كتاب الأم - المجلد الثامن11
باب الساعات التي تكره فيها الصلاة
صفحة : 2670
حدثنا الربيع قال:أخبرنا الشافعي يقال: أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد العصرحتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس .أخبرنا الربيع قال:أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها . أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي أن رسول الله قال: إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله ﷺ عن الصلاة في تلك الساعات. وروي عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله ﷺ نام عن الصبح فصلاها بعد أن طلعت الشمس ثم قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: أقم الصلاة لذكري . أخبرنا الربيع قال:أخبرنا الشافعي قال:أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: كان رسول الله ﷺ في سفر فعرس فقال: ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة فقال بلال: أنا يا رسول الله قال: قال: فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال: فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول الله ﷺ يا بلال، فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال: فتوضأ رسول الله ثم صلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا رواحلهم شيئا ثم صلى الفجر . قال الشافعي :هذا يروى عن النبي متصلا من حديث أنس وعمران بن حصين عن النبي ويزيد أحدهما عن النبي: من نسي الصلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ويزيد الآخر: أي حين ما كانت. حدثنا الربيع قال:أحبرنا الشافعي:أخبرنا سفيان عن أبي الزبير المكي عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن رسول الله قال: يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعه أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي مثله أو مثل معناه لا يخالفه وزاد عطاء: يا بني عبد المطلب أويا بني هاشم أويا بني عبد مناف. أخبرنا الربيع قال:أخبرنا الشافعي قال:أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد قال: سمعت أبا سلمة قال: قم معاوية المدينة فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت إذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلها عن صلاة النبي ﷺ الركعتين بعد العصر فقال أبو سلمة فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا فقال: اذهب واستمع ما تقول أم المؤمنين قال: فجاءها فسألها فقالت له عائشة: لا علم لي ولكن إذهب إلى أم سلمة فسلها، قال: فذهبنا معه إلى أم سلمة فقالت: دخل علي رسول الله ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت: يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال: إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر وإنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان . أخبرنا الربيع قال:أخبرنا الشافعي قال:أخبرنا سفيان عن ابن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جده
صفحة : 2671
قيس قال: رآني النبي ﷺ وأنا أصلي ركعتين بعد الصبح فقال: ما هاتان الركعتان يا قيس فقلت: إني لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت عني النبي ﷺ قال الشافعي :وليس بعد هذا اختلافا في الحديث بل بعض هذه الأحاديث يدل على بعض فجماع نهي النبي ﷺ والله أعلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعدما تبدو حتى تبزغ وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد مغيب بعضها حتى يغيب كلها، وعن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة، ليس على كل صلاة لزمت المصلي بوجه من الوجوه أو تكون الصلاة مؤكدة فأمر بها و.إن لم تكن فرضا أو صلاة كان الرجل يصليها فأغفلها فإذا كانت واحدة من هذه الصلوات صليت في هذه الأوقات بالدلالة عن رسول الله ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر. قال الشافعي:رحمه الله: فإن قال قائل فأين الدلالة عن رسول الله قيل في قوله من نسي صلاة أو نام عنها فليصليها إذا ذكرها فإن الله يقول: أقم الصلاة لذكري، وأمره أن لا يمنع أحد طاف بالبيت وصلى أي ساعة شاء وصلى المسلمون على جنائزهم بعد العصر والصبح. قال الشافعي:فيما روت أم سلمة من أن النبي صلى في بيتها ركعتين بعد العصر كان يصليها بعد الظهر فشغل عنهما بالوفد فصلاهما بعد العصر لأنه كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما قال وروى قيس جد يحيى بن سعيد بن قيس أن النبي رآه يصلي ركعتين بعد الصبح فسأله فأخبره بأنهما ركعتا الفجر فأقره لأن ركعتي الفجر مؤكدتان مأمور بهما فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفت من كل صلاة لا تلزم فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها أو شغل عنها، وكل صلاة أكدت وإن لم تكن فرضا فركعتي الفجر والكسوف فيكون نهي النبي فيما سوى هذا ثابتا. قال الشافعي:رحمه الله تعالى: والنهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار ومثله إذا غاب حجاب الشمس وبرز الإختلاف فيه لأنه نهي واحد، قال: وهذا مثل نهي النبي ﷺ عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لأن من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة إلى خروج الإمام وهذا مثل الحديث في نهي النبي ﷺ عن صيام اليوم قبل رمضان إلا أن يواقق ذلك صوم رجل كان يصومه. ?باب الخلاف في هذا الباب حدثنا الربيع قال:قال الشافعي: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا وغيرهم فقال: يصلى على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع وما لم تتغير الشمس واحتج في ذلك بشيء رواه عن ابن عمر يشبه بعض ما قال. قال الشافعي:وابن عمر إنما سمع من النبي النهي أن يتحرى أحد فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها ولم أعلمه روي عنه النهي عن الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح فذهب ابن عمر إلى أن النهي مطلق على كل شيء فنهى عن الصلاة على الجنائز لأنها صلاة في هذين الوقتين وصلى عليها بعد الصبح وبعد العصر لأنا لم نعلمه روى النهي عن الصلاة في هذه الساعات. قال الشافعي: فمن علم أن الني نهى عن الصلاة بعد الصبح والعصر كما نهى عنها عند طلوع الشمس وعند غروبها لزمه أن يعلم ما قلت من أنه إنما نهى عنها فيما لا يلزم ومن روى فعلم أن النبي صلى بعد العصر ركعتين كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما وأقر قيس على ركعتين بعد الصبح لزمه أن يقول نهى عنها فيما لا يلزم ولم ينه الرجل عنها فيما اعتاد من الصلاة النافلة وفيما يؤكد منها ومن ذهب هذا عليه وعلم أن النبي ﷺ نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فلا يجوز له أن يقول إلا بما قلنا به أو ينهي عن الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر بكل حال. قال الشافعي:وذهب أيضا إلى أن لا يصلي أحد للطواف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس واحتج بأن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح ثم نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى.
صفحة : 2672
قال الشافعي:رحمه الله: فإن كان كره الصلاة في تلك الساعة فهو مثل مذهب ابن عمر وذلك أن يكون علم أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فرأى نهيه مطلقا فترك الصلاة في تلك الساعة حتى طلعت الشمس ويلزم من قال هذا أن يقول لا صلاة في جميع الساعات التي نهى النبي ﷺ عن الصلاة فيها لطواف لا على جنازة وكذلك يلزمه أن لا يصلي فيها صلاة فائتة وذلك من حتى يصلي الصبح إلى أن تبرز الشمس وحين يصلي العصر إلى أن يتتام مغيبها ونصف النهار إلى أن تزول الشمس. قال الشافعي:وفي هذا المعنى أن أبا أيوب الأنصاري سمع النبي ينهى أن تستقبل القبلة أو بيت المقدس بحاجة الإنسان قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله وعجبه ابن عمر ممن يقول لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس بحاجة الإنسان- وقال: رأيت رسول الله ﷺ على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. قال الشافعي رحمه الله:علم أبو أيوب الهي فرآه مطلقا وعلم ابن عمر استقبال النبي ﷺ بحاجته ولم يعلم النهي فرد النهي ومن علمهما معا قال: النهي عن استقبال القبلة وبيت المقدس في الصحراء التي لا ضرورة على ذاهب فيها ولا ستر فيها الذاهب لأن الصحراء ساحة يستقبله المصلي أو يستد بره فترى عورته إن كان مقبلا أو مدبرا وقال:لابأس بذلك في البيوت لضيقها وحاجة الناس إلى المرفق فيها وسترها وإن أحدا لا يرى من كان فيها إلا أن يدخل أو ليشرف عليه. قال الشافعي:وفي هذا المعنى أن أسيد بن حضير وجابر بن عبد الله صليا مريضين قاعدين بقوم أصحاء فأمراهم بالقعود معهما وذلك أنهما والله أعلم علما أن رسول الله ﷺ صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأمرهم بالجلوس فأخذا به وكان حقا عليهما ولا شك أن قد عزب عليهما أن النبي ﷺ صلى في مرضه الذي مات فيه جالسا وأبو بكر إلى جانبه قائما والناس من ورائه قياما فنسخ هذا أمر النبي بالجلوس وراءه إذ صلى شاكيا جالسا وواجب على كل من علم الأمرين معا أن يصير إلى أمر النبي الآخر إذ كان ناسخا للأول أو إلى أمر النبي الدال بعضه على بعض. قال الشافعي:وفي مثل هذا المعنى أن علي بن أبي طالب خطب الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي ﷺ عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وكان يقول به لأنه سمعه من النبي وعبد الله بن وافد قد رواه عن النبي وغيرهما فلما روت عائشة أن النبي ﷺ نهى عنه عند الدافة ثم قال: كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا فروى جابر بن عبد الله عن النبي أنه نهى عن لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال: كلوا وتزودوا وتصدقوا، كان يجب على كل من علم الأمرين معا أن يقول: نهى النبي عنه لمعنى فإذا كان مثله فهو منهي عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو يقول: نهى النبي عنه في وقت ثم أرخص فيه بعده والآخر من أمره ناسخ للأول. قال الشافعي:وكل قال بما سمعه من رسول الله وكان من رسول الله ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه فعلم الأول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله فيه صار إليه إن شاء الله. قال الشافعي:رحمه الله تعالى: ولهذا أشباه كثيرة من الأحاديث وإنما وضعت هذه الجملة لتدل على أمور غلط
صفحة : 2673
فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه أن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والأمانة من يعزب عنه من سنن رسول الله الشيء يعلمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أنه علم خاص السنن إنما هو علم خاص بمن فتح الله له علمه لا أنه عام مشهور كشهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الأمر فيما وصفت من هذا وأشباهه كما وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله ﷺ فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب رسول الله ولا يرد لأن عمل بعض أصحاب رسول الله عملا يخالفه لأن بأصحاب رسول الله والمسلمين كلهم حاجة إلى أمر رسول الله وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روي عنه ووافقه يزيد قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لأن قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله ﷺ. قال الشافعي:رحمه الله: فإن قال قائل أتهم الحديث المروي عن النبي إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم الحديث عن بعض أصحابه لخلافه لأن كلا روى خاصة معا وأن يتهما فما روي عن النبي أولى أن يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي لم يجز لأحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجزأن نذكره عنه إلا رأيا له ما لم يقله عن رسول الله فإذا كان هكذا لم يجزأن نعارض بقول أحد قول رسول الله ﷺ ولو قال قائل لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله ﷺ إلا وقد أخذ من قوله وترك بقول غيره من أصحاب رسول الله ولا يجوز في قول رسول الله أن يرد لأحد غيره فإن قال قائل: فاذكر لي في هذا ما يدل على ما وصفت فيه قيل له ما وصفت في هذا الباب وغيره مفرقا وجملة منه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والفقه والثبت والمبتدىء بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لأن قوله حكم يلزم كان يقضي بين المهاجرين والأنصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضي أن في الإبهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفي التي تلي الخنصر تسعا وفي الخنصر تسعا وفي الخنصر ستا حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي ﷺ وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي ففعلوا في ترك أمر عمر لأمر النبي، فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لأمر النبي ﷺ وذلك الذي أوجب الله عليه وعليهم وعلى جميع خلقه. قال الشافعي:رحمه الله تعالى: وفي هنا دلالة على أن حاكمهم كان يحكمبرأيه فيما لرسول الله فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على أن علم خاص على ما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض. قال الشافعي:رحمه الله تعالى: وقسم أبو بكر حتى لقي الله فسوى بين الحر والعبد ولم يفضل بين أحد بسابقة لا نسب ثم قسم عمر فألغى العبيد وفضل بالنسب والسابقة ثم قسم علي فألغى العبيد وسوى بين الناس وهذا أعظم ما يلي الخلفاء وأعمه وأولاه أن لا يختلفوا فيه وإنما لله جل وعزفي المال ثلاثة أقسام، قسم الفيء وقسم الغنيمة، وقسم الصدقة فاختلف الأئمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا علي وفي هذا دلالة على أنهم يسلمون لحاكمهم وإن كان رأيهم خلاف رأيه وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم لا أن جميع أحكامهم من جهة الإجماع منهم وفيه ما يرد على من ادعى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم يردوه عليه فلا يكون إلا وقد رأوا رأيه من قبل أنهم لو رأوا رأيه فيه لم يخالفوه بعده، فإن قال قائل: قد رأوه في حياته ثم رأوا خلافه بعده،
صفحة : 2674
قيل له: فيدخل عليك في هذا إن كان كما قلت أن إجماعهم لا يكون حجة عندهم إذا كان لهم أن يجمعوا على قسم أبي بكر ثم يجمعوا على قسم عمر ثم يجمعوا على قسم علي وكل واحد منهم يخالف صاحبه، فإجماعهم إذا ليس بحجة عندهم أولا ولا آخرا وكذلك لا يجوز إذا لم يكن عندهم حجة أن يكون على من بعدهم حجة فإن قال قائل: فكيف تقول قلت: لا يقال لشيء من هذا إجماع ولكن ينسب كل شيء منه إلى فاعله فينسب إلى أبي بكر فعله وإلى عمر فعله وإلى علي فعله ولا يقال لغيرهم ممن أخذ منهم موافق لهم ولا مخالف ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل وإنما ينسب إلى قوله وعمله وفي هذا ما يدل على أن ادعاء الإجماع في كثير من خاص الأحكام ليس كما يقول من يدعيه فإن قال قائل: أفتجد مثل هذا? قلنا إنما بدأنا به لأنه أشهر ما صنع الأئمة وأولى أن لا يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة ونحن نجد كثيرا من ذلك أن أبا بكر رأى على بعض أهل الردة فداء وسبيا وحبسهم بذلك فأطلقهم عمر وقال: لا سبي ولا فداء مع غير هذا مما سكتنا عنه ونكتفي بهذا منه. قيل له أخبركم أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي بها سنة إحدى وسبعين وخمسمائة أخبرنا الشيخان أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا وأبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن الفرج الدودي قالا حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري قراءة وهو يسمع أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيوية قراءة عليه وأنا أسمع. حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني حدثنا الربيع بن سليمان قال ثنا الشافعي قال:.. حدثنا الربيع قال: أخبرنا مسلم بن خالد عز ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال: توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلا بحملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال له عمر: لأنت الرجل الذي لا يأتي بخير فأفزعه ذلك، فأرسل إليها عمر فقال:أصليت، فقالت: نعم من مر عرس بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك ولا تكتمه، قال: وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال: أشيروا علي قال وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن: قد وقع عليه الحد، فقال: أشر علي يا عثمان فقال: قد أشار عليك أخواك، فقال:أشر علي أنت، قال: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه فقال عمر:صدقت، صدقت، والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه فجلدها عمر مائة وغربها عاما. قال الشافعي:فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يحدها حدها عندها وهو الرجم، وخالف عثمان أن لا يحدها بحال وجلدها مائة وغربها عاما فلم يرو عن أحد منهم من خلافه بعد حده إياها حرف ولم يعلم خلافهم له إلا بقولهم المتقدم قبل فعله قال: وقال بعض من يقول ما لا ينبغي له إذا قيل: حد عمر مولاة حاطب كذا لم يكن ليجلدها إلا باجماع أصحاب رسول الله جهالة بالعلم وجرأة على قول ما لا يعلم ومن اجترأ على أن يقول: أن قول رجل أو عمله في خاص من الأحكام ما لم يحك عنه وعنهم، قال: عندنا ما لا يعلم. قال الشافعي:وقضي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي وغيره وقضى عمر في الضرس بجمل وخالفه غيره فجعل الضرس سنا فيها خمس من الإبل. وقال عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وغيرهم للرجل على امرأته الرجعة حتى تطهر من الحيضة
صفحة : 2675
الثالثة وخالفهم غيرهم فقال: إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقطعت رجعته عنها مع أشياء أكثر مما وصفت، فدل ذلك على أن قائل السلف يقول برأيه ويخالفه غيره ويقول برأيه ولا يروي عن غيره فيما قال به شيء فلا ينسب الذي لم يرو عنه شيء إلى خلافه ولا موافقته لأنه إذا لم يقل لم يعلم قوله ولو جاز أن ينسب إلى موافقته جاز أن ينسب إلى خلافه ولكن كلا كذب إذا لم يعلم قوله ولا الصدق فيه إلا أن يقال ما يعرف إذا لم يقل قولا وفي هذا دليل على أن بعضهم لا يرى قول بعض حجة تلزمه إذا رأى خلافها وأنهم لا يرون اللازم إلا الكتاب والسنة وأنهم لم يذهبوا قط إن شاء الله إلى أن يكون خاص الأحكام كلها إجماعا كإجماعهم على الكتاب والسنة وجمل الفرائض وأنهم كانوا إذا وجدوا كتابا أو سنة اتبعوا كل واحد منهما فإذا تأولوا ما يحتمل فقد يختلفون وكذلك إذا قالوا فيما لا يعلموا فيه سنة اختلفوا. قال الشافعي:رضي الله عنه: وكفى حجة على أن دعوى الإجماع في كل الأحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه وجملته أنه لم يدع الإجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفها العامة أحد من أصحاب رسول الله ﷺ ولا التابعين ولا القرن الذين من بعدهم ولا القرن الذين يلونهم ولا عالم علمته على ظهر الأرض ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حينا من الزمان فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر بالبلدان على شيء وعامة قبلهم قبل أن يحفظ عن فلان وفلان كذا ولم نعلم لهم مخالفا ونأخذ به ولا نزعم أنه قول الناس كلهم لأنا لا نعرف من قاله من الناس إلا من سمعناه منه أو عنه قال: وما وصفت من هذا قول من حفظت عنه من أهل العلم نصا واستدلالا قال الشافعي: رضي الله عنه والعلم من وجهين اتباع واستنباط والإتباع اتباع كتاب، فإن لم يكن فسنة فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفا فإن لم يكن فقياس على كتاب الله عز وجل فإن لم يكن فقياس على سنة رسول الله ﷺ فإن لم يكن فقياس على قول عامة سلفنا لا مخالف له ولا يجوز القول إلا بالقياس وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا أن يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاد بخلافه، والله أعلم. باب أكل الضب حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ سئل عن الضب فقال: لست بآكله ولا محرمه . أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي نحوه. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إمامة سهل بن حنيف عن ابن عباس. قال الشافعي:أشك، قال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أو عن ابن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع النبي ﷺ بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله ما يريد أن يأكل فقالوا: هو ضب يا رسول الله فرفع رسول الله يده فقلت: أحرام هو قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قوم فأجدني أعافه، قال خالد: فأكلته ورسول الله ﷺ يتطير. قال الشافعي:وحديث ابن عباس موافق لحديث ابن عمر أن رسول الله امتنع عن أكل الضب لأنه عافه لا لأنه حرمه وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لأن جبريل يكلمه ولعله عافها لا محرما لها، وقال ابن عمر أن النبي ﷺ قال: لست بآكله يعني نفسه وقد بين ابن عباس أنه عافه، وقال ابن عمر أن النبي ﷺ قال ولا محرمه، قال: فجاء بمعنى ابن عباس بينا وإن كان معنى ابن عمر أبين منه، قال: لست أحرمه وليس حراما ولست آكله تفسير وأكل الضب حلال وإذا أصابه المحرم فداه لأنه صيد يؤكل.??? باب المجمل والمفسر
صفحة : 2676
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: قال الله عز وجل: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال الله جل ثناؤه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله . حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة، أليس قد قال رسول الله: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ، فقال أبو بكر: هذا من حقها يعني منعهم الصدقة، وقال الله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله . أخبرنا الثقة عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيشا أمر عليهم أميرا وقال: فإذا لقيت عددا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال شك علقمة ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم، فإن اختاروا المقام في دارهم فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين وليس لهم من الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى أن يعطوا الجزية فإن فعلوا فأقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. قال الشافعي: وليست واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى ولا واحد من الحديثين ناسخا للآخر ولا مخالفا له ولكن أحد الحديثين والآيتين من الكلام الذي مخرجه عام يراد به الخاص ومن المجمل الذي يدل عليه المفسر فأمر الله بقتال المشركين حتى يؤمنوا والله تعالى أعلم أمره بقتال المشركين من أهل الأوثان وهم أكثر من قاتل النبي ﷺ، وكذلك حديث أبي هريرة عن النبي وذكر أبي بكر وعمر إياهما عن النبي ﷺ في المشركين من أهل الأوثان دون أهل الكتاب وفرض الله قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إن لم يؤمنوا، وكذلك حديث ابن بريدة في أهل الكتاب خاصة كما كان حديث أبي هريرة في أهل الأوثان خاصة قال: فالفرض في قتال من دان وآباؤه دين أهل الأوثان من المشركين أن يقاتلوا إذا قدر عليهم حتى يسلموا ولا يحل أن تقبل منهم جزية بكتاب الله وسنة نبيه قال: والفرض في أهل الكتاب ومن دان قبل نزول القرآن كله دينهم أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو يسلموا وسواء كانوا عربا أو عجما، قال: ولله كتب نزلت قبل نزول القرآن المعروف منها عند العامة التوراة والإنجيل، وقد أخبر الله أنه أنزل غيرهما فقال: أم لم ينبأ بما في صحف موسى، وإبراهيم الذي وفى وليس تعرف تلاوة كتب إبراهيم وذكر زبور داود فقال: وإنه لفي زبر الأولين قال والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل وقد نسوا كتابهم وبدلوه فأذن رسول الله في أخذ الجزية منهم. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بجالة يقول ولم يكن عمر بن الخطاب أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي ﷺ أخذها من مجوس هجر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ودان قوم من العرب دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن فأخذ رسول الله من بعضهم الجزية فدل ذلك على أن أهل الكتاب الذين أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد أهل التوراة وأهل الإنجيل دون غيرهم فإن قال قائل: هل حفظ أحد أن المجوس كانوا أهل كتاب. قلت: نعم.
صفحة : 2677
أخبرنا سفيان عن أبي سعد عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل الأشجعي: علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب? فقام إليه المستورد فأخذ بلببه فقال: يا عدو الله، تطعن على أبي بكر وعمر وعلي أمير المؤمنين يعني عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال: إلبدا فجلسنا في ظل القصر فقال علي: أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وأن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فقال: تعلمون دينا خيرا من دين آدم، قد كان آدم ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم، ما يرغب بكم عن دينه فاتبعوه، وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله وأبو بكر وعمر منهم الجزية قال: فهل من دليل على ما وصفت غير ما ذكرت من هذا فقلت: نعم أرأيت إذا أمر الله بأخذ الجزية من الذين أوتوا الكتاب أما في ذلك دلالة على أن لا تؤخذ من الذين لم يؤتوا الكتاب فقال: بلى، لأنه إذا قيل خذ مني صنف كذا فقد منع من الصنف الذي يخالفه، قلت: أرأيت حين أمر الله أن يقاتل المشركون حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وأمر: إذا انسلخ الأشهر الحرم أن يقتل المشركون حيث وجدوا ويحصروا ويقعد لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة خلي سبيلهم. أما في هذا دلالة على أنه في أمر الله أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب دون أهل الأوثان وأن الفرض من أهل الكتاب غيره في أهل الأوثان. قال: أما القرآن فيدل على ما وصفت. قال الشافعي: وقلت له وكذلك السنة، فإن قال قائل أن حديث ابن بريدة عام بأن يدعو إلى إعطاء الجزية فقد يحتمل أن يكون عني كل مشرك وثني أو غيره، قلت له: وحديث أبي هريرة أن النبي قال: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله عام المخرج فإن قال جاهل بل هو على كل مشرك فلا تؤخذ الجزية من كتابي ولا غيره، ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل، هل الحجة عليه إلا كهي على من ذهب إلى جملة حديث ابن بريدة وادعى أنه حديث أبي هريرة ناسخ له قال ما لواحد منهما في الحديثين شيء إلا كما لصاحبه مثله لو لم يكن إلا الحديثان. باب الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية وفيمن دان دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس فقال: تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وممن دان دين أهل الأوثان ما كان إلا أنها لا تؤخذ من العرب خاصة إذا دانوا دين أهل الأوثان فأما العجم فتؤخذ منهم وإن دانوا دين أهل الأوثان قال فقلت لبعض من يقول هذا القول: ومن أين قلت هذا قال: ذهبت إلى أن الذين أمر بقتالهم حتى يسلموا العرب قلت: فرأيت العرب إذا دانوا دين أهل الكتاب، أتأخذ منهم الجزية? قال: نعم، قلت: ويدخلون في معنى الآية التي نزلت في أهل الكتاب? قال: نعم، قلت: فقد تركت أصل قولك وزعمت أن الجزية على الدين لا على النسب قال: فلا أقدر أن أقول الجزية وترك الجزية وأن يقاتلوا حتى يسلموا على النسب، وقد أخذ النبي الجزية من بعض العرب، فقلت له: فلم ذهبت أولا إلى الفرق بين العرب والعجم ولست تجد ذلك في كتاب ولا سنة، قال: فإن من أصحابك من قال: تؤخذ الجزية من كل من دعا إليها وثني أو غيره أو أعجمي أو عربي، فقلت له: أحمد قول من قال هذا? قال: لا، وذلك أن أكثر من قاتل رسول الله العرب فلم يأخذ الجزية إلا من عربي دان دين أهل الكتاب وسأقوم لمن خالفنا وإياك من أصحابك بقوله: فأقول أن النبي أخذ الجزية من المجوس ورأيت المسلمين لم يختلفوا في أن تؤخذ منهم الجزية ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، وروي هذا عن النبي وأهل الكتاب: تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم وفي هذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب.
صفحة : 2678
قال الشافعي: فقلت له: قلت: إن المجوس ليسوا بأهل كتاب مشهور عند العامة باق في أيديهم فهل من حجة في أن ليسوا بأهل كتاب كالعرب قال: لا إلا ما وصف من أن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم، قلت: فكيف أنكرت أن يكون النبي ﷺ دل على أن قول الله: حتى يعطوا الجزية من دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وأن يكون إحلال نساء أهل الكتاب إحلال نساء بني إسرائيل دون أهل الكتب سواهم فيكونون مستوين في الجزية مختلفين من النساء والذبائح كما أمر الله بقتال المشركين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فسوى بينهم في الشرك وخالف بينهم في القتال على الشرك فقال أو قال بعض من حضره ما في هذا ما أنكره عالم. قال الشافعي: قلت له: لم يذهب هذا المذهب أحد له علم بكتاب الله أو السنة قال: ومن أين? قلت: السنة لا تكون أبدا إلا تبعا للقرآن من مثل معناه ولا تخالفه فإذا كان القرآن نصا فهي مثله وإذا كان جملة أبانت ما أريد بالجملة ثم لا تكون إلا والقرآن محتمل ما أبانت السنة منه، قال: أجل، قلت: فمن ذكر أن الجزية تؤخذ من كل أحد خرج من الأمرين معا من الكتاب إلى غير كتاب ومن السنة إلى غير السنة وذهب في المجوس إلى أمر جهله فقال فيهم بالجهالة قال: إنه شبه عليهم في أن لا تؤكل ذبائحهم قلت لا ولا ذبائح نصارى العرب، وتؤخذ الجزية منهم كما وصفت بأن يجتمعوا في جملة من أوتي الكتاب، والذين أمر بنكاح نسائهم من أهل الكتاب وأكل ذبائحهم أهل التوراة والإنجيل من بني إسرائيل دون غيرهم. باب في المرور بين يدي المصلي حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: حدثنا مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت حماري يرتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد . حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن كثير بن كثير عن بعض أهله عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت النبي ﷺ . عن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهلي عن جده أنه رأى النبي ﷺ يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة قال سفيان: ليس بينه وبين الكعبة سترة، قال سفيان، كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه. قال: فسألته، فقال: ليس من أبي سمعته ولكن من بعض أهلي عن جدي.
صفحة : 2679
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وليس بعد شيء من هذا مختلفا وهو والله أعلم من الأحاديث المؤداة لم يتقص المؤدي لها أسبابها وبعضها يدل على بعض وأمر رسول الله المصلي أن يستتر بالدنو من السترة اختيار لا أنه إن لم يفعل فسدت صلاته ولا أن شيئا يمر بين يديه يفسد صلاته لأنه ﷺ قد صلى في المسجد الحرام والناس يطوفون بين يديه وليس بينه وبينهم سترة وهذه صلاة انفراد لا جماعة وصلى بالناس بمعنى صلاة جماعة إلى غير سترة لأن قول ابن عباس إلى غير جدار يعني والله أعلم إلى غير سترة ولو كانت صلاة تفسد بمرور شيء بين يديه لم يصل إلى غير سترة ولا أحد وراءه يعلمه وقد مر ابن عباس على أتان بين يدي بعض الصف الذي وراء رسول الله فلم ينكر ذلك عليه أحد وهكذا والله أعلم أمره بالخط في الصحراء اختيار وقوله لا يفسد الشيطان عليه صلاته أن يلهو ببعض ما يمر بين يديه فيصير إلى أن يحدث ما يفسدها لمرور ما يمر بين يديه وكذلك ما يكره للمار بين يديه، ولعل تشديده فيها إنما هو على تركهم نهيه عنه والله أعلم وقوله إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فليس عليكم جناح أن تمروا بين يديه يدل على أن ذلك لا يقطع على المصلي صلاته ولو كان يقطع عليه صلاته ما أباح لمسلم أن قطع صلاة مسلم وهكذا من معنى مرور الناس بين يدي رسول الله وهو يصلي والناس في الطواف، ومن مرور ابن عباس بين يدي بعض من يصلي معه بمنى لم ينكر عليه وفيه دليل على أنه يكره أن يمر بين يدي المصلي المستتر ولا يكره أن يمر بين يدي المصلي الذي لا يستتر، وقوله ﷺ في المستتر إذا مر بين يديه فليقاتله يعني فليدفعه، فإن قال قائل: فقد روي أن مرور الكلب والحمار يفسد صلاة المصلي إذا مرا بين يديه قيل لا يجوز إذا روي حديث واحد أن رسول الله قال: يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار وكان مخالفا لهذه الأحاديث فكان كل واحد منها أثبت منه ومعها ظاهر القرآن أن يترك إن كان ثابتا إلا بأن يكون منسوخا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر أو يرد ما يكون غير محفوظ وهو عندنا خير محفوظ لأن النبي صلى وعائشة بينه وبين القبلة وصلى وهو حامل أمامة يضعها في السجود ويرفعها في القيام ولو كان ذلك يقطع صلاته لم يفعل واحدا من الأمرين وصلى إلى غير سترة وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث لأنه حديث واحد وإن أخذت فيه أشياء فإن قيل فما يدل عليه كتاب الله من هذا قبل قضاء الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى والله أعلم أنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره. باب خروج النساء إلى المسجد حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنا بعض أهل العلم عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وإذا خرجن فليخرجن تفلات . قال الربيع: يعني لا يتطيبن . أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال: إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها . قال الشافعي: وهذا حديث كلمنا فيه جماعة من الناس بكلام قد جهدت على تقصي ما كلموني فيه فكان مما قالوا أو بعضهم ظاهر قول رسول الله النهي عن منع إماء الله مساجد الله والنهي عندك عن النبي تحريم إلا بدلالة عن رسول الله أنه أراد غير التحريم وهو عام على مساجد الله والعام عندك على عمومه إلا بدلالة عن النبي ﷺ أو عن جماعة لا يمكن فيهم جهل ما جاء عن النبي ﷺ أنه خاص فما تقول في هذا الحديث أهو عام فيكون تحريم أن يمنع أحدا إماء الله مساجد الله بحال أو خاص فيكون لهم منعهن بعض المساجد دون بعض فإنه لا يحتمل إلا واحدا من معنيين قلت بل خاص عندي والله أعلم، قال: ما دل على أنه خاص عندك قلت: الأخبار الثابتة عن النبي بما لا أعلم فيه مخالفا قال: فاذكر ما جاء عن النبي من الدليل على ما وصفت قلت: أخبرنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم .
صفحة : 2680
حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة ولا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة قال: فانطلق فاحجج بامرأتك ، قال: فقلت: أفترى أن فرضا على قيمها أن يمنعها أكبر مساجد الله لأن أكبرها أوجبها ومن كل سفر قال: نعم. قلت: فمن أين قلته? قال: قلته بالخبر عن رسول الله لأن سفرها مع غير ذي محرم معصية وفرض الله أن تمنع المعصية قلت: فقد زعمت أن فرض الله والخبر عن رسول الله أن تمنع أكبر مساجد الله، قال: ما أجد من هذا أبدا وقال غيره: أنا أكلمك بغير ما كلمك به فأقول: ليس لقيمها أن يمنعها أن تسافر إلى مسجد، قلت: ولا يمنعها الوالي ولا زوجها ولا وليها من كان قال: لا، قلت: فقد أمرت بأن لا تمنع المعصية بالسفر، قال: فإن قلت فعلى ذي محرمها أن يسافر معها لأن في تركه السفر معها ما يوجب على الوالي منعها من السفر بلا محرم قلت: فإن قيمها أخاها وهو موسر على من النفقة في السفر، أعليها أو على أخيها? قال: فإن قلت عليه نفقته وعليها نفقتها قلت: فقد جعلت لها أن تكلفه إخراج شيء من ماله وأنت لا تجعل عليه أن ينفق عليها موسرة، ولا معسرة صحيحة وتكلفها المسألة فأي الأمرين كان ألزم لك أن ينفق عليها معسرة صحيحة شريفة تستحي من المسألة خمسة دراهم في الشهر أو يكلف في سفر خمسمائة درهم، قال: فإن قلت فنفقته عليها، قلت: فأقول لك: فكانت محجورا عليها. أتنفق عليه من مالها? قال: بل لا أنفق على المحجور عليها إلا ما لا صلاح لها إلا به فكيف أنفق على آخره من مالها قلت: فقد منعتها إذا أكثر مساجد الله قال: فكل ما قلت من هذا مخالف قول أهل العلم، قلت: أجل وقد تركت إبانة ذلك لتعرف أن ما ذهبت إليه فيه كله على غير ما ذهبت إليه وهل علمت مخالفا في أن للرجل أن يمنع امرأته مسجد عشيرتها وإن كان على بابها والجمعة التي لا أوجب منها في المصر قال: وما علمته قلت: فلو لم يكن فيما تساءلت عنه حجة إلا ما وصفت، استدللت بأن أكثر أهل العلم يقولون إذا كان لزوج المرأة وقيمها منعها من الجمعة ومسجد عشيرتها كان معنى سنة رسول الله ﷺ. قال الشافعي: فقال عامة من حضر هذا كما قلت فيما أدخلت على من ذهب إلى أن ليس لأحد أن يمنع امرأته شيئا من مساجد الله وقد بقي عليك أن تسأل: ما معنى لا تمنعوا إماء الله مساجد الله? فقد علمنا أنه خاص فأي المساجد لا يجوز له أن يمنعه إماء الله قلت: لا يجوز له أن يمنعها مسجد الله الحرام لفريضة الحج وله أن يمنعها منه تطوعا ومن المساجد غيره قال: فما دل على ما قلت، قلت: قال الله: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: السبيل الزاد والمركب .
صفحة : 2681
فإذا كانت المرأة ممن يجد مركبا وزادا وتطيق السفر للحج فهي ممن عليه فرض الحج ولا يحل أن تمنع فريضة الحج كما لا تمنع فريضة الصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض، قال: فهل على وليها أن يحجها من مالها لو كانت محجورا عليها قلت: نعم، كما يؤدي الزكاة عنها، قال: فهل عليه أن يحج معها. قلت: لا والاختيار له أن يفعل وكل مسلم يدع ذلك إن شاء الله، فإذا لم يفعل لم أجبره عليه وإذا وجدت نسوة ثقات حجت معهن وأجبرت وليها على تركها والحج مع نسوة ثقات إذا كانت طريقها آمنة من كان وليها زوجها أو غيره، قال: فما معنى نهيها عن السفر فيما لا يلزمها، قال: فما دل على ما وصفت من أنها إنما نهيت عن السفر فيما لا يلزمها، قلت: بين رسول الله عن الله أن حد الزانيين البكرين جلد مائة وتغريب عام، والتغريب سفر وقد نهى رسول الله أن يخلى بامرأة إلا مع ذي محرم وفي التغريب خلوة بها مع غير ذي محرم وسفر فدل ذلك على أنه إنما ينهي عن سفرها فيما لا يلزمها ولم أعلم مخالفا في أن امرأة لو كانت ببلد ناء لا حاكم فيه فأحدثت حدثا يكون عليها فيه حد أو حق لمسلم أو خصومة له جلبت إلى الحاكم فدل هذا على ما وصفت من أنها إنما نهيت عن السفر فيما لا يلزمها، فإذا قضت حجة الإسلام فلوليها من كان منعها من الحج ومن جميع المساجد إلا شيئا سأذكره في العيدين إن شاء الله، قال: أفتجد على هذا دلالة? قلت: نعم ما وصفت لك من أن الله لم يفرض على أحد قط أن يسافر إلى مسجد غير المسجد الحرام للحج وأن الأسفار إلى المساجد نافلة غير السفر للحج وفي منع عمر بن الخطاب أزواج النبي الحج بقول رسول الله: إنما هي هذه الحجة ثم ظهور الحصر قال: وإن إتيان الجمعة فرض على الرجل إلا من عذر ولم نعلم من أمهات المؤمنين امرأة خرجت إلى جمعة ولا جماعة في مسجد وأزواج رسول الله بمكانهن من رسول الله أولى بأداء الفرائض، فإن قيل: فإنهن قد ضرب عليهن الحجاب قيل وقد كن لا حجاب عليهن ثم ضرب عليهن الحجاب فلم يرفع عنهن من الفرائض شيء ولم نعلم أحدا أوجب على النساء إتيان الجمعة، كل روى أن الجمعة على كل أحد إلا امرأة أو مسافرا أو عبدا فإذا سقط عن المرأة فرض الجمعة كان فرض غيرها من الصلوات المكتوبات والنافلة في المساجد عنهن أسقط قال: فقال وما فرض إتيان الجمعة إلا على الرجال وليس هذا على النساء بفرض وما هن في إتيان المساجد للجماعات كالرجال فقلت له: إن الحجة لتقوم بأقل مما وصفت لك وعرفت بنفسك وعرف الناس معك وقد كان مع رسول الله نساء من أهل بيته وبناته وأزواجه ومولياته وخدمه وخدم أهل بيته فما علمت منهن امرأة خرجت إلى شهود جمعة والجمعة واجبة على الرجال بأكثر من وجوب الجماعة في الصلوات غيرها ولا إلى جماعة غيرها في ليل أو نهار ولا إلى مسجد قباء، فقد كان النبي يأتيه راكبا وماشيا ولا إلى غيره من المساجد وما أشك أنهن كن على الخير بمكانهن من رسول الله أحرص وبه أعلم من غيرهن وأن النبي لم يكن ليدع أن يأمرهن بما يجب عليهن وعليه فيهن وما لهن فيه من الخير وإن لم يجب عليهن كما أمرهن بالصدقات والسنن وأمر أزواجه بالحجاب وما علمت أحدا من سلف المسلمين أمر أحدا من نسائه بإتيان جمعة ولا جماعة من ليل ولا نهار ولو كان لهن في ذلك فضل أمروهن به وأذنوا لهن إليه بل قد روي والله أعلم عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في المسجد أو المساجد . حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي ﷺ تقول: إن كان ليكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أصوم حتى يأتي شعبان وروي: إذا استأذنت أحدكم امرأته لتشهد العشاء فلا يمنعها فاحتمل أن يجب عليهن واحتمل أن يكون على الإستحباب فلما كان ما وصفت من الإستدلال بأن لم يختلف العامة أن ليس على المرأة شهود صلاة جماعة كما هي على الرجل
صفحة : 2682
وأن لوليها حبسها كان هذا اختيارا لا فرضا على الولي أن يأذن للمرأة للعشاء فقال ما علمت أحدا من المفتين يخالف في أن ليس على الرجل الإذن لامرأته إلى جمعة ولا جماعة ولقد قال بعضهم ولا إلى حج لأنه لا يفوتها في عمرها، فقلت: ففي أن لم يختلف المفتون إن كان كما قلت دليل على أن لا يجهلوا معنى حديث رسول الله إذا كان معنى حديث رسول الله محتملا ما قالوا قال: ولقد قال بعضهم لزوج المرأة أن يمنعها من الحج قلت أما هذا فلا لأنه إذا جاز له أن يمنعها الفريضة فقد منعها مساجد الله كلها فأباح له خلاف الحديث فإذا قلت: لا يمنعها الفريضة من الحج فلم أخالف الحديث بل هو ظاهر الحديث لا تمنعوا إماء الله مساجد الله كلها وفيه والله أعلم دلالة على أن لهم منعهن بعضها قال: وأجبر زوج امرأة ووليها من كان على أن يدعها والفريضة من الحج والعمرة في سفر ولا أجبره على ما تطوعت به منهما فإذا أذن لها إلى الحج فلم يمنعها مساجد الله لأنه قد أذن لها في الفرض إلى مسجد الله الحرام، قال: وقد روي حديث أن يترك النساء إلى العيدين فإن كان ثابتا قلنا به. باب غسل الجمعة حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم، وأرجلكم ، قال: فدلت السنة على أن الوضوء من الحدث وقال الله جل ثناؤه: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا قال: فكان الوضوء عاما في كتاب الله من الأحداث وكان أمر الله الجنب دليلا والله أعلم أن لا يجب الغسل إلا من جنابة إلا أن تدل السنة على غسل واجب فنوجبه بالسنة بطاعة الله في الأخذ بها ودلت على وجوب الغسل من الجنابة ولم أعلم دليلا بينا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزىء غيره قال وقد روي في غسل يوم الجمعة شيء فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ولسان العرب واسع. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال: من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل . أخبرنا مالك وسفيان عن صفوان بن مسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. قال الشافعي: فاحتمل واجب لا يجزىء غيره وواجب في الأخلاق وواجب في الإختيار وفي النظافة ونفي تغير الريح عند اجتماع الناس كما يقول الرجل للرجل: وجب حقك علي إذ رأيتني موضعا لحاجتك وما أشبه هذا فكان هذا أولى معنييه لموافقة ظاهر القرآن في عموم الوضوء من الأحداث وخصوص الغسل من الجنابة والدلالة عن رسول الله ﷺ في غسل يوم الجمعة أيضا فإن قال قائل: فاذكر الدلالة قلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال: دخل رجل من أصحاب رسول الله المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أية ساعة هذه فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل قال الشافعي: فلما علمنا أن عمر وعثمان علما أن رسول الله كان يأمر بالغسل يوم الجمعة فذكر عمر علمه وعلم عثمان فذهب عنا أن نتوهم أن يكونا نسيا علمهما عن رسول الله ﷺ في غسل يوم الجمعة إذا ذكر عمر علمهما في المقام الذي توضأ فيه عثمان يوم الجمعة ولم يغتسل ولم يخرج عثمان فيغتسل ولم يأمره عمر بذلك ولا أحد ممن حضرهما من أصحاب رسول الله ﷺ ممن علم أمر رسول الله ﷺ بالغسل معهما أو بإخبار عمر عنه، دل هذا على أن عمر وعثمان قد علما أمر النبي بالغسل على الأحب لا على الإيجاب للغسل الذي لا يجزىء غيره وكذلك والله أعلم دل على أنه علم من سمع مخاطبة عمر وعثمان في مثل علم عمر وعثمان إما أن يكون علموه علما وإما أن يكون علموه بخبر عمر كالدلالة عن عمر وعثمان وروت عائشة الأمر بالغسل يوم الجمعة. أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون بهيآتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم.
صفحة : 2683
قال وروي من حديث البصريين أن رسول الله قال: من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ، قال وقول أكثر من لقيت من المفتين اختيار الغسل يوم الجمعة وهم يرون أن الوضوء يجزىء منه وفي حديث ابن عمر عن رسول الله من جاء منكم الجمعة فليغتسل، ما يدل على أن غسل يوم الجمعة لا يجب الوجوب الذي لا يجزىء غيره لأن الغسل إذا وجب الوجوب الذي لا يجزىء غيره وجب على كل مصل جاء الجمعة أو تخلف عنها لأن قول رسول الله: من جاء منكم الجمعة فليغتسل يدل على أن لا غسل على من لم يأت الجمعة. باب نكاح البكر حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله قال: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتهما . أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء ابنة خذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي فرد نكاحه. أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله ﷺ وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع وكنت ألعب بالبنات فكن جوار يأتينني فإذا رأين رسول الله تقمعن فكان رسول الله يسر بهن إلي. قال الشافعي: والولي الذي قال رسول الله الأيم أحق بنفسها منه الأب خاصة لأنه لا يكون لأحد ولاية معه وإنما تكون الولاية لغيره إذا لم يكن أب فهو الولي المطلق وحديث ابن عباس في الأيم أحق بنفسها من وليها مثل حديث خنساء إذا كانت المرأة أيما والأيم الثيب يزوجها أبوها بغير إذنها فرد رسول الله ﷺ نكاحه. قال الشافعي: والبكر تستأذن من نفسها والله أعلم يستأذنها أبوها في نفسها وهذا يحتمل ما ذهبنا إليه والله أعلم فقلنا أمره الآباء بالإستئذان للأبكار في الإنكاح أطيب لأنفسهن وأحرى إن كان بهن علة في أنفسهن أو لهن علة فيمن يستأمرن في إنكاحه أن يذكرنها لا على أن لهن في أنفسهن مع آبائهن أمرا إن لم يأذن أن ينكحن لم يجر أن ينكحن وذهبنا إلى ذلك أن رسول الله تزوج عائشة وهي بنت سبع سنين وأدخلها عليه وهي بنت تسع سنين وهي في حال التزويج والدخول ممن لا أمر له في نفسه فلو كان النكاح لا يجوز على البكر إلا بإذنها لم يجز أن تزوج حتى يكون لها أمر في نفسها كما قلنا في المولود يقتل أبوه يحبس قاتله حتى يبلغ الولد فيعفو أو يصالح أو يقتل لأن ذلك لا يكون إلا بأمره وهو صغير لا أمر له فوقفنا قتل قاتل أبيه حتى يكون له أمر فقلنا: إذا زوج الأب ابنته البكر بالغا أو صغيرة بغير إذنها لزمها النكاح وإن لم يستأمرها فإن قيل فما دل على أن قول النبي تستأمر على ما قلت قيل ما وصفت من نكاحه عائشة وهي لا أمر لها ودخول النبي ﷺ بها وهي ممن لا أمر لها إذ زوجها أبوها وإنكاح الآباء الصغار قديما وإن لم يختلف أحد أن ذلك جائز عليهن فإن قيل فهل من دلالة غير ذلك قلت نعم، قال الله لنبيه: وشاورهم في الأمر ، ولم يجعل الله لأحد مع نبينا أمرا بل فرض عليهن طاعته فيما أحبوا أو كرهوا فإن قيل فما معنى ذلك قيل والله أعلم هو يشبه أن يكون على استطابة أنفسهم وعلى أن يستن بالمشورة من بعده من ليس له ما لرسول الله فيه فإن قيل فهل من دليل غيره? قيل: نعم، زوج نعيم بن النحام ابنته فكرهت ذلك أمها فأتت رسول الله فقال: آمروهن في بناتهن وكانت ابنته بكرا ولا اختلاف أن ليس للأم شيء من إنكاح ابنتها مع أبيها ولو كانت منفردة ولا من إنكاح نفسها إلا بوليها. باب النجش حدثنا الربيع بن سلمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ نهى عن النجش . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : لا تناجشوا .
صفحة : 2684
أخبرنا سفيان ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ مثله. قال الشافعي رحمه الله: والنجش أن يحضر الرجل السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد الشراء ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه قال فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله عنه ومن اشترى وقد نجش غيره بأمر صاحب السلعة أو غير أمره لزمه الشراء كما يلزم ممن لم ينجش عليه لأن البيع جائز لا يفسده معصية، رجل نجش عليه لأن عقده غير النجش ولو كان بأمر صاحب السلعة لأن الناجش غير فلا يفسد على المتبايعين بفعل غيرهما وأمر صاحب السلعة بالنجش معصية منه ومن الناجش معصية قال وقد بيع فيمن يزيد على عهد رسول الله ﷺ فجاز البيع وقد يجوز أن يكون زاد من لا يريد الشراء. باب في بيع الرجل على بيع أخيه حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض . أخبرنا مالك وسفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض . أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا يبع الرجل على بيع أخيه . أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي مثله. قال الشافعي: وبهذا نأحذ فننهي الرجل إذا اشترى من رجل سلعة ولم يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه أن يبيع المشتري سلعة تشبه السلعة التي اشترى أولا لأنه لعله يرد السلعة التي اشترى أولا ولأن رسول الله ﷺ جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الأول بيعه ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه. قال الشافعي: لا أنهي رجلين قبل أن يتبايعا ولا بعدما يتفرقان عن مكانهما الذي تبايعا فيه عن أن يبيع أي المتبايعين شاء لأن ذلك ليس بيعا على بيع غيره فينهى عنه، قال: وهذا يوافق حديث المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا لم وصفت فإذا باع رجل رجلا على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى إذا كان عالما بالحديث فيه والبيع لازم لا يفسد، فإن قال قائل: وكيف لا يفسد وقد نهي عنه? قيل بدلالة الحديث نفسه: أرأيت لو كان البيع يفسد هل كان ذلك يفسد على البائع الأول شيئا إذا لم يكن للمشتري أن يأخذ البيع الآخر فيترك به الأول بل كان ينفع الأول لأنه لو كان يفسد على كل بيع بيعه كان أرغب للمشتري فيه، أفرأيت إن كان البيع الأول إذا لم يتفرق المتبايعان عن مقامهما لازما بالكلام كلزومه لو تفرقا ما كان البيع الآخر يضر البيع الأول، أو رأيت لو تفرقا ثم باع رجل رجلا على ذلك البيع هل يضر الأول شيئا أو يحرم على البائع الآخر أن يبيعه رجل سلعة قد اشترى مثلها ولزمته هذا لا يضره وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان وقبل أن يتفرقا فأما في غير تلك الحال فلا. باب بيع الحاضر للبادي حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال: لا يبع حاضر لباد . أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض .
صفحة : 2685
قال الشافعي: ليس في النهي عن بيع الحاضر للبادي بيان معنى والله أعلم لم نهى عنه إلا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالأسواق، وبحاجة الناس إلى ما قدموا به ومستثقلين المقام فيكون أدنى من أن يرتخص المشترون سلعهم فإذا تولى أهل القرية لهم البيع ذهب هذا المعنى فلم يكن على أهل القرية في المقام شيء يثقل عليهم ثقله على أهل البادية فيرخصون لهم سلعهم ولم يكن فيهم الغرة بموضع حاجة الناس إلى ما يبيع الناس من سلعهم ولا بالأسواق فيرخصونها لهم فنهوا والله أعلم لئلا يكونوا سببا لقطع ما يرجى من رزق المشتري من أهل البادية لما وصفت من ارتخاصه منهم فأي حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه لأن البيع لو كان يكون مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادي إلا الضرر على البادي من أن تحبس سلعته، ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلي هو أو باد مثله بيعها فيكون كمكسد لها وأحرى أن يرزق مشتريه منه بارتخاصه إياها بإكسادها بالأمر الأول من رد البيع وغرة البادي الآخر فلم يكن ههنا معنى يخاف يمتنع فيه أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه والله أعلم إلا ما قلت من أن بيع الحاضر للبادي جائز غير مردود والحاضر منهي عنه. باب تلقي السلع حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تلقوا السلع . قال الشافعي: وقد سمعت في هذا الحديث فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق. قال الشافعي: وبهذا نأخذ إن كان ثابتا وفي هذا دليل على أن الرجل إذا تلقى السلعة فاشتراها فالبيع جائز غير أن لصاحب السلعة بعد أن يقدم السوق الخيار لأن تلقيها حين يشتري من البدوي قبل أن يصير إلى موضع المساومين من الغرر له بوجه النقص من الثمن فإذا قدم صاحب السلعة السوق فهو بالخيار بين إنفاذ البيع ورده ولا خيار للمتلقي لأنه هو الغار لا المغرور. باب عطية الرجل لولده حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن وعن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله ﷺ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله ﷺ: أكل ولدك نحلت مثل هذا قال: لا، قال رسول الله ﷺ فأرجعه . قال الشافعي: وقد سمعت في هذا الحديث أن رسول الله قال: أليس يسرك أن يكونوا في البر إليك سواء قال: بلى، قال: فأرجعه . حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس أن النبي قال: لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده . قال الشافعي: وحديث النعمان ثابت وبه نأخذ وفيه الدلالة على أمور منها حسن الأدب في أن لا يفضل رجل أحدا من ولده على بعض في نحل فيعرض في قلب المفضل عليه شيء يمنعه من بره لأن كثيرا من قلوب الآدميين جبل على الاقتصار عن بعض البر إذا أوثر عليه والدلالة على أن نحل الوالد بعض ولده دون بعض جائز من قبل أنه لو كان لا يجوز كان يقال إعطاؤك إياه وتركه سواء لأنه غير جائز فهو على أصل ملكك الأول أشبه من أن يقال أرجعه وقوله ﷺ فأرجعه دليل على أن للوالد رد ما أعطى الولد وأنه لا يحرج بارتجاعه منه فقد روي عن النبي أنه قال: أشهد غيري فهذا يدل على أنه اختيار. قال الشافعي: فإذا كان هكذا فسواء أدان الولد أو تزوج رغبة فيما أعطاه أبوه أو لم يدن أو لم يتزوج فله أن يرجع في هبته له متى شاء قال وقد حمد الله جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير وأمر بهما فقال: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وقال: مسكينا ويتيما وقال: ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم وقال: وإن تبدوا الصدقات فنعما هي وقال: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فإذا جاز هذا للأجنبيين وذوي القربى فلا أقرب من الولد وذلك أن الرجل إذا أعطى
صفحة : 2686
ماله ذا قرابته غير ولده أو أجنبيا فقد منعه ولده وقطع ملكه عن نفسه فإذا كان محمودا على هذا كان محمودا أن يعطيه بعض ولده دون بعض ومنع بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم ويستحب له أن يسوي بينهم لئلا يقصر واحد منهم في بره فإن القرابة تنفس بعضها بعضا ما لم تنفس البعادة قال الربيع : يريد البعداء وقد فضل أبو بكر عائشة بنخل وفضل عمر عاصم بن عمر بشيء أعطاه إياه وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم.
قال الشافعي: لو اتصل حديث طاوس أنه لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد فيما وهب لولده لزعمت أن من وهب هبة لمن يستثيبه مثله أو لا يستثيبه وقبضت الهبة لم يكن للواهب أن يرجع في هبته وإن لم يثبه الموهوب له والله أعلم.
باب بيع المكاتب
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله جالس فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله ﷺ فسألها النبي فأخبرته عائشة فقال لها رسول الله: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة ثم قام رسول الله في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق .
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة.
قال الشافعي: وحديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام، وأحسبه غلط في قوله: واشترطي لهم الولاء، وأحسب حديث عمرة أن عائشة كانت شرطت لهم بغير أمر النبي وهي ترى ذلك يجوز فأعلمها رسول الله أنها إن اعتقتها فالولاء لها وقال: لا يمنعك منها ما تقدم فيها من شرطك ولا أرى أمرها أن تشترط لهم ما لا يجوز.
قال الشافعي: وبهذا نأخذ وقد ذهب فيه قوم مذاهب سأذكر ما حضرني حفظه منها إن شاء الله.
قال الشافعي: قال لي بعض أهل العلم بالحديث والرأي يجوز بيع المكاتب قلت: نعم في حالين قال: وما هما? قلت: أن يحل نجم من نجوم الكتابة فيعجز عن أدائه لأنه إنما عقدت له الكتابة على الآداء فإذا لم يؤد ففي نفس الكتابة أن للمولى بيعه لأنه إذا عقدها على شيء فلم يأت به كان العبد بحاله قبل أن يكاتبه إن شاء سيده قال: قد علمت بهذا فما الحال الثانية، قلت: أن يرضى المكاتب بالبيع والعجز من نفسه وإن لم يحل له نجم، قال: بلى فأين هذا? قلت: أفليس في المكاتب شرطان إلى السيد بيعه في أحدهما وهو إذا لم يوفه قال: بلى، قلت: والشرط الثاني للعبد ما أدى لأنه لم يخرج بالكتابة من ملك سيده، قال: أما الخروج من ملك سيده فلم يك بالكتابة.
صفحة : 2687
قال الشافعي: قلت: وإذا لم يخرج من ملك سيده بالكتابة، هل الكتابة إلا شرط للعبد على سيده وللسيد على عبده، قال: لا، قلت: أرأيت من كان له شرط فتركه أليس ينفسخ شرطه. قال: أما من الأحرار فبلى، قلت: فلم لا يكون هذا في العبد? قال: العبد لو كان له مال فعفاه لم يجز له، قلت: فإن عفاه بإذن سيده قال: يجوز، قلت: أفليس قد اجتمع العبد والسيد على الرضا بترك شرطه في الكتابة? قال: بلى، قلت: ولو اجتمعا على أن يعتق المكاتب عبده أو يهب ماله جاز، قال: بلى، قلت: فلم لا يجوز إذا اجتمعا على إبطال الكتابة أن يبطلاها، قال وقلت له: ذهاب بريرة إلى أهلها مساومة بنفسها لعائشة، ورجوعها إلى عائشة بجواب أهلها بأن اشترطوا ولاءها ورجوعها بقبول عائشة ذلك يدل على رضاها بأن تباع ورضا الذي يكاتبها بذلك لأنها لا تشتري إلا ممن كاتبها، قال: أجل، فقلت: فقد كان في هذا ما يكفيك مما سألت عنه، قال: فإن قلت فلعلها عجزت، قلت: أفترى من استعان في كتابته معجزا قال: لا، قلت: فحديثها يدل على أنها لم تعجز وإن كانت قد عجزت، فلم يعجزها سيدها قال: فلعل لأهلها بيعها قلت: بغير رضاها? قال: لعل ذلك، قلت: أفتراها راضية إذا كانت مساومة بنفسها ورسولا لأهلها وإليهم، قال: نعم. قلت: فينبغي أن يذهب توهمك أنهم باعوها بغير رضا وتعلم أن من لقينا من المفتين إذا لم يختلفوا في أن لا يباع المكاتب قبل أن يعجز أو يرضى بالبيع لا يجهلون سنة رسول الله وأنه لو كان محتملا معنيين كان أولاهما ما ذهب إليه عوام الفقهاء مع أنه بين في الحديث كما وصفت أن لم تبع إلا برضاها، قال: أجل. قال الشافعي: فقال لي بعض الناس: فما معنى إبطال النبي شرط عائشة لأهل بريرة? قلت: إن بينا والله أعلم في الحديث نفسه أن رسول الله ﷺ قد أعلمهم إن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق وقال: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ، وأنه نسبهم إلى مواليهم كما نسبهم إلى آبائهم وكما لم يجز أن يحولوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولوا عن مواليهم ومواليهم الذين ولوا أمنتهم وقال الله: وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك . وقال رسول الله: الولاء لمن أعتق، ونهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته وروي عنه أنه قال: الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب فلما بلغهم هذا كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا، وكانت في المعاصي حدود وآداب وكان من آداب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم لينكلوا عن مثلها وينكل بها غيرهم وهذا كان من أحسن الأدب. باب الضحايا حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله ضحى بكبشين أملحين . قال: وروى مالك عن يحيى. بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح أضحية قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله فأمره أن يعود بضحية أخرى، قال: وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن دينار ذبح قبل أن يذبح النبي ﷺ يوم الأضحى فزعم أن رسول الله أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا، فقال النبي: وإن لم تجد إلا جذعا فاذبحه. قال الشافعي: فاحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود بضحية أخرى لأن الضحية واجبة واحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود إن أراد أن يضحي لأن الضحية قبل الوقت ليست بضحية تجزيه فيكون في عداد من ضحى، قال: ووجدنا الدلالة عن رسول الله أن الضحية ليست بواجبة لا يحل تركها وهي سنة يجب لزومها ويكره تركها لا على إيجابها فإن قيل: فأين السنة التي دلت على أنها ليست بواجبة قيل: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل العشر فإن أراد أحدكم أن يضحي فلا يمس شعره ولا بشره شيئا.
صفحة : 2688
قال الشافعي: وفي هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله: فإن أراد أن يضحي ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول فلا يمس من شعره حتى يضحي ونأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا حتى يضحي اتباعا واختيارا، فإن قال قائل: ما دل على أنه اختيار لا واجب، قيل له: روى مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله بيدي ثم قلدها رسول الله بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. قال الشافعي: في هذا دلالة على ما وصفت من أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه يقول: البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية. باب المختلفات التي يوجد على ما يوجد منها دليل علي غسل القدمين ومسحهما حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: نحن نقرأ آية الوضوء: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين بنصب أرجلكم على معنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأمسحوا برؤوسكم وعلى ذلك عندنا دلالة السنة والله أعلم، قال: والكعبان اللذان أمر بغسلهما ما أشرف من مجمع مفصل الساق والقدم، والعرب تسمي كل ما أشرف واجتمع كعبا حتى تقول: كعب سمن. قال الشافعي: فذهب عوام أهل العلم أن قول الله: وأرجلكم إلى الكعبين كقوله: وأيديكم إلى المرافق وأن المرافق والكعبين مما يغسل. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عمران بن بشير عن سالم سبلان مولى النضريين قال: خرجنا مع عائشة زوج النبي إلى مكة فكانت تخرج بأبي حتى يصلي بها قال: فأتى عبد الرحمن بن أبي بكر بوضوء فقالت عائشة: أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ويل للأعقاب من النار يوم القيامة . قال الشافعي: وأخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت لعبد الرحمن: أسبغ الوضوء يا عبد الرحمن فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ويل للأعقاب من النار. قال الشافعي: فلا يجزىء متوضئا إلا أن يغسل ظهور قدميه وبطونهما وأعقابهما وكعبيه معا، قال: وقد روي أن رسول الله مسح ظهور قدميه وروي أن رسول الله رش على ظهورهما أحد الحديثين من وجه صالح الإسناد، قال: فإن قال قائل: فلم لا يجزىء مسح ظهور القدمين أو رشهما ولا يكون مضادا لحديث أن النبي غسل قدميه كما أجزأ المسح على الخفين ولم يكن مضادا لغسل القدمين قيل له: الخفان حائلان دون القدمين فلا يجوز أن يقال: المسح عليهما يضاد غسل القدمين وهو غيرهما والذي قال: مسح أو رش ظهور القدمين فقد زعم أن ليس بواجب على المتوضىء غسل بطن القدمين ولا تخليل بين أصابعهما ولا غسل أصابعهما ولا غسل عقبيه ولا كعبيه وقد قال رسول الله ﷺ: ويل للأعقاب من النار، وقال: ويل للعراقيب من النار، ولا يقال: لهما من النار إلا وغسلهما واجب لأن العذاب إنما يكون على ترك الواجب وقال رسول الله: لأعمى يتوضأ بطن القدم بطن القدم، فجعل الأعمى يغسل بطن القدم ولا يسمع النبي فسمي البصير، فإن قال قائل: فما جعل هذه الأحاديث أولى من حديث مسح ظهور القدمين ورشهما قيل: أما أحد الحديثين فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد وأما الحديث الآخر فحسن الإسناد ولو كان منفردا ثبت والذي يخالفه أكثر وأثبت منه وإذا كان هكذا كان أولى ومع الذي خالفه ظاهر القرآن كما وصفت وهو قول الأكثر منه العامة. باب الإسفار والتغليس بالفجر
صفحة : 2689
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن رسول الله قال: أسفروا بالصبح فإن ذلك أعصم لأجوركم أو قال للأجر . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كن نساء من المؤمنات يصلين مع النبي وهن متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهلهن ما يعرفهن أحد من الغلس، قال: وروى زيد بن ثابت عن النبي ما يوافق هذا وروى مثله أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي عن النبي عليه السلام. قال الشافعي: فقلنا إذا انقطع الشك في الفجر الآخر وبان معترضا فالتغليس بالصبح أحب إلينا، وقال بعض الناس: الإسفار بالفجر أحب إلينا، قال: وروي حديثان مختلفان عن رسول الله ﷺ فأخذنا بأحدهما وذكر حديث رافع بن خديج وقال: أخذنا به لأنه كان أرفق بالناس قال: وقال لي: أرأيت إن كانا مختلفين، فلم صرت إلى التغليس، قلت لأن التغليس أولاهما بمعنى كتاب الله وأثبتهما عند أهل الحديث، وأشبههما بجمل سنن النبي ﷺ وأعرفهما عند أهل العلم قال: فاذكر ذلك قلت: قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فذهبنا إلى أنها الصبح وكان أقل ما في الصبح إن لم تكن هي أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه فما دلت السنة ولم يختلف أحد أن الفجر إذا بان معترضا فقد جاز أن يصلي الصبح، علمنا أن مؤدي الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها من مؤخرها، وقال رسول الله: أول الوقت رضوان الله، وسئل رسول الله: أي الأعمال أفضل. فقال: الصلاة في أول وقتها ورسول الله لا يؤثر على رضوان الله ولا على أفضل الأعمال شيئا. قال الشافعي: ولم يختلف أهل العلم في امرىء أراد التقرب إلى الله بشيء يتعجله مبادرة ما لا يخلو منه الآدميون من النسيان والشغل ومقدم الصلاة أشد فيها تمكنا من مؤخرها وكانت الصلاة المقدمة من أعلى أعمال بني آدم وأمرنا بالتغليس بها لما وصفنا، قال: فأي من حديثك الذي ذهبت إليه أثبتهما? قلت: حديث عائشة وزيد بن ثابت وثالث معهما عن النبي ﷺ بالتغليس أثبت من حديث رافع بن خديج وحده في أمره بالإسفار. فإن رسول الله لا يأمر بأن تصلى صلاة في وقت، ويصليها في غيره. قال الشافعي: وأثبت الحجج وأولاها ما ذكرنا من أمر الله بالمحافظة على الصلوات ثم قول رسول الله: أول الوقت رضوان الله وقوله: إذ سئل أي الأعمال أفضل? قال: الصلاة في أول وقتها ، قال فقال: فيخالف حديث رافع بن خديج حديثكم في التغليس، قلت: إن خالفه فالحجة في أخذنا بحديثنا ما وصفت وقد يحتمل أن لا يخالفه بأن يكون الله أمرنا بالمحافظة على الصلاة فقال رسول الله ﷺ: إن ذلك أفضل الأعمال وإنه رضوان الله، فلعل من الناس من سمعه فقدم الصلاة قبل أن يتبين الفجر فأمرهم أن يسفروا حتى يتبين الفجر الآخر فلا يكون معنى حديث رافع ما أردت من الإسفار ولا يكون حديثه مخالفا حديثنا، قال: فما ظاهر حديث رافع، قلت: الأمر بالإسفار، لا بالتغليس وإذا احتمل أن يكون موافقا للأحاديث كان أولى بنا أن لا ننسبه إلى الاختلاف وإن كان مخالفا فالحجة في تركنا إياه بحديثنا عن رسول الله ﷺ وبما وصفت من الدلائل معه. باب رفع الأيدي في الصلاة حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين . أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب قال: سمعت أبي يقول: حدثني وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله ﷺ إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وبعدما يرفع رأسه قال وائل: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس. قال الشافعي: وروى هذا الحديث أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله ﷺ فصدقوه معا.
صفحة : 2690
قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نقول فنقول: إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع رفعهما وكذلك أيضا إذا رفع رأسه من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة غير هذه المواضع. قال الشافعي رحمه الله: وبهذه الأحاديث تركنا ما خالفها من الأحاديث. قال الشافعي: لأنها أثبت إسنادا منه وأنها عدد والعدد أولى بالحفظ من الواحد فإن قيل: فإنا نراه رأى المصلي يرخي يديه فلعله أراد رفعهما فلو كان رفعهما مدا احتمل مدا حتى المنكبين واحتمل ما يجاوزه ويجاوز الرأس ورفعهما ولا يجاوز المنكبين وهذا حذو حتى يحاذي منكبيه وحديثنا عن الزهري أثبت إسنادا ومعه عدد يوافقونه ويحددونه تحديدا لا يشبه الغلط والله أعلم فإن قيل: أفيجوز أن يجاوز المنكبين? قيل: لا ينقص الصلاة ولا يوجب سهوا، والاختيار أن لا يجاوز المنكبين. باب الخلاف فيه
صفحة : 2691
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في رفع اليدين في الصلاة، فقال: إذا افتتح الصلاة المصلي رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود يرفعهما في شيء من الصلاة واحتج بحديث رواه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: رأيت النبي ﷺ إذا افتتح الصلاة يرفع يديه، قال سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد بها فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه: ثم لا يعود، فظننت أنهم لقنوه، قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدثه هكذا ويزيد فيه: ثم لا يعود، قال: وذهب سفيان إلى أن يغلط يزيد في هذا الحديث ويقول كأنه لقن هذا الحرف الآخر فلقنه ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحافظ لذلك قال: فقلت لبعض من يقول هذا القول: أحديث الزهري عن سالم عن أبيه أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد? قال: بل حديث الزهري وحده، قلت: فمع الزهري أحد عشر رجلا من أصحاب رسول الله منهم أبو حميد الساعدي وحديث وائل بن حجر كلها عن النبي ﷺ بما وصفت وثلاثة عشر حديثا أولى أن تثبت من حديث واحد ومن أصل قولنا وقولك إنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة فكان في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين وفي حديثنا يعود لرفع اليدين كان حديثنا أولى أن يؤخذ به لأن فيه زيادة حفظ ما لم يحفظ صاحب حديثك فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة لنا فيه عليك بهذا وكان إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا بأن أهل الحفظ يرون أن يزيد لقن ثم لا يعود، قال: فإن إبراهيم النخعي أنكر حديث وائل بن حجر وقال: أترى وائل بن حجر أعلم من علي وعبد الله، قلت: وروى إبراهيم عن علي وعبد الله أنهما رويا عن النبي خلاف ما روى وائل بن حجر، قال: لا، ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه، قلت: أفروى هذا إبراهيم عن علي وعبد الله نصا? قال: لا، قلت: فخفي عن إبراهيم شيء رواه علي وعبد الله أو فعلاه، قال: ما أشك في ذلك، قلت: فتدري لعلهما قد فعلاه فخفي عنه أو روياه فلم يسمعه قال: إن ذلك ليمكن، قلت: أفرأيت جميع ما رواه إبراهيم فأخذ به فأحل به وحرم، أرواه عن علي وعبد الله? قال: لا، قلت: فلم أحتججت بأنه ذكر عليا وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد منهما ومن قولنا وقولك إن وائل بن حجر إذا كان ثقة لو روى عن النبي شيئا، فقال عدد من أصحاب النبي لم يكن ما روى كان الذي قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذي قال لم يكن وأصل قوله أن إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه لأنه لم يلق واحدا منهما إلا أن يسمي من بينه وبينهما فيكون ثقة للقيهما ثم أردت إبطال ما روى وائل بن حجر عن النبي بأن لم يعلم إبراهيم فيه قول علي وعبد الله، قال: فلعله علمه، قلت: ولو علمه لم يكن عندك فيه حجة بأن رواه، فإن كنت تريد أن توهم من سمعه أنه رواه بلا أن يقول هو رويته جاز لنا أن نتوهم في كل ما لم يرو أنه علم فيه ما لم يقل لنا علمنا ولو روى عنهما خلافه لم يكن عندك فيه حجة، فقال: وائل أعرابي، فقلت: أفرأيت فرثعا الضبي وقزعة وسهم بن منجاب حين روى إبراهيم عنهم وروى عن عبيد بن نضلة، أهم أولى أن يروى عنهم أم وائل بن حجر وهو معروف عندكم بالصحابة وليس واحد من هؤلاء فيما زعمتم معروفا عندكم بحديث ولا شيء، قال: بل وائل بن حجر، قلت: فكيف ترد حديث رجل من الصحابة وتروي عمن دونه ونحن إنما قلنا: برفع اليدين ممن عدد، لعله لم يرو عن النبي ﷺ شيئا قط عددا أكثر منهم غير وائل بن حجر، ووائل أهل أن يقبل عنه.
صفحة : 2692
قال الشافعي: وقيل عن بعض أهل ناحيتنا إنه لمروي عن رسول الله ﷺ رفع اليدين في الافتتاح وعند رفعه من الركوع وما هو بالمعمول به ثم قال إن الناس كانوا إذا ناموا من الليل في شهر رمضان لم يأكلوا ولم يجامعوا حتى نزلت الرخصة فأكلوا وشربوا وجامعوا إلى الفجر، فأما قوله ليس بالمعمول به فقد أعيانا أن نجد عند أحد علم هؤلاء الذين إذا علموا بالحديث ثبت عنده فإذا تركوا العمل به سقط عنده وهو يروي أن النبي فعله وأن ابن عمر فعله ولا يروي عن أحد يسميه أنه تركه فليت شعري من هؤلاء الذين لم أعلمهم خلفوا ثم يحتج بتركهم العمل وغفلتهم فأما قوله في الناس: كانوا لا يأكلون بعد النوم في شهر رمضان حتى أرخص لهم أن أشياء قد كانت، ثم نسخها الله فذلك كما قال، وقد بين الله ما نسخها وبينه رسول الله، أفيجوز أن يقال لما قال رسول الله هو منسوخ بلا خبر عن رسول الله أنه منسوخ فإن قال: لا، قيل: فأين الخبر أن رسول الله رفع اليد في الصلاة? فإن قال: فلعله كان ولم يحفظ، قيل: أفيجوز في كل خبر رويته عن النبي أن يقال: قد كان هذا ولعله منسوخ فيرد علينا أهل الجهالة بالسنن بلعله. قال الشافعي: وإن كان تركك أحاديث رسول الله بمثل ما وصفت من هذا المذهب الضعيف فكيف لمنا ولاموا من ترك من الأحاديث شيئا من أهل الكلام الذين يعتلون في تركها بأحسن وأقوى من هذا المذهب الضعيف. باب صلاة المنفرد حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين أظنه عن هلال بن يساف سمع ابن أبي بردة قال: أخذ بيدي زياد بن أبي الجعد فوقف بي على شيخ بالرقة من أصحاب النبي ﷺ، يقال له: ابن معبد، فقال: أخبرني هذا الشيخ أن رسول الله رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة. قال الشافعي: وقد سمعت من أهل العلم بالحديث من يذكر أن بعض المحدثين يدخل بين هلال بن يساف ووابصة فيه رجلا ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفت وسمعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكره للنبي أنه ركع دون الصف فقال له النبي: زادك الله حرصا ولا تعد. فكأنه أحب له الدخول في الصف ولم ير عليه العجلة بالركوع حتى يلحق بالصف ولم يأمره بالإعادة بل فيه دلالة على أنه رأى ركوعه منفردا مجزئا عنه ومن حديثنا حديث ثابت أن صلاة المنفرد خلف الإمام تجزئه فلو ثبت الحديث الذي يروى عن وابصة كان حديثنا أولى أن يؤخذ به لأن معه القياس وقول العامة، فإن قال قائل: وما القياس وقول العامة? قيل: أرأيت صلاة الرجل منفردا أتجزىء عنه? فإن قال: نعم قلت: وصلاة الإمام أمام الصف وهو في صلاة جماعة فإن قال نعم، قيل: فهل يعدو المنفرد خلف المصلي أن يكون كالإمام المنفرد أمامه أو يكون كرجل منفرد يصلي لنفسه منفردا فإن قيل فهكذا سنة موقف الإمام والمنفرد، قيل: فسنة موقفهما تدل على أن ليس في الانفراد شيء يفسد الصلاة، فإن قال بالحديث فيه، قيل في الحديث ما ذكرنا، فإن قيل فاذكر حديثك قيل: أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت النبي إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلي لكم ، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن إسحاق بن عبد الله أنه سمع عمه أنس بن مالك يقول: صليت أنا ويتيم لنا خلف النبي ﷺ في بيتنا وأم سلمة خلفنا. قال الشافعي: فأنس يحكي أن امرأة صلت منفردة مع رسول الله ﷺ ولا فرق في هذا بين امرأة ورجل، فإذا أجزأت المرأة صلاتها مع الإمام منفردة أجزأ الرجل صلاته مع الإمام منفردا كما تجزئها هي صلاتها. باب المختلفات التي يوجد على ما يؤخذ منها دليل على صلاة الخوف حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه في صلاة الخوف: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة .
صفحة : 2693
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ركعة ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وأخبرنا من سمع عبد الله بن عمر عن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن خوات بن جبير عن النبي مثل معناه لا يخالفه. قال الشافعي: وأخذنا بهذا في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي وموافقته للقرآن، قال: وروى ابن عمر عن النبي في صلاة الخوف شيئا يخالف فيه هذه الصلاة، روى أن طائفة صفت مع النبي وطائفة وجاه العدو فصلى بالطائفة التي معه ركعة ثم استأخروا ولم يتموا الصلاة فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فصلوا معه الركعة التي بقيت عليه ثم انصرفت وقامت الطائفتان معا فأتموا لأنفسهم. قال الشافعي: فإن قال قائل: كيف أخذت بحديث خوات بن جبير دون حديث ابن عمر قيل لمعنيين: أحدهما موافقة القرآن وأن معقولا فيه أنه عدل بين الطائفتين وأحرى أن لا يصيب المشركون غرة من المسلمين، فإن قال: فأين موافقة القرآن? قلت: قال الله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك إلى أسلحتهم . قال الشافعي: فذكر الله صلاة الطائفة الأولى معه، قال: فإذا سجدوا فاحتمل أن يكون إذا سجدوا ما عليهم من السجود كأنهم كانوا من ورائهم ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا فكان أولى معانيه والله أعلم، وذكر الله بالطائفتين من الصلاة ولم يذكر على واحدة من الطائفتين ولا على الإمام قضاء، وهكذا حديث خوات بن جبير قال: ولما كانت الطائفة الأولى مأمورة بالوقوف بإزاء العدو في غير صلاة كان معلوما أن الواقف في غير صلاة يتكلم بما يرى من حركة العدو وإرادته ومددا إذا جاءه فيفهمه عنه الإمام والمصلون فيخفف أو يقطع أو يعلمونه أن حركتهم حركة لا خوف فيها عليهم، فيقيم على صلاته مطيلا لا معجلا وتخالفهم الطائفة التي بإزائهم أو بعضها وهي في غير صلاة، والحارس في غير صلاة أقوى من الحارس مصليا فكان أن تكون الطائفة الأخرى إذا حرست الأولى وإذا صارت مصلية والحارسة غير مصلية أشبه من أن تكون الأولى قد أخذت من الآخرة ما لم تعطها والحديث الذي يخالف حديث خوات بن جبير تكون فيه الطائفتان معا في بعض الصلاة ليس لهما حارس إلا الإمام وحده وإنما أمر الله إحدى الطائفتين بحراسة الأخرى والطائفة الجماعة لا الإمام الواحد قال: وإنما أراد الله أن لا يصيب المشركون غرة من أهل دينه وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى من المكيدة وأحصن لكل المسلمين من الحديث الذي يخالفه. قال الشافعي: فبهذه الدلائل قلنا بحديث خوات بن جبير. قال الشافعي: وقد روي حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله أن النبي صلى بذي قرد بطائفة ركعة ثم سلموا وبطائفة ركعة ثم سلموا. فكانت للإمام ركعتان وعلى كل واحدة ركعة وإنما تركناه لأن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الإمام وكذلك أصل الفرض في الصلاة على الناس واحد في العدد ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده قال وروي في صلاة الخوف أحاديث لا تضاد حديث خوات بن جبير وذلك أن جابرا روى أن النبي صلى ببطن نخل صلاة الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم، وهاتان الطائفتان محروستان فإن صلى الإمام هكذا أجزأ عنه . قال الشافعي: وقد روى أبو عياش الزرقي أن العدو كان في القبلة فصلى النبي بالطائفتين معا بعسفان فركع وركعوا ثم سجد فسجدت معه طائفة وقامت طائفة تحرسه فلما قام سجد الذين يحرسونه وهكذا نقول لأن أصحاب النبي كانوا كثيرا والعدو قليل لا حائل بينهم وبينه يخاف حملتهم فإذا كانوا هكذا صليت صلاة الخوف هكذا وليس هذا مضادا للحديث الذي أخذنا به ولكن الحالين مختلفان . باب صلاة كسوف الشمس والقمر
صفحة : 2694
قال الربيع: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله فحكى ابن عباس أن صلاته ركعتان في كل ركعة ركوعان ثم خطبهم فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله . أخبرنا الشافعي قال: مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة . وحدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وأخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: خسفت الشمس فصلى النبي فحكت أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان. أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن كثير بن عباس بن عبد المطلب أن رسول الله صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان. أخبرنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال النبي: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة . قال الشافعي: فبهذا نقول: إذا كسفت الشمس والقمر صلى الإمام بالناس ركعتين في كسوف كل واحد منهما في كل ركعة ركوعان فإن لم يصل صلى المرء لنفسه كذلك. قال الشافعي: وبلغنا عثمان بن عفان صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان. باب الخلاف في ذلك حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: فخالفنا في ذلك بعض الناس في صلاة الكسوف فقام يصلي في كسوف الشمس والقمر ركعتين كما يصلي الناس في كل يوم وليس في كل ركعة ركوعان. قال الشافعي: فذكرت له بعض حديثنا فقال هذا ثابت وإنما أخذنا بحديث لنا غيره، فذكر حديثا عن أبي بكرة أن النبي صلى في الكسوف ركعتين نحوا من صلاتكم هذه وذكر حديثا عن سمرة بن جندب في معناه فقلت له: ألست تزعم أن الحديث إذا جاء من وجهين فاختلفا وكان في الحديث زيادة كان الجائي بالزيادة أولى أن يقبل قوله لأنه أثبت ما لم يثبت الذي نقص الحديث، قال: بلى، فقلت: ففي حديثنا الزيادة التي تسمع فقال أصحابه: عليك أن ترجع إليه. قيل له أخبركم أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي بها سنة إحدى وسبعين وخمسمائة أخبرنا الشيخان أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا وأبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن الفرج الدودي قالا: ثنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري قراءة وهو يسمع أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيوية قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني حدثنا الربيع بن سلميان أخبرنا الشافعي قال: وقال: فالنعمان بن بشير يقول: صلى النبي ﷺ ولا يذكر في كل ركعة ركوعان، فقلت: فالنعمان يزعم أن النبي صلى ركعتين، ثم نظر فلم تنجل الشمس، فقام فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين . أفتأخذ به قال: لا، قلت: فأنت إذا تخالف حديث النعمان وحديثنا وليس لك في حديث النعمان إلا ما لك في حديث أبي بكرة وسمرة وأنت تعلم أن إسنادنا في حديثنا من أثبت إسناد الناس فقال: روى بعضهم أن النبي ﷺ صلى ثلاث ركوعات في كل ركعة قال: فقلت له: فتقول به أنت قال: لا، ولكن لم لم تقل به أنت وهو زيادة على حديثكم?.
صفحة : 2695
قلت: لم نثبته قال: ولم لا تثبته? قلت: هو من وجه منقطع ونحن لا نثبت المنقطع على وجه الانفراد ووجه نراه والله أعلم غلطا، قال: وهل تروي عن ابن عباس صلاة ثلاث ركوعات? قلت: نعم، أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول يقول: سمعت طاوسا يقول: خسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفة زمزم ست ركوعات في أربع سجدات. قال الشافعي: هذا ومع المحفوظ عندنا عن ابن عباس حديث عائشة وأبي موسى وكثير بن عباس عن النبي موافقة كلها أن النبي صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان، قال: فما جعل زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن ابن عباس أثبت من سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس فقلت: الدلالة عن ابن عباس موافقة حديث زيد بن أسلم عنه قال: فأين الدلالة? قلت: روى إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن أبي بكر عن عمر وصفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان قال: وابن عباس لا يصلي في الخسوف خلاف صلاة النبي ﷺ إن شاء الله قال: وإذا كان عطاء بن يسار وعمر وصفوان بن عبد الله يروون عن ابن عباس خلاف ما روى سليمان الأحول كانت رواية ثلاثة أولى أن تقبل وعبد الله بن أبي بكر وزيد بن أسلم أكثر حديثا وأشبه بالعلم بالحديث من سليمان وقد روي عن ابن عباس أنه صلى في زلزلة ثلاث ركوعات في كل ركعة، قلت: لو ثبت عن ابن عباس أشبه أن يكون ابن عباس فرق بين خسوف الشمس والقمر والزلزلة وإن سوى بينهما فأحاديثنا أكثر وأثبت مما رويت فأخذنا بالأكثر الأثبت وكذلك نقول نحن وأنت قال: ومن أصحابكم من قال لا يصلي في خسوف القمر صلاة جماعة كما يصلي في خسوف الشمس قلت: فقد خالفنا نحن وأنت فلا عليك أن لا تذكر قوله قال: فما الحجة عليه? قلت: حديثه حجة عليه وهو يروي عن ابن عباس أن النبي قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ثم كان ذكر الله الذي فزع إليه رسول الله الصلاة لكسوف الشمس وأمره مثل فعله وقد أمر في خسوف القمر بالفزع إلى ذكر الله كما أمر به في خسوف الشمس وقد قال الله عز وجل: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى . ولو لم يكن عليه حجة إلا هذا كانت عليه وفي حديث ابن عيينة أن النبي أمرهم في الشمس والقمر أن يفزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة وفي الحديث الثابت أن ابن عباس صلى في خسوف القمر كما صلى في كسوف الشمس ثم أعلمهم أن النبي ﷺ فعل مثل ذلك، قال: فمن أين تراه أنت? قلت: يعلم كل الناس كل شيء وما يؤمن في العلم أن يجهله بعض من ينسب إليه. باب من أصبح جنبا في شهر رمضان حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فقال رسول الله وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم ذلك اليوم .
صفحة : 2696
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك، قال أبو بكر: فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها عبد الرحمن وقال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، فقالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله يفعله? قال عبد الرحمن: لا والله، قالت عائشة: فأشهد على رسول الله ﷺ أن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك، فقالت مثل ما قالت عائشة فخرجنا حتى جئنا مروان فقال له عبد الرحمن ما قالتا، فأخبره قال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي بالباب فلتأتين أبا هريرة فلتخبره بذلك، قال: فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان قال: حدثني سمي مولى أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن عائشة أنها قالت: كان النبي ﷺ يدركه الصبح وهو جنب فيغتسل ويصوم يومه. قال الشافعي رحمه الله: فأخذنا بحديث عائشة وأم سلمة زوجي النبي ﷺ دون ما روى أبو هريرة عن رجل عن رسول الله بمعان منها أنهما زوجتاه، وزوجتاه أعلم بهذا من رجل إنما يعرفه سماعا أو خبرا، ومنها أن عائشة مقدمة في الحفظ وأن أم سلمة حافظة ورواية اثنين أكثر من رواية واحد ومنها أن الذي روتا عن النبي المعروف في المعقول والأشبه بالسنة، فإن قال قائل: وما يعرف منه في المعقول قيل: إذا كان الجماع والطعام والشراب مباحا في الليل قبل الفجر وممنوعا بعد الفجر إلى مغيب الشمس فكان الجماع قبل الفجر أما كان في الحال التي كان فيها مباحا فإذا قيل: بلى، فيل: أفرأيت الغسل أهو الجماع أم هو شيء وجب بالجماع? فإن قال هو شيء وجب بالجماع قيل وليس في فعله شيء محرم على صائم في ليل ولا نهار، فإن قال: لا، قيل: فبذلك زعمنا أن الرجل يتم صومه لأنه يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ويتم صومه لأنه لم يجامع في نهار وأن وجوب الغسل لا يوجب إفطارا، فإن قال: فهل لرسول الله ﷺ سنة تشبه هذا? قيل: نعم، الدلالة عن رسول الله والنهي عن الطيب للمحرم وقد كان تطيب حلالا قبل يحرم بما بقي عليه لونه ورائحته بعد الإحرام لأن نفس التطيب كان وهو مباح وهذا في أكثر معنى ما يجب به الغسل من جماع متقدم قبل يحرم الجماع. قال الشافعي: فإن قال قائل: فأنى ترى الذي روى خلاف عائشة وأم سلمة قيل والله أعلم: قد يسمع الرجل سائلا يسأل عن رجل جامع أهله بليل وأقام مجامعا بعد الفجر شيئا فأمر بأن يقضي لأن بعض الجماع قد كان في الوقت الذي يحرم فيه، فإن قال قائل: فكيف إذا أمكن هذا على محدث ثقة ثبت حديثه ولزمت به حجة قيل: كما يلزم بشهادة الشاهدين الحكم في المال والدم ما لم يخالفهما غيرهما وقد يمكن عليهما الغلط والكذب فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إن كانا عدلين في الظاهر ولو شهد غيرهما بضد شهادتهما، لم يستعمل شهادتهما كما يستعملها إذ انفرد فحكم المحدث لا يخالفه غيره كحكم الشاهدين لا يخالفهما غيرهما ويحول حكمه إذا خالفه غيره بما وصفت ويؤخذ من الدلائل على الأحفظ من المحدثين بما وصفت بما لا يؤخذ في شهادة الشهود بحال إن كان إلا قليلا. باب الحجامة للصائم حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال: كنت مع النبي زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ بيدي: أفطر الحاجم والمحجوم أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله احتجم محرما صائما.
صفحة : 2697
قال الشافعي: وسماع ابن أوس عن رسول الله عام الفتح ولم يكن يومئذ محرما ولم يصحبه محرم قبل حجة الإسلام فذكر ابن عباس حجامة النبي عام حجة الإسلام سنة عشر وحديث أفطر الحاجم والمحجوم في الفتح سنة ثمان قبل حجة الإسلام بسنتين. قال الشافعي: فإن كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ وحديث إفطار الحاجم والمحجوم منسوخ، قال وإسناد الحديثين معا مشتبه، وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادا فإن توقى رجل الحجامة كان أحب إلي احتياطا ولئلا يعرض صومه أن يضعف فيفطر وإن احتجم فلا تفطره الحجامة وألا أن يحدث بعدها ما يفطره مما لو لم يحتجم ففعله فطره. قال الشافعي: ومع حديث ابن عباس القياس أن ليس الفطر من شيء يخرج من جسد إلى أن يخرجه الصائم من جوفه متقيأ وأن الرجل قد ينزل غير متلذذ فلا يبطل صومه ويعرق ويتوضأ ويخرج منه الخلاء والريح والبول ويغتسل ويتنور فلا يبطل صومه وإنما الفطر من إدخال البدن أو التلذذ بالجماع أو التقيؤ فيكون على هذا إخراج شيء من جوفه كما عمد إدخاله فيه، قال: والذي أحفظ عن بعض أصحاب رسول الله والتابعين وعامة المدنيين أن لا يفطر أحد بالحجامة. باب نكاح المحرم حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمر بن دينار عن ابن شهاب قال: أخبرني يزيد بن الأصم أن رسول الله نكح ميمونة وهو حلال، قال عمرو قلت لابن شهاب: أتجعل يزيد بن الأصم إلى ابن عباس?. أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان أن رسول الله قال: المحرم لا ينكح ولا يخطب . أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أحد بني عبد الدار عن أبان بن عثمان عن عثمان أن رسول الله قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب . أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة والنبي بالمدينة. أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: وهم فلان ما نكح رسول الله ميمونة إلا وهو حلال، قال: وقد روى بعض قرابة ميمونة أن النبي ﷺ نكح ميمونة محرما. قال الشافعي: فكان أشبه الأحاديث أن يكون ثابتا عن رسول الله نكح ميمونة، فإن قيل ما يدل على أنه أثبتها، قيل: روي عن عثمان عن النبي النهي عن أن ينكح المحرم ولا ينكح وعثمان متقدم الصحبة ومن روى أن النبي نكحها محرما لم يصحبه إلا بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة وإنما نكحها قبل عمرة الفضية وقيل له: وإذا اختلف الحديثان فالمتصل الذي لا شك فيه أولى عندنا إن ثبت لو لم تكن الحجة إلا فيه نفسه ومع حديث عثمان ما يوافقه إن لم يكن متصلا اتصاله، فإن قيل: فإن من روى أن رسول الله نكحها محرما قرابة يعرف نكاحها، قيل: ولابن أخيها يزيد بن الأصم ذلك المكان منها ولسليمان بن يسار منها مكان الولاية يشابه أن يعرف نكاحها، فإذا كان يزيد بن الأصم وسليمان بن يسار مع مكانهما منها يقولان: نكحها حلالا وكان ابن المسيب يقول: نكحها حلالا ذهبت العلة في أن يثبت من قال: نكحها وهو محرم بسبب القرابة وبأن حديث عثمان بالإسناد أو المتصل لا شك في اتصاله أولى أن يثبت مع موافقة ما وصفت فأي محرم نكح أو أنكح فنكاحه مفسوخ بما وصفت من نهي النبي ﷺ عن نكاح المحرم. باب ما يكره في الربا من الزيادة في البيوع حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان أنه سمع عبد الله ابن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: أخبرني أسامة بن زيد أن النبي ﷺ قال: إنما الربا في النسيئة . قال الشافعي: وروي من وجه غير هذا ما يوافقه فكان ابن عباس لا يرى في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يدا بيد بأسا ويراه في النسيئة وكذلك عامة أصحابه وكان يروى مثل قول ابن عباس عن سعيد وعروة بن الزبير رأيا منهما لا أنه يحفظ عنهما عند رسول الله. قال الشافعي: وهذا قول المكيين.
صفحة : 2698
أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر، يدا بيد كيف شئتم ونقص أحدهما الملح أو التمر وزاد أحدهما من زاد أو ازداد فقد أربى . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن موسى بن أبي تميم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما. أخبرنا مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبا منها بناجز . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك أنه بلغه عن جده مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله: لا تبيعوا الدينار بالدينار ولا الدرهم بالدرهمين . قال الشافعي: فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث عبادة وكانت حجتنا في أخذنا بها وتركنا حديث أسامة بن زيد إذا كان ظاهره يخالفها قول من قال: إن النفس على حديث الأكثر أطيب لأنهم أشبه أن يحفظوا من الأقل وكان عثمان وعبادة أسن وأشد تقدم صحبة من أسامة وكان أبو هريرة وأبو سعيد أكثر حفظا عن النبي فيما علمنا من أسامة فإن قال قائل: فهل يخالف حديث أسامة أحاديثهم قيل: إن كان يخالفها فالحجة فيها دونه لما وصفنا، فإنه قال: فأنى ترى هذا? قيل والله أعلم: قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله يسأل عن الربا في صنفين مختلفين ذهب بفضة وتمر بحنطة فقال: إنما الربا في النسيئة فحفظه فأدى قول النبي ولم يؤد مسألة السائل فكان ما أدى منه عند من سمعه أن لا ربا في النسيئة. باب من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات ثم عادله أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: وذكر فاجلدوه وذكر الحديث. قال الشافعي: وقد بلغني عن الحارث بن عبد الرحمن فضل وعنده أحاديث حسان ولم أحفظ عن أحد من أهل العلم بالرواية عنه إلا ابن أبي ذئب ولا أدري هل كان يحفظ الحديث أو لا وقد روى من وجهه عمرو بن شعيب أن النبي قال: من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات أو ثلاث مرات ، قال الربيع: أنا شككت ثم أتي به الرابعة أو الخامسة قتل أو خلع وروي من حديث أبي الزبير من أقيم عليه حد أربع مرات ثم أتي به الخامسة قتل، ثم أتي النبي ﷺ برجل قد أقيم عليه الحد أربع مرات ثم أتي به الخامسة فحده ولم يقتله. قال الشافعي رحمه الله: فإن كان شيء من هذه الأحاديث ثبت عن النبي فقد روي عن النبي نسخه بحديث أبي الزبير وقد روي عن النبي مثلها ونسخه مرسلا. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي ﷺ قال: إن شرب فاجلدوه فإن قال قائل: فهل في هذا حجة غير ما وصفت? قيل: نعم. أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله قال: لا يحل دم مسلم إلا من إحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس .
صفحة : 2699
قال الشافعي رحمه الله: وهذا حديث لا يشك أهل العلم بالحديث في ثبوته عن النبي ﷺ قال: فإن قال قائل قد يحتمل أن يكون هذا على خاص ويكون من أمر بقتله فنقتله بنص أمره فلا يكونان متضادين ولا أحدهما ناسخا للآخر إلا بدليل على أن أحدهما ناسخ للآخر، قيل له: لا نعلم أحدا من أهل الفتيا يخالف في أن من أقيم عليه حد من شيء أربع مرات ثم أتي به خامسة أو سادسة أقيم ذلك الحد عليه ولم يقتل وفي هذا دليل على أن ما روي عن النبي إن كان ثابتا فهو منسوخ مع أن دلالة القرآن بما وصفت بينة، فإن قال وأين دلالة القرآن? قيل: إذا كان الله وضع القتل موضعا والجلد موضعا فلا يجوز والله أعلم أن وضع القتل موضع الجلد إلا بشيء ثابت عن النبي لا مخالف له ولا ناسخ. باب لحوم الضحايا حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد ذلك: كلوا وتزودوا وادخروا . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد بن عبد الله أنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله فقال رسول الله: ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي قالت: فلما كان بعد ذلك قلن لرسول الله: لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله ﷺ: وما ذاك أو كما قال، قالوا يا رسول الله: نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله ﷺ: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا، قال: فيشبه أن يكون إنما نهى رسول الله عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدافة على معنى الاختيار لا على معنى الفرض وإنما قلت: يشبه الاختيار لقول الله عز وجل في البدن فإذا وجبت جنوبها فكلوا منه وأطعموا وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها لا التي وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها وإنما أكل النبي ﷺ من هديه أن كان تطوعا فأما ما وجب من الهدي كله فليس لصاحبه أن يأكل منه شيئا كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئا، وكذلك إن وجب عليه أن يخرج من ماله شيئا فأكل بعضه فلم يخرج ما وجب عليه بكماله وأحب لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وقوله: وأطعموا القانع والمعتر القانع هو السائل والمعتر الزائر والمار بلا وقت فإذا أطعم من هؤلاء واحد أو أكثر فهو من المطعمين فأحب إلى ما أكثر أن يطعم ثلثا ويهدي ثلثا ويدخر ثلثا ويهبط به حيث شاء والضحايا من هذا السبيل والله أعلم وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته ولا من هديه أكثر من ثلاث لأمر النبي ﷺ في الدافة فإن ترك رجل أن يطعم من هدي تطوع أو أضحية فقد أساء وليس عليه أن يعود للضحية وعليه أن يطعم إذا جاءه قانع أو معتر أو بائس فقير شيئا ليكون عوضا مما منع وإن كان في غير أيام الأضحى. قال: ومن ضحى قبل الوقت الذي يمكن للإمام أن يصلي فيه بعد طلوع الشمس ويتكلم فيفرغ فأراد أن يضحي أعاد ولا أنظر إلى انصراف الإمام اليوم لأن منهم من يؤخر ويقدم وكذلك لو قدم الإمام فصلى قبل طلوع الشمس، فضحى رجل أعاد، إنما الوقت في قدر صلاة النبي التي كان يضعها موضعها. باب العقوبات في المعاصي قال الشافعي: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم نزلت الحدود ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.
صفحة : 2700
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله قال: ما تقولون في الشارب والسارق والزاني وذلك قبل أن تنزل الحدود? فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: هن فواحش وفيهن عقوبات وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ثم ساق الحديث قال ومثل معنى هذا في كتاب الله قال: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت إلى آخر الآية، فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب فحد الله البكرين الحرين المسلمين فقال: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة . حدثنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا أجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك وابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وزاد سفيان وسئل أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله: لأقضين بينكما بكتاب الله فجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها . قال الشافعي رحمه الله: كان ابنه بكرا وامرأة الآخر ثيبا قال: فذكر رسول الله عن الله حد البكر والثيب في الزنا فدل على مثل ما قال عمر من حد الثيب في الزنا. قال الشافعي: قال الله جل ثناؤه في الإماء: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فعقلنا عن الله أن على الإماء ضرب خمسين لأنه لا يكون النصف إلا لما يتجزأ فأما الرجم فلا نصف له لأن المرجوم قد يموت بأول حجر وقد لا يموت إلا بعد كثير من الحجارة. أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. قال الشافعي رحمه الله: وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فزال من كتابي حين حولته من الأصل أم لا والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني. قال الشافعي: فكان هذا أول ما نسخ من حبس الزانيين وأذاهما وأول حد نزل فيهما وكان فيه ما وصفت في الحديث قبله من أن الله أنزل حد الزنا للبكرين والثيبين وأن من حد البكرين النفي على كل واحد منهما مع ضرب مائة ونسخ الجلد عن الثيبين وأقر أحدهما الرجم فرجم النبي ﷺ امرأة الرجل ورجم ماعز بن مالك ولم يجلد واحدا منهما، فإن قال قائل: ما دل على أن أمر امرأة الرجل وماعز بعد قول النبي ﷺ: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ، قيل: إذا كان النبي يقول: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، كان هذا لا يكون إلا أول حد حد به الزانيان فإذا كان أول فكل شيء جد بعد يخالفه فالعلم يحيط بأنه بعده والذي بعد ينسخ ما قبله إذا كان يخالفه وقد أثبتنا هذا والذي نسخه في حديث المرأة التي رجمها أنيس مع حديث ماعز وغيره فكانت الحدود ثابتة على المحدودين ما أتوا الحدود وإن كثر إتيانهم لها لأنهم في كل واحد من الأحوال جانون ما حدوا فيه وهم زناة أول مرة وبعد أربع عشرة وكذلك القذفة الذين أنزل الله أن يجلدوا ثمانين وجمع أهل الحدود. قال الشافعي: وروي عن النبي ﷺ أنه قال: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ثم قال: فليبعها بعد الثالثة أو الرابعة.
صفحة : 2701
قال الشافعي: وروي عن النبي في الشارب يجلد ثلاثا أو أربعا ثم يقتل ثم حفظ عن النبي أنه جلد الشارب العدد الذي قال يقتل بعده ثم أتى به فجلده ووضع القتل وصارت رخصة والقتل عمن أقيم عليه حد في شيء أربعا فأتى به الخامسة منسوخ بما وصفت وكذلك بيع الأمة بعد زناها ثلاثا أو أربعا. باب نكاح المتعة حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي قال: وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما أن عليا قال لابن العباس: أن رسول الله نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك رسول الله ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء . قال الشافعي: ثم ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أم بعدها فأشبه حديث علي بن أبي طالب في نهي النبي عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخا، فلا يجوز نكاح المتعة بحال وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت فهو يبين أن رسول الله أحل نكاح المتعة ثم قال: هي حرام إلى يوم القيامة، قال: فإن لم يثبت ولم يكن في حديث علي بيان أنه ناسخ لحديث ابن مسعود وغيره مما روى إحلال المتعة سقط تحليلها بدلائل القرآن والسنة والقياس وقد ذكرنا ذلك حيث سئلنا عنه. باب الخلاف في نكاح المتعة حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: خالفنا مخالفون في نكاح المتعة فقال بعضهم: النهي عن نكاح المتعة عام خيبر على أنهم استمتعوا من يهوديات في دار الشرك فكره ذلك لهم، لا على تحريمه لأن الناس استمتعوا عام الفتح في حديث عبد العزيز بن عمر فقيل له الحديث عام الفتح في النهي عن نكاح المتعة على الأبد أبين من حديث علي بن أبي طالب وإذا لم يثبت فلا حجة بالإرخاص في المتعة وهي منهي عنها كما روى علي بن أبي طالب والنهي عندنا تحريم إلا أن تأتي دلالة على أنه اختيار لا تحريم، قال: أرأيت إن لم يكن في النهي عن نكاح المتعة دلالة على ناسخ ولا منسوخ الإرخاص فيها أولى أم النهي عنها قلنا: بل النهي عنها والله أعلم أولى، قال: فما الدلالة على ما وصفت? قلت: قال الله جل ثناؤه: الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فحرم النساء إلا بنكاح أو ملك يمين، وقال في المنكوحات: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فأحلهن بعد التحريم بالنكاح ولم يحرمهن إلا بالطلاق وقال في الطلاق: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فجعل إلى الأزواج فرقة ما انعقد عليه النكاح فكان بينا أنه والله أعلم أن يكون نكاح المتعة منسوخا بالقرآن والسنة في النهي عنه لما وصفت لأن نكاح المتعة أن ينكح امرأة مدة ثم يفسخ نكاحها بلا إحداث طلاق منه وفي نكاح المتعة إبطال ما وصفت مما جعل الله إلى الأزواج من الإمساك والطلاق وإبطال المواريث بين الزوجين وأحكام النكاح التي حكم الله بها في الظهار والإيلاء واللعان إذا انقضت المدة قبل إحداث الطلاق. باب في الجنائز حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله: إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع . قال الشافعي: ورووا شبيها بما يوافقه وهذا لا يعود أن يكون منسوخا وأن يكون النبي قام لها لعله قد رواها بعض المحدثين من أن جنازة يهودي مر بها على النبي فقام لها كراهية أن تطوله وأيهما كان فقد جاء عن النبي تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره إن كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا فلا بأس بالقيام والقعود أحب إلي لأنه الآخر من فعل رسول الله. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله كان يقوم في الجنائز ثم جلس. باب في الشفعة
صفحة : 2702
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة .
أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن رسول الله مثله أو مثل معناه لا يخالفه وبه أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة.
قال الشافعي: وبهذا نأخذ فنقول: لا شفعة فيما قسم اتباعا لسنة رسول الله وعلمنا أن الدار إذا كانت مشاعة بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منها فليس يملك أحدهما شيئا وإن قل إلا ولصاحبه نصفه فإذا دخل المشتري على الشريك للبائع هذا المدخل كان الشريك أحق به منه بالثمن الذي ابتاع به المشتري فإذا قسم الشريكان فباع أحدهما نصيبه باع نصيبا لا حظ في شيء منه لجاره وإن كانت طريقهما واحدة لأن الطريق غير المبيع كما لم يكونا بشركتهما في الطريق شريكين في الدار المقسومة فكذلك لا يؤخذ بالشرك في الطريق شفعة في دار ليسا بشريكين فيها وقد روي حديثان ذهب إليهما صنفان ممن ينسب إلى العلم وكل واحد منهما على خلاف مذهبنا أما أحدهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع أن رسول الله قال: الجار أحق بشفعه .
قال الشافعي: وزاد في حديث بعض من خالفنا أنه كان لأبي رافع بيت في دار رجل فعرض البيت عليه بأربعمائة وقال: قد أعطيت به ثمانمائة ولكن سمعت رسول الله يقول: الجار أحق بشفعه.
قال الشافعي: فقال الذي خالفنا: أتأول هذا الحديث فأقول للشريك الذي لم يقاسم شفعة وللجار المقاسم شفعة كان لاصقا أو غير لاصق إذا لم يكن بينه وبين الدار التي بيعت طريق نافذة وإن بعد ما بينهما واحتج بأن قال أبو رافع يرى الشفعة للذي بيته في داره والبيت مقسوم لأنه ملاصق.
قال الشافعي: فقلت له أبو رافع فيما رويت عنه متطوع بما صنع، قال: وكيف قلت: هل كان على أبي رافع أن يعطيه البيت بشيء قبل بيعه أولم تكن له الشفعة حتى يبيعه، قال: بل ليست له الشفعة حتى يبيعه أبو رافع قلت: فإن باعه أبو رافع فإنما يأخذ بالشفعة من المشتري قال: نعم، قلت: وبمثل الثمن الذي اشتراه به لا ينقصه البائع ولا أن على أبي رافع أن يضع من ثمنه عنه شيئا، قال: نعم، فقلت: أتعلم أن ما وصفت عن أبي رافع كله تطوع?
صفحة : 2703
قال: فقد رأى له الشفعة في بيت له فقلت: وإن رأى الشفعة في بيت له ما كان علينا في ذلك شيء عارض حديثنا بل حديث النبي إنما يعارض بحديث عن النبي فأما رأي رجل فلا يعارض به حديث النبي، قال: فلعله سمعه من رسول الله، قلت: ألست تسمعه حين حكى عن رسول الله قال: الجار أحق بسقبه، لا ما أعطى من نفسه قال: بل هكذا حكايته عن النبي قلت: ولعله لا يرى له الشفعة فتطوع له بما لا يرى كما تطوع له بما ليس عليه فإن حملته على أنه إنما أعطاه ما يراه عليه، قيل: فقد رأى على نفسه أن يعطيه بيتا لم يبعه بنصف ما أعطى به قال: لا أراه يرى هذا قلت: ولا أرى عليه أن له شفعا فيما نرى والله أعلم ولكن أحسن أن يفعل وقلت له: نحن نعلم وأنت تعلم أن قول النبي: الجار أحق بسقبه لا يحتمل إلا معنيين لا ثالث لهما قال: فما هما? قلت: أن يكون أجاب عن مسألة لم يخل أكثرها أن يكون أراد أن الشفعة لكل جار أو أراد بعض الجيران دون بعض فإن كان هذا المعنى فلا يجوز أن يدل على أن قول النبي: خرج عاما أراد به خاصا إلا بدلالة عن رسول الله أو إجماع من أهل العلم وقد ثبت عن رسول الله أن لا شفعة فيما قسم فدل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار المقاسم، وقلت له حديث أبي رافع عن رسول الله جملة وقولنا عن النبي منصوص لا يحتمل تأويلا، قال: فما المعنى الثاني الذي يحتمله قول النبي قلت: أن تكون الشفعة لكل من لزمه اسم جوار وأنت تزعم أن الجوار أربعون دارا من كل جانب وأنت لا تقول بحديثنا ولا بما تأولت من حديثك ولا بهذه المعاني قال: ولا يقول بهذا أحد قلت: أجل لا يقول بهذا أحد وذلك يدلك على أن رسول الله أراد أن الشفعة لبعض الجيران دون بعض وأنها لا تكون إلا لجار لم يقاسم، قال: أفيقع اسم الجوار على الشريك? قلت: نعم وعلى الملاصق وعلى غير الملاصق قال: فالشريك ينفرد باسم الشريك، قلت: أجل والملاصق ينفرد باسم الملاصقة دون غيره من الجيران ولا يمنع ذلك واحدا منهما أن يقع عليه اسم جوار، قال: أفتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على الشريك. قلت: زوجتك التي هي قرينتك يقع عليها اسم الجوار قال حمل بن مالك بن النابغة: كنت بين جارتين لي يعني ضرتين، وقال الأعشى: <TABLE BORDER 0 ID POTBL <TR ID POLEFTCELL أجارتنا بيني فـإنـك طـالـقة ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL وموموقة ما كنت فينا ووامقة <TR ID POLEFTCELL كذاك أمور الناس تغدو وطارقة ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL وبيني فإن البين خير من العصا <TR ID POLEFTCELL وأن لا تزالي فوق رأسك بارقة ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL حبستك حتى لامني كل صاحب <TR ID POLEFTCELL وخفت بأن تأتي لدي بـبـائقة قال الشافعي: وروى غيرنا عن عبد الملك بن عطاء عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كانت الطريق واحدة وذهب بعض البصريين إلى أن قال: الشفعة لا تكون إلا للشريك وهما إذا اشتركا في طريق دون الدار وإن اقتسما الدار شريكان.
قال الشافعي: فيقال له الشريكان في الدار أو في الطريق دون الدار فإن قال في الطريق دون الدار، قيل له: فلم جعلت الشفعة في الدار التي ليسا فيها بشريكين بالشرك في الطريق والطريق غير الدار أرأيت لو باع دارا هما فيها شريكان وضم في الشراء معها دار أخرى غيرها لا شرك فيها ولا في طريقها أتكون الشفعة في الدار أو في الشرك قال: بل في الشرك دون الدار التي ضمت مع الشرك قلت: ولا تجعل فيها شفعة إذا جمعتهما الصفقة وفي إحداهما شفعة قال: لا، قلت: فكذلك يلزمك أن تقول إن بيعت الطريق وهي مما يجوز بيعه وقسمه ففيها شفعة ولا شفعة فيما قسم من الدار قال: فإن قال فإنما ذهبت فيه إلى الحديث نفسه، قيل: سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول: نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظا، قال: ومن أين قلت إنما رواه عن جابر بن عبد الله وقد روى أبو سلمة عن جابر مفسرا أن رسول الله قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وأبو سلمة من الحفاظ وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبي سلمة ويخالف ما روى عبد الملك.
قال الشافعي: وفيه من الفرق بين الشريك وبين المقاسم ما وصفت جملته في أول الكتاب فكان أولى الأحاديث أن يؤخذ به عندنا والله أعلم لأنه أثبتها إسنادا وأبينها لفظا عن النبي وأعرفها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم.
باب في بكاء الحي على الميت
صفحة : 2704
حدثنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسي إنما مر رسول الله ﷺ على يهودية وهي يبكي عليها أهلها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بمكة فجئنا نشهدها، وحضرها ابن عباس وابن عمر فقال: إني لجالس بينهما، جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلي فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء فإن سول الله قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث ابن عباس فقال: صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل شجرة، قال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب فذهبت فإذا صهيب قال ادعه فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أصيب عمر سمعت صهيبا يبكي ويقول: واأخياه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب تبكي علي وقد قال رسول الله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه قال: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله قال: إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت عائشة: حسبكم القرآن لا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى وقال ابن مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء. قال الشافعي: وما روت عائشة عن رسول الله أشبه أن يكون محفوظا عنه ﷺ بدلالة الكتاب ثم السنة، فإن قيل: فأين دلالة الكتاب قيل في قوله عز وجل: ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وقوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقوله: لتجزى كل نفس بما تسعى . قال الشافعي رحمه الله: وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظا، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنها تعذب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأن على الكافر عذابا أعلى فإن عذب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه، فإن قيل: يزيد عذابه ببكاء أهله عليه، قيل: يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سببا لا أنه يعذب ببكائهم، فإن قيل: أين دلالة السنة قيل: قال رسول الله لرجل: ابنك هذا? قال: نعم، قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرىء عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه. باب استقبال القبلة للغائط والبول حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا . قال أبو أيوب: فقدمنا الشأم فوجدنا مراحيض قد بنيت من قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله. أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن أناسا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس قال ابن عمر: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. قال الشافعي: وليس يعد هذا اختلافا ولكنه من الجمل التي تدل على معنى المعد.
صفحة : 2705
قال الشافعي: كان القوم عربا إنما عامة مذاهبهم في الصحارى وكثير من مذاهبهم لا حش فيها يسترهم فكان الذاهب لحاجته إذا استقبل القبلة أو استدبرها استقبل المصلى بفرجه أو استدبره ولم يكن عليهم ضرورة في أن يشرقوا أو يغربوا فأمروا بذلك وكانت البيوت مخالفة للصحراء فإذا كان بين أظهرها كان من فيه مستترا لا يراه إلا من دخل أو أشرف عليه وكانت المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله من استقباله بيت المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه إنما نهى عن استقبال الكعبة واستدبارها في الصحراء دون المنازل.
قال الشافعي: وسمع أبو أيوب الأنصاري النهي من رسول الله ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله بيت المقدس لحاجته فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة وتحرف لئلا يستقبل الكعبة وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره ورأى ابن عمر النبي في منزله مستقبلا بيت المقدس لحاجته فأنكر على من نهى عن استقبال القبلة لحاجته وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره أو لم يرو له عن النبي خلافه ولعله سمعه منهم فرآه رأيا لهم لأنهم لم يعزوه إلى النبي ومن علم الأمرين معا ورآهما محتملين أن يستعملا استعملهما معا وفرق بينهما لأن الحال تفترق فيهما بما قلنا وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل وقلما يعم علم الخاص وهذا مثل حديث النبي في الصلاة جالسا والقوم خلفه قيام وجلوس فإن قيل فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها الغائط أو بول قيل له: هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه ولو ثبت كان كحديث أبي أيوب وحديث ابن عمر عن النبي مسند حسن الإسناد أولى أن يثبت منه لو خالفه فإن كان قال طاوس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها فإنما سمع والله أعلم حديث أبي أيوب عن النبي فأنزل ذلك على إكرام القبلة وهي أهل أن تكرم والحال في الصحارى كما حدث أبو أيوب وفي البيوت كما حدث ابن عمر لا أنهما يختلفان.
قال الشافعي: وقد قيل إن الناس كانوا يبنون مساجد بحط حجارة في الطريق فنهى أن تستقبل للغائط أو البول فيكون متغوطا في المساجد أو مستدبرا فيكون الغائط والبول بعين المصلي إليها ويتأذى بريحه وهذا في الصحارى منهي عنه بهذا الحديث وبغيره بأن يقال: اتقوا الملاعن، وذلك أن يتغوط في ممر الناس في طريق من ظلال المسجد أو البيوت والشجر والحجارة وعلى ظهر الطريق ومواضع حاجة الناس في الممر والمنزل.
باب الصلاة في الثوب ليس على عاتق المرء منه شيء
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء .
قال الشافعي: وروى بعض أهل المدينة عن جابر أن النبي أمر الرجل يصلي في الثوب الواحد أن يشتمل بالثوب في الصلاة فإن ضاق اتزر به.
قال الشافعي: وهذا إجازة أن يصلي وليس على عاتقه منه شيء وهو يقدر بالمدينة على ثوب امرأته وعلى العمامة والشيء يطرحه على عاتقه.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبي ﷺ قالت: كان رسول الله يصلي في مرط بعضه علي وبعضه عليه وأنا حائض .
صفحة : 2706
قال الشافعي: وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر ونهى رسول الله ﷺ أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء والله أعلم اختيار لا فرض بالدلالة عنه ﷺ بحديث جابر وأنه صلى في مرط ميمونة بعضه عليه وبعضه على ميمونة لأن بعض مرطها إذا كان عليها فأقل ما عليها منه ما يسترها مضطجعة ويصلي النبي عليه السلام في بعضه قائما ويتعطل بعضه بينه وبينها أو يسترها قاعدة فيكون يحيط بها جالسة ويتعطل بعضه بينه وبينها فلا يمكن أن يستره أبدا إلا أن يأتزر به إئتزارا وليس على عاتق المؤتزرين في هذه الحال من الإزار شيء ولا يمكن في ثوب دهرنا أن يأتزر به ثم يرده على عاتقيه أو أحدهما ثم يسترها، وقل ما يمكن هذا في ثوب في الدنيا اليوم وكذلك روي عن النبي عليه السلام أنه قال: إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليتوشح به فإن لم يكفه فليأتزر به . قال الشافعي: وإذا صلى الرجل فيما يواري عورته أجزأته صلاته، وعورته ما بين سرته وركبته وليست السرة والركبة من العورة. باب الكلام في الصلاة حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا نسلم على رسول الله ﷺ وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله: أصدق ذو اليدين، فقال الناس نعم، فقام رسول الله ﷺ فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع . أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى رسول الله ﷺ صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله ﷺ على الناس فقال: أصدق ذو اليدين فقالوا نعم، فأتم رسول الله ﷺ ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم. أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: سلم النبي في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت فخرج رسول الله مغضبا يجر رداءه فسأل: فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم. قال الشافعي: فبهذا كله نأخذ فنقول: إن حتما أن لا يعمد أحد الكلام في الصلاة وهو ذاكر لأنه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها لحديث ابن مسعود عن النبي ثم ما لا أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم قال: ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها أو نسي أنه في صلاة فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو ولحديث ذي اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود في الكلام جملة ودل حديث ذي اليدين على أن رسول الله فرق بين كلام العامد والناسي لأنه في صلاة أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة. باب الخلاف في الكلام في الصلاة ساهيا حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها حججا ما جمعها علينا في شيء غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين.
صفحة : 2707
قال الشافعي: فسمعته يقول حديث ذي اليدين حديث ثابت عن رسول الله ﷺ ، لم يرو عن رسول الله شيء قط أشهر منه ومن حديث العجماء جرحها جبار، وهو أثبت من حديث العجماء جرحها جبار، ولكن حديث في اليدين منسوخ، فقلت: ما نسخه? فقال: حديث ابن مسعود، ثم ذكر الحديث الذي بدأت به، الذي فيه إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة، فقلت له، والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما? فقال: نعم، قلت له: أو لست تحفظ في حديث ابن مسعود هذا أن ابن مسعود مر على النبي بمكة، قال: فوجدته يصلي في فناء الكعبة، وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة، ثم رجع إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، قال: بلى، فقلت له: فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي ﷺ بمكة، قبل هجرة النبي، ثم كان عمران بن حصين يروي أن النبي أتى جذعا في مؤخر مسجده، أليس تعلم أن النبي لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته من مكة? قال: بلى، قلت: فحديث عمران يدلك، على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ لحديث ذي اليدين وأبو هريرة يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ قال: فلا أدري ما صحبه أبو هريرة، قلت: قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذي لا يشكل عليك وأبو هريرة إنما صحب رسول الله ﷺ بخيبر وقال أبو هريرة: صحبت النبي ﷺ و بالمدينة ثلاث سنين أو أربعا. قال الربيع: أنا شككت وقد أقام النبي بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل أن يصحبه أبو هريرة فيجوز أن يكون حديث ابن مسعود ناسخا لما بعده قال: لا، قلت له: لو كان حديث ابن مسعود مخالفا حديث عمران وأبي هريرة كما قلت وكان عمدا الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة أو نسيت الصلاة كان حديث ابن مسعود منسوخا وكان الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز الكلام في الصلاة على الذكر وأن التكلم في الصلاة إذا كان هكذا يفسد الصلاة وإذا كان النسيان والسهو وتكلم وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة أو نسي أنه فيها لم تفسد الصلاة قال: فأنتم تروون أن ذا اليدين قتل ببدر، قلت: فاجعل هنا كيف شئت، أليست صلاة النبي بالمدينة في حديث عمران بن حصين والمدينة إنما كانت بعد حديث ابن مسعود بمكة قال: بلى، قلت: وليست لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد كانت بدر بعد مقدم النبي ﷺ المدينة بستة عشر شهرا، قال: أفذو اليدين الذي رويتم عنه المقتول ببدر? قلت: لا، عمران يسميه الخرباق، ويقول: قصير اليدين أو مديد اليدين والمقتول ببدر ذو الشمالين ولو كلاهما ذا اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الأسماء، فقال بعض من ذهب مذهبه: قلنا حجة أخرى، قلنا: وما هي? قال: إن معاوية بن الحكم حكى أنه تكلم في الصلاة فقال رسول الله: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام بني آدم فقلت له: فهذا عليك ولا لك إنما يروي مثل قول ابن مسعود سواء، والوجه فيما ذكرت قال: فإن قلت هو خلافه، قلت: فليس ذلك لك وتكلمك عليه فإن كان أمر معاوية قبل أمر ذي اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غيرها وإن كان أمر معاوية معه أو بعده فقد تكلم فيها فيما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل حديث في اليدين أو أكثر لأنه تكلم عامدا للكلام في حديثه إلا أنه حكى أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة، قال هذا في حديثه كما ذكرت، قلت: فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا، قال: فما تقول? قلت: أقول إنه مثل حديث ابن مسعود غير مخالف حديث ذي اليدين، فقال: فإنكم خالفتم حين فرعتم حديث ذي اليدين، قلت: فخالفناه في الأصل، قال: لا ولكن في الفرع، قلت: فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ حالا ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع، قال: نعم، وكل غير معذور.
صفحة : 2708
قال الشافعي: فقلت له: فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من أصله ولا من فرعه حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه ما لم نخالفه قال: فأسألك حتى أعلم: أخالفته أم لا? قلت: فسل، قال: ما تقول في إمام انصرف من اثنتين? فقال له بعض من صلى معه: قد انصرفت من اثنتين، فسأل آخرين فقالوا: صدق، قلت أما المأموم الذي أخبره والذين شهدوا أنه صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة، قال: فأنت تروي أن النبي ﷺ قضى وتقول: قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث، قلت: أجل، قال: فقد خالفته قلت: لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله، قال: فأين افتراق حاليهما في الصلاة والإمامة? قال: فقلت له: إن الله كان ينزل فرائضه على رسوله فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف عنه بعض فرضه، قال: أجل، قلت: ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة، قال: أجل، قلت: فلما فعل لم يدر ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله أم نسي النبي وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال: أقصرت الصلاة أم نسيت. قال: أجل، قلت: ولم يقبل النبي من ذي اليدين إذ سأل غيره قال: أجل، قلت: ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله، واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي رد عليه فلما لم يسمع النبي رد عليه كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يستدل النبي بقوله ولم يدر أقصرت الصلاة أم نسي النبي فأجابه ومعناه معنى ذي اليدين من أن الفرض عليهم جوابه، ألا ترى أن النبي لما أخبروه فقبل قولهم لم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم? قال: فلما قبض الله رسوله تناهت فرائضه فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا، قال: نعم، فقلت: هذا فرق بيننا وبينه، فقال من حضره: هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه ووضحه فقال: فإن من أصحابكم من قال ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة لم يفسد صلاته قال: فقلت له: إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا. قال الشافعي: وقال قد كلمت غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال: العمل على هذا فقلت له: قد أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا، قال: أجل، قلت: فدع ما لا حجة لك فيه، وقلت له: قد أخطأت في خلافك حديث ذي اليدين مع ثبوته وظلمت نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولا هم من هذا شيئا قط، وقد زعمت أن المصلي إذا سلم قبل أن يكمل الصلاة وهو ذاكر أنه لم يكملها فسدت صلاته لأن السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له. باب القنوت في الصلوات كلها حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرني بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما انتهى إلى النبي قتل أهل بئر معونة أقام خمس عشرة ليلة كلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصبح قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد اللهم افعل فذكر دعاء طويلا ثم كبر فسجد، قال: وحفظ عن جعفر عن النبي القنوت في الصلوات كلها عند قتل أهل بئر معونة وحفظ عن النبي أنه قنت في المغرب كما روي عنه من القنوت في غير الصبح عند قتل أهل بئر معونة والله أعلم، وروى أنس عن النبي أنه قنت وترك القنوت جملة ومن روى مثل حديثه روى أنه قنت عند قتل أهل بئر معونة وبعده ترك القنوت فأما القنوت في الصبح فمحفوظ عن رسول الله ﷺ في قتل أهل بئر معونة وبعده لم يحفظ عنه أحد تركه. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي لما رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف .
صفحة : 2709
قال الشافعي: فأما ما روى أنس بن مالك من ترك القنوت فالله أعلم ما أراد، فأما الذي أرى بالدلالة فإنه ترك القنوت في أربع صلوات دون الصبح كما قالت عائشة: فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر تعني ثلاث صلوات دون المغرب وترك القنوت في الصلوات سوى الصبح، لا يقال له ناسخ إنما يقال له الناسخ والمنسوخ ما اختلف فأما القنوت في غير الصبح فمباح أن يقنت وأن يدع لأن رسول الله لم يقنت في غير الصبح قبل قتل أهل بئر معونة ولم يقنت بعد قتل أهل بئر معونة في غير الصبح، فدل على أن ذلك دعاء مباح كالدعاء المباح في الصلاة، لا ناسخ ولا منسوخ.
باب الطيب للإحرام
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: طيبت رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: سمعت عائشة وبسطت يديها تقول: أنا طيبت رسول الله بيدي هاتين لإحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
أخبرنا سفيان عن عثمان بن عروة قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله لحرمه ولحله فقلت لها: بأي الطيب? فقالت: بأطيب الطيب.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: طيبت رسول الله لحله ولحرمه.
أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله بعد ثلاث.
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: أخبرنا عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: كنا عند رسول الله بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبة وهو مضمخ بالخلوق فقال: يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة وهذه علي، فقال له رسول الله: ما كنت صانعا في حجك، فاصنعه في عمرتك .
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: نهى رسول الله أن يتزعفر الرجل.
قال الشافعي: وبهذا كله نأخذ فنرى جائزا للرجل والمرأة أن يتطيبا بالغالية وغيرها مما يبقى ريحه بعد الإحرام إذا كان تطيب به قبل الإحرام ونرى إذا رمى الجمرة وحلق قبل أن يفيض أن الطيب حلال له وننهى الرجل حلالا بكل حال أن يتزعفر ونأمره إذا تزعفر غير محرم أن يغسل الزعفران عنه وكذلك نأمره إذا تزعفر قبل أن يحرم ثم أحرم وبه أثر الزعفران أن يغسل الزعفران نفسه للإحرام وإنما قلنا هذا لأن الدلالة عن رسول الله تشبه أن يكون لم يأمره بغسل الصفرة إلا أنه نهى أن يتزعفر الرجل وأن رسول الله أمر غير محرم أن يغسل الصفرة عنه ولم يأمره لكراهية الطيب للمحرم إذا كان التطيب وهو حلال لأنه تطيب حلالا بما بقي عليه ريحه محرما.
قال الشافعي: ونأمر المحرم إذا هو حلق أن يتطيب كما نأمره أن يلبس على معنى إن شاء إباحة له لا إيجابا عليه ونبيح له الصيد إن خرج من الحرم.
باب الخلاف في تطيب المحرم للإحرام
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في الطيب قبل الإحرام وبعد الرمي والحلاق وقبل طواف الزيارة فقال: لا يتطيب بما يبقى ريحه عليه ولا بأس أن يدهن قبل الإحرام بما لا يبقى ريحه عليه وإن بقي لينه في رأسه ولحيته وإذهابه الشعث قال: وكان الذي ذكر واحتج به أن عمر بن الخطاب أمر معاوية وأحرم معه فوجد منه ريحا طيبا فأمره أن يغسل الطيب وأنه قال: من رمى الجمرة وحلق فقد حل له ما حرم الله عليه إلا النساء والطيب.
قال الشافعي: وسالم بن عبد الله أفقه وأحمد مذهبا من قائل هذا القول.
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله وربما لم يقله قال: قال عمر: إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب، قال سالم: وقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحله بعد أن رمى الجمرة وقبل أن يزور، قال سالم: وسنة رسول الله ﷺ أحق أن تتبع.
صفحة : 2710
قال الشافعي: ما دريت إلى أي شيء ذهب من خالفنا في تطييب المحرم اتهم الرواية عن النبي فهي عن النبي أثبت من الرواية عن عمر يرويها عطاء وعروة والقاسم وغيرهم عن عائشة وإنما تلك الرواية من حديث رجلين عن ابن عمر عن عمر وإن جاز أن تتهم رواية هؤلاء الرجال مع كثرتهم عن عائشة عن النبي جاز ذلك في الرواية عن ابن عمر عن عمر وليس يشك عالم إلا مخطىء أن ما روي عن النبي أولى أن يؤخذ به وقائل هذا يخالف بعض ما روي عن عمر بن الخطاب في هذا، عمر يبيح ما حرمه الإحرام إذا رمى وحلق إلا النساء والطيب وهو يحرم الصيد خارجا من الحرم وهو ما أباح عمر فيخالف عمر لرأي نفسه ويتبعه ويخالف به ما جاء عن النبي ﷺ مع كثرة خلافه عمر لرأي نفسه ورأي بعض أصحاب النبي قال: ولم أعلم له مذهبا إلا أن يكون شبه عليه بحديث يعلى بن أمية في أن يغسل المحرم أثر الصفرة عنه فإن قال قائل: فهل يخالف حديث يعلى حديث عائشة قيل: لا، إنما أمره النبي بالغسل فيما نرى والله أعلم للصفرة عليه وإنما نهى أن يتزعفر الرجل ولا يجوز أن يكون أمر الأعرابي أن يغسل الصفرة إلا لما وصفت لأنه لا ينهى عن الطيب في حال يتطيب فيها ﷺ ولو كان أمره بغسل الصفرة لأنها طيب كان أمره إياه بغسل الصفرة عام الجعرانة وهي سنة ثمان وكان تطيبه في حجة الإسلام وهي سنة عشر فكان تطيبه لإحرامه ولحله ناسخا لأمره الأعرابي بغسل الصفرة والذي خالفنا يروي أن أم حبيبة طيبت معاوية ونحن نروي عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص التطيب للإحرام والحل ونرويه عن غيرهما وهو يقول معنا في الرجل يجامع أهله من الليل ثم يصبح جنبا أن صومه تام لأن الجماع كان وهو مباح له والتطيب كان وهو مباح للرجل قبل أن يطوف بالبيت بالخبر عن رسول الله ولو كان ينظر إلى حاله بعد الإحرام إذا كان الطيب قبله كان ترك قوله لأمره بالدهن الذي لا يبقى طيبه وإن بقي الدهن عليه لأنه لا يجيز له أن يبتدىء دهن رأسه ولحيته بدهن غير طيب وهو محرم ولا أعلمه استقام على أصل ذهب إليه في هذا القول. باب ما يأكل المحرم من الصيد حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله ﷺ حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله قال: فلما رأى رسول الله ما في وجهي قال: إنا لم نرده عليك، ألا أنا حرم ، أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال: أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة الأنصاري أنه كان مع النبي ﷺ حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناوله سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا، فأخذ رمحه فشد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي وأبى بعضهم فلما أدركوا النبي سألوه عن ذلك فقال: إنما هي طعمة، أطعمكموها الله . أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد أن رسول الله قال: هل معكم من لحمه شيء? . قال الشافعي: وليس يخالف والله أعلم حديث الصعب بن جثامة، حديث طلحة بن عبيد الله وأبي قتادة عن النبي وكذلك لا يخالفهما حديث جابر بن عبد الله وبيان أنها ليست مختلفة في حديث جابر. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب عن جابر أن رسول الله قال: لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم . أخبرنا من سمع سليمان بن بلال يحدث عن عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد عن النبي هكذا. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر عن النبي ﷺ هكذا. قال الشافعي: وابن أبي يحيى أحفظ من عبد العزيز وسليمان مع ابن أبي يحيى.
صفحة : 2711
قال الشافعي: فإن كان الصعب أهدى الحمار للنبي ﷺ حيا فليس للمحرم ذبح حمار وحشي حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده عليه ومن سنته ﷺ أن لا يحل للمحرم ما صيد له وهو لا يحتمل إلا أحد الوجهين والله أعلم، ولو لم يعلمه صيد له كان له رده عليه ولكن لا يقول حينئذ له إلا: أنا حرم، وبهذا قلنا: لا يحتمل إلا الوجهين قبله، قال: وأمر أصحاب أبي قتادة أن يأكلوا ما صاده رفيقهم بعلمه أنه لم يصده لهم ولا بأمرهم فحل لهم أكله. قال الشافعي: وإيضاحه في حديث جابر وفي حديث مالك أن الصعب أهدى للنبي حمارا أثبت من حديث من حدث أنه أهدى له من لحم حمار والله أعلم، فإن عرض في نفس امرىء من قول الله: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما قيل له: إن الله جل ثناؤه منع المحرم قتل الصيد فقال: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . وقال في الآية الأخرى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم فاحتمل أن يصيدوا صيد البحر وأن يأكلوه إن لم يصيدوه وأن يكون ذلك طعامه ثم لم يختلف الناس في أن للمحرم أن يصيد البحر ويأكل طعامه وقال في سياقها: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما . فاحتمل أن لا تقتلوا صيد البر ما دمتم حرما وأشبه ذلك ظاهر القرآن والله أعلم ثم دلت السنة على أن تحريم الله صيد البر في حالين أن يقتله رجل وأمر في ذلك الموضع بأن يفديه وأن لا يأكله إذا أمر بصيده فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله وأولى المعاني بنا أن لا تكون الأحاديث مختلفة لأن علينا في ذلك تصديق خبر أهل الصدق ما أمكن تصديقه وخاص السنة إنما هو خبر خاصة لا عامة. خطبة الرجل على خطبة أخيه حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه . أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي مثله قال: وقد زاد بعض المحدثين حتى يأذن أو يترك . أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله قال لها في عدتها من طلاق زوجها: فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال رسول الله: أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه على عاتقه، انكحي ابن زيد، قالت: فكرهته، فقال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتطبت به.
صفحة : 2712
قال الشافعي: وحديث فاطمة غير مخالف حديث ابن عمر وأبي هريرة في نهي النبي ﷺ أن يخطب المرء على خطبة أخيه، وحديث ابن عمر وأبي هريرة مما حفظت جملة عامة يراد بها الخاص والله أعلم لأن رسول الله لا ينهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال يخطب هو فيها على غيره ولكن نهيه عنها في حال دون حال، فإن قال قائل: فأي حال نهى عن الخطبة فيها? قيل والله أعلم، أما الذي تدل عليه الأحاديث فإن نهيه عن أن يخطب خطبة أخيه إذا أذنت المرأة لوليها أن يزوجها لأن رسول الله رد نكاح خنساء بنت خذام وكانت ثيبا فزوجها أبوها بلا رضاها فدلت السنة على أن الولي إذا زوج قبل إذن المرأة المزوجة كان النكاح باطلا وفي هذا دلالة على أنه إذا أراد زوج بعد رضاها كان النكاح ثابت وتلك الحال التي إذا زوجها فيها الولي ثبت عليها فيها النكاح ولا يجوز فيه والله أعلم غير هذا لأنه لا حالين لها يختلف حكمها في النكاح فيهما غيرهما وفاطمة لم تعلم رسول الله إذنها في أن تزوج معاوية ولا أبا جهم ولم يرو أن النبي نهى معاوية ولا أبا جهم أن يخطب أحدهما بعد الآخر ولا أحسبهما خطباها إلا مفترقين أحدهما قبل الآخر، قال: فإن كانت المرأة بكرا يزوجها أبوها، أو أمة يزوجها سيدها فخطبت فلا ننهى أحدا أن يخطبها على خطبة غيره حتى يعده الولي أن يزوجه لأن رضا الأب والسيد فيهما كرضاهما من أنفسهما، قال فقال لي قائل: إن بعض أصحابك ذهب إلى أن قال: إنما نهى عن الخطبة إذا ركنت المرأة فقلت هذا كلام لا معنى له أفرأيت إن كان ذهب إلى أنها إذا ركنت أشبه بالنكاح منها قبل أن تركن، فقيل له: أفرأيت إن خطبها رجل فشتمته وآذته ثم عاد فتركت شتمه وسكتت ثم عاد فقالت: أنظر أليست في كل حال من هذه الأحوال أقرب إلى أن تكون رضيت بنكاحه منها على الحال التي قبلها لأنها إذا تركت الشتم فكأنها قريبة من الرضا وإذا قالت: انظر فهي أقرب من الرضا منها إذا تركت الشتم ولم تقل: انظر أرأيت إن قال له قائل: إذا كان بعض هذا لم يسع غيره الخطبة، هل الحجة عليه إلا أن يقال هي راكنة وقريبة من الرضا ومستدل على هواها لا يجوز إنكاحها وإذا لم يجز إنكاحها فلا حكم يخالف هذا منها إلا أن تأذن لوليها أن يزوجها وإذا لم تأذن لوليها أن يزوجها فليس له أن يزوجها وإن زوجها رد النكاح وهي إذا أذنت بالنكاح فعلى وليها تزويجها فإن لم يفعل زوجها الحاكم وإذا زوجت بعد الإذن جاز النكاح ولا افتراق لحالها أبدا إلا الإذن وما خالف من ترك الإذن وسن قال: إذا ركنت خالف الأحاديث كلها فلم يجز الخطبة بكل حال لحديث فاطمة ولم يردها بكل حال لجملة حديث ابن عمر وأبي هريرة ولم يستدل ببعضها على بعض فيأتي بمعنى يعرف.
قال الشافعي: وقول من زاد في الحديث حتى يأذن أو يترك لا يحيل من الأحاديث شيئا وإذا خطبها رجل فأذنت في إنكاحه ثم ترك نكاحها وأذن لخاطبها جاز لغيره أن يخطبها وما لم يفعل لم يجز.
قال الشافعي: فإن قال قائل: فمن أين ترى هذا كان في الرواية هكذا قيل والله أعلم.
أما أن يكون حضر سائلا سأل رسول الله عن رجل خطب امرأة فأذنت فيه فقال رسول الله: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، يعني في الحال التي سأل فيها على جواب المسألة فسمع هذا من النبي ولم يحك ما قال السائل أو سبقته المسألة وسمع جواب النبي فاكتفى به وأداه، ويقول رسول الله: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه إذا أذنت أو كان حال كذا فأدى بعض الحديث ولم يؤد بعضا أو حفظ بعضا وأدى ما يحفظه ولم يحفظ بعضا فأدى ما أحاط بحفظه ولم يحفظ بعضا فسكت عما لم يحفظ أوشك في بعض ما سمع فأدى ما لم يشك فيه وسكت عما شك فيه منه أو يكون فعل ذلك من دونه ممن حمل الحديث عنه وقد اعتبرنا عليهم وعلى من أدركنا فرأينا الرجل يسأل عن المسألة عنده حديث فيها فيأتي من الحديث بحرف أو حرفين يكون فيهما عنده جواب لما يسأل عنه ويترك أول الحديث وآخره فإن كان الجواب في أوله ترك ما بقي عنه وإن كان جواب السائل له في آخره ترك أوله وربما نشط المحدث فأتى بالحديث على وجهه ولم يبق منه شيئا ولا يخلو من روى هذا الحديث عن النبي عندي والله أعلم من بعض هذه المعاني.
باب الصوم لرؤية الهلال والفطر له
صفحة : 2713
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له وكان عبد الله بن عمر يصوم قبل الهلال بيوم قيل لإبراهيم يتقدمه قال: نعم. أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير عن ابن عباس قال: عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله: لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه . أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما، كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين . أخبرنا عمرو بن أبي علقمة عن سلمة عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه . قال الشافعي: وبهذا كله نأخذ والظاهر من أمر رسول الله والله أعلم أن لا يصام حتى لا يرى الهلال لأن الله جعل الأهلة مواقيت للناس والحج وقدرها يتم وينقص فأمرهم الله أن لا يصوموا حتى يروا الهلال على معنى أن ليس بواجب علكيم أن تصوموا حتى تروا الهلال وإن خفتم أن يكون قد رآه غيركم فلا تصوموا حتى تروه على أن عليكم صومه ولا تفطروا حتى تروه لأن عليكم إتمامه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يعني فيما قبل الصوم من شعبان ثم تكونوا على يقين من أن يكون لكم الفطر لأنكم قد صمتم كمال الشهر، قال وابن عمر سمع الحديث كما وصفت وكان ابن عمر يتقدم رمضان بيوم، قال: وحديث الأوزاعي: لا تصوموا إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم يحتمل معنى مذهب ابن عمر في صومه قبل رمضان إلا أن تصوموا على ما كنتم تصومون متطوعين لا إن عليكم واجبا أن تصوموا إذا لم تروا الهلال، قال: ويحتمل خلافه من أن يرى أن لا يوصل رمضان بشيء من الصوم إلا أن يكون رجل اعتاد صوما من أيام معلومة فوافق بعض ذلك الصوم يوم يصل شهر رمضان. قال الشافعي: فاختار أن يفطر الرجل يوم الشك في هلال رمضان إلا أن يكون يوما كان يصومه فاختار صيامه وأسأل الله التوفيق ولهذا نظير في الصلاة سنذكره في موضعه إن شاء الله وهو النهي عن الصلاة في ساعات من النهار. باب نفي الولد حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب أو أبي سلمة عن أبي هريرة الشك من سفيان أن رسول الله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر . أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي ﷺ أن عبد بن زمعة وسعدا اختصما إلى رسول الله ﷺ في ابن أمة زمعة فقال: سعد: يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فاقبضه فإنه ابني، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى شبها بينا بعتبة فقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة. أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة كان يسكن دارنا فذهبت معه إلى عمر بن الخطاب فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال: أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال عمر: صدق ولكن رسول الله قضى بالفراش. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي وذكر حديث المتلاعنين فقال: قال النبي انظروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا وقد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا قال: فجاءت به على النعت المكروه. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عبد الله بن عتبة أن رسول الله قال: إن جاءت به أميغر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج جعدا فهو للذي يتهمه، قال: فجاءت به أديعج .
صفحة : 2714
قال الشافعي: وفي حديث إبراهيم بن سعد من الوجهين عن النبي دلالة على أن رسول الله نفى الولد عن الزوج لأنه لو لم ينفه عنه لم يأمر والله أعلم بالنظر إليه ودلالة على أن أحكام الله ورسوله في الدنيا على الظاهر من أمرهم، وأحكام الله على الناس في الآخرة على سرائرهم لأن الله لا يطلع على السرائر غيره وفي ذلك إبطال أن يحكم الناس في شيء أبدا بغير الظاهر وإبطال أحكام التوهم كلها من الذرائع وما يغلب على سامعه وما سواها ولأني لا أعلم شيئا بعد أمر المنافقين أبين من أن يقول رسول الله للملاعنة وهي حبلى: إن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه وإن جاءت به كذا فلا أحسبه إلا قد كذب عليها فتأتي به على ما وصف أنه للذي يتهمه ثم لا يحد الذي يتهم به ولا هي. قال الشافعي: وفي حديث مالك عن نافع ما في هذه الأحاديث من الحاق النبي الولد بالمرأة وذلك نفيه عن أبيه وهو أبين من هذه في نفي الولد عن أبيه عند من ليس له نظر. قال الشافعي: وليس يخالف حديث نفي الولد عمن ولد على فراشه، قول النبي: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ومعنى قوله: الولد للفراش معنيان أحدهما وهو أعمهما وأولاهما أن الولد للفراش ما لم ينفه رب الفراش باللعان الذي نفاه به عنه رسول الله، فإذا نفاه باللعان فهو منفي عنه وغيره لاحق بمن ادعاه بزنا وإن أشبه كما لم يلحق النبي المولود الذي نفاه زوج المرأة باللعان ولم ينسبه إلى رجل بعينه وعرف النبي ﷺ شبهه به لأنه ولد على غير فراش وترك النبي أن يلحقه به مثل قوله: وللعاهر الحجر فجعل ولد العاهر لا يلحق كان العاهر له مدعيا أو غير مدع. قال الشافعي: والمعنى الثاني إذا تنازع الولد رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش وإن نفى الرجل الولد بلعان فهو منفي وإن حدث إقرار بعد اللعان فالولد لاحق به لأن المعنى الذي نفي به عنه بالتعانه وكذلك إذا أقر بكذبه بالالتعان كان الولد للفراش كما قال رسول الله ولو أقر به مرة لم يكن له نفيه بعد إقراره باللعان لأن إقراره بكل حق لآدمي مرة يلزمه ولا يخرجه منه شيء غيره وقد قال قائل من غير أهل العلم: لا أنفي الولد باللعان وأجعل الولد لزوج المرأة بكل حال لأن النبي قال: الولد للفراش وقوله: الولد للفراش حيث مجمع عليه ونفي الولد عن رب الفراش حديث يخالف الولد للفراش، قال: وحديث الولد للفراش ثابت وكذلك حديث نفي الولد باللعان، والحديث أن النبي نفى الولد عن المتلاعنين وألحقه بأمه أوضح معنى وأحرى أن يكون فيه شبهه من حديث الولد للفراش، لأنه إذا نص الحديث في الولد للفراش فإنما هو أن رجلين تنازعا ولدا أحدهما يدعيه لرب أمه الواطىء لها بالملك، والآخر يدعيه لرجل وطىء تلك الأمة بغير ملك ولا نكاح فقضى رسول الله ﷺ بنسبه بمالك الأمة. أفرأيت لو قال لنا قائل: إذا كان مثل هذا الولد للفراش لأن رسول الله إنما ألحقه بالفراش بالدعوى لصاحب الفراش وإذا لم يكن هذا فولد مولود على فراش رجل لم ألحقه له إلا بدعوى يحدثها له، هل الحجة عليه? إلا أن معقولا في الحديث أن يثبت النسب بالحلال ولا يثبت بالحرام أن لم يكن نصا بأن الولد للفراش بدعوة رب الفراش وأن يكون يدعيه له من يجوز دعوته عليه فحديث إلحاق الولد بالمرأة بين بنفسه لا يحتاج فيه إلى تفسير من غيره فلا يحتمل تأويلا ولم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم. قال الشافعي: أرأيت لو أن رجلا عمد إلى سنة لرسول الله فخالفها أو إلى أمر عرف عوام من العلماء مجتمعين عليه لم يعلم لهم فيه منهم مخالفا فعارضه، أيكون له حجة بخلافه أم يكون بها جاهلا يجب عليه أن يتعلم لأنه لو جاز هذا لأحد، كان لكل أحد أن ينقض كل حكم بغير سنة وبغير اختلاف من أهل العلم فمن صار إلى مثل ما وصفت من أن لا ينفى الولد بلعان خالف سنة رسول الله ثم ما أعلم المسلمين اختلفوا فيه ثم من أعجب أمر قائل هذا القول أنه يدعي القول بالإجماع وإبطال غيره فما يعدو أن يكون رجلا لا يعرف إجماعا ولا افتراقا في هذا أو يكون رجلا لا يبالي ما قال. باب في طلاق الثلاث المجموعة
صفحة : 2715
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي الصهباء قال لابن عباس: إنما كانت الثلاث على عهد رسول الله تجعل واحدة وأبي بكر وثلاث من إمارة عمر فقال ابن عباس: نعم.
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال: طلقت امرأتي ألفا فقال: تأخذ ثلاثا وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين.
أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن مجاهد قال رجل لابن عباس: طلقت امرأتي مائة فقال تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين.
قال الشافعي: فإن كان معنى قول ابن عباس أن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله، واحدة يعني أنه بأمر النبي فالذي يشبه والله أعلم أن يكون ابن عباس قد علم أن كان شيئا فنسخ، فإن قيل: فما دل على ما وصفت? قيل: لا يشبه أن يكون يروي عن رسول الله شيئا ثم يخالفه بشيء لم يعلمه كان من النبي فيه خلافه فإن قيل فلعل هذا شيء روي عن عمر فقال فيه ابن عباس بقول عمر قيل: قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة وبيع الدينار بالدينارين وفي بيع أمهات الأولاد وغيره فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبي فيه خلافه فإن قيل: فلم لم يذكره? قيل وقد يسأل الرجل عن الشيء فيجيب فيه ولا يتقصى فيه الجواب ويأتي على الشيء ويكون جائزا له كما يجوز له لو قيل: أصلى الناس على عهد رسول الله إلى بيت المقدس? وأن يقول: نعم. وإن لم يقل ثم حولت القبلة قال: فإن قيل فقد ذكر على عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر قيل والله أعلم وجوابه حين استفتى يخالف ذلك كما وصفت، فإن قيل: فهل من دليل تقوم به الحجة في ترك أن تحسب الثلاث واحدة في كتاب أو سنة أو أمر أبين مما ذكرت. قيل: نعم.
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان رجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له ون طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا، فأنزل الله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق وذكر بعض أهل التفسير هذا فلعل ابن عباس أجاب على أن الثلاث والواحدة سواء وإذا جعل الله عدد الطلاق على الزوج وأن يطلق متى شاء فسواء الثلاث والواحدة وأكثر من الثلاث في أن يقضي بطلاقه.
قال الشافعي: وحكم الله في الطلاق أنه مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقوله فإن طلقها يعني والله أعلم الثلاث فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فدل حكمه أن المرأة تحرم بعد الطلاق ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره وجعل حكمه بأن الطلاق إلى الأزواج يدل على أنه إذا حدث تحريم المرأة بطلاق ثلاث وجعل الطلاق إلى زوجها فطلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة حرمت عليه بعدهن حتى تنكح زوجا غيره كما كانوا مملكين عتق رقيقهم فإن أعتق واحدا أو مائة في كلمة لزمه ذلك كما يلزمه كلها جمع الكلام فيه أو فرقه مثل قوله لنسوة: أنتن طوالق ووالله لا أقربكن وأنتن علي كظهر أمي، وقوله لفلان: علي كذا ولفلان علي كذا ولفلان علي كذا فلا يسقط عنه بجمع الكلام معنى من المعاني جميعه كلام فيلزمه بجمع الكلام ما يلزمه بتفريقه، فإن قال قائل: فهل من سنة تدل على هذا? قيل: نعم.
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن الزبير عن عائشة أنه سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة? لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ، قال وأبو بكر عند النبي وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر: ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله ﷺ.
صفحة : 2716
قال الشافعي: فإن قيل: فقد يحتمل أن يكون رفاعة بت طلاقها في مرات قلت ظاهره في مرة واحدة وبت إنما هي ثلاث إذا احتملت ثلاثا، وقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة? لا حتى يذوق عسيلتك ولو كانت عائشة حسبت طلاقها بواحدة كان لها أن ترجع إلى رفاعة بلا زوج فإن قيل: أطلق أحد ثلاثا على عهد النبي قيل: نعم، عويمر العجلاني طلق امرأته ثلاثا قبل أن يخبر النبي أنها تحرم عليه باللعان فلما أعلم النبي نهاه وفاطمة بنت قيس تحكي للنبي أن زوجها بت طلاقها تعني والله أعلم أنه طلقها ثلاثا، وقال النبي: ليس لك عليه نفقة والله أعلم، لا رجعة له عليها ولم أعلمه عاب طلاق ثلاث معا. قال الشافعي: فلما كان حديث عائشة في رفاعة موافقا ظاهر القرآن وكان ثابتا كان أولى الحديثين أن يؤخذ والله أعلم وإن كان ليس بالبين فيه جدا. قال الشافعي: ولو كان الحديث الآخر له مخالفا كان الحديث الآخر يكون ناسخا والله أعلم وإن كان ذلك ليس بالبين فيه جدا. باب طلاق الحائض حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد عن أبي جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الله بن أيمن يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا. فقال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد النبي فقال النبي: ليرتجعها فردها علي ولم يرها شيئا فقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال رسول الله: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه: هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله? قال: نعم. قال الشافعي: حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي أمر عمر أن يأمر ابن عمر أن يراجع امرأته دليل بين على أنه لا يقال له راجع إلا ما قد وقع عليه طلاقه لقول الله في المطلقات: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ولم يقل هذا في ذوات الأزواج وأن معروفا في اللسان بأنه إنما يقال للرجل: راجع امرأتك إذا افترق هو وامرأته وفي حديث أبي الزبير شبيه به ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه وقد وافق نافعا غيره من أهل التثبيت في الحديث فقيل له: أحسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله تطليقة? فقال: فمه أو أن عجز يعنى أنها حسبت قال: والقرآن يدل على أنها تحسب قال الله عز وجل: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان لم يخصص طلاقا دون طلاق. قال الشافعي: وما وافق ظاهر كتاب الله من الحديث أولى أن يثبت مع أن الله إذا ملك الأزواج الطلاق وجعله إحداث تحريم الأزواجن بعد أن كن حلالا وأمروا أن يطلقوهن في الطهر فطلق رجل في خلاف الطهر لم تكن المعصية، إن كان عالما تطرح عنه التحريم ثم إذا حرمت بالطلاق وهو مطيع في وقته كانت حراما بالطلاق إذا كان عاصيا في تركه الطلاق في الطهر لأن المعصية لا تزيد الزوج خيرا إن لم تزده إلا شرا، فإن قيل: فهل لقوله فلم تحسب شيئا وجه? قيل له: الظاهر فلم تحسب تطلقة وقد يحتمل أن تكون لم تحسب شيئا صوابا غير خطأ يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه، ألا ترى أنه يؤمر بالمراجعة ولا يؤمر بها الذي طلق طاهرا امرأته كما يقال للرجل: أخطأ في قوله أو أخطأ في جواب أجاب به لم يصنع شيئا صوابا. قيل له أخبركم أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي بها سنة إحدى وسبعين وخمسمائة أخبرنا الشيخان أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا وأبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن الفرج الدودي قالا ثنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري قراءة وهو يسمع أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيوية قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني حدثنا الربيع بن سليمان قال ثنا الشافعي قال. باب بيع الرطب باليابس من الطعام
صفحة : 2717
حدثنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت قال له سعد: أيهما أفضل? فقال: البيضاء فنهى عن ذلك وقال: سمعت رسول الله يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله: أينقص الرطب إذا يبس? قالوا: نعم فنهى عن ذلك. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن المزابنة ، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا. أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بكيلها تمرا يأكلها أهلها رطبة. أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله نهى عن بيع التمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع التمر بالتمر وقال عبد الله بن عمر: وحدثنا زيد بن ثابت أن رسول الله أرخص في بيع العرايا. قال الشافعي: وبهذا كله نأخذ وليس فيه حديث يخالف صاحبه، إنما النهي عن المزابنة وهي كل بيع كان من صنف واحد من الطعام بيع منه كيل معلوم بجزاف وكذلك جزاف بجزاف لأن بينا في سنة رسول الله أن يكون الطعام بالطعام من صنفه معلوما عند البائع والمشتري مثلا بمثل ويدا بيد والجزاف بالكيل والجزاف بالجزاف مجهول وأصل نهي النبي عن بيع الرطب بالتمر لأن الرطب ينقص إذا يبس في معنى المزابنة إذا كان ينقص إذا يبس فهو تمر بتمر أقل منه وهو لا يصلح بأقل منه وتمر بتمر لا يدري كم مكيلة أحدهما من الآخر الرطب إذا يبس فصار تمرا لم يعلم قدره من قدر التمر وهكذا قلنا لا يصلح كل رطب بيابس في حال من الطعام إذا كانا من صنف واحد ولا رطب برطب لأن رسول الله إنما نهى عن بيع الرطب بالتمر لأن الرطب ينقص ونظر في المتعقب من الرطب وكذلك لا يجوز رطب برطب لأن نقصهما يختلف، لا يدري كم نقص هذا ونقص هذا، فيصير مجهولا بمجهول وسواء كان الرطب بالرطب من الطعام من نفس خلقته أو رطبا بل بغير مبلول. قال الشافعي: وإذا رخص رسول الله ﷺ في بيع العرايا وهي رطب بتمر كان نهيه عن الرطب بالتمر والمزابنة عندنا والله أعلم من الجمل التي مخرجها عام وهي يراد بها الخاص والنهي عام على ما عدا العرايا والعرايا مما لم تدخل في نهيه لأنه لا ينهي عن أمر يأمر به إلا أن يكون منسوخا ولا نعلم ذلك منسوخا والله أعلم. قال الشافعي: والعرايا أن يشتري الرجل تمر النخلة وأكثر بخرصه من التمر يخرص الرطب رطبا ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصه تمرا يقبض التمر قبل أن يتفرق البائع والمشتري فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع كما يفسد في الصرف ولا يشتري رجل من العرايا إلا ما كان خرصه تمرا أقل من خمسة أوسق فإذا كان أقل من خمسة أوسق بشيء وإن قل جاز فيه البيع، فإن قال قائل: كيف يجوز البيع فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما هو أكثر منها? قيل: يجوز بما أجازه به رسول الله الذي فرض الله طاعته ولم يجعل لأحد أن يقول معه إلا باتباعه ويرد بما رده به عليه السلام. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله أرخص في بيع العرايا ما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق. الشك من داود . قال الشافعي: وفي توقيت رسول الله ﷺ إجازته بمكيلة من العرايا دليل على منع ما هو أكثر منها فهو ممنوع بيعه في الحديث نفسه ولو قال قائل: وأدخله في بيع الرطب بالتمر والمزابنة لكان مذهبا يصح عندنا والله أعلم، ولا تكون العرايا إلا من نخل أو عنب لأنه لا يخرص غيرهما. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: ولا يجوز بيع تمر بتمر إلا مثلا بمثل، كيلا بكيل، ولا يجوز وزنا بوزن لأن أصله الكيل. باب الخلاف في العرايا
صفحة : 2718
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: ولم يجد الذين يظهرون القول بالحديث في شيء من الأحاديث من الشبه ما وجدوا في المجمل مع المفسر وذلك أنهم يلقون بهما قوما من أهل الحديث ليس لهم بصر بمذاهبه فيشبهون عليهم وقد ذكرنا بعض ما يدل على ما وراءه من المجمل مع المفسر، وقال بعض الناس في بيع الرطب بالتمر حلالا فخالفه بعض أصحابه ووافقنا وقال: لا يجوز لنهي النبي ﷺ ثم عاد صاحبه الذي خالفه فقال: لا بأس، بحنطة بحنطة مبلولة وإحداهما أكثر ابتلالا من الأخرى ولا رطب برطب ولم يزد على أن أظهر الأخذ بالحديث جملة ثم خالف معناه فيما وصفت وقال: ولا بأس بتمرة بتمرتين وثلاث بأربع لأن هذا لا يكال فقيل له: إذا كان التمر محرما إلا كيلا بكيل فكيف أجزت منه قليلا بأكثر? فإن قال: لا يكال فهكذا كل التمر إذا فرق قليلا وإنما تجمع تمرة إلى أخرى فتكال وفي نهي النبي إلا كيلا بكيل دليل على تحريمه عددا بعدد مثله أو أقل أو أكثر منه فقد أجزته متفاضلا لأن رسول الله نهى عنه إلا مستويا بالكيل. قال الربيع: قال يعني الشافعي: وخالفونا معا في العرايا فقالوا: لا نجيز بيعها، وقالوا: نرد إجازة بيعها بنهي النبي عن المزابنة ونهيه عن الرطب بالتمر وهي داخلة في المعنيين فقيل لبضع من قال هذا منه: فإن أجاز إنسان بيع المزابنة بالعرايا لأن النبي قد أجاز بيع العرايا، قال: ليس ذلك له قلنا: هل الحجة عليه إلا كهي عليكم في أن يطاع رسول الله فنحل ما أحل ونحرم ما حرم، أرأيت لو أدخل عليكم أحد مثل هذا. فقال: أنتم تقولون إن النبي قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وتقولون في الحديث دلالة على أن لا يعطى إلا ببينة ومن حلف برىء، لم تقولون في قتيل يوجد في محلة يحلف أهل المحلة ويغرمون الدية فتغرمون من حلف وتعطون من لم تقم له البينة، أفخالفتم حديث النبي ﷺ: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قالوا: لا ولكنه جملة يحتمل أن يراد به الخاص ولما وجدنا عمر يقضي في القسامة فيعطي بغير بينة ويحلف ويغرم، قلنا: جملة البينة على المدعي عام أريد به الخاص لأن عمر لا يجهل قول النبي ولا يخالفه. قال الشافعي: فقيل له: أقول رسول الله أدل على قوله أم قول غيره قال: لا بل قول رسول الله أدل على قوله، قلت وهو الذي زعمنا نحن وأنت لأنه لا يستدل على قول رسول الله ولا غيره إلا بقول نفس القائل وأما غيره فقد يخفي علينا قوله، قال: وكيف تقول? قلت: أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة وبيع الرطب بالتمر سوى العرايا وأزعم أن لم يرد بما حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم فأطيعه في الأمرين وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى عنه النهي عن المزابنة، روي أن النبي أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم ههنا موضع فنقول: الحديثان مختلفان ولقد خالفه في فروع بيع الرطب بالتمر، قال: ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال لا تباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ، قال: فما علمته أحلها فيحلها لكل مشتر ولا حرمها فيقول قول: من حرمها وزاد فقال: تباع بتمر نسيئة والنسيئة عنده في الطعام حرام ولم يذكر عن النبي ولا غيره أنه أجاز أن تباع بدين فكيف جاز لأحد أن يجعل الدين في الطعام بلا خبر عن رسول الله وأن يحل بيعا من إنسان يحرمه من غيره فشركهم صاحبنا في رد بيع العرايا في حال وزاد عليهم إذا أحلها إلى الجذاذ فجعل طعاما بطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لأن الجذاذ مجهول والآجال لا تجوز إلا معلومة، قال: والعرايا التي أرخص رسول الله فيها فيما ذكر محمد بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت فقلت: ما عراياكم هذه التي تحلونها? فقال: فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فأرخص لهم رسول الله أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا. باب بيع الطعام حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه . أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه.
صفحة : 2719
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أما الذي نهى عنه رسول الله فهو الطعام أن يباع حتى يستوفى وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله. أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس قال: قدم النبي المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله: من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم . أخبرنا الثقة عن أيوب عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال: نهاني النبي ﷺ عن بيع ما ليس عندي . قال الشافعي: وليس شيء من هذه الآحاديث مختلفا ولكن بعضها من الجمل التي تدل على معنى المفسر وبعضها أدى فيها أكثر مما أدى في بعضه قال: فسألني مقدم من أهل العلم ممن يكثر خلافنا ويدخل المجمل على المفسر والمفسر عليه المجمل فقال: أرأيت هذه الأحاديث أمختلفة هي? قلت ما يخالف منها واحدا واحدا قال: فابن لي من أين اتفقت ولم تختلف قلت: أما ابن عمر فيقول: إن رسول الله قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه. فدل هذا على أن لا يجوز لمبتاع طعاما بيعه قبل أن يستوفيه لأنه والله أعلم مضمون بالبيع على البائع فلا يكون من ضمان غيره بالبيع ويأخذ هو ثمنه وربحه وهو لو هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المبتاع أخذ منه رأس ماله وكان كمن لا بيع بينه وبينه وأما حديث طاوس عن ابن عباس فمثل حديث ابن عمر والله أعلم إلا أنه لم يذكر فيه من ابتاع طعاما وفيه دلالة، إذ قال: أما الذي نهى عنه رسول الله ﷺ فالطعام أن يباع حتى يعلم يعني حتى يكال وإذا اكتاله المشتري فقد استوفاه وإن كان حديث ابن عمر أوضح معنى منه فأما حديث حكيم بن حزام فإن رسول الله نهاه والله أعلم عن أن يبيع شيئا بعينه لا يملكه والدليل على أن هذا معنى حديث حكيم بن حزام والله أعلم حديث أبي المنهال عن ابن عباس أن رسول الله أمر من سلف في تمر سنتين أو ثلاث أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا بيع ما ليس عند المرء ولكنه بيع صفة مضمومة على بائعها وإذا أتى بها البائع لزمت المشتري وليست بيع عين، بيع العين إذا هلكت قبل قبض المبتاع انتقض فيها البيع ولا يكون بيع العين مضمونا على البائع فيأتي بمثله إذا هلكت فقال كل ما قلت كما قلت وبه أقول، فقلت له: ولا تجعل عن رسول الله حديثين مختلفين أبدا إذا وجد السبيل إلى أن يكونا مستعملين فلا نعطل منهما واحدا لأن علينا في كل ما علينا في صاحبه ولا نجعل المختلف إلا فيما لا يجوز أن يستعمل أبدا إلا لطرح صاحبه قال: فقلت له: ولو ذهب ذاهب في هذه الأحاديث إلى أن يجعلها مختلفة فيقول: حكى ابن عباس قدوم النبي المدينة وهم يسلفون فأمرهم أن يسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا أول مقدمة، ثم حكى حكيم بن حزام وإنما صحبه بعد الفتح أن النبي نهاه عن بيع ما ليس عنده والسلف في صفة بيع ما ليس عنده فلا يحل السلف. هل الحجة عليه إلا أن يقال له: السلف صنف من البيع غير بيع العين ونستعمل الحديثين معا ونجد عوام المفتين يستعملونهما وفي استعمال عوام المفتين إياهما دليل على أن الحجة تلزمهم بأن يستعملوا كل ما كان في معناهما ولا يتفرقوا فيه كما اجتمعوا على استعمال هذين والدليل على أن الحجة مع من استعملها دون من لم يستعملها قال: نعم. قال: فقلت له: هكذا الحجة عليك في كل ما ذهبت إليه من أن تجعل المفسر مرة حجة على المجمل والمجمل حجة على المفسر في القسامة واليمين مع الشاهد والبينة على المدعي وبيع العرايا والمزابنة وغير ذلك مما كثر مما أسمعك تذهب فيه إلى الطريق التي أرى أن تقلبها عن طريق النص بأنها تضاد انتشار الخلاف بين الأحاديث والله أعلم. ولكنك تذهب فيها إلى الاستتار من كثرة خلاف الحديث عند من لعله لا يبصر في أنه قال ذلك ممن يعيب عليك خلاف الحديث. باب المصراة الخراج بالضمان حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله قال: الخراج بالضمان . أخبرنا مسلم عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: الخراج بالضمان .
صفحة : 2720
قال الشافعي: وأحسب بل لا أشك إن شاء الله أن مسلما نص الحديث فذكر أن رجلا ابتاع عبدا فاستعمله ثم ظهر منه على عيب فقضى له رسول الله برده بالعيب فقال المقضي عليه: قد استعمله فقال رسول الله: الخراج بالضمان . أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك لهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر . أخبرنا سفيان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي مثله إلا أنه قال: ردها وصاعا من تمر لا سمراء. قال الشافعي: وحديث الخراج بالضمان وحديث المصراة واحد، وهما متفقان فيما اجتمع فيه معناهما وفي حديث المصراة شيء ليس في حديث الخراج بالضمان قال: وذلك أنه مبتاع الشاة أو الناقة المصراة مبتاع لشاة أو ناقة فيها لبن ظاهر وهو غيرهما كالثمر في النخلة الذي إذا شاء قطعه وكذلك اللبن إذا شاء حلبه واللبن مبيع مع الشاة وهو سواها وكان في ملك البائع فإذا حلبه ثم أراد ردها بعيب التصرية، ردها وصاعا من تمر، كثر اللبن أو قل، كان قيمته أو أقل من قيمته لأن ذلك شيء وقته رسول الله ﷺ بعد أن جمع فيه بين الإبل والغنم والعلم يحيط أن ألبان الإبل والغنم مختلفة الكثرة والأثمان وأن ألبان كل الإبل والغنم مختلفة وكذلك البقر لأنها في معناها، قال: فإن رضي الذي ابتاع المصراة أن يمسكها بعيب التصرية ثم حلبها زمانا ثم ظهر منها على عيب غير التصرية فإن ردها بالعيب ردها ولا يرد اللبن الذي حلبه بعد لبن التصرية لأنه لم يكن في ملك البائع وإنما كان حادثا في ملك المبتاع كما حدث الخراج في ملكه ويرد صاعا من تمر للبن التصرية فقط. قال الشافعي: وإذا ابتاع العبد فإنما ابتاعه بعينه وما حديث له في يده من خدمة أو خراج أو مال أفاده فهو للمشتري لأنه حادث في ملكه لم تقع عليه صفقة البيع فهو كلبن الشاة الحادث بعد لبن التصرية في ملك مشتريها لا يختلف وكذلك نتاج الماشية، يشتريها فتنتج ثم يظهر منها على عيب فيردها دون النتاج وكذلك لو أخذ لها أصوافا أو شعورا أو أوبارا وكذلك لو أخد للحائط ثمرا إذا كانت يوم يردها بحالها يوم أخذها أو أفضل وهكذا وطء الأمة الثيب قد دلس له فيها بعيب يردها ولا شيء عليه في الوطء والخراج والخدمة ليسا بأكثر مما وصفت من وطء ثيب لا ينقصها الوطء وأخذ ثمرة ولبن ونتاج إذا لم ينقص الشجر والأمهات وكذلك كراء الدار يبتاعها فيستغلها ثم يظهر منها على عيب يكون له به الكراء ضمان يحل له بالبيع بكل حار. ألا ترى أنه يحل له في كل شيء دلس له فيه بعيب مما وصفت أن يمسكه بعيبه ويموت ويهلك فيهلك من ماله ويعتق المماليك فيقع عليهم عتقه لأنه مالك تام الملك جعل له رسول الله ﷺ خيارا فيما دلس له به إن شاء رده إذا جعل له إن شاء رده فقد جعل له إن شاء أن يمسكه فقد أبان رسول الله أن له أن يمسك في الشاة المصراة فقال: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر مع إبانته الأول بقوله إن شاء رده. قال الشافعي: فأما ما ضمن ببيع فاسد أو غصب أو غير ملك صحيح فلا يكون له خراجه ولا يكون له منفعة ما لا يحل له حبسه وكيف يجوز إذا جعل رسول الله المنفعة من المملوك للذي يحل له ملكه المالك المدلس أن يحيل معناه أن يجعل لغير مالك ولمن لا يحل له حبس الذي فيه المنفعة فيكون قد أحيل إلى ضده وخولف فيه معنى قول رسول الله ﷺ باب الخلاف في المصراة
صفحة : 2721
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: فخالفنا بعض الناس في المصراة فقال الحديث فيها ثابت ولكن الناس كلهم تركوه فقلت له: أفتحكي لي عن أحد من أصحاب رسول الله أنه تركه? قال: لا. قلت: فأنت تحكي عن ابن مسعود أنه قال فيها مثل معنى ما روي عن رسول الله ﷺ، وقلت له: أو تحكي عن أحد من التابعين أنه تركه فما علمته ذكر في مجلسه ذلك أحدا منهم يخالفه، قال: إنما عنيت بالناس المفتين في زماننا أو قبلنا لا التابعين قلت له: أتعني بأي البلدان? قال: الحجاز والعراق، فقلت له: فاحك لي من تركه بالعراق، قال: أبو حنيفة لا يقول به وأصحابه إلا رجلا واحدا لأنهم قبلوه عن واحد، قال: فلم أعلم غيره قال به، قلت: أنت أخبرتنا عن ابن أبي ليلى أنه قال: يردها وقيمة اللبن يومئذ قال: وهكذا كان يقول ولكن لا نقول به، فقلت: أجل، ولكن ابن أبي ليلى قد زاد الحديث فتأول فيه شيئا يحتمله ظاهره عندنا على غيره فقلنا بظاهره وابن أبي ليلى أراد اتباعه لا خلافه قال: فما كان مالك يقول فيه، قلت: أخبرني من سمعه يقول فيه بالحديث قال: فما كان الزنجي يقول فيه، قلت: سمعته يفتي فيه بمعنى الحديث. قال الشافعي: وقلت له ما كان من يفتي بالبصرة يقول فيه قال: ما أدري. قلت: أفرأيت من غاب عنك قوله من أهل البلدان أيجوز لي أن أقول على حسن الظن بهم وافقوا حديث رسول الله قال: لا إلا أن تعلم قولهم. قال الشافعي: فقلت: فقد زعمت أن الناس كلهم تركوا القول بحديث رسول الله في المصراة وزعمت على لسانك أنه لا يجوز لك ما قلت ولم يحصل في يديك من الناس أحد، تسميه غير صاحبك وأصحابه. قال الشافعي: وقلت له: وهل وجدت لرسول الله حديثا يثبته أهل الحديث يخالفه عامة الفقهاء إلا إلى حدث لرسول الله مثله قال: كنت أرى هذا قلت: فقد علمت الآن أن هذا ليس هكذا قال: وكنت أرى حديث جابر أن معاذا كان يصلي مع النبي العتمة ثم يأتي بني سلمة فيصلي بقومه العتمة هي له نافلة ولهم فريضة فوجدنا أصحابكم المكيين عطاء وأصحابه يقولون به ووجدنا وهب بن منبه والحسن وأبا رجاء العطاردي وبعض مفتي أهل زماننا يقولون به قلت: وغير من سميت قال: أجل وفي هؤلاء ما دل على أن الناس لم يجمعوا على تركه قلت له: ولقد جهدت منذ لقيت وجهدنا أن نجد حديثا واحدا يثبته أهل الحديث خالفته العامة فما وجدنا إلا أن يخالفوه إلى حديث رسول الله فذكر حديثا قلت: أثابت هو قال: لا فقلت ما لا يثبت مثله فليس بحجة لأحد ولا عليه قال: فكيف نرد صاعا من تمر ولا نرد ثمن اللبن قلت: أثبت هذا عن النبي? قال: نعم قلت: وما يثبت عن النبي ﷺ فليس فيه إلا التسليم فقولك وقول غيرك فيه لم وكيف خطأ. قال بعض من حضره: نعم، قلت: فدع كيف إذا قررت أنها خطأ في موضع فلا تضعها الموضع الذي هي فيه خطأ، قال بعض من حضره: وكيف كانت خطأ? قلت: إن الله تعبد خلقه في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ بما شاء لا معقب لحكمه فعلى الناس اتباع ما أمروا به وليس لهم فيه إلا التسليم وكيف إنما تكون في قول الآدميين الذين يكون قولهم تبعا لا متبوعا ولو جاز في القول اللازم كيف حتى يحمل على قياس أو فطنة عقل ما لم يكن للقول غاية ينتهي إليها وإذا لم يكن له غاية ينتهي إليها بطل القياس ولكن القول قولان، قول فرض لا يقال فيه كيف، وقول تبع يقال فيه كيف يشبه بالقول الغاية. قال الربيع: والقول الغاية الكتاب والسنة. قال الشافعي: قلت له هل تعلم في قضاء رسول الله ﷺ الخراج بالضمان معنى إلا اثنين? قال: ما هما? قلت: إن الخراج حادث بعمل العبد ولم يكن في ملك البائع ولم يكن له فيه حصة من الثمن فلا يجوز لما كان هكذا في ملك المشتري أن يكون إلا للمشتري وأنه ﷺ قضى به للمالك ملكا صحيحا.
صفحة : 2722
قال: لا. قلت: فإنك لما فرعت خالفت بعض معناهما معا قال: وأين خالفت? قلت: زعمت أنه خراج العبد والأمة وخدمتهما وما ملكا بهبة أو وصية أو كنز وجداه أو غيره من وجوه الملك يكون ليسده الذي اشتراه ودلس له فيه بالعيب وله رده والخدمة وما ملك العبد بلا خراج غير الخراج. فإذا قيل لك: لم تجعل ذلك له وهو غير الخراج والخراج يكون بعمله وما وهب له يكون بغير عمله ولا يشغله عن خدمته فقلت: لأنه حادث في ملكه ليس مما انعقدت عليه صفة البيع، وزعمت أن ألبان الماشية وإنتاجها وصوفها وثمر النخل لا يكون مثل الخراج لأن هذا شيء منها والخراج ليس من العبد وتعب العبد بالخراج أكثر من تعب الماشية باللبن والصوف، والشعر يؤخذ منها وكلاهما حادث في ملك المشتري وزعمت أن المشتري إذا كان جارية فأصابها لم يكن له ردها فقيل أو تنقصه الإصابة? قال: لا. فقيل: الإصابة أكثر أو يجد ألف دينار ركازا فيأخذها السيد وكلاهما حادث في ملكه، فقلت: فلم فرقت بينهما? قال: لأنه وطىء أمته، فقلت: أو ليست أمته حين يردها. قال: بلى، قلت: ولولا أنها أمته لم يأخذ كنزا وجدته? قال: نعم، قلت: فما معنى وطء أمته وهي عندنا وعندك أمته حين يردها. قال: فروينا هذا عن علي، قلت: أثبت عن علي? فقال بعض من حضره من أهل الحديث: لا، قال: فروينا عن عمر يردها وذكر عشرا أو نحوا من ذلك قلت: أثبت عن عمر. قال بعض من حضره: لا قلت: فكيف يحتج بما لم يثبت وأنت تخالف عمر لو كان قاله، قال: أفليس يقبح أن يرد جارية قد وطئها بالملك? قلت: أيقبح لو باعها قال: لا، قلت: فإذا جعل له رسول الله ﷺ رد العبد بالعيب والأمة عندنا وعندك مثل العبد وأنت ترد الأمة ما لم يطأها، فكيف قلت في الوطء خاصة وهو لا ينقصها لا يردها إذا وطئها من شراء مرة أو مرتين? قال: ما انتفع به منها وهو ينتفع منها بما وصفت ويردها معه، قال: فمن أصحابنا من وافقك على أن يرد الجارية إذا وطئت إذا كانت ثيبا وخالفك في نتاج الماشية فقلت: الحجة عليك الحجة عليك. باب كسب الحجام حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل النبي ﷺ عن كسب الحجام فنهاه عنه فلم يزل يكلمه حتى قال له: أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك. أخبرنا مالك عن الزهري عن ابن شهاب عن حرام بن سعد عن أبيه أنه استأذن النبي ﷺ في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأل ويستأذن حتى قال له أعلفها ناضحك ورقيقك. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس قال: حجم أبو طيبة رسول الله فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه . وأخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حميد عن أنس أنه قيل له: احتجم رسول الله قال: نعم حجمه أبو طيبة فأعطاه صاعين وأمر مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته. وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري لصبيانكم من العذرة ولا تعذبوهم بالغمر. أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس. أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال: احتجم رسول الله وقال: الحجام أشكموه. قال الشافعي: ليس في شيء من الأحاديث مختلف ولا ناسخ ولا منسوخ فهم قد أخبرونا أنه قد أرخص لمحيصة أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه ولو كان حراما لم يجز رسول الله والله أعلم لمحيصة أن يملك حراما ولا يعلفه ناضحه ولا يطعمه رقيقه ورقيقه ممن عليه فرض الحلال والحرام ولم يعط رسول الله حجاما على الحجامة أجرا إلا لأنه لا يعطي إلا ما يحل له أن يعطيه وما يحل لمالكه ملكه حل له ولمن أطعمه إياه أكله قال: فإن قال قائل: فما معنى نهي رسول الله وإرخاصه في أن يطعمه الناضح والرقيق? فيل: لا معنى له إلا واحد وهو أن من المكاسب دنيا وحسنا فكان كسب الحجام دنيا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التي هي أجمل فلما زاد فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه. قال الشافعي رضي الله عنه: وقد روي أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حمام وكسب حجام أو حجامين فقال: إن كسبك لوسخ أو قال: لدنيء أو قال: لدنس أو كلمة تشبه ذلك. الدعوى والبينات
صفحة : 2723
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: البينة على المدعي . قال الشافعي: وأحسبه ولا أثبته قال: واليمين على المدعى عليه. أخبرنا عبد الله بن الحرث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قضى باليمين مع الشاهد قال عمر: وفي الأموال. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن ابن عباس ورجل آخر سماه لا أحفظ اسمه من أصحاب النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ قضى باليمين مع الشاهد. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله ﷺ فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله ﷺ: تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قتيلكم أو صاحبكم قالوا يا رسول الله: لم نشهد ولم نحضر فقال رسول الله ﷺ فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا يا رسول الله: كيف نقبل أيمان قوم كفار فزعم أن رسول الله ﷺ عقله من عنده، قال بشير: قال سهل: لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض في مربد لنا . قال الشافعي: وبهذه الأحاديث كلها نأخذ وهي من الجمل التي يدل بعضها على بعض ومن سعة لسان العرب أو اقتصار المحدث على بعض ما يسمع دون بعض أو هما معا فمن ادعى على أحد شيئا سوى الذي في النفس خاصة يريد أخذه لم يكن له أخذه بدعواه بحال فقط إلا أن يقيم بينة على ما ادعى فإذا أقام شاهدين على ما دون الزنا أو شاهدا وامرأتين على الأموال قضى له بدعواه ولم يكن عليه أن يحلف مع بينته وإذا لم يقم على ما يدعي إلا شاهدا واحدا فإن كان مالا أحلف مع شاهده وأعطي المال وإن كان الذي يدعي غير مال لم يعط به شيئا وكان حكمه حكم من لم يأت ببينة. قال الشافعي رضي الله عنه: البينة في دلالة سنة رسول الله ﷺ بينتان، بينة كاملة بعدد الشهود لا يحلف مقيمها معها، وبينة ناقصة العدد يحلف مقيمها معها. قال: ومن ادعى شيئا لم يقم عليه بينة يؤخذ بها أحلف المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل لم يأخذ الذي ادعى منه شيئا حتى يحلف على دعواه فيأخذ بيمينه مع نكول المدعى عليه. قال: والحكم بالدعوى بلا بينة والإيمان مخالف له بالبينة لسنة رسول الله ﷺ لا يقاس به لأنهما شيء واحد تضادا. قال: ومن ادعى مالا دلالة للحاكم على دعواه إلا بدعواه أحلفنا المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدماء وإذا كانت على دعوى المدعي دلالة تصدق دعواه كالدلالة التي كانت في زمان رسول الله ﷺ فقضى فيها بالقسامة أحلف المدعون خمسين يمينا واستحقوا دية المقتول ولا يستحقون دما.
صفحة : 2724
قال: وكل ما وصفت بين في سنة رسول الله ﷺ نصا وأن أحكامه لا تختلف وأنها إذا احتملت أن يمضي كل شيء منها على وجهه أمضى ولم تجعل مختلفة وهكذا هذه الأحاديث فإن قال قائل: فتجد في كتاب الله تعالى ما يشبه هذا? قيل: نعم، قال الله عز وجل: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وقال في الذين يرمون بالزنا: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فكان حكم الله أن لا يثبت الحد على الزاني إلا بأربعة شهداء، وقال الله تعالى في الوصية: اثنان ذو عدل منكم فكان حكمه أن تقبل الوصية باثنين وكذلك يقبل في الحدود وجميع الحقوق اثنان في غير الزنا وقال في الدين: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فكان حكمه في الدين يقبل بشاهدين أو شاهد وامرأتين ولا يقال لشيء من هذا مختلف على أن بعضه ناسخ لبعض ولكن يقال مختلف على أن كل واحد منه غير صاحبه، قال: وإنما قلت: لا يقسم المدعون الدم إلا بدلالة استدلالا بما وصفت من سنة رسول الله ﷺ وذلك أن الأنصار كانت من أعدى الناس لليهود لقطعها ما كان بينها وقتلها رجالها وإجلائها عن بلادها وفقد عبد الله بعد العصر ووجد قبل مغيب الشمس قتيلا في منزلهم ودارهم محصنة لا يخلطهم فيها غيرهم فكان فيما وصفت دلائل من علمها أنه لم يقتله إلا يهود لبغضهم فعرض النبي ﷺ على الأنصار أن يحلفوا ويستحقوا فأبوا فعرض عليهم أن تحلف يهود فيبرئهم بخمسين يمينا فأبوا فوداه من عنده وذلك عندنا تطوع فإذا كان في مثل هذا وما في معناه أو أكثر منه مما يغلب على من يعلمه أن الجماعة التي فيها القتيل أو بعضها قتلته كانت القسامة فيه واستحق أهله بها العقل لا الدم وإذا أبوا حلف لهم من ادعوا عليه خمسين يمينا ثم يبرؤون لأن قول رسول الله ﷺ فتبرئكم يهود يدل على أنهم يبرؤون بالأيمان ومثل هذا وأكثر منه تدخل الجماعة البيت فيدخل عليهم وفيهم القتيل فيغلب على العلم أنهم أو بعضهم قتله أو يوجد الرجل بالفلاة متلطخ الثياب بالدم أو السيف وعنده القتيل ليس قربه عين ولا أثر عين فيغلب على من علم هذا أنه قتله أو إخبار من يغلب على من يسمع خبره أنه لا يكذب إذا كان ذلك بحضرة القتيل وأتى واحد من جهة وامرأة من أخرى أو صبي من أخرى أو كافر من أخرى وأثبت كلهم رجلا فقالوا هذا قتله وغيب فأروا غيره فقالوا: لم يقتله هذا وما كان في هذا المعنى فإذا لم يكن واحد من هذه المعاني فادعى أولياء الميت أن فلانا قتله وكان جماعة من وجه واحد ليس فيهم من تجوز شهادته يمكن أن يكونوا تواطؤا على الباطل بعد القتل فيما لا يمكن الذين جاؤوا من وجوه متفرقة اجتمعوا فتواطؤا على أن يقولوا أنه قتله لم يكن فيه قسامة يحلف المدعي عليهم ويبرؤون. باب الخلاف في هذه الأحاديث
صفحة : 2725
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي رضي الله عنه: فخالفنا بعض الناس في هذه الأحاديث فجرد خلاف حديث اليمين مع الشاهد وخالف بعض معنى البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقد كتبت عليه فيها حججا اختصرت في هذا الكتاب بعضها فكان مما رد به اليمين مع الشاهد أن قال: قال الله تبارك وتعالى: شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فقلت له: لست أعلم في هذه الآية تحريم أن يجوز أقل من شاهدين بحال قال: فإن قلت فيه دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين قلت: فقله، قال: فقد قلته، قلت: فمن الشاهدان اللذان أمر الله جل ثناؤه بهما قال: عدلان حران مسلمان قلت: فلم أجزت شهادة أهل الذمة? وقلت: لم أجزت شهادة القابلة وحدها? قال: لأن عليا أجازها، قلت: فخلاف هي للقرآن قال: لا قلت: فقد زعمت أن من حكم بأقل من شاهدين خالف القرآن، وقلت له: يجوز في شيء من الحديث أن يخالف القرآن قال: فإن قلته فيقال لك: قال الله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن إلى فنصف ما فرضتم وقال: طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فزعمت أن الرجل إذا خلا بالمرأة وأغلق بابا وأرخى سترا أو خلا بها في صحراء وهما يتصادقان بأن لم يمسها كان لها المهر وعليها العدة فخالفت القرآن قال: لا، قال عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ما قلت وإذا قالا: لم نجعله للقرآن خلافا قلت: فما روي عن رسول الله ﷺ المبين عن الله تعالى ألم تقولوا هذا فيه وهو أبعد من أن يكون خلافا لظاهر القرآن من هاتين الآيتين وذكرت له غيرهما وقلت: إن الله عز وجل قال: شاهدين ، وشاهدا وامرأتين ففيه دليل على ما تتم به الشهادة حتى لا يكون على من أقام الشاهدين يمين لا أنه حرم أن يحكم بأقل منه ومن جاء بشاهد لم يحكم له بشيء حتى يحلف معه فهو حكم غير الحكم بالشاهدين كما يكون أن يدعي الرجل على الرجل الحق فينكل المدعى عليه عن اليمين فيلزمه عندك ما نكل عنه وعندنا إذا حلف المدعي فهو حكم غير شاهد ويمين وشاهدين قال: فإنا ندخل عليكم فيها وفي القسامة أن رسول الله ﷺ قال: البينة على المدعي قلت: فهذا القول خاص أو عام. قال: بل عام، قلت: فأنت إذا أشد الناس له خلافا قال: وأين قلت أنت تزعم لو أن قتيلا وجد في محلة أحلفت أهلها خمسين يمينا وغرمتهم الدية وأعطيت ولي الدم بغير بينة وقد زعمت أن قول النبي ﷺ: البينة على المدعي عام، فلا يعطي أحد إلا ببينة وأحلفت أهل المحلة ولم تبرئهم وقد زعمت أن في قول رسول الله ﷺ: واليمين على المدعى عليه، إن المدعى عليه إذا حلف برىء مما ادعى عليه، فإن قلت: هذا بأن عمر قضى به قلت: فمن احتج بقضاء رسول الله ﷺ الثابت عنه أولى بالحجة ممن احتج بقضاء غيره، فإن قال: بل من احتج بقضاء رسول الله ﷺ قلت: فقد احتججت بقضاء رسول الله ﷺ فزعمت أن قوله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه عام، قال: ما هو بعام، قلنا: فلم امتنعت من أن تقول بما إذا كشفت عنه أعطيت ما يدل على أن عليك أن تقول به وقلت بما إذا كشفت عنه ووجد عليك خلافه.
صفحة : 2726
قال: فقد جعلتم اليمين مع الشاهد تامة في شيء ناقصة في غيره وكذلك جعلتم الشاهدين تامين في كل شيء إلا الزنا وجعلتم رجلا وامرأتين تامين في المال ناقصين في الحدود وجعلتم شهادة أهل الذمة تامة بينهم ناقصة بين غيرهم وشهادة المرأة تامة في عيوب النساء وناقصة في غيرها، وقال: احتج في القسامة بأن قال: أعطيتهم بغير بينة قلت: فكذلك أعطيت في قسامتك واحتج بأن قال: أحلفتم على ما لا يعلمون? قلت: فقد يعلمون بظاهر الأخبار ممن يصدقون ولا يقبل شهادتهم وإقرار القاتل عندهم بلا بينة ولا يحكم بادعائهم عليه الإقرار وغير ذلك، قال: العلم ما رأوا بأعينهم أو سمعوا بآذانهم، قلت: ولا علم ثالث? قال: لا، قلت: فإذا اشترى ابن خمس عشرة سنة عبدا ولد بالمشرق منذ خمسين ومائة سنة ثم باعه فادعى الذي ابتاعه أنه كان آبقا فكيف تحلفه? قال: على البتة، قال: يقول لك تظلمني فإن هذا ولد قبلي وببلد غير بلدي وتحلفني على البتة وأنت تعلم أني لا أحيط بأن لم يأبق قط علما قال: يسأل، قلت: يقول لك فأنت تحلفني على ما تعلم أني لا أبر فيه قال: وإذا سئلت وسعك أن تحلف? قلت: أفرجل قتل أبوه فغبي من ساعته فسأل أولى أن يعلم قال: نعم، قال بعض من حضره: بل من قتل أبوه، قلت: فقد عبت يمينه على القسامة ونحن لا نأمره أن يحلف إلا بعد العلم والعلم يمكنه واليمين على القسامة سنة عن رسول الله ﷺ وقلت برأيك: يحلف على العبد الذي وصفت قال: فقد خالف حديثكم ابن المسيب وابن بجيد، قلت: أفأخذت بحديث سعيد وابن بجيد فتقول اختلفت أحاديث عن النبي ﷺ فأخذت بأحدها? قال: لا، قلت: فقد خالفت كل ما روي عن النبي ﷺ في القسامة، قال: لا، قلت: فلم لم تأخذ بحديث ابن المسيب? قال: هو متقطع والمتصل أولى أن يؤخذ به والأنصاريون أعلم بحديث صاحبهم من غيرهم قال: فكيف لم تأخذ بحديث ابن بجيد. قلت: لا يثبت ثبوت حديث سهل فبهذا صرنا إلى حديث سهل دونه، قال: فإن صاحبكم قال: لا تجب القسامة إلا بلوث من بينة أو دعوى من ميت ثم وصف اللون بغير ما وصفت قلت: قد رأيتنا تركناه على أصحابنا وصرنا إلى أن نقضي فيه بمثل المعنى الذي قضى به رسول الله ﷺ لا بشيء في غير معناه، قال: وأعطيتم بالقسامة في النفس ولم تعطوا بها في الجراح قلت: أعطينا بها حيث أعطى رسول الله ﷺ قال: الجراح مخالفة للنفس، قلت: لأن المجروح قد يتبين من جرحه ويدل على من عمل ذلك ولا يتبين الميت ذلك، قال: نعم، قلنا: فبهذا لم نعط بها في الجراح كما أعطينا بها في النفس والقضية التي خالفوا بها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، أحلفوا أهل المحلة ولم يبرؤهم وإنما جعل رسول الله ﷺ اليمين موضع براءة وقد كتبنا الحجة في هذا مع غير ذلك مما كتبناه في غير هذا الكتاب وما رأيناهم ادعوا الحجة في شيء إلا تركوه ولا عابوا شيئا إلا دخلوا في مثله أو أكثر منه. قال الشافعي رضي الله عنه: ومن كتاب عمر بن حبيب عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قبطي أحد بني حارثة قال محمد يعني ابن إبراهيم: وأيم الله ما كان سهل بأكثر علما منه لكنه كان أسن منه قال: والله ما هكذا كان الشأن ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله ﷺ احلفوا على ما لا علم لهم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار أنه وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله ﷺ من عنده. قال الشافعي: فقال لي قائل ما يمنعك أن تأخذ بحديث ابن بجيد? قلت: لا أعلم ابن بجيد سمع من النبي ﷺ وإذا لم يكن سمع من النبي ﷺ فهو مرسل ولسنا ولا إياك نثبت المرسل وقد علمت سهلا صحب النبي ﷺ وسمع منه وساق الحديث سياقا لا يثبته إلا الإثبات فأخذت به لما وصفت، قال: فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب? قلت: مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون أولى بالعناية بالعلم به من غيرهم إذا كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله تعالى ثقة. باب المختلفات التي لا يثبت بعضها من مات ولم يحج أو كان عليه نذر
صفحة : 2727
حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر فقال النبي ﷺ: اقضه عنها. قال الشافعي رضي الله عنه: سن رسول الله ﷺ أن تقضى فريضة الحج عمن بلغ أن لا يستمسك على الراحلة وسن أن يقضي نذر الحج عمن نذره وكان فرض الله تعالى في الحج على من وجد إليه السبيل وسن رسول الله ﷺ في سبيل المركب والزاد وفي هذا نفقة على المال وسن النبي ﷺ أن يتصدق عن الميت ولم يجعل الله من الحج بدلا غير الحج ولم يسم ابن عباس ما كان نذر أم سعد فاحتمل أن يكون نذر الحج فأمره بقضائه عنها لأن من سنته قضاءه عن الميت ولو كان نذر صدقة كان كذلك والعمرة كالحج. قال: فأما من نذر صياما أو صلاة ثم مات فإنه يكفر عنه في الصوم ولا يصام عنه ولا يصلي عنه ولا يكفر عنه في الصلاة. قال الشافعي: فإن قال قائل ما فرق بين الحج والصوم والصلاة? قلت: قد فرق الله تعالى بينها، فإن قال: وأين قلت فرض الله الحج على من وجد إليه سبيلا وسن رسول الله ﷺ أن يقضى عمن لم يحج ولم يجعل الله تعالى ولا رسوله ﷺ من الحج بدلا غير الحج وفرض الله تعالى الصوم فقال: فمن كان منكم مريضا أو على سفر إلى قوله: مسكين قيل: يطيقونه كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه فعليهم في كل يوم طعام مسكين وأمر بالصلاة، وسن رسول الله ﷺ أن لا تقضي الحائض ولا يقضى عنها ما تركت من الصلاة وقال عوام المفتين: ولا المغلوب على عقله ولم يجعلوا في ترك الصلاة كفارة ولم يذكر في كتاب ولا سنة عن صلاة كفارة من صدقة ولا أن يقوم به أحد عن أحد وكان عمل كل امرىء لنفسه وكانت الصلاة والصوم عمل المرء لنفسه لا يعمله غيره وكان يعمل الحج عن الرجل اتباعا لسنة رسول الله ﷺ بخلاف الصلاة والصوم لأن فيه نفقة من المال وليس ذلك في صوم ولا صلاة. قال الشافعي: فإن قيل: أفروي عن رسول الله ﷺ أنه أمر أحدا أن يصوم عن أحد? قيل: نعم، روى ابن عباس عن النبي ﷺ، فإن قيل: فلم لا تأخذ به? قيل: حدث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي ﷺ نذر نذرا ولم يسمعه مع حفظ الزهري وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس فلما جاء غيره عن ابن عباس بغير ما في حديث عبيد الله أشبه أن لا يكون محفوظا فإن قيل: أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس? قيل: نعم، روى أصحاب ابن عباس أنه قال لابن الزبير أن الزبير حل من متعته الحج فروى هذا عن ابن عباس أنها متعة النساء وهذا غلط فاحش. قال الشافعي: وليست علينا كبيرة مؤنة في الحديث الثابت إذا اختلف أو ظن مختلفا لما وصفت ولا مؤنة على أهل العلم بالحديث والنصفة في العلم بالحديث الذي يشبه أن يكون غلطا والحديث الذي لا يثبت مثله وقد عارض صنفان من الناس في الحديث الذي لا يثبت مثله بحال بعض محدثيه والحديث الذي غلط صاحبه بدلالة فلا يثبت، فسألني منهم طائفة تبطل الحديث عن هذا الموضع بضربين أحدهما الجهالة مما لا يثبت حديثه والآخر بأن يوجد من الحديث ما يرده فيقولون إذا جاز في واحد منهم جاز في كله وصرتم في معنانا، فقلت: أرأيت الحاكم إذا شهد عنده ثلاثة عدل يعرفه ومجروح يعرفه ورجل يجهل جرحه وعدله أليس يجيز شهادة العدل ويترك شهادة المجروح حتى يعرفه بعدل فيجيزه أو بجرح فيرده? فإن قال: بلى، قيل: فلما رد المجروح في الشهادة بالظنة جاز له أن يرد العدل الذي لا يوجد ذلك في شهادته فإن قال لا قيل: فكذلك الحديث لا يختلف وليس نجيز لكم خلاف الحديث، وطائفة تكلمت بالجهالة ولم ترض أن تترك الجهالة ولم تقبل العلم فثقلت مؤنتها وقالوا: قد تردون حديثا، وتأخذون بآخر، قلنا: نرده بما يجب به رده ونقبله بما يجب به قبوله كما قلنا في الشهود وكانت فيه مؤنة وإن غضب قوم لبعض من رد من حديث فقالوا: هؤلاء يعيبون الفقهاء وليس يجوز على الحكام أن يقال: هؤلاء يردون شهادة المسلمين وإن ردوا شهادة بعضهم بظنة أو دلالة على غلط أو وجه يجوز به رد الشهادة. باب المختلفات التي لا يثبت بعضها
صفحة : 2728
من أعتق شركا له في عبد حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق . أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط ثم يغرم لهذا حصته . حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول: سمعت سعيد بن المسيب يقول: أعتقت امرأة ورجل ستة أعبد لها ولم يكن لها مال غيرهم فأتى النبي ﷺ في ذلك فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم. قال الشافعي: كان ذلك في مرض المعتق الذي مات فيه. أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك ليس له مال غيرهم أو قال: أعتق عند موته ستة مماليك ليس له شيء غيرهم فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة. قال الشافعي: وبهذا كله نأخذ وكل واحد من هذه الأحاديث ثابت عندنا عن رسول الله ﷺ فمن أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وكان حرا يوم تكلم بالعتق وله ولاؤه وإن لم يكن له مال يبلغ قيمته عتق عليه ما ملك منه ورق ما بقي لأصحابه فيه ومن كان له مماليك لا يملك غيرهم فأعتقهم في مرضه الذي مات فيه عتق بتات ثم مات من مرضه أقرعنا بينهم على ثلاثة أجزاء فأيهم خرج له سهم العتق عتق ورق الباقون ولا يستسعى الرقيق ولا العبد يعتق بعضه في حال. باب الخلاف في هذا الباب حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: وخالف مذهبنا في هذا بعض الناس فزعم أن الرجل إذا أعتق شركا له في عبد فشريكه بالخيار بين أن يعتق أو يضمنه أو يستسعى العبد فخالفه أصحابه وعابوا هذا القول عليه فقالوا: إذا كان المعتق للشقص له في العبد موسرا عتق عليه كله وإن كان معسرا فالعبد حر ويسعى في حصة شريكه وقالوا في ثلاث مماليك أعتقهم رجل لا مال له غيرهم عند الموت يعتق ثلث كل واحد منهم ويسعى في ثلثي قيمته. قال الشافعي: وسمعت من يحتج بأنه قال بعض هذا بأن روي عن رجل عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في العبد بين اثنين يعتقه أحدهما وهو معسر يسعى وروي عن رجل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن رجل من بني عذرة. قال الشافعي: قيل له: أو ثابت حديث أبي قلابة لو لم يخالف فيه الذي رواه عن خالد فقال: من حضر هو مرسل ولو كان موصولا كان عن رجل لم يسم ولم يعرف ولم يثبت حديثه فقلت: أثابت حديثك عن سعيد بن أبي عروبة، لو كان منفردا بهذا الإسناد فيه الاستسعاء وقد خالفه شعبة وهشام فقال بعض من حضره: حدثنيه شعبة وهشام هكذا ليس فيه استسعاء وهما أحفظ من ابن أبي عروبة، قلت: فلو كان منفردا كان في هذا ما شكك في ثبوت الاستسعاء بالحديث وقيل لبعض من حضر من أهل الحديث: لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ وحده وهذا الإسناد أيهما كان أثبت، قال نافع: عن ابن عمر عن النبي ﷺ، قلت: وعلينا أن نصير إلى الأثبت من الحديثين، قال: نعم، قلت: فمع نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء. قال الشافعي: ولقد سمعت بعض أهل النظر والدين منهم وأهل العلم بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا.
صفحة : 2729
قال الشافعي: فعارضنا منهم معارض آخر بحديث آخر في الاستسعاء فقطعه عليه بعض أصحابه وقال: لا يذكر مثل هذا الحديث أحد يعرف الحديث لضعفه قال بعضهم: نناظرك في قولنا وقولك فقلت: أو للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله ﷺ بطرح الاستسعاء في حديثي نافع وعمر أن قال: إنا نقول إن أيوب ربما قال فقال نافع: فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله وأكثر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه، فقلت له: لا أحسب عالما بالحديث وروايته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له من أيوب، ولمالك فضل حفظ لحديث أصحاب خاصة ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك، إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد وهو منفرد وقد وافق مالكا في زيادته وإلا فقد عتق منه ما عتق غيره وزاد فيه بعضهم ورق منه ما رق، قال: فقلت له: هل علمت خلقا يخالف حديث عمران بن حصين في حديث القرعة من رسول الله ﷺ? قال: لا، قلت: فكيف كان خلافك له وهو كما وصفت وهو مما نثبت نحن وأنت أكثر من خلافك حديث نافع ومن أين استجزت أن تخالفه وقد علمت أن معارضا لو عارضك فقال: عطية المريض كعطية الصحيح فلم يكن لك عليه حجة أقوى من حديث عمران بن حصين أن النبي ﷺ حكم في عتق المريض عتق بتات أنه وصية وعلمت أن طاوسا قال: لا يجوز الوصية إلا لقرابة وتأول الوصية للوالدين والأقربين فقال: نسخ الوالدان بالفرائض ولم ينسخ الأقربون فلم يكن لنا عليه حجة إلا أن رسول الله ﷺ أنزل عتق الممالك وصية وأجازها وهم غير قرابة للمعتق لأنه كان عربيا والرقيق عجم وعلمت أن حجتنا وحجتك في الاقتصار بالوصايا على الثلث من حديث عمران بن الحصين دون حديث سعد لأنه ليس بين في حديث سعد بن أبي وقاص فكيف ثبتناه حتى أصلنا منه هذه الأصول وغيرها واحتججنا به على من خالفنا ثم صرت إلى خلاف شيء منه بلا خبر مخالف له عن رسول الله ﷺ، وقد علمت أن الذي احتج عليه بعضكم بحديث عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ جعل عطية المريض من الثلث فإن كان حديث عمران ثابتا فقد خالفته وإن كان غير ثابت فلا حجة لك فيه ولكنك وإياه محجوجان به، قال: فكيف يعتق ستة يعتق اثنان ويرق أربعة? قلت: كما يعطي الرجل الرجل دارا أو رقيقا له ثلثهم فيقتسمون فينفد للمعطي بالوصية ثلثهم فلما أعتق المريض ماله ولغيره جميعا أعتقنا ماله في بعضهم ولم نعتق مال غيره عليه. قال الشافعي: قلت له: كيف قولك في حديث نثبته نحن وأنت عن رسول الله ﷺ عندنا وعندك غير واسع تركه لفرض الله علينا قبول ما جاء عن النبي ﷺ وإذا أثبتنا عنه شيئا بالفرض علينا اتباعه كما عدلنا وعدلت، فقلنا في الجنين غرة ولو كان حيا كانت فيه مائة من الإبل أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يعدو أن يكون حيا أو ميتا وكما قلنا نحن وأنت في جميع الجنايات، ما جنى رجل ففي ماله إلا الخطأ في بني آدم فعلى ما قلته وكما قلنا نحن وأنت في الديات وغيرها بالأمر الذي ليس فيه إلا الإتباع ولا ينبغي أن يختلف قولك. قال الشافعي رضي الله عنه فقال: فأكلمك في حديث نافع، قلت: أو للكلام فيه موضع? قال: إنك خلطت فيه بين حكم الرق والحرية، قلت: ما فعلنا لقد تركناه لنفسه وكسبه كما تركناه لخدمة سيده ما قدرنا فيه على غير هذا كما نفعل لو كان بين اثنين، قال: أفتجعلون ما اكتسب في يومه له? قلنا: نعم، قال: وإن مات ورثة ورثته الأحرار? قلنا: نعم، قال: فتورثونهم منه ولا تورثونه? قلنا: نعم لم يخالفنا مسلم علمناه في أنه إذا بقي في العبد شيء من الرق فلا يرث ولا تجوز شهادته، فقلنا: لا يرث بحال بإجماع وبأن لا تجوز شهادته وغير ذلك من أحكامه، قال: أفتجد غيره يورث ولا يرث ويحكم له ببعض حكم الحرية ولا يحكم ببعض? قلت: نعم، الجنين يسقط ميتا يورث ولا يرث والمكاتب نحكم له في منع سيده بيعه وماله بغير حكم العبد ونحكم له فيما سوى ذلك منه بحكم العبد.
صفحة : 2730
قال الشافعي: وقلت له: أرأيت إذا كان العبد بين إثنين فأعتقه أحدهما فقضى رسول الله ﷺ أن كان المعتق موسرا أن يعطي شريكه قيمة حصته ويكون حرا، أتجده أعتقه في هذا الموضع إلا بأن أعطى شريكه الذي لم يعتق قيمة نصيبه منه إذا خرج نصيبه من يديه، قال: لا، قلت: فإذا لم يثبت لك أن النبي ﷺ أعتقه على المعسر واستسعاه، أما خالفت رسول الله ﷺ والقياس على قوله إذا أعتقه فأخرجته من مال مالكه الذي لم يعتقه بغير قيمة دفعها إليه قال: أجعل العبد يسعى فيها? قلت: فقال لك العبد: لا أسعى فيها إن كان الذي أعتقني يعتقني وإلا لا حاجة لي في السعاية، أما ظلمت السيد وخالفت السنة وظلمت العبد إذ جعلت عليه قيمة لم يجن فيها جناية ولم يرض بالقيمة منه فدخل عليك ما تسمع مع خلافك فيه السنة. باب قتل المؤمن بالكافر حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس أحسبه قال: ومجاهد والحسن أن رسول الله ﷺ قال يوم الفتح: ولا يقتل مؤمن بكافر. قال الشافعي: وهذا عام عند أهل المغازي أن رسول الله ﷺ تكلم في خطبته يوم الفتح. قال الشافعي: وهو يروي مسندا عن النبي ﷺ من حديث عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين: أخبرنا سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن أبي حجيفة قال: سألت عليا كرم الله وجهه: هل عندكم من رسول الله شيء سوى القرآن? قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة. قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر. قال الشافعي: وبهذا نأخذ وهو ثابت عندنا عن رسول الله ﷺ ببعض ما حكيت ولا يقتل حر بعبد ولا مؤمن بكافر. باب الخلاف في قتل المؤمن بكافر حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس فقال: إذا قتل المؤمن الكافر الحر أو العبد قتلته به وإذا قتل المستأمن الكافر ولم أقتله به.
صفحة : 2731
قال الشافعي: فقلت لغير واحد منهم أقاويل جمعتها كلها جماعها أن قلت لمن قلت منهم: ما حجتك في أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد دون المستأمن، قال: روى ربيعة عن ابن البيلماني أن النبي قي قتل مؤمنا بكافر وقال: أنا أحق من وفى بذمته ، فقلت له: أرأيت لو لم يكن لنا حديث عن رسول الله ﷺ يخالف هذا أيكون هذا مما يثبت عندك? قال: إنه لمرسل وما نثبت المرسل، قلت: لو كان ثابتا كيف استجزت أن ادعيت فيه ما ليس فيه وجعلته على بعض الكفار دون بعض، وقلت لمن قلت منهم: أثابت حديثنا? قال: نعم، حديث علي ثابت عن رسول الله ﷺ ولكن له معنى غير الذي ذهبتم إليه قلت: وما معناه? قال: لا يقتل مؤمن بكافر من أهل الحرب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد، قلت: أيتوهم أحد أنه يقال لا يقتل مؤمن بكافر أمر المؤمن بقتله، قال: أعني من أهل الحرب مستأمنا، قلت: أفتجد هذا في الحديث أو في شيء يدل عليه الحديث بمعنى من المعاني? فقال: أجده في غيره، قلت: وأين ذلك? قال: قال سعيد بن جبير في الحديث: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده، قلت: أيثبت حديث سعيد بن جبير وإن كان حدثه أيلزمنا تأويلك لو تأولته بما لا يدل عليه الحديث، قال: فما معنى قول سعيد? قلت: لا يلزمنا منه شيء فنحتاج إلى معناه ولو لزم ما كان لك فيه مما ذهبت إليه شيء، قال: كيف? قلت: لو قيل لا يقتل مؤمن بكافر، علمنا أنه عني غير حربي وليس بكافر غير حربي إلا ذو عهد إما عهد بجزية وإما عهد بأمان قال: أحل، قلت: ولا يجوز أن يخص واحدا من هذين وكلاهما حرام الدم وعلى من قتله ديته وكفارة إلا بدلالة عن رسول الله ﷺ أو أمر لم يختلف فيه قال: فما معناه? قلت: لو كان ثابتا فكان يشبه أن يكون لما أعلمهم أنه لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل العهد محرمة عليهم، فقال: لا يقتل مؤمن بكافر غير حربي ولا يقتل به ذو عهد لو قتله، قال: فإنا ذهبنا إلى أن لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا يقتل به ذو عهد لو قتله، قلت: أفبدلالة فما علمته جاء بأكثر مما وصفت، قال بعضهم: فإنما قلنا قولنا بالقرآن قلنا فاذكره قال: قال الله تبارك وتعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل فأعلم الله سبحانه أن لولي المقتول ظلما أن يقتل قاتله، قلنا: فلا تعد وهذه الآية أن تكون مطلقة على جميع من قتل مظلوما أو تكون على من قتل مظلوما ممن فيه القود ممن قتله ولا يستدل على أنها خاص إلا بسنة أو إجماع فقال بعض من حضره: ما تعدو أحد هذين، فقلت: أعن أيهما شئت? قال: هي مطلقة، قلت: أفرأيت رجلا قتل عبده وللعبد ابن حر، أيكون ممن قتل مظلوما? قال: نعم، قلت: أفرأيت رجلا قتل ابنه ولإبنه ابن بالغ، أيكون الابن المقتول ممن قتل مظلوما? قال: نعم قلت: أفعلى واحد من هذين قود? قال: لا، قلت: ولم وأنت تقتل الحر بالعبد الكافر? قال: أما الرجل يقتل عبده فإن كان السيد ولي عبده فليس له أن يقتل نفسه وكذلك هو ولي عم ابنه أو له فيه ولاية فلا يكون له أن يقتل نفسه مع أن حديث النبي ﷺ يدل على أن لا يقتل والد بولده، فقيل: أفرأيت رجلا قتل ابن عمه أخي أبيه وليس للمقتول ولي غيره وله ابن عم يلقاه بعد عشرة آباء أو أكثر، أيكون لابن العم أن يقتل القاتل وهو أقرب إلى المقتول فيه بما وصفت، قال: نعم، قلت: وهذا الولي، قال: لا ولاية لقاتل وكيف تكون له ولاية ولا ميراث له بمال قلت: فما منعك من هذا القول في الرجل يقتل عبده وفي الرجل يقتل ابنه، قال: أما قتله فبالحديث قيل: الحديث فيه أثبت أم الحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر فقد تركت الحديث الثابت.
صفحة : 2732
قال الشافعي: وقلت له: فليس في المسلم يقتل المستأمن علة فكيف لم تقتله بالمستأمن معه ابن له ولا ولي له غيره يطلب القود، قال: هذا حربي، قلت: وهل كان الذمي إلا حربيا فأعطى الجزية فحرم دمه وكان هذا حربيا فطلب الأمان فحرم دمه، قال آخر منهم: يقتل المسلم بالكافر لأن الله عز وجل قال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، قلت له: أخبرنا الله تعالى أنه كتب عليهم في التوراة هذا الحكم، أفحكم هو بيننا? قال: نعم، قلت: أفرأيت الرجل يقتل العبد والمرأة يقتل بهما? قال: نعم، قلت: ففقأ عينه أو جرحه فيما دون النفس جراحات فيها القصاص، قال: لا يقاد منه واحد منهما، قلت: فأخبر الله عز وجل أن حكمه حيث حكم أن النفس بالنفس فعطلت هذه الأحكام الأربعة بين الحر والعبد والرجل والمرأة وحكما جامعا أكثر منها والجروح قصاص فزعمت أنه لا يقتص واحد منهما فما تخالف في هذه الآية أكثر مما وافقتها فيه، إنما وافقتها في النفس بالنفس ثم خالفت في النفس بالنفس في ثلاثة أنفس في الرجل يقتل ابنه وعبده والمستأمن ولم تجعل من هذه نفسا بنفس وقيل لبعضهم: لا نراك تحتج بشيء إلا تركته أو تركت منه والله المستعان، قال: فكيف يقتص لعبد من حر وامرأة من رجل فيما دون النفس وعقلهما أقل من عقله، قلت: أو تجعل العقل دليلا على القصاص? فإذا استوى اقتصصت وإذا اختلف لم تقتص، قال: فأين? فقلت: فقد يقتل الحر ديته مائة من الإبل وهي ألف دينار عندك بعبد قيمته خمسة دنانير وامرأة ديتها خمسون من الإبل، قال: ليس القود من العقل بسبيل، قلت: فكيف احتججت به? فقال منهم قائل: إني قتلت الرجل بالمرأة بأن رسول الله ﷺ قال: المسلمون على من سواهم تتكافأ دماؤهم، قلت: أفكان هذا عندك في القود? قال: نعم، قلت: فهذا عليك، أو رأيت ان قال النبي ﷺ في المسلمين: تتكافأ دماؤهم، أما هذا دليل على أن دماء الكفار لا تتكافأ . قال الشافعي: رضي الله عنه: فقال قائل: قلنا هذه آيات الله تعالى، ذكر المؤمن يقتل خطأ فجعل فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة، وذكر ذلك في المعاهد، قلت: أفرأيت المستأمن فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة? قال: نعم، قلت: فلم لم تقتل به مسلما قتله. باب جرح العجماء جبار حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: العجماء جرحها جبار. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا لقوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله ﷺ أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها. أخبرنا أيوب سويد قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن البراء بن عازب أن ناقة البراء دخلت حائطا من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله ﷺ على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل. قال الشافعي: فأخبرنا به لثبوته باتصاله ومعرفة رجاله، قال: ولا يخالف هذا الحديث حديث العجماء وجرحها جبار جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به الخاص فلما قال ﷺ: العجماء جرحها جبار وقضى رسول الله ﷺ فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار، قال: وفي هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت فإذا لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا شيئا مما أصابت فيضمن أهل الماشية السائمة بالليل ما أصابت من زرع ولا يضمنونه بالنهار، ويضمن القائد والراكب والسائق لأن عليهم حفظها في تلك الحالة ولا يضمنون لو انفلتت.
صفحة : 2733
قال الشافعي: وما يشبه هذا الحديث أن رسول الله ﷺ نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، وذكرت فاطمة أن معاوية وأبا جهم خطباها، فخطبها على أسامة وتزوجته فأحاط العلم أن رسول الله ﷺ لا ينهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال يخطب هو فيها وحديث جرح العجماء جبار مطلق وجرحها إفسادها في حال يقضي فيه على رب العجماء بفسادها ومثله نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح جملة وهو يأمر من نسي صلاة أن يصليها إذا ذكرها ولا يمنع من طاف وصلى أية ساعة شاء. باب المختلفات التي عليها دلالة حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله ﷺ بالمدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس بالحج فتدارك الناس بالمدينة ليخرجوا معه فخرج فانطلق رسول الله ﷺ وانطلقنا لا نعرف إلا الحج وله خرجنا ورسول الله ﷺ بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يعرف تأويله وإنما يفعل ما أمر به فقدمنا مكة فلما طاف رسول الله ﷺ بالبيت وبالصفا والمروة، قال: من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة . أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش عن جابر أنه قال: ما سمى رسول الله ﷺ في إحرامه حجا ولا عمرة. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أنها سمعت عائشة تقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله ﷺ من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل، قالت عائشة: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا? فقالوا: نحر رسول الله ﷺ عن أزواجه، قال يحيى فذكرت هذا الحديث للقاسم فقال: أتتك بالحديث على وجهه . أخبرنا سفيان عن ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة أنهما سمعا طاوسا يقول: خرج النبي ﷺ لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء، قال: فنزل عليه القضاء وهو يطوف بين الصفا والمروة فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكني لبدت رأسي وسقت هدي فليس لي محل إلا محلي هذا فقام إليه سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله ﷺ اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا لعامنا هذا أم للأبد، فقال رسول الله لا بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، قال: فدخل علي من اليمن فسأله النبي ﷺ بما أهللت? فقال أحدهما: لبيك إهلال النبي ﷺ، وقال الآخر: لبيك حجة النبي ﷺ . أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن النبي ﷺ أفرد الحج. أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: وأهل رسول الله ﷺ بالحج. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عمن ابن عمر عن حفصة زوج النبي ﷺ أنها قالت لرسول الله ﷺ: ما بال الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك، قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر . قال الشافعي: وليس مما وصفت من هذه الأحاديث المختلفة شيء أحرى إلا أن يكون متفقا من وجه أو مختلفا من وجه لا ينسب صاحبه إلى الغلط باختلاف من حديث أنس ومن قال: قرن رسول الله ﷺ أتم ممن قال: كان ابتداء إحرامه حجا لا عمرة معه لأن رسول الله ﷺ لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة، قال: ولم يختلف في شيء من السنن، الاختلاف في هذا من وجه أنه مباح وإن كان الغلط فيه قبيحا مما حمل من الاختلاف، ومن فعل شيئا مما قيل أن النبي ﷺ فعله كان له واسعا، لأن الكتابة ثم السنة ثم ما لا علم فيه خلافا يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران واسع كله.
صفحة : 2734
قال الشافعي: وأشبه الرواية أن يكون محفوظا في حج النبي ﷺ رواية جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ خرج لا يسمي حجا ولا عمرة، وطاوس أن النبي ﷺ خرج محرما ينتظر القضاء لأن رواية يحيى بن سعيد عن قاسم وعمرة عن عائشة توافق روايته وهؤلاء تقصوا الحديث، ومن قال: أفرد الحج فيشبه والله أعلم أن يكون قاله على ما يعرف من أهل العلم الذين أدرك دون رسول الله ﷺ أن أحدا لا يكون مقيما على حج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج. قال الشافعي: وأحسب أن عروة حين حدث أن النبي ﷺ أحرم بحج إنما ذهب إلى أنه سمع عائشة تقول: فعل النبي ﷺ في حجه وذكر أن عائشة أهلت بعمرة، إنما ذهب إلى أن عائشة قالت: ففعلت في عمرتي كذا لا أنه خالف خلافا بينا لحديث جابر وأصحابه في قول عائشة: ومنا من جمع الحج والعمرة. قال الشافعي: فإن قال قائل: قرن الصبي ابن معبد فقال له عمر بن الخطاب: هديت لسنة نبيك، قيل له: حكي له أن رجلين قالا له: هذا أضل من جمله، فقال: هديت لسنة نبيك، إن من سنة نبيك أن القران والإفراد والعمرة هدي لا ضلال، فإن قال قائل: فما دل على هذا? قيل: أمر عمر بأن يفصل بين الحج والعمرة وهو لا يأمر إلا بما يسع ويجوز في سنة رسول الله ﷺ لا ما يخالف سنة رسول الله ﷺ وإفراده الحج. قال الشافعي: فإن قيل: فما قول حفصة للنبي ﷺ: ما بال الناس حلوا ولم تحلل من عمرتك قيل: أكثر الناس لم يكن معه هدي وكانت حفصة معهم فأمروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلوا، فقالت: لم حل الناس ولم تحل من عمرتك تعني من إحرامك الذي ابتدأته وهم بنية واحدة? قال عليه السلام، لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر بدني يعني والله أعلم حتى يحل الحاج لأن القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدي إحرامه حجا وهذا من سعة لسان العرب الذي تكاد تعرف ما الجواب فيه، فإن قال قائل: فمن أين ثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر وطاوس دون حديث من قال: قرن قيل لتقدم صحبة جابر وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره وقرب عائشة من النبي ﷺ وفضل حفظها عنه وقرب ابن عمر منه ولأن من وصف انتظار النبي عليه السلام القضاء إذا لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج قبل حجته، حجة الإسلام طلب الاختيار فيما وسع له فيه من الحج والعمرة يشبه أن يكون حفظ عنه لأنه قد أتى في المتلاعنين: فانتظر القضاء فيهما، وكذلك حفظ عنه في غيرهما والله أعلم.