كتاب الأم/صدقة الشافعي/تفريع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولما قال الله عز وجل: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فكان في قول الله عز وجل: {ما جعل الله من بحيرة} الآية. دلالة على ما جعل الله لا على ما جعلتم وكان دليلا على أن قضاء الله جل وعز أن لا ينفذ ما جعلتم وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله وكانت الأموال لا تملك شيئا إنما يملك الآدميون كان المرء إذا أخرج من ملكه شيئا إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه كمن لم يخرج من ملكه شيئا وكان ثابتا عليه كما كان قبل إخراجه وكان أصل هذا القول فيما ذكرنا من كتاب الله عز وجل فكل من أخرج من ملكه شيئا من بهيمة أو متاع أو غيره غير الآدميين فقال قد أعتقت هذا أو قد قطعت ملكي عن هذا أو وهبت هذا أو بعته أو تصدقت به ولم يسم من وهبه له ولا باعه إياه ولا تصدق به عليه بعين ولا صفة كان قوله باطلا وكان في ملكه كما كان قبل أن يقول ما قال ولم يخرج من ملكه ما كان حيا بحال إلا أن يخرجه إلى آدمي يعينه أو يصفه حين أخرجه من ملكه ولا يكون خارجا من ملكه إلا ومالك له مكانه لا بعد ذلك بطرفة عين.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: والسائبة إذا كانت من الإبل كالبحيرة وهكذا الرقيق إذ أخرجهم مالكهم من ملكه إلى غير ملك كالبهائم والمتاع إلا أن يخرجهم بعتق أو كتابة فإنها من أسباب العتق وما كان من سبب عتق كان مخالفا.
[قال الشافعي]: وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذرا فأبطلها الله عز وجل ففي هذا لغيره دلالة أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره ولم يكفره لأن الله تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة والسنة عن رسول الله ﷺ قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب الله تبارك وتعالى.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي ﷺ قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) [أخبرنا الربيع] قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي تميمة عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ قال: (لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وكان الثقفي ساق هذا الحديث فقال: (نذرت امرأة من الأنصار انقلبت على ناقة للنبي ﷺ أن تنحرها فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولم يأمر الله تعالى ثم لم يأمر رسول الله ﷺ في واحد من الأمرين بكفارة إذا بطل النذر والمعصية في هذا الحديث أن تنحر المرأة ناقة غيرها وذلك أنها مما لا تملك فلو أن امرأ نذر أن يعتق عبد رجل لم يكن عليه عتقه، وكذلك أن يهدي شيئا من ماله، وكذلك كل ما نذر أن يفعله مما لا طاعة في فعله لم يكن عليه أن يفعله ولا عليه كفارة بتركه.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس: (أن النبي ﷺ مر بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال ما له؟ فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم فأمره النبي ﷺ أن يستظل ويقعد ويكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة).