انتقل إلى المحتوى

صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/24

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٦–

فإن لم يكن شيء من ذلك كما يحسبه الحاسبون، فما معنى هذه المقابلات؟ وماذا نجني من الإزراء بالعلوم محاباة للآداب والفنون؟ أو من الإزراء بالآداب والفنون محاباة للعلوم؟

ماذا نجني من هذا وذاك ونحن فقراء في هذا وذاك؟

وماذا أصبنا من الفن والأدب حتى يقال: إننا قد شغلنا به عن العلم والاختراع؟

بل ماذا عندنا مما اخترعه الآخرون حتى نبحث في اختراع الجديد، ونزعم أننا لولا الفن والأدب لاخترعنا نحن أيضًا مع المخترعين؟

أما إذا أغضينا عن أنفسنا ونظرنا إلى أحوال غيرنا، بل إلى الأحوال التي دعت إلى كتابة ما كتب في تفضيل السلاح على الشعر، أو تفضيل القوة على الذوق، فماذا نحن واجدون؟

نجد أمة غلبت عدوها بالدبابات والطيارات، وهي لم تخترع الدبابات والطيارات، ونجد أمة لها مهندسون غلبت أمة لها كذلك مهندسون، لعلهم أفضل من أولئك المهندسين.

فالمسألة ليست مسألة اختراع الدبابة والطيارة، ولا هي مسألة الهندسة والصناعة، ولكنها مسألة «الباعث النفسي» الذي يكمن وراء علم العلماء، واختراع المخترعين، وهندسة المهندسين.

وهذا «الباعث النفسي» هو الحقد الذي تأجج في صدور الألمان، فجعلهم يطلبون من الدبابة ما لم يطلبه منها أصحابها الأولون.

فإن كان رأي الأستاذ «أحمد الصاوي» أن يملأ النفوس بالحقد؛ لأن هذا الحقد قد صنع من الدبابة ما لم يصنعه منها الاطمئنان والرضا، فله رأيه الذي يرتضيه بمعزل عن الشعر والفن، أو بمعزل عن المفاضلة بين المهندسين والشعراء.

أما إن كان يريد بما كتب شيئًا غير هذا، فليس في المقدمات ما يبني عليه نتيجة غير تلك النتيجة، وليس في انتصار مقاتل على مقاتل من جديد يمسح ما كتبته الإنسانية إلى الآن، ويخط في مكانه سطورًا أخرى لم يكتبها التاريخ.