قفا ! فلأمر ما سرينا وما نسري
المظهر
قفا ! فلأمرٍ ما سرينا وما نسري
قفا! فلأمرٍ ما سرينا وما نسري
وإلا فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري
قفا! نتبيَّنْ أينَ ذا البرقُ منهمُ
ومن أين تسري الرّيح عاطرة َ النَّشْر
لعلَّ ثرى الوادي الذي كنتَ مرّة ً
أزورهم فيه تضوَّعَ للسَّفر
و إلا فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ
وإلاّ فما تدري الركابُ ولا ندري
أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه
كناس الظباء الدُّعج والشُدَّن العفر
فهَلْ عِلموا أنّي أسيرٌ بأرْضِهِمْ
و ما لي بها غيرُ التعسُّفِ منْ خبرِ
ومن عجبٍ أنّي أسائلُ عنهمُ
وهمْ بينَ أحناءِ الجوانحِ والصدر
و لي سكنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ
فيبعدُ عن عيني ويقربُ من فكري
إذا ذكَرتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ
كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر
ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَة َ مُغرَمٍ
طوى نفسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر
وما زلتُ ترميني اللّيالي بنبلها
و أرمي الليالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ
و أحملُ أيّامي عل ظهرِ غادة ٍ
و تحملني منها على مركبٍ وعر
وآليتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَة ً
إلى مثلِ يحيى ثمّ أغضي على وترِ
وأنْجَدَني يحيى َ على كلّ حادثٍ
و قَّلدني منه بصمصامتي عمرو
وخوَّلِني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهى ً
و أورثني ما بينَ عقرٍ إلى عقرِ
حللتُ به في رأس غمدانَ منعة ً
و توَّجني تاجاً من العز والفخر
وما عِبتُهُ إلاّ بأنّي وصفتُهُ
وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر
وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ
على عادة ِ التشبيه في النظمِ والنثر
فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا
فوالعصرِإني قبل يحيى لفي خسر
و حسبي بجذلان كأنّ خصالهُ
أكاليلُ درّ فوقَ نصل من التّبر
رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى
صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر
فيا ابنَ عليّ ما مدحتك جاهلاً
فإنّك لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر
ويا ابنَ عليً! دُمْ لَما أنْتَ أهْلُهُ
فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر
فتى ً عندهُ البيتُ الحرامُ لآملٍ
ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر
و لمّا حططتُ الرّحلَ دون عراصهِ
أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر
وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى
عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر
وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه
و معروفه عندي لعجزي عن الشكر
إذا أنا لم أقدرْ على شكر فضله
فكيف بشكرِ الله في موضعِ الحشر
حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً
وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ
فما راشتِ الأملاكُ سهماً يَريشُه
و ما برتِ الأملاكُ سهماً كما يبري
فقد قيَّد الجردَ السوابقَ بالرُبى
وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر
فيا جبلاً من رحمة ِ الله باذخاً
إليه يفرُّ العرفُ في زمن النُّكر
فداؤكَ حتى البدرُ في غسق الدجى
منيراً وحتى الشمسُ فضلاً عن البدر
وما هي إلاّ الشمسُ زَفَّت إلى البدر
فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر
لو قيل لي مَنْ في البرية ِ كلَّها
سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري
ألست الذي يلقى الكتائبَ وحدهُ
ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ
ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظُبى ً
مشطبَّة ٍ أو من ردينيَّة ٍ سمر
فرِفْقاً قَليلاً أيها المِلك الرِّضى َ
بنفسكَ واتركْ منك حظاً على قدر
فذاكَ وهذا كلَّهُ أنت مدركٌ
فأشفَق على العليا وأشفق على العمر
فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا
و في اللهو ايضاً راحة ُ النفس والفكر
و من حقِّ نفسٍ مثل نفسكَ صونها
ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكة ِ البِكر
ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها
وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر
غَضارة ُ دنيا واعتدالُ شبيبَة ٍ
فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر
و لا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفز بها
مليكٌ مُفَدًّى في اقتبال من العمر
ألا انعمْ بأيّامٍ ألذَّ من المنى
تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السِّحر
فرغتَ من المجد الذي أنتَ شائدٌ
فجُرَّ ذيولَ العيش في الزّمن النَّضْر
لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرى ً
و يسكنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نفر
ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمهُ
وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَة ِ الخَصر
و ما زلتَ تروي السيف في الرَّوعِ من دمٍ
فحقُّك أن تُرْوي الثرى من دم الخمر
و ترفلَ من دنياكَ في حللٍ خضر
وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً
أحقُّ المها بالخنزوانة والكبر
يودُّ هرقلُ الرّوم ذو التاجِ انّهُ
ينالُ الذي نالته من شرفِ القدر
حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ
وما شطرُ شيٍْ بالغنيِّ من الشطر
أخوكَ فلا عينٌ رأتْ مثلهُ أخاً
إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر
وقد وقعَتْ منك الهديّة ُ إذ أتَتْ
مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر
فمن ملكٍ سامٍ إلى ملكٍ رضى ً
تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر
ستنمي لك الأقيالُ من آلِ يعربٍ
ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ
و قلتُ لمهديها إليك عقيلة ٌ
مقابلة َ الأنسابِ معرقة َ النَّجر
حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه
لجيشِ إذا اصطكَّ العرابُ ولاثغر
فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى
و يا جعفرَ الهجاءِ يا جعفرَ النصر
لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَة ٍ
تصولُ بهِ غير الهدانِ ولا الغمر
كبدر الدجى كالشّمسِ كالفجر كالضحى
كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر
لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به
كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العشر
لذلك ناجى الله موسى نبيُّهُ
فنادى أن اشرح ما يضيقُ بهِ صدري
و هبْ لي وزيراً من أخي استعنْ به
وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري
لِنعْمَ نِظام الأمرِ والرُّتَبِ العُلى
ونعمَ قوامَ الملكِ والعسكرِ المجر
إليكَ انتمى في كلِّ مجدٍ وسوددٍ
ويكفيهِ أنْ يعزى إليكَ منَ الفخر
و خلفكَ لاقى كلَّ قرمٍ مدججٍ
ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر
فما جالَ إلاّ في عجاجكَ فارساً
ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر
قررتَ بهِ عيناً وأنتَ اصطنعتهُ
وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر
فما مثلُ يحيى منْ أخٍ لكَ تابعٍ
ولا كبنيهِ من جحاجحة ٍ زهر
و لستَ أخاهُ بلْ أباهُ كفلتهُ
وآويتهُ في حالة ِ العسرِ واليسر
يودّ عليٌّ لو يرى فيهِ ما ترى
ليعلمَ آيَ النّصلِ والصارمُ الهبر
إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ
عليهِ ثناءٍ واستهلَّ من الغفر
و ما كنتُ أدري قبلَ يحيى وجعفرٍ
بأنَّ ملوكُ الأرضِ تجمعُ في عصر
عجبتُ لهذا الدّهرِ جادَ بجعفرٍ
ويحيى وليسَ الجودُ من شيمِ الدهر
وما كانت الأيامُ تأتي بمثلكمْ
قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَة َ العُقر
وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقة ً
وما هو إلاّ الكفرُ أو سببُ الكفر
ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحة ٍ
لَما منعتْكُمْ شيمة ُ الجود بالعمر
إذا ما سألتُ الله غيرَ بقائكُمْ
فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السر والجهر
أأدعو إلهي بالسعادة ِ عندكمْ
وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري؟
أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ
وأسألهُ السّقيا ودجلة لي تجري؟
لَعمري! لقد أجرَضْتموني بنَيلكُمْ
وحمّلتموني منهُ قاصمة َ الظّهر
أسرتُ بما أسديتمُ من صنيعة ٍ
وما خلتكمُ ترضونَ للجارِ بالأسرِ
فمهلاً! بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري
وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري
فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ
وحسبي لديكمْ ما ترونَ منَ الوفرِ
أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوى ً
كما سرّكمُ أنّي اعتذرتُ بال عذرِ؟
وإنّي لأسْتَعفِيكُمُ أن ترونَني
سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر
فإنْ أنا لمْ أستحي مما فعلتمُ
فلستُ بمستحيٍ منَ اللؤمِ والغدر