انتقل إلى المحتوى

صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٤–

يكون عضوًا من الأعضاء، فلو خلق المصورون بغير أذرع لخلقت لهم وسائل أخرى لإبداع ما لا بد أن يبدعوه.

***

وقال الدكتور يخاطب أبا العلاء:

«… أنت لا تعرف ما باريس وما أظنها قادرة على أن تصرفك عن حزنك وتشاؤمك، بل أنا واثق بأنك لو عرفتها لأمعنت في حزنك وتشاؤمك كشأنك حين عرفت بغداد، أما أنا فإن باريس تصرفني عن الحزن والتشاؤم، وتثير في نفسي لذات عقلية ليست أقل من هذه اللذات التي أجدها في الحديث إليك والحديث عنك، وهي على كل حال تزعجني عن سجنك الذي كنت أود لو أطيل المقام فيه: ومن يدري لعلي أسأم لذات باريس، فأفزع منها إليك من حين إلى حين، فليكن وداعي لك الآن موقوتًا، ولأقل لك في لهجة المحب المشفق الوامق: إلى اللقاء.»

فالدكتور واثق بأن أبا العلاء لن يكون في باريس إلا كما كان في بغداد.

فما باله أراد مني أن أجعل أبا العلاء يرى في باريس ما يراه السائحون، ويقول فيها ما يقوله أولئك السائحون؟

في هذه أنا أيضًا أقرب إلى وفاق الصداقة من الدكتور.

أنا ذهبت إلى باريس بالخيال فأخذت إليها صاحبي بالخيال، والدكتور طه ذهب إلى باريس حسًّا وخيالًا، فأبى على صاحبه المزاملة وهتف به … إلى اللقاء!

وما أردت علم الله أن أوغر صدر الشيخ على صديقنا الدكتور، أو أن أظفر بنصيب من الحُظْوة عنده فوق نصيبه، ولكنني أحببت الحديث عن الشيخ ولم أحبب أن يكون تكريرًا وإعادة تبطل بها متعة الحديث، فليكن خلاف وكان خلاف! وإنما اتفاق في حب التحدث عن صاحبنا المحبوب.