انتقل إلى المحتوى

كتاب الأم - المجلد الثامن7

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

باب حد الزنا والشهادة عليه

كتاب الحدود 
باب حد الزنا والشهادة عليه  

صفحة : 2445

 قال الشافعي رحمه الله: رجم  محصنين يهوديين زنيا، ورجم عمر محصنة، وجلد عليه السلام بكرا مائة وغربه عاما وبذلك أقول. فإذا أصاب الحر أو أصيبت الحرة بعد البلوغ بنكاح صحيح فقد أحصنا فمن زنى منهما فحده الرجم حتى يموت ثم يغسل ويصلى عليه ويدفن، ويجوز للإمام أن يحضر رجمه ويترك فإن لم يحصن جلد مائة وغرب عاما عن بلده بالسنة، ولو أقر مرة حد لأن النبي  أمر أنيسا أن يغدو على امرأة فإن اعترفت رجمها، وأمر عمر رضي الله عنه أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمرا بعدد إقراره وفي ذلك دليل أنه يجوز أن يقيم الإمام الحدود وإن لم يحضره، ومتى رجع ترك وقع به بعض الحد أو لم يقع. قال: ولا يقام حد الجلد على حبلى ولا على المريض المدنف ولا في يوم حره أو برده مفرط ولا في أسباب التلف، ويرجم المحصن في كل ذلك إلا أن تكون امرأة حبلى فتترك حتى تضع ويكفل ولدها، وإن كان البكر نضو الخلق إن ضرب بالسيف تلف ضرب بأثكال النخل اتباعا لفعل النبي  ذلك في مثله، ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة يقولون: رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة. قال المزني رحمه الله: قلت أنا ولم يجعل في كتاب الشهادات إتيان البهيمة زنا ولا في كتاب الطهارة في مس فرج البهيمة وضوءا. قال: وإن شهدوا متفرقين قبلتهم إذا كان الزنا واحدا، ومن رجع بعد تمام الشهادة لم يحد غيره وإن لم تتم شهود الزنا أربعة فهم قذفة يحدون، فإن رجم بشهادة أربعة ثم رجع أحدهم سألته فإن قال: عمدت أن أشهد بزور مع غيري ليقتل فعليه القود، وإن قال: شهدت ولا أعلم عليه القتل أو غيره أحلف وكان عليه ربع الدية والحد، وكذلك إن رجع الباقون ولو شهد عليها بالزنا أربعة وشهد أربع نسوة عدول أنها عذراء فلا حد، وإن أكرهها على الزنا فعليه الحد دونها ومهر مثلها، وحد العبد والأمة - أحصنا بالزواج أو لم يحصنا- نصف حد الحر والجلد خمسون جلدة. وقال في موضع آخر: أستخير الله في نفيه نصف سنة وقطع في موضع آخر بأن ينفى نصف سنة. قال المزني رحمه الله: قلت أنا وهذا بقوله أولى قياسا على نصف ما يجب على الحر من عقوبة الزنا. قال الشافعي رحمه الله: ويحد الرجل أمته إذا زنت لقول النبي :  إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها  . 

باب ما جاء في حد الذميين 
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الحدود: وإن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم أو ندع، فإن حكمنا حددنا المحصن بالرجم لأن النبي  رجم يهوديين زنيا وجلدنا البكر مائة وغربناه عاما. وقال في كتاب الجزية: إنه لا خيار له إذا جاؤوه في حد الله فعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله عز وجل:  وهم صاغرون  قال المزني رحمه الله: هذا أولى قوليه به إذ زعم أن معنى قول الله تعالى:  وهم صاغرون  أي تجري عليهم أحكام الإسلام ما لم يكن أمر حكم الإسلام فيه تركهم وإياه. 

باب حد القذف 
قال الشافعي رحمه الله: إذا قذف البالغ حرا بالغا مسلما أو حرة بالغة مسلمة حد ثمانين، فإن قذف نفرا بكلمة واحدة كان لكل واحد منهم حده، فإن قال: يا بن الزانيين وكان أبواه حرين مسلمين ميتين فعليه حدان ويأخذ حد الميت ولده وعصبته من كانوا، ولو قال القاذف للمقذوف: إنه عبد فعلى المقفوف البينة لأنه يدعي الحد وعلى القاذف اليمين لأنه ينكر الحد، ولو قال لعربي: يا نبطي فإن قال: عنيت نبطي الدار أو اللسان أحلفته ما أراد أن ينسبه إلى النبط ونهيته أن يعود وأدبته على الأذى، فإن لم يحلف حلف المقذوف لقد أراد نفيه وحد له فإن عفا فلا حد له، وإن قال عنيت بالقذف الأب الجاهلي حلف وعزر على الأذى، ولو قذف امرأة وطئت وطأ حراما درىء عنه في هذا الحد وعزر، ولا يحد من لم تكمل فيه الحرية إلا حد العبد ولا حد في التعريض لأن الله تعالى أباح التعريض فيما حرم عقده فقال: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله  . وقال تعالى:  ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء  فجعل التعريض مخالفا للتصريح فلا يحد إلا بقذف صريح. 

كتاب السرقة 
باب ما يجب فيه القطع من كتاب الحدود وغيره  

صفحة : 2446

 قال الشافعي رحمه الله: القطع في ربع دينار فصاعدا لثبوت الخبر عن النبي  بذلك، وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار. قال مالك: هي الأترجة التي تؤكل. قال الشافعي وفي ذلك دلالة على قطع من سرق الرطب من طعام وغيره إذا بلغت سرقته ربع دينار وأخرجها من حرزها، والدينار هو المثقال الذي كان على عهد النبي ، ولا يقطع إلا من بلغ الاحتلام من الرجال والحيض من النساء أو أيهما استكمل خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم أو لم تحض، وجملة الحرز أن ينظر إلى المسروق فإن كان الموضع الذي سرق منه ينسبه العامة إلى أنه حرز في مثل ذلك الموضع قطع إذا أخرجها من الحرز، وإن لم ينسبه العامة إلى أنه حرز لم يقطع، ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فقطع عليه السلام سارق ردائه. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ضم متاع السوق إلى بعض في موضع تبايعاه وربط بحبل أو جعل الطعام في حبس وخيط عليه قطع وهكذا يحرز، وإذا كان يقود قطار إبل أو يسوقها وقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع، وإن أناخها حيث ينظر إليها في صحراء أو كانت غنما فآواها إلى مراح فاضطجع حيث ينظر إليها فهذا حرزها، ولو ضرب فسطاطا وآوى فيه متاعه فاضطجع فسرق الفسطاط والمتاع من جوفه قطع لأن اضطجاعه حرز له ولما فيه إلا أن الأحراز تختلف فيحرز كل بما تكون العامة تحرز مثله، ولو اضطجع في صحراء ووضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم في مقاعد ليس عليها حرز لم يضم ولم يربط، أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطريق غير مقطورة أو أباتها بصحراء ولم يضطجع عندها، أو ضرب فسطاطا فلم يضطجع فيه فسرق من هذا شيء لم يقطع لأن العامة لا ترى هذا حرزا. والبيوت المغلقة حرز لما فيها وإن سرق منها شيء فأخرج بنقب أو فتح باب أو قلعه قطع، وإن كان البيت مفتوحا لم يقطع، وإن أخرجه من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق منه وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار لأنها حرز لما فيها، وإن كانت مشتركة وأخرجه من الحجرة إلى الدار فليست الدار بحرز لأحد من السكان فيقطع، ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب وأخذها رجل من خارج لم يقطع واحد منهما، وإن رمى بها فأخرجها من الحرز قطع، وإن كانوا ثلاثة فحملوا متاعا فأخرجوه معا يبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن نقص شيئا لم يقطعوا، وإن أخرجوه متفرقا فمن أخرج ما يساوي ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار لم يقطع، ولو نقبوا معا ثم أخرج بعضهم ولم يخرج بعض قطع المخرج خاصة، وإن سرق سارق ثوبا فشقه أو شاة فذبحها في حرزها ثم أخرج ما سرق فإن بلغ ربع دينار قطع وإلا لم يقطع، ولو كانت قيمة ما سرق ربع دينار ثم نقصت القيمة فصارت أقل من ربع دينار ثم زادت القيمة فإنما أنظر إلى الحال التي خرج بها من الحرز، ولو وهبت له لم أدرأ بذلك عنه الحد، وإن سرق عبدا صغيرا لا يعقل أو أعجميا من حرز قطع وإن كان يقعل لم يقطع، وإن سرق مصحفا أو سيفا أو شيئا مما يحل ثمنه قطع، وإن أعار رجلا بيتا فكان يغلقه دونه فسرق منه رب البيت قطع، ويقطع العبد آبقا وغير آبق، ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله. 

باب قطع اليد والرجل في السرقة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال في السارق:  إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله  . واحتج بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع يد السارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل. قال الشافعي رحمه الله: فإذا سرق قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت بالنار، فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من مفصل الكعب ثم حسمت بالنار ويقطع بأخف مؤنة وأقرب سلامة، وإن سرق الخامسة عزر وحبس. ولا يقطع الحربي إذا دخل إلينا بأمان ويضمن السرقة. 

باب الإقرار بالسرقة والشهادة عليها 
 

صفحة : 2447

 قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقام على سارق حد إلا بأن يثبت على إقراره حتى يقام عليه الحد أو بعدلين يقولان: إن هذا بعينه سرق متاعا لهذا من حرزه بصفاته يسوي ربع دينار ويحضر المسروق منه ويدعي شهادتهما، فإن ادعى أن هذا متاعه غلبه عليه وابتاعه منه أو أذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله له خصما لو نكل صاحبه أحلفت المشهود عليه ودفعته إليه، وإن لم يحضر رب المتاع حبس السارق حتى يحضر، ولو شهد رجل امرأتان أو شاهد ويمين على سرقة أوجبت الغرم في المال ولم أوجبه في الحد. وفي إقرار العبد بالسرقة شيئان أحدهما: لله في بدنه فأقطعه، والآخر في ماله وهو لا يملك مالا فإذا أعتق وملك أغرمته. 

باب غرم السارق ما سرق 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أغرم السارق ما سرق قطع أو لم يقطع، وكذلك قاطع الطريق والحد لله فلا يسقط حد الله غرم ما أتلف للعباد. 

ما لا قطع فيه 
قال الشافعي رحمه الله: ولا قطع على من سرق من غير حرز ولا في خلسة، ولا على عبد سرق من متاع سيده، ولا على زوج سرق من متاع زوجته، ولا على امرأة سرقت من متاع زوجها، ولا على عبد واحد منهما سرق من متاع صاحبه للأثر والشبهة ولخلطة كل واحد منهما بصاحبه. وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي: إذا سرقت من مال زوجها الذي لم يأتمنها عليه وفي حرز منها قطعت. قال المزني رحمه الله: هذا أقيس عندي. 
قال الشافعي: ولا يقطع من سرق من مال ولده وولد ولده أو أبيه أو أمه أو أجداده من قبل أيهما كان، ولا يقطعفي طنبور ولا مزمار ولا خمر ولا خنزير. 

باب قطاع الطريق 
قال الشافعي عن ابن عباس في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يؤخذوا فيقام عليهم الحد. قال الشافعي فبهذا أقول. وقطاع الطريق هم الذين يعترضون بالسلاح القوم حتى يغصبوهم المال في الصحارى مجاهرة وأراهم في المصر إن لم يكونوا أعظم ذنبا فحدودهم واحدة ، ولا يقطع منهم إلا من أخذ ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق، ويحد كل رجل منهم بقدر فعله فمن وجب عليه القتل والصلب قتله قبل صلبه كراهية تعذيبه. وقال في كتاب قتل العمد: يصلب ثلاثا ثم يترك. قال: ومن وجب عليه القتل دون الصلب قتل ودفع إلى أهله يكفنونه، ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت بالنار، ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد ثم خلي، ومن حضر منهم وكثر أو هيب أو كان ردءا عزر وحبس، ومن قتل وجرح أقص لصاحب الجرح ثم قطع لا يمنع حق الله حق الآدميين في الجراح وغيرها، ومن عفا الجراح كان له، ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل، ومن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولا تسقط حقوق الآدميين، ويحتمل أن يسقط كل حق لله بالتوبة. وقال في كتاب الحدود: وبه أقول. قال: ولو شهد شاهدان من الرفقة أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا متاعنا لم تجز شهادتهما لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا بهم كذا وكذا وأخذوا منهم كذا وكذا ونحن ننظر، وليس للإمام أن يكشفهما عن غير ذلك. قال: وإذا اجتمعت على رجل حدود وقذف بدىء بحد القذف ثمانين جلدة ثم حبس، فإذا برأ أحد في الزنا مائة جلدة، فإذا برأ قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف لقطع الطريق وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا، فإن مات في الحد الأول سقطت عنه الحدود كلها وفي ماله دية النفس. 

باب الأشربة والحل فيها 
قال الشافعي رحمه الله: كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وفيه الحد قياسا على الخمر، ولا يحد إلا بأن يقول: شربت الخمر أو يشهد عليه به، أو يقول شربت ما يسكر أو يشرب من إناء هو ونفر فيسكر بعضهم فيدل على أن الشراب مسكر، واحتج بأن علي بن أبي طالب قال: لا أوتي بأحد شرب خمرا أو نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد. 

باب عدد حد الخمر 
ومن يموت من ضرب الإمام وخطأ السلطان  

صفحة : 2448

 قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: أتي النبي  بشارب فقال:  اضربوه  ، فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب، ثم قال:  نكبوه  فنكبوه ثم أرسله قال: فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين، فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر، ثم تتابع الناس في الخمر فاستشار فضرب ثمانين. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار فقال علي: نرى أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال، فجلده عمر ثمانين في الخمر. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي شيئا الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي ، فمن مات منه فديته- إما قال- في بيت المال- وإما قال- على عاقلة الإمام.  الشك من الشافعي  . قال الشافعي وإذا ضرب الإمام في خمر أو ما يسكر من شراب بنعلين أو طرف ثوب أو رداء أو ما أشبهه ضربا يحيط العلم أنه لم يجاوز أربعين فمات من ذلك فالحق قتله، وإن ضرب أكثر من أربعين بالنعال وغير ذلك فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال لأن عمر أرسل إلى امرأة ففزعت فأجهضت ذا بطنها، فاستشار عليا فأشار عليه أن يديه فأمر عمر عليا فقال عمر: عزمت عليك لتقسمنها على قومك. قال المزني رحمه الله: هذا غلط في قوله إذا ضرب أكثر من أربعين فمات فلم يمت من الزيادة وحدها وإنما مات من الأربعين وغيرها، فكيف تكون الدية على الإمام كلها وإنما مات المضروب من مباح وغير مباح? ألا ترى أن الشافعي يقول: لو ضرب الإمام رجلا في القذف إحدى وثمانين فمات أن فيها قولين أحدهما: أن عليه نصف الدية والآخر أن عليه جزءا من أحد وثمانين جزءا من الدية. قال المزني: ألا ترى أنه يقول: لو جرح رجلا جرحا فخاطه المجروح فمات فإن كان خاطه في لحم حي فعلى الجارح نصف الدية لأنه مات من جرحه والجرح الذي أحدثه في نفسه، فكل هذا يدلك إذا مات المضروب من أكثر من أربعين فمات أنه بهما مات فلا تكون الدية كلها على الإمام لأنه لم يقتله بالزيادة وحدها حتى كان معها مباح، ألا ترى أنه يقول فيمن جرح مرتدا ثم أسلم ثم جرح جرحا آخر فمات أن عليه نصف الدية لأنه مات من مباح وغير مباح? قال المزني رحمه الله: وكذلك إن مات المضروب بأكثر من أربعين من مباح وغير مباح. قال الشافعي ولو ضرب امرأة حدا فأجهضت لم يضمنها وضمن ما في بطنها لأنه قتله، ولو حده بشهادة عبدين أو غير عدلين في أنفسهما فمات ضمنته عاقلته لأن كل هذا خطأ منه في الحكم وليس على الجاني شيء. ولو قال الإمام للجالد: إنما أضرب هذا ظلما ضمن الجالد والإمام معا. ولو قال الجالد: قد ضربته وأنا أرى الإمام مخطئا وعلمت أن ذلك رأي بعض الفقهاء ضمن إلا ما غاب عنه بسبب ضربه. ولو قال: اضربه ثمانين فزاد سوطا فمات فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما: أن عليهما نصفين كما لو جنى رجلان عليه أحدهما بضربة والآخر بثمانين ضمنا الدية نصفين أو سهما من واحد وثمانين سهما. قال: وإذا خاف رجل نشوز امرأته فضربها فماتت فالعقل على العاقلة لأن ذلك إباحة وليس بفرض، ولو عزر الإمام رجلا فمات فالدية على عاقلته والكفارة في ماله. قال: وإذا كانت برجل سلعة فأمر السلطان بقطعها أو أكلة فأمر بقطع عضو منه فمات فعلى السلطان القود في المكره، وقد قيل عليه القود في الذي لا يقتل، وقيل لا قود عليه في الذي لا يقتل وعليه الدية في ماله، وأما غير السلطان يفعل هذا فعليه القود. ولو كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان فعذرا فماتا لم يضمن السلطان لأنه كان عليهما أن يفعلا إلا أن يعذرهما في حر شديد أو برد مفرط الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله فيضمن عاقلته الدية. 

باب صفة السوط 
 

صفحة : 2449

 قال الشافعي رحمه الله: يضرب المحدود بسوط بين السوطين لا جديد ولا خلق، وبضرب الرجل في الحد والتعزير قائما وتترك له يده يتقي بها ولا يربط ولا يمد، والمرأة جالسة وتضم عليها ثيابها وتربط لئلا تنكشف ويلي ذلك منها امرأة، ولا يبلغ في الحد أن ينهر الدم لأنه سبب التلف وإنما يراد بالحد النكال أو الكفارة. قال المزني رحمه الله: ويتقي الجلاد الوجه والفرج وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. قال الشافعي رحمه الله: ولا يبلغ بعقوبة أربعين تقصيرا عن مساواة عقوبة الله تعالى في حدوده، ولا تقام الحدود في المساجد. 

باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين 
من كتاب قتل الخطأ قال الشافعي رحمه الله: وإذا أسلم القوم ثم ارتدوا عن الإسلام إلى أي كفر كان في دار الإسلام أو دار الحرب وهم مقهورون أو قاهرون في موضعهم الذي ارتدوا فيه فعلى المسلمين أن يبدؤوا بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط، فإذا ظفروا بهم استتابوهم فمن تاب حقن دمه ومن لم يتب قتل بالردة، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، وما أصاب أهل الردة من المسلمين في حال الردة وبعد إظهار التوبة في قتال وهم ممتنعون أو غير قتال أو على نائرة أو غيرها سواء، والحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في القود والعقل وضمان ما يصيبون. قال المزني: هذا خلاف قوله في باب قتال أهل البغي. قال الشافعي فإن قيل: فما صنع أبو بكر في أهل الردة? قيل: قال لقوم جاؤوه تائبين تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم. فقال عمر: لا نأخذ لقتلانا دية فإن قيل: فما قوله تدون? قيل: إن كانوا يصيبون غير متعمدين ودوا وإذا ضمنوا الدية في قتل غير عمد كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين وهذا خلاف حكم أهل الحرب عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإن قيل: فلا نعلم منهم أحدا أقيد بأحد قيل: ولا يثبت عليه قتل أحد بشهادة، ولو ثبت لم نعلم حاكما أبطل لولي دما طلبه والردة لا تدفع عنهم قودا ولا عقلا ولا تزيدهم خيرا إن لم تزدهم شرا. قال المزني: هذا عندي أقيس من قوله في كتاب قتال أهل البغي يطرح ذلك كله لأن حكم أهل الردة أن نردهم إلى حكم الإسلام ولا يرقون ولا يغنمون كأهل الحرب فكذلك يقاد منهم ويضمنون. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قامت لمرتد بينة أنه أظهر القول بالإيمان ثم قتله رجل يعلم توبته أو لا يعلمها فعليه القود. 

كتاب صول الفحل 
باب دفع الرجل عن نفسه وحريمه ومن يتطلع في بيته  

صفحة : 2450

 قال الشافعي رحمه الله: إذا طلب الفحل رجلا ولم يقدر على دفعه إلا بقتله فقتله لم يكن عليه غرم كما لو حمل عليه مسلم بالسيف فلم يقدر على دفعه إلا بضربة فقتله بالضرب أنه هدر. قال رسول الله :  من قتل دون ماله فهو شهيد  فإذا سقط عنه الأكثر لأنه دفعه عن نفسه بما يجوز له كان الأقل أسقط. قال الشافعي ولو عض يده رجل فانتزع يده فندرت ثنيتا العاض كان ذلك هدرا، واحتج بأن النبي  قال:  أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فحل  وأهدر ثنيته. قال: ولو عضه كان له فك لحييه بيده الأخرى، فإن عض قفاه فلم تنله يداه كان له أن ينزع رأسه من فيه، فإن لم يقدر فله التحامل عليه برأسه إلى ورائه ومصعدا ومنحدرا، وإن غلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيده حتى يرسله، فإن بعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيده أو ضربه في بعض جسمه ضمن. ورفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جارية كانت تحتطب فاتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر أو صخر فقتلته، فقال عمر: هذا قتيل الله والله لا يودي أبدا. قال: ولو قتل رجل رجلا فقال: وجدته على امرأتي فقد أقر بالقود وادعى فإن لم يقم بينة قتل. قال سعد: يا رسول الله أرأيت ن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء? فقال عليه الصلاة والسلام:  نعم  . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. قال: ولو تطلع إليه رجل من نقب فطعنه بعود أو رماه بحصاة أو ما أشبهها فذهبت عينه فهي هدر، واحتج بأن النبي  نظر إلى رجل ينظر إلى بيته من جحر وبيده مدرى يحك به رأسه فقال عليه الصلاة والسلام:  لو أعلم أنك تنظر لي أو تنظرني لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر  . ولو دخل بيته فأمره بالخروج فلم يخرج فله ضربه وإن أتى على نفسه. قال المزني رحمه الله: الذي عض رأسه فلم يقدر أن يتخلص من العاض أولى بضربه ودفعه عن نفسه وإن أتى ذلك على نفسه. 

باب الضمان على البهائم 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائطا فأفسدت فيه، فقضى عليه السلام أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها. قال الشافعي رحمه الله: والضمان على البهائم وجهان. أحدهما: ما أفسدت من الزرع بالليل ضمنه أهلها، وما أفسدت بالنهار لم يضمنوه. والوجه الثاني: إن كان الرجل راكبا فما أصابت بيدها أو رجلها أو فيها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن له لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما أتلفت به أحدا، وكذلك إن كان سائقا أو قائدا، وكذلك الإبل المقطورة بالبعير الذي هو عليه لأنه قائد لها، وكذلك الإبل يسوقها ولا يجوز إلا ضمان ما أصابت الدابة تحت الرجل ولا يضمن إلا ما حملها عليه فوطئته، فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهذا تحكم، وأما ما روي عن النبي  من أن الرجل جبار فهو خطأ لأن الحفاظ لم يحفظوه هكذا. قال: ولو أنه أوقفها في موضع ليس له أن يقفها فيه ضمن، ولو وقفها في ملكه لم يضمن، ولو جعل في داره كلبا عقورا أو حبالة فدخل إنسان فقتله لم يكن عليه شيء. قال المزني: وسواء عندي أذن له في الدخول أو لم يأذن له. 

كتاب السير 
من خمسة كتب، الجزية، والحكم في أهل الكتاب، وإملاء على كتاب الواقدي وإملاء على غزوة بدر، وإملاء على كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي 
أصل فرض الجهاد 
 

صفحة : 2451

 قال الشافعي رحمه الله: لما مضت بالنبي  مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله عليهم الجهاد، فقال تعالى:  كتب عليكم القتال وهو كره لكم  وقال تعالى:  وقاتلوا في سبيل الله  مع ما ذكرته فرض الجهاد، ودل كتاب الله عز وجل ثم على لسان نبيه  أنه لم يفرض الجهاد على مملوك ولا أنثى ولا على من لم يبلغ لقول الله تعالى:  وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله  فحكم أن لا مال للملوك. وقال:  حرض المؤمنين على القتال  فدل على أنهم الذكور. وعرض ابن عمر على النبي  يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فرده، وعرض عليه عام الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وحضر مع النبي  في غزوة عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم، وأسهم لضعفاء أحرار وجرحى بالغين فدل أن السهمان إنما تكون لمن شهد القتال من الرجال الأحرار، فدل بذلك أن لا فرض على غيرهم في الجهاد. 

باب من له عذر بالضعف والضرر 

والزمانة والعذر بترك الجهاد من كتابة الجزية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى:  ليس على الضعفاء ولا على المرضى  الآية. وقال:  إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء  وقال:  ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج  فقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه عرج الرجل الواحدة، وقيل: نزلت في وضع الجهاد عنهم. قال: ولا يحتمل غيره فإن كان سالم البدن قويه لا يجد أهبة الخروج ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوة فهو ممن لا يجد ما ينفق فليس له أن يتطوع بالخروج ويذع الفرض، ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدين وبإذن أبويه لشفقتهما ورقتهما عليه إذا كانا مسلمين، وإن كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه. قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي  ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي ، وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي  وأبوه متخلف عن النبي  ب أحد  يخذل من أطاعه. قال: ومن غزا ممن له عذر أو حدث له بعد الخروج عذر كان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان أو يكون في موضع يخاف إن رجع أن يتلف. قال: ويتوقى في الحرب قتل أبيه، ولا يجوز أن يغزو يجعل من مال رجل ويرده إن غزا به وإنما أجرته من السلطان لأنه يغزو بشيء من حقه. قال: ومن ظهر منه تخذيل للمؤمنين وإرجاف بهم أو عون عليهم منعه الإمام الغزو معهم لأنه ضرر عليهم، وإن غزا لم يسهم له، وواسع للإمام أن يأذن للمشرك أن يغزو معه إذا كانت فيه للمسلمين منفعة. وقد غزا عليه السلام بيهود من بني قينقاع بعد بدر وشهد معه صفوان حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك. قال: وأحب أن لا يعطى المشرك من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه وهو سهم النبي ، فإن أغفل ذلك الإمام أعطى من سهم النبي ، ويبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار وبالأخوف، فإن كان الأبعد الأخوف فلا بأس أن يبدأ به على معنى الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، وأقل ما على الإمام أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزو بنفسه أو بسراياه على حسن النظر للمسلمين حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر ويغزى أهل الفيء كل قوم إلى من يليهم. 

باب النفير، من كتاب الجزية والرسالة 
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:  إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما  وقال:  لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون  إلى قوله:  وكلا وعد الله الحسنى  فلما وعد القاعدين الحسنى دل أن فرض النفير على الكفاية، فإذا لم يقم بالنفير كفاية حرج من تخلف واستوجبوا ما قال الله تعالى وإن كان فيهم كفاية حتى لا يكون النفير معطلا لم يأثم من تخلف لأن الله تعالى وعد جميعهم الحسنى، وكذلك رد السلام ودفن الموتى والقيام بالعلم ونحو ذلك، فإذا قام بذلك من فيه الكفاية لم يحرج الباقون وإلا حرجوا أجمعون. 

جامع السير 
 

صفحة : 2452

 قال الشافعي الحكم في المشركين حكمان، فمن كان منهم أهل أوثان أو من عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب لم تؤخذ منهم الجزية وقوتلوا حتى يقتلوا أو يسلموا لقول الله تبارك وتعالى:  وقاتلوا المشركين حيث وجدتموهم  . وقال رسول الله :  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله  . ومن كان منهم أهل كتاب قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن لم يعطوا قوتلوا وقتلوا وسبيت ذراريهم ونساؤهم وأموالهم وديارهم وكان ذلك كله فيئا بعد السلب للقاتل في الأنفال، قال ذلك الإمام أو لم يقله لأن رسول الله  نفل أبا قتادة يوم حنين سلب قتيله، وما نفله إياه إلا بعد تقضي الحرب، ونفل محمد بن مسلمة سلب مرحب يوم خيبر، ونفل يوم بدر عمدا ويوم أحد رجلا أو رجلين أسلاب قتلاهم، وما علمته  حضر محضرا قط فقتل رجل قتيلا في الأقتال إلا نفله سلبه، وقد فعل ذلك بعد النبي  أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. قال: ثم يرفع بعد السلب خمسة لأهله وتقسم أربعة أخماسه بين من حضر الوقعة دون من بعدها، واحتج بأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا:  الغنيمة لمن شهد الوقعة  . قال: ويسهم للبرذون كما يسهم للفرس سهمان وللفارس سهم ولا يعطى إلا لفرس واحد، ويرضخ لمن لم يبلغ والمرأة والعبد والمشرك إذا قاتل ولمن استعين به من المشركين، ويسهم للتاجر إذا قاتل، وتقسم الغنيمة في دار الحرب قسمها رسول الله حيث غنمها وهي دار حرب بني المصطلق وحنين. وأما ما احتج به أبو يوسف بأن النبي  قسم غنائم بدر بعد قدومه المدينة، وقوله الدليل على ذلك أنه أسهم لعثمان وطلحة ولم يشهدا بدرا، فإن كان كما قال فقد خالف سنة رسول الله  لا يعطى أحدا لم يشهد الوقعة ولم يقدم مددا عليهم في دار الحرب وليس كما قال. قال الشافعي ما قسم عليه السلام غنائم بدر إلا بسير شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر، فلما تشاح أصحاب النبي  في غنيمتها أنزل الله عز وجل:  يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم  . فقسمها بينهم وهي له تفضلا، وأدخل معهم ثمانية نفر من المهاجرين والأنصار بالمدينة، وإنما نزلت  واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول  بعد بدر، ولم نعلمه أسهم لأحد لم يشهد الوقعة بعد نزول الآية، ومن أعطى من المؤلفة وغيرهم فمن ماله أعطاهم لا من الأربعة الأخماس، وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر ولذلك كانت وقعتهم في آخر الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت:  يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه  وليس مما خالف فيه الأوزاعي في شيء. قال الشافعي ولهم أن يأكلوا ويعلفوا دوابهم في دار الحرب، فإن خرج أحد منهم من دار الحرب وفي يده شيء صيره إلا الإمام، وما كان من كتبهم فيه طب أو ما لا مكروه فيه بيع، وما كان فيه شرك أبطل وانتفع بأوعيته، وما كان مثله مباحا في بلاد الإسلام من شجر أو حجر أو صيد في بر أو بحر فهو لمن أخذه ومن أسر منهم، فإن أشكل بلوغهم فمن لم ينبت فحكمه حكم طفل ومن أنبت فهو بالغ والإمام في البالغين بالخيار بين أن يقتلهم بلا قطع يد ولا عضو أو يسلم أهل الأوثان، ويؤدي الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال أو بأسرى من المسلمين أو يسترقهم، فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة. أسر رسول الله  أهل بدر فقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث ومن على أبي عزة الجمحي على أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد. فدعا عليه أن لا يفلت فما أسر غيره، ثم أسر ثمامة بن أثال الحنفي فمن عليه ثم أسلم وحسن إسلامه، وفدى النبي عليه السلام رجلا من المسلمين برجلين من المشركين. قال: وإن أسلموا بعد الأسر رقوا، وإن أسلموا قبل الأسر فهم أحرار، وإذا التقوا والعدو فلا يولوهم الأدبار. قال ابن عباس:  من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر   . قال الشافعي هذا على معنى التنزيل، فإذا فر الواحد من الاثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت بحضرته أو مبينة عنه فسواء، ونيته في التحرف والتحيز ليعود للقتال  

صفحة : 2453

 المستثنى المخرج من سخط الله، فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله أن يكون قد باء بسخط من الله. قال: ونصب رسول الله  على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان، وقطع أموال بني النضير وحرقها، وشن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات والتحريق، وقطع بخيبر وهي بعد النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها قط عليه السلام لقي فيها قتالا فبهذا كله أقول. وما أصيب بذلك من النساء والولدان فلا بأس لأنه على غير عمد، فإن كان في دارهم أسارى مسلمون أو مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق احتياطا غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن يحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه، ولكن لو التحموا فكان يتكامن التحامهم أن يفعلوا ذلك رأيت لهم أن يفعلوا وكانوا مأجورين لأمرين أحدهما: الدفع عن أنفسهم. والآخر: نكاية عدوهم. ولو كانوا غير ملتحمين فتترسوا بأطفالهم فقد قيل: يضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل، وقد قيل: يكف. ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده، فإن أصاب في هذه الحال مسلما قال في كتاب حكم أهل الكتاب: أعتق رقبة. وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: إن كان علمه مسلما فالدية مع الرقبة. قال المزني رحمه الله: ليس هذا عندي بمختلف ولكنه يقول إن كان قتله مع العلم بأنه محرم الدم فالدية مع الرقبة، فإذا ارتفع العلم فالرقبة دون الدية ولذلك قال الشافعي: لو رمى في دار الحرب فأصاب مستأمنا ولم يقصده فليس عليه إلا رقبة، ولو كان علم بمكانه ثم رماه غير مضطر إلى الرمي فعليه رقبة ودية. ولو أدركونا وفي أيدينا خيلهم أو ماشيتهم لم يحل قتل شيء منها ولا عقره إلا أن يذبح لمأكلة، ولو جاز ذلك لغيظهم بقتلهم طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم، ولكن لو قاتلونا على خيلهم فوجدنا السبيل إلى قتلهم بأن نعقر بهم فعلنا لأنها تحتهم أداة لقتلنا، وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليقتله فرآه ابن شعوب فرجع إليه فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته. وقال في كتاب حكم أهل الكتاب: وإنما تركنا قتل الرهبان اتباعا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقال في كتاب السير: ويقتل الشيوخ والأجراء والرهبان، قتل دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي  فلم ينكر قتله : قال: ورهبان الديات والصوامع والمساكن سواء، ولو ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلاف هذا لأشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم، ولا يتشاغلون بالمقام على الصوامع عن الحرب كالحصون لا يشغلون بالمقام بها عما يستحق النكاية بالعدو وليس أن قتال الحصون حرام، وكما روي عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لأنه قد حضر رسول الله  يقطع على بني النضير وحضره يترك، وعلم أن النبي  وعدهم بفتح الشام فترك قطعه لتبقى لهم منفعته ذا كان واسعا لهم ترك قطعه. قال المزني رحمه الله: هذا أولى القولين عندي بالحق لأن كفر جميعهم واحد، وكذلك حل سفك دمائهم بالكفر في القياس واحد. قال: وإذا أمنهم مسلم حر بالغ أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز. قال :  المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم  . ولو خرجوا إلينا بأمان صبي أو معتوه كان علينا ردهم إلى مأمنهم لأنهم لا يعرفون من يجوز أمانه لهم ومن لا يجوز، ولو أن علجا دل مسلمين على قلعة على أن له جارية سماها فلما انتهوا إليها صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل: إن رضيت العوض عوضناك بقيمتها، وإن أبيت قيل لصاحب القلعة أعطيناك ما صالحنا عليه غيرك بجهالة فإن سلمتها عوضناك وإن لم تفعل نبذنا إليك وقاتلناك، فإن كانت أسلمت قبل الظفر أو ماتت عوض ولا يبين ذلك في الموت كما يبين إذا أسلمت. وإن غزت طائفة بغير أمر الإمام كرهته لما في إذن الإمام من معرفته بغزوهم ومعرفتهم، ويأتيه الخبر عنهم فيعينهم حيث يخاف هلاكهم فيقتلون ضيعة. قال الشافعي رحمه الله: ولا أعلم ذلك يحرم عليهم وذلك  

صفحة : 2454

 أن النبي  ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار: إن قتلت يا رسول الله صابرا محتسبا? قال:  فلك الجنة  . قال: فانغمس في العدو فقتلوه. وألقى رجل من الأنصار درعا كان عليه حين ذكر النبي  الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي النبي . قال: فإذا حل للمنفرد أن يتقدم على ما الأغلب أنهم يقتلونه كان هذا أكثر مما في الانفراد من الرجل والرجال بغير إذن الإمام. وبعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما، وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله  أن يتسرى واحد ليصيب غرة ويسلم بالحيلة أو يقتل في سبيل الله فحكم الله تعالى أن ما أوجف المسلمون غنيمة. قال: ومن سرق من الغنيمة من حر أو عبد حضر الغنيمة لم يقطع لأن للحر سهما ويرضخ للعبد، ومن سرق من الغنيمة وفي أهلها أبوه أو ابنه لم يقطع، وإن كان أخوه أو امرأته قطع. قال المزني رحمه الله: وفي كتاب السرقة إن سرق من امرأته لم يقطع. قال: وما افتتح. من أرض موات فهي لمن أحياها من المسلمين، وما فعل المسلمون بعضهم ببعض في دار الحرب لزمهم حكمه حيث كانوا إذا جعل ذلك لإمامهم لا تضع الدار عنهم حد الله ولا حقا لمسلم. وقال في كتاب السير: ويؤخر الحكم عليهم حتى يرجعوا من دار الحرب. قال: ولا أعلم أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون خلف الذين يقاتلون أمة من المشركين خلف الترك والخزر لم تبلغهم الدعوة فلا يقاتلون حتى يدعوا إلى الإيمان، فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى من قتله الدية.  ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار: إن قتلت يا رسول الله صابرا محتسبا? قال:  فلك الجنة  . قال: فانغمس في العدو فقتلوه. وألقى رجل من الأنصار درعا كان عليه حين ذكر النبي  الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي النبي . قال: فإذا حل للمنفرد أن يتقدم على ما الأغلب أنهم يقتلونه كان هذا أكثر مما في الانفراد من الرجل والرجال بغير إذن الإمام. وبعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما، وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله  أن يتسرى واحد ليصيب غرة ويسلم بالحيلة أو يقتل في سبيل الله فحكم الله تعالى أن ما أوجف المسلمون غنيمة. قال: ومن سرق من الغنيمة من حر أو عبد حضر الغنيمة لم يقطع لأن للحر سهما ويرضخ للعبد، ومن سرق من الغنيمة وفي أهلها أبوه أو ابنه لم يقطع، وإن كان أخوه أو امرأته قطع. قال المزني رحمه الله: وفي كتاب السرقة إن سرق من امرأته لم يقطع. قال: وما افتتح. من أرض موات فهي لمن أحياها من المسلمين، وما فعل المسلمون بعضهم ببعض في دار الحرب لزمهم حكمه حيث كانوا إذا جعل ذلك لإمامهم لا تضع الدار عنهم حد الله ولا حقا لمسلم. وقال في كتاب السير: ويؤخر الحكم عليهم حتى يرجعوا من دار الحرب. قال: ولا أعلم أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون خلف الذين يقاتلون أمة من المشركين خلف الترك والخزر لم تبلغهم الدعوة فلا يقاتلون حتى يدعوا إلى الإيمان، فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى من قتله الدية. 

باب ما أحرزه المشركون من المسلمين 
 

صفحة : 2455

 قال الشافعي رحمه الله: لا يملك المشركون ما أحرزوه على المسلمين بحال أباح الله لأهل دينه ملك أحرارهم ونسائهم وذراريهم وأموالهم فلا يساوون المسلمين في شيء من ذلك أبدا، وقد أحرزوا ناقة النبي  وأحرزتها منهم الأنصارية فلم يجعل لها النبي عليه الصلاة والسلام شيئا وجعلها على أصل ملكه فيها. وأبق لابن عمر عبد وعار له فرس فأحرزهما المشركون ثم أحرزهما عليهم المسلمون فردا عليه. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: مالكه أحق به قبل القسم وبعده. ولا أعلم أحدا خالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لمسلم فأدركه وقد أوجف عليه قبل القسم أنه لمالكه بلا قيمة، ثم اختلفوا بعدما وقع في المقاسم فقال منهم قائل بقولنا وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل سهمه من خمس الخمس وهو سهم النبي ، وهذا يوافق الكتاب والسنة والإجماع. وقال غيرنا: هو أحق به بالقيمة إن شاء ولا يخلو من أن يكون مال مسلم فلا يغنم أو مال مشرك فيغنم فلا يكون لربه فيه حق، ومن زعم أنهم لا يملكون الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبر ويمنكون ما سواهم فإنما يتحكم. قال الشافعي وإذا جعل الحربي إلينا بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم قتل بدار الحرب فجميع ماله مغنوم. وقال في كتاب المكاتب: مردود إلى ورثته لأنه مال له أمان. قال المزني رحمه الله: هذا عندي أصح لأنه إذا كان حيا لا يغنم ماله في دار الإسلام لأنه مال له أمان فوارثه فيه بمثابته. قال: ومن خرج إلينا منهم مسلما أحرز ماله وصغار ولده. حصر النبي  بني قريظة فأسلم ابنا شعبة فأحرز لهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار، وسواء الأرض وغيرها، ولو دخل مسلم فاشترى منهم دارا أو أرضا أو غيرها ثم ظهر على الدار كان للمشتري. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الأرض والدار فيء والرقيق والمتاع للمشتري. وقال الأوزاعي: فتح رسول الله  مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأراضيهم وديارهم. وقال أبو يوسف: لأنه عفا عنهم ودخلها عنوة وليس النبي  في هذا كغيره. قال الشافعي: ما دخلها رسول الله  عنوة وما دخلها إلا صلحا، والذين قاتلوا وأذن في قتلهم بنو نفاثة قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دار إنما هربوا إليها، وأما غيرهم ممن دفع فادعوا أن خالدا بدأهم بالقتال ولم ينفذ لهم الأمان. وادعى خالد أنهم بدؤوه ثم أسلموا قبل أن يظهر لهم على شيء، ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام:  من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن  فمال من يغنم ولا يقتدي إلا بما صنع عليه الصلاة والسلام، وما كان له خاصة فمبين في الكتاب والسنة، وكيف يجوز قولهما بجعل بعض مال المسلم فيئا وبعضهم غير فيء أم كيف يغنم مال مسلم بحال. قال المزني رحمه الله: قد أحسن- والله- الشافعي في هذا وجود. 

باب وقوع الرجل علي الجارية قبل القسم 
أو يكون له فيهم أب أو ابن وحكم السبي  

صفحة : 2456

 قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن وقع على جارية من المغنم قبل القسم فعليه مهر مثلها يؤديه في المغنم، وينهى إن جهل ويعزر إن علم، ولا حد للشبهة لأن له فيها شيئا. قال: وإن أحصوا المغنم فعلم كم حقه فيها مع جماعة أهل المغنم سقط عنه بقدر حصته منها، وإن حملت فهكذا وتقوم عليه إن كان بها حمل وكانت له أم ولد، وإن كان في السبي ابن وأب لرجل لم يعتق عليه حتى يقسمه وإنما يعتق عليه من اجتلبه بشراء أو هبة، وهو لو ترك حقه من مغنمه لم يعتق عليه حتى يقسم. قال المزني رحمه الله: وإذا كان فيهم ابنه فلم يعتق منه عليه نصيبه قبل القسم كانت الأمة تحمل منه من أن تكون له أم ولد أبعد. قال: ومن سبي منهم من الحرائر فقد رقت وبانت من الزوج كان معها أو لم يكن. سبى النبي  نساء أوطاس وبني المصطلق ورجالهم جميعا فقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها، وليس قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استبائهن، ولا يفرق بينها وبين ولدها حتى يبلغ سبع أو ثمان سنين وهو عندنا استغناء الولد عنها وكذلك ولد الولد، فأما الأخوان فيفرق بينهما، وإنما نبيع أولاد المشركين من المشركين بعد موت أمهاتهم إلا أن يبلغوا فيصفوا الإسلام. قال المزني رحمه الله: ومن قوله إذا سبي الطفل وليس معه أبواه ولا أحدهما أنه مسلم، وإذا سبي ومعه أحدهما فعلى دينهما فمعنى هذه المسألة في قوله أن يكون سبي الأطفال مع أمهاتهم فيثبت في الإسلام حكم أمهاتهم ولا يوجب إسلامهم موت أمهاتهم. قال: ومن أعتق منهم فلا يورث كمثل أن لا تقوم بنسبه بينة. 

باب المبارزة 
قال الشافعي رحمه الله: ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب بإذن النبي  وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي ، وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الخندق عمرو بن عبدود. قال الشافعي رحمه الله: فإذا بارز مسلم مشركا أو مشرك مسلما على أن لا يقاتله غيره وفى بذلك له، فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فلهم أن يحملوا عليه ويقتلوه لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله ولهم دفعه واستنقاذ المسلم منه، فإن امتنع وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه. أعان حمزة علي على عتبة بعد إن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن لعتبة أمان يكفون به عنه، ولو أعان المشركون صاحبهم كان حقا على المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه ولا يقتلون المبارز ما لم يكن استنجدهم. 

باب فتح السواد وحكم ما يوقفه الإمام من الأرض للمسلمين 
 

صفحة : 2457

 قال الشافعي رحمه الله: ولا أعرف ما أقول في أرض السواد إلا بظن مقرون إلى علم، وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان، ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالله منها: أنهم يقولون إن السواد صلح، ويقولون إن السواد عنوة، ويولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة، ويقولون إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه. قال الشافعي أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: كانت بجبلة ربع الناس فقسم لهم ربع السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين- شك الشافعي- ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعي فلانة بنت فلان- امرأة منهم قد سماها ولم يحضرني ذكر اسمها- قال عمر: لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم، ولكني أرى أن تردوا على الناس. قال الشافعي: وكان في حديثه وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا، وكان في حديثه فقالت فلانة: قد شهد أبي القاثسية وثبت سهمه ولا أسلم حتى تعطيني كذا وكذا فأعطاها إياه. قال الشافعي رحمه الله: ففي هذا الحديث دلالة إذ أعطى جريرا عوضا من سهمه، والمرأة عوضا من سهم أبيها على أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين، وقد سبى النبي  هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين الموجفين، ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم وأن يرد عليهم ما أخذ منهم، فخيرهم النبي  بين الأموال والسبي فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا، فترك النبي  حقه وحق أهل بيته، فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم، وسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم، ثم بقي قوم من المهاجرين والأنصار فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال: ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت ذكره. قال: فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أتيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما  على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه، وسلم لهم عليه السلم حق من طاب نفسا عن حقه. قال: وهذا أولى الأمرين بعمر عندنا في السواد وفتوحه إن كان عنوة لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر لكبر قدره، ولو يفوت عليه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين، ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان له منه عوض ولكان عليهم أن يردوا الغلة- والله أعلم- كيف كان. وهكذا صنع  في خيبر وبني قريظة لمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله، فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام نظرا للمسلمين أن يجعلوا وقفا عليهم تقسم غلته فيهم على أهل الفيء والصدقة، وحيث يرى الإمام ومن لم يطب نفسا فهو أحق بماله، وأي أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها يؤدون فيها خراجا فليس لأحد أخذها من أيديهم، وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك، وإنما فرق بين هذه المسألة والمسألة قبلها أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض أفليس بحرام أن يأخذ منه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه? ولا بأس أن يكتري المسلم من أرض الصلح كما يكتري دوابهم، والحديث الذي جاء عن النبي : لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام إنما هو خراج الجزية وهذا كراء. 

باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب، أو على الفداء 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أسر المسلم فأحلفه المشركون على أن لا يخرج من بلادهم إلا أن يخلوه فله أن يخرج لا يسعه أن يقيم ويمينه يمين مكره، وليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه، ولو حلف وهو مطلق كفر، ولو خلوه على فداء إلى وقت فإن لم يفعل عاد إلى أسرهم فلا يعود ولا يدعه الإمام أن يعود، ولو امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على دفعته بغير حق، ولو أعطاهموه على شيء أخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم إنما أطرح عنه ما استكره عليه. قال: وإذا قدم ليقتل لم يجزله من ماله إلا الثلث. 

باب إظهار دين النبي على الأديان كلها 
من كتاب الجزية  

صفحة : 2458

 قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى:  ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون  . وروي مسندا أن النبي  قال:  إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله  . قال: ولما أتى كتاب النبي  إلى كسرى مزقه فقال :  يمزق ملكه  . قال: وحفظنا أن قيصر أكرم كتابه ووضعه في مسك فقال :  يثبت ملكه  . قال الشافعي رحمه الله: ووعد رسول الله  الناس فتح فارس والشام، فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول النبي  ففتح بعضها وتم فتحها في زمن عمر، وفتح عمر رضي الله عنه العراق وفارس. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقد أظهر الله دين نبيه  على سائر الأديان بأن أبان لكل من تبعه أنه الحق وما خالله من الأديان فباطل، وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين أميين، فقهر النبي  الأميين حتى دانوا الإسلام طوعا وكرها، وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه . قال: فهذا ظهوره على الدين كله. قال: ويقال ويظهر دينه على سائر الأديان حتى لا يدان لله إلا به وذلك متى شاء الله. قال: وكانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشهم منه وتأتي العراق، فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي  خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام، فقال :  إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده  . فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده. قال:  إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده  فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم عليه الصلاة والسلام على نحو ما قالوا وكان كما قال عليه السلام. وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بعده بالشام. وقال في قيصر: يثبت ملكه فيثبت له ملكه ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا. 

كتاب مختصر الجامع من كتاب الجزية 
وما دخل فيه من اختلاف الأحاديث ومن كتاب الواقدي واختلاف الأوزاعي وأبي حنيفة رحمة الله عليهم 
باب من يلحق بأهل الكتاب 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله محمدا  وينزل عليه القرآن فدانت دين أهل الكتاب، فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من أكيدر دومة، وهو رجل يقال إنه من غسان أو من كندة ومن أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب، فدل ما وصفت أن الجزية ليست على الأحساب وإنما هي على الأديان، وكان أهل الكتاب المشهور عنده العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا بأن الله تعالى أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان بقوله تعالى:  أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى  وقال تعالى:  وإنه لفي زبر الأولين  فأخبر أن له كتابا سوى هذا المشهور. قال: فأما قول أبي يوسف لا تؤخذ الجزية من العرب فنحن كنا على هذا أحرص، ولولا أن نأثم بتمني باطل لوددناه كما قال وأن لا يجري على عربي صغار، ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما حكم الله به تعالى. قال: والمجوس أهل كتاب دانوا بغير دين أهل الأوثان وخالفوا اليهود والنصارى في بعض دينهم كما خالفت اليهود والنصارى في بعض دينهم، وكانت المجوس في طرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين اليهود والنصارى حتى عرفوه، وأن النبي  أخذها من مجوس هجر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:  هم أهل كتاب بدلوا فأصبحوا وقد أسرى بكتابهم، وأخذها منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما  . قال الشافعي رحمه الله: والصابئون والسامرة مثلهم يؤخذ من جميعهم الجزية، ولا تؤخذ الجزية من أهل الأوثان ولا ممن عبد ما استحسن من غير هل الكتاب. 

باب الجزية علي أهل الكتاب والضيافة وما لهم وعليهم 
 

صفحة : 2459

 قال الشافعي رحمه الله تعالى: أمر الله تعالى بقتال المشركين من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون، قال: والصغار أن تؤخذ منهم الجزية وتجري عليهم أحكام الإسلام، ولا نعلم النبي  صالح أحدا على أقل من دينار، فمن أعطى منهم الجزية غنيا كان أو فقيرا في كل سنة قبل منه ولم يزد عليه، ولم يقبل منه أقل من دينار من غني ولا فقير فإن زادوا قبل منهم. وقال في كتاب السير ما يدل على أنه لا جزية على فقير حتى يستغني. قال المزني: والأول أصح عندي في أصله وأولى عندي بقوله. وإن صالحوا على ضيافة ما وظفت ثلاثا، قال: ويضيف الموسر كذا والوسط كذا ويسمى ما يطعمونهم خبز كذا وأدم كذا، ويعلفون ثوابهم من التبن والشعير كذا، ويضيف من مر به من واحد إلى كذا وأين ينزلونهم من فضول منازلهم أو في كنائسهم أو فيما يكن من حر وبرد، ولا يؤخذ من امرأة ولا مجنون حتى يفيق، ولا مملوك حتى يعتق، ولا صبي حتى ينبت الشعر تحت ثيابه أو يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة فيلزمه الجزية كأصحابه، وتؤخذ من الشيخ الفاني والزمن، ومن بلغ وأمه نصرانية وأبوه مجوسي أو أمه مجوسية وأبوه نصراني فجزيته جزية أبيه لأن الأب هو الذي عليه الجزية لست أنظر إلى غير ذلك، فأيهم أفلس أو مات فالإمام غريم يضرب مع غرمائه، وإن أسلم وقد مضى بعض السنة أخذ منه بقدر ما مضى منها، ويشترط عليهم أن من ذكر كتاب الله تعالى أو محمدا  أو دين الله بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع عليه الطريق أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عينا لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويشترط عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير والمسيح، ولا يسمعونهم ضرب ناقوس وإن فعلوا عزروا ولا يبلغ بهم الحد، ولا يحدثوا في أمصار الإسلام كنيسة ولا مجمعا لصلاتهم، ولا يظهروا فيها حمل خمر ولا إدخال خنزير، ولا يحدثون بناء يتطولون به بناء المسلمين، وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئات المسلمين، وأن يعقدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يدخلوا مسجدا ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه خنزيرا، فإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم نتعرض لهم في خمرهم وخنازيرهم ورفع بنيانهم، وإن كان لهم بمصر المسلمين كنيسة أو بناء طائل لبناء المسلمين لم يكن للمسلمين هدم ذلك وتركوا على ما وجدوا ومنعوا إحداث مثله وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحيوه أو فتحوه عنوة، وشرط هذا على أهل الذمة وإن كانوا فتحوا بلادهم على صلح منهم على تركهم ذلك خلوا وإياه، ولا يجوز أن يصالحوا على أن ينزلوا بلاد الإسلام يحدثوا فيه ذلك، ويكتب الإمام أسماءهم وحلاهم في ديوان ويعرف عليهم عرفاء لا يبلغ منهم مولود ولا يدخل فيهم أحد من غيرهم إلا رفعه إليه، وإذا أشكل عليه صلحهم بعث في كل بلاد فجمع البالغون منهم ثم يسألون عن صلحهم، فمن أقر بأقل الجزية قبل منه ومن أقر بزيادة لم يلزمه غيرها، وليس للإمام أن يصالح أحدا منهم على أن يسكن الحجاز بحال، ولا يبين أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم بها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لاحتمال أمر النبي  بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها، ولا بأس أن يدخلها الرسل لقوله تعالى:  وإن أحد من المشركين استجارك  الآية. ولولا أن عمر رضي الله عنه أجل من قدم المدينة منهم تاجرا ثلاثة أيام لا يقيم فيها بعد ثلاث لرأيت أن لا يصالحوا على أن لا يدخلوها بحال، ولا يتركوا يدخلونها إلا بصلح كما كان عمر رضي الله عنه يأخذ من أموالهم إذا دخلوا المدينة، ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجارا، فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا، فإن دخلوا بأمان وشرط عليهم أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر أخذ، فإن لم يكن شرط عليهم لم يؤخذ منهم شيء وسواء كانوا يعشرون المسلمين إذا دخلوا بلادهم أو يخمسونهم أو لا يعرضون لهم، وإذا اتجروا في بلاد المسلمين إلى أفق من الآفاق لم يؤخذ منهم في السنة إلا مرة كالجزية، وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن يؤخذ مما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين وأن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول، ولولا أن عمر رضي  

صفحة : 2460

 الله عنه أخذه منهم ما أخذناه ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة إلا مرة. قال: ويؤخذ منهم ما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذ. قال المزني رحمه الله: قد روى الشافعي رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حديث صحيح الإسناد أنه أخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ومن القطنية العشر. قال الشافعي ولا أحسبه أخذ ذلك منهم إلا بشرط. قال: ويحدد الإمام بينه وبينهم في تجاراتهم ما يبين له ولهم وللعامة ليأخذهم به الولاة، وأما الحرم فلا يدخله منهم أحد بحال كان له بها مال أو لم يكن، ويخرج الإمام منه إلى الرسل، ومن كان بها منهم مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها. وروى أنه سمع علا عددا من أهل المغازي يروون أن النبي  قال:  لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا  .له عنه أخذه منهم ما أخذناه ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة إلا مرة. قال: ويؤخذ منهم ما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذ. قال المزني رحمه الله: قد روى الشافعي رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حديث صحيح الإسناد أنه أخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ومن القطنية العشر. قال الشافعي ولا أحسبه أخذ ذلك منهم إلا بشرط. قال: ويحدد الإمام بينه وبينهم في تجاراتهم ما يبين له ولهم وللعامة ليأخذهم به الولاة، وأما الحرم فلا يدخله منهم أحد بحال كان له بها مال أو لم يكن، ويخرج الإمام منه إلى الرسل، ومن كان بها منهم مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها. وروى أنه سمع علا عددا من أهل المغازي يروون أن النبي  قال:  لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا  . 

باب في نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة ومسلك الجزية 
قال الشافعي رحمه الله: اختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب، فروى عنه أنه صالحهم على أن يضعف عليهم الجزية ولا يكرهوا على غير دينهم وهكذا حفظ أهل المغازي، قالوا رامهم عمر على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض- يعنون الصدقة- فقال عمر رضي الله عنه: لا، هذا فرض على المسلمين. فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن يضعف عليهم الصدقة. قال: فإذا ضعفها عليهم فانظر إلى مواشيهم وذهبهم وورقهم وأطعمتهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها، وكل أمر أخذ فيه من مسلم خمس فخذ خمسين أو عشر فخذ عشرين أو نصف عشر فخذ عشرا أو ربع عشر فخذ نصف عشر وكذلك ماشيتهم خذ الضعف منها، وكل ما أخذ من ذمي عربي فمسلكه مسلك الفيء، وما تتجر به نصارى العرب وأهل دينهم وإن كانوا يهودا تضاعف عليهم فيه الصدقة. 

باب المهادنة علي النظر للمسلمين ونقض ما لا يجوز من الصلح 
 

صفحة : 2461

 قال الشافعي رحمه الله: إن نزلت بالمسلمين نازلة بقوة عدو عليهم- وأرجو أن لا ينزلها الله بهم- هادنهم الإمام على النظر للمسلمين إلى مدة يرجو إليها القوة عليهم لا تجاوز مدة أهل الحديبية التي هادنهم عليها عليه الصلاة والسلام وهي عشر سنين، فإن أراد أن يهادن إلى غير مدة على أنه متى بدا له نقض الهدنة فجائز، وإن كان قويا على العدو لم يهادنهم أكثر من أربعة أشهر لقوله تعالى لما قوي الإسلام:  براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين  الآية. وجعل النبي  لصفوان بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر لا أعلمه زاد أحد بعد قوة الإسلام عليها، ولا يجوز أن يؤمن الرسول والمستأمن إلا بقدر ما يبلغان حاجتهما، ولا يجوز أن يقيم بها سنة بغير جزية، ولا يجوز أن يهادنهم على أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال لأن القتل للمسلمين شهادة، وأن الإسلام أعز من أن يعطي مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال يخافون الاصطلام فيعطون من أموالهم أو يفتدى مأسورا فلا بأس لأن هذا موضع ضرورة، وإن صالحهم الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع النبي  في النساء وقد أعطى المشركين فيهن ما أعطاهم في الرجال ولم يستثن، فجاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما وأخبر أن الله منع الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال، وبهذا قلنا لو أعطى الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين أو مال ثم جاؤوه لم يحل له إلا نزعه منهم بلا عوض، وإن ذهب ذاهب إلى أن النبي  رد أبا جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله قيل له: أهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرصهم على سلامتهم ولعلهم يقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو عذاب وإنما نقموا منهم دينهم فكانوا يشحمون عليهم بترك دينهم كرها وقد وضع الله المأثم في إكراههم، أو لا ترى أن النساء إذا أريد بهن الفتنة ضعفن ولم يفهمن فهم الرجال وكان التقية تسعهن وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام عليهن? قال: وإن جاءتنا امرأة مهادنة أو مسلمة من دار الحرب إلى موضع الإمام فجاء سوى زوجها في طلبها منع منها بلا عوض، وإن جاء زوجها ففيها قولان. أحدهما: يعطى ما أنفق وهو ما دفع إليها من المهر. والآخر: لا يعطى، وقال في آخر الجواب وأشبهها أن لا يعطوا عوضا. قال المزني: هذا أشبه بالحق عندي وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمره لأنه يلي الأموال كلها وعلى من بعده من الخلفاء إنفاذه، ولا بأس أن يصالحهم على خرج على أراضيهم يكون في أموالهم مضمونا كالجزية، ولا يجوز عشور ما زرعوا لأنه مجهول. 

باب تبديل أهل الذمة دينهم 
قال الشافعي أصل مما أبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه دانوا به قبل نزول الفرقان، فلا تقبل ممن بدل يهودية بنصرانية أو نصرانية بمجوسية أو مجوسية بنصرانية أو بغير الإسلام، وإنما أذن الله بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد عليه الصلاة والسلام وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعده، فإن أقام على ما كان عليه وإلا نبذ إليه عهده وأخرج من بلاد الإسلام بما له وصار حربا، ومن بدل دينه من كتابية لم يحل نكاحها. قال المزني رحمه الله: قد قال في كتاب النكاح وقال في كتاب الصيد والذبائح: إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهي حلال وهذا عندي أشبه. وقال ابن عباس:  ومن يتولهم منكم فإنه منهم  قال المزني: فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس وبالله التوفيق. 

باب نقض العهد 
 

صفحة : 2462

 قال الشافعي رحمه الله:  وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو جماعة منهم فلم يخالفوا الناقض بقول أو فعل ظاهر أو اعتزال بلادهم أو يرسلون إلى الإمام أنهم على صلحهم فللإمام غزوهم وقتل مقاتلتهم وسبي فراريهم وغنيمة أموالهم، وهكذا فعل النبي  ببني قريظة، عقد عليهم صاحبهم فنقض ولم يفارقوه وليس كلهم أشرك في المعونة على النبي  وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الناقض إلا نفر منهم، وأعان على خزاعة وهم في عقد النبي  ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم، فغزا النبي  قريشا عام الفتح بغدر ثلاثة نفر منهم وتركهم معونة خزاعة وإيوائهم من قاتلها. قال: ومتى ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ إليهم عهدهم وأبلغهم مأمنهم ثم هم حرب. قال الله تعالى:  وإما من قوم خيانة  الآية. 

باب الحكم في المهادنين والمعاهدين 
وما أتلف من خمرهم وخنازيرهم وما يحل منهم وما يرد قال الشافعي رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن النبي  لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول الله عز وجل:  فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  إنما نزلت فيهم، ولم يقروا أن يجري عليهم الحكم. وقال بعضهم: نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل:  وكيف يحكمونك وعندهم التوراة  الآية. قال: وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد الله تعالى، وعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله تعالى:  وهم صاغرون  . قال المزني رحمه الله: هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود: لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم. قال الشافعي رحمه الله: وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله، وما أحدثوا مما ليس بجائز في دينهم وله حكم عندنا أمضي عليهم. قال: ولا يكشفون عن شيء مما استحلوه مما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم، وإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي بأنه طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين، وأمرته في الظهار أن لا يقربها حتى يكفر رقبة مؤمنة كما يؤدي الواجب من حد وجرح وأرش وإن لم يكفر عنه وأنفذ عتقه ولا أفسخ نكاحه لأن النبي  عفا عن عقد ما يجوز أن يستأنف ورد ما جاوز العدد إلا أن يتحاكموا وهي في عدة فنفسخه، وهكذا كل ما قبض من ربا أو ثمن خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما عفي عنه، ومن أراق لهم خمرا أو قتل لهم خنزيرا لم يضمن لأن ذلك حرام ولا ثمن لمحرم، فإن قيل: فأنت تقرهم على ذلك? قيل: نعم وعلى الشرك بالله وقد أخبر الله تعالى أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله فهو حرام لا ثمن له وإن استحلوه. قال: وإذا كسر لهم صليب من ذهب لم يكن فيه غرم، وإن كان من عود وكان إذا فرق صلح لغير الصليب فما نقص الكسر العود، وكذلك الطنبور والمزمار، ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه وأكره أن يكري نفسه من نصراني ولا أفسخه، وإذا اشترى النصراني مصحفا أو دفترا فيه أحاديث رسول الله  فسخته، ولو أوصى ببناء كنيسة لصلاة النصارى فمفسوخ، ولو قال ينزلها المارة أجزنه وليس في بنائها معصية إلا بأن تبنى لصلاة النصارى، ولو قال اكتبوا بثلثي التوراة والإنجيل فسخته لتبديلهم قال الله تعالى:  فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم  . 

كتاب الصيد والذبائح 
إملاء في كتاب أشهب وفى اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة 
باب صفة الصائد في كلب وغيره وما يحل من الصيد وما يحرم 
 

صفحة : 2463

 قال الشافعي رحمه الله: كل معلم من كلب وفهر ونمر وغيرها من الوحش وكان إذا أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإنه إذا فعل هذا مرة بعد مرة فهو معلم، وإذا قتل فكل ما لم يأكل فإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه. وذكر الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي  يقول:  فإذا أكل فلا تأكل  . قال: وإذا جمع البازي أو الصقر أو العقاب أو غيرها مما يصيد أن يدعى فيجيب ويشلى فيطير ويأخذ فيحبس مرة بعد مره فهو معلم، فإن قتل فكل وإذا أكل ففي القياس أنه كالكلب. قال المزني: رحمه الله: ليس البازي كالكلب لأن البازي وصفه إنما يعلم بالطعم وبه يأخذ الصيد والكلب يؤدب على ترك الطعم والكلب يضرب أدبا ولا يمكن ذلك في الطير فهما مختلفان فيؤكل ما قتل البازي لأن أكل، ولا يؤكل ما قتل الكلب إذا أكل لنهي النبي  عن ذلك. قال الشافعي: وإذا أرسل أحببت له أن يسمي الله تعالى فإن نسي فلا بأس لأن المسلم يذبح على اسم الله، ولو أرسل مسلم ومجوسي كلبين متفرقين أو طائرين أو سهمين فقتلا فلا يؤكل، وإذا رمى أو أرسل كلبه على الصيد فوجده قتيلا فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله لأنه يمكن أن يكون قتله غيره. وقال ابن عباس: كل ما أصميت ودع ما أنميت. وما أصميت: هو ما قتله وأنت تراه، وما أنميت: ما غاب عنك فقتله إلا أن يبلغ منه مبلغ الذبح فلا يضره ما حدث بعده. وإذا أدرك الصيد ولم يبلغ سلاحه أو معلمه ما يبلغ الذبح فأمكنه أن يذبحه فلم يفعل فلا يأكل كان معه ما يذبح به أو لم يكن، فإن لم يمكنك أن تذبحه ومعك ما نذكيه به ولم تفرط حتى مات فكل، ولو أرسل كلبه أو سهمه وسمى الله تعالى وهو يرى صيدا فأصاب غيره فلا بأس بأكله من قبل أنه رأى صيدا ونواه وإن أصاب غيره، وإن أرسله ولا يرى صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية إلا مع عين ترى، ولو كان لا يجوز إلا ما نواه بعينه لكان العلم يحيط أن لو أرسل سهما على مائة ظبي أو كلبا فأصاب واحدا فالواحد المصاب غير منوي بعينه، ولو خرج الكلب إلى الصيد من غير إرسال صاحبه فزجره فانزجر وأشلاه فاستشلى فأخذ وقتل أكل، وإن لم يحدث غير الأمر الأول فلا يأكل وسواء استشلاه صاحبه أو غيره ممن تجوز ذكاته، وإذا ضرب الصيد فقطعه قطعتين أكل وإن كانت إحدى القطعين أقل من الأخرى، ولو قطع منه يدا أو رجلا أو أذنا أو شيئا يمكن لو لم يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعة أو مدة أكثر منها ثم قتله بعد برميته أكل كل ما كان ثابتا فيه من أعضائه، ولم يأكل العضو الذي بان وفيه الحياة لأنه عضو مقطوع من حي وحيي بعد قطعه، ولو مات من قطع الأول أكلهما معا لأن ذكاة بعضه ذكاة لكله. ولا بأس أن يصيد المسلم بكلب المجوسي ولا يجوز أكل ما صاد المجوسي بكلب مسلم لأن الحكم حكم المرسل وإنما الكلب أداة، وأي أبويه كان مجوسيا فلا أرى تؤكل ذبيحته. وقال في كتاب النكاح: ولا ينكح إن كانت جارية وليست كالصغيرة يسلم أحد أبويها لأن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك، ولا يؤكل ما قتلته الأحبولة كان فيها سلاح أو لم يكن لأنها ذكاة بغير فعل أحد. والذكاة وجهان أحدهما: ما كان مقدورا عليه من إنسي أو وحشي لم يحل إلا بأن يذكى، وما كان ممتنعا من وحشي أو إنسي فما قدرت به عليه من الرمي أو السلاح فهو به ذكي. وقال :  ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه إلا ما كان من سن أو ظفر  لأن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش، وثبت عن النبي  أنه جعل ذكاة الإنسي مثل ذكاة الوحشي إذا امتنع. قال: ولما كان الوحشي يحل بالعقر ما كان ممتنعا فإذا قدر عليه لم يحل إلا بما يحل به الإنسي كان كذلك الإنسي إذا صار كالوحشي ممتنعا حل بما يحل به الوحشي. قال: ولو وقع بعير في بئر وطعن فهو كالصيد، ولو رمى صيدا فكسره أو قطع جناحه ورماه آخر فقتله كان حراما وكان على الرامي الأخر قيمته بالحال التي رماه بها مكسورا أو مقطوعا. قال المزني رحمه الله: معنى قول الشافعي عندي في ذلك أنه إنما يغرم قيمته مقطوعا لأنه رماه فقطع رأسه أو بلغ من مقاتله ما يعلم أنه قتله دون جرح الجناح، ولو كان جرحا كالجرح الأول ثم أخذه ربه فمات في يديه فقد مات من جرحين فعلى الثاني قيمة جرحه مقطوع الجناح الأول  

صفحة : 2464

 ونصف قيمته مجروحا جرحين لأن قتله مقطوع الجناحين من فعله وفعل مالكه. قال: ولو كان ممتنعا بعد رمية الأول يطير إن كان طائرا أو يعدو إن كان دابة ثم رماه الثاني فأثبته كان للثاني، ولو رماه الأول بهذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني لأنه صار له دونه. قال المزني: رحمه الله: ينبغي أن يكون قيمته مجروحا الجرحين الأولين في قياس قوله، ولو رمياه معا فقتلاه كان بينهما نصفين، ولو رماه الأول ورماه الثاني ولم يمر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين، ولو رمى طائرا فجرحه ثم سقط إلى الأرض فأصبناه ميتا لم ندر أمات في الهواء أم بعد ما صار إلى الأرض أكل لأنه لا يوصل إلى أن يكون مأخوذا إلا بالوقوع، ولو حرم هذا حرم كل طائر رمي فوقع فمات، ولكنه لو وقع على جبل فتردى عنه كان مترديا لا يؤكل إلا أن تكون الرمية قد قطعت رأسه أو ذبحته أو قطعته باثنتين فيعلم أنه لم يترد إلا مذكى، ولا يؤكل ما قتله الرمي إلا ما خرق برقته أو قطع بحده، فأما ما جرح بثقله فهو وقيذة، وما نالته الجوارح فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين. أحدهما: أن لا يؤكل حتى يجرح قال الله تعالى:  من الجوارح  . والآخر: أنه حل. قال المزني: الأول أولاهما به قياسا على رامي الصيد أو ضاربه لا يؤكل إلا أن يجرحه. قال الشافعي رحمه الله: ولو رمى شخصا يحسبه حجرا فأصاب صيدا فلو أكله ما رأيته محرما كما لو أخطأ شاة فذبحها لا يريدها وكما لو ذبحها وهو يراها خشبة لينة، ومن أحرز صيدا فأفلت منه فصاده غيره فهو للأول وكل ما أصابه حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس إنما نمنع بحرمه بغيره من حرم أو إحرام، ولو تحول من برج إلى برج فأخذه كان عليه رده، ولو أصاب ظبيا مقرطا فهو لغيره. قال الشافعي رحمه الله: ولو شق السبع بطن شاة فوصل إلى معاها ما يستيقن أنها إن لم تذك ماتت فذكيت فلا بأس بأكلها لقول الله عز وجل:  والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم  والذكاة جائزة بالقرآن. قال المزني: رحمه الله: وأعرف من قوله أنها لا تؤكل إذا بلغ بها ما لا بقاء لحياتها إلا حياة المذكى وهو قول المدنيين وهو عندي أقيس لأني وجدت الشاة تموت عن ذكاة فتحل وعن عقر فتحرم، فلما وجدت الذي أوجب الذبح موتها وتحليلها لا يبدلها أكل السبع لها ولا يرد بها كان ذلك في القياس إذا أوجب السبع موتها وتحريمها لم يبدلها الذبح لها، ولا أعلم خلافا أن سبعا لو قطع ما يقطع المذكي من أسفل حلقها أو أعلاه ثم ذبحت من حيث لم يقطع السبع من حلقها أنها ميتة، ولو سبق الذابح ثم قطع السبع حيث لم يقطع الذابح من حلقها أنها ذكية وفي هذا على ما قلت دليل. وقد قال الشافعي: ولو أدرك الصيد ولم يبلغ سلاحه أو معلمه ما يبلغ الذابح فأمكنه أن يذبحه فلم يفعل فلا يأكل. قال المزني رحمه الله: وفي هذا دليل أنه لو بلغ ما يبلغ الذابح أكل. قال المزني رحمه الله: ودليل آخر من قوله قال في كتاب الديات: لو قطع حلقوم رجل ومريئه أو قطع حشوته فأبانها من جوفه أو صيره في حال المذبوح ثم ضرب آخر عنقه فالأول قاتل دون الآخر. قال المزني رحمه الله: فهذه أدلة على ما وصفت من قوله الذي هو أصح في القياس من قوله الآخر وبالله التوفيق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه مكانه، ولو كان شيئا تطول حياته فذبحه لاستعجال موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثني لا ذكاة له، وسواء ما لفظه البحر وطفا من ميتته أو أخذ حيا. أكل أبو أيوب سمكا طافيا وقال: قال رسول الله :  أحلت لنا ميتتان ودمان  الميتتان الحوت والجراد، والدمان- أحسبه قال- الكبد والطحال. وقال   هو الطهور ماؤه الحل ميتته  وقال الله جل ثناؤه:  أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة  وهذا عموم فمن خص منه شيئا فالمخصوص لا يجوز عند أهل العلم إلا بسنة أو إجماع الذين لا يجهلون ما أراد الله. قال المزني رحمه الله: ولو جاز أن يحرم الحوت وهو ذكي لأنه طفا لجاز أن يحرم المذكي من الغنم إذا طفا وفي ذلك دليل، وبالله التوفيق.نصف قيمته مجروحا جرحين لأن قتله مقطوع الجناحين من فعله وفعل مالكه. قال: ولو كان ممتنعا بعد رمية الأول يطير إن كان طائرا أو يعدو إن كان دابة ثم رماه الثاني فأثبته كان للثاني، ولو رماه الأول بهذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني لأنه صار له دونه. قال المزني: رحمه الله: ينبغي أن يكون قيمته مجروحا الجرحين الأولين في قياس قوله، ولو رمياه معا فقتلاه كان بينهما نصفين، ولو رماه الأول ورماه الثاني ولم يمر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين، ولو رمى طائرا فجرحه ثم سقط إلى الأرض فأصبناه ميتا لم ندر أمات في الهواء أم بعد ما صار إلى الأرض أكل لأنه لا يوصل إلى أن يكون مأخوذا إلا بالوقوع، ولو حرم هذا حرم كل طائر رمي فوقع فمات، ولكنه لو وقع على جبل فتردى عنه كان مترديا لا يؤكل إلا أن تكون الرمية قد قطعت رأسه أو ذبحته أو قطعته باثنتين فيعلم أنه لم يترد إلا مذكى، ولا يؤكل ما قتله الرمي إلا ما خرق برقته أو قطع بحده، فأما ما جرح بثقله فهو وقيذة، وما نالته الجوارح فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين. أحدهما: أن لا يؤكل حتى يجرح قال الله تعالى:  من الجوارح  . والآخر: أنه حل. قال المزني: الأول أولاهما به قياسا على رامي الصيد أو ضاربه لا يؤكل إلا أن يجرحه. قال الشافعي رحمه الله: ولو رمى شخصا يحسبه حجرا فأصاب صيدا فلو أكله ما رأيته محرما كما لو أخطأ شاة فذبحها لا يريدها وكما لو ذبحها وهو يراها خشبة لينة، ومن أحرز صيدا فأفلت منه فصاده غيره فهو للأول وكل ما أصابه حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس إنما نمنع بحرمه بغيره من حرم أو إحرام، ولو تحول من برج إلى برج فأخذه كان عليه رده، ولو أصاب ظبيا مقرطا فهو لغيره. قال الشافعي رحمه الله: ولو شق السبع بطن شاة فوصل إلى معاها ما يستيقن أنها إن لم تذك ماتت فذكيت فلا بأس بأكلها لقول الله عز وجل:  والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم  والذكاة جائزة بالقرآن. قال المزني: رحمه الله: وأعرف من قوله أنها لا تؤكل إذا بلغ بها ما لا بقاء لحياتها إلا حياة المذكى وهو قول المدنيين وهو عندي أقيس لأني وجدت الشاة تموت عن ذكاة فتحل وعن عقر فتحرم، فلما وجدت الذي أوجب الذبح موتها وتحليلها لا يبدلها أكل السبع لها ولا يرد بها كان ذلك في القياس إذا أوجب السبع موتها وتحريمها لم يبدلها الذبح لها، ولا أعلم خلافا أن سبعا لو قطع ما يقطع المذكي من أسفل حلقها أو أعلاه ثم ذبحت من حيث لم يقطع السبع من حلقها أنها ميتة، ولو سبق الذابح ثم قطع السبع حيث لم يقطع الذابح من حلقها أنها ذكية وفي هذا على ما قلت دليل. وقد قال الشافعي: ولو أدرك الصيد ولم يبلغ سلاحه أو معلمه ما يبلغ الذابح فأمكنه أن يذبحه فلم يفعل فلا يأكل. قال المزني رحمه الله: وفي هذا دليل أنه لو بلغ ما يبلغ الذابح أكل. قال المزني رحمه الله: ودليل آخر من قوله قال في كتاب الديات: لو قطع حلقوم رجل ومريئه أو قطع حشوته فأبانها من جوفه أو صيره في حال المذبوح ثم ضرب آخر عنقه فالأول قاتل دون الآخر. قال المزني رحمه الله: فهذه أدلة على ما وصفت من قوله الذي هو أصح في القياس من قوله الآخر وبالله التوفيق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه مكانه، ولو كان شيئا تطول حياته فذبحه لاستعجال موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثني لا ذكاة له، وسواء ما لفظه البحر وطفا من ميتته أو أخذ حيا. أكل أبو أيوب سمكا طافيا وقال: قال رسول الله :  أحلت لنا ميتتان ودمان  الميتتان الحوت والجراد، والدمان- أحسبه قال- الكبد والطحال. وقال   هو الطهور ماؤه الحل ميتته  وقال الله جل ثناؤه:  أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة  وهذا عموم فمن خص منه شيئا فالمخصوص لا يجوز عند أهل العلم إلا بسنة أو إجماع الذين لا يجهلون ما أراد الله. قال المزني رحمه الله: ولو جاز أن يحرم الحوت وهو ذكي لأنه طفا لجاز أن يحرم المذكي من الغنم إذا طفا وفي ذلك دليل، وبالله التوفيق. 
 

صفحة : 2465


كتاب الضحايا 
من كتاب اختلاف الأحاديث ومن إملاء علي كتاب أشهب ومن كتاب أهل المدينة وأبي حنيفة  

صفحة : 2466

 قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي  كان يضحي بكبشين. وقال أنس: وأنا أضحي أيضا بكبشين. وقال أنس في غير هذا الحديث: ضحى النبي  بكبشين أملحين. وذبح أبو بردة بن نيار قبل أن يذبح النبي  يوم الأضحى فزعم أن النبي  أمره أن يعود لضحية أخرى، فقال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا. فقال النبي :  إن لم تجد إلا جذعا فاذبحه  . قال الشافعي رحمه الله: فاحتمل أمره بالإعادة أنها واجبة، واحتمل على معنى أنه إن أراد أن يضحي فلما قال عليه السلام:  إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا  . دل على أنها غير واجبة، وبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يرى أنها واجبة. وعن ابن عباس أنه اشترى بدرهمين لحما فقال: هذه أضحية ابن عباس . قال: وأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا اتباعا واختيارا بدلالة السنة. وروت عائشة أنها كانت تفتل قلائد هدي رسول الله  يقلدها هو بيده ثم يبعث بها فلم يحرم عليه شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. قال الشافعي رحمه الله: والأضحية سنة تطوع لا نحب تركها وإذا كانت غير فرض، فإذا ضحى الرجل في بيته فقد وقع ثم اسم أضحية. قال: يجوز في الضحايا الجذع من الضأن والثني من الإبل والبقر والمعز ولا يجوز دون هذا من السن، والإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر والبقر من الغنم، والضأن أحب إلي من المعز، والعفراء أحب إلي من السوداء، وزعم بعض المفسرين أن قول الله جل ثناؤه:  ذلك ومن يعظم شعائر الله  استسمان الهدي واستحسانه. قال: ولا يجوز في الضحايا العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العجفاء التي لا تنقى، وليس في القرن نقص فيضحي بالجلحاء والمكسورة القرن أكبر منها دمي قرنها أو لم يدم، ولا تجزىء الجرباء لأنه مرض يفسد لحمها، ولا وقت للذبح يوم الأضحى إلا في قدر صلاة النبي  وذلك حين حلت الصلاة وقدر خطبتين خفيفتين وإذا كان هذا القدر فقد حل الذبح لكل أحد حيث كان، فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت. قال: والذكاة في الحلق واللبة وهي ما لا حياة بعده إذا قطع، وكمالها بأربع الحلقوم والمريء والودجين، وأقل ما يجزئ من الذكاة أن يبين الحلقوم والمريء وإنما أريد بفري الأوداج لأنها لا تفرى إلا بعد قطع الحلقوم والمريء. والودجان عرقان قد ينسلان من الإنسان والبهيمة ثم يحيا، وموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة، وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل مجامع اللحيين، فإذا نحرت بقرة أو ذبح بعير فجائز. قال عمر وابن عباس: الذكاة في الحلق واللبة، وزاد عمر ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق ونهى عن النخع. قال: وأحب أن لا يذبح المناسك التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إلا مسلم، فإن ذبح مشرك تحل ذبيحته أجزأ على كراهيتي لما وصفت، وذبح من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين أحب إلي من ذبح النصراني واليهودي، ولا بأس بذبيحة الأخرس وأكره ذبيحة السكران والمجنون في حال جنونه ولا يتبين أنها حرام، ولا تحل ذبيحة نصارى العرب وهو قول عمر. قال: وأحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة ويقول الرجل على ذبيحته باسم الله، ولا أكره الصلاة عل رسول الله  لأنهما إيمان بالله. قال عليه الصلاة والسلام: أخبرني جبريل عن الله جل ذكره أنه قال: من صلى عليك صليت عليه. قال: فإن قال اللهم منك وإليك فتقبل مني فلا بأس هذا دعاء فلا أكرهه. وروي عن النبي  من وجه لا يثبت أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر الله:  اللهم عن محمد وآل محمد  وفي الآخر:  اللهم عن محمد وأمة محمد  . قال الشافعي فإذا ذبحها فقطع رأسها فهي ذكية ولو ذبحها من قفاها، فإن تحركت بعد قطع الرأس أكلت وإلا لم تؤكل، وإذا أوجبها أضحية وهو أن يقول هذه أضحية وليسر شراؤها والنية أن يضحي بها إيجابا لها فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بحال، وإن باعها فالبيع مفسوخ، وإن فاتت بالبيع فعليه أن يشتري بجميع قيمتها مكانها، فإن بلغ أضحيتين اشتراهما لأن ثمنها بدل منها، وإن بلغ أضحية وزاد  

صفحة : 2467

 شيئا لا يبلغ أخرى ضحى بأضحية وأسلك الفضل مسلك الأضحية وأحب إلي لو تصدق به، وإن نقص عن أضحية فعليه أن يزيد حتى يوفيه أضحية لأنه مستهلك للضحية فأقل ما يلزمه أضحية مثلها، فإن ولدت الأضحية ذبح معها ولا يشرب من لبنها إلا الفضل عن ولدها ولا ما ينهك لحمها ولو تصدق به كان أحب إلي، ولا يجز صوفها وإن أوجبها هديا وهو تام ثم عرض له نقص وبلغ المنسك أجزأ إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه ويخرج من ماله إلى ما جعله له، وإن أوجبه ناقصا ذبحه ولم يجزه، ولو ضلت بعدما أوجبها فلا بدل وليست بأكثر من هدي التطوع يوجبه صاحبه فيموت، ولا يكون عليه بدق ولو وجدها وقد مضت أيام النحر كلها صنع بها كما يصنع في النحر كما لو أوجب هديها العام وأخرها إلى قابل، وما أوجبه على نفسه لوقت ففات الوقت لم يبطل الإيجاب، ولو أن مضحيين ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه ضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وأجزأ عن كل واحد منهما ضحيته وهديه، فإذا ذبح ليلا أجزأه والضحية نسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره وأكره بيع شيء منه والمبادلة به، ومعقول ما أخرج لله عز وجل أن لا يعود إلى مالكه إلا ما أذن الله عز وجل فيه ثم رسوله  فاقتصرنا على ما أذن الله فيه ثم رسول الله  ومنعنا البيع على أصل النسك أنه لله، ولا تجوز الأضحية لعبد ولا مدبر ولا أم ولد لأنهم لا يملكون، وإذا نحر سبعة بدنة أو بقرة في الضحايا أو الهدي كانوا من أهل بيت واحد أو شتى فسواء وذلك يجزي، وإن كان بعضهم مضحيا وبعضهم مهديا أو مفتديا أجزأه لأن سبع كل واحد منهم يقوم مقام شاة منفردة وكذلك لو كان بعضهم يريد بنصيبه لحما لا أضحية ولا هديا. وقال جابر بن عبد الله: نحرنا مع رسول الله  يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. قال الشافعي رحمه الله: وهم شتى. قال: والأضحى جائز يوم النحر وأيام منى كلها إلى المغيب لأنها أيام نسك. قال المزني رحمه الله: وهو قول عطاء والحسن. أخبرنا علي بن معبد عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه قال: يضحي أيام التشريق كلها. وحدثنا علي بن معبد عن هشيم عن الحجاج عن عطاء أنه كان يقول: يضحي في أيام التشريق.ئا لا يبلغ أخرى ضحى بأضحية وأسلك الفضل مسلك الأضحية وأحب إلي لو تصدق به، وإن نقص عن أضحية فعليه أن يزيد حتى يوفيه أضحية لأنه مستهلك للضحية فأقل ما يلزمه أضحية مثلها، فإن ولدت الأضحية ذبح معها ولا يشرب من لبنها إلا الفضل عن ولدها ولا ما ينهك لحمها ولو تصدق به كان أحب إلي، ولا يجز صوفها وإن أوجبها هديا وهو تام ثم عرض له نقص وبلغ المنسك أجزأ إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه ويخرج من ماله إلى ما جعله له، وإن أوجبه ناقصا ذبحه ولم يجزه، ولو ضلت بعدما أوجبها فلا بدل وليست بأكثر من هدي التطوع يوجبه صاحبه فيموت، ولا يكون عليه بدق ولو وجدها وقد مضت أيام النحر كلها صنع بها كما يصنع في النحر كما لو أوجب هديها العام وأخرها إلى قابل، وما أوجبه على نفسه لوقت ففات الوقت لم يبطل الإيجاب، ولو أن مضحيين ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه ضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وأجزأ عن كل واحد منهما ضحيته وهديه، فإذا ذبح ليلا أجزأه والضحية نسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره وأكره بيع شيء منه والمبادلة به، ومعقول ما أخرج لله عز وجل أن لا يعود إلى مالكه إلا ما أذن الله عز وجل فيه ثم رسوله  فاقتصرنا على ما أذن الله فيه ثم رسول الله  ومنعنا البيع على أصل النسك أنه لله، ولا تجوز الأضحية لعبد ولا مدبر ولا أم ولد لأنهم لا يملكون، وإذا نحر سبعة بدنة أو بقرة في الضحايا أو الهدي كانوا من أهل بيت واحد أو شتى فسواء وذلك يجزي، وإن كان بعضهم مضحيا وبعضهم مهديا أو مفتديا أجزأه لأن سبع كل واحد منهم يقوم مقام شاة منفردة وكذلك لو كان بعضهم يريد بنصيبه لحما لا أضحية ولا هديا. وقال جابر بن عبد الله: نحرنا مع رسول الله  يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. قال الشافعي رحمه الله: وهم شتى. قال: والأضحى جائز يوم النحر وأيام منى كلها إلى المغيب لأنها أيام نسك. قال المزني رحمه الله: وهو قول عطاء والحسن. أخبرنا علي بن معبد عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه قال: يضحي أيام التشريق كلها. وحدثنا علي بن معبد عن هشيم عن الحجاج عن عطاء أنه كان يقول: يضحي في أيام التشريق. 
 

صفحة : 2468

 ?باب العقيقة قال الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن وهب عن أم كرز قالت: أتيت النبي  أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول:  عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا  وسمعته يقول: أقروا الطير على مكناتها  . قال الشافعي رحمه الله: فيعق عن الغلام وعن الجارية كما قال النبي . 

باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب 
من معاني الرسالة ومعان أعرف له وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه:  يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات  . وقال في النبي :  ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث  . وإنما خوطب بذلك العرب الذين يسألون عن هذا ونزلت فيهم الأحكام، وكانوا يتركون من خبيث المآكل ما لا يترك غيرهم. قال الشافعي وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل:  قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه  الآية. يعني مما كنتم تأكلون، ولم يكن الله عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال - والله أعلم- فلما أمر رسول الله  بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور دل ذلك على أن هذا مخرجه، ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله  قتله في الإحرام شيئا، ونهى النبي  عن أكل كل ذي ناب من السباع، وأحل الضبوع ولها ناب وكانت العرب تأكلها وتدع الأسد والنمر والذئب تحريما له بالتقذر، وكان الفرق بين ذوات الأنياب أن ما عدا منها على الناس لقوته بنابه حرام وما لم يعد عليهم بنابه الضبع والثعلب وما أشبههما حلال، وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم، وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب والحدأة والرخمة والبغاثة، وكذلك تترك اللحكاء والعظاء والخنافس فكانت داخلة في معين الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت، فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل فإن كانت العرب تأكله فهو داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهو داخل في معنى الخبائث، ولا بأس بأكل الضب وضع بين يدي رسول الله  فعافه فقيل: أحرام هو يا رسول الله? قال:  لا ولكن لم يكن بأرض قومي  فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراما ما تركه وأكله. 

باب كسب الحجام 
قال الشافعي رحمه الله: ولا بأس بكسب الحجام فإن قيل: فما معنى نهي النبي  السائب عن كسبه وإرخاصه في أن يطعمه رقيقه وناضحه? قيل: لا معنى له إلا واحد وهو أن المكاسب حسنا ودنيئا فكان كسب الحجام دنيئا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه، فلما زاده فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه، وقد حجم أبو طيبة رسول الله  فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه ولو كان حراما لم يعطه رسول الله  لأنه لا يعطي إلا ما يحل إعطاؤه ولآخذه ملكه. وقد روي أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حجام أو حجامين، فقال: إن كسبكم لوسخ أو قال لدنس أو لدنيء أو كلمة تشبهها. 

باب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة من غير كتاب 
 

صفحة : 2469

 قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يحل أكل زيت ماتت فيه فأرة ولا بيعه ويستصبح به، فإن قيل: كيف ينتفع به ولا يبيعه? قيل: قد ينتفع المضطر بالميتة ولا يبيعها وينتفع بالطعام في دار الحرب ولا يبيعه في تلك الحال. قال: وقد نهى النبي  عن ثمن الكلب وأباح الانتفاع به في بعض الأحوال فغير مستنكر أن ينتفع الرجل بالزيت ولا يبيعه في هذه الحال. قال: ولا يحل من الميتة إلا إهابها بالدباغ ويباع، ولا يأكل المضطر من الميتة إلا ما يرد نفسه فيخرج به من الاضطرار. قال: في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة: بهذا أقول. وقال فيه: وما هو بالبين من قبل أن الشيء حلال وحرام فإذا كان حراما لم يحل منه شيء، وإذا كان حلالا فقد يحتمل أن لا يحرم منه شبع ولا غيره لأنه مأذون له فيه. قال المزني رحمه الله: قوله الأول أشبه بأصله لأنه يقول: إذا حرم الله عز وجل شيئا فهو محرم إلا ما أباح منه بصفة، فإذا زالت الصفة زالت الإباحة. قال المزني: ولا خلاف أعلمه أن ليس له أن يأكل من الميتة وهو بادي الشبع لأنه ليس بمضطر، فإذا كان خائفا على نفسه فمضطر فإذا أكل منها ما يذهب الخوف فقد أمن فارتفع الاضطرار الذي هو علة الإباحة. قال المزني رحمه الله: وإذا ارتفعت العلة ارتفع حكمها ورجع الحكم كما كان قبل الاضطرار وهو تحريم الله عز وجل الميتة من ليس بمضطر، ولو جاز أن يرتفع الاضطرار ولا يرتفع حكمه جاز أن يحدث الأضرار ولا يحدث حكمه وهذا خلاف القرآن. وقال الشافعي فيما وضعه بخطه: لا أعلمه سمع منه إن مر المضطر بتمر أو زرع لم أر بأسا أن يأكل ما يرد به جوعه ويرد قيمته، ولا أرى لصاحبه منعه فضلا عنه وخفت أن يكون أعان على قتله إذا خاف عليه بالمنع الموت. قال الشافعي رحمه الله: ولو وجد المضطر ميتة وصيدا وهو محرم أكل الميتة، ولو قيل يأكل الصيد ويفتدي كان مذهبا. قال المزني رحمه الله: الصيد محرم لغيره وهو الإحرام ومباح لغير محرم، والميتة محرمة لعينها لا لغيرها على كل حلال وحرام فهي أغلظ تحريما، فإحياء نفسه بترك الأغلظ وتناول الأيسر أولى به من ركوب الأغلظ وبالله التوفيق. وخالف الشافعي المدني والكوفي في الانتفاع بشعر الخنزير وفي صوف الميتة وشعرها فقال: لا ينتفع بشيء من ذلك. 

كتاب السبق والرمي 
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة أن رسول الله  قال:  لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر  قال الشافعي رحمه الله: الخف الإبل والحافر والخيل والنصل كل نصل من سهم أو نشابة، والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي أو غير الوالي من ماله وذلك أن يسبق بين الخيل إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما إن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع، فهذا حلال لمن جعل له ليست فيه علة. والثاني: يجمع وجهين وذلك مثل الرجلين يريدان أن يستبقا بفرسيهما ولا يريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجان سبقين فلا يجوز إلا بالمحلل وهو أن يجعل بينهما فرسا ولا يجوز حتى يكون فرسا كفؤا للفرسين لا يأمنان أن يسبقهما، ويخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه يتواضعانه على يدي رجل يثقان به أو يضمنانه، ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما كأن السبقان له إن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ سبق صاحبه، وإن أتيا مستويين لم يأخذ أحدهما من صاحبه شيئا، والسبق أن يسبق أحدهما صاحبه وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو الكتد أو بعضه وسواء لو كانوا مائة وأدخلوا بينهم محللا فكذلك. والثالث: أن يسبق أحدهما صاحبه فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن سبق صاحبه أحرز سبقه،  

صفحة : 2470

 صاحبه فإن سبقه صاحبه أخذ السبق إلا أن تكون الغاية التي يخرجان منهما وينتهيان إليها واحدة والنضال فيما بين الرماة كذلك في السبق والعلل يجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الآخر ثم يتفرعان، فإذا اختلفت عللهما اختلفا، فإذا سبق أحدهما صاحبه وجعلا بينها قرعا معلوما فجائز أن يشترطا محاطة أو مبادرة، فإن اشترطا محاطة فكلما أصاب أحدهما وأصاب الآخر بمثله أسقطا العددين ولا شيء لواحد منهما ويستأنفان، وإن أصاب أقل من صاحبه حط مثله حتى يخلص له فضل العمد به ويستحق سبقه يكون ملكا له يقضي به عليه كالدين يلزمه إن شاء أطعم أصحابه وإن شاء تموله وإن أخذ به رهنا أو ضمينا فجائز، ولا يجوز السبق إلا معلوما، كما لا يجوز في البيوع، ولو اشترط أن يطعم أصحابه كان فاسدا وقد رأيت من الرماة من يقول: صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق لهما يبدئ أيهما شاء، ولا يجوز في القياس عندي إلا أن يتشارطا وأيهما بدأ من وجه بدأ صاحبه من الآخر ويرمي البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفذا نبلهما، وإذا عرف أحدهما وخرج السهم من يديه فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود به من قبل العارض، وكذلك لو انقطع وتره أو انكسرت قوسه فلم يبلغ الغرض أو عرض دونه دابة أو إنسان فأصابه أو عرض له في يديه ما لا يمر السهم معه كان له أن يعود، فأما إن جاز السهم أو أجاز من وراء الناس فهذا سوء رمي ليس بعارض غلب عليه فلا يرد إليه، وإذا كان رميهما مبادرة فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله ثم رمى البادئ فإن أصاب سهمه ذلك فلج عليه وإن لم يرم الآخر بالسهم لأن المبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليس كالمحاطة. قال المزني رحمه الله: هذا عندي غلط لا ينضله حتى يرمي صاحبه بمثله. قال الشافعي رحمه الله: وإذا تشارطا الخواسق لم يحسب خاسقا حتى يخزق الجلد بنصله، ولو تشارطا المصيب فمن أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب، وإذا اشترطا الخواسق والشن ملصق بالهدف فأصاب ثم رجع فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة وغيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع، فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة فيؤخذ بها، وإن كان الشن باليا فأصاب موضع الخرق فغاب في الهدف فهو مصيب، وإن أصاب طرف الشن فخرقه ففيها قولان أحدهما: أنه لا يحسب له خاسقا إلا أن يكون بقي عليه من الشن طعنة أو خيط أو جلد أو شيء من الشن يحيط بالسهم ويسمى بذلك خاسقا وقليل ثبوته وكثيره سواء. قال: ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال خاسق إلا ما أحاط به المخسوق فيه ويقال للآخر خارم لا خاسق. والقول الآخر: أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهن الصحيح فخرقه، فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض النصل سمي خاسقا لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرق، قال: وإذا وقع في خرق وثبت في الهدف كان خاسقا والشن أضعف من الهدف، ولو كان الشن منصوبا فمرق منه كان عندي خاسقا ومن الرماة من لا يحسبه إذا لم يثبت فيه. قال: فإن أصاب بالقدح لم يحسب إلا ما أصاب بالنصل، ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته أو مقصرا فأسرعت به فأصاب حسب مصيبا ولا حكم للريح، ولو كان دون الشن شيء فهتكه السهم ثم مر بحموته حتى يصيب كان مصيبا، ولو أصاب الشن ثم سقط بعد ثبوته حسب وهذا كنزع إنسان إياه ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نصل، وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم في نصل، ولا يجوز أن ينتضل رجلان وفي يد أحدهما من النبل أكثر مما في يدي الآخر، ولا على أن يحسب خاسقه خاسقين والآخر خاسق، ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به ويحسب له مع خواسقه، ولا على أن يطرح من خواسقه خاسقا ولا على أن خاسق أحدهما خاسقان، ولا أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه إلا في عرض واحد وعلا واحد، ولا على أن يرمي بقوس أو نبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها. ومن الرماة من زعم أنهما إذا سميا قرعا يستبقان إليه فصارا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في علا القرع ما لم يكونا سواء، ومنهم من زعم أنه ليس له يزيد بغير رضا المسبق. قال المزني رحمه الله: وهذا أشبه بقوله كما لم يكن سبقهما في الخيل ولا في الرمي ولا  

صفحة : 2471

 في الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة، فكذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحد وبالله التوفيق. قال الشافعي: ولا يجوز أن يقول أحدهما لصاحبه: إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتك إلا أن يجعل رجل له سبقا إن أصاب به، لان قال: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه، وإذا رمى بسهم فانكسر فإن أصاب بالنصل كان له خاسقا وإن أصاب بالقدح لم يكن خاسقا ولو انقطع باثنين فأصاب بهما جميعا حسب الذي فيه النصل: وإن كان في الشن نبل فأصاب سهمه فوق سهم في الشن لم يحسب ورد عليه ورمى به لأنه عارض دون الشن، وإذا أراد المستبق أن يجلس ولا يرمي وللمسبق فضل أولا فضل له فسواء وقد يكون له الفضل فينضل ويكون عليه الفضل وينضل، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس إلا من عذر، وأحسبه إن مرض مرضا يضر بالرمي أو يصيب إحدى يديه علة تمنعه من ذلك كان له أن يجلس ويلزمهم أن يقولوا إذا تراضيا على أصل الرمي الأول قال: ولا يجوز أن يسبقه على أن يعيد عليه، وإن سبقه على أن يرمي بالعربية لم يكن له أن يرمي بالفارسية لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية. قال: وإن سبقه ولم يسم الغرض كرهته فإن سمياه كرهت أن يرفعه أو يخفضه، وقد أجاز الرماة للمسبق أن يراميه رشقا وأكثر في المائتين ومن أجاز هذا أجازه في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة. قال: ولا بأس أن يشترطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أوله إلى آخره فلا يفترقا حتى يفرغا منها إلا من عذر مرض أو عاصف من الريح، ومن اعتلت أداته أبدل مكانه قوسه ونبله ووتره وأن طول أحدهما بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى حسن صنيعه في السهم الذي رماه فأصاب أو أخطأ فليستعتب من طريق الخطأ. فقال: لم أنو هذا لم يكن ذلك له. وقيل له: ارم كما ترمي الناس لا معجلا عن التثبت في مقامك ونزعك وإرسالك ولا مبطئا لإدخال الضرر بالحبس على صاحبك. قال: ولو كان الرامي يطيل الكلام والحبس، قيل له: لا تطل ولا تعجل عما يفهم. وللمبدىء أن يقف في أي مقام شاء ثم للآخر من الغرض الآخر أي مقام شاء، وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا، ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا على أن أسبق ولا على أن يقترعا، فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه لأن هذا مخاطرة، وإذا حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه: كنا نراه راميا أو من يرمي عليه كنا نراه غير رام وهو من الرماة فحكمه حكم من عرفوه، وإذا قال لصاحبه: اطرح فضلك على أني أعطيك به شيئا لم يجز إلا بأن يتفاسخا ثم يستأنفا سبقا جديدا. قال: ولو شرطوا أن يكون فلان مقدما وفلان معه وفلان ثان كان السبق مفسوخا ولكل حزب أن يقدموا من شاءوا ويقدم الآخرون كذلك، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم عليه. والصلاة جائزة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا كلبا أو خنزيرا فإن ذلك لا يطهر بالدباغ غير أني أكرهه لمعنى واحد، وإني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض، ولا بأس أن يصلي متنكب القوص والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله فأكرهه وتجزئه. الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة، فكذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحد وبالله التوفيق. قال الشافعي: ولا يجوز أن يقول أحدهما لصاحبه: إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتك إلا أن يجعل رجل له سبقا إن أصاب به، لان قال: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه، وإذا رمى بسهم فانكسر فإن أصاب بالنصل كان له خاسقا وإن أصاب بالقدح لم يكن خاسقا ولو انقطع باثنين فأصاب بهما جميعا حسب الذي فيه النصل: وإن كان في الشن نبل فأصاب سهمه فوق سهم في الشن لم يحسب ورد عليه ورمى به لأنه عارض دون الشن، وإذا أراد المستبق أن يجلس ولا يرمي وللمسبق فضل أولا فضل له فسواء وقد يكون له الفضل فينضل ويكون عليه الفضل وينضل، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس إلا من عذر، وأحسبه إن مرض مرضا يضر بالرمي أو يصيب إحدى يديه علة تمنعه من ذلك كان له أن يجلس ويلزمهم أن يقولوا إذا تراضيا على أصل الرمي الأول قال: ولا يجوز أن يسبقه على أن يعيد عليه، وإن سبقه على أن يرمي بالعربية لم يكن له أن يرمي بالفارسية لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية. قال: وإن سبقه ولم يسم الغرض كرهته فإن سمياه كرهت أن يرفعه أو يخفضه، وقد أجاز الرماة للمسبق أن يراميه رشقا وأكثر في المائتين ومن أجاز هذا أجازه في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة. قال: ولا بأس أن يشترطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أوله إلى آخره فلا يفترقا حتى يفرغا منها إلا من عذر مرض أو عاصف من الريح، ومن اعتلت أداته أبدل مكانه قوسه ونبله ووتره وأن طول أحدهما بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى حسن صنيعه في السهم الذي رماه فأصاب أو أخطأ فليستعتب من طريق الخطأ. فقال: لم أنو هذا لم يكن ذلك له. وقيل له: ارم كما ترمي الناس لا معجلا عن التثبت في مقامك ونزعك وإرسالك ولا مبطئا لإدخال الضرر بالحبس على صاحبك. قال: ولو كان الرامي يطيل الكلام والحبس، قيل له: لا تطل ولا تعجل عما يفهم. وللمبدىء أن يقف في أي مقام شاء ثم للآخر من الغرض الآخر أي مقام شاء، وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا، ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا على أن أسبق ولا على أن يقترعا، فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه لأن هذا مخاطرة، وإذا حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه: كنا نراه راميا أو من يرمي عليه كنا نراه غير رام وهو من الرماة فحكمه حكم من عرفوه، وإذا قال لصاحبه: اطرح فضلك على أني أعطيك به شيئا لم يجز إلا بأن يتفاسخا ثم يستأنفا سبقا جديدا. قال: ولو شرطوا أن يكون فلان مقدما وفلان معه وفلان ثان كان السبق مفسوخا ولكل حزب أن يقدموا من شاءوا ويقدم الآخرون كذلك، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم عليه. والصلاة جائزة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا كلبا أو خنزيرا فإن ذلك لا يطهر بالدباغ غير أني أكرهه لمعنى واحد، وإني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض، ولا بأس أن يصلي متنكب القوص والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله فأكرهه وتجزئه. 
 

صفحة : 2472


مختصر الأيمان والنذور وما دخل فيهما من الجامع من كتاب الصيام 
ومن الإملاء ومن مسائل شتي سمعتها لفظا قال الشافعي رحمه الله: من حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بغير الله فهي يمين مكروهة وأخشى أن تكون معصية لأن النبي  سمع عمر يحلف بأبيه فقال عليه السلام:  ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم  فقال عمر: والله ما حلفت بها بعد ذاكرا ولا آثرا  . قال الشافعي رحمه الله: وأكره الأيمان على كل حال إلا فيما كان لله عز وجل طاعة، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فالاختيار أن يأتي الذي هو خير ويكفر لأمر رسول الله بذلك، ومن قال: والله لقد كان كذا ولم يكن أثم وكفر واحتج بقول الله تعالى:  ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى  ، نزلت في رجل حلف لا ينفع رجلا فأمره الله أن ينفعه، وبقول الله جل ثناؤه في الظهار:  إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا  ثم جعل فيه الكفارة، وبقول رسول الله :  فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه  . فقد أمره بالحنث عامدا وبالتكفير، ودل إجماعهم أن من حلف في الإحرام عمدا أو خطأ أو قتل صيدا عمدا أو خطأ في الكفارة سواء على أن الحلف بالله وقتل المؤمن عمدا أو خطأ في الكفارة سواء. قال الشافعي: وإن قال: أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما فليست بيمين حادثة، وإن أراد بها يمينا فهي يمين، وإن قال:  أقسم بالله فليس بيمين فإن قال: أقسم بالله فإن أراد بها يمينا فهي يمين وإن أراد بها موعدا فليست بيمين كقوله سأحلف. قال المزني رحمه الله: وفي الإملاء هي يمين، وإن قال: لعمر الله فإن لم يرد بها يمينا فليست بيمين، ولو قال: وحق الله أو وعظمته أو وجلال الله أو وقدرة الله فلذلك كله يمين نوى بها يمينا أو لا نية له، إن لم يرد يمينا فليست بيمين لأنه يحتمل أن يقول وحق لله واجب وقدرة الله ماضية لا أنه يمين، ولو قال: بالله أو تالله فهي يمين نوى أو لم ينو. وقال في الإملاء: تالله يمين. وقال في القسامة: ليست بيمين قال المزني رحمه الله: وقد حكى الله عز وجل يمين إبراهيم عليه السلام:  وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين  . قال المزني رحمه الله: فإن قال: ألله لأفعلن فهذا ابتداء كلام لا يمين إلا أن ينوي بها، فإن قال: أشهد بالله فإن نوى اليمين فهي يمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين لأنها تحتمل أشهد بأمر الله، ولو قال أشهد ينويه يمينا لم يكن يمينا، ولو قال: أعزم بالله ولا نية له لم يكن يمينا لأن معناها أعزم بقدرة الله أو بعون الله على كذا وإن أراد يمينا فهي يمين، ولو قال: أسألك بالله أو أعزم عليك بالله لتفعلن فإن أراد المستحلف بها يمينا فهي يمين وإن لم يرد بها شيئا فليست بيمين، ولو قال: على عهد الله وميثاقه فليست بيمين إلا أن ينوي يمينا لأن لله عليه عهدا أن يؤدي فراضه وكذلك ميثاق الله بذلك وأمانته. 

باب الاستثناء في الأيمان 
قال الشافعي رحمه الله: ومن حلف بأي يمين كانت ثم قال: إن شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى، والوصل أن يكون الكلام نسقا، وإن كانت بينه سكتة كسكتة الرجل للتذكر أو العي أو التنفس أو انقطاع الصوت فهو استثناء، والقطع أن يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره أو يسكت السكوت الذي يبين أنه قطع. 
وقال: لو قال في يمينه لأفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان، فإن شاء فلان لم يحنث وإن مات أو غبي عنا حتى مضى الوقت حنث. قال المزني: قال بخلافه في باب جامع الأيمان. قال الشافعي رحمه الله: ولو قال في يمينه: لا أفعل كذا إن شاء فلان ففعل ولم يعرف شاء أو لم يشأ لم يحنث. 

باب لغو اليمين من هذا ومن اختلاف مالك والشافعي 
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت:  لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله  . قال الشافعي رحمه الله: واللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو هو الخطأ واللغو كما قالت عائشة والله أعلم. وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه. 

باب الكفارة قبل الحنث وبعده 
 

صفحة : 2473

 قال الشافعي رحمه الله: ومن حلف على شيء وأراد أن يحنث فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث، فإن كفر قبل الحنث بغير الصيام أجزأه، وإن صام لم يجزه لأنا نزعم أن لله على العباد حقا في أموالهم. وتسلف النبي  من العباس صدقة عام قبل أن يدخل، وأن المسلمين قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق في الأموال قياسا على هذا، فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزئ إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم. 

باب من حلف بطلاق امرأته أن يتزوج عليها 
قال الشافعي رحمه الله: ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها واحدة تملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث وإن كانت بائنا لم يحنث، فإن قال: أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ولم يوقف فهو على الأبد لا يحنث حتى يموت أو تموت هي قبل أن يتزوج عليها، وإن تزوج عليها من يشبهها أو لا يشبهها خرج من الحنث دخل بها أو لم يدخل بها، وإن ماتت لم يرثها وإن مات ورثته في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض. قال المزني: قد قطع في غير هذا الكتاب أنها لا ترث. قال المزني: وهو بالحق أولى لأن الله تبارك وتعالى ورثها منه بالمعنى الذي ورثه به منها فلما ارتفع ذلك المعنى فلم يرثها لم يجز أن ترثه. 

باب الإطعام في الكفارة 
في البلدان كلها ومن له أن يطعم وغيره  

صفحة : 2474

 قال الشافعي ويجزئ في كفارة اليمين مد بمد النبي ، وإنما قلنا يجزي هذا أن رسول الله  أتى بعرق فيه تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا، والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد في كل بلاد سواء، ولا أرى أن يجزي دراهم وإن كانت أكثر من قيمة الأمداد، وما اقتات أهل البلدان من شيء أجزأهم منه مد، ويجزي أهل البادية مد أقط. قال المزني رحمه الله: أجاز الأقط هاهنا ولم يجزه في الفطرة، وإذا لم يكن لأهل بلاد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أترب البلدان إليهم، ويعطي الرجل الكفارة والزكاة من لا تلزمه النفقة عليه من قرابته وهم من عدا الولد والوالد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم، وإن كان ينفق عليهم تطوعا ولا يجزئه إلا أن يعطي حرا مسلما محتاجا، ولو علم أنه أعطى غيرهم فعليه عندي أن يعيد، ولا يطعم أقل من عشرة مساكين واحتج على من قال: إن أطعم مسكينا واحدا مائة وعشرين مدا في ستين يوما أجزأه وإن كان في أقل من ستين لم يجزه. فقال: أراك جعلت واحدا ستين مسكينا فقد قال الله:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  فإن شهد اليوم شاهد بحق ثم عاد من الغد فشهد به فقد شهد بها مرتين فهو كشاهدين، فإن قال: لا يجوز لأن الله عز وجل ذكر العمد. قيل: وكذلك ذكر الله للمساكين العمد. قال الشافعي رحمه الله: ولو أطعم تسعة وكسا واحدا لم يجزه حتى يطعم عشرة كما قال الله عز وجل:  أو كسوتهم  . قال: ولو كانت عليه كفارة ثلاثة أيمان مختلفة فأعتق وأطعم وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها العتق ولا الإطعام ولا الكسوة أجزأه، وأيها شاء أن يكون عتقا أو طعاما أو كسوة كان وإن لم يشأ فالنية الأولى تجزئه. قال: ولا يجزي كفارة حتى يقم النية قبلها أو معها، ولو كفر عنه رجل بأمره أجزأه وهذه كهبته إياها من ماله ودفعه إياها بأمره كقبض وكيله لهبته لو وهبها له، وكذلك إن قال: أعتق عني فولاؤه للمعتق عنه لأنه قد ملكه قبل العتق وكان عتقه مثل القبض كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق كالقبض، ولو أن رجلا كفر عن رجل بغير أمره فأطعم أو أعتق لم يجزه وكان هو المعتق لعبده فولاؤه له وكذلك لو أعتق عن أبويه بعد الموت إذا لم يكن ذلك بوصية منهما، ولو صام رجل عن رجل بأمره لم يجزه لأن الأبدان تعبدت بعمل فلا يجزي أن يعمله غيرها إلا الحج والعمرة للخبر الذي جاء عن رسول الله  وبأن فيهما نفقة، ولأن الله تبارك وتعالى إنما فرضهما على من وجد السبيل إليهما والسبيل بالمال، ومن اشترى مما أطعم أو كسا أجزته ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلي، ومن كان له مسكن لا يستغني عنه هو وأهله وخادم أعطى من الكفارة والزكاة، وإن كان في مسكنه فضل عن خادمه وأهله الفضل الذي يكون به غنيا لم يعط، وإذا حنث موسرا ثم أعسر لم أر الصوم يجزي عنه وآمره احتياطا أن يصوم، فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه، ولو حنث معسرا فأيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم، وإن صام أجزأ عنه لأن حكمه حين حنث حكم الصيام. قال المزني: وقد قال في الظهار إن حكمه حين يكفر، وقد قال في جماعة العلماء: إن تظاهر فلم يجد ماء فلم يصم ولم يدخل في الصلاة بالتيمم حتى وجد الرقبة والماء إن فرضه العتق والوضوء، وقوله في جماعة العلماء أولى به من انفراط عنها. قال: ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأه، وإن كان غنيا وماله غائب عنه لم يكن له أن يكفر حتى يحضر ماله إلا بالإطعام أو الكسوة أو العتق. 

باب ما يجزي من الكسوة في الكفارة 
قال الشافعي رحمه الله: وأقل ما يجزي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك لرجل أو امرأة أو صبي، ولو استدل بما يجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين لجاز أن يستدل بما يكفيه في الشتاء والصيف أو في السفر من الكسوة وقد أطلقه الله فهو مطلق. 

باب ما يجوز في عتق الكفارات وما لا يجوز 
 

صفحة : 2475

 قال الشافعي رحمه الله: ولا يجزئ رقبة في كفارة ولا واجب إلا مؤمنة، وأقل ما يقع عليه اسم الإيمان على الأعجمي أن يصف الإيمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا، ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه مؤمنين أو أحدهما وولد الزنا وكل في نقص بعيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا مثل العرج الخفيف والعور والشلل في الخنصر ونحو ذلك، ولا يجزئ المقعد ولا الأعمى ولا الأشل الرجل، ويجزئ الأصم والخصي والمريض الذي ليس به مرض زمانه مثل الفالج والسل، ولو اشترى من يعتق عليه لم يجزه، ولا يعتق عليه إلا الوالدون والمولودون، ولو اشترى رقبة بشرط يعتقها لم تجز عنه، ويجزئ المدبر ولا يجوز المكاتب حتى يعجز فيعتق بعد العجز ويجزئ المعتق إلى سنين. واحتج في كتاب اليمين مع الشاهد على من أجاز عتق الذمي في الكفارة بأن الله عز وجل لما ذكر رقبة في كفارة فقال: مؤمنة، ثم ذكر رقبة أخرى في كفارة كانت مؤمنة لأنهما يجتمعان في أنهما كفارتان، ولما رأينا ما فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم منقولا إلى المسلمين لم يجز أن يخرج من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا ويدع مؤمنا. 

باب الصيام في كفارة الأيمان المتتابع وغيره 
قال الشافعي رحمه الله: كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله أن يكون متتابعا أجزأه متفرقا قياسا على قول الله جل ذكره:  فعدة من أيام أخر  ، والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء. وقال في كتاب الصيام: إن صيام كفارة اليمين متتابع والله أعلم. قال المزني رحمه الله: هذا ألزم له لأن الله عز وجل شرط صوم كفارة المتظاهر متتابعا وهذا صوم كفارة مثله كما احتج الشافعي بشرط الله عز وجل رقبة القتل مؤمنة. قال المزني: فجعل الشافعي رقبة الظهار مثلها مؤمنة لأنها كفارة شبيهة بكفارة فكذلك الكفارة عن ذنب بالكفارة عن ذنب أشبه منها بقضاء رمضان الذي ليس بكفارة عن ذنب فتفهم. قال: وإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم أو الصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف. وقال في القديم: المرض كالحيض وقد يرتفع الحيض بالحمل وغيره كما يرتفع المرض. قال: ولا صوم فيما لا يجوز صومه تطوعا مثل يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق. 

باب الوصية بكفارة الأيمان والزكاة 
قال الشافعي رحمه الله: من لزمه حق المساكين في زكاة أو كفارة يمين أو حج فذلك كله من رأس ماله يحاص به الغرماء، فإن أوصى بأن يعتق عنه في كفارة فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه، فإن لم يحمله الثلث أطعم عنه من رأس ماله. 

باب كفارة يمين العبد بعد أن يعتق 
قال الشافعي: لا يجزئ العبد في الكفارة إلا الصوم لأنه لا يملك مالا وليس له أن يصوم إلا بإذن مولاه إلا أن يكون ما لزمه بإذنه، ولو صام في أي حال أجزأه، ولو حنث ثم أعتق وكفر كفارة حر أجزأه لأنه حينئذ مالك ولو صام أجزأه لأن حكمه يوم حنث حكم الصيام. قال المزني رحمه الله: قد مضت الحجة أن الحكم يوم يكفر لا يوم يحنث كما قال: إن حكمه في الصلاة حين يصلي كما يمكنه لا حين وجبت عليه. قال: ولو وجبت عليه ونصفه عبد ونصفه حر وكان في يديه مال لنفسه لم يجزئه الصوم وكان عليه أن يكفر مما في يديه لنفسه. قال المزني رحمه الله: إنما المال لنصفه الحر لا يملك منه النصف العبد شيئا فكيف يكفر بالمال نصف عبد لا يملك منه شيئا? فأحق بقوله أنه كرجل موسر بنصف الكفارة فليس عليه إلا الصوم وبالله التوفيق. 

باب جامع الأيمان 
 

صفحة : 2476

 قال الشافعي رحمه الله: وإذا كان في دار فحلف أن لا يسكنها أخذ في الخروج مكانه، وإن تخلف ساعة يمكنه الخروج منها فلم يفعل حنث فيخرج ببدنه متحولا ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه وإخراج أهله لأن ذلك ليس بسكنى، ولو حلف أن لا يساكنه وهو ساكن فإن أقاما جميعا ساعة يمكنه التحويل عنه حنث، ولو كانا في بيتين فجعل بينهما حدا ولكل واحد من الحجرتين باب فليست هذه بمساكنة، وإن كانا في دار واحدة والمساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد، وإذا افترق البيتان أو الحجرتان فليست بمساكنة إلا أن يكون له نية فهو على ما نوى، فإن قيل: ما الحجة في أن النقلة دون متاعه وأهله وماله? قيل: أرأيت إذا سافر أيكون من أهل السفر فيقصر? أو رأيت لو انقطع إلى مكة ببدنة أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم? فإذا قال: نعم فإنما النقلة والحكم على البلدان لا على مال وأهل وعيال، ولو حلف لا يدخلها فرقى فوقها لم يحنث حتى يدخل بيتا منها أو عرصتها، ولو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه ولا يركب دابة وهو راكبها فإن نزع أو نزل مكانه وإلا حنث وكذلك ما أشبهه، وإن حلف لا يسكن بيتا وهو بدوي أو قروي ولا نية له فأي بيت من شعر أو أدم أو خيمة أو بيت من حجارة أو مدر أو ما وقع عليه اسم بيت سكنه حنث، وإن حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشتراه فلان وآخر معه طعاما ولا نية له فأكل منه لم يحنث، ولو حلف لا يسكن دار فلان هذه بعينها فباعها فلان حنث بأي وجه سكنها إن لم تكن له نية فإن كانت نيته ما كانت لفلان لم يحنث إذا خرجت من ملكه، ولو حلف لا يدخلها فانهدمت حتى صارت طريقا لم يحنث لأنها ليست بدار، ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار في موضع فحول لم يحنث إلا أن ينوي أن يدخلها فيحنث، ولو حلف لا يلبس ثوبا وهو رداء فقطعه قميصا أو ائتزر به أو حلف لا يلبس سراويل فائتزر به أو قميصا فارتدى به فهذا كله لبس يحنث به إلا أن يكون له نية فلا يحنث إلا على نيته، ولو حلف لا يلبس ثوب رجل من عليه فوهبه له فباعه واشترى بثمنه ثوبا لبسه لم يحنث إلا أن يلبس الذي حلف عليه بعينه، وإنما أنظر إلى مخرج اليمين ثم أحنث صاحبها أو أبره وذلك أن الأسباب متقدمة والأيمان بعدها محدثة قد يخرج على مثالها وعلى خلافها فأحنثه على مخرج يمينه، أرأيت رجلا لو كان قال وهبت له مالي فحلف ليضربنه أما يحنث إن لم يضربه? وليس يشبه سبب ما قال? قال: ولو حلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيتا يسكنه فلان بكراء لم يحنث إلا بأن يكون نوى مسكن فلان فيحنث، ولو حمل فأدخل فيه لم يحنث إلا أن يكون هو أمرهم بذلك تراخى أو لم يتراخ. قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: نويت شهرا لم يقبل منه في الحكم إن حلف بالطلاق ودين فيما بينه وبين الله عز وجل، ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل على رجل غيره بيتا فوجد المحلوف عليه فيه لم يحنث لأنه لم يدخل على ذلك، وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ. قال المزني رحمه الله: قد سوى الشافعي في الحنث بين من حلف ففعل عمدا أو خطأ. قال الشافعي رحمه الله: ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فهلك قبل غد لم يحنث للإكراه قال الله جل وعز:  من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان  فعقلنا أن قول المكره كما لم يكن في الحكم، وعقلنا أن الإكراه هو أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف عليه ليفعلن فيه شيئا بغير فعل منه فهو في أكثر من الإكراه، ولو حلف ليقضينه حقه لوقت إلا أن يشاء أن يؤخره فمات قبل يشاء أن يؤخره أنه لا حنث عليه، وكذلك لو قال إلا أن يشاء فلان فمات فلان الذي جعل المشيئة إليه. قال المزني: هذا غلط ليس في موته ما يمنع إمكان بره، وأصل قوله إن أمكنه البر فلم يفعل حتى فاته الإمكان أنه يحنث، وقد قال: لو حلف لا يدخل الدار إلا بإذن فلان فمات الذي جعل الإذن إليه أنه إن دخلها حنث. قال المزني: وهذا وذاك سواء. قال الشافعي رحمه الله: ولو حلف ليقضينه عند رأس الهلال أو إلى رأس الهلال فرأى في الليلة التي يهل فيها الهلال حنث. قال المزني رحمه الله: وقد قال في الذي حلف ليقضينه إلى رمضان فهل إنه حانث لأنه حد. قال المزني رحمه الله: هذا أصح كقوله إلى الليل فإذا جاء  

صفحة : 2477

 الليل حنث. قال الشافعي ولو قال إلى حين فليس بمعلوم لأنه يقع على مدة الدنيا ويوم والفتيا أن يقال له: الورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا نحنثك أبدا لأنا لا نعلم للحين غاية، وكذلك زمان ودهر وأحقاب وكل كلمة مفردة ليس لها ظاهر يدل عليها، ولو حلف لا يشتري فأمر غيره أو لا يطلق فجعل طلاقها إليها فطلقت أو لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه لا يحنث إلا أن يكون نوى ذلك. قال الشافعي ومن حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران، لم يحنث حتى يكونا جميعا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله، ولو قال: والله لا أشرب ماء هذه الأداوة أو ماء هذا النهر لم يحنث حتى يشرب ماء الأداوة كله ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله، ولو قال: من ماء هذه الأداوة أو من ماء هذا النهر حنث إن شرب شيئا من ذلك.الليل حنث. قال الشافعي ولو قال إلى حين فليس بمعلوم لأنه يقع على مدة الدنيا ويوم والفتيا أن يقال له: الورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا نحنثك أبدا لأنا لا نعلم للحين غاية، وكذلك زمان ودهر وأحقاب وكل كلمة مفردة ليس لها ظاهر يدل عليها، ولو حلف لا يشتري فأمر غيره أو لا يطلق فجعل طلاقها إليها فطلقت أو لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه لا يحنث إلا أن يكون نوى ذلك. قال الشافعي ومن حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران، لم يحنث حتى يكونا جميعا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله، ولو قال: والله لا أشرب ماء هذه الأداوة أو ماء هذا النهر لم يحنث حتى يشرب ماء الأداوة كله ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله، ولو قال: من ماء هذه الأداوة أو من ماء هذا النهر حنث إن شرب شيئا من ذلك. 

باب من حلف على غريمه لا يفارقه حتى يستوفي حقه 
قال الشافعي رحمه الله: من حلف على غريمه لا يفارقه حتى يستوفي حقه ففر منه لم يحنث لأنه لم يفارقه، ولو قال: لا أفترق أنا وأنت حنث، ولو أفلس قبل أن يفارقه أو استوفى حقه فيما يرى فوجد في دنانيره زجاجا أو نحاسا حنث في قول من لا يطرح الغلبة والخطأ عن الناس لأن هذا لم يعمده. قال: ولو أخذ بحقه عرضا فإن كان قيمة حقه لم يحنث وإن كان أقل حنث إلا أن ينوي حتى لا يبقى عليك من حقي شيء فلا يحنث. قال المزني رحمه الله: ليس للقيمة معنى لأن يمينه إن كانت على عين الحق لم يبر إلا بعينه، وإن كانت على البراءة فقد برئ والعرض غير الحق سوى أو لم يسو. قال الشافعي رحمه الله: حد الفراق أن يتفرقا عن مقامهما الذي كانا فيه أو مجلسهما. قال: ولو حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه اليوم حنث لأن قضاءه غدا غير قضائه اليوم، فإن كانت نيته أن لا يخرج غدا حتى أقضيك حقك فقد بر وهكذا لو وهبه له رب الحق حنث إلا أن يكون نوى أن لا يبقى علي غدا من حقك شيء فيبر. 

باب من حلف على امرأته لا تخرج إلا بإذنه 
قال الشافعي: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني أو حتى آذن لك فهذا على مرة واحدة وإذا خرجت بإذنه فقد بر ولا يحنث ثانية إلا أن يقول كلما خرجت إلا بإذني فهذا على كل مرة، ولو أذن لها وأشهد على ذلك فخرجت لم يحنث لأنه قد أذن لها وإن لم تعلم - كما لو كان عليه حق لرجل فغاب أو مات فجعله صاحب الحق في حل برئ- غير أني أحب له في الورع لو أحنث نفسه لأنها خرجت عاصية له عند نفسها وإن كان قد أذن لها. 

باب من يعتق من مماليكه إذا حنث 
أو حلف بعتق عبد فباعه ثم اشتراه وغير ذلك  

صفحة : 2478

 قال الشافعي رحمه الله: من حلف بعتق مما يملك وله أمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد عتقوا عليه إلا المكاتب إلا أن ينوب لأن الظاهر أن المكاتب خارج من ملكه بمعنى وداخل فيه بمعنى وهو محول بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه ولا زكاة عليه في ماله ولا زكاة الفطر في رقيقه، وليس كذا أم ولد ولا مدبره، ولو حلف بعتق عبده ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث لأن الحنث إذا وقع مرة لم يحنث ثانية، ولو قال لعبده: أنت حر إن بعتك، فباعه بيعا ليس ببيع خيار فهو حر حين عقد البيع، وإنما زعمته من قبل أن النبي  جعل المتبابعين بالخيار ما لم يتفرقا، قال: وتفرقهما بالأبدان فقال: فكان لو أعتقه عتقا فيعتق بالحنث. ولو قال: إن زوجتك أو بعتك فأنت حر، فزوجه أو باعه بيعا فاسدا لم يحنث. 

باب جامع الأيمان الثاني 
 

صفحة : 2479

 قال الشافعي رحمه الله: وإذا حلف لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الحيتان أو رؤوس الطير أو رؤوس شيء يخالف رؤوس الغنم والإبل والبقر لم يحنث من قبل أن الذي يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرؤوس إنما هي ما وصفنا، إلا أن يكون بلاد لها صيد يكثر كما يكثر لحم الأنعام في السوق وتميز رؤوسها فيحنث في رؤوسها وكذلك البيض وهو بيض الدجاج والأوز والنعام الذي يزايل بائضه حيا فأما بيض الحيتان فلا لكون هكذا، ولو حلف لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل والبقر والغنم والوحش والطير لأنه كله لحم ولا يحنث في لحم الحيتان لأنه ليس بالأغلب، ولو حلف أن لا يشرب سويقا فأكله أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه أو لا يشرب شيئا فذاقه فدخل بطنه لم يحنث، ولو حلف لا يأكل سمنا فأكله بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث لأن السمن لا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا مفردا، وإذا حلف لا يأكل هذه التمرة فوقعت في تمر فإن أكله إلا تمرة أو هلكت منه تمرة لم يحنث حتى يستيقن أنه أكلها والورع أن يحنث نفسه، وإذا حلف أن لا يأكل هذه الحنطة فطحنها أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث لأنه لم يأكل ما وقع عليه اسم قمح، ولو حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما ولا شحما فأكل لحما أو رطبا فأكل تمرا أو تمرا فأكل رطبا أو زبدا فأكل لبنا لم يحنث لأن كل واحد منها غير صاحبه، ولو حلف لا يكلم رجلا ثم سلم على قوم والمحلوف عليه فيهم لم يحنث إلا أن ينويه، ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا فالورع أن يحنث ولا يبين ذلك لأن الرسول والكتاب غير الكلام. قال المزني رحمه الله: هذا عندي به وبالحق أولى قال الله جل ثناؤه:  آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا  إلى قوله:  بكرة وعشيا  فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام ولم يتكلم، وقد احتج الشافعي بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث فلو كتب أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها. قال المزني رحمه الله: فلو كان الكتاب كلاما لخرج به من الهجرة فتفهم. قال الشافعي رحمه الله: ولو حلف لا يرى كذا إلا رفعه إلى قاض فرآه فلم يمكنه رفعه إليه حتى مات ذلك القاضي لم يحنث حتى يمكنه فيفرط وإن عزل، فإن كانت نيته أن يرفعه إليه إن كان قاضيا فلا يجب رفعه إليه وإن لم يكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه، ولو حلف ماله مال وله عرض أو دين حنث إلا أن يكون نوى غير ذلك فلا يحنث. قال: ولو حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنها ماسته كلها بر، وإن أحاط أنها لم تماسه كلها لم يبر، وإن شك لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع، واحتج الشافعي بقول الله عز وجل:  وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث  . وضرب رسول الله  بأثكال النخل في الزنا وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته. قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله لو حلف ليفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان فإن مات أو غبي عنا حتى مضى الوقت حنث. قال المزني رحمه الله: وكلا ما يبر به شك فكيف يحنث في أحدهما ولا يحنث في الآخر. فقياس قوله عندي أن لا يحنث بالشك. قال الشافعي: ولو لم يقل ضربا شديدا بأي ضرب ضربه إياه لم يحنث لأنه ضاربه، ولو حلف لا يهب له هبة فتصدق عليه أو نحله أو أعمره فهو هبة، فإن أسكنه فإنما هي عارية لم يملكه إياها فمتى شاء رجع فيها وكذلك إن حبس عليه، ولو حلف أن لا يركب دابة العبد فركب دابة العبد لم يحنث لأنها ليست له إنما اسمها مضاف إليه. قال الشافعي رحمه الله: ولو قال مالي في سبيل الله أو صدقة على معاني الأيمان فمذهب عائشة رضي الله عنها وعدة من أصحاب النبي  وعطاء والقياس أن عليه كفارة يمين. وقال: من حنث في المشي إلى بيت الله ففيه قولان أحدهما: قول عطاء كفارة يمين ومذهبه أن أعمال البر لا تكون إلا ما فرض الله أو تبررا يراد به الله عز وجل. قال الشافعي: والتبرر أن يقول: لله علي إن شفاني أن أحج نذرا فأما إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا معاني النذور. قال المزني رحمه الله: قد قطع بأنه قول عدد من أصحاب رسول الله  والقياس، وقد قال في غير هذا الموضع: لو قال لله علي نذر حج إن شاء فلان فشاء لم يكن عليه شيء  

صفحة : 2480

 إنما النذر ما أريد به الله عز وجل ليس على معاني المعلق والشائي غير الناذر.إنما النذر ما أريد به الله عز وجل ليس على معاني المعلق والشائي غير الناذر. 

باب النذور 
قال الشافعي رحمه الله: من نذر أن يمشي إلى بيت الله لزمه إن قدر على الشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه، ولا يمشي أحد إلى بيت الله إلا أن يكون حاجا أو معتمرا، وإذا نذر الحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم يركب، وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر ولو فاته الحج حل ماشيا وعليه حج قابل ماشيا. ولو قال: علي أن أمشي لم يكن عليه المشي حتى يكون برا فإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه لأنه ليس في المشي إلى غير مواضع التبرر بر وذلك مثل المسجد الحرام، وأحب لو نذر إلى مسجد المدينة أو إلى بيت المقدس أن يمشي، واحتج بقول رسول الله :  لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى  . ولا يبين لي أن يجب كما يبين لي أن واجبا المشي إلى بيت الله، وذلك أن البر بإتيان بيت الله عز وجل فرض والبر بإتيان هذين نافلة، ولو نذر أن يمشي إلى مسجد مصر لم يجب عليه، ولو نذر أن ينحر بمكة لم يجزئه بغيرها، ولو نذر أن ينحره بغيرها لم يجزئه إلا حيث نذر لأنه وجب لمساكين ذلك البلد، وإذا نذر أن يأتي إلى موضع من الحرم ماشيا أو راكبا فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا، ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو منى أو قريبا من الحرم لم يلزمه، ولو نذر أن يهدي متاعا لم يجزئه إلا أن يتصدق به على مساكين الحرم، فإن كانت نيته أن يعلقه سترا على البيت أو يجعله في طيب البيت جعله حيث نواه، وإذا نذر أن يهدي مالا يحمل من الأرضين والدور باع ذلك وأهدى ثمنه، ومن نذر بدنة لم يجزئه إلا ثنى أو ثنية والخصي يجزي، وإذا لم يجد بدنة فبقرة ثنية، فإن لم يجد فسبع من الغنم تجزي ضحايا، وإن كانت نيته على بدنة من الإبل لم يجزئه من البقر والغنم إلا بقيمتها، ولو نذر عدد صوم صامه متفرقا أو متتابعا، ولو نذر صيام سنة بعينها صامها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان ويوم الفطر والأضحى وأيام التشريق ولا قضاء عليه فيها، وإن نذر سنة بغير عينها قضى هذه الأيام كلها. وإن قال: لله علي أن أحج عامي هذا حال بينه وبينه عدو أو سلطان فلا قضاء عليه، وإن حدث به مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان قضاه. ولو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا فلا صوم عليه وأحب لو صام صبيحته. ولو قدم نهارا هو فيه صائم تطوعا كان عليه قضاؤه لأنه نذر، وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه القضاء من قبل أنه لا يصلح بأن يكون فيه صائما عن نذره. قال المزني: يعني أنه لا صوم لنذره إلا بنية قبل الفجر ولم يكن له سبيل إلى أن يعلم أن عليه صوما إلا بعد مقدمه. قال المزني: قضاؤه عندي أولى به. قال المزني: وكذلك الحج إذا أمكنه قبل موته. فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان بعينه فلم يسقط بعجزه عنه بمرضه. قال المزني رحمه الله: قال الله:  فعدة من أيام أخر  وأجمعوا أنه لو أغمي عليه الشهر كله فلم يعقل فيه أن عليه قضاءه والنذر عنده واجب فقضاؤه إذا أمكنه وإن ذهب وقته واجب، وقد قطع بهذا القول في موضع آخر. قال الشافعي: ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أحببت أن يعود لصومه لنذره ويعود لصومه لقدوم فلان، ولو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين فعليه أن يصوم كل اثنين يستقبله إلا أن يكون يوم فطر أو أضحى أو تشريق فلا يصومه ولا يقضيه. وقال في كتاب الصوم: عليه القضاء. قال المزني رحمه الله: لا قضاء أشبه بقوله لأنها ليست بوقت لصوم عنده لفرض ولا لغيره، وإن نذر صومها نذر معصية وكذلك لا يقضي نذر معصية. 
 

صفحة : 2481

 قال الشافعي: ولو وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما وقضى كل اثنين فيهما ولا يشبه شهر رمضان لأن هذا شيء أدخله على نفسه بعد ما وجب عليه صوم الاثنين وشهر رمضان أوجبه الله عليه لا بشيء أدخله على نفسه، ولو كان الناذر امرأة فهي كالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضها، ولو قالت: لله علي أن أصوم أيام حيضي فلا يلزمها شيء لأنها نذرت معصية. قال المزني رحمه الله: هذا يدل على أن لا يقضي نذر معصية. قال الشافعي رحمة الله عليه: وإذا نذر الرجل صوما أو صلاة ولم ينو عددا فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ومن الصوم يوم، ولو نذر عتق رقبة فأي رقبة أعتق أجزأه، ولو قال رجل لآخر يمين في يمينك فحلف فاليمين على الحالف دون صاحبه. قال المزني رحمه الله: فقلت له فإن قال يمين في يمينك بالطلاق فحلف أعليه شيء? فقال: لا يمين إلا على الحالف دون صاحبه. قال المزني رحمه الله: قال لي علي بن معبد: في المشي كفارة يمين عن زيد وابن عمر وحفصة وميمون بن مهران والقاسم بن محمد والحسن وعبد الله بن عمر الجوزي ورواية عن محمد بن الحسن والحسن. وقال سعيد بن المسيب: لا كفارة عليه أصلا وعطاء وشريك وسمعته يقول ذلك، وذكر عن الليث كفارة يمين في ذلك كله إلا سعيد فإنه قال: لا كفارة . قال المزني: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور بن عبد الرحمن الحجي عن أمه صفية بنت شيبة أن ابن عم لها جعل ماله في سبيل الله أو في رتاج الكعبة فقالت قالت عائشة: هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين. وحدثنا الحميدي قال: حدثنا ابن أبي رواد عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال فيمن جعل ماله في سبيل الله: يمين يكفرها ما يكفر اليمين. قال الحميدي وسمعت الشافعي وسفيان يفتيان به. قال الحميدي وهو قولي. 

كتاب أدب القاضي 
 

صفحة : 2482

 قال الشافعي: أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب، وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا تسرع ملالته فيه، وأنا لإقامة الحد في المسجد أكره. قال الشافعي: ومعقول في قول رسول الله :  لا يحكم الحاكم ولا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان  أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا يتغير فيها خلقه ولا عقله، والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير فيها عقله أو خلقه انبغى له أن لا يقضي حتى يذهب، وأي حال صار إليه فيها سكون الطبيعة واجتماع العقل حكم، وإن غيره مرض أو حزن أو فرح أو جوع أو نعاس أو ملالة ترك، وأكره له البيع والشراء خوف المحاباة بالزيادة ويتولاه له غيره. قال: ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة إما أن يجيب كلا وإما أن يترك كلا ويعتذر ويسألهم التحليل ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي مقدم الغائب، وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه، فإن عاد زجره ولا يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجبه، ويشاور قال الله عز وجل:  وأمرهم شورى بينهم  وقال لنبيه :  وشاورهم في الأمر  . قال الحسن: إن كان النبي  عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، ولا يشاور إذا نزل به المشكل إلا عالما بالكتاب والسنة والآثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب، ولا يقبل وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له من حيث لم تختلف الرواية فيه أو بدلالة عليه أو أنه لا يحتمل وجها أظهر منه. قال الشافعي رحمه الله: فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله . قال: ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض وإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي أن يقضي ولا لأحد أن يستقضيه، ولا يجوز له أن يستحسن بغير قياس ولو جاز ذلك لجاز أن يشرع في الدين. والقياس قياسان أحدهما: أن يكون في معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه. والآخر: أن يشبه الشيء الشيء من أصل ويشبه الشيء من أصل غيره فيشبهه هذا بهذا الأصل ويشبهه الآخر بأصل غيره. وموضع الصواب في ذلك عندنا أن ينظر فإن أشبهه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذي أشبهه في الخصلتين. قال الله عز وجل في داود وسليمان:  ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما  . قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده. وقال رسول الله :  إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر  قال الشافعي: فأخبره أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر، فلا يكون الثواب فيما لا يسع ولا في الخطأ الموضوع. قال المزني رحمه الله: أنا أعرف أن الشافعي قال: لا يؤجر على الخطأ وإنما يؤجر على قصد الصواب وهذا عندي هو الحق. قال الشافعي رحمه الله: من اجتهد من الحكام فقضى باجتهاده ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره فسواء، فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده، وليس على القاضي أن يتعقب حكم من قبله وإن تظلم محكوم عليه ممن قبله نظر فيه فرده أو أنفذه على ما وصفت. وإذا تحاكم إليه أعجمي لا يعرف لسانه لم تقبل الترجمة عنه إلا بعدلين يعرفان لسانه، وإذا شهد الشهود عند القاضي كتب حلية كل رجل ورفع في نسبه إن كان له أو ولاية إن كانت له، وسأله عن صناعته وكنيته إن كانت له، وعن مسكنه وعن موضع بياعته ومصلاه. قال الشافعي رحمه الله: وأحب إذا لم يكن لهم سدة عقول أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع ومن فيه ليستدل على عورة إن كانت في شهادته، وإن جمعوا الحال الحسنة والعقل لم يفعل بهم ذلك، وأحب أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول براء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف عليهم أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية أو المماطلة للناس، وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه فيخفي حسنا  

صفحة : 2483

 ويقول قبيحا فيكون جرحا ويسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون تعديلا ويحرص على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له، وأن يكتب لأصحاب المسائل صفات الشهود على ما وصفنا وأسماء من شهد له وشهد عليه ومبلغ ما شهدوا فيه، ثم لا يسألون أحدا حتى يخبروه بمن شهدوا له وعليه وبقدر ما شهدوا فيه فإن المسؤول قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل المسألة عنه ولا تعديله ولا تجريحه إلا من اثنين ويخفي عن كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف، فإن اتفقت بالتعديل أو التجريح قبلهما وإن اختلفت أعادها مع غيرهما، وإن عدل رجل بشاهدين وجرح بآخرين كان الجرح أولى لأن التعديل على الظاهر والجرح على الباطن، ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع ولا يقبله من فقيه دين عاقل إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإن الناس يتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر والفسق بالتأويل وهو بالجرح عندهم أولى، وأكثر من ينسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعد اليسير الذي لا يكون جرحا، ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول عدل علي ولي ثم لا يقبل حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت باطنة متقادمة وإلا لم يقبل ذلك منه، ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا لا يوافق اسم اسما ولا نسب نسبا، ولا ينبغي أن يتخذ كاتبا حتى يجمع أن يكون عدلا عاقلا ويحرص أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة نزها بعيدا من الطبع. والقاسم في صفة الكاتب عالم بالحساب لا يخدع. قال الشافعي: ويتولى القاضي ضم الشهادات ورفعها لا يغيب ذلك عنه ويرفعها في قمطر ويضم الشهادات وحجج الرجلين في مكان واحد مترجمة بأسمائهما والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف له إذا طلبها، فإذا مضت سنة عزلها وكتب خصوم سنة كذا حتى تكون كل سنة مفروزة وكل شهر مفروزا، ولا يفتح المواضع التي فيها تلك الشهادات إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامته، وأن يترك في يدي المشهود له نسخة بتلك الشهادات ولا يختمها ولا يقبل من ذلك ولا مما وجد في ديوانه إلا ما حفظ لأنه قد يطرح في الديوان ويشبه الخط الخط، ولو شهد عنده شهود أنه حكم بحكم فلا يبطله ولا يحقه إذا لم يذكره، وإن شهدوا عند غيره أجازه لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله.يقول قبيحا فيكون جرحا ويسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون تعديلا ويحرص على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له، وأن يكتب لأصحاب المسائل صفات الشهود على ما وصفنا وأسماء من شهد له وشهد عليه ومبلغ ما شهدوا فيه، ثم لا يسألون أحدا حتى يخبروه بمن شهدوا له وعليه وبقدر ما شهدوا فيه فإن المسؤول قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل المسألة عنه ولا تعديله ولا تجريحه إلا من اثنين ويخفي عن كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف، فإن اتفقت بالتعديل أو التجريح قبلهما وإن اختلفت أعادها مع غيرهما، وإن عدل رجل بشاهدين وجرح بآخرين كان الجرح أولى لأن التعديل على الظاهر والجرح على الباطن، ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع ولا يقبله من فقيه دين عاقل إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإن الناس يتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر والفسق بالتأويل وهو بالجرح عندهم أولى، وأكثر من ينسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعد اليسير الذي لا يكون جرحا، ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول عدل علي ولي ثم لا يقبل حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت باطنة متقادمة وإلا لم يقبل ذلك منه، ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا لا يوافق اسم اسما ولا نسب نسبا، ولا ينبغي أن يتخذ كاتبا حتى يجمع أن يكون عدلا عاقلا ويحرص أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة نزها بعيدا من الطبع. والقاسم في صفة الكاتب عالم بالحساب لا يخدع. قال الشافعي: ويتولى القاضي ضم الشهادات ورفعها لا يغيب ذلك عنه ويرفعها في قمطر ويضم الشهادات وحجج الرجلين في مكان واحد مترجمة بأسمائهما والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف له إذا طلبها، فإذا مضت سنة عزلها وكتب خصوم سنة كذا حتى تكون كل سنة مفروزة وكل شهر مفروزا، ولا يفتح المواضع التي فيها تلك الشهادات إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامته، وأن يترك في يدي المشهود له نسخة بتلك الشهادات ولا يختمها ولا يقبل من ذلك ولا مما وجد في ديوانه إلا ما حفظ لأنه قد يطرح في الديوان ويشبه الخط الخط، ولو شهد عنده شهود أنه حكم بحكم فلا يبطله ولا يحقه إذا لم يذكره، وإن شهدوا عند غيره أجازه لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله. 
 

صفحة : 2484


كتاب قاض إلى قاض 
قال الشافعي رحمه الله: ويقبل كل كتاب لقاض عدل ولا يقبله إلا بعدلين، وحتى يفتحه ويقرأه عليهما فيشهدا أن القاضي أشهدهما على ما فيه وأنه قرأه بحضرتهما أو قرئ عليهما وقال: أشهد أن هذا كتابي إلى فلان. قال: وينبغي أن يأمرهم بنسخه كتابة في أيديهم ويوقعوا شهادتهم فيه، فإن انكسر خاتمه أو انمحى كتابه شهدوا بعلمهم عليه، فإن مات الكاتب أو عزل لم يمنع ذلك قبوله ونقبله كما نقبل حكمه، ولو ترك أن يكتب اسمه في العنوان وقطع الشهود بأنه كتابه قبله، وإن أنكر المكتوب عليه لم يأخذه به حتى تقوم بينة بأنه هو، فإذا رفع في نسبه فقامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق، وإن وافق الاسم والقبيلة والنسب والصناعة فأنكر المكتوب عليه لم يقض عليه حتى يبان بشيء لا يوافقه فيه غيره، وكتاب القاضي إلى الخليفة والخليفة إلى القاضي والقاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي سواء لا يقبل إلا كما وصفت من كتاب القاضي إلى القاضي. 

باب القسام 
قال الشافعي رحمه الله: وينبغي أن يعطي أجر القسام من بيت المال لأنهم حكام، وإن لم يعطوا خلي بينهم وبين من طلب القسم واستأجرهم طالب القسم بما شاء قل أو كثر، فإن سموا على كل واحد في نصيبه شيئا معلوما فجائز، وإن سموه على الكل فعلى قدر الأنصباء، وإذا تداعوا إلى القسم وأبى شركاؤهم فإن كان ينتفع واحد منهم بما يصير له مقسوما أجبرتهم على القسم، فإن لم ينتفع الباقون بما يصير إليهم فأقول لمن كره إن شئتم جمعتم حقكم فكانت مشاعة بينكم لتنتفعوا بها. وينبغي للقاسم أن يحصي أهل القسم ومبلغ حقوقهم، فإن كان فيهم من له سدس وثلث ونصف قسمه على أقل السهمان وهو السدس فيها، فيجعل لصاحب السدس سهما ولصاحب الثلث سهمين ولصاحب النصف ثلاثة، ثم يقسم الدار على ستة أجزاء ثم يكتب أسماء أهل السهمين في رقاع قراطيس صغار ثم يدرجها في بندق طين يدور وإذا استوت ألقاها في حجر من لم يحضر البندقة ولا الكتاب ثم سمى السهمين أولا وثانيا وثالثا، ثم قال أخرج على الأول بندقة واحدة فإذا أخرجها فضها فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم الأول فإن كان صاحب السدس فهو له ولا شيء له غيره، وإن كان صاحب الثلث فهو له والسهم الذي يليه، وإن كان صاحب النصف فهو له والسهمان اللذان يليانه ثم قيل له: أخرج بندقة على السهم الذي يلي ما خرج، فإذا خرج فيها اسم رجل فهو له كما وصفت حتى تنفذ السهمان، فإذا كان في القسم رد لم يجز حتى يعلم كل واحد منهم موضع سهمه وما يلزمه ويسقط عنه، وإذا علمه كما يعلم البيوع التي تجوز أجزته لا بالقرعة، ولا يجوز أن يجعل لأحدهما سفلا وللآخر علوه إلا أن يكون سفله وعلوه لواحد. وإذا ادعى بعضهم غلطا كلف البينة، فإن جاء بها رد القسم عنه وإذا استحق بعض المقسوم أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم ويقال لهم في الدين والوصية: إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين والوصية أنفذنا القسم بينكم وإلا نقضاء عليكم. ولا يقسم صنف من المال مع غيره ولا عنب مع نخل، ولا يصح بعل مضموم إلى عين ولا عين مضمومة إلى بعل ولا بعل إلا نخل يشرب بنهر مأمون الانقطاع، وتقسم الأرضون والثياب والطعام وكل ما احتمل القسم، وإذا طلبوا أن يقسم دارا في أيديهم قلت ثبتوا على أصول حقوقكم لأني لو قسمتها بقولكم ثم رفعت إلى حاكم كان شبيها أن يجعلها لكم ولعلها لغيركم، وقد قيل يقسم ويشهد أنه قسمها على إقرارهم ولا يعجبني لما وصفت. 

باب ما علي القاضي في الخصوم والشهود 
 

صفحة : 2485

 قال الشافعي رحمه الله: ينبغي للقاضي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه للحكم والاستماع والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفذ حجته ولا ينهرهما ولا يتعنت شاهدا، ولا ينبغي أن يلقن واحدا منهما حجة ولا شاهدا شهادة، ولا بأس إذا جلس أن يقول تكلما أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما، وينبغي أن يبتدئ الطالب فإذا أنفذ حجته تكلم المطلوب، ولا ينبغي أن يضيف الخصم دون خصمه ولا يقبل منه هدية، وإن كان يهدي إليه قبل ذلك حتى تنفذ خصومته، وإذا حضر مسافرون ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم وأن يجعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد فإن كثروا حتى ساووا أهل البلد أساهم بهم ولكل حق، ولا يقدم رجلا جاء قبله رجل ولا يسمع بينة في مجلس إلا في حكم واحد فإذا فرغ أقامه ودعا الذي بعده، وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه ولا يكلفه الطالب فإن لم يفعل قال للطالب: إن شئت بصحيفة فيها شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ولا أكرهك ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب وأنسى شهادته، فإن قبل الشهادة من غير محضر خصم فلا بأس، وينبغي إذا حضر أن يقرأ عليه ما شهدوا به عليه وينسخه أسماءهم وأنسابهم ويطرده جرحهم، فإن لم يأت به حكم عليه، وإذا علم من رجل بإقراره أو تيقن أنه شهد عنده بزور عزره ولم يبلغ بالتعزير أربعين سوطا وشهر أمره، فإن كان من أهل المسجد وقفه فيه، وإن كان من أهل قبيل وقفه في قبيله أو في سوقه وقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه. 
قال المزني رحمه الله: اختلف قوله في الخصم يقر عند القاضي فقال فيها قولان: أحدهما أنه كشاهد وبه قال شريح. والآخر أنه يحكم به. قال المزني: وقطع بأن سماعه الإقرار منه أثبت من الشهادة وهكذا قال في كتاب الرسالة: أقضي عليه بعلمي وهو أقوى من شاهدين أو بشاهدين وبشاهد وامرأتين وهو أقوى من شاهد ويمين وبشاهد ويمين وهو أقوى من النكول ورد اليمين. قال: وأحب للإمام إذا ولي القضاء رجلا أن يجعل له أن يولى القضاء من رأى في الطرف من أطرافه فيجوز حكمه، ولو عزل فقال: قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل إلا بشهود وكل ما حكم به لنفسه وولده ووالده ومن لا تجوز له شهادته رد حكمه. 

الشهادات في البيوع 
مختصر من الجامع من اختلاف الحكام والشهادات ومن أحكام القرآن ومن مسائل شتى سمعتها منه لفظا قال الشافعي: قال الله عز وجل:  وأشهدوا إذا تبايعتم  فاحتمل أمره جل ثناؤه أمرين: أحدهما: أن يكون مباحا تركه. والآخر حتما يعصي من تركه بتركه. فلما أمر الله عز وجل في آية الدين والدين تبايع بالإشهاد وقال فيها: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته  دل على أن الأولى دلالة على الحظ لما في الإشهاد من منع الظالم بالجحود أو بالنسيان ولما في ذلك من براءات الذمم بعد الموت لا غير، وكل أمر ندب الله إليه فهو الخير الذي لا يعتاض منه من تركه، وقد حفظ عن رسول الله  أنه بايع أعرابيا فرسا فجحده بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما إشهاد فلو كان حتما ما تركه . 

باب عدة الشهود وحيث لا يجوز فيه النساء 
وحيث يجوز وحكم القاضي بالظاهر  

صفحة : 2486

 قال الشافعي: ودل الله جل ثناؤه على أن لا يجوز في الزنا أقل من أربعة لقوله: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء  وقال سعد: يا رسول الله  أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء. فقال:  نعم  . وجلد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاثة لما لم يقم الرابع. وقال الله جل ثناؤه في الإمساك والفراق: وأشهدوا ذوي عدل منكم  فانتهى إلى شاهدين، ودل على ما دل قبله من نفي أن يجوز فيه إلا رجال لا نساء معهم لأنه لا يحتمل إلا أن يكونا رجلين. وقال الله جل ثناؤه في آية الدين:  فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان  . ولم يذكر في شهود الزنا ولا الفراق ولا الرجعة امرأة، ووجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال، والطلاق والرجعة تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال، والوصية إلى الموصى إليه قيام بما أوصى به إليه لا أن له مالا، ولا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا يجوز في الزنا إلا الرجال وأكثرهم قال: ولا في الطلاق ولا في الرجعة إذا تناكر الزوجان، وقالوا ذلك في الوصية فكان ذلك كالدلالة على ظاهر القرآن، وكان أولى الأمور بأن يصار إليه ويقاس عليه. والدين مال فما أخذ به المشهود له مالا جازت فيه شهادة النساء مع الرجال وما عدا ذلك فلا يجوز فيه إلا الرجال. قال الشافعي رحمه الله: وفي قول الله تبارك وتعالى:  فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان  . وقال:  أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى  دلالة على أنه لا تجوز شهادة النساء حيث يجزن إلا مع الرجل، ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا، وأصل النساء أنه قصر بهن عن أشياء بلغها الرجال أنهم جعلوا قوامين عليهن وحكاما ومجاهدين، وأن لهم السهمان من الغنيمة دونهن وغير ذلك فالأصل أن لا يجزن، فإذا أجزن في موضع لم يعد بهن ذلك الموضع وكيف أجازهن محمد بن الحسن في الطلاق والعتاق وردهن في الحدود? قال الشافعي رحمه الله: وفي إجماعهم على أن لا يجزن على الزنا ولم يستنبن في الإعواز من الأربعة دليل على أن لا يجزن في الوصية إذ لم يستنبن في الإعواز من شاهدين. وقال بعض أصحابنا: إن شهدت امرأتان لرجل بمال حلف معهن، ولقد خالله عدد أحفظ ذلك عنهم من أهل المدينة وهذا إجازة النساء بغير رجل فيلزمه أن يجيز أربعا فيعطي بهن حقا، فإن قال إنهما مع يمين رجل فيلزمه أن لا يجيزهما مع يمين امرأة والحكم فيهما واحد. قال الشافعي رحمه الله: وكان القتل والجراح وشرب الخمر والقذف مما لم يذكر فيه عدد الشهود فكان ذلك قياسا على شاهدي الطلاق وغيره مما وصفت. قال: ولا يحل حكم الحاكم الأمور عما هي عليه، أخبر رسول الله  أنه يقضي بالظاهر ويتولى الله عز وجل السرائر فقال:  من قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار  فلو شهدا بزور أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ففرق الحاكم بينهما كانت له حلالا غير أنا نكره أن يطأها فيحدا، ويلزم من زعم أن فرقته فرقة تحرم بها على الزوج يحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها فيما بينه وبين الله عز وجل أو يقول: لو شهدا له بزور أن هذا قتل ابنه عمدا فأباح له الحاكم دمه أن يريق دمه ويحل له فيما بينه وبين الله عز وجل. 

باب شهادة النساء لا رجل معهن 
والرد على من أجاز شهادة امرأة من هذا الكتاب ومن كتاب اختلاف ابن أبي ليلي وأبي حنيفة  

صفحة : 2487

 قال الشافعي رحمه الله: والولادة وعيوب النساء مما لم أعلم فيه مخالفا في أن شهادة النساء جائزة فيه لا رجل معهن، واختلفوا في عددها فقال عطاء: لا يكون في شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول. قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نأخذ. ولما ذكر الله النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في الموضع الذي أجازهما فيه دل - والله أعلم- إذ أجاز المسلمون شهادة النساء في موضع أن لا يجوز منهن إلا أربع عدول لأن ذلك معنى حكم الله عز وجل. قال الشافعي: وقلت لمن يجيز شهادة امرأة في الولادة كما يجيز الخبر بها لا من قبل الشهادة وأين الخبر من الشهادة أتقبل امرأة عن امرأة أن امرأة رجل ولدت هذا الولد? قال: لا. قلت: فتقبل في الخبر أخبرنا فلان عن فلان? قال: نعم. قلت: فالخبر هو ما استوى فيه المخبر والمخبر والعامة من حلال أو حرام? قال: نعم. قلت: والشهادة ما كان الشاهد منه خليا والعامة وإنما تلزم المشهود عليه? قال: نعم. قلت: أفترى هذا مشبها لهذا? قال: أما في هذا فلا. 

باب شهادة القاذف 
قال الشافعي رحمه الله: أمر الله تبارك وتعالى أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا وسماه فاسقا إلا أن يتوب، فإذا تاب قبلت شهادته ولا خلاف بيننا في الحرمين قديما وحديثا في أنه إذا تاب قبلت شهادته. قال الشافعي رحمه الله: والتوبة إكذابه نفسه لأنه أذنب بأن نطق بالقذف، والتوبة منه أن يقول القذف باطل كما تكون الردة بالقول والتوبة عنها بالقول، فإن كان عدلا قبلت شهادته وإلا فحتى يحسن حاله. قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك، أو قال: إن تبت قبلت شهادتك. قال: وبلغني عن ابن عباس مثل معنى هذا، وقال ابن أبي نجيح: كلنا نقوله. قلت: من. قال: عطاء وطاوس ومجاهد وقال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته? قال الشافعي وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات لأهلها فكيف تردونها في أحسن حالاته وتقبلونها في شر حالاته. وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا كيف لا تقبلون توبة القاذف وهو أيسر ذنبا? 
باب التحفظ في الشهادة والعلم بها 
قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه:  ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا  . وقال:  إلا من شهد بالحق وهم يعلمون  . قال: فالعلم من ثلاثة أوجه: منها ما عاينه فيشهد به. ومنها ما تظاهرت به الأخبار وثبتت معرفته في القلوب فيشهد عليه. ومنها ما أثبته سمعا مع إثبات بصر من المشهود عليه فبذلك قلنا: لا تجوز شهادة أعمى لأن الصوت يشبه الصوت إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة وسمعا ونسبا ثم عمي فيجوز ولا علة في رده. قال: والشهادة على ملك الرجل الدار والثوب على ظاهر الأخبار بأنه مالك ولا يرى منازعا في ذلك فتثبت معرفته في القلب فتسمع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينسبه زمانا وسمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولا دلالة يرتاب بها، وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له الأخبار ممن يصدق بأنها فلانة ورآها مرة وهذا له شهادة بعلم كما وصفنا، وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهده وفي رد يمين وغيره. قال الشافعي: وقلت لمن قال لا أجيز الشاهد وان كان بصيرا حين علم حتى يعاين المشهود عليه يوم يؤديها عليه، فأنت تجيز شهادة البصير على ميت وعلى غالب في حال وهذا نظير ما أنكرت. 

باب ما يجب على المرء من القيام بالشهادة إذا دعي ليشهد أو يكتب 
قال الشافعي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه:  ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه  . قال الشافعي: والذي أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والده وولده والقريب والبعيد لا تكتم عن أحد ولا يحابى بها أحد ولا يمنعها أحد ثم تتفرع الشهادات. قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه:  ولا يضار كاتب ولا شهيد  فأشبه أن يكون خرج من ترك ذلك ضرارا وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية كالجهاد والجنائز ورد السلام، ولم أحفظ خلاف ما قلت عن أحد. 
 

صفحة : 2488


باب شرط الذين تقبل شهادتهم 
قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه: وأشهدوا ذوي عدل منكم  . وقال:  ممن ترضون من الشهداء  قال: فكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد بذلك الأحرار البالغون المسلمون المرضيون. وقوله:  شهيدين من رجالكم  يدل على إبطال قول من قال تجوز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا، فإن قال أجازها ابن الزبير فابن عباس ردها. قال: ولا تجوز شهادة مملوك ولا كافر ولا صبي بحال لأن المماليك يغلبهم من يملكهم على أمورهم وأن الصبيان لا فرائض عليهم، فكيف يجب بقولهم فرض والمعروفون بالكذب من المسلمين لا تجوز شهادتهم? فكيف تجوز شهادة الكافرين مع كذبهم على الله جل وعز? قال المزني: أحسن الشافعي. 

كتاب الأقضية واليمين مع الشاهد وما دخل فيه من اختلاف 
الحديث وغير ذلك  

صفحة : 2489

 قال الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحرث بن عبد الملك المخزومي عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله  قضى باليمين مع الشاهد. قال عمرو في الأموال، ورواه من حديث أبي هريرة أن رسول الله  قضى باليمين مع الشاهد، ومن حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله  قضى باليمين مع الشاهد، ورواه عن علي وأبي بن كعب وعمر بن عبد العزيز وشريح. قال الشافعي رحمه الله: فإذا قضى رسول الله  باليمين مع الشاهد، وقال عمرو: وهو الذي روى الحديث في الأموال، وقال جعفر بن محمد من رواية مسلم بن خالد في الدين والدين مال دل ذلك على أنه لا يقضى بها في غير ما قضى رسول الله  أو مثل معناه. قال الشافعي رحمه الله: والبينة في دلالة سنة رسول الله  بيتان، بينة كاملة هي بعدد شهود لا يحلف مقيمها معها، وبينة ناقصة العمد في المال يحلف مقيمها معها. قال: فكل ما كان من مال يتحول إلى مالك من مالك غيره حتى يصير فيه مثله أو في مثل معناه قضى فيه بالشاهد مع اليمين، وكذلك كل ما وجب به مال من جرح أو قتل لا قصاص فيه أو إقرار أو غير ذلك مما يوجب المال، ولو أتى قوم بشاهد أن لأبيهم على فلان حقا أو أن فلانا قد أوصى لهم فمن حلف منهم مع شاهده استحق مورثه أو وصيته دون من لم يحلف، وإن كان فيهم معتوه وقف حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه فيحلف ويستحق، ولا يستحق أخ بيمين أخيه وليس الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث في شيء وإن كانوا أولى بمال من عليه اليمين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ولا يلزمهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمني، ألا ترى أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من ذلك المال الظاهر الذي لم يحلف عليه الغريم? قال: وإذا حلف الورثة فالغرماء أحق بمال الميت، ولو أقام شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يسوي ما تقطع فيه اليد واستحق ولا يقطع لأن الحد ليس بمال كرجل قال: امرأتي طالق وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد فيشهد له عليه بغصبه شاهد فيحلف ويستحق الغصب ولا يثبت عليه طلاق ولا عتق لأن حكم الحنث غير حكم المال. قال: ولو أقام شاهدا على جارية أنها له وابنها ولد منه، حلف وقضي له بالجارية وكانت أم ولده بإقراره لأن أم الولد مملوكة ولا يقضى له بالابن لأنه لا يملكه على أنه ابنه. قال المزني رحمه الله: وقال في موضع آخر: يأخذها وولدها ويكون ابنه. قال المزني رحمه الله: وهذا أشبه بقوله الآتي لم يختلف وهو قوله: لو أقام شاهدا على عبد في يدي رجل يسترقه أنه كان عبدا له فأعتقه ثم غصبه هذا بعد العتق حلف وأخذه وكان مولى له. قال المزني رحمه الله: فهو لا يأخذه مولاه على أنه يسترقه كما أنه لا يأخذ ابنه على أنه يسترقه، فإذا أجازه في المولى لزمه في الابن. قال: ولو أقام شاهدا أن أباه تصدق عليه بهذه الدار صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين، فمن حلف منهم ثبت حقه وصار ما بقي ميراثا، فإن حلفوا معا خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعلت له حياته ومضى الحكم فيها لهم، فمن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث، وإن لم يحلف إلا واحد فنصيبه منها وهو الثلث صدقة على ما شهد به شاهده ثم نصيبه على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد أخويه، فإن قال الذين تصدق به عليهم بعد الاثنين: نحن نحلف على ما أبى يحلف عليه الاثنان ففيها قولان. أحدهما: أنه لا يكون لهم إلا ما كان للاثنين قبلهم. والآخر: أن ذلك لهم من قبل أنه إنما يملكون إذا حلفوا بعد موت الذي جعل لهم ملك إذا مات وهو أصح القولين وبه أقول والله أعلم. ولو قال: وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا قال: فإذا حدث ولد نقص من له حق في الحبس ويوقف حق المولود حتى يبلغ فيحلف فيأخذ أو يدع فيبطل حقه ويرد كراء ما وقف له من حقه على الذين انتقصوا من أجله حقوقهم سواء بينهم، فإن مات من المنتقص حقوقهم أحد في نصف عمر الذي وقف له إلى أن يبلغ رد حصة الموقف على من معه في الحبس وأعطي ورثة الميت منهم بقدر ما استحق مما رد عليه بقدر حقه. قال المزني: أصل قول الشافعي أن  

صفحة : 2490

 المحبس أزال ملك رقبته لله عز وجل وإنما يملك المحبس عليه منفعته لا رقبته كما أزال المعتق ملكه عن رقبة عبده وإنما يملك المعتق منفعة نفسه لا رقبته، وهو لا يجيز اليمين مع الشاهد إلا فيما يملكه الحالف فكيف يخرج رقبة ملك رجل بيمين من لا يملك تلك الرقبة وهو لا يجيز يمين العبد مع شاهده بأن مولاه أعتقه لأنه لا يملك ما كان السيد يملكه من رقبته? فكذلك ينبغي في قياس قوله أن لا يجيز يمين المحبس عليه في رقبته الحبس لأنه لا يملك ما كان المحبس يملكه من رقبته. قال المزني: وإذا لم تزل رقبة الحبس بيمينه بطل الحبس من أصله وهذا عندي قياس قوله على أصله الذي وصفت. ولو جاز الحبس على ما وصف الشافعي ما جاز أن يقر أهله أن لهم شريكا وينكر الشريك الحبس فيأخذون حقه لامتناعه من أن يحلف معهم، فأصل قوله أن حق من لم يحلف موقوف حتى يحلف له ووارثه إن مات يقوم مقامه، ولا يأخذ من حق أقر به لصاحبه شيئا لأن أخذه ذلك حرام. أزال ملك رقبته لله عز وجل وإنما يملك المحبس عليه منفعته لا رقبته كما أزال المعتق ملكه عن رقبة عبده وإنما يملك المعتق منفعة نفسه لا رقبته، وهو لا يجيز اليمين مع الشاهد إلا فيما يملكه الحالف فكيف يخرج رقبة ملك رجل بيمين من لا يملك تلك الرقبة وهو لا يجيز يمين العبد مع شاهده بأن مولاه أعتقه لأنه لا يملك ما كان السيد يملكه من رقبته? فكذلك ينبغي في قياس قوله أن لا يجيز يمين المحبس عليه في رقبته الحبس لأنه لا يملك ما كان المحبس يملكه من رقبته. قال المزني: وإذا لم تزل رقبة الحبس بيمينه بطل الحبس من أصله وهذا عندي قياس قوله على أصله الذي وصفت. ولو جاز الحبس على ما وصف الشافعي ما جاز أن يقر أهله أن لهم شريكا وينكر الشريك الحبس فيأخذون حقه لامتناعه من أن يحلف معهم، فأصل قوله أن حق من لم يحلف موقوف حتى يحلف له ووارثه إن مات يقوم مقامه، ولا يأخذ من حق أقر به لصاحبه شيئا لأن أخذه ذلك حرام. 

باب الخلاف في اليمين مع الشاهد 
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: فقد أقمتم اليمين مقام شاهد. قلت: وإن أعطيت بها كما أعطيت بشاهد فليس معناها معنى شاهد وأنت تبرئ المدعى عليه بشاهدين وبيمينه إن لم يكن له بينة، وتعطي المدعي حقه بنكول صاحبه كما تعطيه بشاهدين، أفمعنى ذلك معنى شاهدين? قال: فكيف يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت أو أن لأبيه حقا على رجل وهو صغير وهو إن حلف حلف ما لم يعلم? قلت: فأنت تجيز أن يشهد أن فلانا بن فلان وأبوه غائب لم يرياه قط، ويحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا اشترى عبدا ابن ماية. سنة مغربيا  

صفحة : 2491

 ولد قبل جده فباعه فأبق أنك تحلفه لقد باعه بريئا من الإباق على البت. قال: ما يجد الناس بدا من هذا غير أن الزهري أنكرها. قلت: فقد قضى بها حين ولى أرأيت ما رويت عن علي من إنكاره على معقل حديث بروع أن النبي  جعل لها المهر والميراث ورد حديثه ومع علي زيد وابن عمر? فهل رعدت شيئا بالإنكار فكيف يحتج بإنكار الزهري? وقلت له: وكيف حكمت بشهادة قابلة في الاستهلال وهو ما يراه الرجال? أم كيف حكمت على أهل محلة وعلى عواقلهم بدية الموجود قتيلا في محلتهم في ثلاث سنين وزعمت أن القرآن يحرم أن يجوز أقل من شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله  تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة? أرأيت لو قال لك أهل المحلة: أتدعي علينا فأحلف جميعنا وأبرئنا? قال: لا أحلفهم إذا جاوزوا خمسين رجلا ولا أبرئهم بإيمانهم وأغرمهم. قلت: فكيف جاز لك هذا? قال: روينا هذا عن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه. فقلت: فإن قيل لك لا يجوز على عمر أن يخالف الكتاب والسنة وقال عمر نفسه البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه قال: لا يجز أن أتهم من أثق به ولكن أقول بالكتاب والسنة وقول عمر على الخاص قلت: فلم لم يجز لنا من سنة رسول الله  ما أجزت لنفسك من عمر? قلت: وقد رويتم أن عمر كتب فجلبهم إلى مكة وهو مسيرة اثنين وعشرين يوما فأحلفهم في الحجر وقضى عليهم بالدية فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا. فقال: حقنتم بأيمانكم دماءكم فخالفتم في ذلك عمر فلا أنتم أخذتم بكل حكمه ولا تركتموه ونحن نروي عن رسول الله  بالإسناد الصحيح أنه بدأ في القسامة بالمدعين. فلما لم يحلفوا قال: تبرئكم يهود بخمسين يمينا. وإذ قال تبرئكم يهود فلا يكون عليهم غرم، ويروى عن عمر أنه بدى المدعى عليهم ثم رد اليمين على المدعين، وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه، وقد أجزتم شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله عز وجل أن تجوز شهادتهم ورددتم سنة رسول الله  في اليمين مع الشاهد. قال: فإنا أجزنا شهادة أهل الذمة بقول الله عز وجل: أو آخران من غيركم  قلت: سمعت من أرضى يقول من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج بقول الله جل وعز:  تحبسونهما من بعد الصلاة  ؛ قلت: والمنزل فيه هذه الآية رجل من العرب فأجزت شهادة مشركي العرب بعضهم على بعض. قال: لا إلا شهادة أهل الكتاب. قلت: فإن قال قائل لا إلا شهادة مشركي العرب فما الفرق? فقلت له: أفتجيز اليوم شهادة أهل الكتاب على وصية مسلم كما زعمت أنها في القرآن? قال: لا لأنها منسوخة. قلت: بماذا? قال: بقول الله عز وجل: وأشهدوا ذوي عدل منكم  . قلت: فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ لم يجز الله إلا مسلط فأجزت كافرا وقال لي قائل: إذا نص الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه وقد بقي منه شيء، ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن قلت: فقد نص الله عز وجل الوضوء في كتابه فأحدث فيه المسح على الخفين، ونص ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ونص المواريث فقلت: لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا أو والدا، ونص حجب الأم بالإخوة فحجبتها بأخوين، ونص للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ورفع العدة فقلت: إن خلا بها ولم يمسها فلها المهر وعليها العدة فهذه أحكام منصوصة في القرآن. فهذا عندك خلاف ظاهر القرآن، واليمين مع الشاهد لا يخالف ظاهر القرآن شيئا والقرآن عربي فيكون عاما يراد به الخاص، وكل كلام احتمل في القرآن معاني فسنة رسول الله  تدل على أحد معانيه موافقة له لا مخالفة للقرآن. 
قال الشافعي رحمه الله: ومما تركنا من الحجة عليهم أكثر مما كتبناه وبالله التوفيق. 

باب موضع اليمين 
 

صفحة : 2492

 قال الشافعي رحمه الله: من ادعى مالا فأقام عليه شاهدا أو ادعي عليه مال أو جناية خطأ بأن بلغ ذلك عشرين دينارا أو ادعى عبد عتقا تبلغ قيمته عشرين دينارا أو ادعى جراحة عمد صغرت أو كبرت أو في طلاق أو لعان أو حد أو رد يمين في ذلك فإن كان الحكم بمكة كانت اليمين بين المقام والبيت، وإن كان بالمدينة كانت على منبر رسول الله ، وإن كانت ببلد غير مكة والمدينة أحلف بعد العصر في مسجد ذلك البلد بما تؤكد به الأيمان، ويتلى عليه  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا  الآية. قال: وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم، ومن حجتهم فيه أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت. فقال: أعلى دم? قالوا: لا. قال: أفعلى أمر عظيم? قالوا: لا. قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. قال فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا. قال ابن أبي مليكة: كتب إلي ابن عباس في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى أن أحبسهما بعد العصر ثم أقرأ عليهما  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا  ففعلت فاعترفت، قال: واستدللت بقول الله جل ثناؤه تحبسونهما من بعد الصلاة. قال المفسرون: صلاة العصر على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين، وبكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه يحلف عند المنبر منبر رسول الله ، وما بلغني أن عمر حلف على منبر رسول الله  في خصومة بينه وبين رجل، وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وقال: أخاف أن توافق قدر بلاء فيقال بيمينه، قال وبسنة رسول الله  وأصحابه وأهل العلم ببلدنا دار السنة والهجرة، وحرم الله عز وجل وحرم رسول الله  اقتدينا. والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم وأحرارهم وعبيدهم ومماليكهم يحلفون كما وصفنا، ويحلف المشركون وأهل الذمة والمستأمنون كل واحد منهم بما يعظم من الكتب وحيث يعظم من المواضع مما يعرفه المسلمون وما يعظم الحالف منهم مثل قوله: والله الذي أنزل التوراة على موسى، والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وما أشبه هذا، ولا يحلفون بما يجهل معرفته المسلمون، ويحلف الرجل في حق نفسه وفيما عليه بعينه على البت مثل أن يدعي عليه براءة من حق له فيحلف بالله إن هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما اقتضاه ولا شيئا منه ولا مقتضى بأمر يعلمه ولا أحال به ولا بشيء منه ولا أبرأه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه وإنه لثابت عليه إلى أن حلف بهذا اليمين، وإن كان حقا لأبيه حلف في نفسه على البت وفي أبيه على العلم، وإن أحلف قال: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ثم ينسق اليمين، ولا يقبل منه اليمين إلا بعد أن يستحلفه الحاكم، واحتج بأن ركانة قال للنبي : إني طلقت امرأتي البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي عليه السلام:  والله ما أردت إلا واحدة?  فردها إليه وهذا تجويزا لليمين في الطلاق والرجعة في طلاق البتة. 

باب الامتناع من اليمين 
قال الشافعي وإذا كانت الدعوى غير دم في مال أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل قيل للمدعي احلف واستحق فإن أبيت سألناك عن إبائك فإن كان لتأتي ببينة أو لتنظر في حسابك تركناك وإن قلت: لا أؤخر ذلك لشيء غير أني لا أحلف أبطلنا أن تحلف، وإن حلف المدعى عليه أو لم يحلف فنكل المدعي فأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين أو بشاهد وحلف مع شاهده أخذنا له حقه والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، ولو رد المدعى عليه اليمين فقال للمدعي احلف فقال المدعى عليه أنا أحلف لم أجعل ذلك له لأني قد أبطلت أن يحلف وحولت اليمين على صاحبه، ولو قال: أحلفه ما اشتريت هذه الدار التي في يديه لم أحلفه إلا ما لهذا ويسميه في هذه الدار حق تملك ولا غيره بوجه من الوجوه لأنه قد يملكها وتخرج من يديه. 

باب النكول ورد اليمين 

من الجامع ومن اختلاف الشهادات والحكام ومن الدعوى والبينات ومن إملاء في الحدود 
 

صفحة : 2493

 قال الشافعي رحمه الله: ولا يقوم النكول مقام إقرار في شيء حتى يكون معه يمين المدعي، فإن قيل: فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب على المدعى عليه وجعلتها كلها ترد على المدعي? قيل: قلته استدلالا بالكتاب والسنة ثم الخبر عن عمر حكم الله على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأربعة شهداء، وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة فيسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج منه بأربعة أيمان والتعانها، وسن بينهما الفرقة ودرأ الله عنهما الحد بالأيمان والتعانه، وكانت أحكام الزوجين وإن خالفت أحكام الأجنبيين في شيء فهي مجامعة لها في غيره وذلك أن اليمين فيه جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان هذا الحد والفراق والنفي معا داخلة فيها، ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها الزوج إلا بيمينه وتنكل عن اليمين، ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف ولترك الخروج منه باليمين ولم يكن على المرأة حد ولا لعان? أو لا ترى أن النبي قال الشافعي قال للأنصاريين:  تحلفون وتستحقون دم صاحبكم  فلما لم يحلفوا رد الأيمان على يهود ليبرؤوا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم. أو لا ترى عمر جعل الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين? وكل هذا تحويل يمين من موضع قد ندبت فيه إلى الموضع الذي يخالفه. وقال رسول الله :  وعلى المدعى عليه اليمين  . ولا يجوز أن تكون على مدعى عليه دون غيره إلا بخبر لازم وهما لفظان من رسول الله :  البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه  مخرجهما واحد فكيف يجوز أن يقال: إن جاء المدعي بالبينة أخذ وإن لم يأت بها حدث له حكم غيرها وهو استحلاف من ادعى عليه? وإن جاء المدعى عليه باليمين برئ وإن لم يأت بها لزمه ما نكل عنه ولم يحدث له حكم غيرها? ويجوز رد اليمين كما حدث للمدعي إن لم يأت بها حكم غيره وهو اليمين. وإذ حول النبي  اليمين حيث وضعها فكيف لم تحول كما حولها. 

مختصر من كتاب الشهادات وما دخله من الرسالة 

باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز 
ومن يشهد بعد رد شهادته من الجامع ومن اختلاف الحكام وأدب القاضي وغير ذلك  

صفحة : 2494

 قال الشافعي: ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته، ولا يقبل الشاهد حتى يثبت عنده بخبر منه أو بينة أنه حر، ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه ولا دافع عنها ولا على خصم لأن الخصومة موضع عداوة ولا لولد بنيه ولا لولد بناته وإن سفلوا ولا لآبائه وأمهاته وإن بعدوا ولا من يعرف بكثرة الغلط أو الغفلة، ولو كنت لا أجيز شهادة الرجل لامرأته لأنه يرثها ما أجزت شهادة الأخ لأخيه إذا كان يرثه، ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه وقبول يمينه، وشهادة من يرى كذبه شركا بالله ومعصية تجب بها النار أولى أن تطيب النفس بقبولها من شهادة من يخفف المأثم فيها، وكل من تأول حراما عندنا فيه حد أو لا حد فيه لم نرد بذلك شهادته، ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علما في البلدان منهم من يستحل المتعة والدينار بالدينارين نقدا وهذا عندنا وغيرنا حرام، وأن منهم من استحل سفك الدماء ولا شيء أعظم منه بعد الشرك، ومنهم من تأول فاستحل كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه ولا نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدي به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله، واللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهنا ذلك أخف حالا. قال المزني رحمه الله: فكيف يحد من شرب قليلا من نبيذ شديد ويجيز شهادته? قال الشافعي رحمه الله: ومن شرب عصير العنب الذي عتق حتى سكر وهو يعرفها خمرا ردت شهادته لأن تحريمها نص، ومن شرب سواها من المنصف أو الخليطين فهو آثم ولا ترد شهادته إلا أن يسكر لأنه عند جميعهم حرام. قال الشافعي: وأكره اللعب بالنرد للخبر. وإن كان يديم الغناء ويغشاه المغنون معلنا فهذا سفه ترد به شهادته، وإن كان ذلك يقل لم ترد، فأما الاستماع للحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به. قال رسول الله  للشريد:  أمعك من شعر أمية شيء?  قال: نعم. قال:  هيه  فأنشده بيتا. فقال:  هيه  حتى بلغت مائة بيت. وسمع رسول الله  الحداء والرجز وقال لابن رواحة:  حرك بالقوم  فاندفع يرجز. قال المزني رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدبارا فقلت له: كيف يلعب بها استدبارا. قال: يوليها ظهره ثم يقول:  بأي شيء وقع  فيقول بكذا فيقول أوقع علية بكذا. قال: وإذا كان هكذا كان تحسين الصوت بذكر الله والقرآن أولى محبوبا. قال الشافعي: رحمه الله: وقد روي عن رسول الله  أنه قال:  ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن  وسمع النبي  عبد الله بن قيس يقرأ فقال:  لقد أوتي هذا من مزامير آل داود  . قال الشافعي رحمه الله: لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بأي وجه ما كان، وأحب ما يقرأ إلي حدرا وتحزينا. قال المزني رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: لو كان معنى يتغنى بالقرآن على الاستغناء لكان يتغانى وتحسين الصوت هو يتغنى ولكنه يراد به تحسين الصوت. وقال: وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، والعصبية المحضة أن يبغض الرجل لأنه من بني فلان فإذا أظهرها ودعا إليها وتألف عليها فمردود، وقد جمع الله تبارك وتعالى المسلمين بالإسلام وهو أشرف أنسابهم فقال جل ثناؤه:  إنما المؤمنون إخوة  . وقال رسول الله :  كونوا عباد الله إخوانا  فمن خالف أمر الله عز وجل وأمر رسوله  ردت شهادته. والشعر كلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه وفضله على الكلام أنه سائر، وإذا كان الشاعر لا يعرف بشتم الناس وأذاهم ولا يمتدح فيكثر الكذب المحض ولا يتشبب بامرأة بعينها ولا يشهرها بما يشينها فجائز الشهادة. وإن كان على خلاف ذلك لم تجز، ويجوز شهادة ولد الزنا في الزنا والمحمود فيما حد فيه والقروي على البدوي والبدوي على القروي إذا كانوا عمولا، وإذا شهد صبي أو عبد أو نصراني بشهادة فلا يسمعها واستماعه لها تكلف، وإن بلغ الصبي وأعتق العبد وأسلم النصراني ثم شهدوا بها بعينها  

صفحة : 2495

 قبلتها فأما البالغ المسلم أرد شهادته في الشيء ثم يحسن حاله فيشهد بها فلا أقبلها لأنا حكمنا بإبطالها وجرحه فيها لأنه من الشرط أن لا يختبر عمله. قال: ولو ترك الميت ابنين فشهد أحدهما على أبيه بدين فإن كان عدلا حلف المدعي وأخذ الدين من الاثنين، وان لم يكن عدلا أخذ من يدي الشاهد بقدر ما كان يأخذه منه لو جازت شهادته لأن موجودا في شهادته أن له في يديه حقا وفي يدي الجاحد حقا فأعطيته من المقر ولم أعطه من المنكر، وكذلك لو شهد أن أباه أوصى له بثلث ماله.تها فأما البالغ المسلم أرد شهادته في الشيء ثم يحسن حاله فيشهد بها فلا أقبلها لأنا حكمنا بإبطالها وجرحه فيها لأنه من الشرط أن لا يختبر عمله. قال: ولو ترك الميت ابنين فشهد أحدهما على أبيه بدين فإن كان عدلا حلف المدعي وأخذ الدين من الاثنين، وان لم يكن عدلا أخذ من يدي الشاهد بقدر ما كان يأخذه منه لو جازت شهادته لأن موجودا في شهادته أن له في يديه حقا وفي يدي الجاحد حقا فأعطيته من المقر ولم أعطه من المنكر، وكذلك لو شهد أن أباه أوصى له بثلث ماله. 

باب الشهادة علي الشهادة 
قال الشافعي: وتجوز الشهادة على الشهادة بكتاب القاضي في كل حق للآدميين مالا أو حدا أو قصاصا وفي كل حد لله قولان أحدهما: أنه تجوز. والآخر: لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات. قال: وإذا سمع الرجلان الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما اشهدا على شهادتي فليس لهما أن يشهدا بها ولا للحاكم أن يقبلها لأنه لم يسترعهما إياها، وقد يمكن أن يقول: له على فلان ألف درهم وعده بها وإذا استرعاهما إياها لم يفعل إلا وهي عنده واجبة، وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه وإن كان على الصحة حتى يسأله من أين هي. فإن قال: بإقرار منه أو ببيع حضرته أو سلف أجازه ولو لم يسأله رأيته جائزا، وإن شهدا على شهادة رجل ولم يعدلاه قبلهما وسأل عنه فإن عدل قضى به. قال: ولو شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزونه. قال المزني: وخرجه على قولين وقطع في موضع آخر بأنه لا تجوز شهادتهما إلا على واحد ممن شهدا عليه وآمره بطلب شاهدين على الشاهد الآخر. قال المزني: رحمه الله: ومن قطع بشيء كان أولى به من حكايته له. 

باب الشهادة على الحدود وجرح الشهود 
قال الشافعي رحمه الله: وإذا شهدوا على رجل بالزنا سألهم الإمام أزنى بامرأة? لأنهم قد يعدون الزنا وقوعا على بهيمة ولعلهم يعدون الاستمناء زنا فلا يحد حتى يثبتوا رؤية الزنا وتغييب الفرج في الفرج. قال المزني رحمه الله: وقد أجاز في كتاب الحدود أن إتيان البهيمة كالزنا يحد فيه قال: ولو شهد أربعة اثنان منهم أنه زنى بها في بيت واثنان منهم في بيت غيره فلا حد عليهما ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم. قال المزني رحمه الله: قد قطع في غير موضع بحدهم: قال الشافعي رحمه الله: ولو مات الشهود قبل أن يعدلوا ثم عدلوا أقيم الحد ويطرد المشهود عليه وجرح من يشهد عليه، ولا أقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به للاختلاف في الأهواء وتكفير بعضهم بعضا ويجرحون بالتأويل، ولو ادعي على رجل من أهل الجهالة بحد لم أر بأسا أن يعرض له بأن يقول لعله لم يسرق، ولو شهدا بأنه سرق من هذا البيت كبشا لفلان فقال أحدهما غدوة وقال الآخر عشية، أو قال أحدهما الكبش أبيض وقال الآخر أسود لم يقطع حتى يجتمعا ويحلف مع شاهده أيهما شاء، ولو شهد اثنان أنه سرق ثوب كذا وقيمته ربع دينار وشهد آخران أنه سرق ذلك الثوب بعينه وأن قيمته أقل من ربع دينار فلا قطع، وهذا من أقوى ما تدرأ به الحدود ويأخذه بأقل القيمتين في الغرم، وإذا لم يحكم بشهادة من شهد عنده حتى يحدث منه ما ترد به شهادته ردها، وإن حكم بها وهو عدل ثم تغيرت حاله بعد الحكم لم نرده لأني إنما أنظر يوم يقطع الحاكم بشهادته. 

باب الرجوع عن الشهادة 
 

صفحة : 2496

 قال الشافعي رحمه الله: الرجوع عن الشهادة ضربان فإن كانت على رجل بشيء يتلف من بدنه أو ينال بقطع أو قصاص فأخذ منه ذلك ثم رجعوا فقالوا عمدناه بذلك فهي كالجناية فيها القصاص، واحتج في ذلك بعلي. وما لم يكن من ذلك فيه القصاص أغرموه وعزروا دون الحد، وإن قالوا لم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل، ولو قالوا أخطأنا كان عليهم الأرش، ولو كان هذا في طلاق ثلاث أغرمتهم للزوج صداق مثلها دخل بها أو لم يدخل بها لأنهم حرموها عليه فلم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها ولا ألتفت إلى ما أعطاها. قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يكون هذا غلطا من غير الشافعي ومعنى قوله المعروف أن يطرح عنهم ذلك بنصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها قال الشافعي رحمه الله: وإن كان في دار فأخرجت من يديه إلى غيره عزروا على شهادة الزور ولم يعاقبوا على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أني جعلتهم عدولا بالأول فأمضينا بهم الحكم، ولم يكونوا عدولا بالآخر فترد الدار ولم يفيتوا شيئا لا يؤخذوا ولم يأخذوا شيئا لأنفسهم فأنتزعه منهم، وهم كمبتدئين شهادة لا تقبل منهم فلا أغرمهم ما أقروه في أيدي غيرهم. 

باب علم الحاكم بحال من قضى بشهادته 
قال الشافعي رحمه الله: وإذا علم القاضي أنه قضى بشهادة عبدين أو مشركين أو غير عدلين من جرح بين أو أحدهما رد الحكم على نفسه ورده عليه غيره، بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ منه بشهادة العبد وذلك أن الله جل ثناؤه قال:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  . وقال:  ممن ترضون من الشهداء  وليس الفاسق بواحد من هذين، فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله ورد شهادة العبد إنما هو تأويل. وقال في موضع آخر: إن طلب الخصم الجرحة أجله بالمصر وما قاربه، فإن لم يجيء بها أنفذ الحكم عليه ثم إن جرحهم بعد لم يرد عنه الحكم. قال المزني: قياس قوله الأول أن يقبل الشهود العدول أنهما فاسقان كما يقبل أنهما عبدان ومشركان ويرد الحكم. 
قال الشافعي: وإذا أنفذ القاضي بشهادتهما قطعا ثم بان له ذلك لم يكن عليهما شيء لأنهما صادقان في الظاهر وكان عليه أن لا يقبل منهما فهذا خطأ منه تحمله عاقلته. 

باب الشهادة في الوصية 
قال الشافعي رحمه الله: ولو شهد أجنبيان لعبد أن فلانا المتوفى أعتقه وهو الثلث في وصيته وشهد وارثان لعبد غيره أنه أعتقه وهو الثلث في الاثنين فسواء، ويعتق من كل واحد منهما نصفه. قال المزني: قياس قوله أن يقرع بينهما وقد قاله في غير هذا الباب. قال: ولو شهد الوارثان أنه رجع عن عتق الأول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما وإنما أرد شهادتهما فيما جرا إلى أنفسهما فإذا لم يجرا فلا، فأما الولاء فلا يملك ملك الأموال وقد لا يصير في أيديهما بالولاء شيء ولو أبطلتهما بأنهما يرثان الولاء إن مات لا وارث له غيرهما أبطلتها لذوي أرحامهما، ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبدا هو الثلث وصية وشهد وارثان أنه رجع فيه وأعتق عبدا هو السدس عتق الأول بغير قرعة للجر إلى أنفسهما وأبطلت حقهما من الآخر بالإقرار، ولو لم يقولا أنه رجع في الأول أقرعت بينهما حتى يستوظف الثلث وهو قول أكثر المفتين إن شهادة الأجنبيين والورثة سواء ما لم يجرا إلى أنفسهما. قال: ولو شهد رجلان لرجل بالثلث وآخران لآخر بالثلث وشهد آخران أنه رجع عن أحدهما فالثلث بينهما نصفان. وقال في الشهادات في العتق والحدود إملاء: وإذا شهدا أن سيده أعتقه فلم يعدلا فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده أجر ووقفت إجارته فإن تم عتقه أخذها وإن رق أخذها السيد، ولو شهد له شاهد وادعى شاهدا قريبا فالقول فيها واحد من قولين: أحدهما ما وصفت في الوقف. والثاني لا يمنع منه سيده ويحلف له. 

مختصر من جامع الدعوى والبينان 

إملاء على كتاب ابن القاسم ومن كتاب الدعوى إملاء على كتاب أبي حنيفة ومن اختلاف الأحاديث ومن اختلاف ابن أبي ليلي وأبي حنيفة ومن مسائل شتى سمعتها لفظا 
 

صفحة : 2497

 قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله  قال:  البينة على المدعي  . قال الشافعي أحسبه قال ولا أثبته قال:  واليمين على المدعى عليه  . قال: وإذا ادعى الرجل الشيء في يدي الرجل فالظاهر أنه لمن هو في يديه مع يمينه لأنه أقوى سببا، فإن استوى سببهما فهما فيه سواء، فإن أقام الذي ليس في يديه البينة قيل لصاحب اليد البينة التي لا تجر إلى أنفسها بشهادتها أقوى من كينونة الشيء في يديك وقد يكون في يديك ما لا تملكه فهو له لفضل قوة سببه على سببك، فإن أقام الآخر بينة قيل قد استويتما في الدعوى والبينة والذي الشيء في يديه أقوى سببا فهو له لفضل قوة سببه، وهذا معتدل على أصل القياس والسنة على ما قلنا في رجلين تداعيا دابة وأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله  للذي هو في يديه. قال: وسواء التداعي والبينة في النتاج وغيره، وسواء أقام أحدهما شاهدا وامرأتين. والآخر عشرة إن كان بعضهم أرجح من بعض، وإن أراد الذي قامت عليه البينة أن أحلف صاحبه مع بينته لم يكن ذلك له إلا أن يدعي أنه أخرجه إلى ملكه فهذه دعوى أخرى فعليه اليمين، ولو ادعى أنه نكح امرأة لم أقبل دعواه حتى يقول: نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها، فإن حلفت برئت وإن نكلت حلف وقضى له بأنها زوجة له. قال الشافعي: والأيمان في الدماء مخالفة لغيرها لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا وسواء النفس والجرح في هذا نقتله ونقصه منه بنكوله ويمين صاحبه. قال المزني رحمه الله: قطع في الإملاء بأن لا قسامة بدعوى ميت ولكن يحلف المدعى عليه ويبرأ، فإن أبى حلف الأولياء واستحقوا دمه، وإن أبوا بطل حقهم. وقال في كتاب اختلاف الحديث من ادعى دما ولا دلالة للحاكم على دعواه كالدلالة التي قضى بها رسول الله  بالقسامة أحلف المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدم. قال المزني رحمه الله: وهذا به أشبه. وفى ليل آخر حكم النبي  في القسامة بتبدئة المدعي لا غيره، وحكم فيما سوى ذلك بتبدئة يمين المدعى عليه لا غيره، فإذا حكم الشافعي فيما وصفت بتبدئة المدعى عليه ارتفع عدد أيمان القسامة. قال الشافعي: والدعوى في الكفالة بالنفس والنكول ورد اليمين كهي في المال إلا أن الكفالة بالنفس ضعيفة، ولو أقام بينة أنه أكراه بينا من داره شهرا بعشرة وأقام المكتري البينة أنه اكترى منه الدار كلها ذلك الشهر بعشرة فالشهادة باطلة ويتحالفان ويترادان فإن كان سكن فعليه كراء مثلها، ولو ادعى دارا في يدي رجل فقال ليست بملك لي وهي لفلان فإن كان حاضرا صيرتها له وجعلته خصما عن نفسه، وإن كان غائبا كتب إقراره وقيل للمدعي: أقم البينة، فإن أقامها قضى بها على الذي هي في يديه ويجعل في القضية أن المقر له بها على حجته. قال المزني رحمه الله: قد قطع بالقضاء على غائب وهو أولى بقوله. قال الشافعي: ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار كانت في يديه أمس لم أقبل قد يكون في يديه ما ليس له إلا أن يقيم بينة أنه أخذها منه، ولو أقام بينة أنه غصبه إياها وأقام آخر البينة أنه أقر له بها فهي للمغصوب ولا يجوز إقراره فيما غصب. قال الشافعي: وإذا ادعى عليه شيئا كان في يدي الميت حلف على علمه. وقال في كتاب ابن أبي ليلى: وإذا اشتراه حلف على البت. 

باب الدعوى في الميراث من اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى 
 

صفحة : 2498

 قال الشافعي: ولو هلك نصراني وله ابنان مسلم ونصراني فشهد مسلمان للمسلم أن أباه مات مسلما وللنصراني مسلمان أن أباه مات نصرانيا صلى عليه، فمن أبطل البينة التي لا تكون إلا بأن يكذب بعضهم بعضا جعل الميراث للنصراني، ومن رأى الإقراع أقرع فمن خرجت قرعته كان الميراث له، ومن رأى أن يقسم إذا تكافأت بينتاهما جعله بينهما، وإنما صلى عليه بالإشكال كما يصلى عليه لو اختلط بمسلمين موتى. قال المزني: أشبه بالحق عندي أنه إن كان أصل دينه النصرانية فاللذان شهدا بالإسلام أولى لأنهما علما إيمانا حدث خفي على الآخرين، وإن لم يدر ما أصل دينه والميراث في أيديهما فبينهما نصفان. وقد قال الشافعي: لو رمى أحدهما طائرا ثم رماه الثاني فلم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين. قال المزني: وهذا وذاك عندي في القياس سواء. قال الشافعي رحمه الله: ولو كانت دار في يدي رجل والمسألة على حالها فادعاها كل واحد من هذين المدعيين أنه ورثها من أبيه فمن أبطل البينة تركها في يدي صاحبها، ومن رأى الإقراع بينهما أو يجعلها بينهما معا ويدخل عليه شناعة، وأجاب بهذا الجواب فيما يمكن فيه البينتان أن تكونا صداقتين في مواضع. قال المزني رحمه الله: وسمعته يقول في مثل هذا: لو قسمته بينهما كنت لم أفض لواحد منهما بدعواه ولا ببينته وكنت على يقين خطأ بنقص من هو له عن كمال حقه أو بإعطاء الآخر ما ليس له. قال المزني: وقد أبطل الشافعي القرعة في امرأتين مطلقة وزوجة وأوقف الميراث حتى يصطلحا، وأبطل في ابني أمته اللذين أقر أن أحدهما ابنه القرعة في النسب والميراث فلا يشبه قوله في مثل هذا القرعة، وقد قطع في كتاب الدعوى على كتاب أبي حنيفة في امرأة أقامت البينة أنه أصدقها هذه وقبضتها وأقام رجل البينة أنه اشتراها منه ونقده الثمن وقبضها قال: أبطل البينتين لا يجوز إلا هذا أو القرعة. قال المزني رحمه الله: هذا لفظه وقد بينا أن القرعة لا تشبه قوله في الأموال. قال المزني رحمه الله: وقد قال الحكم في الثوب لا ينسج إلا مرة والثوب الخز ينسج مرتين سواء. قال الشافعي رحمه الله: ولو كانت دار في يدي أخوين مسلمين فأقرا أن أباهما هلك وتركها ميراثا فقال أحدهما: كنت مسلما وكان أبي مسلما. وقال الآخر: أسلمت قبل موت أبي. فهي للذي اجتمعا على إسلامه والآخر مقر بالكفر مدع الإسلام. ولو قالت امرأة الميت وهي مسلمة: زوجي مسلم. وقال ولده وهم كفار: بل كافر. وقال أخو الزوج وهو مسلم: بل مسلم. فإن لم يعرف فالميراث موقوف حتى يعرف إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه. ولو أقام رجل بينة أن أباه هلك وترك هذه الدار ميراثا له ولأخيه أخرجتها من يدي من هي في يديه وأعطيته منها نصيبه وأخرجت نصيب الغائب وأكرى له حتى يحضر، فإن لم يعرف عمدهم وقف ماله وتلوم به، ويسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد? فإذا بلغ الغاية التي لو كان له فيها ولد لعرفه وادعى الابن أن لا وارث له غيره أعطاه المال بالضمين، وحكي أنه لم يقض له إلا أنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث غيره آخذ الضمناء بحقه، ولو كان مكان الابن أو معه زوجة ولا يعلمونه فارقها أعطيتها ربع الثمن لأن ميراثها محدود للأكثر والأقل الثمن وربع الثمن وميراث الابن غير محمود، وإذا ماتت زوجته وابنه منها فقال أخوها: مات ابنها ثم ماتت فلي ميراثي مع زوجها وقال زوجها: بل ماتت فأحرز أنا وابني المال ثم مات ابني فالمال لي، فالقول قول الأخ لأنه وارث لأخته وعلى الذي يدعي أنه محجوب البينة وعلى الأخ فيما يدعي أن أخته ورثت ابنها البينة، ولو أقام البينة أنه ورث هذه الأمة من أبيه وأقامت امرأة البينة أن أباه أصدقها إياه فهي للمرأة كما يبيعها ولوم يعلم شهود الميراث. 

باب الدعوى في وقت قبل وقت 
قال الشافعي: وإذا كان العبد في يد رجل لأقام رجل بينة أنه له منذ سنين وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي في يديه ولم أنظر إلى قديم الملك وحديثه. قال المزني: أشبه بقوله أن يجعل الملك للأقدم. أولى كما جعل ملك النتاج أولى، وقد يمكن أن يكون صاحب النتاج قد أخرجه من ملكه كما أمكن أن يكون صاحب الملك الأقدم أخرجه من ملكه. 

باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة 
 

صفحة : 2499

 قال الشافعي رحمه الله: وإذا أقام أحدهما البينة أنه اشترى هذه الدار منه بمائة درهم ونقده الثمن، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن بلا وقت فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ويرجع بالنصف وإن شاء ردها. وقال في موضع آخر: إن القول قول البائع في البيع. قال المزني: هذا أشبه بالحق عندي لأن البينتين قد تكافأتا وللمقر له بالدار سبب ليس لصاحبه كما يدعيانها جميعا ببينة وهي في يد أحدهما فتكون لمن هي في يديه لقوة سببه عنده على سبب صاحبه. قال المزني رحمه الله: وقد قال لو أقام كل واحد منهما البينة على دابة أنه نتجها أبطلتهما وقبلت قول الذي هي في يديه قال الشافعي رحمه الله: ولو أقام بينة أنه اشترى هذا الثوب من فلان وهو ملكه بثمن مسمى ونقده، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى ونقده فإنه يحكم به للذي هو في يديه لفضل كينونته. قال المزني: وهذا يدل على ما قلت من قول. قال الشافعي رحمه الله: ولو كان الثوب في يدي رجل وأقام كل واحد منهما البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم فإنه يقضي به بين المدعيين نصفين، ويقضي لكل واحد منهما عليه بنصف الثمن. قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بجميع الثمن لأنه قد يشتريه من أحدهما ويقبضه ثم يملكه الآخر ويشتريه منه ويقبضه فيكون عليه ثمنان، وقد قال أيضا: لو شهد شهود كل واحد على إقرار المشتري أنه اشتراه أو أقر بالشراء قضى عليه بالثمنين. قال المزني: سواء إذا شهدوا أنه اشترى أو أقر بالشراء. قال الشافعي رحمه الله: ولو أقام رجل بينة أنه اشترى منه هذا العبد الذي في يديه بألف درهم، وأقام العبد البينة أنه سيده الذي هو في يديه أعتقه ولم يوقت الشهود فإني أبطل البينتين لأنهما تضادتا وأحلفه ما باعه وأحلفه ما أعتقه. قال المزني: قد أبطل البينتين فيما يمكن أن تكونا فيه صادقتين، فالقياس عندي أن العبد في يدي نفسه بالحرية كمشتر قبض من البائع فهو أن أحق لقوة السبب كما إذا أقاما بينة والشيء في يد أحدهما كان أولى به لقوة السبب وهذا أشبه بقوله. قال الشافعي ولا أقبل البينة أن هذه الجارية بنت أمته حتى يقولوا ولدتها في ملكه ولو شهدوا أن هذا الغزل من قطن فلان جعلته لفلان، وإذا كان في يديه صبي صغير يقول هو عبدي فهو كالثوب إذا كان لا يتكلم، فإن أقام رجل بينة أنه ابنه جعلته ابنه وهو في يدي الذي هو في يديه، وإذا كانت الدار في يدي رجل لا يدعيها فأقام رجل البينة أن نصفها له وآخر البينة أن جميعها له فلصاحب الجميع النصف وأبطل دعواهما فلا حق لهما ولا قرعة، وقد مضى ما هو أولى به في هذا المعنى. قال: وإذا كانت الدار في يدي ثلاثة فادعى أحدهم النصف والآخر الثلث وآخر السدس وجحد بعضهم بعضا فهي لهم على ما في أيديهم ثلثا ثلثا. قال الشافعي رحمه الله: فإذا كانت في يدي اثنين فأقام أحدهما بينة على الثلث والآخر على الكل، جعلت للأول الثلث لأنه أقل مما في يديه وما بقي للآخر. 

باب في القافة ودعوى الولد 
من كتاب الدعوى والبينان ومن كتاب نكاح قديم قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله  أعرف السرور في وجهه فقال:  ألم تري أن مجزرا المدجلي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض  . قال الشافعي فلو لم يكن في القافة إلا هذا انبغى أن يكون فيه دلالة أنه علم، ولو لم يكن علما لقال له لا تقل هذا لأنك إن أصبت في شيء لم آمن عليك أن تخطئ في غيره، وفي خطئك قذف محصنة أو نفي نسب، وما أقره إلا أنه رضيه ورآه علما ولا يسر إلا بالحق . ودعا عمر رحمه الله قائفا في رجلين ادعيا ولدا فقال: لقد اشتركا فيه فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت. وشك أنس في ابن له فدعيا له القافلة. قال الشافعي رحمه الله: وأخبرني عدد من أهل العلم من المدينة ومكة أنهم أدركوا الحكام يفتون بقول الشافعي رحمه الله: ولم يجز الله جل ثناؤه نسب أحد قط إلا إلى أب واحد ولا رسوله عليه السلام. 
 

صفحة : 2500

 قال: ولو ادعى حر وعبد مسلمان وذمي مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين واحد منهم كالتداعي فيما سواه فيراه القافة، فإن ألحقوه بواحد فهو ابنه، وإن ألحقوه بأكثر لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فيكون ابنه وتنقطع عنه دعوى غيره. 

باب جواب الشافعي محمد بن الحسن في الولد يدعيه عدة رجال 
قال الشافعي: قلت لمحمد بن الحسن: زعمت أن أبا يوسف قال إن ادعاه اثنان فهو ابنهما بالأثر، فإن ادعاه ثلاث فهو ابنهم بالقياس، وإن ادعاه أربعة لم يكن ابن واحد منهم. قال: هذا خطأ من قوله. قلت: فإذا زعمت أنهم يشتركون في نسبه ولو كانوا مائة كما يشتركون في المال لو مات أحد الشركاء في المال أيملك الحي إلا ما كان يملكه قبل موت صاحبه? قال: لا. قلت: فقد زعمت إن مات واحد منهم ورثه ميراث ابن تام وانقطعت أبوته، فإن مات ورثه كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب فهل رأيت أبا قط إلى مدة? قلت: أو رأيت إذا قطعت أبوته من الميت أيتزوج بناته وهن اليوم أجنبيات وهن بالأمس له أخوات? قال: إنه لا يدخل هذا. قلت: وأكثر. قال: كيف كان يلزمنا أن نورثه? قلت: نورثه في قولك من أحدهم سهما من مائة سهم من ميراث ابن كما نورث كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب. قال المزني: رحمه الله: ليس هذا بلازم لهم في قولهم لأن جميع كل أب أو بعض الابن وليس بعض الابن ابنا لبعض الأب دن جميعه كما لو ملكوا عبدا كان جميعا كل سيد منهم مالكا لبعض العبد وليس بعض العبد ملكا لبعض السيد دون جميعه. فتفهم كذلك تجده إن شاء الله. 

باب دعوى الأعاجم ولادة الشرك والطفل يسلم أحد أبويه 
قال الشافعي: وإذا ادعى الأعاجم ولادة بالشرك فإن جاؤونا مسلمين لا ولاء في واحد منهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا غيرهم من أهل الجاهلية، وإن كانوا مسبيين عليهم رق أو أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم يقبل إلا ببينة على ولادة معروفة قبل السبي وهكذا أهل حصن ومن يحمل إلينا منهم، وإذا أسلم أحد أبوي الطفل أو المعتوه كان مسلما لأن الله عز وجل أعلى الإسلام على الأديان والأعلى أولى أن يكون الحكم له مع أنه روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معنى قولنا، ويروى عن الحسن وغيره. 

باب متاع البيت يختلف فيه الزوجان 
من كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي قال الشافعي: وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعد ما تفرقا كان البيت لهما أو لأحدهما أو يموتان أو أحدهما فيختلف في ذلك ورثتهما، فمن أقام بينة على شيء فهو له وإن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الإجماع أن هذا المتاع بأيديهما جميعا فهو بينهما نصفين، وقد يملك الرجل متاع المرأة وتملك المرأة متاع الرجل ولو استعملت الظنون عليهما لحكمت في عطار ودباغ يتنازعان عطرا ودباغا في أيديهما بأن أجعل للعطار العطر وللدباغ الدباغ، ولحكمت فيما يتنازع فيه معسر وموسر من لؤلؤ بأن أجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون. 

باب أخذ الرجل حقه ممن يمنعه إياه 
قال الشافعي: وكانت هند زوجة لأبي سفيان، وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها، فأذن لها رسول الله  لما شكت إليه أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف، فمثلها الرجل يكون له الحق على الرجل فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله، فإن لم يكن له مثل كانت قيمته دنانير أو دراهم، فإن لم يجد له مالا باع عرضه واستوفى من ثمنه حقه، فإن قيل فقد روي عن رسول الله :  أد إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك  . قيل: إنه ليس بثابت، ولو كان ثابتا لم نكن الخيانة ما أذن بأخذه هم، وإنما الخيانة أن آخذ له درهما بعد استيفائه درهمي فأخونه بدرهم كما خانني في درهمي فليس لي أن أخونه بأخذ ما ليس لي وإن خانني. 

باب عتق الشرك في الصحة والمرض والوصايا في العتق 
 

صفحة : 2501

 قال الشافعي: من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق، وهكذا روى ابن عمر عن رسول الله . قال الشافعي  ويحتمل قوله في عتق الموسر وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد معنيين أحدهما: أنه يعتق بالقول وبدفع القيمة. والآخر: أن يعتق بقول الموسر ولو أعسر كان العبد حرا واتبع بما ضمن وهذا قول يصح فيه القياس. قال المزني: وبالقول الأول قال في كتاب الوصايا في العتق. وقال في كتاب اختلاف الأحاديث: يعتق يوم تكلم بالعتق، وهكذا قال في كتاب اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة. وقال أيضا: فإن مات المعتق أخذ بما لزمه من أرش المال لا يمنعه الموت حقا لزمه كما لو جنى جناية والعبد حر في شهادته وحدوده وميراثه وجناياته قبل القيمة ودفعها. قال المزني: وقد قطع بأن هذا المعنى أصح. قال المزني: وقطعه به في أربعة مواضع أولى به من أحد قولين لم يقطع به، وهو القياس على أصله في القرعة أن العتق يوم تكلم بالعتق حتى أقرع بين الأحياء والموتى فهذا أولى بقوله. قال المزني رحمه الله: قد قال الشافعي لو أعتق الثاني كان عتقه باطلا وفي ذلك دليل لو كان ملكه بحاله لو عتق بإعتاقه إياه، وقوله في الأمة بينهما أنه إن أحبلها صارت أم ولد له إن كان موسرا كالعتق، وأن شريكه إن وطئها قبل أخذ القيمة كان مهرها عليه تاما وفي ذلك قضاء لما قلنا، ودليل آخر لما كان الثمن في إجماعهم ثمنين أحدهما في بيع عن تراض يجوز فيه التغابن والآخر قيمة متلف لا يجوز فيه التغابن وإنما هي على التعديل والتقسيط، فلما حكم النبي  على المعتق الموسر بالقيمة دل على أنها قيمة متلف على شريكه يوم أتلفه فهذا كله قضاء لأحد قوليه على الآخر وبالله التوفيق. قال الشافعي رحمه الله: ولو قال أحدهما لصاحبه وصاحبه موسر أعتقت نصيبك، وأنكر الآخر عتق نصيب المدعي ووقف ولاؤه لأنه زعم أنه حر كله وادعى قيمة نصيبه على شريكه فإن ادعى شريكه مثل ذلك عتق العبد وكان له ولاؤه. قال: وفيها قول آخر إذا لم يعتق نصيب الأول لم يعتق نصيب الآخر لأنه إنما يعتق بالأول. قال المزني: قد قطع بجوابه الأول أن صاحبه زعم أنه حر كله وقد عتق نصيب المقر بإقراره قبل أخذه قيمته فتفهم. ولا خلاف أن من أقر بشيء يضره لزمه ومن ادعى حقا لم يجب له وهذا مقر للعبد بعتق نصيبه فيلزمه ومدع على شريكه بقيمته لا تجب له. ومن قوله: وجميع من عرفت من العلماء أن لو قال لشريكه بعتك نصيبي بثمن وسلمته إليك وأنت موسر وإنك قبضته وأعتقته وأنكر شريكه أنه مقر بالعتق لنصيبه نافذ عليه مدع الثمن لا يجب له فهذا وذاك عندي في القياس سواء، وهذا يقضي لأحد قوليه على الآخر. قال المزيني: وقد قال الشافعي لو قال أحدهما لصاحبه: إذا أعتقته فهو حر، فأعتقه كان حرا في مال المعتق، وسواء كان بين مسلمين أو كافرين أو مسلم وكافر. قال المزني: وقد قطع بعتقه قبل دفع قيمته، ودليل آخر من قوله أنه جعل قيمته يوم تكلم بعتقه فدل أنه في ذلك الوقت حر قبل دفع قيمته. قال الشافعي وإذا أدى الموسر قيمته كان له ولاؤه وإن كان معسرا عتق نصيبه وإن كان شريكه على ملكه يخدمه يوما ويترك لنفسه يوما فما اكتسب لنفسه فهو له، وإن مات وله وارث ورثه بقدر ولائه، فإن مات له مورث لم يرث منه شيئا. قال المزني: القياس أن يرث من حيث يورث. وقد قال الشافعي: إن الناس يرثون من حيث يورثون وهذا وذاك في القياس سواء. قال الشافعي: فإن قال قائل: لا تكون نفس واحدة بعضها عبدا وبعضها حرا كما لا تكون امرأة بعضها طالقا وبعضها غير طالق. قيل له: أتتزوج بعض امرأة كما تشتري بعض عبد أو تكاتب المرأة كما لكاتب العبد أو يهب امرأته كما يهب عبده فيكون الموهوب له مكانه? تال: لا. قيل: فما أعلم شيئا أبعد من العبد مما قسته عليه. قال الشافعي: ولو أعتق شريكان لأحدهما النصف وللآخر السدس معا أو وكلا رجلا فأعتق عنهما معا كان عليهما قيمة الباقي لشريكيهما سواء، لا أنظر إلى كثير الملك ولا قليله. قال المزني: هذا يقضي لأحد قوليه في الشفعة أن من له كثير ملك وقليله في الشفعة سواء. قال الشافعي: وإذا اختلفا في قيمة العبد ففيها قولان أحدهما: أن القول قول المعتق. والثاني: أن القول قول  

صفحة : 2502

 رب النصيب لا يخرج ملكه منه إلا بما يرضى. قال المزني: قد قطع الشافعي في موضع آخر بأن القول قول الغارم وهذا أولى بقوله وأقيس على أصله على ما شرحت من أحد قوليه لأنه يقول في قيمة ما أتلف: أن القول قول الغارم ولأن السيد مدع للزيادة فعليه البينة والغارم منكر فعليه اليمين. قال: ولو قال هو خباز وقال الغارم ليس كذلك، فالقول قول الغارم. ولو قال: هو سارق أو آبق، وقال الذي له الغرم ليس كذلك فالقول قوله مع يمينه وهو على البراءة من العيب حتى يعلم. قال المزني: قد قال في الغاصب إن القول قوله أن به داء أو غائلة، والقياس على قوله في الحر يجني على يده فيقول الجاني هي شلاء أن القول قول الغارم.رب النصيب لا يخرج ملكه منه إلا بما يرضى. قال المزني: قد قطع الشافعي في موضع آخر بأن القول قول الغارم وهذا أولى بقوله وأقيس على أصله على ما شرحت من أحد قوليه لأنه يقول في قيمة ما أتلف: أن القول قول الغارم ولأن السيد مدع للزيادة فعليه البينة والغارم منكر فعليه اليمين. قال: ولو قال هو خباز وقال الغارم ليس كذلك، فالقول قول الغارم. ولو قال: هو سارق أو آبق، وقال الذي له الغرم ليس كذلك فالقول قوله مع يمينه وهو على البراءة من العيب حتى يعلم. قال المزني: قد قال في الغاصب إن القول قوله أن به داء أو غائلة، والقياس على قوله في الحر يجني على يده فيقول الجاني هي شلاء أن القول قول الغارم. 
قال الشافعي: وإذا أعتق شركا له في مرضه الذي مات فيه عتقا بتاتا ثم مات كان في ثلثه كالصحيح في كل ماله، ولو أوصى بعتق نصيب من عبد بعينه لم يعتق بعد الموت منه إلا ما أوصى به. 

باب في عتق العبيد لا يخرجون من الثلث 
قال الشافعي: ولو أعتق رجل ستة مملوكين له عند الموت لا مال له غيرهم، جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما أقرع النبي  في مثلهم، وأعتق اثنين ثلث الميت وأرق أربعة للوارث، وهكذا كل ما لم يحتمل الثلث أقرع بينهم ولا سعاية لأن في إقراع رسول الله  بينهم وفي قوله إن كان معسرا فقد عتق منه ما عتق إبطالا للسعايه من حديثين ثابتين. وحديث سعيد بن أبي عروبة في السعاية ضعيف وخالله شعبة وهشام جميعا ولم يذكروا فيه استسعاء وهما أحفظ منه. 

باب كيفية القرعة بين المماليك وغيرهم 
قال الشافعي رحمه الله: أحب القرعة إلي وأبعدها من الحيف عندي أن تقطع رقاع صغار مستوية فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماءهم، ثم تجعل في بنادق طين مستوية وتوزن ثم تستجف ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر الكتابة ولا إدخالها في البندق ويغطى عليها ثوب، ثم يقال له: أدخل يدك فأخرج بندقة، فإذا أخرجها فضت وقرئ اسم صاحبها ودفع إليه الجزء الذي أقرع عليه، ثم يقال له: أقرع على الجزء الثاني الذي يليه. وهكذا ما بقي من السهمان شيء حتى تنفذ وهذا في الرقيق وغيرهم سواء. 

باب الإقراع بين العبيد في العتق والدين والتبدئة بالعتق 
 

صفحة : 2503

 قال الشافعي: ويجزأ الرقيق إذا أعتق ثلثهم ثلاثة أجزاء إذا كانت قيمهم سواء، ويكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين، ثم يقال: أخرج على هذا الجزء بعينه ويعرف، فإن خرج عليه سهم العتق عتق ورق الجزءان الآخران، وإن خرج على الجزء الأول سهم الرق رق، ثم قيل: أخرج فإن خرج سهم العتق على الجزء الثاني عتق ورق الثالث، وإن خرج سهم الرق عليه عتق الثالث، وإن اختلفت قيمهم ضم قليل الثمن إلى كثير الثمن حتى يعتدلوا، فإن تفاوتت قيمهم فكان قيمة واحد مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة جزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم على القيم، فإن كانت قيمة واحد مائتين واثنين خمسين وثلاثة خمسين فإن خرج سهم العتق على الواحد عتق منه نصفه وهو الثلث من جميع المال والآخرون رقيق، وإن خرج سهم اثنين عتقا ثم أعيدت القرعة بين الثلاثة والواحد وأيهم خرج سهمه بالعتق عتق منه ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه ومن غيره، وإن خرج السهم على الاثنين أو الثلاثة فكانوا لا يخرجون معا جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كذلك حتى يستكمل الثلث، ويجزؤون ثلاثة أجزاء أصح عندي من أكثر من ثلاثة، وإن كان عليه دين يحيط ببعض رقيقه جزئ الرقيق على قدر الدين ثم جزئوا، فأيهم خرج عليه سهم الدين بيعوا ثم أقرع ليعتق ثلثهم بعد الدين، وإن ظهر عليه دين بعد ذلك بعت من عتق حتى لا يبقى عليه دين، فإن أعتقت ثلثا وأرفقت ثلثين بالقرعة ثم ظهر له مال يخرجون معا من الثلث أعتقت من أرقت ودفعت إليهم ما اكتسبوا بعد عتق المالك إياهم، وأي الرقيق أردت قيمته لعتقه فزادت قيمته أو نقصت أو مات فإنما قيمته يوم وقع العتق، فإن وقعت القرعة لميت علمنا أنه كان حرا أو لأمة فولدت علمنا أنها حرة وولدها ولد حرة لا أن القرعة أحدثت لأحد منهم عتقا يوم وقعت إنما وجب العتق حين الموت بالقرعة، ولو قال في مرضه: سالم حر وغانم حر وزياد حر ثم مات فإنه يبدأ بالأول فالأول ما احتمل الثلث لأنه عتق بتات، فأما كل ما كان للموصي أن يرجع فيه من تدبير وغيره فكله سواء. قال: ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبده وصية وهو الثلث، وشهد وارثان أنه أعتق عبدا غير وصية وهو الثلث أعتق من كل واحد منهما نصفه. قال المزني: إذا أجاز الشهادتين فقد ثبت عتق عبدين وهما ثلثا الميت فمعناه أن يقرع بينهما. قال الشافعي: ولو قال لعشرة أعبد له: أحدكم حر سألنا الورثة، فإن قالوا لا نعلم أقرع بينهم وأعتق أحدهم كان أقلهم قيمة أو أكثرهم. 

باب من يعتق بالملك وفيه ذكر عتق السائبة ولا ولاء إلا لمعتق 
قال الشافعي رحمه الله: من ملك أحدا من آبائه أو أمهاته أو أجداده أو جداته أو ولده أو ولد بنيه أو بناته عتق عليه بعد ملكه بعد منه الولد أو قرب المولود، ولا يعتق عليه سوى من سميت بحال، وإن ملك شقصا من أحد منهم بغير ميراث قوم عليه ما بقي إن كان موسرا ورق باقيه إن كان معسرا، وإن ورث منه شقصا عتق ولم يقوم عليه، وإن وهب لصبي من يعتق عليه أو أوصى له به ولا ملك له وله وصي كان عليه قبول هذه كله ويعتق عليه، وإن كان موسرا لم يكن له أن يقبل لأن على الموسر عتق ما بقي وإن قبله فمردود. وقال في كتاب الوصايا يعتق ما ملك الصبي ولا يقوم عليه. 

باب في الولاء 
 

صفحة : 2504

 قال الشافعي: أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله  قال:  الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب  قال الشافعي: وفي قوله :  فإنما الولاء لمن أعتق  دليل أنه لا ولاء إلا لمعتق والذي أسلم النصراني على يديه ليس بمعتق فلا ولاء له، ولو أعتق مسلم نصرانيا أو نصراني مسلما فالولاء ثابت لكل واحد منهما على صاحبه ولا يتوارثان لاختلاف الدين، ولا يقطع اختلاف الدين الولاء كما لا يقطع النسب. قال الله جل ثناؤه:  ونادى نوح ابنه   وإذ قال إبراهيم لأبيه  . فلم يقطع النسب باختلاف الدين فكذلك الولاء، ومن أعتق سائبة فهو معتق وله الولاء، ومن ورث من يعتق عليه أو مات عن أم ولد له فله ولاؤهم وإن لم يعتقهم لأنهم في معنى من أعتق، والمعتق السائبة معتق وهو أكثر من هذا في معنى المعتقين فكيف لا يكون له ولاؤه. قال: فالمعتق سائبة قد أنفذ الله له العتق لأنه طاعة وأبطل الشرط بأن لا ولاء له لأنه معصية. وقال رسول الله :  الولاء لمن أعتق  . قال الشافعي: وإذا أخذ أهل الفرائض فرائضهم ولم يكن لهم عصبة قرابة من قبل الصلب كان ما بقي للمولي المعتق، ولو ترك ثلاثة بنين اثنان لأم فهلك أحد الاثنين لأم وترك مالا وموالي فورث أخوه لأبيه وأمه ماله وولاء مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء المولي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرزه، وقال أخوه: إنما أحرزت المال وأما ولاء الموالي فلا. قال الشافعي: الأخ أولى بولاء الموالي وقضى بذلك عثمان بن عفان رحمة الله عليه، ثم الأقرب فالأقرب من العصبة أولى بميراث الموالي، والإخوة للأب والأم أولى من الإخوة للأب، وإن كان جد وأخ لأب وأم أو لأب فقد اختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من قال: الأخ أولى وكذلك بنو الأخ وإن سفلوا، ومنهم من قال: هما سواء ولا يرث النساء الولاء ولا يرثن إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن. 

مختصر كتابي المدبر من جديد وقديم 
 

صفحة : 2505

 قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل منا غلاما ليس له مال غيره، فقال النبي :  من يشتريه مني?  . فاشتراه نعيم بن النحام. فقال عمرو: سمعت جابرا يقول: عبد قبطي مات عام أول في إمارة ابن الزبير، زاد أبو الزبير يقال له يعقوب. قال الشافعي: وباعت عائشة مدبرة لها سحرتها. وقال ابن عمر: المدبر من الثلث. وقال مجاهد: المدبر وصية يرجع فيه صاحبه متى شاء، وباع عمر بن عبد العزيز مدبرا في دين صاحبه. وقال طاوس: يعود الرجل في مدبره. قال الشافعي: فإذا قال الرجل لعبده أنت مدبر أو أنت عتيق أو محرر أو حر بعد موتي أو متى مت أو متى دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخل فهذا كله تدبير يخرج من الثلث ولا يعتق في مال غائب حتى يحضر، ولو قال: إن شئت فأنت حر متى مت فشاء فهو مدبر، ولو قال: إذا مت فشئت فأنت حر، أو قال: أنت حر إذا مت إن شئت، فسواء قدم المشيئة أو أخرها لا يكون حرا إلا أن يشاء. ولو قال شريكان في عبد: متى متنا فأنت حر لم يعتق إلا بموت الآخر منهما. ولو قال سيد المدبر: قد رجعت في تدبيرك أو نقضته أو أبطلته لم يكن ذلك نقضا للتدبير حتى يخرجه من ملكه. وقال في موضع آخر: إن قال إن أدى بعد موتي كذا فهو حر أو وهبه هبة بتات قبض أو لم يقبض ورجع فهذا رجوع في التدبير. قال المزني: هذا رجوع في التدبير بغير إخراج له من ملكه، وذلك كله في الكتاب الجديد. وقال في الكتاب القديم: لو قال: قد رجعت في تدبيرك أو في ربعك أو في نصفك كان ما رجع عنه رجوعا في التدبير وما لم يرجع عنه مدبرا بحاله. وقال المزني وهذا أشبه بقوله بأصله وأصح لقوله إذا كان المدبر وصية فلم لا يرجع في الوصية، ولو جاز له أن يخالف بين ذلك فيبطل الرجوع في المدبر ولا يبطله في الوصية لمعنى اختلفا فيه جاز بذلك المعنى أن يبطل بيع المدبر ولا يبطل في الوصية فيصير إلى قول من لا يبيع المدبر، ولو جاز أن يجمع بين المدبر والأيمان في هذا الموضع جاز إبطال عتق المدبر لمعنى الحنث لأن الأيمان لا يجب الحنث بها على ميت، وقوله في الجديد والقديم بالرجوع فيه كالوصايا معتدل مستقيم لا يدخل عليه منه كبير تعليل. قال الشافعي: وجناية المدبر كجناية العبد يباع منه بقدر جنايته والباقي مدبر بحاله، ولو ارتد المدبر أو لحق بدار الحرب ثم أوجف المسلمون عليه فأخذه سيده فهو على تدبيره، ولو أن سيده ارتد فمات كان ماله فيئا والمدبر حرا، ولو دبره مرتدا ففيه ثلاثة أقاويل أحدها: أنه يوقف فإن رجع فهو على تدبيره، وإن قتل فالتدبير باطل وماله فيء لأنا علمنا أن ردته صيرته ماله فيئا. والثاني: أن التدبير باطل لأن ماله خارج منه إلا بأن يرجع، وهذا أشبه الأقاويل بأن يكون صحيحا فيه أقول. والثالث: أن التدبير ماض لأنه لا يملك عليه ماله إلا بموته. وقال في كتاب الزكاة إنه موقوف فإن رجع وجبت الزكاة وإن لم يرجع وقتل فلا زكاة. وقال في كتاب المكاتب: إنه إن كاتب المرتد عبده قبل أن يوقف ماله فالكتابة جائزة. قال المزني: أصحها عندي وأولاها به أنه مالك لماله لا يملك عليه إلا بموته لأنه أجاز كتابة عبده وأجاز أن ينفق من ماله على من يلزم المسلم نفقته، فلو كان ماله خارجا منه لخرج المدبر مع سائر ماله، ولما كان لولده ولمن يلزمه نفقته حق في مال غيره مع أن ملكه له بإجماع قبل الردة فلا يزول ملكه إلا بإجماع وهو أن يموت، ولو قال لعبده: متى قدم فلان فأنت حر فقدم والسيد صحيح أو مريض عتق من رأس المال، وجناية المدبر جناية عبد. قال: ولا يجوز على التدبير إذا جحد السيد إلا عدلان. 

باب وطء المدبرة وحكم ولدها 
 

صفحة : 2506

 قال الشافعي: ويطأ السيد مدبرته وما ولدت من غيره ففيهم واحد من قولين كلاهما له مذهب. أحدهما: أن ولد كل ذات رحم بمنزلتها فإن رجع في تدبير الأم حاملا كان له ولم يكن رجوعا في تدبير الولد، فإن رجع في تدبير الولد لم يكن رجوعا في الأم، فإن رجع في تدبيرها ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من يوم رجع فالولد في معنى هذا القول مدبر، وإن وضعت لأكثر من ستة أشهر فهو مملوك. قال المزني: وهذا أيضا رجوع في التدبير بغير إخراج من ملك فتفهمه. قال الشافعي: والقول الثاني: أن ولدها مملوكون وذلك أنها أمة أوصى بعتقها لصاحبها فيها الرجوع في عتقها وبيعها وليست الوصية بحرية ثابتة فأولادها مملوكون. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء قال: أولادها مملوكون. قال المزني: هذا أصح القولين عندي وأشبههما بقول الشافعي لأن التدبير عنده وصية بعتقها كما لو أوصى برقبتها لم يدخل في الوصية ولدها. قال: ولو قال: إذا دخلت الدار بعد سنة فأنت حرة فدخلت أن ولدها لا يلحقها. قال المزني: فكذلك تعتق بالموت وولدها لا يلحقها إلا أن تعتق حاملا فيعتق ولدها بعتقها. قال: ولو قالت: ولدته بعد التدبير، وقال الوارث: قبل التدبير فالقول قول الوارث لأنه المالك وهي المدعية. قال: ولو قال المدبر: أفدت هذا المال بعد العتق، وقال الوارث: قبل العتق أن القول قول المدبر والوارث مدع. 

باب في تدبير النصراني 
قال المزني: قال الشافعي: ويجوز تدبير النصراني والحربي فإن دخل إلينا بأمان فأراد الرجوع إلى دار الحرب لم نمنعه، فإن أسلم المدبر قلنا للحربي: إن رجعت في تدبيرك بعناه عليك وإن لم ترجع خارجناه لك ومنعناك خدمته، فإن خرجت دفعناه إلى من وكلته فإذا مت فهو حر. وفيه قول آخر أنه يباع. قال المزني: يباع أشبه بأصله لأن التدبير وصية فهو في معنى عبد أوصى به لرجل لا يجب له إلا بموت السيد وهو عبد بحاله، ولا يجوز تركه إذا أسلم في ملك مشرك يذله وقد صار الإسلام عدوا له. 

باب في تدبير الذي يعقل ولم يبلغ 
قال الشافعي: من أجاز وصيته أجاز تدبيره ولوليه بيع عبده على النظر وكذلك المحجور عليه. قال المزني: القياس عندي في الصبي أن القلم لما رفع عنه ولم تجز هبته ولا عتقه في حياته أن وصيته لا تجوز بعد وفاته، وليس كذلك البالغ المحجور عليه لأنه مكلف ويؤجر على الطاعة ويأثم على المعصية. 

مختصر المكاتب 
 

صفحة : 2507

 قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه:  والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا  قال: ولا يكون الابتغاء من الأطفال ولا المجانين، ولا تجوز الكتابة إلا على بالغ عاقل. قال: وأظهر معاني الخير في العبد بدلالة الكتابة الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمتنع من كتابته إذا كان هكذا، وما جاز بين المسلمين في البيع والإجارة جاز في الكتابة وما رد فيهما رد في الكتابة، ولا تجوز على أقل من نجمين فإن كاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والعين إلى عشر سنين أولها كذا وآخرها كذا يؤدي في انقضاء كل سنة منها كذا فجائز، ولا يعتق حتى يقول في الكتابة: فإذا أديت كذا فأنت حر، أو يقول بعد ذلك: إن قولي كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر كما لا يكون الطلاق إلا بصريح أو ما يشبهه مع النية، ولا تجوز على العرض حتى يكون موصوفا كالسلم، ولا بأس أن يكاتبه على خدمة شهر ودينار بعد الشهر، وإن كاتبه على أن يخدمه بعد الشهر لم يجز لأنه قد يحدث ما يمنعه من العمل بعد الشهر وليس بمضمون يكلف أن يأتي بمثله، فإن كاتبه على أن باعه شيئا لم يجز لأن البيع يبزم بكل حال والكتابة لا تلزم متى شاء تركها، ولو كاتبه على مائة دينار يؤديها إليه في عشر سنين كان النجم مجهولا لا يدري أفي أولها أو آخرها. قال المزني: وكذا يؤدي إليه في كل سنة عشرة مجهول لأنه لا يدري أفي أول كل سنة أو آخرها حتى يقول في انقضاء كل سنة عشرة فتكون النجوم معلومة. قال الشافعي: ولو كاتب ثلاثة كتابة واحدة على مائة منجمة على أنهم إذا أدوا عتقوا كانت جائزة والمائة مقسومة على قيمتهم يوم كوتبوا، فأيهم أدى حصته عتق وأيهم عجز رق، وأيهم مات قبل أن يؤدي مات رقيقا كان له ولد أو لم يكن، ولو أدوا فقال من قلت قيمته: أدينا على العدد، وقال الآخرون: على القيم فهو على العمد أثلاثا، ولو أدى أحدهم عن غيره كان له الرجوع، فإن تطوع فعتقوا لم يكن له الرجوع، فإن أدى بإذنهم رجع عليهم ولا يجوز أن يتحمل بعضهم عن بعض الكتابة فإن اشترط ذلك عليهم فالكتابة فاسدة، ولو كاتب عبدا كتابة فاسدة فأدى عتق ورجع السيد عليه بقيمته يوم عتق ورجع على السيد بما دفع، فأيهما كان له الفضل رجع به، فإن أبطل السيد الكتابة وأشهد على إبطالها أو أبطلها الحاكم ثم أداها العبد لم يعتق، والفرق بين هذا وقوله: إن دخلت الدار فأنت حر أن اليمين لا بيع فيها بحال بينه وبينه والكتابة كالبيع الفاسد إذا فات رد قيمته وإن أدى الفاسدة إلى الوارث لم يعتق لأنه ليس القائل إن أديتها فأنت حر، ولو لم يمت السيد ولكنه حجر عليه أو غلب على عقله فتأداها منه لم يعتق، ولو كان العبد مخبولا عتق بأداء الكتابة ولا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، ولو كانت كتابة صحيحة فمات السيد وله وارثان فقال أحدهما: إن أباه كاتبه وأنكر الآخر وحلف ما علم أن أباه كاتبه كان نصفه مكاتبا ونصفه مملوكا يخدم يوما ويخلى يوما ويتأدى منه المقر نصف كل نجم لا يرجع به أخوه عليه، وإن عتق لم يقوم عليه لأنه إنما أقر أنه عتق بشيء فعله أبوه، وإن عجز رجع رقيقا بينهما، ولو ورثا مكاتبا فأعتق أحدهما نصيبه فهو بريء من نصيبه من الكتابة، فإن أدى إلى أخيه نصيبه عتق وكان الولاء للأب، وإن عجز قوم عليه وعتق إن كان موسرا وولاؤه له، وإن كان معسرا فنصفه حر ونصفه رقيق لأخيه. وقال في موضع آخر: يعتق نصفه عجز أو لم يعجز وولاؤه للأب لأنه الذي عقد كتابته. لخل لضر والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وإن مات وله مال حاضر وولد مات عبدا ولا يعتق بعد الموت، وإن جاءه بالنجم فقال السيد هو حرام أجبرت السيد على أخذه أو يبرئه منه، وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده ولا يتسرى بحال فإن ولد منه أمته بعد عتقه بستة أشهر كانت في حكم أم ولده، وإن وضعت لأقل فلا تكون أم ولد إلا بوطء بعد العتق وله بيعها. قال: ويجبر السيد على أن يضع من كتابته شيئا لقوله عز وجل:  وآتوهم من مال الله الذي أتاكم  وهذا عندي مثل قوله:  وللمطلقات متاع بالمعروف  . واحتج بابن عمر أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف - أحسبه قال- من آخر نجومه. ولو مات السيد وقد قبض جميع الكتابة خاص المكاتب بالذي له أهل الدين والوصايا. قال المزني: يلزمه أن يقدمه على الوصايا على أصل  

صفحة : 2508

 قوله. قال الشافعي: وليس لولي اليتيم أن يكاتب عبده بحال لأنه لا نظر في ذلك، ولو اختلف السيد والمكاتب تحالفا وترادا، ولو مات العبد فقال سيده: قد أدى إلي كتابته وجر إلى ولاء ولده من حرة وأنكر موالي الحرة فالقول قول موالي الحرة. قال ولو قال: فد استوفيت مالي على أحد مكاتبي أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق والآخر على نجومه. والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإن مات وعنده وفاء فهو وماله لسيده، وكيف يموت عبدا ثم يصير بالأداء بعد الموت حرا وإذا كان لا يعتق في حياته إلا بعد الأداء فكيف يصح عتقه إذا مات قبل الأداء? قال: ولو أدى كتابته فعتق وكانت عرضا فأصاب به السيد عيبا رده ورد العتق. قال: ولو فات المعيب قيل له: إن جثت بنقصان العيب وإلا فلسيدك تعجيزك كما لو دفعت دنانير نقصا لم تعتق إلا بدفع نقصان دنانيرك، ولو ادعى أنه دفع أنظر يوما وأكثره ثلاث، فإن جاء بشاهد حلف وبرئ، ولو عجز أو مات وعليه ديون بدئ بها على السيد.ه. قال الشافعي: وليس لولي اليتيم أن يكاتب عبده بحال لأنه لا نظر في ذلك، ولو اختلف السيد والمكاتب تحالفا وترادا، ولو مات العبد فقال سيده: قد أدى إلي كتابته وجر إلى ولاء ولده من حرة وأنكر موالي الحرة فالقول قول موالي الحرة. قال ولو قال: فد استوفيت مالي على أحد مكاتبي أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق والآخر على نجومه. والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإن مات وعنده وفاء فهو وماله لسيده، وكيف يموت عبدا ثم يصير بالأداء بعد الموت حرا وإذا كان لا يعتق في حياته إلا بعد الأداء فكيف يصح عتقه إذا مات قبل الأداء? قال: ولو أدى كتابته فعتق وكانت عرضا فأصاب به السيد عيبا رده ورد العتق. قال: ولو فات المعيب قيل له: إن جثت بنقصان العيب وإلا فلسيدك تعجيزك كما لو دفعت دنانير نقصا لم تعتق إلا بدفع نقصان دنانيرك، ولو ادعى أنه دفع أنظر يوما وأكثره ثلاث، فإن جاء بشاهد حلف وبرئ، ولو عجز أو مات وعليه ديون بدئ بها على السيد. 

كتابة بعض عبد والشريكان في العبد يكاتبانه أو أحدهما 
 

صفحة : 2509

 قال الشافعي: لا يجوز أن يكاتب بعض عبد إلا أن يكون باقيه حرا ولا بعضا من عبد بينه وبين شريكه وإن كان بإذن الشريك لأن المكاتب لا يمنع من السفر والاكتساب، ولا يجوز أن يكاتباه معا حتى يكونا فيه سواء. وقال في كتاب الإملاء على محمد بن الحسن: وإذا أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتبه فالكتابة جائزة وللذي لم يكاتبه أن يختدمه يوما ويخلي والكسب يوما، فإن أبرأه مما عليه كان نصيبه حرا وقوم عليه الباقي، وعتق إن كان موسرا ورق إن كان معسرا. قال المزني: الأول بقوله أولى لأنه زعم لو كانت كتابتهما فيه سواء فعجزه أحدهما فأنظره الآخر فسخت الكتابة بعد ثبوتها حتى يجتمعا على الإقامة عليها، فالابتداء بذلك أولى. قال المزني: ولا يخلو من أن تكون كتابة نصيبه جائزة كبيعه إياه فلا معنى لإذن شريكه أو لا نجوز فلم جوزه بإذن من لا يملكه? قال الشافعي: ولو كاتباه جميعا بما يجوز، فقال: دفعت إليكما مكاتبتي وهي ألف فصدقه أحدهما وكذبه الآخر رجع المنكر على شريكه بنصف ما أقر بقبضه ولم يرجع الشريك على العبد بشيء ويعتق نصيب المقر، فإن أدى إلى المنكر تمام حقه عتق وإن عجز رق نصفه والنصف الآخر حر، ولو أذن أحدهما لشريكه أن يقبض نصيبه فقبضه ثم عجز ففيها قولان. أحدهما: يعتق نصيبه منه ولا يرجع شريكه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا، وإن كان معسرا فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق لأنه يأخذه بما بقي له من الكتابة، فإن كان فيه وفاء عتق وإلا عجز بالباقي، وإن مات بعد العجز فما في يديه بينهما نصفان يرث أحدهما بقدر الحرية والآخر بقدر العبودية. والقول الثاني: لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع عليه فيشركه فيما قبضه لأنه أذن له به وهو لا يملكه. قال المزني: هذا أشبه بقوله أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وما في يديه موقوف ما بقي عليه درهم فليس معناه فيما أذن له بقبضه إلا بمعنى: اسبقني بقبض النصف حتى أستوفي مثله فليس يستحق بالسبق ما ليس له كأنه وزن لأحدهما قبل الآخر. قال في كتاب الإملاء على كتاب مالك: إن ذلك جائز ويعتق نصيبه والباقي على كتابته، فإن أدى فالولاء بينها، وإن عجز قوم على المعتق إن كان موسرا ورق إن كان معسرا. قال المزني: قد قال: ولو أعتقه أحدهما قوم عليه الباقي إن كان موسرا وعتق كله وإلا كان الباقي مكاتبا، وكذلك لو أبرأه كان كعتقه إياه. قال المزني: فهذا أشبه بقوله وأولى بأصله وبالله التوفيق. قال الشافعي: ولو مات سيد المكاتب فأبرأه بعض الورثة من حصته عتق نصيبه عجز أو لم يعجز وولاؤه للذي كاتبه ولا أقوم عليه والولاء لغيره وأعتقه عليه بسبب رقه فيه لأنه لو لم يكن له فيه رق فعجز لم يكن له. وقال في موضع آخر ففيها قولان: أحدهما هذا. والآخر: يقوم عليه إذا عجز وكان له ولاؤه كله لأن الكتابة الأولى بطلت وأعتق هذا ملكه. قال المزني رحمه الله: الأول بمعناه أشبه بأصله إذ زعم أنه إذا أبرأه من قدر حقه من دراهم الكتابة عتق نصيبه بمعنى عقد الأب لم يجز أن يزيل ما ثبت، وإذ زعم أنه إن عجز فيه فقد بطلت الكتابة الأولى فينبغي أن يبطل عتق النصيب بالإبراء من قدر النصيب لأن الأب لم يعتقه إلا بأداء الجميع فكأن الأب أبرأه من جميع الكتابة ولا عتق بإبرائه من بعض الكتابة. 

باب في ولد المكاتبة 
 

صفحة : 2510

 قال الشافعي رحمه الله: ولد المكاتبة موقوف فإذا أدت فعتقت عتقوا وإن عجزت أو ماتت قبل الأداء رقوا، فإن جنى على ولدها فيها قولان. أحدهما: أن للسيد قيمته وما كان له لأن المرأة لا تملك ولدها ويؤخذ السيد بنفقته، وإن اكتسب أنفق عليه منه ووقف الباقي ولم يكن للسيد أخذه، فإن مات قبل عتق أمه كان لسيده، وإن عتق بعتقها كان ماله له، وإن أعتقه السيد جاز عتقه، وإن أعتق ابن المكاتب من أمته لم يجز عتقه، وإنما فرقت بينهما لأن المكاتبة لا تملك ولدها وإنما حكمه حكمها والمكاتب يملك ولده من أمته لو كان يجري عليه رق. والقول الثاني: أن أمهم أحق بما ملكوا تستعين به لأنهم يعتقون بعتقها. والأول أشبههما. قال المزني: الآخر أشبههما بقوله إذا كانوا يعتقون بعتقها فهم أولى بحكمها، ومما يثبت ذلك أيضا قوله: لو وطئ ابنة مكاتبته أو أمها كان عليه مهر مثلها وهذا يقضي لما وصفت من معنى ولدها. قال الشافعي: وهو ممنوع من وطء مكاتبته فإن وطئها طائعة فلا حد ويعزران، وإن أكرهها فلها مهر مثلها. قال المزني: ويعزر في قياس قوله. قال الشافعي: وإن اختلفا في ولدها فقالت: ولدت بعد الكتابة، وقال السيد: بل قبل فالقول قوله مع يمينه، وإن اختلفا في ولد المكاتب من أمته فالقول فول المكاتب. 

باب المكاتبة بين اثنين يطؤها أحدهما أو كلاهما 
قال الشافعي: وإذا وطئها أحدهما فلم تحبل فلها مهر مثلها يدفع إليها، فإن عجزت قبل دفعه كان للذي لم يطأها نصفه من شريكه، فإن حبلت ولم تدع الاستبراء فاختارت العجز أو مات الواطئ فإن للذي لم يطأ نصف المهر ونصف قيمتها على الواطئ. قال المزني: وينبغي أن تكون حرة بموته. قال الشافعي: وإن وطئاها فعلى كل واحد منهما مهر مثلها فإن عجزت تقاصا المهرين، فإن كانت حبلت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولم يستبرئها الأول فهو ولده وعليه نصف قيمتها ونصف مهرها، وفي نصف قيمة ولدها قولان: أحدهما: يغرمه. والآخر: لا غرم عليه لأن العتق وجب به. قال المزني: القياس على مذهبه أن ليس عليه إلا نصف قيمتها دون نصف قيمة الولد لأنها بالحبل صارت أم ولد. قال الشافعي: في الواطئ الآخر قولان: أحدهما: يغرم نصف مهرها لأنها لا تكون أم ولد للحمل إلا بعد أداء نصف القيمة. والآخر: جميع مهر مثلها. قال المزني: هذا أصح لأنه وطئ أم ولد لصاحبه. قال الشافعي: ولو جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وطء الآخر منهما كلاهما يدعيه أو أحدهما ولا تدعي استبراء فهي أم ولد أحدهما، فإن عجزت أخذ بنفقتها وأري القافة فبأيهما ألحقوه لحق، فإن ألحقوه بهما لم يكن ابن واحد منهما حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وتنقطع عنه أبوة الآخر وعليه للذي انقطعت أبوته نصف قيمتها إن كان موسرا وكانت أم ولد له، وإن كان معسرا فنصفها لشريكه بحاله والصداقان ساقطان عنهما، ولو جاءت من كل واحد منهما بولد يدعيه ولم يدعه صاحبه فإن كان الأول موسرا أدى نصف قيمتها وهي أم ولد له وعليه نصف مهرها لشريكه، والقول في نصف ولدها كما وصفت، ويلحق الولد الآخر بالواطئ الآخر وعليه مهرها كله وقيمة الولد يوم سقط تكون قصاصا من نصف قيمة الجارية وإنما لحق ولدها به بالشبهة. قال المزني: وقد قضى قوله في هذه المسألة بما قلت لأنه لو لم تكن للأول أم ولد إلا بعد أداء نصف القيمة لما كان على المحبل الثاني جميع مهرها ولا قيمة ولده منها، فتفهم ذلك. قال الشافعي: ولو ادعى كل واحد منهما أن ولده ولد قبل ولد صاحبه ألحق بهما الولدان ووقفت أم الولد وأخذا بنفقتها، وإذا مات واحد منهما عتق نصيبه وأخذ الآخر بنفقة نصيب نفسه، فإذا مات عتقت وولاؤها موقوف إذا كانا موسرين أو أحدهما معسر والآخر وسر فولاؤها موقوف بكل حال. 

باب تعجيل الكتابة 
 

صفحة : 2511

 قال الشافعي: ويجبر السيد على قبول النجم إذا عجله له المكاتب، واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب رحمة الله عليه. قال الشافعي: وإذا كانت دنانير أو دراهم أو ما لا يتغير على طول المكث مثل الحديد والنحاس وما أشبه ذلك فأما ما يتغير على طول المكث أو كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله إلا في موضعه، فإن كان في طريق بخرابة أو في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله. قال: ولو عجل له بعض الكتاب على أن يبرئه من الباقي لم يجز ورد عليه ما أخذ ولم يعتق لأنه أبرأه مما لم يبرأ منه، فإن أحب أن يصح هذا فليرض المكاتب بالعجز ويرض السيد بشيء يأخذه منه على أن يعتقه فيجوز. قال المزني: عندي أن يضع عنه على أن يتعجل وأجازه في الدين. 

بيع المكاتب وشراؤه وبيع كتابته 
وبيع رقبته وجوابان فيه قال الشافعي: وبيع المكاتب وشراؤه والشفعة له وعليه فيما بينه وبين سيده والأجنبي سواء إلا أن المكاتب ممنوع من استهلاك ماله وأن لبيع بما لا يتغابن الناس بمثله ولا يهب إلا بإذن سيده ولا يكفر في شيء من الكفارات إلا بالصوم، وإن باع فلم يفترقا حتى مات المكاتب وجب البيع. وقال في كتاب البيوع: إذا مات أحد المتبايعين قام وارثه مقامه ولا يبيع بدين ولا يهب لثواب وإقراره في البيع جائز، ولو كانت له على مولاه دنانير ولمولاه عليه دنانير فجعلا ذلك قصاصا جاز، ولو كانت له عليه ألف درهم من نجومه حالة وله على السيد مائة دينار حالة فأراد أن يجعلا الألف بالمائة قصاصا لم يجز، وكذلك لو كان دينه عليه عرضا وكتابته نقدا. قال: وإن أعتق عبده أو كاتبه بإذن سيده فأدى كتابته ففيها قولان: أحدهما: لا يجوز لأن الولاء لمن أعتق. والثاني: أنه يجوز. وفي الولاء قولان: أحدهما: أن ولاءه موقوف فإن عتق المكاتب الأول كان له وإن لم يعتق حتى يموت فالولاء لسيد المكاتب من قبل أنه عبد لعبده عتق. والثاني: أن الولاء لسيد المكاتب بكل حال لأنه عتق في حين لا يكون له بعتقه ولاؤه، فإن مات عبد المكاتب المعتق بعد ما يعتق وقف ميراثه في قول من وقف الميراث كما وصفت، فإن عتق المكاتب الذي أعتقه فله إن مات أو عجز فلسيد المكاتب إذا كان حيا يوم يموت وإن كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه. وفي القول الثاني لسيد المكاتب لأن ولاءه له، وقال في الإملاء على كتاب مالك: إنه لو كاتب عبده فأدى لم يعتق كما لو أعتقه لم يعتق. قال المزني: هذا عندي أشبه. قال الشافعي: وبيع نجومه مفسوخ فإن أدى إلى المشتري كتابته بأمر سيده عتق كما يؤدي إلى وكيله فيعتق. قال: وليس للمكاتب أن يشتري من يعتق عليه لو كان حرا وله أن يقبلهم إن أوصى له بهم ويكتسبون على أنفسهم ويأخذ فضل كسبهم وما أفادوا، فإن مرضوا أو عجزوا عن الكسب أنفق عليهم، وإن حنوا لم يكن له أن يفديهم وبيع منهم بقدر جناياتهم، ولا يجوز بيع رقبة المكاتب فإن قيل: بيعت بريرة، قيل هي المساومة بنفسها عائشة رضي الله عنها والمخبرة بالعجز بطلبها أوقية والراضية بالبيع، فإن قيل: فما معنى قول النبي  لعائشة:  اشترطي لهم الولاء?  قلت أنا: للشافعي في هذا جوابان أحدهما: يبطل الشرط ويجيز العتق ويجعله خاصا. وقال في موضع آخر: هذا من أشد ما يغلط فيه وإنما جاء به هشام وحده وغيره قد خالله وضعفه. قال المزني: هذا أولى به لأنه لا يجوز في صفة النبي  في مكانه من الله عز وجل ينكر على ناس شرطا باطلا ويأمر أهله بإجابتهم إلى باطل وهو على أهله في الله أشد وعليهم أغلظ. قال المزني: وقد يحتمل أن لو صح الحديث أن يكون أراد اشترطي عليهم أن لك إن اشتريت وأعتقت الولاء أي لا تغريهم واللغة تحتمل ذلك، قال الله جل ثناؤه:  لهم اللعنة  وقال:  أن عليهم لعنة الله  ، وكذلك قال تعالى:  أم من يكون عليهم وكيلا  وقال:  إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها  أي فعليها. وقال:  ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض  فقامت  لهم  مقام  عليهم  فتفهم رحمك الله. 

باب كتابة النصراني 
 

صفحة : 2512

 قال الشافعي رحمه الله: وتجوز كتابة النصراني بما تجوز به كتابة المسلم، فإن أسلم العبد ثم ترافعا إلينا فهو على الكتابة إلا أن يعجز فيباع على النصراني، فإن كاتبه على حلال عندهم حرام عندنا أبطلنا ما بقي من الكتابة، فإن أداها ثم تحاكما إلينا فقد عتق العبد ولا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا لأن ذلك مضى في النصرانية، ولو أسلما وبقي من الكتابة شيء من خمر فقبضه السيد عتق بقبضه آخر كتابته ورجع على العبد بقيمته، ولو اشترى مسلما فكاتبه ففيها قولان أحدهما: أن الكتابة باطلة لأنه ليس بإخراج له من ملكه تام فإن أدى جميع الكتابة عتق بكتابة فاسدة وتراجعا كما وصفت. والقول الآخر: أنها جائزة فمتى عجز بيع عليه. قال المزني: القول الآخر أشبه بقوله لأنه ممنوع من النصراني بكتابته. وعسى أن يؤدي فيعتق فإن عجز رق وبيع مكانه، وفي تثبيته الكتابة إذا أسلم العبد ومولاه نصراني على ما قلت دليل وبالله التوفيق. 

كتابة الحربي 
قال الشافعي: إذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا مستأمنين أثبتها إلا أن يكون أحدث له قهرا في إبطال كتابته فالكتابة باطلة، ولو كان السيد مسلما فالكتابة ثابتة، فإن سبى لم يكن رقيقا لأن له أمانا من مسلم بعتقه إياه، ولو كاتبه المستأمن عندنا وأراد إخراجه منع. وقيل: إن أقمت فأد الجزية وإلا فوكل بقبض نجومه، فإن أدى عتق والولاء لك، وإن مت دفعت إلى ورثتك. وقال في كتاب السير: يكون مغنوما. قال المزني: الأول أولى لأنه إذا كان في دار الحرب حيا لا يغنم ماله في دار الإسلام لأنه مال له أمان فوارثه فيه بمثابته. قال الشافعي: وإن خرج فسبي فمن عليه أو فودي به لم يكن رقيقا ورد مال مكاتبه إليه في بلاد الحرب أو غيره، فإن استرق وعتق مكاتبه بالأداء ومات الحربي رقيقا لم يكن رقيقا ولا ولاء لأحد بسببه، والمكاتب لا ولاء عليه إلا أن يعتق الحربي قبل موته فيكون له ولاء مكاتبه وما أدى من كتابته لأن ذلك مال كان موقوفا له أمان فلم يبطل أمانه ما كان رقيقا، ولم نجعله له في حال رقه فيأخذه مولاه فلما عتق كانت الأمانة مؤداة. قال المزني: وقال في موضع آخر فيها قولان: أحدهما هذا. والثاني: لما رق كان ما أدى مكاتبه فيئا. وقال في كتاب السير: يصير ماله مغنوما. قال المزني: هذا عندي أشبه بقوله الني ختم به قبل هذه المسألة لأنه لما بطل أن يملك بطل عن ماله ملكه. قال الشافعي: ولو أغار المشركون على مكاتب ثم استنقذه المسلمون كان على كتابته، ولو كاتبه في بلاد الحرب ثم خرج المكاتب إلينا مسلما كان حرا. 

كتابة المرتد 
قال الشافعي: ولو كاتب المرتد عبده قبل أن يقف الحاكم ماله كان جائزا. وقال في كتاب المدبر: إذا دبر المرتد عبده ففيه ثلاثة أقاويل قد وصفتها فيه وقضيت أن جوابه في المكاتب أصحها. قال: فإن نهى الحاكم المكاتب أن يدفع إلى المرتد كتابته فدفعها لم يبرأ منها وأخذه بها، فإن عجز ثم أسلم السيد ألغى السيد التعجيز، ولو ارتد العبد ثم كاتبه جاز وكان حكمه حكم المرتد. 

جناية المكاتب على سيده 
قال الشافعي: وإذا جنى المكاتب على سيده عمدا فله القصاص في الجرح ولوارثه القصاص في النفس أو الأرض، فإن أدى ذلك فهو على كتابته وإن لم يؤد فلهم تعجيزه ولا دين لهم على عبدهم وبيع في جناية الأجنبي. 

باب جناية المكاتب ورقيقه 
 

صفحة : 2513

 قال الشافعي: وإذا جنى المكاتب فعلى سيده الأقل من قيمة عبده الجاني يوم جنى أو أرش الجناية، فإن قوي على أدائها مع الكتابة فهو مكاتب، وله تعجيل الكتابة قبل الجناية وقبل الدين الحال ما لم يقف الحاكم لهم ماله كالحر فيما عليه إلا أنه ليس للمكاتب أن يعجل الدين قبل محله بغير إذن سيده، فإن وقف الحاكم ماله أدى إلى سيده وإلى الناس ديونهم شرعا، فإن لم يكن عنده ما يؤدي هذا كله عجزه في مال الأجنبي إلا أن ينظروه ومتى شاء من أنظره عجزه ثم خير الحاكم سيده بين أن يفديه بالأقل من أرش الجناية أو يباع فيها فيعطى أهل الجناية حقوقهم دون من داينه ببيع أو غيره لأن ذلك في ذمته ومتى عتق اتبع به، وسواء كانت الجنايات متفرقة أو معا وبعضها قبل التعجيز وبعده يتحاصون في ثمنه معا، وإن أبرأه بعضهم كان ثمنه للباقين منهم، ولو قطع يد سيده فبرأ وعتق بالأداء اتبعه بأرش يده وأي المكاتبين جنى وكتابتهم واحدة لزمته دون أصحابه، ولو كان هذا الجاني ولد المكاتب وهب له أو من أمته أو ولد مكاتبه لم يفد بشيء وإن قل إلا بإذن السيد لأني لا أجعل له بيعهم ويسلمون فيباع منهم بقدر الجناية وما بقي بحاله يعتق بعتق المكاتب أو المكاتبة، وإن جنى بعض عبيده على بعض عمدا فله القصاص إلا أن يكون ولدا فلا يقتل والده بعبده وهو لا يقتل به، ولو أعتقه السيد بغير أداء ضمن الأقل من قيمته أو الجناية، ولو كان أدى فعتق فعليه الأقل من قيمة نفسه أو جناية لأنه لم يعجز، ولو جنى جناية أخرى ثم أدى فعتق ففيها قولان. 
أحدهما: ان عليه الأقل من قيمة واحدة أو الجناية يشتركان فيها. والآخر: أن عليه لكل واحد منهما الأقل من قيمته أو الجناية وهكذا لو كانت جنايات كثيرة.  قال المزني  : قد قطع في هذا الباب أن الجنايات متفرقة أو معا فسواء وهو عندي بالحق أولى. قال الشافعي: وإن جنى علىالمكاتب عبده جناية لا قصاص فيها كانت هدرا وللمكاتب أن يؤدب رقيقه ولا يحدهم لأن الحد لا يكون لغير حر. 

باب ما جنى على المكاتب له 
قال الشافعي رحمه الله: وأرش ما جنى على المكاتب له ولو قتله السيد لم يكن عليه شيء لأنه مات عبدا، ول قطع يده فإن كان يعتق بأرش يده وطلبه العبد جعل قصاصا وعتق، وإن مات بعد ذلك ضمن ما يضمن لو جنى على عبد غيره فعتق قبل أن يموت، وإن كانت غير المكاتبة غير حاله كان له تعجيل الأرش فإن لم يقبضه حتى مات سقط عنه لأنه صار مالا له. 

الجناية على المكاتب ورقيقه عمدا 
قال الشافعي: وإذا جنى عبد على المكاتب عمدا فأراد القصاص والسيد الدية فللمكاتب القصاص لأن السيد ممنوع من ماله وبدنه وليس أن يصالح إلا على الاستيفاء لجميع الأرش، ول عفا عن القصاص زالأرش معا ثم عتق كأن أخذ المال ولا قود لأنه عفا ولا يملك إتلاف المال، ولو كان العفو بإذن السيد فالعتق جائز. 

باب عتق السيد الماكاتب في المرض وغيره 
قال الشافعي: إذا وضع السيد على المكاتب كتابته أو عتقه في المرض فالعتق موقوف، فإن خرج من الثلث بالأقل من قيمته أو ما بقي عليه فهو حر وإلا عتق منه ما حمل الثلث فوضع عنه من الكتابة بقدر ما عتق منه وكان الباقي منه على الكتابة، ولو أوصى بعتقه عتق بالأقل من قيمته أو ما بقي عليه من كتابته إن كان قيمته وباقي كتابته خمسمائة أو كانت ألفا وثمنه خمسمائة، وقال في الإملاء على مسائل مالك: ولو أعتقه عند الموت ولا مال له غيره عتق ثلثه، فإن أدى ثلثي الكتابة عتق كله وإن عجز رق ثلثاه. ولو قال: ضعوتا عنه كتابته فهي وصية له فيعتق بالأقل من قيمته أبو كتابته، وسواء كانت حالة أو دينا يحسب في الثلث، ولو كاتبته في مرضه ولا يخرج من الثلث وقفت فإن أفاد السيد مالا يخرج به من الثلث جازت الكتابة، وإن لم يفد جازت كتابة ثلثه إذا كانت كتابة مثله ولم تجز في ثلثيه.  قال الموني  رحمه الله: هذا خلاف قوله لا تجوز كتابة بعض عبده وما أقر بقبضه في مرضه فهو كالدين يقر بقبضه في صحته، وإذا وضع عنه الدنانير وعليه دراهم أو شيئا وعليه غيره لم يجز. ولو قال: قد استوفيت آخر كتابتك إن شاء الله أو شاء فلان لم يجز لأنه استثناء. 

الوصية للعبد أن يكاتب 
 

صفحة : 2514

 قال الشافعي: ولو أوصى أن يكاتب عبد له لا يخرج من الثلث خاص أهل الوصايا وكوتب على كتابة مثله، ولو لم تكن وصايا ولا مال له غيره قيل: إن شئت كاتبنا ثلثك لسيدك والثلثان رقيق لورثته.  قال المزني  رحمه الله: هذا خلاف أصل قوله مثل الذي قبله، ولو قال: كاتبوا أحد عبيدي لم يكاتبوا أمة، ولو قال: إحدى إمائي لم يكاتبوا عبدا ولا خنثى، وإن قال: أحد رقيقي كان لهم الخيار في عبد أو أمة. قال المزني: قلت أنا: أو خنثى. 

باب موت سيد المكاتب 
قال الشافعي: ولو أنكح ابنة له مكاتبة برضاها فمات وابنته غير وارثة إما لاختلاف دينهما أو لأنها قاتلة فالنكاح ثابت، وإن كانت وارثة فسد النكاح لأنها ملكت من زوجها بعضه، فإن دفع من الكتابة ما عليه إلى أحد الوصيين أو أحد وارثين أو إلى وارث وعليه دين أوله وصايا لم يعتق إلا بوصول الدين إلى أهله وكل في حق حقه إذا لم يدفع بأمر حاكم أو إلى وصي. 

باب عجز المكاتب 
قال الشافعي: وليس لسيده أن يفسخ كتابته حتى يعجز عن أداء نجم فيكون له فسخها بحضرته إن كان ببلده، وإذا قال ليس عندي مال فأشهد أنه قد عجزه بطلت كان عند سلطان أو غيره، واحتج في ذلك بابن عمر فإن سأله أن ينظره مدة يؤدي إليها نجمه لم يكن له عليه ولا للسلطان أن ينظره إلا أن يحضره ماله يبيعه مكانه إلى المدة فينظره قدر بيعه، فإن حل عليه نجم في غيبته فأشهد سيده أن قد عجزه أو فسخ كتابته فهو عاجز ولا يعجزه السلطان إلا أن تثبت بينة على حلول نجم من نجومه، فإن قال: قد أنظرته وبدا لي كتب السلطان إلى حاكم بلده فأعلمه بذلك وأنه إن لم يؤد إليه أو إلى وكيله، فإن لم يكن له وكيل أنظره قدر مسيره إلى سيده، فإن جاء وإلا عجزه حاكم بلده، ولو غلب على عقله لم يكن له أن يعجزه حتى يأتي الحاكم ولا يعجزه الحاكم حتى يسأله عن ماله، فإن وجده أدى عنه وإن لم يجده عجزه وأخذ السيد بنفقته، وإن وجد له مالا كان له قبل التعجيز فك العجز عنه ورد على سيده نفقته مع كتابته، ولو ادعى أنه أوصل إليه كتابته وجاء بشاهد أحلفه معه، وأبرئه ولو دفع الكتابة وكانت عرضا بصفة وعتق ثم استحق قيل له: إن أديت مكانك وإلا رققت. 

باب الوصية بالمكاتب والوصية له 
قال الشافعي: وإذا أوصى به لرجل وعجزه قبل موته أو بعده لم يجز كما لو أوصى برقبته وهو لا يملكه ثم ملكه حتى يجدد وصية له به، وإذا أوصى بكتابته جازت في الثلث فإذا أداها عتق، فإن أراد الذي أوصى له تأخيره والوارث تعجيزه فذلك للوارث تصير رقبته له، ولو كانت الكتابة فاسدة بطلت الوصية، ولو أوصى برقبته وكتابته فاسدة ففيها قولان. أحدهما: أن الوصية باطلة. والثاني: أن الوصية جائزة. قال المزني: هذا أشبه بقوله لأنه في ملكه فكيف لا يجوز ما صنع في ملكه? قال الشافعي: ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه ومثل نصفه، وضع عنه أكثر من النصف بما شاؤوا ومثل نصفه. ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثله، وضع عنه الكتابة كلها والفضل باطل، ولو قال: ضعوا عنه ما شاء فشاءها كلها لم يكن له إلا أن يبقى منها شيئا. 

كتاب عتق أمهات الأولاد من كتب 
 

صفحة : 2515

 قال الشافعي: وإذا وطئ أمته فولدت ما يبين أنه من خلق الآدميين عين أو ظفر أو أصبع فهي أم ولد لا تخالف المملوكة أحكامها غير أنها لا تخرج من ملكه قي دين ولا غيره، فإذا مات عتقت من رأس المال، وإن لم يتبين فيه من خلق آدمي سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا من خلق آدمي كانت به أم ولد فإن شككن لم تكن به أم ولد، وولد أم الولد بمنزلتها يعتقون بعتقها كانوا من حلال أو حرام، ولو ماتت قبلهم ثم مات السيد عتقوا بموته كأمهم، ولو اشترى امرأته وهي أمة حامل منه ثم وضعت عنده عتق ولدها منه ولم تكن أم ولد له أبدا حتى تحمل منه وهي في ملكه، وللمكاتب أن يبيع أم ولده، فإن أوصى رجل لأم ولده أو لمدبره يخرج من الثلث فهي جائزة لأنهما يعتقان بموته، ولو جنت أم الولد جناية ضمن السيد الأقل من الأرش أو القيمة فإن أدى فيمتها ثم عادت فجنت ففيها قولان. أحدهما: أن إسلامه قيمتها كإسلامه بدنها ويرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول فيشتركان فيها بقدر جنايتهما ثم هكذا كلما جنت، ويدخل فيه أن إسلامه قيمتها كان كإسلام بدنها إلى الأول لزم الأول إخراجها إلى الثاني إذا بلغ أرش الجناية قيمتها. والثاني: أنه يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإن عادت فجنت وقد دفع الأرش رجع على السيد وهكذا كلما جنت. قال المزني: والثاني أشبه عندي بالحق لأن إسلام قيمتها لو كان كإسلام بدنها لوجب أن تكون الجناية الثانية على قيمتها وبطلت الشركة، وفي إجماعهم على إبطال ذلك إبطال هذا القول وفي إبطاله ثبوت القول الآخر إذ لا وجه لقول ثالث نعلمه عند جماعة العلماء ممن لا يبيع أمهات الأولاد فإذا افتكها ربها صارت بمعناها المتقدم لا جناية عليها ولا على سيدها بها، فكيف إذا جنت لا يكون عليها مثل ذلك قياسا? قال المزني: وقد ملك المجني عليه الأرش بحق فكيف يجني غيره وغير ملكه وغير من هو عاقله له فيجب عليه غرمه أو غرم شيء منه. قال: فإن أسلمت أم ولد النصراني حيل بينهما وأخذ بنفقتها وتعمل ما يعمل له مثلها، فإن أسلم خلي بينها وبينه، وإن مات عتقت، فإذا توفي سيد أم الولد أو أعتقها فلا عدة وتستبرأ بحيضة، فإن لم تكن من أهل الحيض فثلاثة أشهر أحب إلينا. قال المزني: قلت أنا: قد سوى الشافعي بين استبراء الأمة وعدة أم الولد في كتاب العدد وجعلها حيضة فأشبه بقوله: إذ لم يكونا من أهل الحيض أن يقوم الشهر فيهما مقام الحيضة، كما قال: إن الشهر في الأمة يقوم مقام الحيضة، وقد قال في باب استبراء أم الولد في كتاب العدد: لا تحل أم الولد للأزواج إن كانت ممن لا تحيض إلا بشهر، وهذا أولى بقوله وأشبه بأصله وبالله التوفيق. قال المزني: قلت أنا: قد قطع في خمسة عشر كتابا بعتق أمهات الأولاد ووقف في غيرها. وقال في كتاب النكاح القديم: ليس له أن يزوجها بغير إذنها. وقال في هذا الكتاب: إنها كالمملوكة في جميع أحكامها إلا أنها لا تباع وفي كتاب الرجعة له أن يختدمها وهي كارهة. قال المزني: قلت أنا: وهذا أصح قوليه لأن رقها لم يزل فكذلك ما كان له من وطئها وخدمتها وإنكاحها بغير إذنها لم يزل، وبالله التوفيق. 
تم بحمد الله كتاب مختصر المزني ويليه - إن شاء الله- كتاب المسند للشافعي. 

بسم الله الرحمن الرحيم 

باب ما خرج من كتاب الوضوء 
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أخبرنا مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة رجل من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول سأل رجل رسول الله  فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله  هو الطهور ماؤه الحل ميتته. 
أنبأنا الثقة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله  قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أو خبثا. 
أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات. 
 

صفحة : 2516

 أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنة أن رسول الله  قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات. 
أنبأنا ابن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب. 
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: سألت النبي  عن دم المجط يصيب الثوب فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه. 
أخبرنا الربيع عن الشافعي في أول الكتاب. 
حدثنا سفيان بن عيينة أخبرنا هشام بن عروة أنه سمع امرأته فاطمة بنت المنذر تقول سمعت جدتي أسماء ابنة أبي بكر تقول سألت النبي  عن دم الحيضة فذكر مثله. 
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء ابنة أبي بكر قالت سألت امرأة رسول الله  فقالت يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فقال النبي  لها إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحة بالماء ثم تصل فيه. 
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي حبيبة أو ابن حبيبة عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي  أنة سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها. 
أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن قتادة أو أبي قتادة الشك من الربيع أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه قالت فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا بنت أخي أن رسول الله  قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات. 
أنبأنا الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي  مثله أو مثل معناه. 
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  كان يغتسل من القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد. 
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون في زمان النبي . 
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أغتسل أنا والنبي  من إناء واحد. 
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي  من إناء واحد. 
أخبرنا سفيان عن عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله  من إناء واحد فربما قلت له ابق لي أبق لي. 
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال مر النبي  بشاة ميتة قد كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي  قال فهلا انتفعتم بجلدها قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال إنما حرم أكلها. 
أخبرنا الربيع أنبأنا الشافعي أنبأنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  ما على أهل هذه لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال إنما حرم أكلها. 
أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم أنه سمع ابن وعلة سمع ابن عباس رضي الله عنهما سمع النبي  يقول أيما إهاب دبغ فقد طفر. 
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قال إذا دبغ الإهاب فقد طهر. 
أخبرنا مالك عن ابن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت. 
أخبرنا مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم. 
 

صفحة : 2517

 أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده. 
أخبرنا مالك وابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي  قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن تدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. 
أخبرنا الثقة عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أصحاب رسول الله  ينتظرون العشاء فينامون أحسبه قال قعودا حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. 
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام قاعدا ثم يصلي ولا يتوضأ. 
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال قبلة الرجل امرأته أو جسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء. 
أخبرنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد قال شكى إلي النبي  الرجل يخيل إليه الشيء في الصلاة فقال لا ينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر أن رجلا مر على النبي  وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام فلما جاوزه ناداه النبي  فقال إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول إني سلمت على رسول الله  فلم يرد علي فإذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن تفعل لا أرد عليك. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال مررت على النبي  وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي السلام قال أبو العباس الأصم رحمه الله: هذان الحديثان ليسا في كتاب الوضوء ولكن أخرجتهما فيه لأنه موضعه وفي هذا الموضع من كتاب الوضوء قال الشافعي رضي الله عنة وروى أبو الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة أن رسول الله  بال فتيمم فأخرجت الحديث بتمامه لهذه العلة. 
أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله  عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه? قال علي فإن عندي ابنة رسول الله  فأنا استحيي أن أسأله قال المقداد: فسألت رسول الله  عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة. 
أخبرنا مالك عن عبد الله بن بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول دخلت على مروان بن الحكهم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء فقال عروة: ما علمت ذلك فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله  يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ. 
أخبرنا سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله  أنه قال: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ. 
حدثنا عبد الله بن نافع وابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله  إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ وزاد ابن نافع فقال عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر عن النبي  مثله قال الشافعي رضي الله عنه: سمعت غير واحد من الحفاظ يروونه لا يذكرون فيه جابرا. 
أخبرني القاسم بن عبيد الله أظنه عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا مست المرأة فرجها توضأت. 
أخبرنا سفيان عن الزهري عن رجلين أحدهما جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه أن رسول الله  أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ. 
 

صفحة : 2518

 أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه. 
أخبرنا سفيان أخبرني هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمران بن حدير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه أن النبي  قال: في الاستنجاء بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع. 
أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة. 
أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي عتيق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب. 
أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله  قال: إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنه لا يدري أين باتت يده. 
أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال النبي : إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده قال أبو العباس الأصم إنما أخرجت حديث مالك على حدة وحديث سفيان على حدة لأن الشافعي رضي الله عنه قبل ذلك ذكره عنهما جميعا على لفظ حديث مالك. 
أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد وابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن عمر وابن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي  توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه. 
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله  توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه أو قال ناصيته بالماء. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى عن ابن سيرين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنة أن رسول الله  مسح ناصيته أو قال مقدم رأسه بالماء. 
أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد الأنصاري هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله  يتوضأ فقال عبد الله بن زيد: نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين ومضمض واستنشق ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم غسل رجليه. 
أخبرنا يحيى بن سليم. 
حدثني أبو هاشم إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه قال كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله  فأتيناه فلم نصادفة وصادفنا عائشة رضي الله عنها فأتتنا بقناع فيه تمر والقناع الطبق فأكلنا وأمرت لنا بحريرة فصنعت ثم أكلنا فلم نلبث أن جاء النبي  فقال هل أكلتم شيئا هل أمر لكم بشيء فقلنا: نعم لم نلبث أن دفع الراعي غنمه فإذا بسخلة تيعر فقال هيه يا فلان ما ولدت قال بهمة قال فاذبح لنا مكانها شاة ثم انحرف إلي وقال لي لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة قلت: يا رسول الله إن لي امرأة في لسانها شيء يعني البذاء فقال طلقها إذن قلت إن لي منها ولدا ولها صحبة قال فمرها يقول عظها فإن يكن فيها خير فستقبل ولا تضربن ظعينتك ضربك أمتك قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. 
أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رأيت رسول الله  وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله  بوضوء فوضع في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضؤوا منة قال فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم. 
 

صفحة : 2519

 أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح على خفيه ثم صلى عليها. 
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال توضأ رسول الله  فأدخل يده في الإناء فاستنشق ومضمض مرة واحدة ثم أدخل يده وصب على وجهه مرة واحدة وصب على يديه مرة واحدة ومسح رأسه وأذنيه مرة واحدة. 
أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى عن أبي عن عبد الله بن زيد أن رسول الله  توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين مرتين ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدا منه ثم غسل رجليه. 
أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران أن عثمان رضي الله عنه توضأ بالمقاعد ثلاثا ثلاثا ثم قال سمعت رسول الله  يقول: من توضأ وضوئي هذا خرجت خطاياه من وجهه ويديه ورجليه. 
أخبرنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار في أسامة بن زيد قال دخل رسول الله  وبلال فذهب لحاجته ثم خرجا قال أسامة فسألت بلالا ماذا صنع رسول الله  فقال بلال ذهب لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ثم مسح برأسه ومسح على الخفين. 
أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله  غزوة تبوك قال المغيرة فتبرز رسول الله  قبل الغائط فحملت معه أداوة قبل الفجر فلما رجع رسول الله  أخذت أهريق على يديه من الأداوة وهو يغسل يديه ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته عن ذراعيه فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ ثم مسح على خفيه ثم أقبل. قال المغيرة فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي لهم فأدرك النبي  إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله  وأتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين وأكثروا التسبيح فلما قضى النبي  صلاته أقبل عليهم ثم قال أحسنتم أو قال أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال ابن شهاب وحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بنحو حديث عباد قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال لي النبي  دعه. 
أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين وزكريا ويونس عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة قال قلت يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم إذا أدخلتهما وهما طاهرتان. 
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثني المهاجر أبو مخلد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن رسول الله  أرخص للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة. 
أخبرنا سفيان عن عاصم بن بهدلة عن زرقال أتيت صفوان بن عسال فقال ما جاء بك قلت ابتغاء العلم قال إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب قلت إنه حاك في نفسي المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءا من أصحاب رسول الله  فأتيتك أسألك هل سمعت من رسول الله  في ذلك شيئا قال نعم كان رسول الله  يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم. 
أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي  فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء. 
أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن زبيد بن الصلت انه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذن وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا. 
 

صفحة : 2520

 أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم قال دخل رجل من أصحاب النبي  المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أية ساعة هذه فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله  كان يأمر بالغسل. 
أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديهما ثم يفيض الماء على جلده كله. 
أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله فقلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفانقضة لغسل الجنابة قال لا إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين أو قال فإذا أنت قد طهرت. 
أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله  إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. 
أخبرنا سفيان عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن النبي  كان يغرف على رأسه ثلاثا وهو جنب. 
أخبرنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت امرأة إلى النبي  تسأله عن الغسل من المحيض فقال خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها قال تطهري بها قالت كيف أتطهر بها قال النبي  سبحان الله سبحان الله واستتر بثوبه تطهري بها فاجتذبتها وعرفت الذي أراد فقلت لها تتبعي بها آثار الدم يعني الفرج. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عباد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين أن النبي  أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل يعني وذكر حديث أبي ذر إذا وجدت الماء فامسه جلدك. 
أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة قال الشافعي والجرف قريب من المدينة. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن الأعرج عن ابن الصمة أن رسول الله  تيمم فمسح وجهة وذراعيه. 
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله  قال الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام قال الشافعي وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين أحدهما منقطع والآخر عن أبي سعيد الخدري عن النبي . 
أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنس بن مالك يقول بال أعرابي في المسجد فعجل الناس إليه فنهاهم النبي  عنه وقال: صبوا عليه دلوا من ماء. 
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال دخل أعرابي المسجد فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله  لقد تحجرت واسعا قال فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم عجلوا عليه فنهاهم النبي  ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأهريق عليه ثم قال النبي  علموا ويسروا ولا تعسروا. 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عثمان بن أبي سليمان أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد منهم جبير بن مطعم قال جبير فكنت أسمع قراءة النبي . 
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبيد الله بن طلحة بن كريز عن الحسن عن عبد الله بن معقل أو مغفل عن النبي  قال إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جن من جن خلقت ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها.