شرق ولا غرب قبلكم ولا بلغنا عنه أنه قال مثل هذا وما لأحد خلاف رسول الله . 

ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 

صفحة : 2764


باب في اللقطة 
سألت الشافعي عمن وجد لقطة فقال: يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له. فقلت له: وما الحجة في ذلك قال: السنة الثابتة. وروى هذا عن رسول الله  أبي بن كعب وأمره النبي  بأكلها وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد. قال الشافعي رحمه الله تعالى:  أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله  فسأله عن اللقطة فقال:  اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها  . قال الشافعي أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أن أباه أخبره: أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر:  عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها  . قال الشافعي فرويتم عن النبي  ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك وقلتم: نكره أكل اللقطة للغني والمسكين. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال: إني وجدت لقطة فماذا ترى فقال له ابن عمر: عرفها. قال: قد فعلت فال: زد. قال: قد فعلت. قال: لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها. قال الشافعي: فابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون. وابن عمر كره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون: لو تركها ضاعت. 

ID ' '   القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 

صفحة : 2765


باب المسح علي الخفين 
سألت الشافعي عن المسح على الخفين فقال: يمسح المسافر والمقيم إذا لبسا على كمال الطهارة. فقلت: وما الحجة قال: السنة الثابتة. وقد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد - وهو من ولد المغيرة بن شعبة - عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله  ذهب لحاجته في غزوة تبوك ثم توضأ ومسح على الخفين وصلى. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه: أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر ففال له سعد: خل أباك فسأله فقال له عمر:  إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما  قال ابن عمر: وإن جاء أحدنا من الغائط قال:  وإن جاء أحدكم من الغائط  أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر بال في السوق ثم توضأ ومسح على خفيه ثم صلى. قال الشافعي أخبرنا مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال: رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال وتوضأ ومسح على الخفين ثم صلى. قال الشافعي فخالفتم ما روى صاحبكم عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وابن شهاب فقلتم: لا يمسح المقيم. وقد أخبرنا مالك عن هشام أنه رأى أباه يمسح على الخفين. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال: يضع الذي يمسح على الخفين يدا من فوق الخفين ويدا من تحت الخفين ثم يمسح فقلت للشافعي: فإنا نكره المسح في الحضر والسفر قال: هذا خلاف ما رويتم عن النبي  وخلاف العمل من أصحابه والتابعين بعدهم فكيف تزعمون أنكم تذهبون إلى العمل والسنة جميعا قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله  قال لليهود حين افتتح خيبر:  أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم  فكان رسول الله  يبعث ابن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي. 

ID ' '   (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 

صفحة : 2766


باب ما جاء في الجهاد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري قال: خرجنا مع رسول الله  عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال: فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني. فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس. فقال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله :  من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه  فقمت فقلت: من يشهد لي. ثم جلست ثم قال النبي :  من قتل قتيلا له عليه بينة في الثالثة  فقمت فقال رسول الله : ما لك يا أبا قتادة فاقصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر: لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله فيعطيك سلبه فقال رسول الله :  صدق فأعطه إياه  قال أبو قتادة: فأعطانيه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. قال مالك: المخرف النخيل. قال الشافعي وبهذا نقول: السلب للقاتل في الإقبال وليس للإمام أن يمنعه بحال لأن إعطاء النبي  السلب حكم منه. وقد أعطى رسول الله السلب يوم حنين وأعطاه ببدر وأعطاه في غير موطن. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إنما ذلك على الاجتهاد من الإمام. فقال: تدعون ما روي عن النبي  وهو يدل على أن هذا حكم من النبي  للقاتل فكيف ذهبتم إلى أنه ليس بحكم أو رأيتم ما روي عن النبي  من أنه أعطى من حضر أربعة أخماس الغنيمة فلو قال قائل: هذا من الإمام على الاجتهاد هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال: إعطاء النبي  على العام والحكم حتى تأتي دلالة عن النبي  بأن قوله خاص فيتبع قول النبي  فأما أن يتحكم متحكم فيدعي أن قولي النبي  أحدهما: حكم والآخر: اجتهاد بلا دلالة فإن جاز هذا خرجت السنن من أيدي الناس. فإن قلتم: لم يبلغنا أن النبي  قال هذا إلا يوم حنين.  ولو لم يقله إلا يوم حنين أو آخر غزوة 
 

صفحة : 2767

 غزاها أو أولى لكان أولى ما آخذ به والقول الواحد منه يلزم لزوم الأقاويل. مع أنه قد قال وأعطاه ببدر وحنين وغيرهما. وقولكم ذلك من الإمام على الاجتهاد فإن لم يكن للقاتل وكان لمن حضر فكيف كان له أن يجتهد مرة فيعطيه ويجتهد أخرى فيعطيه غيره وأي شيء يجتهد إذا ترك السنة إنما الاجتهاد قياس على السنة فإذا لزم الاجتهاد له صار تبعا للسنة وكانت السنة ألزم له. أو كان يجوز له في هذا شيء إلا ما سن رسول الله أو أجمع المسلمون عليه أو كان قياسا عليه فقلت: فهل خالفك في هذا غيرنا فقال: نعم. بعض الناس. قلت: فما احتج به قال الشافعي قال: إذا قال الإمام قبل لقاء العدو: من قتل قتيلا فله سلبه فهو له وإن لم يقله فالسلب من الغنيمة بين من حضر الوقعة إذا أخذ خمسه. فقلت للشافعي: فما كانت حجتك قال: الحديث الذي روينا أن النبي  قاله بعد تقضي حرب حنين لا قبل الوقعة. فقلت: قد خالف الحديث. قال الشافعي وأنتم قد خالفتموه. فإن كان له عذر بخلافه فهو أقرب للعذر منكم. فإن قلتم: تأوله فكيف جاز له أن يتأول فيقول: فلعل النبي إنما أعطاه إياه من قبل أنه قال ذلك قبل الوقعة فإن قلت هذا تأويل قيل: والذي قلت تأويل أبعد منه. وقلت للشافعي: ما رأيت ما وصفت لك أنا أخذنا به من الحديث المروي عن رسول الله  أهو أصح رجالا وأثبت عند أهل الحديث أو ما سألناك عنه مما كنا نتركه من حديث رسول الله  قبل نلقاك قال الشافعي عقل فيما زعمتم أنكم تتركون من حديث النبي قال الشافعي ما هو أثبت من الأكثر مما كنتم تأخذون به وأولى ففي ما تركتم مثل ما أخذتم به والذي أخذتم به ما لا يثبته أهل الحديث. فقلت: مثل ماذا فقال: مثل أحاديث أرسلها عن النبي  من حديث عمرو بن شعيب وغيره. 
ومثل أحاديث منقطعة. فقلت: فكيف أخذت بها قال: ما أخذت بها إلا لثبوتها من غير وجه من روايتكم ورواية أهل الصدق. فقلت للشافعي: أرجو أن أكون قد فهمت ما ذكرت من الحديث وصرت إلى ما أمرت به ورأيت الرشد فيما دعيت إليه وعلمت أن بالعباد كما قلت الحاجة إلى رسول الله  ورأيت في مذاهبنا ما وصفت من تناقضها - والله أسأله التوفيق - وأنا أسألك عما روينا في كتابنا الذي قدمنا على الكتب عن أصحاب رسول الله . قال الشافعي فسل منه عما حضرك وفقنا الله وإياك لما يرضى وعصمنا وإياك بالتقوى وجعلنا نريده بما نقول ونصمت عنه إنه على ذلك قادر. قال الشافعي 
 

صفحة : 2768

 رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما فقلت للشافعي: فإنا نكره للإمام أن يقرأ بقريب من هذا لأن هذا يثقل. قال: أفرأيت إن قال لكم قائل: أبو بكر يقرأ بسورة البقرة في الصبح في روايتكم في الركعتين معا وأقل أمره أنه قسمها في الركعتين وأنك تكره هذا فكيف رغبت عن قراءة أبي بكر وأصحابه متوافرون  وأبو بكر من الإسلام وأهله بالموضع الذي هو به وقد أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن أنس أن أبا بكر صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة فقال له عمر: قربت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وروت عن عمر. 
وعثمان تطويل القراءة وكرهتها كلها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسي أخبره أنه سمع قيسا يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة سورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية:  ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا  الآية قلت للشافعي: فإنا نكره القراءة في الركعتين الآخرتين والركعة الأخرى بشيء غير أم القرآن فهل تستحبه أنت. فقال: نعم. وقال لي الشافعي: فكيف تكرهونه وقد رويتموه عن أبي بكر وروى ابن عيينة عن عمر بن عبد العزيز أنه حين بلغه عن أبي بكر أخذ به. قال الشافعي رحمه الله: وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم القرآن وسورة ويجمع الأحيان السور في الركعة الواحدة فقلت للشافعي: فهذا أيضا مما نكرهه فقال: أرويتم مع ابن عمر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى فكيف كرهتم هذا وخالفتموهما معا فقلت للشافعي: أتستحب أنت هذا قال: نعم وأفعله. 

ID ' '   العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 

صفحة : 2769


باب ما جاء في الرقية 
سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين فقال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله. 
فقلت: وما الحجة في ذلك قال: غير حجة فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي  خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساؤهم. وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف. 

باب في الجهاد 
سألت الشافعي عن القوم يدخلون بلاد الحرب: أيخربون العامر ويقطعون الشجر المثمر ويحرقونه والنخل والبهائم أو يكره ذلك كله قال الشافعي رحمه الله تعالى: أما كل ما لا روح فيه من: شجر مثمر وبناء عامر وغيره فيخربونه ويهدمونه ويقطعونه. وأما ذوات الأرواح فلا يقتل منها شيء إلا ما كان يحل بالذبح ليؤكل. فقلت له: وما الحجة في ذلك وقد كره أبو بكر الصديق أن يخرب عامرا أو يقطع مثمرا أو يحرق نخلا أو يعقر شاة أو بعيرا إلا لمأكلة وأنت أخبرتنا بذلك عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي: هذا من حديث مالك منقطع. وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا. فقلت للشافعي: وقد روى صحابنا سوى هذا عن أبي بكر فبأي شيء تخالفه أنت. فقال: بالثابت عن رسول الله  أنه حرق أموال بني النضير وقطع وهدم لهم وحرق. وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهي آخر غزاة غزاها رسول الله  فقاتل بها فقلت للشافعي: فكيف كرهت عقر ذوات الأرواح وتحريقها إلا لتؤكل فقال: بالسنة أن رسول الله  قال:  من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها  قيل: وما حقها قال:  يذبحها فيأكلها. ولا يقطع رأسها فيلقيه  فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الأرواح. قال الشافعي رحمه الله قال: فإنا نقول 
 

صفحة : 2770

 شبيها بما قلت. قلت: قد خالفتم ما رويتم عن أبي بكر فقد خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه. فقلت: إن كان خالفه لما وصفت مما روى عن أبي بكر لأنه رأى أنه ليس لأحد أن يخالف ما روي عن النبي كله فهكذا ينبغي أن يقول أبدا. يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد لرأي نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء وليس ذلك لأحد من أهل دهرنا. سألت الشافعي: عن الرجل يقر بوطء أمته فتأتي بولد فينكره فيقول: قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي. 
فقال: يلحق به الولد إذا أقر بالوطء ولم يدع استبراء بعد الوطء ولا ألتفت إلى قوله: كنت أعزل عنها لأنها قد تحبل وهو يعزل ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله. فقلت: فما الحجة فيما ذكرت قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا فقلت للشافعي: صاحبنا يقول: لا نلحق ولد الأمة وإن أقر بالوطء بحال حتى يدعي الولد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم. قال الشافعي فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خالفه من أصحاب رسول الله  ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روي عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا قال: نعم بعض المشرقيين. قلت: فما كانت حجتهم قال: كانت حجتهم أن قالوا: انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له فقلت: فما حجتك عليهم فقال: أما عمر فروي عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في الأمة. وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه. وإنما قلت هذا فيما بينه وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه بجهدها وعلى الإمام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا: أن ولد الأمة لا يلحق إلا بدعوة 
 

صفحة : 2771

 حادثة وأن للرجل بعد ما يحصن الأمة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الأمة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا: إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به. وكان الذي اعتوا في هذا أن قالوا: القياس أن لا يلحق ولكنا استحسنا. قال الشافعي إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس حيث تركوا. وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الأمة إلا واحد من قولين: إما قولنا وإما لا يلحق به إلا بدعوة. فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف بهم نفوا معا عنه. 

باب فيمن أحيا أرضا مواتا 
سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال: إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الإسلام فهو له دون غيره ولا أبالي أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لأن النبي  أعطاه وإعطاء النبي  أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان. 
فقلت: فما الحجة فيما قلت قال: ما رواه مالك عن النبي  وعن بعض أصحابه. قال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه أن النبي  قال:  من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له. قال الشافعي وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي  مثل معناه. 
قال الشافعي وبهذا نأخذ وعطية رسول الله   من أحيا أرضا مواتا أنها له  أكثر له من عطية الوالي. فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يحيي الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالي. قال الشافعي رحمه الله: فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي  وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما وأثبتم للوالي أن يعطي وليس للوالي أن يعطي أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ ماله. وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها. فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه: لا تأخذ إلا بإذن سلطان. فإن قال قائل للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف إلا وهو معه خصم. والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى مستحقها. وكذلك 
 

صفحة : 2772

 لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا أعطاه لم يكن لأحد استحقها أخذها من يديه. فأما ما كان لأحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه. قال الشافعي وهذا التحكم في العلم تدعون ما تروون عن النبي  وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي  لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا. فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا فقال: ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أباحنيفة فإني أراكم سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبي حنيفة بخلاف السنة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي  وعمن بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله  قال:  لا ضرر ولا ضرار  قال: ثم أتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله  قال:  لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره  قال: ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم. قال الشافعي ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صفه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال ابن مسلمة: لا. فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد: لا فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك. قال الشافعي أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فرويتم في هذا الكتاب عن النبي  حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها. فقلتم في كل واحد منها: لا يقضي بها على الناس وليس عليها العمل. ولم ترووا عن أحد من الناس علمته خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعني تخالف به سنة 
 

صفحة : 2773

 رسول الله  فينبغي أن يكون ذلك العمل مردودا عندنا. وتخالف عمر مع السنة لأنه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا. والله أعلم. 

باب في الأقضية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر: إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك قال: أربعمائة درهم. قال عمر: أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه: ليس عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضى بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب الناقة. فقلت للشافعي: بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فهذا حديث ثابت عن عمر يقضى به بالمدينة بين المهاجرين والأنصار فإن خالفه غيره لازم لنا فتدعون لقول عمر السنة والآثار لأن حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الأكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد حكم بين أصحاب النبي  بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون: حكمه بالمدينة كالإجماع من عامتهم فإن كان قضاء عمر رحمه الله عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره. وإن لم يكن كما تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير شيء رويتموه عن غيره. ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لأنفسكم وكيف أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله  في غير هذا. 

ID ' '   يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 

صفحة : 2774


باب في الأمة تغر بنفسها 
قال الشافعي أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدى ولده بمثلهم. قال مالك: وذلك يرجع إلى القيمة. قلت للشافعي: فنحن نقول بقول مالك. قال الشافعي فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه. فلم تركتم هذا ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي  خلافه. أرأيتم إذا اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم: البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن 
باب القضاء في المنبوذ 
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة قال: وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال: أكذلك قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته. قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي: فبقول مالك نأخذ. قال الشافعي تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي  قال:  الولاه لمن أعتق  . فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق. فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق. وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي  يقول:  إنما الولاء لمن أعتق  وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له. فمن أجمع على ترك السنة والخلاف لعمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله المستعان. ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى في اللقيط عن عمر 
 

صفحة : 2775

 للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا: نتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي  وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي :  فإنما الولاء لمن أعتق  أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه. 

باب القضاء في الهبات 
قال الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها. ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك: إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها. فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول صاحبنا. قال الشافعي فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته ولو أعطي أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة وكثرت زيادته. ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها قال مالك: لا ننفي العبيد  فقلت للشافعي: نحن لا ننفي العبيد قال: ولم ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي  ولا التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر أفيجوز لأحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم له مخالفا من أصحاب النبي  لرأي نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان 
 

صفحة : 2776

 كذلك أخرى. فإن جاز أن يكون الخيار إلى من سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جار لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم الناس من العلم على شيء تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر: وماذا سرق قال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم. قال الشافعي بهذا نأخذ لأن العبد ملك لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لأنه لم يسأله: أتأمنونه أو لا تأمنونه. قال: وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه. فقلتم: بقطع العبد فيما سرق لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه. 

باب في إرخاء الستور 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل: أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق. قال الشافعي وروي عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى:  وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن  قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا: لا يلتفت إلى الإغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج. وقال غيرهم: يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب. وأن عمر قال: ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى:  وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن  وقوله:  ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها  وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني بالدخول. ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره: أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس. وعمر يدين ثم يقضي 
 

صفحة : 2777

 بالمهر وإن لم يدع المسيس لقوله:  ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم  . ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والإرخاء إذا لم تدع المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع. ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم: إذا كان استمتع بها سنة حتى تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة ومن حد لكم إبلاء الثياب وإن بليت الثياب قبل السنة فكيف لم يجب المهر أرأيت إن قال إنسان: إذا استمتع بها يوما وقال آخر: يومين وقال آخر: شهرا وقال آخر: عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال: هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان. فإن قلتم: إنما يؤجل العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام معها قبل ذلك دهرا. 

باب في القسامة والعقل 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطىء على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم: أيحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها. 
فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين:  احلفوا أنتم  فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين. قال الشافعي فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم: يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي  بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا. وهكذا يحب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله  فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما كان شيء من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره. وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا: هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله  دم عمد فنتبع ما حكم به النبي  كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر. فإن صرتم إلى أن تقولوا: 
 

صفحة : 2778

 إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي  ونجعل الخطأ قياسا على العمد. فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن رسول الله  إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم النبي  ولا ينبغي أن نختلف أقاويلكم. 

باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع 
قال الشافعي رمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب: أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل. قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين فتلك الدية سواء. فقلت للشافعي: فإن نقول في الأضراس: خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف وإنما فيها حكومة باجتهاد قال: فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الأضراس خمس خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي  في السن خمس كانت الضرس سنا قال: فهذا كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي  قال: في السن خمس مما أقبل من الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول: الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي  فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي  وأن توجه لغيره أن لا يكون خلاف قول النبي  فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله  شيئا أبدا لقول غيره. فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي  مرة وتتركوا قول النبي  لقول عمر مرة فهذا ما لا يجهل عالم أنه ليس لأحد إن شاء الله. 
قال: وخالفتم عمر في الترقوة والضلع فقلتم: ليس فيهما شيء موقت. قال الشافعي وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لأنه لم يخالفه واحد من أصحاب النبي  فيما علمته فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه. قال الشافعي وروى مالك عن سعيد أنه روي عن عمر في الأضراس: بعير بعير وعن معاوية: خمسة أبعرة. وقال فيهما: بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من الحديث وكنتم تخالفون 
 

صفحة : 2779

 عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن علم وتحتجون بقوله في شيء وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الأشياء. إنما الإجماع عندهم فيما يوجد الإجماع فيه عند غيرهم وإن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع بالمدينة الديات لأن ابن طاوس قال عن أبيه: ما قضى به النبي  من عقل وصدقات فإنما نزل به الوحي وعمر من الإسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم تقبلون العلم إلا عن أنفسكم. 

باب في النكاح 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت. 
قال الشافعي وقد خالفتم هذا وقلتم: النكاح مفسوخ ولا حد عليه. فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم - يعني - لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي. 
باب ما جاء في المتعة قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: يشبه قوله في الأول. ومذهب عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح فيدرأ عنهم بالاستحلال. أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم وحملهم على حكمه. وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال: يستحل قوم الدينار بالدينار يدا بيد فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص 
 

صفحة : 2780

 فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك: وإنما يكون ذلك لزوجها غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول مالك. وسألت عن قوله في ذلك فقال: إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على وليها لأنه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم. أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم قال ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم: إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولي لأنه قد أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف عمر. قال الشافعي أخبرنا مالك أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته: حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله: أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر: أنشدك برب هذه البنية هل أردت بقولك: حبلك على غاربك الطلاق فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت الفراق فقال عمر: هو ما أردت. قال الشافعي رحمه الله تعالى فبهذا نقول. وفيه دلالة على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الأغلب من الكلام على رجل احتمل غير الأغلب فخالفتم عمر في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد. 

ID ' '   جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 

صفحة : 2781


باب في المفقود 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا. قال: والحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة. فإذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر. ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا. كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم تخالفون ما روي عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الأول فيها خيار هي من الآخر. فقلت للشافعي: فإن صاحبنا قال: أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي: قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول: هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا. أرأيت إن قال لك قائل: آخذ بالذي تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة علي إلا أن يقال من جعل قوله غايه ينتهي إليها أخذ بقوله كما قال فأما قولك: فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لأنك تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها قال الربيع: لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لأن الله قال:  والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا  فجعل على المتوفى عنها عدة وكذلك جعل على المطلقة عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهي معنى حديث النبي  إذ قال:  إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا  فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبي طالب. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح: خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه: إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم قال مالك: يعني ردها إلى فقرائهم. قال الشافعي وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن 
 

صفحة : 2782

 يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتين أو عشرة أو عشرين درهما فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يؤخذ في الخيل صدقة لأن النبي  قال:  ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة  . قال الشافعي فقد رويتم وروى غيركم عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشيء رويتموه عن النبي  جملة فهكذا فاصنعوا في كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي  فيه. وإنكم لتخالفون ما جاء عن النبي  فيما هو أبين من هذا وتعلمون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا يخالفه وتقولون لا يخفى على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم. 
ولو شاء رجل قال: قال النبي  ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة إذا كان فرسه مربوط له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين. ولو ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي  جملة وجملة كل شيء عليه. فهكذا فاصنعوا في كل شيء ولا تختلف أقاويلكم إن شاء الله. 

باب في الصلاة 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له: ما قرأت قال: فكيف كان الركوع والسجود قالوا: حسنا. قال: فلا بأس قلت للشافعي: فإنا نقول: من نسي القراءة في الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزىء صلاة إلا بقراءة. قال: فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين والأنصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون إجماعا منه ومن المهاجرين والأنصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي  قال:  لا صلاة إلا بقراءة  فينبغي أن تذهبوا في كل شيء هذا المذهب فإذا جاء شيء عن النبي  لم تدعوه لشيء إن خالفه غيره كما قلتم ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لأنه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا: لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا والنسيان موضوع. 
كما أن نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة فلم 
 

صفحة : 2783

 تقولوه وصرتم إلى جملة ما روي عن النبي  وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من المهاجرين والأنصار لجملة حديث النبي  فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول الله  منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان.. 

باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج 
سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الإحرام فقال: لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له: ما الحجة فيه فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن ربيعة بن عبد الله أنه رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا فقلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال: وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه. قال: وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر. فإذا تركتم ما روي عن النبي  من طيب المحرم لقول عمر. وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلى ابن عمر فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا لا يجوز عند أحد من أهل العلم. فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه:  ثم محلها إلى البيت العتيق  فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت. قال. وقال مالك: من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن: أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما. وهو قول ابن عباس:  من نسي من نسكه شيئا فليهرق 
 

صفحة : 2784

 دما  وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده:  من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما  ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن. 

باب ما جاء في الصيد 
سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال: من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول:  فجزاء مثل ما قتل من النعم  والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد. فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى: في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت للشافعي: فإنا نخالف ما روينا عن عمر في الأرنب واليربوع فيقول: لا يفديان بجفرة ولا بعناق. 
قال الشافعي هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شيء يحتاج إلى تأويل. 
لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فماله مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به. وهذا إذا كان كذا: فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين. وقولكم: لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها. وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة. فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفليه بصغير دون الثنية قال الشافعي فتصيرون إلى قول عمر في النهي عن الطيب قبل الإحرام وتتركون فيه ما روي عن النبي  وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي  ثم تخالفون عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي  ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي : عثمان وابن مسعود ومن التابعين: عطاء وأصحابه. قال الشافعي وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شيء ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا 
 

صفحة : 2785

 يزيدني على أن ابن عمر قال: الضحايا والبدن الثني فما فوقه. قال الشافعي وأنتم أيضا تخالفون في هذا لأن قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية. وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله. قال الشافعي وقد أخطأ من جعل للصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شيء يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن عمر وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه. فإن قال قائل فجزاء الصيد ضحايا قلنا: معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين. وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك. فإن قال قائل: فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن. قيل: أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة فإن قال: لا. قيل: أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج فإن قال: بلى. قيل: أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة. فإن قال: بلى. قيل: فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه فإن قال: نعم. قيل: فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة. فإن قال: نعم. قيل: أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدى التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال: قد يفترقان. قيل: أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال فإن قال: نعم. قيل: فإذا كان هذا بدلا لشيء أتلف فكان علي أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن أعطي دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة قال الشافعي فإن قال فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية. قيل: فمن قال لك إن شيئا يكون بدلا من شيء فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شيء دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله علي بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية فهو في قولك: ليس من معاني الضحايا. فإن قال: أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية قيل: نعم. فكما يجوز أن يكون تمرة وقبضة من 
 

صفحة : 2786

 طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم علي في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم علي وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالإنسان الحر يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الإنسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الإنسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا يغيرها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإن قال: ما معنى قول الله  هديا  قلت: الهدي شيء فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل تمر ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر. فإن قال: أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها قلت: نعم. كما يجوز أن لتصدق بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شيء. قال الشافعي وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما. فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة. قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفر أو جفرة. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان قضى في أم حبين بحلان من الغنم. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال: خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له: أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر: احكم فيه فقال: أنت خير مني - يا أمير المؤمنين - وأعلم. فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع المال والشجر فقال عمر: فذاك فيه. قال الشافعي لا أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر: تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح. وروى المشرقيون عن علي: لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون: - لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي توفي عنها زوجها يقينا. فقلتم: عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم: وعلي عالم 
 

صفحة : 2787

 بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط قلتم: لا يقال لما روي عن عمر: لم. ولا كيف. ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف. والله المستعان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من أصاب ولد ظبي صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلي لو فداه بواف. قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز. وذكر في الحديث أن عمر قال: هذا عبد الرحمن بن عوف. قال الشافعي أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال: لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي. قلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول. قال الشافعي وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم. فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم. قال: ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس. قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان: أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم. لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة. فإن قال قائل: فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل: بالقيمة والدية. فإن قال: ومن أين قيل: تفدي النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شيء لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا. وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه يقول: فجزاء مثل ما قتل من النعم  فجعل فيه المثل. فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول - الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون 
 

صفحة : 2788

 من رد قول عمر لرأي أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف. قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال: عليهم جزاء واحد. قال الشافعي أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم. قال: سئل ابن عباس عن نفر أصابوا صيدا قال: عليهم جزاء. قيل: على كل واحد منهم جزاء قال: إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد. والله أعلم. 

باب الأمان لأهل دار الحرب 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل: مترس يقول: لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه. قال مالك: وليس هذا بالأمر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول مالك. قال الشافعي قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي  خلافه علمناه. وأما قوله: ليس هذا بالأمر المجتمع عليه فليس في مثل هذا اجتماع وهو لا يروي شيئا يخالفه ولا يوافقه فأين الإجماع فيما لا رواية فيه فإن كان ذهب إلى أن النبي  قال:  لا يقتل مسلم بكافر  وهذا كافر لزمه إذا جاء شيء عن النبي  أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما جاء عن النبي  مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لأحد. 

ID ' '   ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 

صفحة : 2789


باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان 

وخالفه في تخمير المحرم وجهه 
سألت الشافعي: أيخمر المحرم وجهه فقال: نعم ولا يخمر رأسه. وسألته عن المحرم يصطاد من أجله الصيد قال: لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه. فقلت: وما الحجة فقال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت. قال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه صاحبنا ويروى فيه عن ابن عمر أنه قال: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من هذا كله قلت: وما هو قال: أمر النبي  بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما. فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغي عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل وبدلالة السنة. وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما. وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر أن التبرؤ يبرئه مما علم ومما لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول: عثمان الخليفة عن قضاه بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم. وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول عامة المفتين بالبلدان. فقلت للشافعي: فإنا نقول: ما فوق الذقن من الرأس. قال الشافعي: ينبغي أن يكون من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإني أراك تكثر أن تكلم بغير روية. فقلت: وما ذلك فقال:  وما تعني بقولك  وما فوق الذقن من الرأس أتعني أن حكمه حكم الرأس في الإحرام فقلت: نعم. فقال: أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة 
 

صفحة : 2790

 أن تخمر رأسها فقلت: لا. قال: أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره فقلت: نعم. قال: أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما فوق الذقن من وجهه فقلت: لا. فقال لي الشافعي: وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال:  اغسلوا وجوهكم  فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه. وقال:  امسحوا برؤوسكم  فكان الرأس غير الوجه. فقلت: نعم. قال: وقولك: لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك تعرفها فاتق الله وأمسك عن أن تقول بغير علم. ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم يصمت وذلك أنه قال فيما نرى يعلم أنه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به. قلت للشافعي: فمن أين قلت: أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه فقال: لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله. فقال عز وجل:  ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم  فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية. كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود. 
فإن الله قضى  أن لا تزر وازرة وزر أخرى  قال: ولما كان الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز  أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه. ونما نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لأنه لم يحدث بعدها قتلا يوجب فدية. 
قلت: إن الأكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية. لذلك قال: وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شيء من هذا وهو آثم بالأكل. والفدية في الصيد إنما تكون بالقتل. فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا فقال: ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لأنه مال لغيره أطعمه إياه. ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه. فإن كانت لنا عليه حجة بخلاف بعض الحديث فهي لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول. وإن زل عندنا ولستم - والله يعافينا وإياكم - تعرفون كثيرا مما تقولون. أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر أو عبد فقتله المعطى القاتل. قلت: وكذلك لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال: نعم. قال الشافعي 
 

صفحة : 2791

 رحمه الله: أفلا نرى هذا أولى أن يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله فإذا قلت: إنما جعل العقل والقود بالقتل فهذا غير قاتل. قال الشافعي أخبرنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري قال: كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة. 

باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين 
قلت للشافعي: ما لغو اليمين قال: الله أعلم. أما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة. قال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان: لا والله وبلى والله فقلت للشافعي: وما الحجة فيما قلت قال: الله أعلم. اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو يكون الخطأ. قال الشافعي فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه. 
قال الشافعي وهذا ضد اللغو هذا هو الإثبات في اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى:  ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان  . ما عقدتم: ما عقدتم به عقد الأيمان عليه. ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لأنها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه. قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال: فخالفتموها فيه إلى قول عمر. 

ID ' '   غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 

صفحة : 2792


باب في بيع المدبر 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكتها فبيعت. قال: فخالفتموها فقلتم: لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها. 

باب ما جاء في لبس الخز 
فقلت للشافعي: فما تقول في لبس الخز قال: لا بأس به إلا أن يدعه رجل ليأخذ بأقصد منه فأما لأن لبس الخز حرام فلا. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه. قال الشافعي وروينا أن القاسم دخل عليها في غداة باردة وعليه مطرف خز فألقاه عليها فلم تنكره فقلت للشافعي: فإنا نكره لبس الخز. فقال: أو ما رويتم هذا عن عائشة فقلت: بلى. فقال: لأي شيء خالفتموها ومعها بشر لا يرون به بأسا فلم يزل القاسم يلبسه حتى بيع في ميراثه فيما بلغنا فإذا شئتم جعلتم قول القاسم حجة وإذا شئتم تركتم ذلك على عائشة والقاسم ومن شئتم والله المستعان. 

ID ' '   ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 

صفحة : 2793


باب خلاف ابن عباس في البيوع 
قال الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس: تلك الورق بالورق وكره ذلك. قال مالك: وذلك - فيما نرى - لأنه أراد بيعها من صاحبه الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به. وليس هذا قول ابن عباس ولا تأويل حديث. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أما الذي نهى عنه رسول الله  فهو الطعام أن يباع حتى يقبض. قال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله. قال الشافعي: وبقول ابن عباس نأخذ لأنه إذا باع شيئا اشتراه قبل أن يقبضه فقد باع مضمونا له على غيره وأصل البيع لم يبرأ إليه منه وأكل ربح ما لم يضمن وخالفتموه: فأجزتم بيع ما لم يقبض سوى الطعام من غير صاحبه الذي اتبع به. قال الشافعي رحمه الله: ولا أعلم بين صاحبه الذي ابتيع منه وغيره فرقا لئن لم يكن ذلك فهل الحجة عليه إلا أن يقال مخرج قول النبي  فلا يصلح أن يكون خاصا فكيف نهى عنه ابن عباس وأنتم لا تروون خلاف هذا عن أحد علمته وعن ابن عباس أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت قبل أن تقضي فأمر ابنتها أن تمشي عنها... 
فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يمشي أحد عن أحد. قال الشافعي أحسب ابن عباس إنما ذهب إلى أن المشي إلى قباء نسك فأمرها أن تنسك عنها. وكيف خالفتموه ولا أعلمكم رويتم عن أحد أصحاب النبي  خلافه 
ID ' '   يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 

صفحة : 2794


باب 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبهذا نأخذ قال مالك: عليه عمره وبدنة وحجة تامة. ورواه عن ربيعة فترك قول ابن عباس بخبر ربيعة ورواه عن ثور بن يزيد عن محرمة يظنه عن ابن عباس. قال الشافعي وهو سيىء القول في عكرمة لا يرى لأحد أن يقبل حديثه. وهو يروي عن سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه. وعطاء ثقة عنده وعند الناس. قال: والعجب له أن يقول في عكرمة ما يقول ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله ويسميه مرة ويروي عنه ظنا ويسكت عنه مرة فيروي عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع. وذبائح نصارى العرب وغيره. وسكت عن عكرمة. وإنما حدث به ثور عن عكرمة. وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها. فيأخذ بقول ابن عباس: في نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى. هل ريء أحد قط تم حجة يعمل في الحج بشيء ما لا ينبغي له فقضاه بعمرة فكيف يعتمر عنده وهو في بقية من حجة فإن قلتم: نعمره بعد الحج فكيف يكون حج قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الإسلام وقد خرج من إحرامه في الحج ثم نقول: أحرم بعمرة عن حج ما علمت أحدا من مفتي الأمصار قال هذا قبل ربيعة إلا ما روي عن عكرمة. وهذا من قول ربيعة عفا الله عنا وعنه من ضرب من أفطر يوما من رمضان قضى باثني عشر يوما ومن قبل امرأته وهو صائم اعتكف ثلاثة أيام وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها. قال: والعجب لكم وأنتم لا تستوحشون من الترك على ربيعة ما هو أحسن من هذا فكيف تتبعونه فيه سألت الشافعي عن الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق نفسها ثلاثا فقال: القول قول الزوج. فإن قال: إنما ملكتها أمرها في واحدة لا في ثلاث كان القول قوله وهي واحدة وهو أحق بها. فقلت له: ما الحجة في ذلك. قال: أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد: ما شأنك. فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد: ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أحق بها فقلت للشافعي: فإنا نقول: هي ثلاث إلا أن 
 

صفحة : 2795

 يناكرها وروي شبيها بذلك عن ابن عمر ومروان بن الحكم. قال الشافعي ما أراكم تبالون من خالفتم. فإن ذهبتم إلى قول ابن عمر ومروان دون قول زيد فبأي وجه ذهبتم إليه فهل يعدو المملك امرأته أمرها إذا طلقت ثلاثا أن يكون أصل التمليك إخراج جميع ما في يده من طلاقها إليها فإذا طلقت نفسها لزمه ولم تنفعه مناكرتها أو لا يكون إخراج جميعه فيكون محتملا لإخراج الجميع والبعض فيكون القول قوله فيه وإذا كان القول قول الزوج فلو ملكها واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن لها أن تطلق إلا واحدة. وأسمعكم إذا اخترتم - والله يغفر لنا ولكم - لا تعرفون كيف موضع الاختيار وما موضع المناكرة فيه إلا ما وصفت. والله أعلم. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار: أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا أطفئت أو قال: بخقت بمائة دينار قال مالك: ليس بهذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شيء مؤقت. قال الشافعي أخبرنا مالك أن أنس بن مالك كبر حتى لا يقدر على الصيام فكان يفتدي. وخالفه مالك فقال: ليس عليه بواجب. قال الشافعي وأخبرنا مالك عن ربيعة عن أبي بكر بن حزم أنه كان يصلي في قميص فقلت: إنا نكره هذا فقال: كيف كرهتم ما استحب أبو بكر. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم - يعني ابن محمد - كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه. أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها. 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة قوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائط فلا بأس أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوزه. قال الشافعي أيضا يروى عن القاسم وعمرة الاستثناء ولم يرو عنهما حد الاستثناء. ولو جاز أن يستثنى منه سهما من ألف سهم ليجوز تسعة أعشاره وأكثر ولا أدري من اجتمع لكم على هذا والذي يروى خلاف ما يقول. قال الشافعي ولا يجوز الاستثناء إلا أن يكون البيع واقعا على شيء والمستثنى خارج من البيع وذلك أن يقول: أبيعك ثمر حائطي إلا كذا وكذا نخلة فيكون النصف خارجا من البيع. أو أبيعك ثمره إلا نصفه أو إلا ثلثه فيكون ما استثنى خارجا من البيع. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ربيعة أن رجلا أتى القاسم فقال: إني أفضت وأفضت معي بأهلي فعدلت إلى شعب فذهبت لأدنو منها فقالت امرأتي لم أقصر 
 

صفحة : 2796

 من شعر رأسي بعد فأخذت من شعر رأسها بأسناني ثم وقعت بها قال: فضحك القاسم ثم قال: فمرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين. وهذا كما قال القاسم: إذا قصر من رأسها بأسنانه أجزأ عنها من الجلمين. قال مالك يهريق دما وخالف القاسم لقول نفسه. قال الشافعي أخبرنا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم: من أين القاسم يرمي جمرة العقبة قال: من حيث تيسر قال مالك: لا أحب أن يرميها إلا من بطن المسيل ولم يرو فيها خلافا عن أحد. 

باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حبان - وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز - فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون للتجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقص من عشرين دينارا ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا. ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول. قال الشافعي وبقول عمر نأخذ. لا يؤخذ منهم إلا مرة في الحول وخالفتموه إن اختلفوا في السنة مرارا وخالفتم عمر بن عبد العزيز في عشرين دينارا إن نقص ثلث دينار. 
فأخبرت عنه أنه قال: إن جازت جواز الوازنة أخذت منه الزكاة ولو نقصت أكثر وإن لم تجز جواز الوازنة وهي تنقص ثلث دينار أو أكثر أو أقل لم يؤخذ منها زكاة وزعمتم أن الدراهم إن نقصت عن مائتي درهم وهي تجوز جواز الوازنة أخذت منها الزكاة. قال الشافعي لسنا نقول بهذا. إذا قال رسول الله :  ليس فيما دون خمس أواق صدقة  فهو كما قال رسول الله . فلو نقصت حبة لم يكن فيها صدقة لأن ذلك دون خمس أواق. وأنتم لم تقولوا بحديث النبي  الذي روي  ليس فيما دون خمس أواق صدقة  وهو سنة ولا بقول عمر بن عبد العزيز. قال الشافعي أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون: فقال: فيه العشر. وخالفه مالك فقال: لا يؤخذ العشر إلا من زيته وجواب ابن شهاب على حبه. قال الشافعي أخبرنا مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب: إنما الصدقة في العين والحرث والماشية قال مالك: لا صدقة إلا في عين أو حرث أو ماشية. 

 

صفحة : 2797

 وقال مالك في العرض الذي يدار: صدقة. قال الشافعي أخبرنا مالك أنه بلغه أن سعيدا - يعني ابن المسيب - وسليمان بن يسار سئلا هل في الشفعة سنة فقالا جميعا: نعم. الشفعة في الدور والأرضين ولا تكون الشفعة إلا بين القوم الشركاء. قال الشافعي وبهذا نأخذ وتأخذون في الجملة وفي هذا يعني أن تكون الشفعة إلا فيما كانت له أرض فإنه يقسم. وقد روى مالك عن عثمان أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل نخل وقال مالك: لا شفعة في طريق ولا عرصة دار وإن صلح فيها القسم وقال فيمن اشترى شقصا من دار أو حيوان أو عرض: الشفعة في الشقص بقدر ما يصيبه من الثمن ثم خالفتم معنى هذا في المكاتب فجعلتم نجومه تباع وجعلتموه أحق بما يباع منه بالشفعة. 

باب خلاف سعيد وأبي بكر في الإيلاء 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد يعني ابن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة. وقال مالك: إن مروان كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما كانت في العلة. قال مالك: وعلى ذلك رأي ابن شهاب. قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن المرأة يطلقها زوجها في بيت بكراء على من الكراء فقال سعيد: على زوجها. قال: فإن لم يكن عند زوجها قال: فعلى الأمير. 

ID ' '   خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 

صفحة : 2798


باب في سجود القران 
سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال: فيها سجدتان. فقلت: وما الحجة في ذلك. ففال: أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين. قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية بسورة الحج فسجد فيها سجدتين فقلت للشافعي: فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة. قال الشافعي فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي  فكيف تتخذون قول عمر وحده حجة وابن عمر وحده حجة حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبنون عليهما عددا من الفقه ثم يخرجون من قولهما لرأي أنفسكم هل تعلمون يستدرك على أحد قول العورة فيه أبين منها فيما وصفت من أقاويلكم. وسألت الشافعي عما روى صاحبنا وحده في المحصب فقال: أخبرنا مالك عن ابن عمر قال: كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت قلت للشافعي: نحن نقول: لا ينبغي لعالم أن يفعله. قال الشافعي: ما على العالم من النسك ما ليس على غيره. قلت: هو العالم والجاهل. قال الشافعي فإن تركاه قلت: لا فدية على واحد منهما قال: ولكنكم من أصل مذهبكم أن من ترك من نسكه شيئا أهراق دما فإن كان نسكا فقد تركتم أصل قولكم وإن كان منزل سفر لا منزل نسك فلا تأمر عالما ولا جاهلا أن ينزله. 

ID ' '   وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 

صفحة : 2799


باب غسل الجنابة 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك: ليس عليه العمل. قال الشافعي: هذا مما تركتم على ابن عمر ولم ترووا عن أحد خلافه وإذا وسعكم الترك على ابن عمر لغير قول مثله لم يجز لكم أن تقولوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه لأنفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز تركه لأنفسكم. 

باب في الرعاف 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم يتكلم. قال الشافعي: فمالك روى عن ابن المسيب وابن عباس مثله. قال الشافعي أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يقول: من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور بن مخرمة: يستأنف. ثم زعمتم أنه إنما يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروي عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن المسيب في رواية غيركم أنه يبني في المذي. وزعمتم أنكم لا تبنون في المذي. 

ID ' '   أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 

صفحة : 2800


باب الغسل بفضل الجنب والحائض 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا. قال مالك: لا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض قلت للشافعي: أنت تقول بقول مالك قال: نعم ولست أرى قول أحد مع قول النبي  حجة إنما تركته لأن النبي  كان يغتسل وعائشة فإذا اغتسلا معا كان كل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه. وأنتم تجعلون قول ابن عمر حجة على السنة وتجعلون سنة أخرى حجة عليه. إن كنتم تركتموه على ابن عمر فلعلكم لا تكونون تركتموه عليه إلا بشيء عرفتموه. 

باب التيمم 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمربد الغنم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد العصر قلت للشافعي: فإنا نقول: إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلى ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: هذا خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وقد تيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شيء صالح فلم يعد الصلاة. فكيف خالفتموه في الأمرين معا. ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه غيركم كنتم شبيها أن تقولوا: تخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم تخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه 
ID ' '   وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 

صفحة : 2801


باب الوتر 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع قال: كنت مع ابن عمر بمكة والسماء متغيمة فخشي ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة. وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضعين فتقولون لا يوتر بواحدة ومن أوتر لا يشفع وتره. ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال: لا يشفع وتره. فقلت للشافعي: ما تقول أنت في هذا. قال: بقول ابن عمر أنه يوتر بركعة. قلت: أفتقول يشفع وتره فقال: لا. فقلت: وما حجتك فيه قال: روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال: إذا أوترت فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه. وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر. 

باب الصلاة بمني والنافلة في السفر 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. قال الشافعي هذا يدل على أن الإمام إذا كان من أهل مكة صلى بمنى أربعا لأنه لا يحتمل إلا هذا. أو يكون الإمام من غير أهل مكة يتم بمنى لأن الإمام في زمان ابن عمر من بني أمية وقد أتموا بإتمام عثمان. قال: وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر لأن صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه. قال الشافعي وبهذا نقول. وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن عمر لغير رأي أحد رويتموه يخالف ابن عمر بل مع ابن عمر فيه غيره من أصحاب النبي  يوافقه. وتخالفونه ابن مسعود عاب إتمام الصلاة بمنى ثم قام فأتمها فقيل له في ذلك فقال: الخلاف شر ولو كان ذلك يفسد صلاته لم يتم وخالف فيه ولكنه رآه واسعا فأتم وإن كان الفضل عنده في القصر. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل. قال الشافعي: ومعروف عن ابن عمر عيب النافلة في النهار في السفر. قال مالك: لا بأس بالنافلة في السفر نهارا قال: فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول صاحبنا. فقال الشافعي: كيف خالفتم ابن عمر واستحببتم ما كره ولم أعلمكم تحفظون فيه شيئا يخالف. 
هذا يدل على أن احتجاجكم بقول ابن عمر استتار من الناس لأنه لا ينبغي لأحد أن يخالف 
ID ' '   يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 

صفحة : 2802


باب القنوت 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلوات. قال الشافعي وأنتم ترون القنوت في الصبح قال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه - الشك من الربيع - أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته. قال الشافعي وأنتم تخالفون عروة فتقولون: يقنت بعد الركوع. فقلت للشافعي: فأنت تقنت في الصبح بعد الركوع فقال: نعم. 
لأن النبي  قنت ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قلت: فقد وافقناك قال: أجل من حيث لا تعلمون وموافقتكم في هذا حجة عليكم في غيره. فقلت: من أين قال: أنتم تتركون الحديث عن النبي  في الحج عن الرجل بقياس على قول ابن عمر وتقولون: لا يجهل ابن عمر قول النبي . فقلت للشافعي: قد يذهب على ابن عمر بعض السنن ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها فقال الشافعي: أو يخفى عليه القنوت والنبي  يقنت عمره وأبو بكر أو يذهب عليه حفظه فقلت: نعم. قال الشافعي أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم تروون عنه إنكار القنوت وبروي غيركم من المدنيين القنوت عن النبي  وخلفائه فبهذا يبطل أن العمل كما تقول في كل أمر ويبطل قولكم لا يخفى على ابن عمر سنة وإذا جاز عليه أن ينسى أو يذهب عليه ما شاهد كان أن النبي  أمر امرأة أن تحج عن أبيها من العلم هذا أولى أن يذهب عليه ولا يجعل قوله حجة على السنة وأنها عليك في رد الحديث زعمت أن يكون لا يذهب على ابن عمر. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في التشهد. قال الشافعي وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة وعلم العامة مختلف فيه بالمدينة تخالف فيه ابن عمر وعمر وعائشة فأين الاجتماع والعمل. ما كان ينبغى لشيء أن يكون أولى أن يكون مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث مختلفة كلها. 
حديثان منها يخالفان فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم تخالف فيها ابنه وعائشة فكيف إذا ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم ثم قال أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز ادعاء الإجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت الأحاديث ردا لإجازته. 

ID ' '   سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 

صفحة : 2803


باب الصلاة قبل الفطر وبعده 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن شافع أن ابن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة وبعدها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أن أباه كان يصلي قبل أن يغدو إلى المصلى أربع ركعات. قال الشافعي والذي يروى الاختلاف فأين الإجماع إذا كانوا يختلفون في مثل هذا من الصلاة. وما تقولون أنتم قالوا: لا نرى بأسا أن يصلي قبل الصلاة وبعدها. قال الشافعي فإذا خالفتم ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر في هذا لقول الرجل من التابعين أيجوز لغيركم خلافه لقول رجل من التابعين. أو تضيقون على غيركم ما توسعون على أنفسكم فتكونون غير منصفين ويكون هذا غير مقبول من أحد. ويجوز أن تدع على ابن عمر لرجل من التابعين ولرأي صاحبك. وتجعل قول ابن عمر حجة على السنة في موضع آخر قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف بشيء خالفتموه فيه ومالك يقول: لا أراه حكى إلا عن النبي  وابن أبي ذئب يرويه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي  لا يشك فيه. قال الشافعي فإذا تركتم على ابن عمر رأيه وروايته في صلاة الخوف بحديث يزيد بن رومان عن النبي  فكيف تتركون حديثا عن النبي  أثبت من حديث يزيد بن رومان لرأي ابن عمر ثم تدعون حديث يزيد بن رومان لقول سهل بن أبي حثمة فتدعون السنة لقول سهل 
ID ' '   وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 

صفحة : 2804


باب نوم الجالس والمضطجع 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ. 
قال الشافعي وهكذا نقول. وإن طال ذلك لا فرق بين طويله وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الأرض. ونقول: إذا كان مضجعا أعاد الوضوء. قال الشافعي أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ. قال الشافعي ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع قليله وكثيره سواء أو خارجا من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك توضأ. قال الشافعي فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره والخروج من أقاويل الناس قوك ابن عمر كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقول الحسن: من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال في السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعي للجنازة فمسح على خفيه ثم صلى. قلت للشافعي: فإنا نقول: لا يجوز هذا إنما يمسح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف. فقال الشافعي: إني لأرى خلاف ابن عمر عليكم خفيفا لرأي أنفسكم لا بل لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول ابن عمر وإن جاز زلل ابن عمر عندكم وإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم فلم تكلفتم الرواية عن غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم بلا حجة. 

ID ' '   والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 2805


باب إسراع المشي إلى الصلاة 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد. قال الشافعي وكرهتم. زعمتم إسراع المشي إلى المسجد فقلت للشافعي: نحن نكره الإسراع إلى المسجد إذا أقيمت الصلاة. قال الشافعي فإن كنتم كرهتموه لقول النبي :  إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوهها تمشون وعليكم السكينة  فقد أصبتم. وهكذا ينبغي لكم في كل أمر لرسول الله فيه سنة. فأما أن قياس قول ابن عمر ويخطىء القياس عليه حجة على أن رسول الله  أمر امرأة تحج عن أبيها ورجلا يحج عن أبيه نقال:  لا يحج أحد عن أحد  . لأن ابن عمر قال:  لا يصلي أحد عن أحد  فكيف يجوز لمسلم أن يدع ما يروى عن رسول الله إلى ما يروى عن غيره ثم يدعه لقياس يخطىء فيه وهو هنا يصيب في ترك ما روي عن ابن عمر إذ روي عن النبي  خلافه ثم يزيد فيخرج إلى خلاف ابن عمر معه سنة رسول الله  في غير هذا الموضع. 

باب رفع الأيدي في التكبير 
سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود. فقلت للشافعي: فما الحجة في ذلك فقال: أخبرنا هذا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي  مثل قولنا. فقلت: فإنا نقول: يرفع في الابتداء ثم لا يعود. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع من الركوع رفعهما كذلك وهو يرى عن النبي  أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما. كذلك. ثم خالفتم رسول الله  وابن عمر فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة. وقد رويتم عنهما أنهما رفعا في الابتداء وعند الرفع من الركوع. قال الشافعي أفيجوز لعالم أن يترك على النبي  وابن عمر لرأي نفسه أو على النبي  لرأي ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر ويصيب فيه يترك على ابن عمر لما روي عن النبي  فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض أرأيت إن جاز له 
 

صفحة : 2806

 أن يروي عن النبي  أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا وعن ابن عمر فيه اثنتين ويأخذ بواحدة ويترك واحدة أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك أو يجوز لغيره تركه عليه قال الشافعي لا يجوز له ولا لغيره ترك ما روي عن النبي  فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: ما معنى رفع الأيدي. قال الشافعي هذه الحجة غاية من الجهل معناه تعظيم الله واتباع السنة معنى الرفع في الأول معنى الرفع الذي خالف فيه النبي  عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي عيه وابن عمر معا لغير قول واحد روي عنه رفع الأيدي في الصلاة تثبت روايته يروى ذلك عن رسول الله ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ويروى عن أصحاب النبي  من غير وجه فقد ترك السنة. 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه. قال: ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس له. قال الشافعي وبهذا نأخذ. وهذا يشبه سنة النبي . قال الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: أمر النبي  أن يسجد على سبع فذكر منها: كفيه وركبتيه. قال الشافعي ففعل في هذا بما أمر به. ففعل النبي  فأفضى بيده إلى الأرض وإن كان البرد شديدا كما يفضي بجبهته إلى الأرض. 
فإن كان فبهذا كله نقول. وخالفتم هذا عن ابن عمر حيث وافق سنة النبي  فقلتم: لا يفضي بيديه إلى الأرض في حر ولا برد إن شاء الله. 

ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 

صفحة : 2807


باب الصيام 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة. قال مالك وأهل العلم يرون عليها من ذلك القضاء. قال مالك: عليها القضاء لأن الله عز وجل يقول: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. قال الشافعي وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم. ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول: هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لأن الحامل ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغي أن يجعل قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي  ويخطىء القياس فيقول حين قال ابن عمر: لا يصلي أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر وترك قول النبي  له وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان فقال: عليه القضاء ولا كفارة عليه. 
ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة. فقلت: وما الحجة في ذلك. فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن فرعه القيء فليس عليه القضاء. فقلت للشافعي: فإنا نقول ذلك: من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه. قال الشافعي فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت الشمس فقال: الخطب يسير. وقد اجتهدنا - يعني قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضع تخالفونهما فيما هو مثل معناه. قال: فقلت للشافعي: وما هذا الموضع الذي نخالفهما في مثل معناه فقال: روينا عن رسول الله : أنه أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم. فقلتم: لا يعتق ولا يصوم ويتصدق. فخالفتموه في اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة. ومن استقاء أو أفطر وهو يرى أن الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالإجماع فلم تحسنوا الإتباع ولا القياس. والله يغفر لنا ولكم. فقلت للشافعي: فكيف كان يكون القياس على ما روي عن النبي  في المجامع نهارا. فقال: ما قلنا: من أن لا يقاس عليه شيء غيره. وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو 
 

صفحة : 2808

 يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس وهو يرى أن الشمس غربت. ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي  وليس يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الأمر الذي لا أعلم فيه مخالفا وأن أنظر فأي حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم يطلع والمستقيء وغيره. ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لأنك تجعل ذلك فطرا له وأنت تترك الحديث نفسه ثم تدعي فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شيء تعرفه. 
قال: سألت الشافعي: هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة فقال: نعم والماء يزيده شعثا. 
وقال: الحجة فيه أن النبي  غسل رأسه ثم غسله عمر. قلت: كيف ذكر مالك عن ابن عمر قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام. قال: ونحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام. 
ويروى عن النبي  أنه اغتسل وهو محرم قلت: فهكذا نقول. قال الشافعي وإذا ترك قول ابن عمر لما روي عن النبي  وعمر فهكذا ينبغي أن تتركوا عليه لكل ما روي عن النبي  خلاف. وإذا وجد في الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي  وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا تنكروا ن يذهب على ابن عمر للنبي  سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو علمها ما خالفها ولا رغب عنها - إن شاء الله - فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم. فقلت للشافعي: فإنه يخالف ابن عمر وبقول بقول ابن المسيب. فقال الشافعي: إن من استجاز خلاف ابن عمر ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله  لقول ابن عمر. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:  ما استيسر من الهدي  بعير أو بقرة. قال الشافعي ونحن وأنت نقول  ما استيسر من الهدي  شاة ويرويه عن ابن عباس. وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي  واجبا. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من 
 

صفحة : 2809

 رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج. قال مالك: ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج. قال الشافعي وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. قلت: فإنا نقول: ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس. قال الشافعي وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة. 
قلت: فإنا نقول: يقصر الصلاة إذا جاوز البيوت. قال الشافعي فهذا مما تركتم على ابن عمر. 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال كل ذلك. قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر. قلت للشافعي: فإنا نقول: يلبي حتى تؤول الشمس ويلبي وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت الشمس من يوم عرفة. قال الشافعي فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي  فلا ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الإجماع في كل أمر وأنت نروي الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي  فلم يعب الصيام على المفطرون ولا المفطرون على الصائمين وقد اختلف بعض أصحاب النبي  بعده في غير شيء. قلت للشافعي: فما تقول أنت فيه فقال: أقول: إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله جل وعز الأمر فيه والاختلاف واسع وليس الإجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان. وإذا كان بها اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الإجماع فليس بموجود. قال: وسألت الشافعي عن العمرة في أشهر الحج ففال: حسنة أستحسنها وهي أحب منها بعد الحج. لقول الله عز وجل:  فمن تمتع بالعمرة إلى الحج  ولقول رسول الله:  دخلت العمرة في الحج  ولأن النبي  أمر أصحابه:  من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة  . قال الشافعي أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: والله لأن أعتمر قبل أن أحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة. فقلت للشافعي: فإنا نكره العمرة قبل الحج. قال الشافعي فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه 
 

صفحة : 2810

 منها وما رويتم عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا من أهل بحج فلم كرهتم ما روي أنه فعل مع النبي  وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار. والله المستعان. 

باب الإهلال من دون الميقات 
قال: سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات: فقال: حسن. قلت له: وما الحجة فيه قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء. وإذا كان ابن عمر روى عن النبي  أنه وقت المواقيت وأهل من إيلياء وإنما روى عطاء عن النبي  أنه لما وقت المواقيت قال: يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه. ولكنه أمر أن لا يجاوزه حاج ولا معتمر إلا بإحرام. 
قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي  قال: قلت للشافعي: فإنا نكره أن يهل أحد من وراء الميقات. قال الشافعي وكيف كرهتم ما اختار ابن عمر لنفسه وقاله معه علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب في رجل من أهل العراق إتمام العمرة: أن تحرم من دويرة أهلك ما أعلمه يؤخذ على أحد أكثر مما يؤخذ عليكم من خلاف ما رويت وروى غيرك عن السلف. 

ID ' '   القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 

صفحة : 2811


باب في الغدو من مني إلى عرفة 
قال سألت الشافعي عن الغدو من منى إلى عرفة يوم عرفة فقال: ليس فيه ضيق والذي أختار أن يغدو إذا طلعت الشمس. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو من منى إلى عرفة إذا طلعت الشمس قال: فقلت للشافعي: فإنا نكره هذا ونقول: يغدو من منى إذا صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس. قال الشافعي فكيف لم تتبعوا ابن عمر وقد حج مع النبي  وخلفائه وكان الحج خاصة مما ينسب ابن عمر عندهم إلى العلم به. وقد روي عن النبي  من وجه آخر أنه غدا من منى حين طلعت الشمس. وقال محمد بن علي: السنة أن يغدو الإمام من منى إذا طلعت الشمس فعمن رويتم كراهية هذا 
باب قطع التلبية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج ذا انتهى إلى الحرم. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر حج في الفتنة فأهل ثم نظر فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة. ونحن لا نرى بهذا بأسا. فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرن الحج مع العمرة. فقال الشافعي: فكيف كرهتم غير مكروه وخالفتم من لا ينبغي لكم خلافه وما نراكم تبالون من خالفتم إذا شئتم. 

ID ' '   صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 

صفحة : 2812


باب النكاح 
قال الشافعي أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس وابن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة: فكرها أن يجمع بينهما. قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه كان يقول: لا تنكح الأمة على الحرة فإن أطاعت فلها الثلثان. قال الشافعي وهذا مما تركتم بغير رواية عن غيره عندكم علمتها فقلت للشافعي: فإنا نكره أن ينكح أحد أمة وهو يجد طولا لحرة. قال الشافعي فقد خالفتم ما رويتم عن ابن عباس وابن عمر لأنهما لم يكرها في روايتكم إلا الجمع بين الحرة والأمة لا أنهما كرها ما كرهتم وهكذا خالفتم ما رويتم عن ابن المسيب. وهل رويتم في قولكم شيئا عن حد من أصحاب رسول الله  بخلافه فقلت: ما علمت. فقال: فكيف استجزتم خلاف من شئتم 
باب التمليك 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها الرجل فيقول لها: لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبى عتيق وعيناه تدمعان. فقال له زيد: ما شأنك. قال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد: ما حملك على ذلك فقال له: القدر فقال له زيد: ارتجعها إن شئت وإنما هي واحدة وأنت أملك بها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق فسكت. ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر فقالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر. فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه. قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء وبراه أحسن ما سمع في ذلك. قلت للشافعي: إنا نقول في المخيرة: إذا اختارت نفسها هي ثلاث. وفي التي يجعل أمرها بيدها أو تملك أمرها أيما تملك القضاء ما قضت إلا أن يناكرها زوجها. قال الشافعي هذا خلاف ما رويتم عن زيد بن ثابت وخلاف ما روى غيركم عن علي بن أبي طالب وابن مسعود. وغيرهما فأجعلك اخترت قول ابن عمر على قول من خالفه في المملكة فإلى قول من ذهبت في المخيرة وعمن تقول: أن اختاري وأمرك بيدك 
 

صفحة : 2813

 سواء وأنت لا نعلمك رويت في المخيرة عن واحد من أصحاب رسول الله قال الشافعي قولا يوافق قولك فإن رويت في هذا اختلافا عن أصحاب رسول الله  فكيف ادعيت الإجماع. وإذا حكيت فأكثر ما تحكي الاختلاف. 

باب المتعة 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها الصداق ولم تمس فحسبها ما فرض لها. قال الشافعي أخبرنا مالك عن القاسم بن محمد مثله. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة. فقلت للشافعي: فإنا نقول خلاف قول ابن شهاب لقول ابن عمر. قال الشافعي فبقول ابن عمر قلتم وأنتم تخالفونه. قال: فقلت للشافعي: وأين قال: زعمتم أن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها نصف الصداق. وهذا يوافق القرآن فيه. وقوله فيمن سواها من المطلقات: أن لها متعة يوافق القرآن لقول الله جل ثناؤه:  لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن  . وقال الله جل ذكره:  وللمطلقات متاع بالمعروف  قلت: فإنما ذهبنا إلى أن هذا إنما هو لمن ابتدأ الزوج طلاقه فيها أرأيت المختلعة والمملكة فإن هاتين طلقتا أنفسهما. قال: أليس الزوج ملكها ذلك وملكه التي حلف أن لا تخرج فخرجت وملكه رجلا يطلق امرأته ثم فرقت بينهن وبين المطلقات في المتعة ثم فرقت بين أنفسهن وكلهن طلقها غير الزوج إلا أن ابتداء الطلاق الذي به كان من الزوج فإن قلت: لأن الله إنما ذكر المطلقات والمطلقات المرأة يطلقها زوجها فإن اختلعت عندك فليس الزوج هو المطلق لأنه أدخل قبل الطلاق شيئا لزمك أن تخالف معنى القرآن لأن الله عز وجل يقول:  والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء  . فإن زعمت أن المملكة والمختلعة ومن سمينا من النساء  يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء  مطلقات لأن الطلاق جاء من الزوج إذا قبل الخلع وجعل إليهن الطلاق وإلى غيرهن فطلقهن فهو المطلق وعليه يحرمن. فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات لهن المتعة في كتاب الله ثم قول ابن عمر والله أعلم. 

ID ' '   هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 

صفحة : 2814


باب الخلية والبرية 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا. قال الشافعي مذهب ابن عمر فيه ومن ذهب مذهبه: أن الخلية والبرية تقوم مقام قوله لامرأته: أنت طالق ثلاثا. ولا ينويه شيئا من ذلك. ومن قال لمدخول بها وغير مدخول بها: أنت طالق ثلاثا وقعت عليه عندنا وعند عامة المفتين وعندكم. قال الشافعي: قد خالفتم ابن عمر في بعض هذا القول ووافقتموه في بعض فقلتم: الخلية والبرية ثلاث في المدخول بها فلا يدين في التي لم يدخل بها ثلاثا أراد أو واحدة فلا أنتم قلتم كما قال ابن عمر ومن قال قوله فيقول: لا ألتفت أن يدين المطلق وأستعمل عليها الأغلب. ولا أنتم ذهبتم إذ كان الكلام منه يحتمل معنيين إلى أن يجعل القول قوله مع يمينه ولكنكم خالفتم هذا معا في معنى ووافقتموه معا في معنى. وما للناس فيها قول إلا قد خرجتم منه إنما قال الناس قولين: أحدهما أن قال بعضهم قول ابن عمر أولئك استعملوا الأغلب فجعلوا الخلية والبرية والبتة ثلاثا كقوله: أنت طالق ثلاثا. وآخرون قالوا بقول عمر في البتة يدين. فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فواحدة. وآخرون ذهبوا إلى أن الكلمة احتملت معنيين فجعلوا عليه الأقل فجعلوا الخلية والبرية واحدة إذا أراد بها الطلاق. 
وقولكم خارج من هذا مخالف لما رويتم وجميع الآثار في بعضه. وزدتم قولا ثالثا هو داخل في أحد القولين وهو أن يملك الرجل امرأته أمرها فرويتم عن ابن عمر القضاء ما قضت إلا أن يناكرها. ثم زعمتم أنه إن ملك امرأته أمرها - وهي مدخول بها - فهكذا وإن كانت غير مدخول بها نويتموه والبتة ليست مذهبكم إنما البتة مذهب من لا يوقع عليها الطلاق إذا احتمل الكلام الطلاق وغيره إلا بإرادة الطلاق كما روينا عن النبي  ثم عمر وغيرهما. 

ID ' '   على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 2815


باب في بيع الحيوان 
قال: سألت الشافعي عن بيع الحيوان فقال: لا ربا في الحيوان يدا بيد ونسيئة ولا يعدو الربا في زيادة الذهب والورق والمأكول والمشروب. فقلت: وما الحجة فيه فقال: فيه حديث عن النبي  ثابت وعن ابن عباس وغيره من رواية أهل البصرة ومن حديث مالك أحاديث. قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة. قال الشافعي أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن عليا باع جملا له يقال له: عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب كان يقول: لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث: المضامين والملاقيح وحبل الحبلة. قال الشافعي أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال: لا بأس به. قال الشافعي وبهذا كله نقول. 
وخالفتم هذا كله. ومثل هذا يكون عندكم العمل لأنكم رويتم عن رجلين من أصحاب النبي  ورجلين من التابعين أحدهما أسن من الآخر وقلتم: لا يجوز البعير بالبعيرين إلا أن تختلف رحلتهما ونجابتهما فيجوز. فإن أردتم بها قياسا على التمر بالتمر فذلك لا يصلح إلا كيلا بكيل. ولو كان أحد التمرين خيرا من الآخر ولا يصلح شيء من الطعام بشيء من الطعام نسيئة وأنتم تجيزون بعض الحيوان ببعض نسيئة فلم تتبعوا فيه من رويتم عنه إجازته ممن سميت ولم تجعلوه قياسا على غيره. وقلتم فيه قولا متناقضا خارجا من السنة والآثار والقياس والمعقول لعمري إن حرم البعير بالبعيرين مثله في الرحلة والنجابة ما يعدو أن يحرم خبرا والخبر يدل على إحلاله وقد خالفتموه. ولو حرمتموه قياسا على ما الزيادة في بعضه على بعض الربا لقد خالفتم القياس وأجزتم البعير بالبعيرين مثله وزيادة دراهم وليس يجوز التمر بالتمر وزيادة دراهم ولا شيء من الأشياء. وما علمت أحدا من أصحاب رسول الله  قال قولكم وإن عامة المفتين بمكة والأمصار لعلى خلاف قولكم وإن قولكم لخارج من الآثار يخالفها كلها ما رويتم منها وروى غيركم خارج من القياس والمعقول فكيف جاز لأحد قول يستدرك فيه ما وصفت ثم لا يستدرك في قليل من قوله بل في كثير والله المستعان. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن أذينة قال: خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطريق عجزت فسألت عبد الله بن 
 

صفحة : 2816

 عمر فقال عبد الله: مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت قال مالك: وعليها الهدي. قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان علي مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا: عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت. فأمروني أن أمشي. من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى. قال الشافعي فرويتم عن ابن عمر أنه أمرها أن تمشي ورويتم ذلك عمن سأل بالمدينة ولم ترووا عنهم أنهم أمروها بهدي فخالفتم في أمرها بهدي وهذا عندكم إجماع بالمدينة. ورويتم أن عطاء وغيره أمروه بهدي ولم يأمروه بمشي فخالف في رواية نفسه عطاء وابن عمر والمدنيين ولا أدري أين العمل الذي تدعون من قولكم ولا أين الإجماع منه هذا خلافهما فيما رويتم وخلاف رواية غيركم عن ابن عمر وغيره. وما يجوز من هذا إلا واحد من قولين: إما قول ابن عمر يمشي ما ركب حتى يكون بالمشي كله وإما أن لا يكون عليه عودة لأنه قد جاء بحج أو عمرة وعليه هدي مكان ركوبه وإما أن يمشي ويهدي فقد كلفه الأمرين معا وإنما ينبغي أن يكون عليه أحدهما. والله أعلم. 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال:  من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة  . قال الشافعي فخالفتم ابن عمر فقلتم: التوكيد وغيره سواء ويجزيه فيه إطعام عشرة مساكين. نراكم تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين. قلتم: هم أشد تقدما في العلم. وأحدث برسول الله  وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم وعظمتم خلافهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقتكم منه أن يكون خلافه لأن من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق علمكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم. وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لأنه إذا لم يجز لمن يخالف بعض الأثر فيحسن الاحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد. تلتم: إن زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي  إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام. قال الشافعي وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما 
 

صفحة : 2817

 أدري إلى أي شيء ذهبتم إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي  وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي  قبل أن يكون مد هشام فإن زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله  وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لأن الله عز وجل أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله  كم قدر كيلها كما أبان ذلك في زكاة الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله  للناس وكفر به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل: كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي  هل الحجة عليه إلا أن نقول: لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم فقلت للشافعي: فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي  أحد فقال: معاذ الله أن يكون زعمنا أن مسلما قط غيركم. قال: إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي  قال: فما شيء يقوله بعض المشرقيين. قلت: قول متوجه وإن خالفناه قال: وما هو قلت: قالوا: الكفارات بمد النبي  يطعم المسكين مدين مدين قياسا على أن النبي  أمر كعب بن عجرة أن يطعم في فدية الأذى كل مسكين مدين مدين ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول: إن كفارة بغير مد النبي . فقلت للشافعي: فلعل مد هشام مدان بمد النبي  فقال للشافعي: لا هو مد وثلث أو مد ونصف. فقلت للشافعي: أفتعرف لقولنا وجها فقال: لا وجه لكم يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول: هي مد مد بمد النبي  لكل مسكين. وقال بعض المشرقيين: مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين مكيلة شيء من الكفارات فلا. 

ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 2818


باب زكاة الفطر 
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة. قال الشافعي هذا حسن واستحسنه لمن فعله. 
والحجة بأن النبي  تسلف صدقة العباس قبل أن تحل. وبقول ابن عمر وغيره. فقلت للشافعي: فإنا نكره لأحد أن يؤدي زكاة الفطر إلا مع الغدو يوم الفطر وذلك حين يحل بعد الفجر. قال الشافعي قد خالفتم ابن عمر في روايتكم. وما روى غيركم عن النبي  أنه تسلف صدقة عباس بن عبد المطلب قبل محلها لغير قول واحد علمتكم رويتموه عنه من أصحاب النبي  ولا التابعين. فلست أدري لأي معنى تحملون ما حملتم من الحديث. إن كنتم حملتموه لتعلموا الناس أنكم قد عرفتموه فخالفتموه بعد المعرفة فقد وقعتم بالذي أردتم وأظهرتم للناس خلاف السلف. وإن كنتم حملتموه لتأخذوا به فقد أخطأتم ما تركتم منه وما تركتم منه كثير في قليل ما رويتم. وإن كانت الحجة عندكم ليست في الحديث فلم تكلفتم روايته واحتججتم بما وافقتم منه على من خالفه. ما تخرجون من قلة النصفة والخطأ فيما صح إذ تركتم مثله وأخذتم بمثله ولا يجوز أن يكون شيء مرة حجة ومرة غير حجة. 

ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م