انتقل إلى المحتوى

صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/20

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٢–

هنا أيضًا أعود إلى العاطفة والحجة، وأحسبني أقرب من الدكتور إلى وفاق الصداقة بيني وبين شيخ المعرة، وأقرب إلى الإنصاف.

***

أهذا كل ما أخالف به الدكتور من رأي أو هوى في حديثه عن صديقنا العظيم؟

كلا! بل هناك خلاف وخلاف، وأكثر من خلاف وخلاف.

هناك قول الدكتور تعقيبًا على كلام الأديب الفرنسي بول فاليري في المصور ديجاس: «العجيب الذي لم أكن أتوقعه ولا أفترضه أن كثيرًا من صفات هذا المصور الفرنسي الذي كنت أسمع اسمه، وأجهل من أمره كل شيء، تشبه ما ألفت وأحببت من صفات أبي العلاء، فشدة الرجل على نفسه إلى أقصى غايات الشدة، وشك الرجل في مقدرته إلى أبعد آماد الشك، وارتياب الرجل بأحكام الناس في أمور النفس، وزهد الرجل في الشهرة وبعد الصيت، وفي الثراء وسعة ذات اليد، وانصرافه عن الحمد الكاذب والثناء الرخيص، وتأجيله لذة الظفر بالفوز، وخلقه المصاعب لنفسه، وبغضه للطرق القصار والأبواب الواسعة، وإيثاره الطرق الطوال والأبواب الضيقة — كل هذه الخصال، التي يحدثنا بها بول فاليري عن صديقه وأثيره ديجاس قد حدثتنا بها القرون والأجيال عن أبي العلاء، إلا أن الأول كان مصورًا رسامًا، والآخر كان شاعرًا حكيمًا …»

أفصحيح أن المعري وديجاس شبيهان في خليقة واحدة؛ لأنهما على نفسيهما صارمان؟!

هنا قسوة وهناك قسوة، وهنا تعذيب وهناك تعذيب، ولكن أين قلق الفنان في سبيل الخلق من قلق الناسك في سبيل الإحجام؟ أين تعذيب الجواد بالسوط لينبعث ويسبق من تعذيب الجواد باللجام ليسكن ويكف عن الوثوب؟

أين اللزوميات وهي قيود، من «الأمبرشنالزم» وهي انطلاق من القيود؟ أين