-٢٥١-
٣- وعلى ذكر الحرب المنصرمة نقول ان الغزيين هجروا مدينتهم خلال تلك الحرب مرتين :
الأولى : عندما أعلنت تركيا النفير العام ، وأخذ الجيش التركي يتأهب لغزو قناة السويس . ولا سيما عندما ضرب الاسطول الايطالي غزة بقنابله من البحر . إن هذه القنابل وإن لم تصب غزة بضرر ، إلا أن عدداً من السكان اختار الهجرة على اثرها. ولكن هذا العدد لم يتعد يومئذ المائتين ، وكانت الهجرة يومئذ اختيارية بحتة.
والثانية : عندما اتخذ الجيش الانكليزي خطة الهجوم، وأخذ يزحف نحو غزة ؛ الأمر الذي اضطر جمال باشا ان يختار خطة الاجلاء . فجمع القائمقام معين بك المرعبي كبار المدينة وزعماءها ، وبلغهم أمر الرحيل ، وكان ذلك إجبارياً ، فرحل على اثر ذلك ثمانية وعشرون ألف شخص، لم يرجع منهم إلى غزة عندما وضعت الحرب اوزارها سوى ثمانية عشر ألفاً ، وبقي الآخرون في يافا وحيفا وحمص وحماه ، وفي نواح اخرى من سوريا وفلسطين .
ويقال ان عدد الذين بقوا في حمص وحماه من الغزيين بلغ ثلاثة آلاف . وأما الذين استوطنوا حيفا ويافا فقد تناسلوا في تلك المدينة ، وكثروا حتى أصبح عددهم في يومنا هذا قريباً من ۷۰۰۰ في الاولى و ۱۵۰۰۰ في الثانية . وللجالية الغزية في كل منهما حي خاص ، وكيان خاص ، ومخاتير يرعون مصالحها الخاصة . ويحدثك الرواة عن نجاح هذه الجالية في مضمار التجارة والصناعة احاديث تدعو إلى الفخر والاعجاب.
٤- تقوم المدينة في وقتنا هذا ، بقسميها القديم والحديث ، على بقعة من الارض مساحتها ستة آلاف دونم (۱) يحدها من الغرب البحر ، ومن الشرق مقبرة التونيسي
(١) يقولون أن غزة كانت فى القرون الماضية أكبر مما هي عليه الآن بكثير. ولطالما سمعت الغزيين يتحدثون عن ماضيها ، ويقولون أنها كانت تمتد ) من الدير إلى الدير ( : أى من دير سنيد في الشمال ، إلى دير البلح في الجنوب. يد انني لم أعثر في كتب التاريخ ، ولا سيما تلك التي تصفحتها لأستقي منها المعلومات التي اطلبها عن ( تاريخ غزة ) ، ما يبرر هذا القول . غير أنى لا ارتاب قط في أن غزة كانت كبيرة جداً ، وان العرب الاوائل الذين كانوا يقدون كل حدب وصوب كانوا يجتمعون بين الديرين، وان الجيش الذي كان يحتلها كان مضطراً للاحتفاظ بمخفرين ، واحد من الامام وآخر من الخلف ، ليتمكن من در عادية المغيرين. ومن يدرى ؟ فلعل أحد هذين المخفرين كان في دير سنيد ، والثاني في دير البلح