كتاب الأم/الشهادات/باب شهادة الأعمى
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير، ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته؛ لأن الشهادة إنما وقعت وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شيء وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو أعمى على شيء قال أثبته كما أثبت كل شيء بالصوت، أو الحس فلا تجوز شهادته؛ لأن الصوت يشبه الصوت، والحس يشبه الحس فإن قال قائل فالأعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الأزواج إذا لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الأزواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الأزواج والأجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان، أو بينة وسواء قال الزوج رأيت امرأتي تزني، أو لم يقله كما سواء أن يقول الأجنبيون رأيناها تزني، أو هي زانية لا فرق بين ذلك، فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات؛ لأن الأعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير فقد يعرفها معرفة يكتفي بها وتعرفه هي معرفة البصير، وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة، والمضجع، وقد يوجد من شهادة الأعمى بد؛ لأن أكثر الناس غير عمي فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم ندخل عليه ضررا وليس على أحد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل؛ لأنه لا يحد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غيره مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته، ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة، ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أولا ترى أنه يجوز له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه، فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث إنما قبل على صدق المخبر وعلى الأغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل، ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول أشهد لسمعت فلانا ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شيء ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير الشهادة.