عصر الشبيبة
المظهر
عصر الشبيبة
يا ليتما رجع الزمان الأول
زمن الشباب الضاحك المتهلل
عهد ترحلت البشاشة إذ مضى
وأتى الأسى فأقام لا يترّحل
ولّى الصبا وتبددت أحلامه
أودى به وبها قضاء حوّل
حصدت أنامله المنى فتساقطت
صرعى، كما حصد السنابل منجل
فالروح قيثار وهت وتقطعت
أوتاره، والقلب قفر ممحل
والشيب يضحك برقه في لّمتي
هذي الضواحك، يا فؤادي، أنصل
أشتاق عصرك، يا شبيبة، مثلما
يشتاق للماء النمير الأبل
إذ كانت الدنيا بعيني هيكلا
فيه إلاهات الجمال ترتل
من كلّ حسناء كأنّ حديثها
السلوى أو الوحي الطهور المزل
وأنا وصحي لا نفكر في غد
فكأنّ ليس غد ولا مستقبل
نلهو ونلعب لا نبالي ضمّنا
كوخ حقير أم حوانا منزل
نتوهّم الدنيا لفرط غرورنا
كملت بنا وبغيرنا لا تكمل
ونخال أن البدر يطلع في الدجى
كيما يسامرنا فلا نتململ
ونظنّ أنّ الروض ينشر عطره
من أجلنا، ولنا يغنّي البلبل
فكأنّما الأزهار سرب كواعب
وكأنما هو شاعر يتغزّل
في كلّ منظور نراه ملاحة
وسعادة في كلّ ما نتخيّل
لا شيء يزعج في الحياة نفوسنا
لا طارىء، لا عارض، لا مشكل
فكأننا في عالم غير الذي
تتزاحم الأيدي به والأرجل
وكأننا رهط الكواكب في الفضا
مهما جرى في الأرض لا تتزلزل
ألناس في طلب المعاش وهمّنا
كأس مشعشة وطرف أكحل
كم عنّفونا في الهوى واسترسلوا
لو انهم عزفوا الهوى لم يعذلوا
ولو انهم ذاقوا كما ذّقنا الرؤى
شبعت نفوسهم وإن لم يأكلوا
زعموا تبذّلنا ولم يتبذلوا،
إنّ الحقيقة كلّنا متبذّل
حرموا لذاذات الهيام وفاتنا
درك الحطام، فأينا هو أجهل؟
إني تأملت الأنام فراعني
كيف الحياة بهم تجدّ وتهزل
لا يضبطون مع الصّروف قيادهم
إلا كما ضبط المياه المنخل
بينا الفتى ملء النواظر والنّهى
فإذا به رقم خفي مهمل
يا صاحبي، والعمر ظل زائل،
إنّ كنت تأمل فيه أو لا تأمل
ألذكر أثمن ما اقتنيت وتقتني
ولحبّ أنفس ما بذلت وتبذل
قيل اغتنى زيد فليتك مثله
أنا مثله، إن لم أقل، أنا أفضل
ألشمس لي وله، ولألاء الضحى
والنّيرات، ومثلما المنسوّل
أما النّضار فإنه، يا صاحبي
عرض يزول وسلعة تنقّل
ما دمت في صحبي ودام وفاؤهم
فأنا الغنّي الحقّ لا المتموّل
أنا لست أعدل بالمناجم واحدا
وأبيع من عقلوا بما لا يعقل