انتقل إلى المحتوى

طربت إلى ريحانة الأنف والقلب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

طَربتُ إلى رَيْحانة ِ الأنفِ والقلبِ

​طَربتُ إلى رَيْحانة ِ الأنفِ والقلبِ​ المؤلف ابن الرومي


طَربتُ إلى رَيْحانةِ الأنفِ والقلبِ
وأعمالها بين العوازف والشَّرْبِ
ولا عيشَ إلا بين أكوابِ قهوةٍ
تَوَارَثَها عَقْبٌ من الفرس عن عقبِ
من الكُمْت قبل المزج صهباءُ بعدَهُ
سليلةُ جُونٍ غير كُمْتٍ ولا صُهبِ
سُلالة كرمٍ شارفٍ غير أنها
عُلالةُ عود من دِنان القُرى ثِلْبِ
تأتَّتْ أكفُّ القاطفين قِطافَها
فسالت بلا عَصْرٍ ودَرَّت بلا عَصْبِ
أطافت بها الأيامُ حتى كأنها
حُشاشةُ نفس شارفَتْ منقضى نحبِ
لها منظرٌ في العين يشهدُ حسنُهُ
على مَخْبِرٍ يُهدي السرورَ إلى القلبِ
تردُّ صفاء العيش مثلَ صفائها
وتكشفُ عن ذي الكرب غاشية الكربِ
جلاها من الأطباع طولُ ثَوائها
وإمرارُها الأحقابَ حِقباً إلى حقبِ
فلو رُفعتْ في رأس علياءَ لاهتدى
بكوكبها السارونَ في الشرق والغربِ
غَنِيٌّ عن الريحان مجلسُ شَرْبها
بنشرٍكنشرالمسك في مُحتوى نهبِ
ولم ترَ موموقاً إلى النفس مثلها
تُشَمُّ فتُلقى بالعبوس وبالقَطْبِ
يناضل عنها الماء حين يَشُجُّها
نفيٌّ لها مثلُ الدَّبا لجَّ في الوَثْبِ
لها مَكْرعٌ سهلٌ يخبِّر أنها
ذَلول وفيها سَورةُ الجامح الصعبِ
سأَعْصِي إليها اللَّومَ في بطنِ روضةٍ
كساها الحيا نَوْراً كأدريةِ العَصْبِ
وكم مثلها من بنتِ كرمٍ جلوتُها
على كلِّ خِرق ماجد الجَدِّ من صحبي
له خُلقٌ عذبُ المذاق ولن ترى
مِزاج كؤوس الراح كالخُلُق العذبِ
يسرُّك في السراء حُلوٌ نِدَامُهُ
وأنجَدُ في العَزَّاءِ من صارمٍ عضبِ
بمُونِقةِ الرُّواد حُوٍّ تِلاعُها
تُراعي بها الأُدمانُ آمنَةَ السَّربِ
صففنا أُباريقَ اللُّجين حِيالَها
فمثَّلْنَ سِرباً مُشرئباً إلى سرْبِ
تظل تُرانيها الظباءُ تخالُها
ظِباءً وتدنو فهْي منا على قُربِ
إذا نحن شئنا عَلَّلتنا صوادحٌ
من الطير جمَّاتِ الأهازيج والنَّصْبِ
فذاكَ نَصيبُ السِّلم عندي ولم أكنْ
لأنسى نصيبَ الحرب في نُوُب الحربِ
أخي دون إخواني إذا الحربُ شمَّرت
حسامٌ بحدَّيه فلولٌ من الضربِ
له حين يعلو قَوْنَسَ القِرن هَبَّةٌ
تُواصلُ ما بين الذؤابة والعَجْبِ
إذا شيمَ فيه بارقُ الموت أو مَضتْ
به صفحةٌ مثلُ العقيقة في الجلبِ
ومُطَّردٌ مثل الرِّشاء تهزه
كعوبٌ تدانت فيه مثلَ نوى القَسْبِ
عليه سِنانٌ يَرْعُفُ الموتَ لهذمٌ
قليلُ التخفِّي بالجوانح والجنبِ
وكلّ ابن ريحٍ يسبِقُ الطرفَ مَعْجُه
تُطَوِّحُه عَطْوَى منوعاً لدى الجدبِ
صنيعٌ مَريشٌ قوَّم القَيْنُ متنَه
فجاء كما سُلَّ النخاع من الصُّلْبِ
يُغلغلُهُ في الدرع نصلٌ كأنه
لسانُ شجاع مُخرَجٌ همَّ باللَّسْبِ
ومَوْضُونَةٌ مثل الغدير حصينةٌ
تفُلُّ شباةَ السيفِ ذي المضرب العضبِ
فذاك عَتادي فوق أجردَ سابحٍ
يُريحُ زفيرَ الجري من مَنْخَرٍ رحبِ
ذَنوبٍ يمس الأرض عند صيامه
بضافٍ يواري فرجَهُ سَبِط الهُلْبِ
له عند إيغال الطريدة في الوغى
أَجاريُّ مضمونٌ لها دَرَكُ الطِّلبِ
يُدِلُّ على صُم الصفا بحوافر
من اللائي أُعطين الأمان من النَّكبِ
بذلك إن دارت رحَى الحرب مرةً
ثبتُّ ثباتَ القطب في مركز القطبِ
إذا أُخِّرتْ سرجُ الجبان وجدتَني
أغامسها في حومة الطعن والضربِ
متى يَلقني قِرْنِي فإنّ قُصارَهُ
على ضَربةٍ أو طعنة ثَرَّةِ الشَّخبِ
وإني لذو حلمٍ وشَغْبٍ وراءه
فحلمٌ لذي حلمٍ وشغب لذي شغبِ
وإني لنَحَّارٌ لدى الأَزْبِ لا يَني
قِرايَ من الكُوم المقاصيد كالهَضْبِ
إذا حاردتْ خورُ العِشار حلبتها
دماءً وقدْماً كان ذلك من حلبي
وقد يَرْجعُ الوجناءَ سيري وعينُها
مُهَوَّكةٌ مثلُ الصُّبابة في الوَقْبِ
طويتُ حشاها طيةَ البُرد بعدما
طويتُ بها سهباً عريضاً إلى سهبِ
أنا ابن شهابِ الحرب قومي ذوو العلا
ولا فَخر إن الفخر فرعٌ من العُجْبِ
وكم من أب لي ماجد وابن ماجد
له شرف يُرْبي على الشرف المُرْبي
إذا مَطرتْ كفاهُ بالبذل نَوّرتْ
له الأرضُ واهتزت رُباها من الخصْبِ
وإن حاول الأعداءُ يوماً بكيدِه
أحلَّ بمن عاداه راغيةَ السَّقبِ
وحُرٍّ من الفتيان ليس بقُعْدُدٍ
ولا قائلٍ من فعلِ مكرمةٍ حَسْبي
أخي ثقةٍ لو أصبح الناسُ كلهم
عليَّ معاً حِزباً لأصبح من حزبي
أنوءُ به فيما عرا وأعدُّهُ
لساناً وسيفاً في الخطاب وفي الخَطْبِ
أبحتُ حمى قلبي له دون غيره
وأنزلتُهُ في السهل منه وفي الرَّحْبِ
إذا اشتركَ الورَّادُ في الشِّرب أخلصتْ
له النفسُ وُداً غيرَ مشتركِ الشِّربِ
وقد حاول الواشون إفساد بيننا
فأعيى على ذي المكرِ منهم وذي الإربِ
سوى أنهم قد آذنونا بجفوةٍ
أدالت رضانا ما حَيِينا من التَعبِ
وَشَوْا فعرَفنا للتجافي مرارةً
وهبنا لها مهما أتيناهُ من ذنبِ
فعُدنا وأصبحنا بحيث يسرُّنا
من الوصلِ والواشون في مَزْجَر الكلبِ