في الظلام
المظهر
في الظلام
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشدِ
فردي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينةٌ
ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
أقول وقد وسّدتُه راحتي كما
توسّد طفلٌ متعبٌ راحة المهدِ..
تعاليْ إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ
حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهدِ
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي
تهاوت على نحرٍ من العاجِ مُنقدِ
ترامتْ ما شاءتْ وشاء لها الهوى
تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِ
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ
بياض الأماني من عناقيدها الرّبْدِ
فيا لك عندي من ظلامٍ محببٍ
تألق فيه الفرقُ كالزمن الرغد
ألا كُلُّ حسنٍ في البرية خادمٌ
لسلطانة العينين والجيدِ والقدِّ
وكل جمالٍ في الوجود حياله
به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راع قلبي منك إلا فراشةٌ
من الدمعِ حامتْ فوق عرش من الوردِ
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى
ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى وردِ
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيِّدي
من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحرابُ من صلواته
فليس به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقفٍ
نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ
ومزدحمَ الآلامِ والوجدُ في حشدِ
ومضطرمَ الأنفاسِ والضيقُ جاثمٌ
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب حُرس في جحيم مؤبد
بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها
ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيّرٍ
على درجٍ خابي الجوانب مسودِّ
تردَّدَ واستأنى لوعد وموثقٍ
وأدبرَ مخنوقاً وقد غص بالوعدِ
وأسلمني لليلٍ كالقبرِ بارداً
يهب على وجهي به نفسُ اللحدِ
وأسلمني للكون كالوحش راقداً
تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً
بآخر من خابي المقادير مربدِ
ركودُ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ
وقد لفها الغيبُ المحجبُ في بُردِ
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي
أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
تصيرُ إذا جن الظلامُ ولفها
بجنحٍ من الأحلام والصمتِ ممتدِّ
مباءةَ خمّارٍ وحانوتَ بائعٍ
شقيِّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
وقد وقف المصباحُ وقفة حارس
رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجدِّ
كأن تقياً غارقاً في عبادةٍ
يصوم الدجى أو يقطع الليلَ في الزهدِ
فيا حارس الأخلاق في الحيِّ نائمٌ
قضي يومَه في حومة البؤسِ يستجدي
وسادته الأحجارُ والمضجعُ الثرى
ويفترش الافريزَ في الحر والبردِ
وسيارةٌ تمضي لامر محجبٍ
محجبة الأستار خافية القصدِ
إلى الهدف المجهولِ تنتهبُ الدجى
وتومض ومض البرق يلمع عن بُعدِ
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالكٍ
مرنقة بالجوع والصبرِ والكدِّ
ينقبُ كلبٌ في الحطام وربما
رعى الليل هوٌّ وساهرٌ وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ
ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفردِ
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي
تركتِ بديدَ الشملِ منتثرَ العقدِ
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبَهُ
وعدتُ إلى الإعياء والسقم والوجدِ
وليس الذي ضيعتُ فيك بِهَيِّنٌ
ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقدِ
بعينيك استهدي فكيف تركتني بهذا
الظلام المطبق الجهم أستهدي
بورْدِكِ أستسقي فكيف تركتني
لهذي الفيافي الصم والكثب الجردِ
بحبكِ استشفي فكيف تركتني
ولم يبق غير العظم والروح والجلدِ
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي
وهذي المنايا البيض تختل في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي
فهان الذي ألقاه في العيش من جهدِ
وكنت إذا انهار البناءُ رفعتُهُ
فلم تكنِ الأيامُ تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديتُ لبيْتِ صرختي
فوا أسفاً كم بيننا اليوم من سدِّ
سلامٌ على عينيك ماذا اجنتا
من اللطف والتحنان والعطف والودِّ
إذا كان في لحظيك سيفٌ ومصرعٌ
فمنكِ الذي يحي ومنكِ الذي يردي
إذا جُرِّد لم يفتكا عن تعمدٍ
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمدِ
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحبا
وأهلا به إن كان فتكُكِ عن عمدِ
فإني إذا جن الظلامُ وعادني
هواك فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي باكياً أو مواسياً
وعندي من الأشجان والشوقِ ما عندي
أُقبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِه
وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
ويا دار من أهوى عليكِ تحية
على أكرم الذكرى على أشرف العهدِ
على الأمسيات الساحرات ومجلسٍ
كريمِ الهوى عفِّ المآرب والقصدِ
تنادُمنا فيه تباريحُ معشرٍ
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلدِ
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا
فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصلدِ
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا
فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ..