و لقد شبهها أحد العلماء المفكرين بنحلتين حامتا حول زهرة واحدة ، ثم امتصتاها وسكبتاها عسلا صافياً لذيذا في انانئين مختلفين. هكذا شبهها هذا الحكيم ، وكأنه فريني الى الحقيقة ، وألمسني الواقع ، مضافا الى ماذكر لهما من وجوه الشبه ، التي لخصتها بما يأتي. اولا : ـ ان الطبيب، والشاعر كلاهما يجتمعان معا في استعمال الحدس الصائب، والتعمق في دقائق المحسوسات، وذلك لان الطبيب لا يبني فنّه إلا على المنطق والمحسوس ». وان منطقه هذا ليس سوى حدس وتخمين في الابتداء ، فهو بذلك كالشاعر الذي يتكلم بلسان الحدس والعاطفة ، ثم يسوق الامثلة المنطقية بعد نضوج حدسه ثانيا : ـ ان الطبيب هو الذي يلاحظ امراض الافراد ، واعراضهم ، فيصلحها بمعلاجه ، واستعمال صناعته ، وفنه المؤثر في الاجسام، بينما الشاعر يلاحظ امراض الامة الاجتماعية واعراضها ، فيعطيها وصفة دواء ناجع بصورة شعرية سامية ، يصلح بها اخلاقها، ويكون لها ابلغ الاثر في النفوس والعقول ، فالطبيب اذا طبيب افراد والشاعر طبيب امة؛وكلاها طبيب ـ وان شئت فقل -، الطبيب شاعر اجسام، والشاعر طبيب ارواح وكلاها شاعر. ثالثاً : ـ أن كلا من الطبيب والشاعر يدعو الى السلامة ، فالاول يدعو الى سلامة البدن ، والثاني يدعو الى سلامة الحس والشعور. رابعاً : ـ وجود كثير من الاطباء شعراء؛ بل شعراء من الطبقة الاولى، كمانري ان كثيراً منهم قد خلف من بين آثاره الطبية و الشعر الرائق ، والنظم البديع الحسن ، مثل ابن سيناء و ابن زهر ، و ابن دانيال ، وامية بن أبي الصلت ، وكثير غيرهم ممن تجدهم في كتابنا هذا . خامسا : ـ ان من معاني الادب الدأب ؛ وهو الاستمرار على العمـل حتى يكون عادة ، ومن معاني الطب ، العادة ايضا ، على حد قول الشاعر :
وقد جاء في القاموس ايضاً ، الطب ، مثلثة الطاء ، علاج الجسم، والنفس.